حق الممارسة الإعلامية في الجزائر بين الحرية و الأخلاقيات المهنية

 

– دراسة لواقع الصحافة الالكترونية في ضوء قانون الإعلام 2012-

د. محمد برقان، كلية العلوم الإنسانية والعلوم الإسلامية – قسم علوم الإعلام والاتصال –

جامعة وهران1 أحمد بن بلة، الجزائر

ملخص
شهدت الجزائر- بعد أحداث أكتوبر 1988 – نقلة نوعية في المجال الإعلامي وبخاصة بعد فتح المجال للتعددية الإعلامية الذي أقره دستور 1989، والتي تمخض عنها ظهور العديد من الصحف والمجلات تشكل جميع الأطياف السياسية المتواجدة على الساحة، وعرفت الصحافة المكتوبة مراحل متعددة في تاريخ التعددية الإعلامية وصولا إلى مرحلة الصحافة الالكترونية ويروم بحثنا هذا استقراء واقع الممارسة الإعلامية في الصحافة الجزائرية وبخاصة الالكترونية وجدلية الحرية والأخلاقيات المهنية في ضوء قانون للإعلام في الجزائر ( قانون2012 )

مقدمة

عرفت الجزائر- بعد أحداث أكتوبر 1988 – نقلة نوعية في المجال الإعلامي وبخاصة بعد فتح المجال للتعددية الإعلامية الذي أقره دستور 1989، والتي تمخض عنها ظهور العديد من الصحف والمجلات تشكل جميع الأطياف السياسية المتواجدة على الساحة، وعرفت الصحافة المكتوبة مراحل متعددة في تاريخ التعددية الإعلامية، من عصر ذهبي في حرية التعبير إلى انحصار هذه الحرية بعد إقرار حالة الطوارئ 1992، ثم إلى ضغوطات سياسية وأمنية أملتها طبيعة الظروف الأمنية التي عرفتها الجزائر آنذاك وخلال أكثر من عقد من الزمن إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم .

أعقبت هذه المرحلة بروز مرحلة الصحافة الالكترونية كطبعة إعلامية جديدة ومكملة في الوقت ذاته للإعلام التقليدي، لتتحول في فترة وجيزة، إلى وسيلة وظاهرة إعلامية ذات أبعاد متعددة،تمتد إرهاصاتها إلى تغير الإنتاج الإعلامي والسلوك الاستهلاكي للقراء وكذا توجهاتهم ومواقفهم تجاه القضايا الوطنية والدولية الراهنة.

يقوم هذا النمط الإعلامي على الآنية وتقاسم الأحداث عالميا بدون قيود جغرافية،بالإضافة إلى امتزاج الثقافات وإلغاء الخصوصية، بالإضافة إلى بث العادات والقيم على نطاق غير محدود.من جهتها تعتمد الصحافة الالكترونية على جهاز إداري وطاقم تحريري يستغني عن الطبع، الذي يستبدله بالنشر الالكتروني كما يرتبط استمرارها في سوق الإعلام بمداخيل الإشهار الالكتروني، كما تميزها خاصية الانفلات من الرقيب الإعلامي الذي يشكل هاجس الصحف الورقية.

بعد صدور نسخا الكترونية لعناوين صحفية ورقية في الجزائر ظهرت في المسرح الإعلامي صحفا الكترونية قائمة بذاتها.و حدث ذلك نتيجة لتوسع استخدام الانترنت بالنسبة لجمهور القراء مع قلة التكاليف، بالمقارنة مع الصحف التقليدية (الورقية). لذلك سنحاول في هذه الدراسة الإجابة على الإشكالية التالية: ما هو واقع الممارسة الإعلامية في الصحافة الالكترونية في ضوء قانون الإعلام 2012؟، وهل تستجيب من حيث ممارستها لأخلاقيات المهنة الإعلامية وقضايا المجتمع الجزائري ؟.

سنعتمد في هذه الدراسة على المقاربة التحليلية لنصوص مواد قانون الإعلام 2012 التي أشارت إلى الصحافة الالكترونية الموجودة في الساحة الإعلامية الوطنية،إضافة إلى القيام بمسح لأهم الصحف الالكترونية الجزائرية، وذلك بهدف كشف الثغرات التي يحتوي عليها قانون الإعلام 2012 والنقاط التي تجاهلها أو تركها عرضة للتأويل والالتباس وصولا إلى وضع مقترحات تدعو إلى تنظيم هذا القانون وتكيفيه مع طبيعة المجتمع وطموحه مع مواكبة ركب الإعلام الالكتروني الاحترافي العالمي.

نظرة عامة عن الصحافة المكتوبة في الجزائر بعد التعددية
شهدت الجزائر بعد التعددية بروز”عدة عناوين للصحافة المكتوبة بعد أن كانت الساحة الإعلامية تجاوز 49 عنوانا تابعا للقطاع العام منها 06 يوميات وستة أسبوعيات إضافة إلى عدد من الدوريات ثم قفز العدد بعد سنوات إلى 35 يومية و100 أسبوعية و86 دورية أي بمجموع 221 عنوان. وهو رقم قياسي في تاريخ الصحافة الجزائرية آنذاك ساهمت السلطة كما يقول المحامي مقران آيت العربي: “… بدلا من تشجيع الصحفيين المحترفين لتأسيس يوميات ودوريات بالعدد المعقول في إطار التعددية الإعلامية سمحت بظهور عشرات العناوين بدون مبرر، كما سلمت لأشخاص لا علاقة لهم بمهنة الصحافة البطاقة المهنية، لأن هذا الرقم سرعان ما تراجع بعد سنة فقط إلى 119 عنوانا ثم إلى 94 عنوانا سنة 1995، و85 عنوانا سنة 1996 ثم 75 عنوانا سنة 1997،قبل أن يرتفع العدد مرة أخرى سنة 1999 إلى 250 نشرية، كانت نتيجة إنشاء مؤسسات خاصة تنشط خصوصا في مجال الصحافة المكتوبة ويستقر في سنوات 2003 إلى 2006 في حدود 132 عنوانا”[1]وصل مع نهاية 1999 إلى 250 نشرية بالعربية والفرنسية”[2]. فمن بين 823 عنوانا الصادر في الفترة ما بين 1989و 1999، لم يتبق منها سوى 129 عنوانا خلال العام 2001.[3]

هذا الكم الهائل من العناوين الصحفية أتى نتيجة “التسرع والارتجال، فما حدث على مستوى الأحزاب السياسية ( تأسيس أكثر من 60 حزبا في فترة وجيزة )، تكرر في الميدان الإعلامي وهذا ما أدى إلى صحافة ضعيفة، صحافة متعددة لكن ذات خطاب واحد ينعدم فيها الاستقصاء، الدراسات والتحاليل، صحافة تتشابه.”[4] والذي جاء نتيجة لقلة التجربة والتكوين الصحفي المؤهل للعمل المحترف بالإضافة إلى تركيز معظم العناوين الصحفية التي أنشئت خلال هذه المرحلة، على الربح التجاري وبالتالي لم تكن تبحث عن متطلبات القراء في نوع المعلومة والسهر على نقلها بموضوعية بقدر ما كان بعضا منها منبرا لترويج الأفكار السياسية والدعائية.إذ لو نتمعن في فترة التسعينيات نجد أنها شهدت صراعا سياسيا كبيرا حول السلطة كون التعددية لم تكن إعلامية فحسب، بل سياسية بالدرجة الأولى.

حرية الصحافة في الجزائر في مرحلة ما بعد التعددية:
يشير مفهوم حرية الصحافة إلى “عدم وجود إشراف حكومي أو رقابة من أي نوع، كما تعني حق الناس في إصدار الصحف دون قيد أو شرط.”[5]، فإذا ما تحقق تطبيق التعامل بمبدأ الحرية في مجال الإعلام يمكن أن يتجسد تحقيق العبارة التي تشير إلى أن ” الرأي العام هو السلطة وهو الذي يحكم”[6].إلا أن ذلك لن يتحقق إلا بالسعي نحو “التكفل التام والحقيقي من طرف رجال الإعلام وتقديم تعريف لها أو بمشاركتهم، تحديد دورهم، أهدافهم، مهنتهم ومهمتهم الاجتماعية مع التزاماتهم، واجباتهم ومسؤولياتهم.”[7]

عرفت الصحافة المكتوبة في الجزائر عصرا ذهبيا في فترة التعددية السياسية لكنه كان قصيرا، حيث صحبت معها ظهور عناوين مستقلة وأخرى خاصة. فمنذ سن قانون أبريل 1990، حدث تغيرا في توجهات الطبقة السياسية وطموحات المجتمع، ليعكس تيارات فكرية مختلفة، بعضها موالية للسلطة وأخرى متمردة عليها، لتظهر عناوين خاصة تعالج مواضيع بعضها كانت جد ناقدة، مما أدى بها إلى التعرض إلى سلسلة من المحاكمات، التعليقات وحتى التوقيف النهائي عن الصدور، بغض النظر عن الضغوط الأخرى التي اتخذت طابع التمويل واحتكار الإشهار، فأضحت الصحافة محاصرة بين مطرقة السلطة وسندان الظروف العصيبة التي مرت بها الجزائر، لتتقلص إثرها حدود حرية التعبير.[8]

انطلاقا من مسح عام لمختلف المواثيق، المراسيم وقوانين الإعلام العضوية التي عرفها قطاع الإعلام في الجزائر بعد التعددية، فإن مبدأ حرية الإعلام والصحافة قد ذكر تقريبا في كل هذه النصوص التشريعية، التي عرفت صدورا عبر الجريدة الرسمية وأيضا تلك التي جمدت ولم ترى النور. إذ عرفت صدور أول قانون متعلق بالصحفي سنة 1968، ليليه أـول قانون عضوي للإعلام سنة 1982، اللذان اعتبرا الصحفي موظفا مجندا لخدمة البرامج والسياسات الحكومية. ثم عرفت فترة التعددية سلسلة أخرى من النصوص التشريعية التي تقر بمبدأ حرية التعبير والصحافة التالية: قانون 1990 وقانون 2012 للإعلام [9] كقانونين صدرا في الجريدة الرسمية، إضافة إلى سلسلة من مشاريع قوانين هي: المرسوم التشريعي لسنة 1993، ومرسوم 1994 اللذان عرفا تطبقا فعليا حيث صدر الأول في إطار إلغاء المجلس الأعلى للإعلام، فيما قام الثاني بإلحاق المؤسسات الإعلامية الوطنية بوزارة الاتصال في السنة التي صدر فيها. كما صدرت أيضا تعليمة رئاسية للرئيس ليامين زروال سنة 1994 التي تضمنت الحق في التعبير والإعلام مع تطبيق مبدأ الخدمة العمومية، تلتها الجلسات الوطنية للاتصال في نهاية شهر ديسمبر 1997. عرفت أيضا الساحة الإعلامية بعد هذه الفترة مشاريع قوانين إعلامية لم ترى النور تمثلت في: مشروع قانون الإعلام 1998، مشروع قانون الإعلام لسنة 2000، مشروع قانون إعلام 2001، مشروع قانون الإعلام 2002، مشروع قانون إعلام 2003، ومشروع 2007 والذي صدر سنة 2008 في الجريدة الرسمية ينظم علاقة الصحفي بمؤسسته المهنية (علاقات العمل).

يشار إلى أن آخر قانون إعلام صدر في جانفي(يناير) سنة 2012، والذي فتح المجال بشكل أوسع لحرية التعبير والصحافة، التي دعمها الدستور الجزائري الجديد الصادر يوم 6 مارس 2016[10] الذي ألغى عقوبة سجن الصحفي إضافة إلى إقراره لحرية الصحافة في المادة 50 من الفصل الرابع.

3-1 الصحافة الالكترونية في الجزائر: المفهوم والتطور

تمثل الصحف التي تستخدم الانترنت كقناة لانتشارها بالكلمة والصورة الحية والصوت أحيانا وبالخبر المتغير آنيا[11] وتعرف بعدة مسميات: الصحافة الالكترونية، الصحافة الرقمية، صحافة الانترنت، الصحافة الفورية، الصحافة التفاعلية، الصحافة اللاورقية… وغيرها. فهي تجمع بين سمات الصحافة التقليدية (الورقية) وخدمات الشبكة العنكبوتية، وهي إحدى وسائط الإعلام الجديد.

ظهرت الصحافة الالكترونية في الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، حيث كانت بدايتها عبارة عن نسخ إلكترونية للعناوين المطبوعة. حيث نجد أن معظم العناوين الإعلامية والتي تقدر ب 19 عنوانا إعلاميا وأكثر من 46 صحيفة يومية تعتمد في غالبيتها على النشر الإلكتروني كوسيلة لتوزيع مضمونها بدور تكميلي لنسخة مطبوعة. حيث صدرت جريدة الوطن نسخة الكترونية في نوفمبر 1997، ثم نسخا الكترونية ليوميتي ليبرتي والخبر سنة 1989.[12] إضافة إلى ظهور صحفا الكترونية قائمة بذاتها مثل: “كل شيء عن الجزائر” (TSA) التي أصبحت لها مكانة مميزة في سوق الإعلام الالكتروني الراهن، والتي تلاها نشوء عدة صحف الكترونية ذات طابع إخباري ومتنوعة المواضيع والمتفاعلة مع جمهور قراءها.

شهدت الصحافة الالكترونية – مع مرور الزمن – إقبالا كبيرا لفئة الشباب وخاصة بما يتعلق بالتعبير عن وجهات نظرها حول القضايا السياسية الداخلية والخارجية عن طريق التفاعل مع المواضيع المنشورة.و تؤكد ذلك أكثر نتائج دراسة عربية عن سوق الصحافة الالكترونية العربية، (من حيث) بعض سمات وخصائص قراء الصحف الالكترونية، من حيث أنهم في الغالب ذكور وشباب ويشكل الطلبة والمهاجرون العرب نسبة كبيرة منهم.[13] كما جعلت الصحافة الالكترونية الشباب “ليس متابعا فقط، بل مفكرا ثم مشاركا في الأحداث من حوله، وقد ظهرت هذه المشاركات في التعليقات والمناقشات داخل المواقع ثم تصاعدت في إرسال الأخبار ولقطات فيديو ووصلت للذروة عندما بدأ الشباب يتفاعل ويشارك في تكوين صحيفته الخاصة به عن طريق المدونات.”[14] وقد عمدت شبكات الإعلام العالمية عليهم في بث الأخبار التي شكلت سبقا صحفيا.

3 -2 ميزات الصحافة الالكترونية وانجازاتها:

من أهم ميزات الصحافة الالكتروني، التحول من النظام التماثلي إلى الرقمي، التفاعلية، تفتيت الاتصال، اللاتزامنية، قابلية الحركية، وقابلية التحويل، التوصيل، الشيوع والانتشار[15]. وغيرها من السمات وتشير “التفاعلية إلى إمكانية أن يكون للمشاركين في عملية الاتصال تأثيرًا على أدوار الآخرين، ويكون بوسعهم التفاعل معها ويكمن خطرها في أن المضمون الاتصالي المتبادل لا يخضع لسيطرة الدولة، ويخترق حدودها، فضلاً عن أنه يعمل على إعادة تنشئة المتواصلين وفق قيم عالمية، تتعدى على قيم المواطنة المحلية، وهو ما يتطلب وضع إستراتيجيات، تراعي حريات التعبير، مثلما تهتم بحماية المجتمع.[16] وتعد هذه السمات مشتركة بين الإعلام السمعي – البصري الالكتروني والصحافة الالكترونية التي تجذب أكثر فأكثر الجمهور، والتي لها طابع تحريري يعتمد على “أسلوب مختصر جدا ودقيق ومباشر ولكنه بسيط لأن المحتوى مدعم .

وإذا أتينا إلى انجازات الصحافة الالكترونية نجد أنها ساهمت في تغيير الصيغة الإعلامية وتحرير الفكر الإنساني، كما فتحت الطريق أمام المبدعين وقوى المعارضة وأصحاب الفكر المستقل مقارنة بالصحافة المطبوعة ووسائل الإعلام الأخرى التي مارست دور التعتيم الإعلامي على هذه الفئات لصالح سلطات متنوعة وجماعات ضغط بعينها، لذا فلها تأثير قوي على الجماهير وعلى التعبير عنهم وتشكيل الرأي العام وتحريك الجماهير لدعم قضية عامة،ومن ثم فلها تأثير أقوى على صانع القرار مقارنة بالصحف المطبوعة ووسائل الإعلام الأخرى. باعتبارها عززت من قيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والثقافية والسياسية.

كما ساهمت الصحافة الالكترونية في تطوير جمهورها الخاص الذي يحمل بالضرورة أجندة مختلفة، وطورت سياستها التحريرية تبعا لتغير الجمهور وطبيعته وعاداته.بالإضافة إلى تطوير تقنياتها الخاصة مستفيدة من إمكانات الكمبيوتر وشبكة الإنترنت التي تجمع بين مميزات الصحيفة والراديو والكتاب والتلفزيون المحلي والفضائيات.” [17]

الصحافة الالكترونية في الجزائر و قانون الإعلام 2012 [18]
يتبادر إلى الذهن لأول وهلة أن قانون الإعلام يعني تلك النصوص القانونية التي تضعها السلطات العامة في الدولة لتقييد حرية التعبير، غير أن هذه الحدود الضيقة التي تتضمن هذه الفكرة أصبحت في الوقت الراهن شيئا لا يهتم به بالنسبة للمفهوم الحديث لقانون الإعلام الذي يمكننا أن نعرفه بمجموعة القواعد القانونية التي تحكم المؤسسات الإعلامية المختلفة والعاملين فيها داخليا وخارجيا.[19]

يتضمن هذا القانون اثنا عشر بابا حيث يحتوي الباب الأول منه على أحكام عامة، وخص الباب الثاني بنشاط الإعلام عن طريق الصحافة المكتوبة: (إصدار النشريات، التوزيع والبيع في الطريق العام) أما الباب الثالث فاهتم بسلطة ضبط الصحافة المكتوبة، بينما تمحور الباب الرابع حول النشاط السمعي – البصري (ممارسة النشاط السمعي- البصري، سلطة ضبط السمعي- البصري).

لعل أهم جديد تضمنه قانون الإعلام 2012 هو ذكره في الباب الخامس- لأول مرة – وسائل الإعلام الالكترونية، مقارنة مع قوانين الإعلام التي عرفتها الجزائر منذ استقلالها. أما الباب السادس ففصل طويلا في مسألة مهنة الصحافي مع أخلاقيات وآداب المهنة. كما تناول الباب السابع حيثيات حق الرد وحق التصحيح، بينما عالج الباب الثامن، المسؤولية المتعلقة بممارسة النشاط الصحفي. واهتم الباب التاسع بالمخالفات المرتكبة في إطار ممارسة النشاط الإعلامي أما الباب العاشر فنص على دعم الصحافة وترقيتها. هذا وذكر نشاط وكالات الاستشارة في الاتصال في الباب الحادي عشر، كما أدرجت أحكام انتقالية في الباب الثاني عشر والأخير.

عملا على ترقية الإعلام الإلكتروني، يضمن هذا القانون حرية ممارسة النشاط المكتوب، السمعي – البصري والإلكتروني في ظل احترام القيم والثوابت الوطنية ومبادئ الدستور، قوانين الجمهورية، الوحدة الوطنية مع أمن وسلامة التراب الوطني.بدوره،احتوى الباب الخامس من هذا القانون على ست مواد تتعلق بوسائل الإعلام الالكترونية، حيث يشكل تقدما معتبرا وإضافة جديدة تضمنها هذا القانون. حيث أن المادة 67 قدمت تعريفا للصحافة الالكترونية جاء فيها “يقصد بالصحافة الالكترونية في مفهوم هذا القانون العضوي، كل خدمة اتصال مكتوب عبر الانترنت موجهة للجمهور أو فئة منه وينشر بصفة مهنية من قبل شخص طبيعي أو معنوي يخضع للقانون الجزائري ويتحكم في محتواها الافتتاحي”. كما تقدم المادة 68 طبيعة نشاط الصحافة الالكترونية، وفيها “يتمثل نشاط الصحافة المكتوبة عبر الانترنت في إنتاج مضمون أصلي موجه إلى الصالح العام، ويجدد بصفة منتظمة ويتكون من أخبار لها صلة بالأحداث وتكون موضوع معالجة ذات طابع صحفي.لا تدخل المطبوعات الورقية ضمن هذا الصنف، عندما تكون النسخة عبر الانترنت والنسخة الأصلية متطابقتين”.

يعد هذا التحديد مكملا لتعريف الصحافة الالكترونية،و هو دقيق وصريح غير قبل للتأويل والتفسير.أما بقية المواد التي تضمنها هذا القانون، فقد أتت بمصطلحات مختلفة: كالإعلام الالكتروني أو النشر عن طريق الصحافة الالكترونية. بغض النظر عن المفاهيم والمصطلحات، يلاحظ أنه أدرجت أحكام وحدود نشاطها (الصحافة الالكترونية)مع بقية الوسائل الإعلامية الأخرى إما إشارة مقتضبة أو إيحاء غير مباشر، وذلك ما أثار جدلا واسعا من جهة، وغموضا مع التباس في المقصود من جهة أخرى.

فمثلا في المادة 73:نجد” يعد صحفيا محترفا في مفهوم هذا القانون العضوي كل من يتفرغ للبحث عن الأخبار وجمعها وانتقائها ومعالجتها أو تقديم الخبر لدى أو لحساب نشرية دورية أو وكالة أنباء أو خدمة اتصال سمعي- بصري أو وسيلة إعلام عبر الانترنت ويتخذ من هذا النشاط مهنته المنتظمة ومصدرا رئيسيا لدخله.

وفي المادة 100: “يجب على المدير مسؤول النشرية أو مدير خدمة السمعي البصري أو مدير وسائل الإعلام الالكترونية أن ينشر أو يبث مجانا أو تصحيح يبلغه إياه شخص طبيعي أو معنوي بشأن وقائع أو أراء تكون قد أوردتها وسيلة الإعلام المعنية بصورة غير صحيحة.”

أما المادة 115 من الباب المتعلق بالمسؤولية، تنص على “يتحمل المدير مسؤول النشرية أو مدير جهاز الصحافة الالكترونية، وكذا صاحب الكتابة أو الرسم مسؤولية كل كتابة أو رسم يتم نشرهما من طرف نشرية دورية أو صحافة الكترونية”. كما تطبق مواد الباب الخاص بالعقوبات والمخالفات على وسائل الإعلام الالكترونية أيضا. حيث تنص المادة 119: ” يعاقب بغرامة من خمسين ألف إلى مئة ألف دينار كل من نشر أو بث بإحدى وسائل الإعلام المنصوص عليها في هذا القانون العضوي، أي خبر أو وثيقة تلحق ضررا بسر التحقيق الابتدائي في الجرائم.

كما ذكرت المادة 116 من هذا القانون تسليط عقوبة على جهاز الإعلام في حال الإخلال بأحكام المادة 29 من هذا القانون بالوقف المؤقت أو النهائي للنشرية أو جهاز الإعلام (الإعلام السمعي – البصري) دون الإشارة إلى حجب موقع الصحيفة الالكترونية. ويعد ذلك تجاهلا وفراغا في هذا القانون، فأهم عقوبة تتعرض إليها الصحافة الالكترونية هو حجب الموقع من خلال الشركة المزودة للخدمة، كما تتحول إلى تجريم محتوياتها ومن ثم تطبيق قوانين التجريم عليهم.تجدر الإشارة إلى تجاهل المادتين: (117و 118) من هذا القانون الصحافة الالكترونية.

وفي المادة 124من القانون نجد مايلي: “تتقادم الدعوى العمومية والدعوى المدنية المتعلقتان بالجنح المرتكبة عن طريق الصحافة المكتوبة أو السمعية – البصرية أو الإلكترونية بعد ستة أشهر كاملة من ارتكابها.”

وأخيرا ورد في المادة 125: ” مع مراعاة أحكام المواد من 100 إلى 112 من هذا القانون العضوي يعاقب بغرامة مالية من مائة ألف إلى ثلاثمائة ألف دينار كل من يرفض نشر أو بث الرد عبر وسيلة الإعلام المعنية.” فهذه المادة جاءت بصيغة العموم ،و عليه تعكس هذه المادة التباسا بالنسبة للعاملين في الصحافة الالكترونية.

باستثناء الباب المتعلق بالعقوبات والمخالفات التي ذكرت صراحة معظم مواده الإعلام الالكتروني المكتوب تبقى النصوص الأخرى غامضة وقابلة للتأويل، باستثناء المادتين 117 و118 من هذا القانون. كما “لم تسلم مواد هذا القانون من النقد من طرف المختصين في مجال الإعلام، حيث اعتبر إبراهيمي أن قانون الإعلام الجديد” هو خطأ يصعب تصحيحه في السنوات القادمة .

وردا على سؤال موقع “الشروق أون لاين” حول دور قانون الإعلام الجديد في تنوير وتطوير وسائل الإعلام الإلكترونية، ذكر الصحفي تفرقنيت بان القانون ذاته لم يعط أهمية لوسائل الإعلام الالكترونية دون أن يفسر محتويات هذا القانون في شقه حول الإعلام الالكتروني، الذي مازال فتيا في الجزائر[20]. فالإطار القانوني لم تتحدد معالمه في بلادنا، في ظل عولمة الصورة والصوت وحتى القرارات مع التفاعلية التي تحدث مع مستخدمي وسائط الإعلام الجديد.

و تبقى المواد التي أتى بها قانون 2012 للإعلام ضعيفة وغير كافية أمام التهديد الكبير الذي يشكله الاستخدام والانتشار الواسع لوسائل الإعلام الالكتروني عبر قنواته المكتوبة والسمعية البصرية من جهة، كما غيب هذا القانون وسائط التواصل الاجتماعي التي تعد هي الأخرى بمثابة قنوات اتصالية الأكثر استعمالا لدى عامة الجزائريين، وما يشكله الاستخدام خاطئ أو غير مشروع قد يهدد الفرد والمجتمع على حد سواء.

من جانب آخر، لم تحظ الصحافة الالكترونية بمواد مفصلة في القانون الإعلام الجديد، حيث حسب تحليل المواد الوارد فإنها جاءت كإشارات مقتضبة كما أدرجت ضمنيا مع الصحافة الورقية بالرغم من الاختلاف بينها من حيث الطابع، الخصائص والسمات. لذا فالضرورة ملحة لتحديد مواد خاصة بالصحافة الالكترونية على الأقل، أو قانون مستقل ويعنيها مباشرة مع ضرورة بلورة وتحديد أخلاقيات العمل الصحفي بالنسبة للقائمين بالإعلام الجديد وكذا لمستخدمي التعامل مع الإعلام الجديد، كي يشكل نعمة وليس نقمة على المجتمع الجزائري.

الأخلاقيات المهنية والصحافة المكتوبة في الجزائر بعد مرحلة التعددية
أعطت اليونان القديمة اللغة الإنجليزية كلمة “أخلاقيات” (Ethic) وهي مشقة من اليونانية (Etho) “الروح”[21].هناك حافزان قويان للسلوك الأخلاقي: الحافز الأخلاقي (في ممارسة مهنة الصحافة) التي تستوجب على الصحفي التحلي بالأخلاق والحافز العملي، حيث تعزز الصحافة الأخلاقية مصداقية المؤسسة الصحفية.

إن العلماء يطلقون على أخلاقيات الصحافة كلمة الموضعية، فكل ظرف يختلف عن الآخر وكل قرار يجب أن يتماشى مع هذا الظرف[22]. ويقول محامي وسائل الإعلام جوزيف تي فرانك (Josef Tee FRANK): إن قواعد أخلاقيات الصحافة مازالت حتى الآن مجرد “نظام لسياسات تبحث عن أخلاقيات.”[23]

معظم الإعلاميين ينظرون إلى الأخلاقيات على أنها مجموعة من المبادئ والنظريات الفلسفية المعقدة والتي يصعب تطبيقها وأنها تتناقض مع ظروف العمل الإعلامي ومتطلباته وتحد من حريتهم في الحركة وقدرتهم على تغطية الأحداث، ولكنهم مضطرون إلى تبرير أعمالهم بشكل عام وتجنب النقد الموجه إلى وسائل الإعلام من الجمهور والمجتمع.[24]

يمكن أن تتضمن قوانين الإعلام مجموعة من المبادئ الأخلاقية لممارسة الصحافة كما يمكنها أن تصدر في مواثيق خاصة تدعى مواثيق الشرف. تتفرع إلى مواثيق شاملة لكل الوسائل الإعلامية ومواثيق خاصة بكل وسيلة إعلامية على حدا. أما من ناحية التطبيق فإنها إما مواثيق إلزامية بمعنى تخضع الصحفي إلى الالتزام وجوبا بالتحلي بأخلاق معينة، وإن استهان بها فإنه يتعرض إلى عقوبات وإما مواثيق اختيارية، وفي هذه الحالة يتوقف الأمر على الصحفي من حيث اتسامه بالنزاهة والمهنية وتمتعه بالضمير الأخلاقي أمام المجتمع ومؤسسته الإعلامية خلال ممارسته مهنته وعدم التعسف فيها.

تعد مواثيق الشرف أو مواثيق الأخلاق المهنية “مكملة للحقوق والضمانات المكفولة للقائمين بالاتصال، إذ تعكس وتحدد الحقوق والضمانات التي يتعين توفيرها للمجتمع أو للبيئة التي تمارس فيه العملية الاتصالية ذاتها، في مواجهة القائمين بالاتصال. ومن ثم، تبلور هذه المواثيق المسؤوليات الاجتماعية والأخلاقية لرجال الإعلام حيال المجتمع الذي يعملون فيه وتبَنى على أساس أن الإعلام وإن كان حقا للفرد، فهو أيضا حق للمجتمع، وينبغي حماية حق المجتمع في الوقت الذي تحمى فيه حقوق الأفراد. وعلى ذلك فكلما نضج النظام الاتصالي والإعلامي، ارتفع المستوى المهني للعاملين فيه، وتزايدت الحاجة إلى تحديد هذه القواعد والالتزامات الاجتماعية لرجال الإعلام”[25].

و الالتزام وجوبا بالأخلاقيات المهنية يتعلق مبدئيا في كيفية معالجة المواضيع ونقلها إلى العامة، وطرق الحصول على المعلومات كما يشمل بالأخص النقد الصحفي. فحرية النقد التي يطمح إليها الصحفي تسعى إلى فضح السياسات وكشف التجاوزات، التي لا يجب أن تتعدى إلى ارتكاب التجاوزات من قبل الصحفي. وإذا تمعنا في حال الصحافة المكتوبة في الجزائر بعد التعددية، فإن الصحف أضحت بإمكانها معالجة مواضيع كانت سابقا ممنوعة. لكن بدرجات متفاوتة تناسبا مع تعاقب الفترات والأحداث.

و رغم ما يقال عن مدى تقدم وتطور برامج النقد الصحفي الداخلي والخارجي حفاظا على أخلاقيات العمل الصحفي، فلا يزال الانحراف الإعلامي يلعب دورا بالغ الخطورة في خداع الرأي العام والعبث بدفة السياسة العالمية.[26] وهذا ما يكشف الفرق بين النقد الموضوعي والمؤسس على الأحداث والوقائع والنقد السلبي الذي يكتسي طابع تصفية حسابات أو التركيز على القناعات السياسية أو التوجهات الأيديولوجية، التي لن تخدم كثير الصالح العام بقدر ما تهدمه. تفاديا لذلك تعد مواثيق الشرف الصحفية الحل الأنسب لردع التجاوزات ولو نسبيا.

بناءا على سبق وضعت النقابة الوطنية المستقلة للصحفيين في الجزائر الأرضية لميثاق أخلاقي وطني للصحافة من خلال يوم دراسي نظم في قصر الثقافة (مفدي زكريا) في العاصمة يوم 22 فبراير 1999، حيث خلص المشاركون إلى ضرورة الاعتماد على التجربة الأوروبية في هذا المجال، وتكييفها مع المعطيات الاجتماعية السياسية والثقافية الجزائرية مع ضرورة إنشاء هيئة مراقبة تتمثل في مجلس لأخلاقيات المهنة يعمل على إلزام الصحفيين بالامتثال للميثاق الذي تمت المصادقة عليه في 13 إبريل 2000.[27] والذي نص على مجموعة من المبادئ، الذي شاركت في صياغته الصحافة المكتوبة والسمعية- البصرية. فإلى جانب إقراره للحقوق والواجبات فإنه في ذات الوقت أخضع الصحفي إلى تحمله للمسؤوليات أمام القانون. وتتفرع هذه المسؤوليات إلى:

مسؤوليات جنائية وهي المسؤولية الناجمة عن مخالفة الصحفي لأحكام قانون المطبوعات وكذلك لقوانين المؤسسات الصحفية الرسمية الأخرى عند العمل فيها فضلا عما ورد بهذا الخصوص من أحكام خاصة في قانون العقوبات، الذي نظمت أحكامه تلك المؤسسة وكيفية توجيه الاتهامات والجرائم المتعلقة بالنشر وتحديد المسؤولية عنها والمحاكم الخاصة بها. مسؤولية مدنية: تختلف هذه المسؤولية عن المسؤولية الجنائية في كونها تلاحق الصحفي المخالف لأحكام القوانين النافذة أو تجبره على دفع التعويضات المالية للمتضرر مقابل الضرر الذي أصابه نتيجة الخطأ أو فعل جرمي. مسؤولية مهنية: وهي المسؤولية الناجمة عن مخالفة الصحفي للقواعد المنظمة لأصول المهنة الصحفية كذلك لأحكام نقابة الصحفيين والتي تشكل قواعد أخلاقيات المهنة الصحفية المنصوص عليها في القانون المذكور وأبرز تلك الأحكام في نطاق هذه المسؤولية فالالتزام الأخلاقي هنا مسألة مركزية مباشرة في ميدان المهنة وخدمتها.[28] “بعض الانتهاكات للمسؤولية في الصحافة تتحقق عن طريق الحذف أكثر مما تتحقق عن طريق الإضافة أو التكليف.”[29] مما يستدعي فتح منابر الصحف أمام الرأي والرأي المخالف لتجنب التحيز الفاضح الذي يحرفها من المهنية.

أخلاقيات الإعلام في الصحافة الالكترونية
يضمن الالتزام بالمعايير المهنية بتطبيق إعلام احترافي بعيدا عن السلوكيات غير الأخلاقية، لتوفر حماية لخصوصية الفرد من جهة، وصدق المحتوى المنقول أو المعالج من جهة أخرى. عقدت العديد من المؤتمرات والندوات بغرض وضع قوانين الشرف ومواثيق دولية لتنظيم عملية النشر عبر الشبكة، لكن تلك الجهود قد تصل إلى مبتغاها ولن تستطيع أن تحقق جل أهدافها لأن الشبكة العنكبوتية فاقت كل توقعات صانعيها وأصحاب فكرتها الأساسية.[30] تعمل المواثيق الأخلاقية على ضمان:

– وصف مثاليات ومسؤوليات المهنة.

– تثبيت الأمر الواقع وحماية متلقي المعلومات والمهنيين.

– تحسين صورة المهنة.

– تنشيط والهام الممارسين لدفعهم لتعريف مبرر عملهم في المهنة.

– إعطاء إرشادات حول السلوك المقبول.

– زيادة الوعي والاهتمام حول مختلف القضايا.[31]

تتصدر مسألة الأخلاقيات اهتمامات الساسة ورجال الأمن والمصلحين على حد سواء، وان الدراسات العلمية تضع المسؤولين عن الأمن الأخلاقي في المجتمع أمام الأرقام والحقائق والبراهين العلمية عن تأثير التعرض لمضامين الإعلام الجديد على سلامة المجتمع وأمنه وتماسك نسيجه الاجتماعي، بما يضمن حصانة أفراده من تأثيراته السلبية، ليكونوا أعضاء فاعلين مشاركين في بناء المجتمع وتنميته… لا يعني ذلك – بالتأكيد – الدعوة إلى غلق الأبواب، وسد المنافذ، فهذا محال لا يقرّه واقع التعامل مع وسائل الإعلام الإلكترونية أو الرقمية، لكن الأخذ بقاعدة (ما لا يدرك جله لا يترك كله) يمكن أن تساعد المختصين على إيجاد بيئة سليمة للتعامل الحضاري الراقي مع هذه الوسائل الإعلامية الحديثة، ولن يتم ذلك إلا باستصدار القوانين والتشريعات التي تحدد الأطر العامة للتعامل الأمثل مع هذه الوسائل وفق ما تمليه ثقافة المجتمع وقيمه.

يذكر أن قانون 2012 الجديد المتعلق بالإعلام، قد خصص بابا حول أخلاقيات المهنة بما فيها الصحافة الالكترونية التي لم تذكر صراحة بل إشارة، بالإضافة إلى الإقرار بإنشاء سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والتي تندرج ضمنها الصحافة الالكترونية.

يعول على الصحافة الالكترونية التي شكلت تمردا على الرقابة التي عانت منها الصحافة الورقية، معالجة قضايا أكثر جرأة وقربا للواقع المعاش في المجتمع. ففي الوقت الذي لعبت فيه دورا هاما في العالم، حملت العناوين الإلكترونية في بلادنا على عاتقها عبء تتبع مشاكل واهتمام مختلف الشرائح، بالإضافة إلى تقديم مادة إعلامية آنية للقارئ مع السبق الصحفي لعدة مواضيع سياسية، اقتصادية واجتماعية. كما يعكس انتشارها على المستوى العالمي مكانة الدولة ووزنها الإعلامي، السياسي وكذا الالكتروني مع تفتحها الثقافي.

الكثير من الصحفيين يؤكدون أن الانترنت جعلهم أكثر يسرا وأكثر دقة في عملهم الصحفي، ومن خلال المعلومات المتبادلة والبريد الإلكتروني سمح الانترنت للصحفي بأن يكون أقل عزلة وفي مقابل ذلك ألزمهم على الالتزام بمسؤوليات ما ينشرونه. فرهان الصحافة الالكترونية في بلادنا مرتبط بمدى مسايرة التطور التكنولوجي، التنظيم القانوني مع التعبير عن الانشغال اليومي للموطن ومختلف القضايا التي تعد عالمية قبل أن تكون محلية، نظرا لطابع هذا الإعلام الذي حول الفرد من إنسان بسيط إلى مشارك فعال في الحياة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية وحتى التكنولوجية.

خاتمة :

يعد سن قانون إعلام من أهم الانجازات التي تعكس النضج الحضاري والمعرفي للمجتمعات كما يعد في ذات الوقت، مهمة صعبة التحقيق، باعتبار مهنة الإعلام أكثر خطورة وتعقيدا لما له من أبعاد تفوق السياسية، الاقتصادية والاجتماعية، لارتباطها بأمن الدول والحكومات ومستوى نظامها السياسي ودرجة رقي مجتمعها.و عليه تظهر ضرورة التفكير حول طرق وأشكال التعامل مع وسائل الإعلام الجديد بشكل عام والصحافة الالكترونية بصفة خاصة في بلادنا، لأن الأمر يزداد تعقيداً في ظل غموض الفاعلين وعدم وضوح الأطراف الحقيقية التي تتفاعل في إطار الإعلام الجديد أحياناً،إضافة إلى تباينها في المستوى، الميول والطموح، وتشعب النصوص القانونية، التباسها وقابليتها للتأويل والتفسير، لأجل وضع حد لذلك لابد من توافر أخلاقيات في التعامل مع وسائط الإعلام الجديد، بالإضافة إلى تطوير الصحافة الالكترونية شكلا ومضمونا وذلك بسن قانون يساير التطورات التكنولوجية الحاصلة، بالإضافة إلى متطلبات وقضايا المجتمع.

إننا اليوم بحاجة ملحة لتنظيم حقل الإعلام الإلكتروني عامة والصحافة الالكترونية بشكل خاص في بلادنا، كما يجب استحداث مؤسسات للضبط والمراقبة من أجل السمو والرقي بالإعلام الالكتروني الذي لا يزال قليل الانتشار والاستخدام بالمقارنة مع الدول المتطورة.

وختاما يمكن الخروج بمجموعة من الاقتراحات:

– ضرورة إصدار قوانين إعلام جديدة تساير التطورات الحاصلة في وسائل الإعلام الالكترونية، وذلك لن يتحقق بالرغبة والطموح فحسب، بل بالعمل والتجسيد الفعلي من خلال وضع نصوص تتوافق ومتطلبات، طموح وقضايا المجتمع الجزائري.

– الإسراع في إرساء أجهزة ضبط الصحافة الالكترونية خاصة لتجاوز مرحلة الغموض وغياب النصوص المنظمة من جهة، وتحقيقا لواقع صحفي الكتروني فعال ونشيط في سوق الاعلام الوطني والعالمي.

– العمل على نشر ثقافة النقد البناء مع الاستخدام الايجابي للصحافة الالكترونية من طرف القائمين بالإعلام وجمهور القراء المتفاعل معها، بهدف التعاون على إيجاد حلول للقضايا الراهنة المطروحة.

– خلق بيئة سليمة: سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا وخاصة قانونيا بهدف تحقيق إعلام الكتروني حضاري يهتم بقضايا وشؤون المجتمع الجزائري الراهنة.

قائمة المراجع:

إبراهيم السلوم عثمان، تصميم الصفحات العربية على الإنترنت، دار عالم الكتب،الرياض 2002، ص 21.
إبراهيم عبد الرزاق انتصار، صفد حسام الساموك، الإعلام الجديد: تطور الأداء والوسيلة والوظيفة، سلسلة مكتبة الإعلام والمجتمع، طبعة الكترونية أولى، 2011،ص 42.
بلعاليا يمينة، الصحافة الالكترونية في الجزائر بين التحدي والواقع والمستقبل، رسالة ماجستير، جامعة الجزائر، 2006، ص 152.
بوشوشةّ حميد، حدود حرية الصحافة في التشريعات والقوانين الجزائرية، مجلة الحقوق والعلوم الإنسانية، العدد 17، 2014،ص 228.
بياجي شيرلي، المقابلة الصحفية فن: دليل عملي للصحفي، ترجمة كمال عبد الرؤوف، الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية، القاهرة، 1991، ص 262.
تمار يوسف، نظرية Agenda Setting: دراسة نقدية على ضوء الحقائق الاجتماعية والثقافية والإعلامية في المجتمع الجزائري، أطروحة دكتوراه، جامعة الجزائر، 2004_2005، ص 143.
تواتي نور الدين، الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية في الجزائر،ط 1،الجزائر، دار الخلدونية للنشر والتوزيع، 2008،ص44.
الدناني عبد المالك، حرية التعبير عن الرأي في الصحافة اليمنية، المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد 35، صيف 2012، ص 155.
راغب الحلو ماجد، حرية الإعلام والقانون، مرجع سابق، ص 131.
سعد إبراهيم محمد، حرية الصحافة: دراسة في السياسة التشريعية وعلاقتها بالتطور الديمقراطي، ط 3، دار الكتب العلمية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2004، ص 26.
صرفي محمد، الإعلام، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، مصر، 2009، ص 207.
طارق موسى الخوري، أخلاقيات الصحافة: النظرية والواقع –الدساتير ومواثيق الشرف في خمسين دولة ،عمان، 2004،ص42.
عزوق الخير، مكانة قانون الإعلام وعلاقته بفروع القوانين الأخرى، مجلة العلوم الإنسانية، جامعة محمد خيضر، العدد 23، نوفمبر 2011، ص 15.
فورمان جين، أخلاقيات الصحافة، ترجمة محمد صفوت حسن، دار الفجر للنشر والتوزيع، القاهرة، الدار الجزائرية للنشر والطبع والتوزيع، الجزائر، 2012، ص 47.
قانون رقم 01 – 16 مؤرخ في 26 جمادى الأول عام 1437 الموافق 6 مارس سنة 2016 ،يتضمن التعديل الدستوري الصادر في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، العدد 14، يوم 27 جمادي الأول 1437 الموافق ل7 مارس 2016.
قانون عضوي رقم 12-05 المؤرخ في 18 صفر عام 1433 الموافق ل12 يناير سنة 2012، يتعلق بالإعلام.
قيراط محمد، حرية الصحافة في عهد التعددية السياسية في الجزائر، مجلة جامعة دمشق، المجلد 19، العدد 3 – 4، 2003، ص 136.
لحضيري نجاة، تأثير المسار الديمقراطي على السلطة والصحافة في الجزائر، مجلة عصور،العددان 22- 23، مخبر البحث التاريخي: مصادر وتراجم، جامعة وهران1، جويلية – ديسمبر 2014،الجزائر، ص ص 279- 280.
محمد الحسن إحسان، الصحافة الالكترونية الوليدة، المجلة المصرية لبحوث الإعلام، العدد 15، 2002، ص 87.
محمد الديلمي عبد الرزاق، الصحافة الالكترونية والتكنولوجيا الرقمية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2011، ص 45.
محمد جمال راسم، الاتصال والإعلام في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2004، ص ص 65_ 66.
المنظمة العربية للتنمية الإدارية، الصحافة الإلكترونية، بحوث وأوراق عمل ملتقى الصحافة الإلكترونية: مستقبل وسائل الإعلام في العصر الإلكتروني، جامعة الدول العربية، أعمال مؤتمرات، نوفمبر، 2010، ص 90.
هالتنج جون ،ل، أخلاقيات الصحافة: مناقشة علمية للقواعد الأخلاقية للصحافة كما حددتها جمعية رؤساء تحرير الصحف الأمريكية، ترجمة كمال عبد الرؤوف، الدار العربية للنشر والتوزيع، ط1، القاهرة، ص 22.
Achour CHEURFI: la presse écrite algérienne: (genèse، conflits et défis)، Casbah éditions، Alger، 2010، p 231.
DERIEU E، déontologie et organisation des professionnels: l’information en France، paris، 1980،
http://www.echoroukonline.com/ara/articles/146556.html

[1]- حميد بوشوشةّ، حدود حرية الصحافة في التشريعات والقوانين الجزائرية، مجلة الحقوق والعلوم الإنسانية، العدد 17، 2014،ص 228.

[2] – يوسف تمار، نظرية Agenda Setting: دراسة نقدية على ضوء الحقائق الاجتماعية والثقافية والإعلامية في المجتمع الجزائري، أطروحة دكتوراه، جامعة الجزائر، 2004_2005، ص 143.

[3] – Achour CHEURFI: la presse écrite algérienne: (genèse، conflits et défis)، Casbah éditions، Alger، 2010، p 231.

[4] – محمد قيراط، حرية الصحافة في عهد التعددية السياسية في الجزائر، مجلة جامعة دمشق، المجلد 19، العدد 3 – 4، 2003، ص 136.

[5] – محمد سعد إبراهيم، حرية الصحافة: دراسة في السياسة التشريعية وعلاقتها بالتطور الديمقراطي، ط 3، دار الكتب العلمية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2004، ص 26.

[6]- عبد المالك الدناني، حرية التعبير عن الرأي في الصحافة اليمنية، المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد 35، صيف 2012، ص 155.

[7] – E DERIEU، déontologie et organisation des professionnels: l’information en France، paris، 1980، p12.

[8] – نجاة لحضيري، تأثير المسار الديمقراطي على السلطة والصحافة في الجزائر، مجلة عصور،العددان 22- 23، مخبر البحث التاريخي: مصادر وتراجم، جامعة وهران1، جويلية – ديسمبر 2014،الجزائر، ص ص 279- 280.

[9] – والذي يمثل آخر قانون للإعلام في الجزائر.

[10] – قانون رقم 01 – 16 مؤرخ في 26 جمادى الأول عام 1437 الموافق 6 مارس سنة 2016 ،يتضمن التعديل الدستوري الصادر في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، العدد 14، يوم 27 جمادي الأول 1437 الموافق ل7 مارس 2016.

[11] – إحسان محمد الحسن، الصحافة الالكترونية الوليدة، المجلة المصرية لبحوث الإعلام، العدد 15، 2002، ص 87.

[12] – يمينة بلعاليا، الصحافة الالكترونية في الجزائر بين التحدي والواقع والمستقبل، رسالة ماجستير، جامعة الجزائر، 2006، ص 152.

[13] – عبد الرزاق محمد الديلمي، الصحافة الالكترونية والتكنولوجيا الرقمية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2011، ص 45.

[14] – المرجع نفسه، ص 93.

[15] – المرجع نفسه، ص ص 444 – 448.

[16] – انتصار إبراهيم عبد الرزاق، صفد حسام الساموك، الإعلام الجديد: تطور الأداء والوسيلة والوظيفة، سلسلة مكتبة الإعلام والمجتمع، طبعة الكترونية أولى، 2011،ص 42.

[17] – عثمان إبراهيم السلوم، تصميم الصفحات العربية على الإنترنت، دار عالم الكتب،الرياض 2002، ص 21.

[18]- قانون عضوي رقم 12-05 المؤرخ في 18 صفر عام 1433 الموافق ل12 يناير سنة 2012، يتعلق بالإعلام.

[19] – عزوق الخير، مكانة قانون الإعلام وعلاقته بفروع القوانين الأخرى، مجلة العلوم الإنسانية، جامعة محمد خيضر، العدد 23، نوفمبر 2011، ص 15.

[20] – تفرقنيت،“حركية الإعلام الإلكتروني بالجزائر ناقصة“ الشروق أون لاين 05 نوفمبر 2012،

http://www.echoroukonline.com/ara/articles/146556.html، consulté le 5 février 2014 à 10.05h.

[21] – جين فورمان، أخلاقيات الصحافة، ترجمة محمد صفوت حسن، دار الفجر للنشر والتوزيع، القاهرة، الدار الجزائرية للنشر والطبع والتوزيع، الجزائر، 2012، ص 47.

[22] – شيرلي بياجي، المقابلة الصحفية فن: دليل عملي للصحفي، ترجمة كمال عبد الرؤوف، الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية، القاهرة، 1991، ص 262.

[23] – المرجع نفسه، ص 259.

[24] – محمد صرفي، الإعلام، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، مصر، 2009، ص 207.

[25] – راسم محمد جمال، الاتصال والإعلام في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2004، ص ص 65_ 66

[26] – ماجد راغب الحلو، حرية الإعلام والقانون، مرجع سابق، ص 131.

[27] – نور الدين تواتي، الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية في الجزائر،ط 1،الجزائر، دار الخلدونية للنشر والتوزيع، 2008،ص44.

[28] – المرجع نفسه،ص 304.

[29] – جون ل هالتنج، أخلاقيات الصحافة: مناقشة علمية للقواعد الأخلاقية للصحافة كما حددتها جمعية رؤساء تحرير الصحف الأمريكية، ترجمة كمال عبد الرؤوف، الدار العربية للنشر والتوزيع، ط1، القاهرة، ص 22.

[30] – المنظمة العربية للتنمية الإدارية، الصحافة الإلكترونية، بحوث وأوراق عمل ملتقى الصحافة الإلكترونية: مستقبل وسائل الإعلام في العصر الإلكتروني، جامعة الدول العربية، أعمال مؤتمرات، نوفمبر، 2010، ص 90.

[31] – الخوري طارق موسى، أخلاقيات الصحافة: النظرية والواقع –الدساتير ومواثيق الشرف في خمسين دولة ،عمان، 2004،ص42.