مصر : البيتكوين جريمة اقتصادية 

القاهرة – توحي قرارات عدّة بأنّ المجتمع المصريّ محافظ إقتصاديّاً ولا يميل إلى قبول التجارب الجديدة، ومن أبرز القرارات اللاّفتة إلى ذلك رفض البنك المركزيّ التعامل بعملة “البيتكوين”، إذ أعلن نائب محافظ البنك المركزيّ للاستقرار المصرفيّ جمال نجم في بيان السبت في 17 حزيران/يونيو، أنّ المركزيّ يرفض التعامل بالعملات الافتراضيّة نهائيّاً، ولا يعترف إلاّ بالعملات الرسميّة.

كما نفت نائبة محافظ البنك المركزيّ للاستقرار المصرفيّ لبنى هلال في بيان بـ24 حزيران/يونيو أيّ أنباء تردّدت عن دراسة للسماح بتداول “البيتكوين”، وقالت: لم تصدر أيّ تصريحات في خصوص ذلك.

وجاءت بيانات جمال نجم ولبنى هلال، عقب إلقاء القبض في 3 حزيران/يونيو، على طبيب أسنان “يدير شبكة للإتجار في البيتكوين أمام الدولار واليورو”، كما جاء في منشور رسميّ لوزارة الداخليّة في صفحتها الرسميّة بـ3 حزيران/يونيو، وعقب انتشار أنباء عدّة على المواقع الإخباريّة ومواقع التواصل الإجتماعيّ في 16 و17 حزيران/يونيو عن دراسة البنك المركزيّ المصريّ السماح بالتداول والتعامل في عملة “البيتكوين” الافتراضيّة.

ويشار إلى أنّ “البيتكوين” هي عملة افتراضيّة لا وجود لها خارج شبكة الإنترنت، أسّسها شخص اسمه الحركيّ عبر شبكات الإنترنت ساتوشي ناكاموتو خلال عام 2009، وتوسّع تداول العملة مع ارتفاع قيمتها والطلب عليها في الأعوام الثلاثة الماضية بشكل لافت بسبب تزايد الطلب عليها مع انتشار الأنباء عنها وتحقيق البعض مكاسب من المضاربة عليها ببيعها ثم شرائها بأسعار أغلى في وقت قصير وبسبب تأسيس بنوك الإنترنت الخاصة بها وأخيرا بسبب تزايد نشاط التنظيمات الإرهابية التي تستخدمها كوسيلة للبيع والشراء.

ويميّز “البيتكوين” عنصر السريّة وعدم القدرة على تتبّعها أو تتبّع أصحابها، إذ أنّ كلّ شخص يملك محفظة ماليّة بـ”البيتكوين” يكون له اسم سريّ وكلمة سرّ على أحد المواقع الإلكترونية (بنوك) لـ”البيتكوين”، ولا يعرف أحد غيره الاسم أو كلمة السرّ بخلاف البنوك الواقعيّة التي يسهل على أجهزة الأمن تتبّع عملائها وأرصدتهم والحركة الماليّة لحساباتهم. كما تتميّز العملة الافتراضيّة بسرعة نقلها وعدم الحاجة إلى ساعات أو أيّام عدّة لإجراء تحويل من بنك إلى آخر أو دولة إلى أخرى، كما هي الحال مع البنوك والعملات التقليديّة.

وتتباين التشريعات والقواعد المنظمة لتداول الـ”بيتكوين” حول العالم، حيث إنه لا يوجد تشريع واضح ينظمها في أغلب البلدان باعتبارها ظاهرة حديثة، إلا أنه في 4 يوليو 2017، حذرت المملكة العربية السعودية من تداولها لما لها من نتائج سلبية محتملة على المتداولين لها باعتبارها عملة لا تخضع لأي ضوابط أو تنظيم، بينما أعلنت روسيا في مايو 2017 إنها تدرس تقنين تداول “البيتكوين”.

وعن الجهة القانونيّة، قال المحامي والخبير في قضايا النزاعات الإقتصاديّة محمود حلمي لـ”المونيتور”: “إنّ الموقف القانونيّ المصريّ ليس موقفاً من عملة البيتكوين في حدّ ذاتها، إلاّ أنّ القانون رقم 38 لسنة 1994 القاضي بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبيّ ولائحته التنفيذيّة الصادرة في العام نفسه حصرا التعامل في النقد الأجنبيّ على المصارف المعتمدة من الجهات المختصّة مثل البنك المركزيّ والبنوك وشركات الصرافة وبعض شركات التأمين والسياحة والعاملين في مجالات الملاحة، نظراً لحاجة تلك الشركات إلى التعامل السريع في النقد الأجنبيّ”.

أضاف: “طبيب الأسنان المقبوض عليه، ليس من الجهات المرخّصة، وذلك ربّما يكون السبب وراء القبض عليه، إضافة إلى أنّ قانون العقوبات المصريّ وضع في المادّة 336 منه تعريفاً فضفاضاً لجريمة النصب، ويرتكز التعريف على عدد من العوامل إن تحقّقت في الواقعة المنظورة، وقعت بالتبعيّة جريمة النصب، ومن أهمّ تلك العوامل أن يخلق الجاني لدى المجني عليه الرغبة في الحصول على ربح وهميّ بنيّة الحصول على منفعة مثل المال المنقول. وربّما تعتبر جهات التحقيق، إضافة إلى القضاء، أنّ بيع “البيتكوين” مقابل النقد الأجنبيّ من يورو أو دولار واقعة نصب في حال التأكّد من أنّ الحصول على العملة الافتراضيّة يمثّل ذلك الربح الوهميّ لأنّها عملة غير معترف بها في مصر ودول عدّة، ولا توجد جهة محدّدة أو عمليّات تداول معلنة في الأسواق الحرّة تحدّد سعرها”.

ومن الناحية الإقتصاديّة، قال الباحث الإقتصاديّ والمصرفيّ في جامعة الزقازيق أشرف إبراهيم لـ”المونيتور”: “إنّ المخاوف من السماح بـالبيتكوين تعود لكونها غير مدعومة من أيّ حكومات أو دول سياساتها الماليّة واضحة. وبالتّالي، يمكن أن يقفز سعرها إلى أعلى المستويات في لحظة، وينهار في لحظة. كما يمكن أن يشتري شخص بكلّ ثروته أرصدة بيتكوين ليفاجأ بأنّ الشركات والمواقع الإلكترونيّة الداعمة لتلك العملة أغلقت أو أفلست وضاعت ثروته، وهو أمر لا يحدث مع الحكومات التي تضمن الغطاء النقديّ المحليّ والأجنبيّ لأرصدة البنوك باحتياطيّ نقديّ أو مشاريع واستثمارات وغيرها من الضمانات”.

أضاف: “رفض البنك المركزيّ تلك العملة لأنّ الدولة تستطيع مراقبة العملات التقليديّة المحليّة والأجنبيّة، وتستطيع أن تفرض على حركتها وتحويلاتها من مصر وإليها رسوماً. وبالتالي، تستطيع أن تفرض ضرائب على ما تولّده تلك الأموال من أنشطة استثماريّة وتجاريّة، وهو ما لا يستطيع البنك المركزي القيام به في التعامل مع “البيتكوين”. كما يسهل من خلال تتبّع العملات التقليديّة تتبّع تمويل النشاطات الإجراميّة والإرهابيّة. وفي حال إقرار التعامل بـالبيتكوين، تفقد الدولة تلك السيطرة”.

بدوره، قال رئيس قسم البحوث والدراسات السابق في البنك الوطنيّ المصريّ أحمد آدم لـ”المونيتور”: “أؤيّد رفض البنك المركزيّ التعامل بالبيتكوين لأنّ سريّة التعامل بالعملة، ربّما تكون باباً للتوسّع في عمليّات تمويل الإرهاب وغسيل الأموال. كما قد تؤدّي إلى ضياع ثروات المصريّين وسيولة النقد الأجنبيّ في مصر إن أقدم العديد من حملة النقد الأجنبيّ على شراء تلك العملة مقابل ما يملكونه من دولار ويورو يتمّ تحويله إلى الخارج، الأمر الذي يؤدّي إلى تراجع رؤوس الأموال الأجنبيّة في مصر، وبالتبعيّة زيادة سعرها مقابل الجنيه”.

ويبدو أنّ هناك إجماعاً بين الخبراء المصرفيّين على خطورة التداول بـ”البيتكوين”، الذي يضعه القانون المصريّ ضمن الجرائم الإقتصاديّة حتّى الآن، ولكن رغم التجريم ما زالت مخاطره قائمة، إذا أقبل المصريّون على شراء هذه العملة الافتراضيّة بكثافة طمعاً في تحقيق مكاسب سريعة نظراً لما تحقّقه من مكاسب ضخمة على حساب العملات التقليديّة.

وجد في :FOREIGN EXCHANGE, EGYPTIAN POUND, CURRENCY, TERRORISTS, CAIRO, BANKS, CENTRAL BANK

ديفيد عوض صحفي مصري بدأ حياته العملية كمتدرب في الأهرام الاقتصادي ثم انتقل ليكون معدا في راديو مباشر الاقتصادي، مهتم بقضايا الاقتصاد والإعلام والفنون.