شروحات لموانع المسؤولية الجزائية بالقانون العراقي

تكلم قانون العقوبات العراقي عن موانع المسؤولية الجزائية في الفصل الاول من الباب الرابع تحت عنوان المسؤولية الجزائية وموانعها من المواد (60 – 65) من خلال دراستنا للنصول هذه المواد يظهر لنا ان المشروع العراقي لم يضع معيارا عاما لمنع المسؤولية الجزائية بل نص على اسباب مختلفة اذا توافر واحد منها

امتنعت المسؤولية غير ان هذه الاسباب في الواقع تحيط بكل ما من شأنه فقد الادراك والاختيار او كليهما وهي (فقد الادراك والاختيار لجنون او عاهة في العقل او غيبوبة ناشئة عن تعاطي مواد مخدرة او مسكرة، والاكراه، وحالة الضرورة، وصغر السن).

1- فقد الادراك والارادة. تختلف موانع المسؤولية الجزائية عن اسباب الاباحة وعن موانع العقاب رغم ان جميعها تشترك في امر واحد وهو اعفاء الفاعل عن العقاب، فقد نصت المادة (60) من قانون العقوبات العراقي (لا يسأل جزائيا من كان وقت ارتكاب الجريمة فاقد الادراك او الارادة لجنون او عاهة في العقل او بسبب كونه في حالة سكر او تخدير نتجت عن مواد مسكرة او مخدرة اعطيت له قصرا او على غير علم منه….) وواضح ان فقد الادراك والارادة كمانع من موانع المسؤولية وفق هذا النص ينشأ عن حالة جنون او عاهة في العقل او بسبب تناول المسكر او المخدر قصرا او على غير علم من الفاعل بها. ولو ان الغالب هو ينشأ عن الجنون او العاهة العقلية فقدا للادراك والارادة الا ان الاصابة بالمرض ليست دليلا بذاتها على الفقد بل يجب اثبات ان الفاعل كان غير متمتع بقواه العقلية ما نجم عنه عدم قدرته على تمييز ما هي بالفعل الذي قام به وحيلولة ارادته دون وقوع الجريمة، واذا ثبت ان الفاعل وقت ارتكاب الجريمة كان غير متمتع بقواه العقلية بسبب المرض العقلي تحكم المحكمة بعدم مسؤوليته عن الجريمة، ويقصد بالمواد المسكرة او المخدرة تلك المواد التي يؤدي تعاطيها الى فقد الوعي والادراك الذي تحدثه ولا عبر بنوعها.

2- الاكراه – الارادة هي اساس المسؤولية الجنائية في اي جريمة سواء كانت ايجابية ام سلبية عمدية او غير عمدية (بأستثناء ان الارادة في الجريمة العمدية تتجه نحو تحقيق السلوك الاجرامي والنتيجة الجرمية بينما في الجريمة غير العمدية تتجه نحو التحقيق السلوك الاجرامي) وما دامت الارادة شرطا لقيام المسؤولية فأن انعدامها يمنع قيام المسؤولية وتنعدم ارادة الشخص اذا تعرض للاكراه اما ان يكون الاكراه ماديا او معنويا. وقد نصت المادة (62) من قانون العقوبات (لا يسأل جزائيا من اكرهته على ارتكاب الجريمة قوة مادية او معنوية لم يستطيع دفعها). والمقصود بالاكراه هنا هو عبارة عن قوة من شأنها ان تشل ارادة الشخص او تقيدها الى درجة كبيرة عن ان يتصرف وفقا لما يراه بسبب هذا الاكراه فهو كالجنون عارض نفسي يمنع المسؤولية الجنائية غير انه يختلف عنه في اثره انما ينصب على الاخيتار بينما اثر الجنون ينصب على الادراك.

3- حالة الضرورة – المقصود بحالة الضرورة، ان يجد الانسان نفسه في ظروف تهدده بخطر لا سبيل الى تلافيه الا بارتكاب جريمة، والجريمة التي تقع في هذه الحالة تسمى جريمة (الضرورة) كمن يظهر عاريا في الطريق العام بسبب حصول حريق في منزله واضطراره الى الخروج علة هذه الحالة وهذا التصرف يشكل جريمة الفعل الفاضح المخل بالحياء، وحالة الضرورة قديمة قدم القانون الجنائي فقد اعترف بها القانون الروماني القديم والشريعة الاسلامية، ثم القانون الجرماني ثم انتقلت بعد ذلك الى فرنسا حيث عبر عنها بالقول (الضرورة لا يحكمها قانون) ونص قانون العقوبات العراقي على حالة الضرورة في المادة (63) منه (لا يسأل جزائيا من ارتكب جريمة الجاتة اليها ضرورة وقاية نفسه او غيره او ماله او مال غيره من خطر جسيم محدق لم يتسبب هو فيه عمدا ولم يكن في قدرته منعه بوسيلة اخرى وبشرط ان يكون الفعل المكون للجريمة متناسبا والخطر المراد اتقانه. ولا يعتبر في حالة ضرورة من اوجب القانون عليه مواجه ذلك الخطر) كالجندي في ميدان المعركة لا يجوز له التمسك بخطر الموت في المعركة ويفر من ميدانها للنجاة بنفسه وتتفق حالة الضرورة مع الدفاع الشرعي ان الفاعل في كليهما يواجه خطر على نفسه او نفس غيره او ماله او مال غيره، لكنهما يختلفان بأن جريمة الضرورة تقع على انسان بريء، بينما يرتكب فعل الدفاع ضد شخص متعمد.

4- صغر السن – القانون هو الذي يحدد السن بعد ان يكون المشروع استمد معلوماته من المصادر العلمية والطبية ما تفرزه التطبيقات على صعيد الواقع العملي، وبناءا على هذا نجد ان المشروع الجنائي يحدد سنا معينا ويمنع من مسألة الصغير جنائيا قبل اتمامها تأسيسا على افتراض عدم ادراك الصغير لما هي العمل الاجرامي وعواقبه، وعلى امتناع مسؤولية الصغير هي انتفاء التمييز لديه، وقد كان قانون العقوبات العراقي من ضمن التشريعات التي اخذت بمبدأ صغر السن كمانع من موانع المسؤولية الجزائية، حيث نصت المادة (64) منه. (لا تقاد الدعوى الجزائية على من لم يكن وقت ارتكاب الجريمة قد اتم السابعة من عمره) معتبرا ان من لم يتم السابعة من عمره لا ادراك له وبالتالي لا مسؤولية عليه. ومع ذلك فأن امتناع المسؤولية الجنائية بسبب صغر السن لا يؤثر على المطالبة بتعويض الضرر الذي اصاب الغير بسبب فعل الصغير، وبأمكان المضرور ان يقيم الدعوى امام المحكمة المدنية لاقتضاء التعويض من مال الصغير فأذا لم يكن له مال او تعذر الحصول على التعويض من ماله جاز للمحكمة ان تلزم وليه او الوصي عليه بمبلغ التعويض استنادا النص المادة (191) من القانون المدني العراقي.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت