يعرف الفقه هذا الحق بانه ((سلطة تمكن رئيس الدولة من إيقاف القانون الذي وافق عليه البرلمان)) (1).على ان هذه السلطة هي سلطة شخصية تقديرية يتمتع بها رئيس الدولة فهو الذي يقرر ملاءمة اللجوء إلى استعمالها ، إذ ان الدستور أوجب على رئيس الدولة في القسم الدستوري الذي يحلفه عندما يقبض على أزمة الحكم ان يحترم دستور الدولة وقوانينها وان يحفظ استقلال الوطن وسلامة أراضيه ، فانه من حقه ، بل من واجبه ، إذا ما وجد في قانون محال إليه من البرلمان لإصداره ، ما يخالف أحد هذه الأهداف ان يطلب إعادة النظر في القانون(2). فالدساتير تمكن رئيس الدولة من الاعتراض على قانون اقره البرلمان لاعتقاده في عدم ملاءمته للمصلحة العامة ولكن على ان لا يترتب على الاعتراض إعدام أو محو القانون المعترض عليه. بمعنى انه لا يشكل عقبة أمام تنفيذ الإرادة العامة المعبر عنها بالقوانين التي تضعها الهيئة التشريعية إذ تنص الدساتير عادة بان القانون المعترض عليه يصدر رغم هذا الاعتراض إذا أعاد البرلمان إقراره للمشروع بالأغلبية العادية أو بأغلبية خاصة طبقاً للنصوص الدستورية المقررة بهذا الخصوص(3).

وحق الاعتراض يتفق مع مبدأ فصل السلطات ويعتبر من أسس التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، فلا يكفي لاحترام المبدأ ان تباشر كل سلطة الاختصاصات التي حددها الدستور ، لان تقسيم العمل بين سلطات الدولة المختلفة ليس في ذاته ضامناً يحول دون تعدي كل سلطة على اختصاصات الأخرى ، انما يجب إلى جانب ذلك ان تسلح السلطة بما يكفل لها توقف تعدي السلطات الأخرى. ومن هنا تتضح الحاجة إلى حق الاعتراض فكثيراً ما يؤدي هذا الحق إلى توجيه نظر البرلمان إلى الاعتداء بملابسات خاصة قد يكون أغفلها حين أقر مشروع القانون ، لان رئيس الدولة وهو المكلف بتنفيذ القوانين ، أعلم من غيره بالعقبات التي تعترض هذا التنفيذ ، فاذا ما رأى ثمة عقبات تواجه تنفيذ قانون معين كان من حقه بل من واجبه منع هذا القانون بالاعتراض عليه ، على ان يبين للبرلمان مسوغات ذلك ومن ثم يحيط هذا الأخير علمه بمثل تلك المعوقات ، مما يكون ذلك مقدمة لإجراء الاصلاحات التشريعية ، إذ يعمد البرلمان إلى معالجة أوجه القصور التي كشفها رأي رئيس الدولة في التشريع وهكذا فحق الاعتراض وسيلة لا غنى عنها من وسائل تحقيق التعاون وتبادل الرأي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية(4).

فضلاً على ان هذا الحق يعد من أهم وسائل السلطة التنفيذية في رقابة السلطة التشريعية. فكل من السلطتين تمتلك وسائل تستطيع بواسطتها من فرض رقابتها على أعمال الأخرى. ويأخذ حق الرئيس في الرقابة السياسية على دستورية القوانين شكل اعتراضه على مشروعات القوانين غير الدستورية ، فإذا رأى رئيس الدولة ان مشروع القانون المقدم إليه للتصديق عليه وإصداره غير دستوري ، كان من حقه الاعتراض عليه وإعادته مرة أخرى للمجلس النيابي(5).

___________________________

1-كلمة فيتو ـ كلمة لاتينية الأصل ليس لها أثر في القاموس الأكاديمي الفرنسي وهي تعني ((اني اعترض)) وقد اوضح الشاعر voltair هذا المعنى في ملحمته قانون منيوس Lois de minos وهو يتحدث عن نظام الفيتو الحر Libtum ceto الذي طبق في النظام البولوني القديم فقرر ان هذا الحق عندما يكون في يد أي شخص داخل المجلس فانه يمثل سلاحاً هجومياً خطيراً يمكن ان يدمر الجمهورية لان استخدامه يمكن أي سكير من ان يوقف مناقشات خمسة أو ستة آلاف حكيم . د. عمر حلمي ـ مصدر سابق ـ ص15.

2-د. ادمون رباط ـ مصدر سابق ـ ص706.

3- د. فؤاد العطار ـ مصدر سابق ـ ص349.

د. محمد رفعت عبدالوهاب ـ مصدر سابق ـ ص261.

4- د. حسن الحسن ـ مصدر سابق ـ ص317 ود. حسين عثمان محمد عثمان ـ مصدر سابق ـ ص235 ، ود. عادل الطبطبائي ـ مصدر سابق ـ ص254.

5- إذا كانت رقابة رئيس الدولة على مشروعات القوانين عن طريق الاعتراض يستهدف ظاهرة القوانين المعيبة فان مثل هذه الظاهرة قد تكون شائعة في الدول ذات البرلمانات التي تعاني من ضعف النضج القانوني أو السياسي ، والدول المتخلفة أكثر مما هي في الدول المتقدمة ، لاسيما وان الخبرة البرلمانية لأعضاء المجلس النيابي في تلك الدول تكاد تكون ضعيفة ان لم تكن منعدمة ، مما يجعل فرصة إقرار قوانين معيبة غير مدروسة احتمالاً قائماً في أي وقت ومن ثم فان اعتراض رئيس الدولة سيحقق رقابة فعالة واكيدة لوقف مثل تلك القوانين المعيبة.

د. عادل الطبطائي ـ مصدر سابق ـ ص254. د. محمد رفعت عبد الوهاب ـ مصدر سابق ـ ص261.

المؤلف : تغريد عبد القادر المنقحة
الكتاب أو المصدر : مبدا الفصل بين السلطات

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .