المفهوم الأساسي لجريمة الإتجار بالبشر

الاتجار بالبشر ، لا بد و أننا قد سمعنا هذه الجملة كثيرا ، أو قليلا ، لا أدري ، و لكنني متأكد أننا قد سمعناها ، و لا بد أننا نعرف البعض عن معناها, و لكن هل ما نعرفه هو المعنى الاصح و المعتمد عالميا ؟ أم هو فقط تفسير بناء على الواقع الذي نعيش فيه ؟

أود في هذا الخصوص أن اكتب سلسلة من المقالات التي تسعى للتوضيح بشكل عملي و مبسط ما هو الاتجار بالبشر و بعض النقاط المتعلقة به و تحديدا في ليبيا.

دوليا تم وضع تعريف مفصل و شامل للاتجار بالبشر ، تم تعديله و اعتماده ليكون جزءا مهما من قانون دولي ( أو لنقول اتفاقية دولية ) تهدف بشكل مخصص لمكافحة الاتجار بالبشر و تصنفه كجريمة دولية يجب أن يعاقب عليها القانون ، لن أخوض هنا في التفاصيل ، سيكون لنا مقال آخر نفصل فيه عن الاتفاقيات الدولية و المحلية في ليبيا المتعلقة خصوصا بالاتجار بالبشر.

التعريف الدولي للاتجار بالبشر
حسب المادة 3أ من البروتوكول المتعلق بالاتجار بالبشر ، فإن الاتجار بالبشر (الأشخاص) يقصد به ” تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف ، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. و يشمل الاستغلال كحد أدنى استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسرا أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق ، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء”.

حسنا قد يبدو هذا التعريف معقدا بعض الشيء ، ذلك صحيح ، لا يهدف هذا التعريف أن يكون بسيطا على الاطلاق ، بل الهدف منه الشمولية ، جاء هذا التعريف بهذا الشكل حتى لا يعطي فرصة لأي أحد أن ينفذ بجريمته بدون عقاب ، هذا التعريف جاء كأساس يستند عليه المشرعون و المحامون و القضاة و كل من ينخرط في سلك العمل القانوني في عملهم لمحاكمة و مجازاة المتاجرين بالبشر.و قد اتفق عليه العديد من الخبراء ، طبعا لا يعني ذلك أنه غير قابل للتعديل ، بالعكس يمكن تعديل هذا التعريف و لكن بالزيادة فقط ، فلا يعقل أن نزيل منه أي جمل أو كلمات لندغ ثغرات للمجرمين و من يحميهم.

دعونا الآن نستعرض في محاولة مني لتبسيط التعريف ما هي المكونات الأساسية التي يعتمد عليها هذا التعريف القانوني.

عادة يقسم هذا التعريف إلى ثلاثة أجزاء أساسية و هي التي تبنى عليها أي قضية لمحاكمة مجرمي الإتجار بالبشر ، هذه التقسيمات الثلاثة هي:

الفعل – الوسيلة – الهدف أو الغاية.

الفعل هو “تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم” – طبعا لا تعني كلمة تجنيد هنا التجنيد العسكري فقط ، بل حتى التشغيل ( للعمل ).

الوسيلة هي “التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف ، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا”

الهدف أو الغاية – ” لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال – كحد أدنى استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسرا أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق ، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء”

هل رأيتم ، أصبح الأمر أوضح قليلا ، كل من قام بعمل بواسطة وسيلة لغرض معين يقع تحت إطار المسميات المذكورة في التعريف يسمى متاجرا بالبشر ، ( قد يكون المتاجر بالبشر إمرأة أو رجل ، لا يشترط الأمر على أحد معين بذاته دون الآخر ).

حسنا ، قد يبدو هذا مختلفا قليلا عن ما تعرفونه من قبل عن الاتجار بالبشر ، اليس كذلك؟ إن كنتم تعرفون هذا من قبل فتقبلوا تحياتي على سعيكم للتثقف و البحث عن المعرفة. كثيرا ما يخلط الناس بين الاتجار بالبشر و تهريب البشر ، و لكن كلاهما مختلف عن الآخر ، سأتحدث عن أوجه الخلاف في مقال آخر في هذه السلسلة.

تواجهنا جريمة الاتجار بالبشر في مختلف أوجه حياتنا و إن لم يكن ذلك بشكل مباشر فإننا نسمع القصص عنها ، و في ليبيا تحديدا ، فإن أكثر من يواجه خطر الاتجار بالبشر هم المهاجرون أو اللاجؤون من جنسيات غير ليبية ، حيث يرتبط الوقوع ضحية للاتجار بالبشر أساسا بالحاجة ، الحاجة للعمل أو المال أو حتى للتعليم أحيانا أخرى ، الحاجة هي ما تجعل الناس يفكرون مليا في حاجتهم و كيف بإمكانهم تغطيتها. من يرغب المال عليه العمل و من يرغب العمل عليه البحث و المثابرة و التواضع ، من يرغب التعليم عليه العمل أحيانا لدفع تكاليف التعليم و لكن هل هذه الحاجة شيء سيء؟ طبعا لا ، كلنا محتاجون لأشياء عدة و لكن هناك من لديه سبل يحمي بها نفسه و هناك من لا يستطيع ذلك. قد يتسائل البعض ، يجب علينا إذا أن نكون أذكياء لنحمي أنفسنا؟ لا يعقل أن يرضى أي أحد أن يقع ضحية للاستغلال أو الاتجار بالبشر برغبة منه .. ذلك صحيح منطقيا و لكن …

إن من أهم عناصر الاستغلال في الاتجار بالبشر هو الوعود الكاذبة ، هنالك العديد من ضحايا الاتجار بالبشر أذكياء و أقوياء ، و لكنهم وقعوا ضحية للكذب و الخداع ، المجرم الذي يرغب في استغلالك لن يخبرك بذلك مباشرة ، هنالك العديد من الاحصائيات التي تبين أن ضحايا الاتجار بالبشر هم من طالبي العمل و التعليم و قد اتبعوا اجراءات ذكية في التحقق من أن فرص العمل و التعليم المقدمة لهم قانونية ، و لكن … تم خداعهم.

إذا نجد أن ضحايا الاتجار بالبشر هم أناس مثلنا في الغالب ، بشر لهم عائلة تحبهم ، قد تكون لديهم شهادات تعليمية و حرف يتقنونها ، ليس ذنبهم أنهم تم خداعهم أو استغلالهم ، أيضا لا يرتبط الاتجار بالبشر بالكذب فقط ، بل في العديد من الأحيان يظل الغصب و القوة أهم وسيلة في الجريمة ، هنالك العديد من الضحايا تم غصبهم للقيام بأعمال لا يرغبونها ، أو قد يرغبونها و لكن ليس بالظروف التي فرضها عليها المتاجرون بالبشر. لذلك نجد في التعريف الأساسي جملة “الرق و الممارسات الشبيهة بالرق”. لأن الاستعباد و الرق أساسه الغصب و القوة.

إن جريمة الاتجار بالبشر تطورت علي مدار السنين و القرون السابقة ، لتصل إلى الصور التي نراها حاليا ، لقد تم استخدام مصطلح الاتجار بالبشر لسبب مهم ، و هو العنصر الثالث في التعريف المذكور ، الغاية ، يتعرض الضحايا لكل هذه المتاعب من الاستغلال و الرق و الممارسات الشبيهة بالرق حتى يتحصل المجرمون على مردود مادي ( أو غير مادي في أحيان أخرى ) ، الربح الذي يجنيه المجرمون هو ما يجعل هذه الجريمة تنتشر عبر العالم ، و هو السبب الذي جعل من دول العالم الاتفاق على محاربتها عالميا.

تقدر أرباح الاتجار بالبشر عالميا بالمليارات حول العالم ، و تعتبر جريمة الاتجار بالبشر ثالث أكبر جريمة في العالم بعد تجارة السلاح و تجارة المخدرات.

تشمل أكثر الأشكال شيوعا للاتجار بالبشر العمالة القسرية ، الاتجار بغرض الاستغلال الجنسي ، عمالة الأطفال في المصانع و الشوارع و التسول ، عمالة المنازل و الخدم المنزلي ، التجنيد القسري للحروب و النزاعات ، عبودية الدين نتيجة الوعود الكاذبة و غيرها من الصور الأخرى ، تأخذ هذه الجريمة عدة مناحي و يستعمل المجرمون طرق شتى و لكنها كلها في مضمونها تخضع للعناصر الثلاثة المذكورة بالتعريف.