حماية الزوجة من عنف الزوج – دراسة على ضوء القانون رقم 15-19 المتضمن تعديل قانون العقوبات الجزائري –

عبد الله زهام، طالب السنة الثالثة دكتوراه علوم، تخصص قانون فرع قانون الإعلام.

استاذ مؤقت بكلية الحقوق، جامعة حسيبة بن بوعلي، الشلف، الجزائر

 

ملخص:
يعتبر العنف الزوجي أحد صور العنف الأسري، وهو ظاهرة اجتماعية إنسانية معروفة على مر التاريخ. ونظرا لتنامي هذه الظاهرة، كان لابد على التشريعات الدولية والوطنية مواجهتها بمختلف صورها، سواء أكان عنفا جسديا أو نفسيا أو اقتصاديا أو جنسيا واقعا من الزوج ضد زوجه، وهو ما تم تجسيده من طرف المشرع الجزائري في القانون رقم 15-19 المتضمن قانون العقوبات مسايرة للتعديل الدستوري لسنة 2008 الذي ينص على ترقية حقوق المرأة.

Résumé :

la violence conjugale est l’un des types de violence domestique, c’est un aussi un phénomène social connu à travers de long de l’histoire humaine, et vu la croissance de ce phénomène , les législations internationales et nationales l’ont du affronter sous toutes ses formes, physique, psychologiques , économique ou sexuelles que fait le mari contre sa femme, ce qui est incarné par le législateur algérien dans la loi n°15-19 qui contient le code pénal conformément à l’amendement constitutionnel qui prévoit la promotion des droits de la femme.

الكلمات المفتاحية: العنف – العنف الزوجي – العنف الأسري – الحماية مقدمة
يعتبر العنف ظاهرة اجتماعية إنسانية في تاريخ البشرية. فقد عانت المجتمعات الإنسانية كافة منها سواء أكانت متقدمة أو متخلفة، وهي تختلف باختلاف المجتمعات ودرجة تحضرها والوعي الثقافي السائدين، كما تختلف باختلاف الطبقات الاجتماعية وأنماط الحياة فيها.

ولم تسلم الأسرة باعتبارها مؤسسة اجتماعية من الإفرازات الاجتماعية، فأنتجت بذلك ما يسمى بالعنف الأسري. ويعتبر العنف الزوجي احد صور العنف الأسري، حيث يشهد الواقع أن هناك زوجات تتعرضن لتعنيف أزواجهن، مثلما يشهد بأنه من الممكن أن يتعرض الأزواج للاضطهاد والعنف من قبل زوجاتهم.

ولما كان عنف الزوج ضد زوجته هو الأكثر انتشارا نظرا لان الزوج هو الطرف القوي في العلاقة الزوجية، فانه كان لزاما على التشريعات العقابية أن تتصدى له بكافة أنواعه سواء أكان عنفا جسديا أو نفسيا أو اقتصاديا أو جنسيا حماية للزوجة باعتبارها الحلقة الأضعف في العلاقة الزوجية.

لقد حظيت المرأة باهتمام كبير من طرف المؤسس الدستوري الجزائري بمضاعفة حظوظ المرأة في المشاركة السياسية في تعديل الدستور الجزائري لسنة 2008 [1]، وهو ما يعكس المكانة التي تحتلها تلك الأخيرة في المجتمع وتحقيقا للمساواة بين المواطنين، كما تم تجسيد هذه المكانة بإضفاء حماية اكبر للزوجة من عنف الزوج في القانون رقم 15-19 المتضمن تعديل قانون العقوبات الجزائري حرصا منه على استمرار العلاقة الزوجية وتماسك الأسرة الجزائرية. الأمر الذي شدنا إلى تناول هذا الموضوع الذي يطرح مدى الحماية الجزائية التي خصها المشرع الجزائري للزوجة ضد عنف الزوج، لذلك نخصص لهذه الدراسة مبحثين، نتناول في المبحث الأول حماية الزوجة من العنف الجسدي والاقتصادي للزوج، أما المبحث الثاني فنخصصه للتعرض لمظاهر حماية الزوجة من العنف النفسي والجنسي للزوج.

المبحث الأول: حماية الزوجة من العنف الجسدي والاقتصادي للزوج.

نتناول هذا المبحث من خلال مطلبين، نتعرض في المطلب الأول لمفهوم العنف الأسري، أما المطلب الثاني فنخصصه لتناول مظاهر حماية الزوجة من العنف الجسدي والاقتصادي للزوج.

المطلب الأول: مفهوم العنف الأسري

نتناول هذا المطلب ضمن فرعين، نخصص الفرع الأول لتعريف العنف بوجه عام، أما المطلب الثاني فنخصصه لتعريف العنف الزوجي.

الفرع الأول: تعريف العنف.

يقصد بالعنف لغة الخرق بالأمر وقلة الرفق به وعليه، يعنف عنفا وأعنفه وعنفه تعنيفا وهو عنيف إذا لم يكن رفيقا في أمره. واعتنف الأمر أخذه بعنف وشدة([2]).

أما اصطلاحا، فقد تعددت التعريفات للعنف، حيث عرفته الجمعية العامة للأمم المتحدة في إعلانها العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة الصادر سنة 1993 في مادته الأولى، أن العنف هو” أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة ضد المرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة”([3]).

ويتضح من خلال هذا التعريف أن العنف يتنوع إلى ثلاثة صور، العنف الجسدي، العنف النفسي والعنف الجنسي بما في ذلك التهديد، كما يعتبر حرمان المرأة التعسفي من الحرية في حياتها المنزلية أو نشاطها الاجتماعي شكلا من أشكال العنف.

وعرف بعضا من الفقه ([4] )العنف على انه” سلوك يتسم بالإساءة، ويشير بصفة عامة إلى استخدام القوة، التي تسبب الضرر والأذى من قبل شخص تجاه شخص آخر، وهو احد مظاهر السلوك المنحرف، الذي عرفته البشرية على مر العصور. وهذا السلوك هو نتاج مجموعة من العوامل والظروف الاجتماعية، التي تظهر في مجتمع ما في فترات زمنية معينة، مما يدل على وجود خلل في بناء ذلك المجتمع، أو في وظائف وحداته. وقد امتدت مظاهر العنف إلى أهم نواة في المجتمع إلا وهي الأسرة.

وبالرجوع إلى قانون العقوبات الجزائري([5])، فإننا لا نجد تعريفا للعنف، غير أنه من خلال نصوص هذا القانون لاسيما القانون رقم 15-19 المتضمن تعديل قانون العقوبات([6])، يتضح أن العنف هو جريمة يعاقب عليها القانون، وهي تتمثل في اعتداء شخص على شخص آخر إما جسديا سواء أكان ضربا أو جرحا، وهو ما يعرف بالعنف الجسدي. وإما أن يكون العنف عن طريق السب والشتم أو التهديد أو التحقير، وهو ما من شانه أن يؤثر على معنويات الطرف الأخر أو يحدث به ألاما نفسية، وهو ما يعرف بالعنف النفسي. كما قد يكون العنف اقتصاديا كالإهمال والحرمان الاقتصادي ويسمى بالعنف الاقتصادي. وقد يكون العنف جنسيا.

وقد يكون العنف خارج الوسط الأسري، أي يقع في الوسط الاجتماعي بين مختلف الفئات المجتمعية، كالعنف ضد المرأة أو ضد الأطفال أو ضد فئات خاصة كالمعوقين أو ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد يكون العنف داخل الأسرة أي بين أفرادها كالعنف الزوجي.

الفرع الثاني: تعريف العنف الزوجي.

يقصد بالعنف الزوجي أي فعل أو سلوك يصدر من الزوج يتخذ أشكالا مختلفة بقصد إلحاق الضرر أو الإيذاء البدني والنفسي بالزوجة، ويصدر هذا الفعل بشكل متعمد ومتكرر، كما يحدث غالبا داخل المنزل في مواقف الغضب والصراع. وممارسة العنف الزوجي يتحدد بالدرجة المرتفعة على مقياس العنف الذي اعد لقياس هذا المفهوم بأشكاله البدني واللفظي واستهداف العنف بعدائية بشكل متعمد ومتكرر بدرجات تتراوح بين البسيطة والشديدة([7]).

ويبدو أن هذا التعريف يركز على صورتين من العنف، البدني أو الجسدي والنفسي، في حين يهمل الصورتين الاخرتين للعنف والمتمثلتين في العنف الاقتصادي والجنسي.

وكصورة من صور العنف الأسري، فالعنف الزوجي هو اعتداء يجرمه القانون يقع من احد الزوجين على الأخر، فقد يكون العنف من الزوج ضد الزوجة وهو الأكثر شيوعا، كما قد يقع من الزوجة ضد الزوج، وغالبا ما يتخذ هذا العنف صورة العنف النفسي، لأنه من النادر أن نتصور اعتداء جسدي أو جنسي أو اقتصادي من الزوجة على الزوج.

ومما لا شك فيه أن العنف الزوجي يعتبر مشكلة اجتماعية خطيرة تعيق التنمية الحقيقية داخل الأسرة، مما يجعل البحث في أسبابها وإيجاد الحلول اللازمة للحد منها، بل البحث في أساليب الوقاية منها قبل حدوثها على نحو يحافظ على كيان الأسرة واستمرار بقائها([8]).

وعرفت المنظمة العالمية للصحة( O.M.S) سنة 2002 العنف الزوجي بأنه” سلوك يصدر في إطار علاقة حميمية، يسبب أضرارا وآلاما جسدية أو جنسية لأطراف تلك العلاقة ويتعلق الأمر بالتصرفات التالية:

1- أعمال الاعتداء الجسدي كاللكمات، والصفعات، والضرب بالأرجل….الخ.

2- أعمال العنف النفسي كاللجوء إلى الاهانة والحط من قيمة الشريك وإشعاره بالخجل ودفعه إلى الانطواء أو فقدان الثقة بالنفس…الخ.

3- أعمال العنف الجنسي ويمثل كل أشكال الاتصال الجنسي المفروضة تحت الإكراه وضد رغبة الآخر وكذا مختلف الممارسات الجنسية التي تحدث الضرر.

4- العنف الذي يشمل مختلف التصرفات السلطوية والجائرة كعزل الزوجة عن محيطها العائلي وأصدقائها والحد من أية إمكانية لحصولها على مساعدة من مصدر خارجي”.

ويتضح من خلال هذا التعريف أن أشكال العنف الزوجي تتصور بأربعة صور، العنف الجسدي، العنف النفسي، العنف الاقتصادي والجنسي، وهي الأشكال التي تتفق مع ما جاء به المشرع الجزائري في القانون رقم 15-19 المتضمن تعديل قانون العقوبات.

ويقصد بالعنف الجسدي استخدام القوة الجسدية ضد الزوجة، وهو شكل شائع يتجلى في استخدام الأيدي أو الأرجل أو أية أداة تترك أثارا على جسد المرأة المعنفة كالسكين مثلا، ويكون أيضا على شكل الضرب أو الركل أو الصفع أو العض أو الدفع أو غيره. ومن المؤكد أن عملية الضرب لا تحدث مباشرة، بل تمر بمراحل معينة، بدءا بالجدال وتمتد إلى الصراع بالشتم متطورا إلى الضرب[9].

فالعنف الزوجي الجسدي، هو كل استخدام للقوة من طرف الزوج ضد الزوجة يتوج بإحداث أثار على جسد الزوجة أيا كانت الوسيلة المستعملة.

أما العنف النفسي، فهو نمط سلوكي مستمر يتصف بهدم المنشئ للعلاقة الطبيعية مع الزوجة مثل المضايقات الكلامية، التهديد، الهجمات الكلامية، الإذلال، الانتقاد المتكرر، الاتهامات الجائرة، العزلة، الإرغام. ويؤثر العنف النفسي على الزوجة فتصاب باضطرابات نفسية، حيث تكون الأسباب المؤدية إلى ذلك متعددة منها استعمال العنف اللفظي الذي يتمثل بصور الاهانات والشتم واستعمال عبارات نابية تحط من قيمة الزوجة وتمس كرامتها([10]).

فالعنف الزوجي النفسي هو كل ما يحط من كرامة احد طرفي العلاقة الزوجية وقيمته ومعنوياته دون أن يصل إلى درجة الملامسة الجسدية العنيفة بينهما التي من شانها إحداث آثار على جسد احديهما.

ويقصد بالعنف الجنسي ذلك العنف الذي يقع في إطار العلاقة الحميمية بين الزوجين، ويتمثل في صورة استخدام القوة أو المساومة أو التهديد لإجبار الزوجة على العلاقة الجنسية دون مراعاة حالتها النفسية والصحية، كما قد يكون بإجبار الزوجة على القيام بممارسات جنسية مخالفة لما هو مسموح به شرعا. وتقع هذه التصرفات من الرجال نتيجة تصورهم الخاطئ في أن العلاقة الزوجية حق محتكر للرجل يناله متى ما شاء وبالطريقة التي يريد ولو كان ذلك ضد رغبة الزوجة وإرادتها([11]).

أما العنف الاقتصادي، فيقصد به قيام الزوج بالسيطرة على الموارد المالية لزوجته والتحكم بطرق استخدام المال بهدف عدم تلبية احتياجات زوجته الشخصية، فهو نوع من استغلال الزوج للموارد الاقتصادية الخاصة بزوجته، فيحرمها مثلا من راتبها الشهري، وقد يأخذ نصيبها من الإرث غصبا عنها، أو أن يسرق مجوهراتها…الخ[12].

فالعنف الزوجي الاقتصادي هو سيطرة الزوج على الموارد المالية للزوجة دون وجه حق ودون رضاها بقصد حرمانها من تلبية حاجياتها الشخصية.

المطلب الثاني: مظاهر حماية الزوجة من العنف الجسدي والاقتصادي للزوج

نتناول هذا المطلب من خلال فرعين، نخصص الفرع الأول لتناول حماية الزوجة من العنف الجسدي للزوج، أما الفرع الثاني فنخصصه لتناول مظاهر حماية الزوجة من العنف الاقتصادي للزوج.

الفرع الأول: مظاهر حماية الزوجة من العنف الجسدي للزوج.

نظرا لتزايد ظاهرة العنف الزوجي لاسيما ذلك الواقع من الزوج على زوجته، وللحفاظ على استمرار العلاقة الزوجية وتماسك الأسرة، بادر المشرع الجزائري إلى استحداث نصوص خاصة في قانون العقوبات بموجب القانون رقم 15-19، جرم من خلالها العنف ضد الزوجة، كما خص المشرع الزوجة بحماية متميزة من جرائم الضرب والجرح بموجب المادة 266 مكرر. لذلك سنتناول هذه الجريمة من خلال بندين، نتناول في البند الأول مفهوم جريمة الضرب والجرح العمدي الواقع من الزوج على الزوجة، أما البند الثاني فنخصصه لتناول العقوبات المقررة لهذه الجريمة.

البند الأول: مفهوم جريمة الضرب والجرح العمدي الواقع من الزوج على الزوجة.

تنص المادة 266 مكرر في فقرتها الأولى من القانون رقم 15-19 المتضمن تعديل قانون العقوبات الجزائري على انه” كل من احدث عمدا جرحا أو ضربا بزوجه يعاقب…”

فواضح من خلال هذه الفقرة أن محل هذه الجريمة هو احد الزوجين، حيث يستوي أن تكون الجريمة مرتكبة من الزوجة ضد زوجها أو من الزوج ضد زوجته، ولو أن الحالة الأخيرة هي الأكثر حدوثا في مجتمعنا، فلقيام هذه الجريمة يجب أن تكون العلاقة الزوجية قائمة، أي أن تكون ثابتة بعقد رسمي، فلا يمكن تطبيق نص المادة 266 مكرر إذا كان العقد عرفيا، بل تطبق عليه القواعد العامة الواردة بنص المادة 264 من قانون العقوبات.

وتنص المادة السابقة الذكر في فقرتها الثانية على قيام الجريمة بغض النظر عن اجتماع الزوج والزوجة تحت سقف مسكن واحد، فالمهم أن تثبت العلاقة الزوجية فقط. وحفاظا على استمرار العلاقة الزوجية وتماسك الأسرة، فإن صفح الضحية يضع حدا للمتابعة الجزائية شريطة أن لا يسبب الضرب والجرح عاهة مستديمة كفقدان أو بتر احد الأعضاء أو الحرمان من استعماله أو فقد بصر إحدى العينين أو أن يؤدي هذا الضرب والجرح إلى الوفاة[13].

ويلاحظ أن المشرع الجزائري استثنى حالة العاهة المستديمة من وقف المتابعة الجزائية ووضع حدا لها، إلا أنه يبدو من الأجدر تفادي ذكر صور العاهة المستديمة ما دام أنه أنهى تلك الحالة بعبارة” أية عاهة مستديمة أخرى”. وامتدت يد المشرع لتطال الزوج حتى بعد ثبوت انفصال الزوجين عن بعضهما رسميا شريطة إثبات أن أعمال العنف ناجمة عن العلاقة الزوجية السابقة.

واستبعد المشرع الجزائري استفادة الزوج من ظروف التخفيف إذا ارتكبت أعمال العنف على الزوجة وهي حامل أو كانت معاقة، أو ارتكبت تحت تهديد السلاح أو بحضور أبنائها القصر. ويبدو أن المشرع قد أورد حالة حضور الأبناء القصر للزوجين، وكان عليه أن يكتفي بعبارة ” احد الأبناء القصر”.

ويتجسد الركن المعنوي في الجريمة في صورة القصد الجنائي العام بعنصريه العلم والإرادة، فيكفي أن تتجه إرادة الجاني على فعل الضرب والجرح والتي ينتج عن أضرار حتى ولو كانت غير متوقعة، فإن الجريمة تعتبر قائمة، حيث يعتبر الزوج مسؤولا جزائيا عن تلك الأضرار[14].

البند الثاني: عقوبة العنف الجسدي الواقع من الزوج على الزوجة.

حدد المادة 266 مكرر من القانون رقم 15-19 عقوبة العنف الجسدي على الزوجة، حيث قرر المشرع عقوبة الحبس من 01 سنة إلى 03 سنوات إذا كان العجز الناجم عن الضرب والجرح العمدي لا يتجاوز 15 يوما. أما إذا تجاوز هذه المدة فتشدد العقوبة لتصبح الحبس من 02 سنة إلى 05 سنوات.

وإذا أدى الضرب والجرح إلى عاهة مستديمة، فترتفع العقوبة لتصبح السجن المؤقت من 10 سنوات إلى 20 سنة، حيث يتغير وصف الجريمة من جنحة إلى جناية. أما إذا أدى العنف الجسدي إلى الوفاة دون قصد إحداثها، فتكون العقوبة السجن المؤبد.

وإذا كان المشرع قد جعل من صفح الضحية من الأسباب التي تؤدي إلى وضع حدا للمتابعة الجزائية إذا لم يؤد العنف الجسدي إلى عاهة مستديمة، فإن ذلك الصفح يخفض من العقوبة، لتصبح السجن المؤقت من 05 إلى 10 سنوات عوضا عن السجن المؤقت من 10 إلى 20 سنة.

الفرع الثاني: مظاهر حماية الزوجة من العنف الاقتصادي للزوج.

تناولت جريمة العنف الاقتصادي للزوج على الزوجة المادة 330 مكرر من القانون رقم 15-19، والتي تقضي بأنه”يعاقب…كل من مارس على زوجته أي شكل من أشكال الإكراه أو التخويف ليتصرف في ممتلكاتها أو مواردها المالية”.

فالمشرع الجزائري جعل الضغط على الزوجة بأسلوب الإكراه أو التخويف كالتهديد مثلا للتصرف في أموالها بمثابة جريمة يعاقب عليها القانون. فالتصرف في أموال الزوجة بالضغط عليها ودون رضاها معاقب عليه، وهو ما يعرف بالعنف الاقتصادي على الزوجة. واعتبر المشرع الجزائري هذه الجريمة جنحة، وقرر لها عقوبة الحبس الذي يتراوح بين 06 أشهر إلى سنتين. كما جعل من صفح الضحية سببا من الأسباب التي تؤدي إلى وضع حدا للمتابعة الجزائية حفاظا على استمرار العلاقة الزوجية وتماسك الأسرة.

المبحث الثاني: مظاهر حماية الزوجة من العنف النفسي والجنسي للزوج

نتناول هذا المبحث من خلال مطلبين، نخصص المطلب الأول لتناول مظاهر حماية الزوجة من العنف النفسي للزوج. أما المطلب الثاني، فنخصصه لتناول مظاهر حماية الزوجة من العنف الجنسي للزوج.

المطلب الأول: مظاهر حماية الزوجة من العنف النفسي للزوج

نصت على حماية الزوجة من العنف النفسي للزوج المادة 266 مكرر01 بقولها” يعاقب…كل من ارتكب ضد زوجته أي شكل من أشكال التعدي أو العنف اللفظي أو النفسي المتكرر الذي يجعل الضحية في حالة تمس بكرامتها أو تؤثر على سلامتها البدنية أو النفسية”. ومن خلال هذه المادة، نتعرف على مفهوم جريمة العنف النفسي في الفرع الأول، ونخصص الفرع الثاني لتناول العقوبة المقررة لهذه الجريمة.

الفرع الأول:مفهوم جريمة العنف النفسي.

كما سبقت الإشارة، فإن العنف النفسي يتم بطرق متعددة ويؤثر على معنويات الزوجة ويحط من كرامتها. وما يلاحظ من خلال نص المادة 266 مكرر 01 من القانون 15-19 أن المشرع الجزائري أورد عدة مصطلحات كالتعدي، العنف اللفظي وكذلك العنف النفسي، حيث كان من الأجدر الاقتصار على مصطلح العنف النفسي الذي يتضمن العنف اللفظي، فكل شكل من أشكال الاعتداء التي تؤدي إلى الحط من كرامة الزوجة ومعنوياتها وتؤثر على نفسيتها يدخل ضمن مصطلح العنف النفسي[15].

ويكفي لقيام جريمة العنف النفسي إثبات العلاقة الزوجية بعقد رسمي حتى ولو كانت الضحية لا تقيم مع الجاني تحت سقف بيت واحد، كما أن الجريمة لا تنتفي حتى ولو انفصل الزوجين رسميا كحدوث الطلاق بينهما شريطة إثبات أن جريمة العنف النفسي قامت بسبب العلاقة الزوجية السابقة، كما جعل المشرع صفح الضحية من الأسباب التي تضع حدا للمتابعة الجزائية.

واستبعد المشرع استفادة الزوج من ظروف التخفيف إذا وقعت جريمة العنف النفسي على الزوجة وهي حامل أو كانت بها إعاقة أو وقعت بحضور احد أبنائها القصر أو تحت التهديد بالسلاح. ونظرا لصعوبة إثبات جريمة العنف النفسي، فإن المشرع أقر للضحية استعمال كافة وسائل الإثبات.

الفرع الثاني:عقوبة جريمة العنف النفسي.

قرر المشرع الجزائري لجريمة العنف النفسي الواقع من الزوج ضد زوجته عقوبة تتراوح مدتها مابين 01 سنة إلى 03 سنوات. وما يمكن ملاحظته هو أن العقوبة المقررة لا تتناسب مع الأضرار التي يمكن أن يسببها العنف النفسي. فمثلما يمكن أن يحدث العنف الجسدي عاهة مستديمة للزوجة، يمكن أن يؤدي العنف النفسي إلى حدوث إعاقة جسدية دائمة للزوجة، لذلك يبدو من الأرجح على المشرع مراجعة هذه الحالة.

المطلب الثاني: مظاهر حماية الزوجة من العنف الجنسي للزوج.

نتناول هذا المطلب من خلال فرعين، نتناول في الفرع الأول مفهوم جريمة العنف الجنسي، أما الفرع الثاني فنخصصه لتناول العقوبة المقررة لجريمة العنف الجنسي.

الفرع الأول: مفهوم جريمة العنف الجنسي.

بالرجوع إلى نصوص القانون رقم 15-19 المتضمن تعديل قانون العقوبات، يتضح أن المشرع لم يخصص نصا لتجريم العنف الواقع من الزوج على زوجته، بل أورد نصوصا عامة تجرم الاعتداء الجنسي على المرأة بوجه عام. وتنص المادة 333 مكرر03 على انه” ما لم يشكل الفعل جريمة اخطر، يعاقب…، كل اعتداء يرتكب خلسة أو بالعنف أو بالإكراه أو التهديد ويمس بالحرمة الجنسية للضحية”.

فالمشرع الجزائري، لم يحدد المرأة ضحية الاعتداء الجنسي، مما يفسر أن الاعتداء الواقع على الزوجة يدخل ضمن نطاق تطبيق هذه المادة. وعدد المشرع صور هذا الاعتداء، فإما أن يكون بالعنف أو بالتهديد أو بأي شكل يدل على عدم رضاء الضحية كوقوع الاعتداء خلسة من الجاني على الضحية. فالمهم أن يمس الاعتداء بالحرمة الجنسية للضحية، مما يفسر أن الاعتداء الجنسي على الزوجة يمكن أن يكون بفعل مخالفا لما هو منصوص عليه في شريعتنا الإسلامية الغراء ودون رضاء الزوجة، مما يحقق جريمة العنف الجنسي الزوجي.

وقد تضمنت هذه المادة اختلالات في الصياغة اللغوية، فالمشرع عوضا أن يعاقب من ارتكب الاعتداء، فانه ينص على معاقبة الاعتداء، لذلك من الأرجح أن يعيد صياغة هذا النص على النحو الآتي” …كل من ارتكب اعتداء خلسة أو بالعنف….”. كما أن المشرع بدا نص المادة بعبارة” ما لم يشكل الفعل جريمة اخطر…”، وهي عبارة غامضة ليس لها ما يبرر وجودها في هذا النص، حيث يبدو من الأرجح حذفها.

الفرع الثاني: عقوبة جريمة العنف الجنسي الزوجي.

قرر المشرع الجزائري في المادة 333 مكرر 03 من القانون 15-19 عقوبة الحبس من 01 سنة إلى 03 سنوات عن عقوبة الاعتداء الجنسي على المرأة بالإضافة إلى الغرامة التي تتراوح قيمتها من 100.000دج إلى 500.000دج، فهي عبارة عن جنحة. ولغياب نص خاص يجرم العنف الجنسي على الزوجة، يبقى هذا النص صالحا لتطبيقه على الحالة الأخيرة.

وشدد المشرع العقوبة إذا كانت الضحية حاملا أو بها إعاقة أو عجز بدني أو ذهني لتصبح تتراوح من 02 سنة إلى 05 سنوات. ولا يشترط أن تكون هذه العلامات ظاهرة، بل يكفي أن يكون الجاني على علم بها.

الخاتمة

تماشيا مع التعديل الدستوري لسنة 2008 المتضمن ترقية حقوق المرأة، ونظرا لاستفحال ظاهرة العنف ضد المرأة لاسيما العنف الزوجي، فإن المشرع الجزائري بادر إلى تعديل قانون العقوبات بالقانون رقم 15-19، والذي عزز من حماية الزوجة بنصوص خاصة. وجرم المشرع أفعال العنف الجسدي والاقتصادي والنفسي الواقع من الزوج على زوجته، كما قرر لها عقوبات تتماشى مع خطورة تلك الأفعال، إلا أنه لم يورد نصا خاصا يجرم العنف الزوجي الجنسي. كما أورد عدة أخطاء في الصياغة اللغوية لتلك المواد.

لذلك، نقترح إدراج نص خاص يجرم العنف الجنسي على الزوجة ضمن نصوص القانون رقم 15-19 المتضمن تعديل قانون العقوبات الجزائري، كما نقترح إعادة صياغة المادة 333 مكرر03 التي تنص على معاقبة الاعتداء عوضا عن النص على معاقبة من ارتكب الاعتداء.

ونظرا لتفشي ظاهرة العنف ضد الزوجة في المجتمع الجزائري، مما أدى إلى كثرة النزاعات أمام الجهات القضائية، وهو ما من شانه أن يحدث اختلالات في الأسرة الجزائرية ينجم عنها عديد قضايا الطلاق، فإننا نقترح تغليب الصلح القضائي في مثل هذه القضايا محافظة على استمرار العلاقة الزوجية وتماسك الأسرة.

المراجع:

اولا: الكتب.

أبو الفضل جمال الدين ابن منظور الإفريقي، المجلد التاسع، دار الصادر للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 1956.
لحسن بم شيخ، مذكرات في القانون الجزائي الخاص، جرائم ضد الأشخاص، جرائم ضد الأموال، دار هومة للطباعة والنشر، بوزريعة، الجزائر، 2006.
ثانيا: الاطروحات.

1- نعيمة رحماني، العنف الزوجي الممارس ضد المرأة بتلمسان، محكمة تلمسان أنموذجا( 1995-2008)، أطروحة دكتوراه تخصص انتروبولوجيا، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة تلمسان، 2010-2011.

المقالات:

1- حنان قرقوري، عنف المرأة في المجال الأسري، سلسلة دورية عن إدارة البحوث والدراسات الإسلامية، قطر، 2015.

2- ممدوح صابر احمد، أشكال العنف الأسري ضد المرأة وعلاقته ببعض مهارات توكيد الذات في العلاقات الزوجية، المجلة الدولية التربوية المتخصصة، المجلد 01، العدد 08، جويلية، 2018.

3- جطي خيرة، الحماية الجنائية للزوجة من خلال مستجدات القانون 15-19.

4- عبد الله قازان، العنف الموجه ضد الزوجة في الأسرة الأردنية أشكاله ومرتكزاته الجذرية، مجلة دراسات للعلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد 44، العدد 03، عمان، الأردن، 2017.

5- بلحارث ليندة، الحماية القانونية للمرأة ضد العنف، مداخلة في ملتقى العنف ضد المرأة، جامعة أكلي محند اولحاج البويرة، دون سنة نشر.

النصوص القانونية.

1- الأمر رقم 66-156 المؤرخ في 08/06/1966 المتضمن قانون العقوبات الجزائري المعدل والمتمم، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، العدد 49 بتاريخ 11/06/1966.

القانون رقم 15-19 المتضمن تعديل قانون العقوبات الجزائري 66-156، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، العدد71 بتاريخ 30/12/2015.
[1] – القانون رقم08-19 بتاريخ15/11/2008، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، العدد 63 بتاريخ 16/11/2008.

[2] أبو الفضل جمال الدين ابن منظور الإفريقي، المجلد التاسع، دار الصادر للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 1956، 25.

[3] – أنظر نصوص الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة الصادر سنة 1993، متاح على الموقع الالكتروني: www.nciavhr.com/Home/Document/jMAPnyYl، تاريخ الاطلاع:01/02/2018.

[4]- حنان قرقوري، عنف المرأة في المجال الأسري، سلسلة دورية عن إدارة البحوث والدراسات الإسلامية، قطر، 2015، ص11.

[5]- الأمر رقم 66-156 المؤرخ في 08/06/1966 المتضمن قانون العقوبات الجزائري المعدل والمتمم، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، العدد 49 بتاريخ 11/06/1966.

[6] – الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، العدد71 بتاريخ 30/12/2015.[6]

[7] – ممدوح صابر احمد، أشكال العنف الأسري ضد المرأة وعلاقته ببعض مهارات توكيد الذات في العلاقات الزوجية، المجلة الدولية التربوية المتخصصة، المجلد 01، العدد 08، جويلية، 2018، ص438.

– جطي خيرة، الحماية الجنائية للزوجة من خلال مستجدات القانون 15-19.[8]

[9] – عبد الله قازان، العنف الموجه ضد الزوجة في الأسرة الأردنية أشكاله ومرتكزاته الجذرية، مجلة دراسات للعلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد 44، العدد 03، عمان، الأردن، 2017، ص5.

[10] – نعيمة رحماني، العنف الزوجي الممارس ضد المرأة بتلمسان، محكمة تلمسان أنموذجا( 1995-2008)، أطروحة دكتوراه تخصص انتروبولوجيا، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة تلمسان، 2010-2011، ص53.

– خيرة جطي، مرجع سابق، ص67.[11]

– بلحارث ليندة، الحماية القانونية للمرأة ضد العنف، مداخلة في ملتقى العنف ضد المرأة، جامعة أكلي محند اولحاج البويرة، دون سنة نشر، ص5.[12]

[13]- أنظر المادة 266 مكر من القانون رقم 15-19 السابق الذكر.

[14] – لحسن بم شيخ، مذكرات في القانون الجزائي الخاص، جرائم ضد الأشخاص، جرائم ضد الأموال، دار هومة للطباعة والنشر، بوزريعة، الجزائر، 2006، ص66.

[15]- أنظر المادة 266 مكرر01 من القانون 15-19.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت