دراسة وبحث قانوني هام عن تقسيم الجرائم وفق ركنها المادي في القانون الجزائري

وقسمت الجرائم من حيث تنفيذ ركنها المادي إلى جرائم وقتية ومستمرة، جرائم بسيطة واعتيادية، جرائم مركبة وأخرى متتابعة الأفعال وجرائم سلبية وايجابية ويتضمن هذا المبحث تعريف كل جريمة على حدا والفرق بين كل جريمة وأخرى.

المطلب الأول: الجرائم الوقتية والجرائم المستمرة والفرق بينهما

الفرع الأول: الجرائم الوقتية
يطلق عليها تسمية الوقتية أو الفورية وهي التي تقع وتنتهي تحقيق العناصر المكونة لها في لحظة زمنية أو برهة قصيرة من الزمن مثلا القتل- هتك العرض – التزوير بحيث في هذه الجرائم لا يكون تنفيذها قابلا للامتداد.

الفرع الثاني: الجرائم المستمرة
وهي تلك التي يستغرق تنفيذها وقتا طويلا نسبيا مثلا إخفاء أشياء مسروقة أو حيازة أسلحة بدون ترخيص، أو حيازة مخضرات لفترة زمنية طويلة نسبيا، ويشترط في الجرائم المستمرة واكتمال ركنها المادي أن يكون تنفيذها قابلا بطبيعة لامتداد الزمني بحسب ظروف هذا النشاط الإجرامي ومتخذة نص المادة 387 ( قانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006) واهم ما يميز الجرائم المستمرة عن الجرائم الوقتية يظهر من خلال خصائصها

الجرائم المستمرة:

يتزامن بها الركن المادي والمعنوي معا حيث في مثل هذه الجرائم يكتفي القاضي بتوافر الركن المادي بل لابد من توافر إرادة الجاني في الاستمرار بهذا النشاط، بحيث إذا لم يتواجد الركنين معا وكان الاستمرار في الركن المادي فقط فنكون بصدد جريمة وقتيـة ذات اثر مستمر أو جريمة مستمرة ذات اسمرار ثابت مثال ( إقامة بناء دون ترخيص أو لصق إعلانات محظورة ذلك فيها )(1) ففي هذين المثالين الركن المادي للجريمة بدأ وانتهى ولكن الاستمرار بقي في آثار الجريمة ذاتها ولهذا المعنى الدقيق الجرائم المستمرة هو تعاصر الركنين معا.

ولا تنحصر الجرائم المستمرة في الوجه الايجابي للسلوك وإنما قد تأخذ وجه سلبي كترك الأطفال والعاجزين في مكان خالي من السكان نص المادة 314 ق ع. وعليه يتطلب وجود الركنين معا سواء في الوجه الايجابي للسلوك الإجرامي أو الوجه السلبي له.

الفرع الثالث: الفرق بين الجرائم الوقتية والمستمرة:
الفرق بينهما في غاية الأهمية سواء من ناحية تطبيق أحكام قانون العقوبات أو من ناحية تطبيق أحكام القانون الإجراءات الجزائية.

1-من ناحية الأحكام الموضوعية، المتعلقة بقانون العقوبات

أ- من ناحية تحديد النطاق الزمني:

الجرائم الوقتية:
تخضع لعدم رجعية القوانين إلى الماضي، إلا إذا كان القانون أصلح للمتهم ولا يسري القانون الجديد على الجرائم الوقتية التي وقعت واكتملت في ظل قانون قديم.

الجرائم المستمرة:
يسري عليها تطبيق القانون الجديد حتى ولو كان أسوء للمتهم
مثلا: إذا ارتكب شخص فعل إجرامي في ظل قانون قديم ومازال ذلك الفعل مستمرا وقائما بعد صدور ونفاذ القانون الجديد فيطبق على الجاني أحكام القانون الجديد حتى ولو كان أسوء من القديم.

ب- من حيث تحديد النطاق المكاني:

الجرائم الوقتية:
تطبق على مثل هذه الجرائم أحكام القانون البلد الذي وقعت فيه حدود إقليمية

الجرائم المستمرة:
بما أن هذه الجرائم مستمرة بطبيعتها فقد تتم في دولة ما ويستمر النشاط الإجرامي في دولة أخرى وعليه يتم تحديد مكان وقوع الجريمة في كل إقليم اسمرت فيه وبالتالي يسري عليها أحكام القوانين كل الأماكن التي تمت فيها حالة الاستمرار الإجرامي

ج- من حيث الدفاع الشرعي:

الجرائم الوقتية:
لا يجوز الدفاع الشرعي فيها لأن الاعتداء المبرر للدفاع قد انتهى بتحقيق الجريمة

الجرائم المستمرة:
قد يجوز فيها الدفاع الشرعي( بعد بدء الجريمة المستمرة إذا كانت حالة الاستمرار لا تزال قائمة عند إتباع فعل الدفاع، ويكون القصد من الدفاع هو الحيلولة دون استمرار فعل الاعتداء الذي يحقق في الجريمة المستمرة)(1)

2- من ناحية الأحكام الجزائية المتعلقة بقانون الإجراءات الجزائية.

أ‌- من حيث الاختصاص المكاني

الجرائم الوقتية:
تختص في النظر إليها محاكم المنطقة التي وقعت فيها الجريمة مثلا وقعت جريمة السرقة في ولاية أدرار وفر الجاني بعد ارتكابها إلى ولاية أخرى فإن الاختصاص يعود لمحكمة أدرار.

الجرائم المستمرة:
فتحدث في منطقة معينة ويستمر الفعل الإجرامي في عدة مناطق وبالتالي تخضع لاختصاص محاكم متعددة بحيث استمرار الفعل الواقع في كل منطقة، مثلا: من يحوز على مخضرات أثناء سفره من منطقة إلى أخرى وقبض عليه في الطريق فن محكمة البلد الذي قبض عليه فيها تختص بمحاكمته.

ب- من حيث صدور قانون العفو.
مرتكب الجرائم الوقتية يستفيد من صدور قانون العفو العام، بينما في الجرائم المستمرة الواقعة قبل صدور وظلت مستمرة وقائمة إلى ما بعد صدور لا يستفيد مرتكبها من هذا القانون.

ج- من حيث تقادم الدعوى العمومية

الجرائم الوقتية:
تبدأ سريان التقادم الدعوى من يوم الموالي لارتكاب الجريمة المادة 7 ق.إ.ج.

الجرائم المستمرة فتبدأ مدة سريان التقادم الدعوى من اليوم الموالي لانتهاء حالة الاستمرار.
مثلا: جريمة إخفاء أشياء المسروقة حيث تبدأ مدة سريان تقادم الدعوى حتى اليوم الذي يتم فيه تسليم هذه الأشياء أو اكتشافها

د- من حيث حجية الشيء المقتضى به

في الجرائم الوقتية يكون الحكم بات ونهائي وعليه لا يجوز تحريك الدعوى العمومية مرة أخرى أمام القضاء لأن الحكم البات فيها حاز على قوة الشيء المحكوم فيه.

أما في الجرائم المستمرة: الحكم الصادر يحوز على قوة الشيء المحكوم فيه بالنسبة فجميع الوقائع السابقة فإذا تحددت حالة الاستمرار بعد صدور الحكم النهائي فإنها تعد جريمة جديدة مستقلة عن سابقتها

المطلب الثاني: الجرائم البسيطة والجرائم الاعتياد والفرق ينهما.

الفرع الأول: جرائم البسيطة
وهي تلك المتكونة من سلوك إجرامي واحد كافي لتحقيق الاعتداء الواقع على مصلحة محمية قانونا، ويشترط في هذا النوع من الجرائم عدم تكرار السلوك مثل جريمة السرقة أو الرشوة، وقد يتخذ هذا السلوك وجه ايجابي كما قد يكون سلبي ويمكن القول أن اغلب الجرائم بسيطة بحيث يكتفي المشرع بفعل إجرامي واحد يقوم عليه الركن المادي للجريمة.

الفرع الثاني: جرائم الاعتياد
وهي من الجرائم القليلة ولكي يقوم ركنها المادي يشترط تكرار الفعل الإجرامي بحيث في بعض الحالات لا يقتنع المشرع بتوافر فعل واحد بلا يتطلب وجود عادة أو تكرار على ارتكاب عدة أفعال للقيام المسؤولية الجنائية مثل جريمة التسول المادة 195 ق ع أو جريمة تحريض القصر على الفساد المادة 342 ( قانون رقم 06-23 المؤرخ في 20/12/2006) المتضمن قانون العقوبات أو جريمة الاعتياد على قبول ممارسة الدعارة نص المادة 346 ق.ع وكان معنى التكرار في جرائم الاعتياد محل خلاف الفقهاء.
من حيث عدد مرات في تكرار الفعل الإجرامي، والفارق الزمني بين الفعل وآخر فهناك من رأى بمجرد تكرار الفعل مرة واحدة أخرى، وهناك من يرى بتكرار الفعل ثلاث مرات، وذهب البعض إلى عدم تحديد المرات مسبقا ومن الأفضل تركها للسلطة التقديرية للقاضي.

أما الرأي السائد فقها يرى أن التكرار بمجرد وقوع الفعل مرتين كافي لاكتمال الجريمة.

أما من حيث الفارق الزمني بين الفعل والآخر، فإن كان الفرق بين الفعل الأول والفعل الثاني مدة طويلة هذا دلالة على عدم تواجد إرادة الاعتياد لدى الجاني وعليه لم يحدد المشرع الفارق الزمني وترك ذلك لتقدير القاضي

الفرع الثالث: الفرق بين الجرائم البسيطة والجرائم الاعتياد.
ويتوضح الفرق بينهما من الناحية العملية على النحو التالي.

أ‌- من حيث الاختصاص المكاني للمحكمة:

– الجرائم البسيطة:
تخضع للاختصاص محكمة محددة التي وقعت في دائرة اختصاصها هذه الجريمة.

– جرائم الاعتياد:
بما أن التكرار ملزما فيها، قد تتكرر في عدة مناطق مثل جريمة التسول، وبالتالي تختص كل محكمة من هذه المناطق الذي ارتكب في دائرة اختصاصها فعل من أفعال هذه الجريمة.

ب- من حيث سريان الأحكام الجزائية زمنيا.

الجرائم البسيطة: لا يسري القانون الجديد على الجرائم البسيطة السابقة على صدوره .

جرائم الاعتياد: يسري عليها القانون الجديد من يوم نفاذه ( فتضم الأفعال السابقة لصدور القانون الجديد إلى الأفعال اللاحقة لنفاذه)(1)

المطلب الثالث: الجرائم المركبة والجرائم المتتابعة الأفعال:

الفرع الأول: الجرائم المركبة
وهي تلك الجرائم التي يتطلب لاكتمال ركنها المادي أكثر من فعل مختلف مثلا جريمة النصب التي تقوم على فعل احتيالي باستخدام وسائل احتيالية تم الاستيلاء على بعض المال أو الثروة الغير وذلك بطريقة احتيالية( نص المادة 372 ق ع)

الفرع الثاني: جرائم المتتابعة الأفعال
وهي التي تقوم على عدة أفعال إجرامية متتابعة ومتماثلة تقع على حق واحد معتدي عليه وتحقق غرض إجرامي واحد مثلا تزوير عدة جوازات سفر أو تزوير عدة قطع نقدية أو سرقة منزل على عدة دفعات لكي لا ينكشف أمره، بحيث كل فعل من هذه الأفعال يشكل جريمة مستقلة عن الأخرى ولكن رغم ذلك تحتسب جريمة واحدة لكونها تنصب على حق معتدي عليه واحد وغرض إجرامي واحد.
وفي هذه الحالة هذا النوع من الجرائم يجمع بين الركنين المادي والمعنوي معا

الفرع الثالث: الفرق بين الجرائم المركبة والجرائم المتتابعة الأفعال
وتكون أساس الفرق بينهما من حيث الأحكام الموضوعية
حيث الجرائم المركبة بالنظر إلى طبيعتها تخضع لأحكام مختلفة عن الجرائم المتتابعة حيث أن النص الجديد يسري على كل فعل يكون جريمة مركبة حتى ولو كان أول فعل إجرامي أرتكب قبل صدور ونفاذ النص الجديد.
أما الجرائم المتتابعة الأفعال تخضع لنفس الأحكام التي تخضع إليها الجرائم البسيطة أما من حيث الأحكام الجزائية.
الجرائم المركبة تخضع لاختصاص المحاكم التي وقعت في دائرة اختصاصها فعل من الأفعال هذه الجريمة
جرائم المتتابعة الفعال: تكاد تتواجد الأحكام التي تسري عليها مع تلك التي تسري على الجرائم المستمرة وجرائم الاعتياد.

المطلب الرابع: الجرائم السلبية والجرائم الايجابية والفرق بينهما

الفرع الأول: الجرائم السلبية
وهي الجرائم التي تمثل في الامتناع عن فعل يوجب القانون فعله ويعاقب عليه بمجرد الامتناع بغض النظر عن النتيجة الإجرامية المترتبة عنه ( أن يستوي في نظر المشرع وقوع النتيجة أو عدم وقوعها على الإطلاق)(1)
مثال امتناع الشاهد للحضور للشهادة، وعليه يشترط لتحقيق النموذج القانوني لهذه الجرائم
– وجود امتناع عن فعل ايجابي يتطلبه القانون
– توفر الصفة الايرادية لهذا لامتناع.

الفرع الثاني: جرائم الايجابية
والتي تتمثل في القيام بفعل بنهى عنه القانون وتتوفر فيه الإرادة مما ينجم عنه أثار إجرامية يعاقب عليها

الفرع الثالث: الفرق بين الجرائم السلبية والجرائم الايجابية
الفرق بينهما ليس مثيرا للإشكال من الناحية العملية وإنما الإشكال قد يقع في حالة ما إذا ارتكبت الجريمة الايجابية عن طريق الامتناع أو الترك
وهو نوع من الجرائم سميت بالجرائم السلبية ذات النتيجة حيث يكون الامتناع عن الفعل والنتيجة المترتبة عنه عنصران المكونان للركن المادي وهذا ما يميزها عن الجرائم السلبية البسيطة
مثال: امتناع الأم من إرضاع طفلها ويؤدي ذلك الامتناع إلى وفاته.
فأثار هذا الموضوع جدالا بين الفقهاء وحول مدى مسؤولية الجاني عن امتناعه والذي ينتج عنه جريمة معينة فتوصل الفقهاء إلى رأيين
الرأي الأول: ذهب إلى عدم إمكانية وقوع الجريمة الايجابية بطريقة الامتناع أو الترك بحجة لا يقوم الركن المادي للجريمة الايجابية إلا بقيام الفعل ايجابي ومثالهم عن ذلك أن الامتناع لا يصلح في تكوين الركن المادي لجريمة القتل ومن الصعب إثبات العلاقة السببية بين الامتناع الجاني والنتيجة الإجرامية المعاقب عليها.
الرأي الثاني: يرى أنه بإمكان وقوع جريمة ايجابية عن طريق الامتناع أو الترك ولكن بتوافر شروط.
– أن يكون على الممتنع واجب أو التزام قانوني أو تعاقدي بأداء عمل يمنع وقوع الجريمة)(2)
مثلا: من يشاهد شخصا يغرق ولا ينقضه فلا يعد قاتلا
– يتعين توافر العلاقة السببية بين الامتناع والنتيجة التي يعاقب عليها القانون
– أن يكون الامتناع ايراديا.
وعليه يجدون أن الرأي الثاني كان راجحا بما أن العناصر المكونة للركن المادي للجريمة قد تكون أفعال ايجابية، أو سلبية بسيطة أو أفعال سلبية ذات نتيجة إجرامية طالما توافرت الشروط ومن ثم تتحقق العلاقة السببية بين امتناع الجاني والنتيجة المترتبة عن هذا الامتناع، ومن ثم يسأل الجاني عن النتيجة.