يعتبر قانون الخطة الاقتصادية في الدول ذات النهج الاشتراكي المطلق حيث لا يكون للقطاع الخاص أي دور في النشاط الاقتصادي المصدر الأساس للحقوق والالتزامات كافة . فهو قانون فوق القوانين (1) Super-Ioi ، ومصدرا أولاً لها Super-Source . بيد ان الأمر يختلف فيما إذا كان للقطاع الخاص دوراً معيناً في النشاط التجاري والاقتصادي إذ يصار هنا الى توجيه هذا القطاع بما يتلائم وأسس التخطيط سواء على صعيد فرض الالتزامات الإيجابية بإصباغ الصفة الآمرة على أحكام العقود والالتزامات انطلاقاً من مفهوم العقد الموجه Contrat dirige أو إلزام الأفراد بإبرام عقود معينة حيث ينشأ ما اصطلح على تسميته بالعقد المفروض contrat impose وعلى هذا فإنه من الضروري عند النظر في موضوع تحديد مصادر أحكام المعاملات التجارية التمييز بين حالة وجود قانون تجاري وضعي وحالة عدم وجود مثل هذا القانون . وبصورة عامة ، فإن مصادر القانون التجاري الوضعي لا تخرج عن التشريع La Legislation والعرف La Coutume (2) . ويضيف البعض الى هذه المصادر كلا من الفقه La doctrine والقضاء La jurisprudence (3) .

بيد أن كلا من الفقه والقضاء ليسا في الواقع إلا مصادر تفسير وتقدير فقط لأحكام القانون إذ ان مهمة القضاء تنصب على تطبيق القانون وتفسيره على نحو يتفق مع غرض واضعه . أما وظيفة الفقه فهي استخلاص المبادئ العامة من القواعد التشريعية وتقييم الحلول التفصيلية التي يقدمها المشرع أو القضاء وتبيان مواضع النقص أو الخلل فيها . صحيح أن القضاء أو الفقه قد يلجآن أحياناً أمام عدم كفاية النص الى وضع قواعد قانونية جديدة من خلال التفسير غير أن لا الفقه أو القضاء يمكنهما الادعاء بأية صورة كانت بأن هذه القواعد من وضعهما بل يحيلان استنباط مثل تلك القواعد الى تفسير النص التشريعي القائم . من جانب آخر فإن القواعد المستنبطة لا تلزم القضاء أو الفقه بالأخذ بها ، فلكل منها الأخذ بها أو غض النظر عنها والأخذ بقاعد أخرى غيرها إذا كانت أكثر ملائمة مع النص التشريعي القائم . وعلى هذا فإن القضاء أو الفقه ليس بمصدرين منشأين للقاعدة القانونية بل مصادر تفسيرية مكملة فقط . لذا سنتعرض في دراسة مصادر القانون التجاري لتلك التي تنشئ القاعدة القانونية وهي كلا من التشريع والعرف .

1. التشريع : La Legislation

ويضم التشريع التقنين التجاري والتقنين المدني .

التقنين التجاري :

ويقصد به مجمل النصوص والقواعد الواردة في متن القانون التجاري وكذلك جميع نصوص القوانين المكملة له أو الملحقة به وإن صدرت بصورة منفردة أي على شكل قوانين . يضاف الى ذلك المعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة بالتجارة والقرارات واللوائح التنظيمية الصادرة لتنفيذ القوانين التجارية أو التي تنظم جانباً من جوانب النشاط التجاري (4) .

التقنين المدني :

وهو المجموعة المدنية التي تضم القاعد العامة المنظمة لنشاط الأفراد دون تمييز ويتم الرجوع الى هذه القواعد في كل الأحوال التي لم يرد فيها نص خاص في المجموعة التجارية . ويشير قانون التجارة ذاته الى ذلك صراحة في نص المادة الرابعة الفقرة الثانية منه بقوله : ” يسرى القانون المدني على جميع المسائل التي لم يرد بشأنها حكم خاص في هذا القانون أو في أي قانون خاص آخر ” على أنه يجب أن لا يكون هناك تعارض بين النصوص المدنية والتجارية فإذا حصل تعارض فالعبرة بالنص التجاري إذ لا محل لتطبيق النص المدني وهو القاعدة العامة عند وجود نص تجاري وهو القاعدة الخاصة .

2. العرف La Coutume

ينشأ العرف جراء التطبيق العملي الطويل المرتبط بنوع معين من النشاط ويصار إليه فيما إذا افتقد النص التشريعي لحسم نزاع يثور بمناسبة تعامل ما من هنا ولعدم كفاية القانون المكتوب ، سواء كان تجارياً أم مدنياً أم غير ذلك بالإحاطة بجميع صور المعاملات وجزئياتها وتحديد آثارها ووضع حلولها اللازمة فقد أجاز المشرع اللجوء الى قواعد التطبيق العملي التي اصطلح على تسميتها بـ ” العرف ” إلا أن الرجوع الى هذه القواعد لا يمكن أن يقع إلا بإرادة المشرع وفي الأحوال التي يقررها دون غموض وبخلاف ذلك فلا مجال لاعتباره مصدراً للقانون . من جانب آخر . فإنه يجوز الرجوع الى قواعد التطبيق العملي عند عدم وجود نص مخالف . والظاهر من نصوص قانون التجارة العراقي أنه لا مجال لاعتبار العرف مصدراً للقانون . فلم تشر المادة الرابعة التي حددت صراحة مصادر القانون لقواعد التطبيق العملي وإمكانية الرجوع إليها عند انتفاء النص القانوني في المجموعة التجارية بل أحالت في مثل هذه الفرضية الى القانون المدني ومع ذلك فإن هذا التصور لا يمكن أن يؤخذ على إطلاقه . إذ أن القانون المدني وهو موطن القواعد العامة يضم أحكاماً تسمح رغم سكوت أحكام قانون التجارة بالرجوع الى التطبيقات العملية . فبمقتضى نص المادة 163 من القانون المدني أن : ” 1. المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً . والتعيين بالعرف كالتعيين بالنص . 2. والمعروف بين التجار كالمشروط بينهم . 3. والممتنع عادة كالممتنع حقيقة ” .وتقرر الفقرة الثانية من المادة 164 على أنه : ” 2. استعمال الناس حجة يجب العمل بها ” . وتقضي المادة 174 من القانون نفسه بأنه : ” لا يجوز تقاضي فوائد على متجمد الفوائد ولا يجوز في أية حال أن يكون مجموع الفوائد التي يتقاضاها الدائن أكثر من رأس المال ، وذلك كله دون إخلال بالقواعد والعادات التجارية ” عليه نرى واستناداً الى أحكام القانون المدني القائم الأخذ بقواعد التطبيق العملي عند غياب النص في المجموعة التجارية والمجموعة المدنية هذا ولا بد من الإشارة الى أن قواعد التطبيق العملي لا يركن إليها إلا عند غياب النص التشريعي وعدم وجود قاعدة تشريعية مخالفة .

3. تدرج مصادر القانون التجاري العراقي :

تنص المادة الرابعة من قانون التجارة رقم 30 لسنة 1984 وبفقرتين ، على انه : ” أولاً : يسري هذا القانون على النشاط الاقتصادي للقطاع الاشتراكي والمختلط والخاص . ثانياً : يسري القانون المدني على جميع المسائل التي لم يرد بشأنها حكم خاص في هذا القانون أو في أي قانون خاص آخر ” . والملاحظ أن حكم هذا النص يختلف بشكل كبير عن حكم نص المادة الثانية من قانون التجارة الملغي رقم 149 لسنة 1970 (5) . إذ أن ترتيب المصادر الرسمية للقانون الحالي قد تم طبقاً للمبادئ الأساسية التي جاء بها قانون إصلاح النظام القانوني التي جسد المشرع مضمونها من خلال نص الفقرة الثالثة من المادة الأولى التي تقضي بأنه : ” يقوم هذا القانون على ……. ثالثاً : الحد من مبدأ سلطان الإرادة وتغليب العلاقة القانونية على العلاقة العقدية ” . وهذا يعني صراحة بأن التشريع هو المصدر الرئيسي للقانون وأن على القضاء الرجوع عند نشوب نزاع ما الى أحكام القانون التجاري اولاً ومن ثم الى أحكام القانون المدني .

بيد ان السؤال الذي قد يطرح هو : ما الحكم إذا لم نجد نصاً يمكن تطبيقه في المجموعتين التجارية والمدنية ؟ هل بإمكان القضاء الرجوع مثلاً الى قواعد التطبيق العملي أو الأحكام الاتفاق الخاص المبرم بين أطراف العلاقة القانونية ؟ قد يتصور البعض بأن الجوانب يجب أن يكون بالنفي طالما أن المشرع لم يتعرض لهذه المصادر أو لإمكانية الرجوع إليها . لكن مثل هذه الرؤيا قد تؤدي في الواقع الى نتائج خطيرة تتمثل بتعليق حسم المنازعات وعدم إيجاد الحلول اللازمة لها ، وهو أمر لا يجيزه المشرع ولا تقره قواعد العدالة والمبادئ العامة للقانون . وقد أشرنا في الفقرة السابقة لإمكانية الرجوع لأحكام التطبيق العملي استناداً الى القواعد القانونية العامة . ويؤخذ بنفس الحكم واستناداً على مبادئ القانون العامة أيضاً . بخصوص الاتفاق الخاص . عليه فمن الجائز والحالة هذه إذن اللجوء الى قواعد التطبيق العملي وأحكام الاتفاقات الخاصة فيما إذا انعدم النص التشريعي في المجموعة التجارية والمجموعة المدنية فلا تعارض كما نرى وحسبما يبدو ، بين ما ورد في نص المادة الرابعة من قانون التجارة وبين جواز الرجوع لقواعد التطبيق العملي والاتفاق الخاص بشرط أن لا تخالف هذه القواعد نصا تشريعياً أو تتنافى مع أهداف القانون . من هنا فإنه يمكن ترتيب مصادر قانون التجارة كما يلي:-

أولاً : التشريع التجاري سواء كانت قواعده آمرة أو مفسرة (6) .

ثانياً : القواعد الآمرة في المجموعة المدنية (7).

ثالثاً : قواعد القانون المدني المفسرة والمنظمة (8).

رابعاً : قواعد التطبيق العملي (9).

خامساً : قواعد الاتفاقات الخاصة .

________________

1. انظر د. أكثم الخولي ، دروس في القانون التجاري ، 1968 ، ص27 .

2. يجب ان يلاحظ بأن قانون التجارة رقم 30 لسنة 1984 لم يأخذ بالعرف كمصدر للقانون التجاري ، انظر نص المادة الرابعة من هذا القانون .

3. انظر :

Hamel et Lagarde : op. cit، p. 40 No. 31 j. Escarra: Cours de droit commercial. 1986 pp. 25، 61 no. 20، 45 ets. د. علي حسن يونس ، مصدر سابق ذكره ص 34 .

4. انظر على سبيل البيان رقم (3) لسنة 1983 الصادر عن وزارة التجارة والخاص بوكلاء المنشآت التسويقية المتعاملين في تجارة الجملة والمفرد كافة . انظر كذلك البيان رقم (4) لسنة 1983 الصادر أيضاً عن وزارة التجارة والمتعلق بأصحاب المعامل والمنتجين كافة . إن كلا البيانين صادر في 24-12-1983 .

5. تضمنت المادة الثانية من قانون رقم 149 لسنة 1970 كلا من العرف والاتفاق الخاص كمصادر صريحة لقانون التجارة . إذ نصت هذه المادة على ما يلي : ” 1. تسري على المسائل التجارية أحكام الاتفاق الخاص بين المتعاقدين ، فإذا لم يوجد اتفاق خاص سرت نصوص هذا القانون أو غيره من القوانين المتعلقة بالمسائل التجارية ثم قواعد العرف التجاري . ويرجع العرف الخاص أو المحلي على العرف العام .2. إذا لم يوجد عرف تجاري وجب تطبيق أحكام القانون المدني .3. لا يجوز تطبيق الاتفاقات الخاصة أو قواعد العرف التجاري إذا تعارضت مع نصوص تشريعية آمرة ” .

6. المثل على قواعد التشريع التجاري الآمرة ضرورة ذكر لفظ ” حوالة تجارية ” أو ” سفتجة ” مكتوباً على متن الورقة وباللغة التي كتب بها الورقة . م4 ف1 من قانون التجارة . كذلك ضرورة ألا يقل عدد الشركاء المساهمين عن خمسة أشخاص م6 ف1 من قانون الشركات رقم 36 لسنة 1983 . أما القواعد المفسرة فمثالها : أن يتم شحن الشيء في نقل الأشياء على وسائط النقل الاعتيادية ما لم يتفق على خلاف ذلك . م 29 ف2 من قانون النقل رقم 80 لسنة 1983 .

7. مثال القواعد الآمرة في المجموعة المدنية ، عدم جواز الاتفاق على سعر للفائدة يزيد على 7% . م 172 ف1 مدني .

8. مثال على القواعد المفسرة في المجموعة المدنية أن دفع العربون يعتبر دليلاً على أن العقد أصبح باتاً لا يجوز العدول عنه إلا إذا قضى الاتفاق بغير ذلك . م92 مدني .

9. مثال علة قواعد التطبيق العملي من أن لأطراف العلاقة القانونية الحث في البيوع الدولية بالاتفاق على سريان قواعد تقتضيها متطلبات التعامل الدولي . م295 من قانون التجارة .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .