بحث ودراسة قانونية حول نظام الحماية الدبلوماسية – حماية المواطنين خارج الدولة .

حماية الدولة لمواطنيها في الخارج عن طريق آلية الحماية الدبلوماسية

State protection of its citizens abroad through the diplomatic

protection mechanism

الباحث محمد أمزيان كلية العلوم القانونية، والاقتصادية والاجتماعية، فاس، المغرب.

Mohammed Amzian, Faculty of Legal Economic and Social Sciences, Fes

الملخص:

يعتبر نظام الحماية الدبلوماسية أو كما يسميه البعض “المناصرة الدبلوماسية” أحد الأنظمة القانونية التي عرفها القانون الدولي التقليدي والتي تهدف إلى حماية حقوق الإنسان، وهي وسيلة للدولة لاتخاذ إجراء دبلوماسي أو غير ذلك من الإجراءات الأخرى ضد دولة أخرى بالنيابة عن أحد مواطنيها الذي تعرضت حقوقه ومصالحه للضرر من قِبل الدولة الأخرى، كما هي كذلك حق تقديري للدولة وقد تأخذ أي شكل لا يحظره القانون الدولي، ويمكن أن تشمل الإجراءات القنصلية والمفاوضات مع الدولة الأخرى وإجراءات قضائية أو تحكيمية أو غيرها من أشكال التسوية السلمية للمنازعات.

الكلمات الدالة: الحماية. الدولة. الرعايا. الدبلوماسية. القنصلية. الوسائل السياسية. الوسائل القضائية. التحكيم. محكمة العدل الدولية.

Abstract:

A system of diplomatic protection or advocacy is one of the legal systems defined in traditional international law that aims to protect human rights, and is a means for a State to take diplomatic or other action against another State on behalf of a national whose rights and interests have been harmed by the other State. It is also a discretionary right of a State and may take any form not prohibited by international law, and may include consular proceedings, negotiations with the other State, judicial or arbitral proceedings or other forms of peaceful settlement of disputes.

Key words: protection. Country. Citizens. Diplomacy. Consulate. Political means. Judicial means. Arbitration. International Court of Justice.

مقدمة

أدى التطور الذي عرفته العلاقات الدولية والدبلوماسية في التاريخ الحديث، إلى تطور على صعيد الحماية التي تتوجه للرعايا الأجانب، ومن المتعارف عليه أن مبدأ الحماية الدبلوماسية قد ظهر مع ظهور هذه العلاقات وتطور مع تطور وتعدد أشخاص القانون الدولي.

وتعتبر الحماية الدبلوماسية أثر من آثار المسؤولية الدولية ووسيلة من وسائل تنفيذها، فهي نظرية عرفت على الصعيد الدولي في مجال ممارسات الدول وتطبيقاتها، ولها أهمية كبيرة في ضوء القانون الدولي وعلى مستوى العلاقات الدولية، وتقوم هذه النظرية على أساس يتمثل في أنه عندما يلحق بالأجنبي ضرر ما على إقليم دولة، فإن على هذا الأجنبي أن يقوم أولا باللجوء إلى هذه الدولة مطالبا إياها إصلاح ما أصابه من أضرار والتعويض عنها في إطار قانونها وقضائها الداخليين، فإذا لم يتمكن من الحصول على إصلاح عادل عن الضرر الذي طاله جراء فعل غير مشروع دوليا، يحق له حينئذ اللجوء إلى دولته الأصلية مطالبا إياها بحمايته دبلوماسيا.

ويمكن القول أن الحماية الدبلوماسية لها طبيعة دولية تتولى ممارستها دولة الشخص المتضرر في مواجهة الدولة المسؤولة المتسببة بفعلها غير المشروع في الضرر، على الرغم من أن الأفراد كانوا بداية الأمر هم سبب إثارتها، ومرد ذلك أن الضرر الذي طال أحد رعايا الدولة هو ضرر واقع على المجتمع الوطني برمته، وأن انتهاكا لأحد مبادئ القانون الدولي قد حصل في مواجهتها، مما يعطيها الحق الكامل في رفع الدعوى ضد الدولة المتسببة في الضرر أمام المحاكم الدولية ومطالبتها بالتعويضات المناسبة[1].

وتتخذ هذه الحماية صورا عدة كما تمارس من قبل عدة أطراف كما سنرى لاحقا.

أهمية الدراسة

لعل أهمية هذه الدراسة تزداد بتزايد حالات إصابة الأفراد في الخارج وانتهاك حقوقهم هناك، لذلك كان من اللازم توضيح حقوق الرعايا في الخارج عندما يصيبهم ضرر نتيجة فعل غير مشروع دوليا، وكذلك دور الدولة في حماية هذه الحقوق.

إشكالية الدراسة

على اعتبار أن الفرد ليس شخصا دوليا وهذا مبدأ عام في القانون الدولي، فقد ظهرت الحماية الدبلوماسية كإجراء من خلاله تسعى الدولة إلى جبر الأضرار التي تصيب رعاياها، وعليه فإن الإشكالية العامة للدراسة هي:

هل يحق للدولة حماية مواطنيها الذين تضرروا جراء عمل غير مشروع خارج حدود إقليمها سلميا بما يتوافق وقواعد القانون الدولي العام؟ وإذا كان الأمر كذلك فمن هي الجهات التي تتولى ممارسة هذه الحماية وما هي الوسائل المتاحة لها لذلك؟

منهج الدراسة

وللإجابة على هذه الإشكالية اعتمدنا المنهج التحليلي القانوني وكذا المنهج المقارن حيث قمنا بتوضيح أوجه الشبه والاختلاف بين الحماية التي تمارسها البعثات الدبلوماسية وتلك التي تمارسها البعثات القنصلية، وأيضا المنهج التاريخي وهذا من أجل سرد بعض التطورات التاريخية وتسلسلها والمرتبطة مباشرة بموضوع دراستنا.

خطة الدراسة

المبحث الأول: وسائل التسوية السياسية كأساليب لممارسة الحماية الدبلوماسية

المبحث الثاني: وسائل التسوية القضائية لممارسة الحماية الدبلوماسية

المبحث الأول: وسائل التسوية السياسية كأساليب لممارسة الحماية الدبلوماسية

هناك مجموعة من وسائل وإجراءات التسوية السياسية التي تتولى ممارساتها عدة جهات، وهذا ما سنحاول توضيحه في هذا المبحث بشيء من التفصيل.

المطلب الأول: الجهات المختصة بمباشرة الوسائل السياسية ودورها في ممارسة الحماية الدبلوماسية

تمارس الحماية الدبلوماسية من عدة أطراف، فقد تتولى ممارستها الأجهزة الداخلية للدولة، كما قد تباشرها أيضا البعثات الدبلوماسية والقنصلية، كما يمكن أن تمارس من قبل دولة ثالثة لصالح الدولة المضرورة.

الفرع الأول: الأجهزة الداخلية للدولة المختصة بمباشرة الحماية الدبلوماسية

وتتمثل هذه الأجهزة في كل من رئيس الدولة ورئيس الوزراء ووزير الخارجية بحكم اختصاصهم بمباشرة العلاقات الدولية باعتبارهم ممثلين لدولهم.

وفي القانون لا يوجد أي مانع من أن يقوم هذا المستوى الرفيع من التمثيل بمباشرة الحماية الدبلوماسية، بل هم أصحاب الاختصاص الأصيل في الدفاع عن مصالح مواطني الدولة التي يمثلونها.

ومن أمثلة ذلك على المستوى الدولي نذكر:

تدخل الرئيس الكوبي فيديل كاسترو مباشرة لدى السلطات الأمريكية، حيث قام الرئيس بإرسال مبعوثين من أجل التفاوض على تحرير الطفل الكوبي “بوترالس” والذي غرقت أسرته أثناء محاولتهم الفرار من كوبا وطلب اللجوء السياسي لأمريكا، ونظرا للضغط الممارس مباشرة من قبل من الرئيس الكوبي استجابت أمريكا لطلب تسليمه وقامت فعلا بتسليمه إلى والده في كوبا1.

كما يستطيع كذلك رئيس الوزراء ممارسة الحماية الدبلوماسية وتبني مطالب رعايا دولته، وكذلك يمكن لوزير الخارجية ممارسة ذات المهمات المتمثلة في الدفاع عن مصالح رعايا دولته باستخدام إجراء الحماية الدبلوماسية2.

الفرع الثاني: اختصاص البعثات الدبلوماسية والقنصلية ودورها في ممارسة الحماية الدبلوماسية الوظيفية

من خلال العودة إلى الاتفاقية الدبلوماسية لعام 1961 والاتفاقية القنصلية لعام 1963 يلاحظ أن كلا منهما نصت على القاعدة القائلة بأن البعثات الدبلوماسية والقنصلية في الدولة المعتمدة لديها هي التي تتولى ممارسة الحماية الدبلوماسية وهذه الأخيرة من ضمن اختصاصاتها3، وهذا ما يتضح جليا من خلال التأكيد عليه في الفقرة (ب) من المادة (3) لاتفاقية عام 1961 بالقول إن من أهم وظائف البعثة الدبلوماسية ‘‘حماية مصالح الدولة المعتمدة ومصالح رعاياها في الدولة المعتمدة لديها، ضمن الحدود المقررة في القانون الدولي’’.

وتجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن لرئيس البعثة أن يتدخل لدى حكومة الدولة إلا في الحالة التي يثبت فيها أن من يدعي من الرعايا ضرراً أصابه قد استنفد جميع الطرق العادية التي تسمح بها قوانين الدولة دون تمكنه من الحصول على حقه المشروع والتعويض عن الضرر الذي طاله.

وجاء النص ذاته في المادة (5) لاتفاقية عام 1963 ولكن بصورة أكثر شمولية، حيث إلى جانب الحماية المنصوص عليها في الفقرة (أ) نصت الفقرات (هـ) و (ز) و (ح) و (ك) و (ل) على أن البعثة القنصلية تتولى مهام تقديم المساعدة والإعانة إلى رعايا الدولة الموفدة وتتولى حمايتهم، هذا بالإضافة إلى ما نصت عليه المادة (36) من حرية الاتصال برعايا الدولة المعتمدة وحق المقابلة والزيارة والمراسلة في حالة الاعتقال أو الاحتجاز أو السجن، وحق القنصل في الدفاع عن مواطنيه عمل في غاية الأهمية كما أسماه أوبنهايم “Avery Important Task”1.

ونجد أن معاهدة العلاقات القنصلية تحدد أيضا المسؤوليات الملقاة على عاتق “الدول المستقبلة” في تيسير المساعدة القنصلية لمواطني الدولة “الموفدين”، وهكذا، تنص المادة 36 على أن المسؤولين القنصليين “أحرار في الاتصال بمواطني الدولة الموفدة وفي الوصول إليهم”، كما يتمتع في المقابل أيضا مواطنو الدولة الموفدة بالحرية المتبادلة في الاتصال بالموظفين القنصليين وفي الوصول إليهم. وبالإضافة إلى ذلك، يجب على الدولة المستقبلة بناء على طلب من ذلك المواطن أن تبلغ المسؤولين القنصليين باحتجاز أحد الرعايا2، ففي حكم صدر في قضيتين حديثتين لمحكمة العدل الدولية، يجب على الدولة المتلقية أن تبلغ “دون تأخير” الأجنبي المحتجز لديها بحقه في الاتصال بالمسؤولين القنصليين، وفي قضية “أفينا Avena”، خلصت محكمة العدل الدولية إلى أن هذا الالتزام ينشأ فور علم موظفي الدولة أو اشتباههم في أن الشخص المحتجز هو مواطن أجنبي، وبعد أن يتلقى المسؤولون القنصليون إخطارا بالاحتجاز، يحق لهم عندئذ زيارة مواطنيهم والتحدث معهم والترتيب لتمثيلهم القانوني ما لم يرفض المواطنون ذلك1.

وفي عام 1979، ستضع المحكمة المهام القنصلية والدبلوماسية على قدم المساواة من خلال تأكيد أهميتها المشتركة، وهكذا، أكدت المحكمة على أن المهام القنصلية والدبلوماسية تعزز تنمية العلاقات الودية بين الأمم وتوفر الحماية والمساعدة للأجانب المقيمين على أراضي الدول الأخرى، وبالتالي من غير الممكن توضيح الاختلافات التي تميز هذين المفهومين2.

فالبعثة الدبلوماسية والبعثة القنصلية تتناوب في القيام بهذه الوظائف وذلك بموجب الفقرة الثانية من المادة (3) لاتفاقية 1961 التي تنص على أنه: ‘‘يحظر تفسير أي حكم من أحكام هذه الاتفاقية على أنه يمنع البعثة الدبلوماسية من مباشرة الوظائف القنصلية’’، هذا إلى جانب ما جاء في المادة (17) التي نصت على: ‘‘قيام الموظفين القنصليين بالأعمال الدبلوماسية عندما لا يكون للدولة الموفدة بعثة دبلوماسية لدى الدولة المضيفة وعندما لا تكون ممثلة لديها بواسطة بعثة دبلوماسية لدولة ثالثة فإن بإمكان الموظف القنصلي القيام بالأعمال الدبلوماسية وتمثيل الدولة الموفدة’’، وجاء في المادة (70) أيضا: “تطبق أحكام هذه الاتفاقية أيضا على ممارسة الوظائف القنصلية من قبل البعثة الدبلوماسية التي بإمكانها الاتصال بالسلطات المحلية وبالسلطات المركزية للدولة المضيفة”1.

وفي حال تدخل البعثة القنصلية للدفاع عن حقوق أحد مواطنيها المتضررين، يجب عليها القيام بإعلام البعثة الدبلوماسية التابعة لها بالأمر، باعتبار أنها قد تفشل في الوصول إلى نتيجة إيجابية لدى السلطات المحلية، فيستوجب ذلك رفع القضية إلى البعثة الدبلوماسية لتقوم بعرضها على السلطات المركزية المسؤولة، أما في حال عدم وجود بعثة دبلوماسية فيمكن للقنصل أن يتصل مباشرة بالسلطات المركزية للدولة المضيفة2.

وبناء على ما سبق، كيف تتحدد العلاقة بين الحماية التي تمارسها البعثات الدبلوماسية وتلك التي تمارسها البعثات القنصلية؟

بخصوص هذه النقطة يرى بعض الفقهاء أن الحماية الدبلوماسية هي أساسا عبارة عن إجراء علاجي يكون الغرض منه معالجة فعل غير مشروع قد ارتكب فعلا، فيما المساعدة القنصلية هي إجراء وقائي أو إن صح التعبير خطوة استباقية يكون غرضها الرئيسي وقاية المواطن من التعرض لفعل غير مشروع دوليا’’، وبالتالي فإن النوع الأول من الحماية يقوم بها ممثلو الدولة الذين يتخذون هذا الإجراء لصالح الدولة بموجب قاعدة القانون الدولي العام، بينما تدخل المساعدة القنصلية في معظم الحالات ضمن اختصاص المسؤولين القنصليين الذين يمثلون مصالح الفرد، وأساس قيامهم بذلك نجده في اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 19633.

ولعل تجليات هذا الاختلاف تبرز أكثر من خلال طبيعة العمل الدبلوماسي والقنصلي، حيث يتجسد الأول في تمثيل الدولة المعتمدة لدى الدولة المعتمد لديها وبالتالي فإنه يحمي مصالح الفرد من خلال حماية مصالح الدولة، بينما الهدف المتوخى من العمل القنصلي هو مساعدة الأفراد وتوفير الحماية لهم دون أن يكون له صفة تمثيل الدولة، وبالتالي فإنه يمثل مصالح الفرد فقط1.

إن التفرقة بين طبيعة العمل الدبلوماسي والقنصلي لا يمكن أن تنفي التقاء الوظائف الدبلوماسية والقنصلية في نقطة واحدة مشتركة وهي حماية المصالح -سواء مصالح الدولة أو مصالح رعاياها- كما تمت الإشارة إليه في المادة (3) من اتفاقية 1961، وكذا المادة (5) من اتفاقية 1963، ذلك أن الهدف المتوخى في كلتا الحالتين هو حماية مصالح الدولة المعتمدة ومصالح رعاياها لدى الدولة المعتمد لديها، بغض النظر عن الذي يمارس الحماية الدبلوماسية سواء كان موظفا دبلوماسيا أو قنصليا، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإنه يمكن اعتبار أن مضمون المادة (36) من الاتفاقية القنصلية لعام 1963 معطوفة على المادة (3) من اتفاقية 1973 التي تؤكد على إلزامية الاتصال وحريته بين الموظفين القنصليين وبين رعايا الدولة الموفدة ومقابلتهم -إذا قبض على أحدهم أو سجن أو إذا احتجز- لا ينفصل عن مضمون بقية مواد الاتفاقيات المتعلقة بمهام ووظائف البعثات الدبلوماسية والقنصلية لدى الدول، حيث إذا ما تمت مقارنة نصوص هذه المواد ومضمونها وارتباطهما بمهام وزارة الخارجية لهذه الدولة أو تلك نرى أن هذه المهام لن تتحقق بشكل متكامل إلا من قبل البعثتين كما تم ذكره سابقا1.

الفرع الثالث: إمكانية ممارسة الحماية الدبلوماسية لصالح الدولة المضرورة من قبل الدولة الراعية في إطار ما يسمى بالحماية الدبلوماسية المفوضة

إن توقف نشاط البعثة الدبلوماسية والقنصلية أي توقف الحماية الدبلوماسية الوظيفية يؤدي إلى ظهور شكل آخر من أشكال الحماية الدبلوماسية والمتمثل في الحماية الدبلوماسية المفوضة، وهذا النوع من الحماية تمارسها الدولة الراعية من خلال بعثتها الدبلوماسية المعتمدة لدى الدولة المعتمد لديها، للدفاع عن مصالح الدولة المستفيدة ومصالح رعاياها.

وبالتالي فإن توقف وظائف البعثة الدبلوماسية ليس معناه أن الحماية الدبلوماسية يتم توقيفها أيضا، بل تتخذ أشكالا أخرى ضمن علاقة قانونية جديدة تجمع ثلاثة أطراف بدل طرفين؛ الدولة المعتمد لديها، والدولة المعتمدة التي تصبح دولة راعية، والدولة المستفيدة، وفي هذا الصدد نجد أن اتفاقية فيينا لعام 1961 قد نصت على وظيفة رعاية المصالح في مادتيها 45 و 46، حيث نصت المادة 45 على أنه: “يجوز للدولة المعتمدة أن تعهد بحماية مصالحها ومصالح مواطنيها إلى دولة ثالثة تقبل بها الدولة المعتمد لديها”، كما نصت أيضا المادة 46 على أنه: “يجوز لأية دولة معتمدة تطلب إليها ذلك أية دولة ثالثة غير ممثَّلة في الدولة المعتمد لديها، أن تتولى مؤقتا وبعد موافقة هذه الأخيرة حماية مصالح تلك الدولة ومصالح رعاياها”.

فالملاحظ من خلال نص المادتين أن الحماية الدبلوماسية المفوضة هي علاقة قانونية تقوم بين ثلاثة أطراف وعلى قاعدة الرضا المتبادل بينهم، وهذا ما أدى إلى تباين وجهات نظر الكتاب والفقهاء حول تحديد طبيعة هذه العلاقة القانونية التي تحكم أطراف الحماية الدبلوماسية، هذه الحماية التي تظهر أثنا السلم والحرب، وأيضا في حالات الأزمات والتوترات السياسية والنزاعات المسلحة التي يكون من نتائجها وآثارها قطع العلاقات الدبلوماسية، أو لأسباب اقتصادية أو إدارية يترتب عنها توقف نشاط البعثة الدبلوماسية، كما تظهر أيضا من جراء عدم وجود تمثيل دبلوماسي بين الدولتين1.

وفي هذا الإطار يثار تساؤل حول حالة عدم وجود تمثيل دبلوماسي وعند عدم تولي دولة ثالثة وظيفة الحماية، ما هو الحل المنشود في هذه الحالة؟

لم يتم البت في هذا الحالة ولم تحسم نهائيا على صعيد القانون الدولي ولم تشر إليها مواثيق حقوق الإنسان إلا نادرا ومنها معاهدة “ماستريخت” التي تناولت هذه المسألة بمنح الفرد الحق في اللجوء إلى بعثات دبلوماسية غير دولته إذا لم يكن لها بعثة2.

المطلب الثاني: إجراءات وطرق مباشرة الوسائل السياسية للحماية الدبلوماسية

تتراوح هذه الإجراءات بين إجراءات دبلوماسية، وبين مجموعة إجراءات وسائل التسوية السياسية السلمية.

الفرع الأول: مجموعة الطرق والإجراءات الدبلوماسية

تتفرع هذه الطرق إلى طرق دبلوماسية مباشرة وأخرى غير مباشرة:

أولا: مجموعة الطرق الدبلوماسية المباشرة:

أ) الإبلاغ والاحتجاج الدبلوماسي:

وهي طريقة تلجأ إليها الدولة المتضررة حيث من خلالها تقوم بمراجعة الدولة المسؤولة عن الفعل غير المشروع الذي تسبب في إلحاق الضرر برعاياها والاتصال بسلطاتها ومراجعها القضائية ولفت نظرها إلى المسألة وإبلاغها بوجهات النظر والشواغل والاحتجاج بمسؤوليتها عن الضرر، وذلك برفع مذكرة أو مقابلة يتم ترتيبها مع المسؤولين لعرض الوقائع وتبيان الأضرار والطلب بتصحيح الوضع والشكل الذي ينبغي أن يتخذه الجبر.

ب) الادعاء:

وهي طريقة تقوم على رفع شكوى من قبل الدولة أمام قضاء الدولة الوطنية المعنية.

ج) المفاوضة المباشرة:

إن طريق المفاوضات يعتبر من أكثر الطرق التي يلجأ إليها طرفا النزاع من أجل إيجاد حلي سلمي لهذا النزاع والخروج بنتائج مرضية للطرفين. ومن خلال هذه الطريقة تقوم الدولة المتضررة بالاتصال بالسلطات الرسمية للدولة المعنية وإجراء المحادثات والمباحثات والمشاورات معها وتبادل الرأي بغية معالجة المسألة التي أدت الخلاف بين الدولتين وإيجاد الحلول المناسبة التي تحقق وتؤمن مصلحة أشخاص الدولة المتضررة[2].

ثانيا: مجموعة الطرق الدبلوماسية غير المباشرة:

أ) المساعي الحميدة

إذا كانت تسوية نزاع ما بالمفاوضات الدبلوماسية متعذرة، ويبدو تضارب الحقوق أو المطالب على أنه يتمتع بقدر كاف من الأهمية، فإن هناك أسلوب آخر يمكن اللجوء إليه ألا وهو أسلوب المساعي الحميدة. والمساعي الحميدة هي عمل ودي يتم القيام به من قبل دولة أو مجموعة من الدول أو حتى فرد يتمتع بمركز رفيع المستوى كالأمين العام للأمم المتحدة، في محاولة لجمع الدول المتنازعة مع بعضها وحثها على البدء بالمفاوضات أو استئنافها[3].

ب) الوساطة

تعتبر الوساطة عملا وديا يتم القيام بها من قبل دولة أو مجموعة من الدول أو وكالة تابعة لمنظمة دولية أو حتى فرد ذي مركز رفيع في سعيه لإيجاد حل للنزاع القائم بين دولتين. وكثيرون لا يفرقون بين الوساطة والمساعي الحميدة، ولعل أبرز ما يميز الوساطة هي أن الوسيط يقوم بدور أكثر إيجابية، فيشترك في المفاوضات وفي التسوية نفسها اشتراكا فعليا، ويبدي للطرفين وجهة نظره الخاصة، ويقدم اقتراحات محددة لتسوية المسائل الموضوعية. ولا يوجد التزام على أية دولة في أن تعرض وساطتها، وهي إنما تقوم بذلك بكامل إرادتها كما هو الشأن في المساعي الحميدة. كذلك فإن أيا من طرفي النزاع أو كلاهما حر في قبول أو رفض عرض الوساطة. كما أن الوساطة لا تكون ملزمة لطرفي النزاع ولا يمكن فرضها عليهما، لأن اقتراحات الوسيط هي مجرد توصيات. ويمكن للوسيط أن يلتقي طرفي النزاع إما مجتمعين أو كلا منهما على انفراد، وتنتهي مهمة الوسيط حينما تتم تسوية النزاع، أو حينما يقرر أحد الطرفين أو الوسيط أن الاقتراحات المقدمة غير مقبولة.[4]

ج) التحقيق

تدور معظم النزاعات الدولية حول مسائل الوقائع أكثر مما يدور حول مسائل القانون، فقد انطوى عدد كبير من النزاعات الدولية على عدم قدرة الطرفين المتنازعين على الاتفاق على الوقائع أو عدم رغبتهما في ذلك، مما حدا بالدول في أواخر القرن التاسع عشر إلى عقد عدد من الاتفاقيات الثنائية التي تقضي بتشكيل لجان خاصة بتقصي الحقائق ومهمتها رفع تقرير عن الوقائع المتنازع عليها إلى الطرفين المعنيين. والغرض من التحقيق أصلا هو تحديد الوقائع المادية والنقاط المختلف عليها بين الفرقاء المتنازعين تاركاً لهم استخلاص النتائج التي تنشأ عنه إما بصورة مباشرة ويكون ذلك عن طريق المفاوضات، وإما بصورة غير مباشرة ويكون ذلك عن طريق التحكيم، ولا يوجد التزام على أية دولة في اللجوء إلى أسلوب التحقيق، كما أن النتائج التي توصلت إليها لجنة التحقيق في تقريرها غير ملزمة لطرفي النزاع ولا يمكن فرضها عليهما[5].

د) التوفيق:

وهي طريقة تلجأ إليها الدولتان المتنازعتان وذلك يكون من خلال تعيين لجنة تشبه في تكوينها لجان التحقيق تقوم بدراسة الوقائع من جميع الجوانب ورفع الاقتراحات التي من شأنها تسوية النزاع بتقرير إلى طرفي النزاع دون أن يكون له صفة إلزامية، وهذه الطريقة نوع جديد من أنواع الوساطة3.

الفرع الثاني: مجموعة إجراءات ووسائل التسوية السياسية السلمية

أولا: هيئة الأمم المتحدة

في هذه لحالة تتوجه الدول إلى الجمعية العامة لرفع النزاع إليها وتنبيهها إلى أي موقف أو نزاع قد يؤدي إلى احتكاك دولي، ويحق للجمعية في هذه الحالة اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لتسوية أي خلاف أو نزاع بين الدول، أو تقوم الجمعية بتوجيه الدول إلى مجلس الأمن لعرض النزاع مباشرة عليه، وللمجلس الحق في إصدار توصياته لحل النزاع سلميا وله أن يقرر ما يراه مناسبا ويلزم به الأطراف المتنازعة.

ثانيا: التوجه لهيئات دولية

وهي طريقة يتوجه من خلالها مجلس الأمن قبل عرض النزاع بين الدول عليه إلى المنظمات الدولية الإقليمية أو طلب إحالته إليها، ويجوز للدول المتنازعة أن تتوجه أيضا إلى المنظمات الإقليمية مباشرة أو بناء على طلب المجلس1.

المبحث الثاني: وسائل التسوية القضائية لممارسة الحماية الدبلوماسية

تتراوح هذه الوسائل بين التحكيم الدولي والقضاء الدولي، وهذا ما سنحاول إبرازه من خلال هذا المبحث.

المطلب الأول: التحكيم الدولي كوسيلة لحل المنازعات الدولية سلميا

تلجأ إليه الأطراف المتنازعة لعرض النزاع على هيئة تحكيم من خلال الاحتكام إلى رئيس دولة أجنبية، أو هيئة قانونية أو قضائية، أو لجنة تحكيم خاصة، أو المحكمة الدائمة للتحكيم الدولي المنشأة عام 1928، وقرار التحكيم ملزم للطرفين وله قوة الأحكام القضائية، وهو نهائي لا يقبل الطعن إلا في حالة واحدة فقط وهي حدوث ظروف كان من شأنها أن تجعل الحكم يصدر بشكل آخر1.

الفرع الأول: تطور نظرية التحكيم الدولي

تعود أصول فكرة اللجوء إلى التحكيم إلى دول الشرق القديم، فقد عرفته مصر وبابل وآشور –وهي من أكبر المجموعات الدولية في العصر القديم- في علاقاتها المتبادلة، كما نجد أيضا أن فكرة اللجوء إلى التحكيم قد ساد المدن اليونانية، حيث كانت تلجأ إلى التحكيم لفض النزاعات التي تنشأ بينها، كما توجد حالات قليلة تم اللجوء فيها إلى التحكيم لحل الخلافات بين روما وغيرها من الدول2.

الفرع الثاني: مدلول التحكيم الدولي

عرفت المادة 15 من اتفاقية لاهاي الخاصة بحل المنازعات بالطرق السلمية لسنة 1899 التحكيم الدولي بأنه الفصل النهائي في المنازعات الدولية بقرار ملزم يصدره محكمون تم اختيارهم من قبل الأطراف المتنازعة، كما تم تعريف التحكيم أيضا في المادة 37 من اتفاقية لاهاي الأولى لعام 1907 بشأن التسوية السلمية للمنازعات الدولية بأنه: “تسوية المنازعات فيما بين الدول بواسطة القضاة الذين تختارهم على أساس احترام القانون الدولي، ويتضمن اللجوء إلى التحكيم الالتزام بالخضوع لأحكامه بحسن نية”.

وقد عرفه بعض الفقه بأنه: “النظر في نزاع بمعرفة شخص أو هيئة يلجأ إليه أو إليها المتنازعون، مع التزامهم بتنفيذ القرار الذي يصدر في النزاع”، كما عرفته كذلك لجنة القانون الدولي عام 1955 بخصوص مشروعها حول التحكيم الدولي بأنه “وسيلة لفض المنازعات الدولية على أساس القانون ونتيجة لقبول اختياري من الدولة”.

وانطلاقا من هذه التعاريف، يمكن القول أن الفرق بين التحكيم من جهة والوساطة والتوفيق من جهة أخرى يكمن في أن سلطة الوسيط أو لجنة التوفيق محدودة وهي تقف عند حد العرض أو الاقتراح، في حين، أن سلطة الحكم مثل سلطة القاضي وقراراته تتسم بطابع الإلزام وهي بمثابة حكم قضائي.

ومن ناحية أخرى لا يختلف التحكيم عن القضاء الدولي إذ كلاهما يعتبر وسيلة قضائية لتسوية المنازعات الدولية[6].

الفرع الثالث: الأشكال الحالية للتحكيم

للتحكيم الذي يمكن اللجوء إليه بصدد الحماية الدبلوماسية عدة أشكال يمكن إجمالها في الآتي:

أولا: المحكمة الدائمة للتحكيم:

تم إنشاء هذه المحكمة باتفاق يوليو 1899، والمعدل في 18 أكتوبر 1907.

ثانيا: محاكم التحكيم الخاصة:

إن التحكيم بواسطة محكمة خاصة قد تم التنصيص عليه في العديد من اتفاقيات التحكيم والمعاهدات المختلفة فيما بين 1919-1939، ويقصد به تلك المحاكم التي يتم إنشاؤها من قبل الدول للفصل في المنازعات الناشئة بينها ثم تحل بعد ذلك، والملاحظ أن هناك اختلافا في اختيار المحكمين من حالة لأخرى، فقد يتفق الطرفان على محكم واحد[7]، وقد يختار كل واحد منهما محكما أو أكثر، كما قد يختار المحكمون محكمين إضافيين بموافقة أطراف النزاع.

ثالثا: لجان التحكيم المختلطة[8]:

هذه المحاكم تعتبر أيضا شكلا من أشكال التحكيم، ويتم اللجوء إلى تكوينها في حالة كانت هناك عدة مطالبات تتعلق بالأفراد لم يتم تسويتها بين بعض الدول المعنية بهذه المطالبات[9].

المطلب الثاني: القضاء الدولي

إن ميول قضاة محكمة التحكيم الدولية إلى اعتبار أن مهمتهم الرئيسية تنحصر فقط في التوفيق بين طرفي النزاع مما أبعدهم عن معنى السلطة القضائية، جعل بعض المفكرين وعلى وجه الخصوص الهيئات العلمية التي تعنى بدراسة مسائل القانون الدولي العام ينادون بضرورة قيام قضاء دولي، ويمكن القول بأن قيام القضاء الدولي كمؤسسة قضائية عالمية لم يتأسس إلا في عهد المنظمات الدولية، وهو يتجسد بصورة أكبر في شكل مؤسستين قضائيتين هما: المحكمة الدائمة للعدل الدولي، ومحكمة العدل الدولية.

الفرع الأول: المحكمة الدائمة للعدل الدولي

تم تشكيل المحكمة في أول يناير 1922، وبدأت ممارسة وجودها الفعلي ومهامها في مدينة لاهاي بهولندا، وقد بذلت المحكمة الدائمة للعدل الدولي عدة جهود في تسوية العديد من المنازعات الدولية التي عرضت أمام أنظارها.

غير أن بقاء المحكمة كان رهينا ببقاء عصبة الأمم كونها نشأت في ظلها وتحت كنفها، ولذلك فإنه مع انهيار العصبة باندلاع الحرب العالمية الثانية، كان لزاما أن تنهار معها المحكمة. وبعد انتهاء الحرب والتفكير في إعادة تكوين منظمة دولية جديد تحل محل عصبة الأمم المنهارة، صاحب ذلك الدعوة إلى إعادة النظر في موضوع التنظيم القضائي الدولي، وهذا ما تأتى بالفعل حيث تم إنشاء محكمة دولية جديدة وهي محكمة العدل الدولية[10].

الفرع الثاني: محكمة العدل الدولية

تقوم محكمة العدل الدولية بالفصل في النزاع المعروض عليها طبقا لأحكام القانون الدولي العام، والأحكام التي تصدر عن المحكمة غير قابلة للاستئناف وتكون نهائية، غير أنه وعلى الرغم من ذلك يمكن توجيه طلب إعادة النظر في الأحكام الصادرة في حالة ظهور وقائع تؤثر على موضوع الدعوى.

وقد نصت المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة على أنه: “إذا امتنع أحد المتقاضين في قضية ما عن القيام بما يفرضه عليه حكم تصدره هذه المحكمة، فللطرف الآخر أن يلجأ إلى مجلس الأمن، ولهذا الأخير، إذا رأى ضرورة لذلك أن يقدم توصياته أو يصدر قرارا بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ الحكم”2.

وكما هو الشأن بالنسبة لتسوية النزاع عن طريق التحكيم، فإن المبدأ الأساسي الذي يسود التسوية القضائية هو أنه لا يوجد قضاء في النظام الدولي إلا ويكون مؤسسا على إرادة الدولة التي تعتبر قبولها لتلك الطريقة من طرق التسوية شرطا سابقا على أية تسوية قضائية.

وقد أكدت هذا المبدأ محكمة العدل الدولية في حكمها الصادر في قضية كورفو بقولها: “إن اتفاق الأطراف يمنح الولاية للمحكمة”1.

إن الحكم الذي تصدره محكمة العدل الدولية يتميز بمجموعة من الخصائص:

كقاعدة عامة يعتبر حكم المحكمة نهائيا غير قابل للاستئناف، إذ لا يوجد في القانون الدولي محكمة استئناف أو محكمة نقض، ومع ذلك هناك إمكانية لطلب إعادة نظر الدعوى في حالة ظهور وقائع تؤثر بصفة قاطعة في موضوعها؛
حكم محكمة الدول الدولية ملزم؛
هذا الحكم يصدر عن محكمة دولية مكونة تكوينا صحيحا على أساس أحكام القانون الدولي2.

ولقد كان للنجاح الذي حققته تجربة محكمة العدل الدولية تأثير دفع بالمجموعة الدولية بأن تنتهج أساليب مماثلة في إطار إقليمي، حيث تم إنشاء محاكم دولية أخرى متخصصة في إطار إقليمي متعلقة بحقوق الإنسان. ولعل أبرز الأمثلة عن ذلك المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وكذا المحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان، وأيضا المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، ولا ننسى الجهود التي بذلتها الدول العربية في سبيل إنشاء قضاء دولي مماثل، حيث أسفرت تلك الجهود عن مشروع محكمة العدل العربية وعن المحكمة العربية لحقوق الإنسان3.

وفي نهاية حديثنا عن نظرية الحماية الدبلوماسية وتوضيح مختلف جوانبها يمكن القول بأنه عندما صيغت مشاريع المواد من قبل لجنة القانون الدولي، دفعت التطورات المتعلقة بحقوق الفرد وحقوق الإنسان البعض في لجنة القانون الدولي ومن بينهم دوغارد في تقريره الأول إلى القول بأن الحماية الدبلوماسية عفى عليها الزمن، وبالتالي ينبغي أن تقتصر مطالبات الحماية الدبلوماسية التي تقدمها الدولة على الحالات التي لا توجد فيها طريقة لتسوية المنازعات بين الأجنبي والدولة المتسببة في الضرر. وفي مثل هذه الحالات، تعمل الدولة كوكيل للفرد وليس بحقها الخاص. ونتيجة لذلك، “حق الدولة في تأكيد حقها الخاص عندما تتصرف نيابة عن مواطنها هو أمر عفى عليه الزمن وينبغي التخلي عنه باستثناء الحالات التي تتأثر فيها المصلحة الوطنية الحقيقية للدولة”. وخلصت لجنة القانون الدولي في نهاية المطاف إلى أن الحالة الراهنة للقانون الدولي لحقوق الإنسان لا تبرر نبذ الحماية الدبلوماسية. وأشار دوغارد فيما بعد إلى أن آليات حماية حقوق الإنسان لا تكون ذات فعالية في كثير من الأحيان، وخلص إلى أنه “طالما ظلت الدولة هي الجهة الفاعلة المهيمنة في العلاقات الدولية، فإن تبني مطالبات الدول بانتهاك حقوق مواطنيها يظل أنجع سبيل للانتصاف من أجل تعزيز حقوق الإنسان”.

ويمكن التشكيك في مدى عمل الحماية الدبلوماسية كبديل أكثر فعالية للمطالبات المباشرة المقدمة من الأفراد؛ غير أن قرار لجنة القانون الدولي بأن الحماية الدبلوماسية لا تزال لها وظيفة في حماية الأفراد أمر منطقي لأن الأفراد ليس لديهم القدرة الكاملة على تقديم المطالبات الدولية، بل فقط الحقوق الخاصة في ظروف محدودة1.

الخاتمة

إن الدولة المضرورة يحق لها تحريك مسؤولية الدولة التي تسببت في الضرر عن طريق آلية الحماية الدبلوماسية وذلك عبر مجموعة من الطرق والإجراءات كما رأينا أعلاه. وبدراستنا لهذا الموضوع توصلنا لمجموعة من النتائج والمقترحات وهي كالآتي:

أولا: النتائج:

– هناك عدة طرق وإجراءات تتراوح بين السياسية والقضائية متاحة للدولة في ممارستها للحماية الدبلوماسية، هذا بالإضافة إلى التنوع في الجهات المنوط بها ممارسة هذه الحماية.

– هناك صعوبة في التمييز بين طبيعة العمل الدبلوماسي والقنصلي حيث أن البعثة الدبلوماسية والبعثة القنصلية تلتقيان في العديد من النقاط المشتركة فيما بينهما.

ثانيا: المقترحات:

– يجب على وزارة الخارجية أن تقوم بعقد ندوات تثقيفية للمواطنين الراغبين في السفر إلى دول أخرى لتذكيرهم بأنهم سفراء لدولتهم ويمثلونها في الخارج وبضرورة احترامهم لقوانين البلدان التي ستستضيفهم والالتزام بما تفرضه عليهم من واجبات ومعرفة ما تفرضه لهم من حقوق حتى يكون سلوكهم مشروعا وتصرفاتهم قانونية.

– على السفارات أن تفتح أبوابها للمواطنين و تعمل على مساعدتهم في الحصول على حقوقهم و لا تعتبر ذلك عبئا عليها، بل هو يدخل في صميم اختصاصاتها لأنها ما وجدت في الأساس إلا لرعاية مصالح الدولة ورعاياها.

– وجوب تطبيق نظرية الحماية الدبلوماسية الواجبة للدولة على رعاياها، وعليه إما أن تقوم الدولة بالتزامها بالحماية الدبلوماسية للرعايا المضرورين، و إما إقرار قاعدة قانونية دولية تلزم الدولة بتعويض رعاياها إذا امتنعت عن ممارسة الحماية الدبلوماسية أو تنازلت عنها لأسباب سياسية أو أية أسباب أخرى، لأن تنازل الدولة ممارسة الحماية الدبلوماسية يؤدي إلى إهدار حقوق مواطنيها المضرورين.

– وجوب مصادقة الدول على اتفاقية الحماية الدبلوماسية لما لها من دور كبير في حماية حقوق الإنسان.

قائمة المصادر و المراجع

أولا: المراجع باللغة العربية
الكتب
الحسين شكراني، محاضرات في القانون الدولي العام، فضاء آدم للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2017.
خليل حسين، التنظيم الدبلوماسي، منشورات الحلبي الحقوقية.
خليل حسين، التنظيم القنصلي، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى، 2012.
خليل حسين، موسوعة القانون الدولي، الجزء الأول، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى، 2012.
زازة لخضر، أحكام المسؤولية الدولية في ضوء قواعد القانون الدولي العام، دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2011.
علي حسين الشامي، الدبلوماسية نشأتها تطورها قواعدها ونظام الحصانات والامتيازات الدبلوماسية، الإصدار الأول، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة، 2007.
لينا حسن صفا، الحماية الدبلوماسية والدولية ومسؤولية الدولة أثناء النزاعات المسلحة، رشاد برس للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان، 2010.
محمد بن عمر آل مدني الإدريسي، العلاقات الدبلوماسية والقنصلية للمملكة العربية السعودية، مكتبة العبيكان، 2019.

الأطروحات
أكرم بن فهد الرقيبة، حماية الدولة لرعاياها في الخارج، أطروحة مقدمة استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الدكتوراه الفلسفة في العلوم الأمنية، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، 2016-2017.
خلدون بن علي، حماية الدولة لمواطنيها في الخارج في ظل القانون الدولي العام، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، جامعة الجيلالي اليابس بسيدي علي بلعباس، 2016-2017.

المقالات
سمية رشيد جابر، الحماية الدبلوماسية التي يمارسها القناصل، مجلة المنصور، العدد التاسع، 2006.
علي خالد دبيس، قانون الحماية الدبلوماسية وشروطها، مجلة أهل البيت عليهم السلام، العدد 20.

الاتفاقيات الدولية
اتفاقية لاهاي الخاصة بحل المنازعات بالطرق السلمية لسنة 1899.
اتفاقية لاهاي الأولى لعام 1907 بشأن التسوية السلمية للمنازعات الدولية.
اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961.
اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963

لائحة المراجع باللغة الأجنبية
Ouvrages
Flor de María Palaco Caballero, La Cour internationale de justice et la protection de l’individu, Schulthess Médias Juridiques SA, Genève Zurich · Bâle 2015.
Kate Parlette, The individual in the intentional legal systeme, Cambridge University Press, 2011.
Articles
Craig Forcese, The Capacity to Protect Diplomatic Protection of Dual Nationals in the War Terror, The European Journal of International Law Vol. 17 no.2 © EJIL 2006.

[1] أنظر: لينا حسن صفا، الحماية الدبلوماسية والدولية ومسؤولية الدولة أثناء النزاعات المسلحة، رشاد برس للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان، 2010، ص 19، وأيضا: زازة لخضر، أحكام المسؤولية الدولية في ضوء قواعد القانون الدولي العام، دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2011، ص 372 وما بعدها.

1 أكرم بن فهد الرقيبة، حماية الدولة لرعاياها في الخارج، أطروحة مقدمة استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الدكتوراه الفلسفة في العلوم الأمنية، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، 2016-2017، ص 133.

2 خلدون بن علي، حماية الدولة لمواطنيها في الخارج في ظل القانون الدولي العام، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، جامعة الجيلالي اليابس بسيدي علي بلعباس، 2016-2017، ص 100.

3 إن الحق في ممارسة الحماية الدبلوماسية غير مسند فقط للبعثات الدبلوماسية وإنما يجوز أيضا للبعثات القنصلية أن تمارس هذا الحق في نطاق منطقتها القنصلية، ونجد أن هذا الأمر ثابت في القانون الدولي العرفي والمعاهدات القنصلية ومثالها: المادة (17) من المعاهدة اليونانية اللبنانية لعام 1948، والمادتين (15-16) من المعاهدة البريطانية الأمريكية لعام 1951، والفقرة الأولى من المادة (14) من المعاهدة الصينية السوفيتية لعام 1959. كما أن هناك نص على ذلك القوانين الداخلية للدول ومن أمثلة ذلك التعليمات الأمريكية لعام 1931، وكذلك التعليمات البريطانية لعام 1907. أنظر: سمية رشيد جابر، الحماية الدبلوماسية التي يمارسها القناصل، مجلة المنصور، العدد التاسع، 2006، ص 173.

1 أنظر: لينا حسن صفا، مرجع سابق، ص38-39، وكذا: خليل حسين، التنظيم الدبلوماسي، منشورات الحلبي الحقوقية، ص 248، وأيضا: محمد بن عمر آل مدني الإدريسي، العلاقات الدبلوماسية والقنصلية للمملكة العربية السعودية، مكتبة العبيكان، 2019، ص 246.

2 ترى محكمة العدل الدولية على أنه “عندما لا تكون الدولة المرسلة على علم باحتجاز أحد رعاياها لأن دولة الإقامة تقاعست عن تقديم الإخطار المطلوب دون تأخير، تجد الدولة المرسلة أنه من المستحيل من الناحية العملية ممارسة الحقوق الممنوحة لها بموجب الفقرة 1 من المادة 36 من اتفاقية عام 1963″. استنتاج المحكمة متسق تماما و يمكن تفسيره من خلال منطق المادة 36 من الاتفاقية. وفي الواقع، يجب على الدولة المستقبلة، بناء على طلب من ذلك المواطن المحتجز، أن تبلغ المسؤولين القنصليين باحتجاز أحد الرعايا. وفي إحدى القضايا ذات الصلة بهذه المسألة نجد قضية “الأخوين لاغراند” حيث لم تقم الولايات المتحدة بإبلاغ مواطن الدولة الألمانية دون تأخير بحقه في إبلاغ المسؤولين القنصليين الألمان حول اعتقاله أو احتجازه”، وبتصرفها على هذا النحو، لم تأخذ الولايات المتحدة الأمريكية في الاعتبار التزاماتها سواء تجاه ألمانيا أو تجاه الأخوين لاغراند بموجب الفقرة 1 من المادة 36 من الاتفاقية القنصلية لعام 1963. أنظر:

Flor de María Palaco Caballero, La Cour internationale de justice et la protection de l’individu, Schulthess Médias Juridiques SA, Genève Zurich · Bâle, 2015, pp 94-95.

1 Craig Forcese, The Capacity to Protect Diplomatic Protection of Dual Nationals in the War Terror, The European Journal of International Law , Vol. 17 no.2 © EJIL, 2006, p 374.

2 Flor de María Palaco Caballero, Op Cit, p 90.

1 لينا حسن صفا، مرجع سابق، ص 39.

2 خليل حسين، التنظيم ا

لقنصلي، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى، 2012، ص 300-301.

3 لينا حسن صفا، مرجع سابق، ص 41.

1 وأمام هذا التمييز قد طرح Condorelli مسألة مهمة تتعلق بفكرة “المساعي” التي يمكن للدولة القيام بها قبل وقوع الفعل غير المشروع الذي يستهدف رعاياها، إذ يقول بهذا الصدد أن : ‘‘الفكرة السائدة بأن الحماية الدبلوماسية تتطلب حتمية ارتكاب فعل غير مشروع بكل عناصره، تبدو غير كافية وقابلة للنقاش، وإن المساعي التي تقوم بها الدول والتي تهدف للوقاية من الأعمال غير المشروعة التي قد يتعرض لها رعاياها في الدول الأجنبية، يمكن إدراجها في إطار مفهوم شامل للحماية الدبلوماسية، تماما كالإجراءات التي تتخذ عادة بعد وقوع تلك الأعمال غير المشروعة. فالهدف في كلتا الحالتين هو حماية هؤلاء الرعايا من التصرفات غير القانونية للدولة المضيفة، وعلى هذا الأساس يرى Condorelli أن المساعي الدبلوماسية الهادفة للوقاية من الانتهاكات تشكل جزءا من الحماية الدبلوماسية عامة، فالمفهوم التقليدي لهذه الحماية يمثل ردة فعل الدولة المتضررة ضد الدولة المرتكبة لفعل غير مشروع ومطالبة هذه الأخيرة بإصلاح الضرر، فيما الحماية الدبلوماسية الوقائية هي ردة الفعل ضد خطر وقوع عمل غير مشروع، بعبارة أخرى هي تلك الخطوة الاستباقية التي تتخذها الدولة لدرء وقوع ذلك الخطر. أنظر: لينا حسن صفا، مرجع سابق، ص 41-42.

1 لينا حسن صفا، مرجع سابق، ص 42-43.

1 علي حسين الشامي، الدبلوماسية نشأتها تطورها قواعدها ونظام الحصانات والامتيازات الدبلوماسية، الإصدار الأول، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة، 2007، ص 308-309.

2 لينا حسن صفا، مرجع سابق، ص 40.

[2] لينا حسن صفا، مرجع سابق، ص 59.

[3] خليل حسين، موسوعة القانون الدولي: الجزء الأول، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى، 2012، ص 545.

[4] خليل حسين، مرجع سابق، ص 547-548.

[5] نفس المرجع، ص 550.

3 أنظر: لينا حسن صفا، مرجع سابق، ص 59 وما بعدها، وأيضا، علي حسن الشامي، مرجع سابق، ص 298، وكذا: الحسين شكراني، محاضرات في القانون الدولي العام، فضاء آدم للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2017، ص 104-105.

1 لينا حسن صفا، مرجع سابق، ص 61.

1 لينا حسن صفا، مرجع سابق، ص 62.

2 خلدون بن علي، مرجع سابق، ص 122.

[6] زازة لخضر، مرجع سابق، ص 686 وما بعدها.

[7] وهو أسلوب قديم جرى العمل به منذ القرون الوسطى، إذ كان أطراف النزاع يعهدون بنزاعهم إلى محكم فرد ليتولى النظر والبث فيه بقرار ملزم. وقد كانت الدول الأوروبية آنذاك، تعهد بنزاعاتها إلى البابا رئيس الكنيسة الكاثوليكية أو إلى الإمبراطور لما يتمتعان به من نفوذ وسلطة روحية أو زمنية تفوق سلطة المتنازعين، ثم تطور هذا الأسلوب عقب نشوء الدول الأوروبية الحديثة وبات اللجوء إلى رؤساء الدول كمحكمين أفراد هو المعمول به وحتى وقت قريب، حتى تعرضت له اتفاقية لاهاي الأولى الصادرة عام 1907 والخاصة بالتسوية السلمية للمنازعات الدولية، فنصت على أحكامه في المادة 56 منها. أنظر: زازة لخضر، المرجع السابق، ص 688 وما بعدها.

[8] تعود بوادر التفكير في هذه الطريقة من التحكيم الدولي إلى معاهدة “Jay” المؤرخة في 19 نونبر 1794، والتي تم بموجبها الاتفاق بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية- عقب استقلال هذه الأخيرة- على اللجوء إلى التحكيم الدولي لتسوية مختلف المنازعات التي طرحها استقلال الولايات المتحدة. وبناء على ذلك، تم تشكيل عدد من لجان التحكيم المختلطة تتراوح ما بين ثلاثة أو خمسة أعضاء بمن فيهم الرئيس، تختار كل دولة منها عضوا أو عضوين بحسب تشكيلة اللجنة. وأمام نجاح هذه اللجان في تسوية وتصفية معظم النزاعات المطروحة آنذاك، ذاع العمل بمثل هذا الأسلوب ولجأت إليه دول عديدة. لتفاصيل أوفى بهذا الخصوص يرجى مراجعة: نفس المرجع، ص 691 وما بعدها.

[9] خلدون بن علي، مرجع سابق، ص 126 وما بعدها.

[10] زازة لخضر، مرجع سابق، ص 696-697.

2 أنظر: لينا حسن صفا، مرجع سابق، ص 62، وأيضا: علي خالد دبيس، قانون الحماية الدبلوماسية وشروطها، مجلة أهل البيت عليهم السلام العدد 20، ص 485.

1 خلدون بن علي، مرجع سابق، ص 134-135.

2 نفس المرجع، ص 138.

3 زازة لخضر، مرجع سابق، ص 703-704.

1 Kate Parlette, The individual in the intentional legal systeme, Cambridge University Press, 2011, pp 86-87.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .