مذهـب المسـاواة في تحديد مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة :

ذهب جانب من الفقه إلى اقرار المساواة بين المساهمين في الجريمة من حيث الفاعلية السببية في أحداث النتيجة الجرمية مع الاحتفاظ بمبدأ وحدة الجريمة (1). ويستند أنصار هذا المذهب إلى اعتبارين:

الأول- يتعلق بعدم جدوى التفرقة بين المساهمين في الجريمة باعتبار إن كل مساهم يرتبط نشاطه بالنتيجة التي يعاقب عليها القانون برابطة السببية فانه يعد فاعلا سواء أكان النشاط الذي يأتيه داخلا في نطاق الأعمال التنفيذية المكونة للجريمة، أم مقتصرا على وسائل الاشتراك الثلاث كلا أو جزءا، ولو افترضنا ان أحد المساهمين لم يقم بدوره في الجريمة، فانها ما كانت لتتحقق على النحو الذي تحققت به.

الثاني- إن استقلال المساهمين يعد نتيجة منطقية لاعتبار كل مساهم فاعلا للجريمة نفسها، وعلى أساس ذلك فان كل مساهم يستمد صفته الجرمية من نشاطه مستقلا دون أن يتبع غيره في ذلك(2).

تقييم مذهب المساواة في تحديد مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة:

يمتاز هذا المذهب – حسب رأي مؤيديه – بسهولة تطبيقه، حيث يسأل كل مساهم في الجريمة بشكل مستقل عن بقية المساهمين، ويتفادى بذلك الصعوبات التي تثار عند التمييز بين أفعال المساهمين في الجريمة، وأخيرا فانه يسمح للقاضي أستعمال سلطته التقديرية عند تحديده العقوبة المناسبة لكل مساهم تبعا لاختلاف ظروفه عن غيره من المساهمين(3). على الرغم من ما يمتاز به هذا المذهب فهناك انتقادات وجهت إليه تتمثل في انه يؤدي إلى أتساع نطاق التجريم فهو يخضع الشريك للعقاب عن مجرد سلوكه حتى لو لم يكن هذا السلوك جريمة بحد ذاته، كما ان هذا المذهب يقضي على فكرة المساهمة في الجريمة بأغفاله وحدة الركن المادي والركن المعنوي الذي يجمع بين المساهمين(4). وطبقا لهذا المذهب فلا يمكن مساءلة الشريك عن الجريمة المغايرة التي يرتكبها الفاعل حتى لو كانت نتيجة محتملة لفعل الاشتراك وذلك لان هذا المذهب يعاقب الشريك عن السلوك الذي يرتكبه هو دون أن يشترط صدور فعل من الفاعل ويقول بأستقلال الشريك من حيث الركن المادي والركن المعنوي وبذلك لا يمكن مساءلة الشريك عن جريمة لم ينصرف قصده إليها ولم يرتكب الفعل المكون للركن المادي لها.

___________________________

1- د.احمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات، المصدر السابق، ص626.

2- د.محمد محي الدين عوض، نظرية الفعل الاصلي والاشتراك في القانون السوداني، المصدر السابق، ص200-201.

3- د.محمود حسني نجيب، المساهمة الجنائية، المصدر السابق، ص35.

4- د.احمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات، المصدر السابق، ص627.

مذهـب التبعـية في تحديد مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة :

يقوم هذا المذهب على أساس تعادل الأسباب التي بموجبها تكون افعال المساهمين متساوية في أحداث النتيجة ومن ثم لها القيمة القانونية نفسها(1). ولقد ظهر مذهب التبعية نتيجة للانتقادات التي وجهت للنتائج التي يؤدي إليها مذهب الاستعارة، إذ ينكر أنصار هذا المذهب وحدة الجريمة المرتكبة ويقرون مبدأ تعدد الجرائم بتعدد المساهمين فيها. وان كل جاني يعاقب على الفعل الذي أقترفه مستقلا عن فعل غيره، ويرون ان اجرام الشريك يتوقف على حدث خارجي متميز عن سلوك الشريك وهو الفعل الذي يرتكبه الفاعل الاصلي. ولهذا السبب فان اجرام الشريك لا يكون مستقلا في حد ذاته بل انه يتوقف على هذا الفعل الذي يرتكبه الفاعل الاصلي فيكون تابعا له(2). ولقد أنقسم أنصار هذا المذهب في تحديد هذه التبعية الى نظرتين:

1-نظرية التبعية المطلقة :

ويرى أنصار هذه النظرية إن اجرام الشريك يكون تابعا بشكل مطلق للفعل الذي يرتكبه الفاعل الاصلي إذ يتوقف عقاب الشريك على كون الفعل المرتكب من قبل الفاعل مطابقا لنص التجريم وتتوافر فيه عدم المشروعية وان يكون الفاعل مسؤولا جنائيا(3).

2-نظريةالتبعية المقيدة:

ويكتفي أنصار هذه النظرية لمعاقبة الشريك ان يكون الفعل الذي يرتكبه الفاعل مطابقا لنص التجريم وتتوافر فيه عدم المشروعية ولا تشترط ان يكون الفاعل مسؤولا جنائيا عن فعله(4).

تقييم مذهب التبعية في تحديد مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة:

أمتاز هذا المذهب بمحاولته توجيه العناية والاهتمام بشخص الجاني، إذ يسأل كل مساهم في الجريمة عن الفعل الذي أقترفه هو فقط دون ان يسأل عن فعل غيره من المساهمين أو يسأل غيره عن فعله، وهذا مما يساعد على تقدير العقوبة المناسبة التي يستحقها عن فعله الشخصي، بما يدرأ ضرره عن المجتمع(5). الا انه مما يؤخذ على هذا المذهب أغفاله للروابط التي تجمع بين المساهمين في الجريمة، وأهمها القصد المشترك الذي يجمع بينهم على ارتكاب الجريمة، فهناك فرق واضح بين حالة عدد من الأشخاص يرتكبون جرائم متعددة لأنعدام وحدة الركن المعنوي فيما بينهم فيعمل كل منهم لحسابه الخاص، وبين حالة عدد من الأشخاص يرتكبون جريمة واحدة خططوا لها ووزعوا أدوارها عليهم. فإذا كانت تجزئة الجريمة الواحدة التي ساهم فيها عدة أشخاص إلى جرائم متعددة يؤدي إلى أستقلال كل مساهم بجريمته وظروفه وهذا ما تقتضيه السياسة الجنائية الحديثة، الا انه قد فات أنصار هذا المذهب إن هذه التجزئة ستؤدي الى القضاء على فكرة الخطورة الناشئة عن المساهمة في الجريمة الواحدة(6). ووفقا لما جاء به هذا المذهب لا يمكن مساءلة الشريك عن الجريمة المغايرة التي يرتكبها الفاعل حتى لو كانت نتيجة محتملة لفعل الاشتراك أنطلاقا من أستقلال الفاعل بجريمته عن الشريك وهذا ما لا ينسجم مع ما نصت عليه أغلب التشريعات الحديثة وما جرى عليه العمل قضائيا بتقرير مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة.

________________________

1- د.محمد محي الدين عوض، قانون العقوبات السوداني، المصدر السابق، ص125.

2- ينظر في ذلك : القاضي نوري الحسيني، المصدر السابق، ص86.، د.احمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات، المصدر السابق، ص625-626.

3- د.احمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات، المصدر السابق، ص626.

4- د.محمود محمود مصطفى، أصول قانون العقوبات، المصدر السابق، ص62.

5- القاضي فريد الزغبي، المصدر السابق، المجلد الثاني، ص487.

6- د.محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات اللبناني (القسم العام) ، ط2، دار النقري للطباعة، بيروت، 1975، ص558.

مذهـب الاستعـارة في تحديد مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة :

يقوم هذا المذهب على أساس مادي قوامه الفعل الذي وقع بأعتباره مكونا لجريمة واحدة أرادها أشخاص متعددون هم الذين ساهموا فيها لكل منهم دوره المادي أو المعنوي، ولكن تبقى الجريمة وحدة قائمة بذاتها من الناحيتين المادية والمعنوية، ومن ثم فأن الشريك لا يعد مرتكبا لجريمة مستقلة، لان نشاطه غير مجرم لولا ارتباطه بنشاط الفاعل الاصلي، وعليه فأن الشريك- وفقا لهذا المذهب – يستعير أو يستمد أجرامه من أجرام الفاعل الاصلي للجريمة(1). وقد أختلف الفقهاء في مدى هذه الاستعارة، إذ نادى البعض بأطلاقها في حين يرى آخرون نسبيتها. وسنتناول تباعـا كلا مـن نظريـة الاستعارة المطلقة ونظريـة الاستعارة النسبية.

1- نظرية الاستعارة المطلقة:

يرى أنصار هذه النظرية إلى أن كل من ساهم في ارتكاب الجريمة بوصفه فاعلا أو شريكا فانه يعاقب بالعقوبة المقررة في القانون ولا فرق بين من قام بدور رئيسي في تنفيذها أو قام بدور ثانوي فيها على اعتبار ان الشريك يستعير اجرامه من الفاعل الاصلي استعارة مطلقة ومن ثم يكون مسؤولا بالقدر نفسه الذي يسأل به الفاعل الاصلي، أما بشأن التفريق بالعقوبة بيـن الفاعـل والشريـك فانها تعتبـر مسألـة تقديرية متروكة لسلطـة قاضي الموضـوع بالحدود المنصوص عليها في القانون(2). ويذهب أنصار هذه النظرية إلى أن الشريك يتأثر بكافة الظروف الشخصية التي تتوافر في فاعل الجريمة، أي انه إذا لم يكن الفاعل معاقبا لسبب يتعلق بشخصه (كما لو كان مجنونا أو غير مميز) فلا يجوز معاقبة الشريك، أما الظروف الشخصية للشريك فلا يتأثر بها الفاعل، فيما يمتد أثر الظروف المادية إليهما دون تميز بين فاعل أو شريك(3). ويستند أنصار هذه النظرية إلى أساسين:

الأول- إذا كانت أدوار كل من الفاعل والشريك تتفاوت في أهميتها الا انها تتساوى مع بعضها في قوتها السببية وضرورتها لتحقق الجريمة على النحو الذي تحققت عليه، بمعنى انه لو لم يقم الشريك بدوره ما كان للجريمة إن تحقق بالصورة التي تحققت بها.

الثاني- إن الشريك قد أرتضى الدخول في الجريمة، وهذا يعني قبوله مقدما بجميع النتائج المترتبة على ذلك(4). وعليه فان مسؤوليته الجزائية يجب أن لا تقل عن مسؤولية الفاعل.

تقييم نظرية الاستعارة المطلقة في تحديد مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة:

على الرغم من المزايا التي يقول بها مؤيدوا هذه النظرية في كونها تنتهج خطة عقابية واحدة تكفل التشدد في معاقبة جميع المساهمين في الجريمة وهو الأمر الذي يشكل تنبيها بعدم التسرع في الأقدام على المساهمة في جريمة قد ينالون منها عقوبة صارمة، كما إنها تسمح بتطبيق الاحكام القانونية بسهولة دون الخوض في المشكلات التي تثيرها مسألة التميز بين طوائف المساهمين في الجريمة(5). فقد وجهت لهذه النظرية العديد من الأنتقادات، فهي تؤدي إلى الاسراف في العقاب لانه يقضي بتحميل الشريك مسؤولية التشديد الناتج عن ظروف شخصية للفاعل الاصلي لا تتوافر فيه، فالأجنبي الذي يتدخل مع الأبن في جريمة قتل أبيه يسأل عن جريمة قتل الاصول، سواء كان هذا الظرف المشدد من الظروف التي سهلت ارتكاب الجريمة أم لا، وسواء علم الأجنبي به أو لم يعلم. ويلاحظ اسرافها في العقاب أيضا بمعاقبة الشريك بعقوبة الجريمة المغايرة التي يرتكبها الفاعل سواء أكانت نتيجة محتملة لنشاط الشريك أو لم تكن إذ يعلق أنصار هذه النظرية عقاب الشريك على وقوع الجريمة من الفاعل الاصلي، وفي حدود ما يرتكبه هذا الأخير، هو الأمر الذي يؤدي إلى عقاب الشريك عن الجريمة حتى لو لم تكن نتيجة محتملة لفعل الاشتراك. وهنا يبدو أسرافها في تحميل الشريك عقوبة الجريمة المغايرة على الرغم من ان النشاط الذي يقوم به لا يشكل جرما بحد ذاته، ولم تكن إرادة الشريك في الغالب منصرفة الى تلك الجريمة إذا ما قورن بالفاعل الاصلي. وهي تؤدي الى القصور في العقاب في كونها لا تحمل الشريك مسؤولية التشديد الناجم عن ظروف شخصية مشددة توافرت فيه، كالأبن الذي يكون شريكا في جريمة قتل الأصول(6). ولا شك إن هذه النتيجة غير منطقية كونها لا تنسجم مع العلة التي من أجلها أوجد النص.

2- نظرية الاستعارة النسبية:

وهي صورة معدلة لنظرية الاستعارة المطلقة نظرا للانتقادات السابقة التي وجهت لنظرية الاستعارة المطلقة التي حاول الفقه التحول عنها بعض الشيء الى ما يسمى بـ (نظرية الأستعارة النسبية أو المقيدة). وهذه النظرية كسابقتها تقوم على استعارة الشريك اجرامه، ولكن ليس من الفاعل وانما من اجرام الفاعل(7). فهي ليست استعارة مطلقة بل استعارة نسبية أو مقيدة ويتمثل هذا التقيد في أمرين:

الأول- التفرقة بين الفاعل والشريك من حيث العقوبة، حتى تتناسب مع أهمية دور كل منهما في أرتكاب الجريمة، ولما كان دور الشريك ثانويا في الجريمة لذا يتعين معاقبته بعقوبة أخف من عقوبة الفاعل الذي يكون دوره في الجريمة رئيسيا.

الثاني- تأثر الشريك بظروفه الشخصية بعد ان كان أطلاق مبدأ الاستعارة يحول دون ذلك. وعليه فان أنصار هذه النظرية يكتفون بان يكون فعل الفاعل معاقبا عليه من الناحية الموضوعية(8). على أعتبار انه في حالة ما إذا ارتكب الشريك الفعل المكون للركن المادي فانه يعاقب بالعقوبة المقررة قانونا حتى وان لم يتم معاقبة الفاعل الاصلي لسبب من أسباب الاباحة أو مانع من موانع المسؤولية الجزائية(9).

تقييم نظرية الاستعارة النسبية في تحديد مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة:

لقد لطفت هذه النظرية من تطرف النتائج التي توصل اليها أنصار مذهب الاستعارة المطلقة وذلك من خلال دعوتها الى وجوب التفريق بين أدوار المساهمين ومدى أهميتها في تحقيق الجريمة وأثر ذلك في تقدير عقوبتهم، ولا شك ان هذه الفكرة (تفريد العقاب) تتفق مع السياسة الجنائية السليمة التي ترمي الى توجيه العقوبة الوجهة التي تحقق مصلحة المجتمع ولكن ما يؤخذ على هذه النظرية هو النقد الموجه إلى سابقتها نفسه، إذ يكتنف هذه النظرية القصور والاسراف في العقاب في تحميل الشريك مسؤولية الجريمة المغايرة التي يرتكبها الفاعل سواء كانت نتيجة محتملة أو لم تكن(10).

_______________

1- ينظر في ذلك : د.نظام توفيق المجالي، المصدر السابق، ص363.، د. احمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات، المصدر السابق، ص624.

2- ينظر في ذلك : د.محمود نجيب حسني، المساهمة الجنائية، المصدر السابق، ص47.، د. أكرم نشأت أبراهيم، القواعد العامة في قانون العقوبات المقارن، المصدر السابق، ص201.

3- ينظر في ذلك : د.عادل عازر، المصدر السابق، ص312 وما بعدها.، د.نظام توفيق المجالي، المصدر السابق، ص364.

4- ينظر في ذلك : القاضي فريد الزغبي، المصدر السابق، المجلد الثاني، ص286.، د.ماهر عبد شويش، المصدر السابق، ص591.

5- الفيلسوف تشيرازي بكاريا، الجرائم والعقوبات، ترجمة الدكتور يعقوب محمد حيالي، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، الكويت، 1985، ص63.

6- ينظر في ذلك: د.عادل عاز، المصدر السابق، ص30.، د.محمد علي سالم، المصدر السابق، ص84.

7- ينظر في ذلك: د.نظام توفيق المجالي، المصدر السابق، ص365.

8- د. احمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات، المصدر السابق، ص625.

9- د. احمد فتحي سرور، المصدر السابق، ص139.

10- ينظر في ذلك: ص37-38 من الرسالة.

المؤلف : منى محمد عبد الرزاق
الكتاب أو المصدر : مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .