القرائن القضائية

عرفت المادة 102 من قانون الاثبات العراقي (1)، القرينة القضائية بأنها استنباط القاضي امرا غير ثابت من امر ثابت لديه في الدعوى المنظورة، وللقاضي استنباط كل قرينة لم يقررها القانون وذلك في نطاق ما يجوز اثباته بالشهادة. وتتميز القرائن القضائية بأهمية كبيرة لما للقاضي من سلطة واسعة في استنباطها من وقائع الدعوى وظرفها بمختلف الوسائل والطرق. وللقرائن القضائية أهمية فيما يخص عبء الاثبات، فهي تعد من الوسائل التي يستعين بها القاضي للقيام بنقل عبء الاثبات بين الخصوم وللتخفيف من قاعدة (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر) حتى لا يقع عبء الاثبات على كاهل احد الخصمين دون الآخر عن طريق الاكتفاء بما يجعل الأمر المدعى قريب التصديق، والزام المدعى عليه، نفي هذا الأمر، ثم يقوم القاضي بتكوين قناعته من مجموع ما يدلي به الخصمان (2). ويستهدي القاضي بالقرائن القضائية في الكشف عن ارادة المتعاقدين واستظهار قصدهما، ومما يساعد على ذلك، ان للمحكمة سلطة تقديرية واسعة في استنباطها من الوقائع الثابتة او المعلومة المتوفرة في الدعوى او من ظروف الدعوى (3). كان تستتر الوصية تحت اسم البيع، لغرض يقصده الموصي، فللمحكمة ان تستظهر ارادة الموصي ولها ان تستعين بالقرائن القضائية في ذلك، ومن هذه القرائن، استمرار وضع البائع اليد على العقار واستغلاله الى حين وفاته، وعدم تسجيل العقد واستمرار قيام البائع بدفع الديون العقارية المطلوبة، وفقر المشتري وعدم قدرته على دفع الثمن، المسمى في العقد، لا سيما اذا اقترن ذلك باشتراك البائع عدم تصرف المشتري في الرقبة طوال حياته (4). وللقاضي ان يستخلص من عدم استجابة الخصم لطلبات المحكمة واستيضاحاتها دون عذر مقبول، او من مماطلته ولجوئه الى أمور من شأنها ان تؤدي الى تأخير حسم الدعوى دون مبرر قانوني قرينة تساعد على حسم الدعوى (5).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-انظر المادة (100) اثبات مصري والمادة (92) بينات سوري والمادة (43) بينات اردني.

2-مرقس، اصول الاثبات فقرة 274 وما بعدها. قيس عبد الستار عثمان، القرائن القضائية ص89

3-انظر نقض مصري في 7/6/1951 مشار إليه في، محمد كمال عبدالعزيز. التقنين المدني في ضوء الفقه والقضاء، القاهرة 1963، ص134.

4-نقض مصري في 16/12/1943، مجموعة القواعد القانونية (مجموعة محمود أحمد عمر) ج4 رقم 83 ص231.

5-انظر كتاب وزارة العدل المرقم 1 / 2 / 212 في 8 / 6 / 1992 المرفق بطيه مشروع لتعديل القرار رقم 669 في 23/8/1987 الخاص بالسقوف الزمنية لحسم الدعاوى. وقد صدر القرار رقم (18) في 9/3/ 1997، ونص على ان (تكون طلبات التأجيل المتكررة قرينة على ضعف حجة الخصم طالب التأجيل يمكن ان تعتمدها المحكمة عند اصدارها الحكم) نشر القرار في الوقائع العراقية بعددها المرقم 3662 في24/3/1997. علما بأن المادة (49/2) من قانون المرافعات المدنية تنص (على الخصم ان يجيب على الدعوى بعد تبليغه بعرضيتها وقبل حلول الجلسة المحددة لنظرها، وللمحكمة ان تستخلص من عدم اجابته …. تساعدها على حسم الدعوى).

 

القرائن وحجية الأحكام

يقصد بالقرينة – النتائج التي يستخلصها القانون او القاضي من واقعة معلومة لمعرفة واقعة مجهولة، فهي استنباط امر مجهول من واقعة ثابتة معلومة (1). وتنقل القرينة الاثبات من الواقعة المراد اثباتها الى واقعة اخرى قريبة منها او متصلة بها، اذا ثبتت، اعتبر ذلك دليلا كاملا على صحة الواقعة الأولى (2). وان مفهوم القرينة، بوجه عام، ينطوي على عنصرين، فمن جهة، الاستنباط الذي يسمح بتأكيد الصفة الاحتمالية لواقعة ما استنادا الى السير الطبيعي للأشياء، ومن جهة اخرى، تفترض القرينة حكما مسبقا على حقيقة غير معروفة بصورة كافية مما تسمح بتكوين فرضية معينة واستبعاد فرضيات اخرى، بالرغم من كون تلك الفرضيات ليست بحقيقة مؤكدة (3). فالقرائن تبنى على أساس قابلية للتصديق، بناء على فكرة ان اليقين امر نادر في مجال القانون، فكان من الضروري لا عمال القانون، ان نحول ما هو غير مؤكد الى مؤكد، والشكوك الى الحقائق، اعتمادا على ما يحدث وفقا للسير العادي للأمور (4). والقرائن قانونية وقضائية، والقرائن القانونية يستنبطها المشرع مما يغلب حدوثه من الوقائع، وينص عليها بنص في القانون، اما القرائن القضائية التي يستنبطها القاضي من ظروف الدعوى وملابساتها. وقد تتحول القرائن القضائية الى قرائن قانونية، فالقرينة القضائية اذا توفرت واضطر وقوعها فاستقر عليها القضاء ومن ثم لم تصبح هذه القرينة متغيرة الدلالة من قضية الى اخرى، فالمشرع غالباً ما ينص عليها فتصبح قرينة قانونية (5)، ومن الامثلة على ذلك، ما سار عليه القضاء العراقي من اعتبار وجود السند في يد المدين قرينة على وفائه بالدين الى ان يثبت العكس وعلى هذا نصت المادة 139 من قانون التجارة رقم 60 لسنة 1943 (الملغى) فيما يتعلق بالامور التجارية، وبقيت هذه القرينة القضائية في ميدان المعاملات المدنية الى حين صدور قانون اصول المرافعات المدنية والتجارية رقم 88 لسنة 1956 (الملغى) فقد نصت المادة (112 / 2) منه على ان (وجود السند في يد المدين دليل على الايفاء ما لم يقم الدليل على عكس ذلك) وبهذا أصبحت القرينة القضائية، فيما يتعلق بالمعاملات المدنية قرينة قانونية بالنص المذكور (6). علما بأن المادة 107 من قانون التجارة رقم 149 لسنة 1970 (الملغى) نصت على ان (وجود سند الدين في حيازة المدين يقوم قرينة على براءة ذمته من الدين حتى يثبت خلاف ذلك) وعندما صدر قانون التجارة رقم 30 لسنة 1984 لم يرد فيه نص مماثل، كما ان قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 لم ينص على هذه القرينة فأصبحت قرينة قضائية. وعندما صدر قانون الاثبات رقم 107 لسنة 1979 نصت المادة 19 منه على أن (وجود سند الدين في حوزة المدينة قرينة على براء ذمته من الدين حتى يثبت خلاف ذلك). ولما كان هذا القانون وحد أحكام الاثبات في المسائل المدنية والتجارية، لذلك فان هذا الحكم يسري على المعاملات المدنية والتجارية، وأوردت المادة 99 من قانون الاثبات قواعد كلية في الاثبات، نقلا عن المادتين 446 و 447 الملغيتين من القانون المدني، وهذه القواعد هي :

1-يضاف الحادث الى اقرب اوقاته (م11 المجلة).

2-الاصل بقاء ما كان على ما كان (م5 المجلة) والأصل في الصفات العارضة العدم (م 9 المجلة).

3-ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد دليل على خلافه (م 10 المجلة). فاذا ثبت كون الشيء في زمن على حال، فاذا لم يقم الدليل على تغيير حاله يعتبر انه متلبس بتلك الحال، لان البقاء هو الاصل والعدم طارئ، وهذا يسمى في اصول الفقه بـ (الاستصحاب) اي استبقاء حكم في الزمن الماضي على ما كان عليه واعتباره موجودا ومستمرا الى ان يوجد دليل يغيره، فكل امر علم وجوده ثم حصل شك في عدم وجوده حكم ببقائه استصحابا للأصل. فما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد دليل على خلافه (م 99 / ثالثاً – اثبات) (م 75 / 2 بينات اردني) فالاستصحاب هنا حجة في الدفع لا في الاثبات فاذا ثبت شيء لاحد يحمك ببقاء الملك له ما لم يوجد دليل على زواله فاذا قام الدليل فانه يعمل به، كما لو ادعى ان هذا الشيء ملكه في الحال وشهد الشهود انه ملكه قبل سنة فان الشهادة مطابقة للدعوى بقاء على الاستصحاب المستقيم (7).

_______________

1-نقض مصري في 27/4/1961. احمد سمير ابو شادي رقم 77 ص49.

2-حسين المؤمن ج3 ص10.

3-د. قيس عبد الستار عثمان، القرائن القضائية ودورها في الاثبات بغداد، مطبعة شفيق 1975 ص401.

4-د . عبد الحي حجازي، المدخل لدراسة العلوم القانونية، ج1، الكويت 1972 فقرة 330 ص422.

5-د. سعدون العماري، ص105.

6-الصدر السابق ص105 . د. قيس ص108 – 109.

7-الوسيط في شرح القانون المدني الاردني رقم 43 لسنة 1976 ج1 1978. الدار العربية للموسوعات، اشراف د. عبد الباسط جميعي وآخرون ص968 – 970.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .