الإخبار عن الجريمة

المؤلف : سلطان الشاوي
الكتاب أو المصدر : اصول التحقيق الاجرامي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

لا يمكن التعرف على وقوع الجريمة ما لم يكن هناك إخبار عنها. (فالإخبار إذن هو ابلاغ السلطات المختصة بوقوع جريمة ينص عليها القانون الجنائي). فهو أول مرحلة من مراحل التحقيق حيث لا يمكن للمحقق ان يقوم بإجراءاته التحقيقية بدونه (1) وقد حددت المادتان (47)، (48) من قانون أصول المحاكمات الجزائية طبيعة الإخبار عن الجرائم وشروطه وأشخاص المبلغين ودورهم حياله (2). والإخبار اما ان يكون تحريريا او شفويا، وفي الحالة الثانية يجب على المحقق ان يدون أقوال المخبر ويوقع عليها هو والمخبر للرجوع اليها إذا ما ظهر كذب الأخبار.

وقد يحصل أحياناً ان يشاهد المحقق الحادثة بنفسه، وفي هذه الحالة يجب عليه تحقيقها متى كانت في دائرة اختصاصه او التبليغ عنها للمختص بتحقيقها على شرط اتخاذ الإجراءات التحفظية التي من شانها ابقاء محل الحادثة بالشكل الذي تركه عليه الجاني.
كيفية تصرف المحقق في الأخبار :
عندما يتلقى المحقق اخبارا عن جريمة ما عليه ان يعين تاريخ تحرير البلاغ ووقت حدوث الجريمة حتى يتمكن من معرفة الزمن الذي مضى على ارتكاب الجريمة قبل الإخبار عنها وإمكان وجود أثرها المادي لاتخاذ الاحتياطات المحافظة عليه والانتقال الى محل الحادثة. وكذلك لكي يتعرف على درجة اهتمام المبلغ فقد يكون التأخير للتلاعب في اكتساب الوقت لتدبير التلفيق او مساعدة الفاعل على اخفاء معالم الجريمة. وبعد ان يقوم المحقق بما ذكر في أعلاه عليه ان يفحص الأخبار جيدا لمعرفة ما جاء فيه ليتأكد من صحته. فاذا كان عن جريمة، استطاع ان يعرف نوعها ومحل ارتكابها وكيفية وقوعها وربما أمكنه الاستدلال من الفاعل وشركاءه مما اطلع عليه من الحوادث السابقة والمماثلة.

ومع ذلك لا يجوز له ان يكون رأيا قاطعا في الحادثة قبل ان يصل الى مكانها، اذ ربما كان الأخبار غير صحيح او قصد به المخبر الاساءة الى الغير وإلحاق الضرر به او التخلص من مسؤولية او الافلات من جريمة (3). وبعد ان يتأكد المحقق من صحة الأخبار يجب عليه ان ينتقل فورا الى محل الحادثة اذا كانت من الحوادث التي تتطلب الانتقال كجرائم القتل والحريق واتلاف المزروعات والسرقات وغيرها من الجرائم التي تقتضي طبيعتها سرعة الانتقال للمحافظة على مكانها وعدم تغيير معالمها واسعاف المصابين وأخذ أقوالهم قبل ان تدركهم الوفاة.
نفسية المخبر :
إن وضع المخبر الذي يبلغ عن حادثة ما الى السلطات المختصة مع عدم وجود أية علاقة ظاهرة بينه وبين وقائع الحادثة او على الأقل عدم وجود آية مصلحة ظاهرة له من الحكم فيها يثير بعض الشكوك لأنه يتدخل في أمر لا يحصل منه على فائدة ما، ولذا وجب على المحقق ان يبحث في نفسية مثل هذا الشخص المخبر حتى يتعرف على الأسباب التي تدعو الى الأخبار ثم بعد ذلك يمكن ان يحكم على مقدار صحة هذا الأخبار.
أنواع المخبرين :
هناك ثلاثة أنواع من المخبرين :
1-ان يتهم المخبر في إخباره شخصاً بارتكاب جريمة ضد المجني عليه وحينئذ يكون مخبراً عن الغير.
2-او ان يتهم المخبر نفسه فقط كأن يقرر في اخباره بأنه هو الذي ارتكب جريمة ضد شخص آخر وحينئذ يكون مخبراً عن النفس.
3-أو أن يتهم نفسه مع شخص آخر بارتكاب جريمة ضد ثالث وحينئذ يكون مخبرا عن النفس والغير معاً(4).
ففي الحالة الأولى :
قد يكون الأخبار حقيقيا او على الأقوال صادرا بنية حسنة، وذلك كما لو ارتكب جريمة أثناء شجار بين عدة أشخاص فيخيل بحسن نية الى احد الحاضرين ان مرتكبها شخص معين من أحد المتشاجرين بينما الحقيقة هو أنه شخص آخر فيتقدم الشخص الذي كان حاضرا كشاهد ويخبر بما يعتقد حصوله. وفي بعض الأحيان قد يتهم المخبر شخص اخر ولو انه يعتقد ببراءته ولكن يدفعه الى هذا الأخبار الكاذب دوافع انانية كالحقد والكراهية والغيرة والإنتقام.. إلخ. وهناك من الأمراض النفسية والعقلية (كالهستيريا والبارانويا) قد تدفع المريض الى الرغبة دائما في تقدم اخبارات كاذبة ضد أفراد آخرين، ويلاحظ بأن هذا النوع من الاخبارات من قبل هؤلاء الأشخاص يكون غالبا في غاية الاتقان، ولكن من السهل جدا في الوقت نفسه ان يدرك المحقق الحقيقة وذلك بعد دراسة المخبر لمعرفة جميع الاعراض التي تظهر عليه إذ أن لهذه الامراض اعراضا ملازمة تظهر على الأشخاص المصابين بها.
اما بالنسبة للحالة الثانية :
فيلاحظ ان معظم أسباب التبليغ عن النفس تعود الى أمراض نفسية او عقلية مزمنة تدفع المصاب بها ان يقدم اخبارا ضد نفسه بالرغم من كونه بريئاً ليتخلص من شعوره بالذنب أو إرضاء لشهوة الظهور .. إلخ. وقد يحصل أحياناً ان المخبر عن النفس يقوم بهذه العملية لتخليص آخرين من التهمة التي قد تلصق بهم، فقد اتهم ثلاثة أشخاص بقتل آخر عمدا مع سبق الاصرار بإطلاق عيارين ناريين عليه فقتلوه.

وبدأ تحقيق الحادث بإخبار تقدم به احد الأشخاص قال فيه : أن شجارا حدث بينه وبين المجني عليه بسبب جني القطن وكان المجني عليه يمسك بندقية وصوبها على المخبر فأسرع الأخير وأمسك منه البندقية واخذ هو والمجني عليه يتجاذبانها وأثناء ذلك خرجت الطلقة فأصابت المجني عليه بدون قصد. ولما سئل شهود الحادث كذبوا هذه الرواية وشهدوا برؤيتهم المتهمين وهم يطلقون الأعيرة النارية على المجني عليه بنية قتله. ولما فحص الطبيب الشرعي الجثة كذب رواية المخبر وأيد شهادة شهود الاثبات. فنحن هنا أمام صورة إخبار كاذب عن النفس الغرض منه إبعاد التهمة عن المجرمين الحقيقيين (5).

أما بالنسبة للحالة الثالثة :
فقد يشعر بعض الافراد برغبة الانتقام من آخرين لحقد في نفوسهم او لكراهية شخصية فيسعون للإيقاع بهم مقدمين اخبارات كاذبة ضدهم، ولكي يلقوا ستارا على ما يريدون ويجعلوا لرغباتهم صيغة الحقيقة وعدم التحيز يشركون أنفسهم في الوقت نفسه في المسؤولية مع المخبر عنهم. ان هذه الحالة تستدعي من المحقق حذرا اكثر من سابقاتها لخطورتها ودقتها ولكن يسهل في الوقت نفسه على المحقق الحاذق ان يصل الى الحقيقة بدراسة اخلاق المخبر ونفسيته وماضيه مع دراسة متعمقة لكافة ظروف القضية نفسها. يستخلص مما تقدم أنه اذا تقدم الى المحقق شخص من تلقاء نفسه ليبلغ عن حادثة ما ولم تكن هناك ظروف قوية وأدلة مادية تؤيدها يجب عندئذ البحث في نفسية الشخص المخبر لأنها تكشف لنا عن حقيقة الموضوع.
__________________
1-انظر الأمير العكيلي، المرجع السابق، ص5، عباس الحسيني، شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية الجديدة، المجلد الأول، 1971 بغداد، ص130.
2-فالمادة (47) قد نصت، لمن وقعت عليه جريمة ولكن من علم بوقوع جريمة تحرك الدعوى فيها بلا شكوى او علم بموت مشتبه به ان يخبر حاكم التحقيق او المحقق او الادعاء العام او احد مراكز الشرطة، اما المادة (48) فقد نصت على (كل مكلف بخدمة عامة علم أثناء تأدية عمله او بسبب تأديته بوقوع جريمة او اشتبه في وقوع جريمة تحرك الدعوى فيها بلا شكوى وكل من قدم مساعدة بحكم مهنته الطبية في حالة يشتبه معها بوقوع جريمة وكل شخص كان حاضرا ارتكاب جناية عليهم ان يخبروا فورا أحدا ممن ذكروا في المادة (47)، وقد عاقب المشرع من يمتنع عن القيام بهذا الواجب بالحبس او الغرامة استنادا للمادة (247) من قانون العقوبات العراقي.
3-انظر كامل أحمد ثابت، المرجع السابق، ص103-107.
4-(يا أيها الذين ءامنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) القرآن الكريم.
5-انظر محمد أنور عاشور، المرجع السابق، ص37 – 38.

نتمنى ان تكون قد استمتعت في قراءة ، مقال حول أهمية الإخبار عن الجريمة في التحقيق الإجرامي .