بحث قانوني معمق حول الاضرار سندا للقانون الاماراتي

أ/ أحمد أبو الزنط

تقديم .

لقد كشف التطور التاريخي للمسئولية عن الفعل الضار عن تردد أساسها بين فكرتي الخطأ والضرر. فالمسئولية بدأت في القوانين القديمة موضوعية لا حاجة فيها لوزن سلوك محدث الضرر لتحديد ما إذا كان مخطئاً أم لا ، غير أن الأمر لم يدم طويلاً حيث انحرف ضمان الضرر تدريجياً نحو الشخصية التي ربطت بين الالتزام بالتعويض والخطأ ، على نحو لا يمكن معه مساءلة محدث الضرر ما لم يرتكب سلوكاً منحرفاً يمكن وصفه بأنه خاطيء(1). فأين يقف قانون المعاملات المدنية الإماراتي بين هذين الاتجاهين ؟

المبحث الأول الإضرار الأصيل

تنص المادة (282) من قانون المعاملات المدنية لدولة الإمارات العربية المتحدة على أن: ( كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر ) (2). وقد حددت هذه المادة بصيغة موجزة وواضحة المبدأ العام في ما أسميناه بالإضرار الأصيل وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية . فما المقصود بالإضرار وما هي صوره وشروط الضمان في كل منها، هذا ما نراه في المبحثين التاليين :

المطلب الأول مفـهوم الإضـرار

اصطلاح الإضرار خلق تشريعي معاصر سبق قانون المعاملات المدنية الإماراتي إليه القانون المدني الأردني(1)، ولم يدرج الفقه الإسلامي ، التقليدي منه والمعاصر على استعماله ، كما لم تأخذ به القوانين العربية الأخرى . وبحسب ما تنص عليه المذكرة الإيضاحية لقانون المعاملات المدنية الإماراتي ، فالإضرار يعني , مجاوزة الحد الواجب الوقوف عنده أو التقصير عن الحد الواجب الوصول إليه في الفعل أو الامتناع مما يترتب عليه الضرر. وقد استعاض المشرع بلفظ الإضرار عن سائر النعوت المستعملة في هذا المقام ، كمصطلح العمل غير المشروع أو العمل المخالف للقانون أو الفعل الذي يحرمه القانون (2).

أولاً – الإضرار لا يعني الضرر.

بمعناه المتقدم يختلف الإضرار عن الضرر اختلاف السبب عن النتيجة ، فالإضرار هو الفعل أو عدم الفعل الذي يؤدي إلى الضرر . لذلك نحن نختلف مع من يقرر مطلقاً أن الالتزام بالضمان يقوم على مجرد الضرر(3). كما لا نوافق المذكرة الإيضاحية لقانون المعاملات المدنية الإماراتي التي تشير إلى أنه: ( أما في الفقه الإسلامي فمسئولية من يأمر غيره مسئولية لا تقوم على الخطأ بل على الضرر…) (4). ذلك أنه إذا كان صحيحاً أن لا يقوم الالتزام بضمان الضرر في الفقه الإسلامي على الخطأ ، فإن إطلاق القول بأن هذا الالتزام يقوم فيه على مجرد الضرر يعوزه الكثير من الدقة (5).

ثانياً – الإضرار لا يعني مجرد إلحاق الضرر بالغير .

إذا كان الإضرار مفهوماً غير مرادف للضرر، بل هو ذات الفعل أو الامتناع المضِّر بالغير، فهو أيضاً لا يعني مجرد إلحاق الضرر بالغير مطلقاً، بل لابد أن يكون إلحاق الضرر بالغير على نحو غير مشروع . ومصدر عدم المشروعية فيه يأتي من كون الفعل أو الامتناع غير مأذون به من ناحية ، وأن يتجاوز فيه على حق الغير المعصوم من ناحية أخرى.
ويترتب على ما تقدم أن يستبعد من نطاق الإضرار، جميع الحالات التي يلحق فيها شخص ضرراً بالغير وهو يمارس نشاطه بناءً على جواز شرعي أو قانوني . فإتلاف الإصلاح ، كإتلاف الأطعمة والأشربة والأدوية والأعضاء والتجاوز على تكامل ومعصومية الجسد البشري بالجرح لغرض التطبيب ، وإتلاف الدفع ، كالدفاع الشرعي وقتل الأعداء والبغاة ، وإتلاف الزجر كإصدار الأحكام بالعقوبات الشرعية وتنفيذها (1) ، لا تقوم بها جميعاً مسئولية محدث الضرر ، لأنها تشكل واجباً تقتضيه الضرورة لحفظ الأجساد والأرواح وإقامة العدل وشرع الله ، فتعد بذلك نشاطاً مشروعاً لا عدوان فيه ولا يحقق معنى الإضرار وإن ترتب عليه إلحاق ضرر بالغير(2). ويمكن أن نقيس على ذلك كل أشكال الأضرار الناجمة عن المنافسة المشروعة المسموح بها لحفظ المصلحة في معقولية الأسعار وتحسين نوعية المنتجات ، والضرر المألوف في علاقات الجوار المتسامح فيه لعدم إمكانية التحرز منه ، أو حتى إتلاف المال بإذن صاحبه.

كما يستبعد من نطاق الإضرار أيضاً الضرر الذي يصيب مصلحة اقتصادية محضة لا ترقى إلى أن تكون حقاً محمي قانونا ، كإتلاف مال غير متقوم ، مثل خمر أو خنزير يعود لمسلم ، لغياب معصومية المصلحة المتجاوز عليها .
تطبيق : الدفاع الشرعي .

تطبيقاً لما تقدم نصت المادة (288) من قانون المعاملات المدنية على أنه : ( من أحدث ضرراً وهو في حالة دفاع شرعي عن نفسه أو عرضه أو ماله أو عن نفس الغير أو عرضه أو ماله كان غير مسئول عن ذلك الضرر على ألا يجاوز قدر الضرورة وإلا أصبح ملزماً بالضمان بقدر ما جاوزه ) .
ويتضح من هذا النص أن صورة الدفاع الشرعي المانعة من قيام الإضرار تتحقق بالشروط التالية :

1- وجود خطر حال :

فلابد لقيام حالة الدفاع الشرعي من وجود خطر يداهم نفس المدافع أو عرضه أو ماله، يحرك فطرته لصد هذا الخطر حماية لهذه الضرورات للحياة الإنسانية. كما تقوم هذه الصورة أيضاً عندما يدفع الشخص خطراً يتهدد نفس الغير أو عرضه أو ماله . وقد اشترط جانب من الفقه وجود علاقة قرابة أو صداقة بين الغير والمدافع لامتناع مسئولية الأخير (1) ، ونحن لا نتفق مع هذا الرأي ، أولاً : لعموم وإطلاق النص في القانون الإماراتي ، والمطلق يجري على إطلاقه (2) ، وثانياً : لأن الأخذ به يخالف مقتضيات التعاون والنصرة الواجبة في المجتمع الإسلامي ، فليس من المعقول أن يرى رجل امرأة مثلاً تتعرض لاعتداء على جسدها أو عرضها ونطلب منه أن يقف مكتوف الأيدي وإلا كان مسئولاً عن الإضرار بالمعتدي .
ولا يكفي وجود الخطر ، بل يجب أن يكون حالاً بأن بدأ وقوعه أو على وشك الوقوع، بحيث لا يترك للمدافع فرصة اللجوء إلى وسيلة أخرى لدفعه كالاحتماء بالسلطة العامة أو الآخرين(3). ولا يعد الهروب وسيلة لتجنب الخطر ، فالهرب أمام الظلم ليس من صفات الشخص المعتاد (4).
أما إذا وقع الإعتداء فعلاً ، فلا يجوز الإحتجاج بالدفاع الشرعي ، لأن رد المضرور على المعتدي بعد ذلك ، يشكل انتقاماً أو اعتداءً مضاداً يسأل عن نتائجه ، فالقاعدة أن: ( لا ضرر ولا ضرار، وأن الضرر لا يزال بمثله، وليس للمظلوم أن يظلم بما ظلم )(5). ولهذا نصت المادة (286) من قانون المعاملات المدنية على أنه : ( ليس لمن أتلف شخص ماله أن يتلف مال ذلك الشخص ، وإلا ضمن كل منهما ما أتلفه ) .

2- أن يكون الخطر غير مشروع .

لا يجوز الدفاع إلا من عمل عدواني، فمن يلقى عليه القبض بطريق قانوني لا يستطيع الاحتجاج بالدفاع الشرعي إذا قاوم رجال الشرطة فأحدث ضرراً بأحدهم .

3- عدم تجاوز حدود الدفاع الشرعي .

فعل الدفاع لا يشكل إضراراً لأنه مأذون به شرعاً وقانوناً لضرورته لصد الخطر غير المشروع ، والضرورات تبيح المحظورات ، إلا أن هذا الإذن مقصور على ما كان من الفعل لازماً لدفع الخطر ومتناسباً معه ، فإن تجاوز ذلك خرج عن حدود الإذن وكان إضراراً بقدر ما جاوزه وأصبح مرتكبه ملزماً بالضمان بهذا القدر ، لأن الضرورات إذا كانت تبيح المحظورات ، ولكنها تقدر بقدرها (6).

ثالثاً – الإضرار مفهوم غير مرادف للخطأ .

إن اشتراط عدم المشروعية في فعل الإضرار في القانون الإماراتي لا يجعله مرادفاً للخطأ في القانون الوضعي المقارن. فالمسئولية عن الفعل الضار تقوم في القانون الأخير على الخطأ بمعنى الاعتداء والمخالفة . والخطأ مفهوم شخصي مفاده انحراف في السلوك مع نسبة الخطأ لمرتكبه من خلال كونه مدركاً لأفعاله . وهذا يستتبع عدم إمكان مساءلة عديم التمييز لعدم إمكان نسبة الخطأ إليـه ، باعتبار أن هدف المسئولية المدنية في القوانين التي تبنته أساساً لها مزدوج : جزائي رادع يقصد منه تقويم سلوك محدث الضرر ، وإصلاحي يقصد منه تعويض المضرور ، فلا يصح بعد ذلك إلزام غير المميز بالتعويض ما دام أنه لا يفهم معنى الجزاء والعقاب .

أما ضمان الضرر في الفقه الإسلامي والقانون الإماراتي ، فغرضه إصلاحي محض ، إذ يقتصر على جبر الضرر وتعويض المضرور عنه ، ولا يتعدى ذلك إلى عقاب محدث الضرر أو تقويم سلوكه ، لأن العقاب والردع هدف الحدود والتعازير ، وهو ما يدخل ضمن ما أصطلح عليه في القانون الوضعي المسئولية الجزائية (1). ولهذا كان أساس ضمان الضرر في الفقه الإسلامي والقانون الإماراتي هو الإضرار بمفهومه الموضوعي المتقدم ، الذي بموجبه يعد الإضرار فعلاً محظوراً بذاته وبالنظر لنتائجه ، أي الضرر المترتب عنه ، فتقع تبعته على فاعله بصرف النظر عن وصف الفاعل وإرادته (2) ، مميزاً كان أم غير مميز ، صغيراً أم كبيراً ، عاقلاً أم مجنونا .

رابعاً- مسئولية عديم التمييز.

قررت القاعدة العامة في ضمان الضرر في القانون الإماراتي إلزام مرتكب الإضرار ولو كان غير مميز بضمانه . ووفق طبيعة الإضرار الموضوعية التي أشرنا إليها قبل قليل يمكن تبرير مسئولية عديم التمييز بما يلي :

إن هدف ضمان الضرر، أو المسئولية المدنية، تعويض المضرور وجبر الضرر الذي أصابه، ولا يدخل ضمن غاياته عقاب محدث الضرر الذي تسعى إليه المسئولية الجزائية. لهذا كانت الأهلية شرطاً للمسئولية الجزائية، وليست شرطاً للمسئولية المدنية أو ضمان الفعل الضار. لهذا إن كان فاعل الضرر عديم الأهلية لم يؤثر ذلك في أنه قام بفعل ترتب عليه ضرر بالغير أوجب الشارع رفعه لحديث » لا ضرر ولا ضرار«، لذلك جعله الشارع سبباً لضمان ما ترتب عليه من ضرر .
إن الحكم الشرعي في الإسلام ينقسم إلى خطاب تكليف وخطاب وضع ، وخطاب التكليف يشترط فيه علم المكلف وقدرته على الفعل وكونه من كسبه ، أما خطاب الوضع فلا يشترط فيه كل ذلك . ومن خطاب الوضع ضمان الفعل الضار الذي يتحقق بمجرد وجود الفعل المؤدي إلى الضرر دون النظر إلى شخص الفاعل فيما إذا كان عالماً أو لا ، مدركاً أو لا (1).

وهذا هو توجه قانون المعاملات المدنية بتأكيد مذكرته الإيضاحية التي تشير في حديثها عن الإضرار إلى أنه : ( ولا يخرجه عن هذه السببية ألا يوصف فاعله بالاعتداء والمخالفة بسبب عارض خارج عنه كفقد أهلية التكليف لأن سببيته ترتبط بذاته وبآثاره لا بقصد فاعله وإدراكه ولذا يترتب عليه أثره إذا صدر من نائم أو من مجنون أو من طفل، لأن الأمر في اقتضائه التضمين مبني على المعاوضة وجبر الفاقد حتى لا يظلم أحد في ماله… فالضمان في القانون منوط بالخطأ بمعنى الاعتداء ، فلا ضمان » فيه« على فاقد الأهلية . على خلاف ما ذهب إليه الفقهاء من إناطة التضمين بالضرر المترتب على فعل محظور في ذاته وإن صدر من عديم الأهلية ، كالنائم حال نومه والمجنون والطفل الذي لا يميز ) (2).

خامساً- خلط القضاء الإماراتي بين مفهومي الإضرار والخطأ .

رغم وضوح نصوص القانون الإماراتي ، ورغم تأكيد المذكرة الإيضاحية للقانون على البون الشاسع بين مفهومي الإضرار والخطأ ، إلا إنه كثيراً ما ينظر القضاء الإماراتي إلى اصطلاحي ” الإضرار ” و ” الخطأ ” ، على أنهما مترادفان (3) .
فهذا القضاء يقرر بوضوح وفي أعلى درجاته ، أن المسئولية عن الفعل الضار تقـوم على

أركان ثلاثة : الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما (4) .

  • وإن المطالبة بالتعـويض قوامـها خطأ المسئول (1) .
  • وإن تكييف الفعل أو الترك المؤسس عليه طلب التعويض بأنه خطأ ونفي هذا الوصف عنه من مسائل القانون التي يخضع قضاء محكمة الموضوع فيها لرقابة المحكمة العليا (2) .
  • وإن استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية هو مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع طالما أقامت قضاءها على أسباب سائغة مستمدة من عناصر تؤدي إليها من واقع الدعوى (3) .
  • وإنه متى اجتمع خطأ المباشر وخطأ المتسبب يضاف الحكم إلى المباشر(4) .

ولعل من حسن الطالع أن يظل الخلط بين الإضرار والخطأ في أحكام القضاء الإماراتي لفظياً ولم يتعد ذلك إلى الأحكام الموضوعية لضمان الضرر . فلم يجروء أي من الأحكام القضائية المتقدمة مثلاً على تقرير عدم مسئولية صغير أو مجنون لعدم إمكان نسبة الخطأ إليهما ، وذلك لوضوح النص المقرر لمسئولية عديم التمييز في القانون الإماراتي .

(1) أنظر بالفرنسية ، بول اسمان ( P . Esmein ) ، الخطأ ومكانته في المسئولية المدنية ، المجلة الفصلية للقانون المدني الفرنسي ، 1949 ، ص 488 ، رنييه سافاتييه ( Savatier, R) ، كيف نعيد النظر في المفهوم الفرنسي المعاصر للمسئولية المدنية ، دورية دالوز ، 1966 ، ص3 .

(2) وهي تطابق تماماً نص المادة (256) من القانون المدني الأردني .

(1) انظر المادة (256) من القانون المطابقة للمادة (282) من قانون المعاملات المدنية الإماراتي .

(2) المذكرة الإيضاحية لقانون المعاملات المدنية، المادة (282)، ص 274 وما بعدها، وهو مطابق لما جاء في المذكرات الإيضاحية للقانون المدني الأردني ،إعداد المكتب الفني لنقابة المحامين الأردنية ، ج1، 1992 ، ص 276 .

(3) محمد وحيد الدين سوار ، الاتجاهات العامة في القانون المدني الأردني ،دراسة موازنة بالفقه الإسلامي والمدونات العربية ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان ، 1996، ص133، محمد شريف أحمد ، مصادر الالتزام في القانون المدني ، دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، 1999، ص 211 ، عمر السيد أحمد عبد الله ، مسئولية الشخص عن فعله في قانون المعاملات المدنية الإماراتي مقارناً بالقانون المصري ، دار النهضة العربية ، القاهرة 1416هـ – 1995م ، ص 31 .

(4) مرجع سابق ، ص 277 ، ويلاحظ أن هذا هو ما قررته المذكرات الإيضاحية للقانون المدني الأردني مرجع سابق، ص 279..

(5) عدنان إبراهيم السرحان ، الفعل غير المشروع (الإضرار) كأساس للمسئولية التقصيرية ( الالتزام بالضمان) في الفقه الإسلامي والقانون المدني الأردني ، مجلة المنارة الصادرة عن جامعة آل البيت الأردنية ، المجلد الثاني، العدد الثاني،1997،ص103 .

(1) أنظر في هذا التصنيف ، عزا لدين بن عبد السلام، قواعد الأحكام، ج2، ص74.

(2) أنظر في هذا المعنى، حكم محكمة تمييز دبي ، الطعن 254 لسنة 2003 حقوق ، جلسة 12/10/2003 ، قضاء محكمة تمييز دبي ، إصدارات المكتب الفني للمحكمة ، ع 14 ، 2004 ، ج1 حقوق ، ص 1066 .

(1) السنهوري ، الوسيط ، ج10 ، ص 788 ، عبد الخالق حسن أحمد ، الوجيز في شرح قانون المعاملات المدنية لدولة الإمارات العربية المتحدة ، ج1 ، مصادر الالتزام ، منشورات كلية شرطة دبي ، ط3 ، 1419هـ /1999م ، ص293 .

(2) في هذا الاتجاه، انظر أستاذنا المرحوم بإذنه تعالى، عبد المجيد الحكيم، مصادر الالتزام، ط3، بغداد، 1969، ص508.

(3) وحيد الدين سوار ، مصادر الإلتزام ،ج1، دمشق ، 1991 ، ص 999 ، عبد المجيد الحكيم ، مصادر الالتزام ، مرجع سابق ، ص507 ، عدنان السرحان ونوري خاطر ، مرجع سابق ، ص 383 . ولا يلزم في الخطر المتخوف منه أن يكون حقيقياً في ذاته بل يكفي أن يبدو كذلك في اعتقاد المدافع وتصوره، إذا استند هذا التصور على أسباب معقولة. ويترك تقدير الخطر المبرر للقضاء وفقاً للحالة النفسية للمدافع مع ما تقتضيه المفاجأة من سرعة التصرف ، ولا يحاسب المدافع على مقتضى التفكير الهاديء المتزن المتعذر عليه وهو محفوف بالخطر . أنظر في ذلك، المرحوم بإذنه تعالى، مصطفى الجمال، القانون المدني في ثوبه الإسلامي، مصادر الالتزام، الفتح للطباعة والنشر، الإسكندرية، بدون سنة طبع، ص542، هامش 2.

(4) في هذا الاتجاه ، أنظر في القضاء الفرنسي ، نقض جزائي في 31/10/1980 ، المجلة الفصلية للقانون المدني ، 1980 ، ص575، وملاحظات جورج ديوري (G. Durry) عليه.

(5) هذا ما نصت عليه المادة (216/1) من القانون المدني العراقي .

(6) محمد شريف أحمد، مرجع سابق ، ص 227 .

(1) لذلك اصطلح على تسمية ضمان الضرر ( الجوابر ) لأن هدفه جبر الضرر وتعويضه ، والعقاب الجزائي ( الزواجر ) ، لأن هدفه الزجر والعقاب .

(2) محمد شريف أحمد ، مرجع سابق ، ص 210 .

(1) محمد شريف أحمد، مرجع سابق، ص 214- 215.

(2) المذكرة الإيضاحية لقانون المعاملات المدنية، مرجع سابق، ص 276-277.

(3) خلا بعض الأحكام التي سلمت من هذا الخلط ، أنظر على سبيل المثال ، إتحادية عليا ، الطعن 504 لسنة 26 القضائية (شرعي) في 23/10/2004 ، مجموعة الأحكام الصادرة عن المحكمة الإتحادية العليا ، ،إعداد المكتب الفني بالتعاون مع كلية الشريعة والقانون – جامعة الإمارات ، س26 (2004م) ،ع 3 ، المبدأ 255 ، ص 2079 ، والطعن 219 مدني لسنة 18 قضائية في 26/10/1997 س1997،ع 2 ، المبدأ 109 ، ص700 ، وقد جاء فيه : ( إن كل إضرار بالغير يلزم فاعله بضمان الضرر وإن على المحكمة أن تبحث عناصر المسئولية الثلاثة وهي حدوث التعدي بألا يكون للفاعل حق في إجراء الفعل الذي حصل منه الضرر أو تعمده ذلك الفعل … ) .

(4) اتحادية عليا ، الطعن 441 (مدني) لسنة 23 القضائية في 22/2/2004 ، مجموعة الأحكام ، مرجع سابق ، س26 ، 2004م ، ع1 ، المبدأ 35 ،ص321 ، الطعن 386 لسنة 20 قضائية في 28/9/1999، س21 ،ع2، ،المبدأ 158، ص915 ، الطعن 8 لسنة 17 القضائية في 10/4/1990 ، المرجع ذاته ، س1990 ، المبدأ 7 ، ص 89 ، الطعن 70 لسنة 11 قضائية في 31/10/1989 ، ع2 ، س10 ، 1989، المبدأ 111 ، ص607 ، تمييز دبي ، طعن 290 لسنة 2001 حقوق في 18/11/2001 ، مجموعة الأحكام ، المكتب الفني لمحكمة التمييز ، س 2001 ،ع 12 ، المبدأ 290 ، ص878 . وفي تأييد اعتبار الخطأ أساساً للضمان في قانون المعاملات المدنية الإماراتي ، أنظر، جاسم الشامسي ، التعويض عن وفاة العامل وفقاً لأحكام قانون العمل والتشريعات المنظمة للمسئولية عن الفعل الضار والدية ، مجلة الشريعة والقانون الصادرة عن كلية الشريعة والقانون- جامعة الإمارات العربية المتحدة ، ع11، إبريل 1998، ص197.

(1) اتحادية عليا ، الطعون 42 ، 64 ، 220 ، لسنة 14 قضائية في 29/9/1992 ، مجموعة الأحكام الصادرة عن المحكمة الإتحادية ، مرجع سابق ، ع 2 ،س 14 ، 1992 ، المبدأ ، 86 ، ص 531

(2) اتحادية عليا ،الطعن 70 لسنة 11 قضائية،مشار إليه أعلاه ، هامش 1 ، تمييز دبي ، طعن 79 لسنة 2001 حقوق في 14 /4/2001، مجموعة الأحكام، مرجع سابق ، س 2001، ع 12 ، المبدأ 49 ،ص333 ، طعن 265 لسنة 2001 حقوق في 20/1/2002 ، المرجع ذاته ، س 2002 ،ع13، المبدأ 14 ص85 ، الطعن 181 لسنة 2002 حقوق في 9/6/2002 ، س 2002 ،ع 13 ، المبدأ 90 ، ص527 .

(3) اتحادية عليا ، الطعن 568 ( مدني) لسنة 23 القضائية في 23 /6/2004 ،مجموعة الأحكام الصادرة عن المحكمة الاتحادية العليا، مرجع سابق ، س26 2004 ، ع3، المبدأ 200 ، ص 1666 ، الطعن 519 مدني لسنة 22 قضائية في 1/5/2002 ، س24 /2002 ، المبدأ ع2 ، 144،ص1073 ،الطعن 566 لسنة 21 قضائية في 1/5/2001 ، ع3 ،س23 ،2001 ، المبدأ 125 ،ص887 ، تمييز دبي، الطعن 14 لسنة 2003 حقوق في 20/4/2003 ، مجموعة الأحكام ، مرجع سابق ، س 2003ع 14 ، المبدأ 77 ، ص463 ، الطعن رقم 101 ، والطعن 123 لسنة 2003 حقوق في 31 /5/2003 ، المرجع ذاته ، المبدأ 108 ، ص 646 .

(4) اتحادية عليا ، الطعن 45 ( مدني) لسنة 24 القضائية في 1/6/2004 ،مجموعة الأحكام الصادرة عن المحكمة الإتحادية العليا ، مرجع سابق ، س26/ 2004 ،ع 3، المبدأ 166 ، ص 1419، الطعن رقم 66 لسنة 22 قضائية في 20/11/2001 ، المرجع ذاته ، المبدأ 264، ص 1790 .

المبحث الثاني صور الإضرار وشروط الضمان فيها

تنص المادة (283) من قانون المعاملات المدنية الإماراتي على أنه : ( 1- يكون الإضرار بالمباشرة أو التسبب . 2- فإذا كان بالمباشرة لزم الضمان ولا شرط له ، وإذا وقع بالتسبب فيشترط التعدي أو التعمد أو أن يكون الفعل مفضياً إلى الضرر ) . وسنتعرض في هذا المبحث لمفهوم كل من المباشرة والتسبب ، وشروط الضمان فيهما .

المطلب الأول الإضرار بالمباشرة

أولاً – مفهوم المباشرة .

يقصد بالمباشرة وفقاً لفقه الشريعة الإسلامية الذي استقى منه المشرع الإماراتي هذا الاصطلاح ، كل فعل جلب بذاته الضرر وكان سبباً له ولم يفصل بينه وبين حدوث الضرر فعل آخر (1). ويكون الإضرار بالمباشرة ، ويقال لفاعله مباشر ، إذا كان هناك اتصال بين الفعل الضار ومحل الضرر، كما في اتصال آلة الإتلاف بالمال المتلف ، كما لو مزق شخص كتاباً أو وثيقة ، أو كسر إناءً ، أو هدم جداراً ، أو طعن آخر بسكين .

ثانياً – شروط ضمان المباشر .

بحسب المادة (283) أعلاه ، إذا وقع الإضرار بالمباشرة لزم الضمان ولا شرط له . وهذا يعني أن المباشر يلزمه الضمان بصرف النظر عن سلوكه متعمداً أو متعدياً كان أم لا . فلو زلق شخص فوقع على مال غيره فأتلفه ، وجب عليه الضمان ، وإن كان قد أرتكب فعلاً غير إرادي مما لا يوصف بالجواز أو الحظر ، لا بل قد يسأل مع أن فعله جائز بل واجب ، كما لو أضطر إنسان لأكل طعام غيره ليجنب نفسه الهلاك ، فذلك لا يعفيه من الضمان ورد المثل(2). وعلة ذلك (…إن المباشرة علة مستقلة وسبب للإضرار بذاته ، فلا يجوز إسقاط حكمها بداعي عدم التعمد أو عدم التعدي…) (3).
وتطبيقاً لذلك نصت المادة (302/1) من قانون المعاملات المدنية على أنه 🙁 إذا أتلف أحد مالاً لغيره على زعم أنه ماله ضمن ما أتلف ) ، كما جاء في المادة (303) من القانون أنه : ( إذا أتلف صبي مميز أو غير مميز ومن في حكمهما مال غيره لزمه الضمان من ماله ) (4).
ولكن يلاحظ أن عبارة (لا شرط له ) لا تعني غياب كل شرط ، بل لا شرط أضافي فوق شرط عدم مشروعية الفعل الواجب أصلاً لتحقيق معنى الإضرار، والمتمثل في التجاوز على حق الغير المعصوم في جسده وماله وعرضه ، إذا كان هذا التجاوز غير مأذون في فعله ، بأصله بأن كان محرماً ، أو بصفته لأنه مما يفضي إلى الضرر في العادة (1) ، وإن كان هذا التجاوز لا يستند إلى عدوان ، فالمباشر ضامن ولو لم يتعمد أو يتعدى ، ولا إلى إرادة ، فهو ضامن سواء كان مميزاً مدركاً لأفعاله أم لا (2). وهذا الشرط نتفق ، مع البعض(3)، على عدم الحاجة لإثباته في المباشرة ، لأنه ثابت فيها بذاته ، باعتبارها علة مستقلة وكافية وحدها للضرر الحادث
(1) تمييز دبي، الطعن رقم 57 لسنة 1977 حقوق في 11/10/1997، مجلة القضاء والتشريع الصادرة عن المكتب الفني لمحكمة تمييز دبي، ع 8، أبريل 1999، ج1 حقوق، الرقم 110، ص 704، اتحادية عليا ، الطعن 99 لسنة 16 قضائية في 17/12/1995،مشار إليه سابقاً ، ص9 ، هامش 2 ، والطعن 148 لسنة 18 القضائية في 10/12/1996 ، المرجع ذاته ،س17،1996،ع 3 ،المبدأ 167، ص1010.

(2) مصطفى الزرقاء، مرجع سابق، ص79.

(3) المذكرة الإيضاحية لقانون المعاملات المدنية الإماراتي، مرجع سابق، ص279.

(4) ويطابق ذلك نص المادتين ) 190، 191/1) من القانون المدني العراقي، والمادتين (277/1، 278) من القانون المدني الأردني. وفي هذا الصدد ذهبت محكمة التمييز الأردنية تقول: ( لا يتوجب توفر سوء النية لدى من باشر الضرر حتى يضمن ما نجم عن فعله من ضرر عملاً بالمادتين 256 و 257 من القانون المدني، ولا اعتبار لحسن النية أو سوءها. أنظر قرارها رقم 1198/93 لسنة 1995، المحاميان محمد ويوسف خلاّه ، الاجتهاد القضائي ، المباديء القانونية لمحكمة التمييز في المواد المدنية والتجارية من سنة 1992 حتى سنة 1998، ج6 ، دار الثقافة ، عمان ، 2001 ، المبدأ رقم 3689 ، ص1386 .

(1) مصطفى الجمال ، القانون المدني في ثوبه الإسلامي ، مصادر الالتزام ، الفتح للطباعة والنشر ، الإسكندرية ، 1996، ص531.

(2) محمد شريف أحمد ، مرجع سابق ، ص 212 .

(3) مصطفى الجمال ، مرجع سابق ، ص552 .

المطلب الثاني الإضرار بالتسبب

أولاً – مفهوم التسبب .

أما التسبب فهو ما كان علة للضرر ولم يحصِّله بذاته . ويكون الإضرار بالتسبب ، ويقال لفاعله متسبب ، بإتيان فعل لا يتصل بمحل الضرر ، ولا ينجم الضرر عنه لوحده وبذاته وإنما عن طريق تدخل فعل أو عامل آخر يتوسط بينهما . كما لو حفرت البلدية حفرة في الطريق العام ولم تتخذ الاحتياطات في تنبيه الناس لمنع إلحاق الضرر بهم ، فتسقط فيها سيارة وتتعرض للضرر ، أو يرش شخص أمام محله التجاري مادة دهنية ، فيتزحلق بها شخص وتكسر ساقه .

ثانياً- شروط ضمان المتسبب .

إلحاق الضرر بالغير تسبباً يحتاج، لتضمين المتسبب، إلى عدم مشروعية مزدوجة، صفقها الأول(4)، أن يشكل تجاوزاً غير مأذون به على حق الغير المعصوم ، وهو ما يكفي لوحده لتضمين المباشر، وصفقها الثاني ، أن يأتي هذا التجاوز على سبيل العدوان(5) .

* علة اشتراط العدوان في التسبب :

يعد مبرراً أن تؤسس المسئولية عن الفعل الضار في القانون الوضعي على فكرة الخطأ، بما تقتضيه من إدراك وتمييز ، مادام أن من الأهداف المركزية لهذه المسئولية عقاب محدث الضرر على سوء سلوكه وتقويم هذا السلوك . ولكن لِمَ يشترط العدوان لإقامة الضمان على الفعل أو الامتناع في الفقه الإسلامي والقانون الإماراتي ، ما دام أن هدف الضمان مقصور على جبر الضرر وتعويضه ، دون أن يكون لفكرة العقاب والردع وجود فيه ؟
في الواقع أن اشتراط العدوان المتمثل في مخالفته واجب شرعي أو قانوني ، أو مخالفته سلوك الرجل المعتاد ، هو مجرد معيار للمفارقة بين حقوق المضرور ودائرة نشاطه المشروع،وبين حقوق صاحب الفعل أو الامتناع ودائرة نشاطه ، وأداة لتوزيع عبء الأضرار المترتبة على الفعل أو الامتناع على كل من المضرور ومن ينسب له ذلك الفعل أو الامتناع ، وليس معياراً لتحديد من يستحق تحمل الإلتزام بالتعويض لما أتاه من سلوك سيء يقتضي معاقبته في ماله . ولهذا لم يشترط في المتعدي أن يكون أهلاً للتكليف حتى يترتب الضمان في جانبه(1).
ولكن كيف يتحقق العدوان ؟
أجابت على ذلك المادة (283) من قانون المعاملات المدنية الإماراتي عندما ذهبت إلى أن الإضرار إذا (… وقع بالتسبب فيشترط التعدي أو التعمد أو أن يكون الفعل مفضياً إلى الضرر) ، فما المقصود بهذه المسميات ؟

التعدي

التعدي في الفقه الإسلامي والقانون الإماراتي يعني ، مجاوزة الحد الذي يجب الوقوف
عنده أو التقصير عن الحد الواجب الوصول إليه في الفعل أو الامتناع ويتحقق التعدي إذا جاء التصرف مخالفاً لمعايير السلوك المعتبرة، والتي تتمثل بما يلي :

الحدود التي يجب التزامها شرعاً وقانوناً ، والمتمثلة بما تشتمل عليه القوانين والأنظمة والاتفاقات من الواجبات المنصبة على إتيان الفعل في حالة الأمر والامتناع عنه في حالة النهي . ومن ذلك أن يحفر شخص حفرة في الطريق العام دون إذن السلطة العامة، فيقع فيها شخص ليلاً ويصاب بأذى، أو أن يقصر المدرب في مراقبة الصغير الذي عهد إليه تعليمه السباحة، فيغرق.
السلوك الذي جرى عليه العرف والعادة، أو ما يطلق عليه في تقدير الخطأ في القانون الوضعي، سلوك الرجل المعتاد(2). كما لو أجرى الطبيب العملية على خلاف المعتاد من الأصول الطبية، وعلى غير ما يجريه بها أقرانه من محترفي المهنة، فترتب على ذلك موت المريض. أو كما لو أحدث أحد ضرراً في مزرعة جاره وهو يسقي مزرعته إذا كان السقي بما لا تحتمله الأرض وعلى غير الوجه المعتاد، أو أوقد في داره ناراً لا يوقد مثلها عادة فاحترقت دار جاره بسبب ذلك.

ويلاحظ أنه إذا كان التعدي في الفقه الإسلامي والقانون الإماراتي يشترك مع الخطأ في القانون الوضعي المقارن في الضابط ، فضابطهما الانحراف عن السلوك المألوف للرجل المعتاد ، فإنهما مع ذلك يختلفان من حيث أن الخطأ مفهوم شخصي يقتضي من المخطيء أن يكون مدركاً لأفعاله ، في حين أن التعدي مفهوم موضوعي ، لا يشترط فيه الإدراك والتمييز. فالتعدي يمكن أن يأتي بقصد أو دون قصد، كما يمكن أن يأتيه الكبير والصغير، العاقل وغير العاقل(1).

2- التعمد .

يتميز التعمد عن التعدي بوجود نية الإضرار، فلا يكفي للتعمد أن يقصد الشخص الفعل، بل يجب أيضاً أن يقصد النتيجة، أي الضرر. فلو حفر شخص خندقاً في أرضه بقصد الإضرار بماشية جاره التي تمر ليلاً وهي عائدة من مرعاها، كان ضامناً لتعمده الإضرار وإن لم يتعد لأنه قد حفر في ملكه الخاص. كما يضمن البائع إذا رخص في ثمن سلعته قاصداً إلى تفليس تاجر آخر يجاوره، فالبيع بالثمن الأقل مباح، لكنه اكتسب الحرمة بالقصد إلى الضرر.
ويلاحظ أن نية الأضرار اللازمة للتعمد أمر شخصي يختلف من إنسان لآخر، فهي تعتمد على مكنون الإرادة القائمة على الرغبة والاختيار، بما يقتضيه من الإدراك والتمييز. لذلك لا يمكن القول بتعمد عديم التمييز لصغر أو جنون الإضرار بالغير، وبالتالي لا يمكن مساءلته كمتسبب للضرر على أساس التعمد. ولكن لا يقصد بنية الإضرار النية الخفية التي يصعب إثباتها ، بل النية المستفادة من الظروف والقرائن . فالشخص يكون متعمداً إذا قام بعمل لا يفعل في العادة إلا لأجل أذى الغير، كدس السم في الطعام(2) .

3- الإفضاء إلى الضرر .

قد لا يكون المتسبب متعمداً، لأنه لم يقصد إلحاق الضرر بالغير، ولا متعدياً، لأنه لم يخالف معايير السلوك المعتبرة، بأن تصرف في ملكه مثلاً، ولكن فعله اتصل بالضرر لا محالة، في هذه الحالة يسأل المتسبب، لأنه يكون بمنزلة الفاعل المباشر. فلو فتح شخص قفصاً ، فطار طير الغير المحبوس فيه وضاع ، أو قطع حبلاً فانكسر قنديل الغير المعلق فيه ، ضمن الفاعل الضرر وإن كان القفص أو الحبل ملكاً له ولم يرد ضياع الطير أو كسر القنديل،فإننا أمام فعل مسبب للضر لا عمد فيه ولا عدوان ، ولكنه مع ذلك يضمن ، كما يضمن الفاعل المباشر دون عمد ولا عدوان .

* علة التفرقة في شروط المباشرة والتسبب :

الإختلاف في شروط ضمان المباشر والمتسبب يرجع إلى ما يلي :
أ- إن المباشرة علة مستقلة وسبب للإضرار بذاته فلا يجوز إسقاط حكمها بداعي عدم التعمد أو عدم التعدي ، أما التسبب فليس بالعلة فلزم أن يقترن العمل فيه بصفة التعمد أو التعدي ليكـون موجباً للضـمان (2).
ب- إن التقسيم إلى مباشرة وتسبب ، هو تقسيم للنشاط المتعدي أو ما يعرف بالعدوان في لغة الفقه الإسلامي ، والذي يقصد به المجاوزة الفعلية لحق الغير أو ملكه المعصوم ، أو الفعل المحظور في ذاته شرعاً أو قانوناً . بناء عليه فإن اشتراط التعمد أو التعدي في التسبب هدفه إثبات العدوان ، لأنه في التسبب غير ثابت بذاته لكونه ليس علة مباشرة للضرر ، في حين لم يشترط التعمد أو التعدي في المباشرة لأن العدوان فيها ثابت لكونها علة مباشرة للضرر(3) .
ت – إن المباشرة وحدها كافية لقيام مسئولية المباشر، بسبب قرب علاقة السببية القائمة بين فعل الفاعل المباشر والضرر الناجم عنه ، والمتمثلة باتصال آلة الضرر بمحله . أما في التسبب الذي هو ليس علة مستقلة للضرر ، فتكون علاقة السببية بعيدة لغياب شرط الاتصال الموجود في المباشرة ، لذلك وجب توافر نية الإضرار أو التعدي لتبديد الشك حول علاقة السببية ، لتحل محل ذلك الشرط المفقود (1) .
(4) صفق الباب ردفه أو جهة من جهتيه .

(5) محمد شريف أحمد ، مرجع سابق ، ص 212- 213 ، وباللغة الفرنسية أنظر :
responsabilié civile dans les systèmes juridiques des pays du Chafik CHEHATA , La théorie de la proch-orient , Rev.dr.com.1967. p. 886 .

(1) مصطفى الجمال ، مرجع سابق ، ص 537 .

(2) مصطفى الجمال ، مرجع سابق ، ص 534 وما بعدها ، المذكرة الإيضاحية لقانون المعاملات المدنية الإماراتي ، مرجع سابق ، ص276.

(1) في هذا المعنى أنظر بالفرنسية ، Chafik CHEHATA ,op .cit , p. 887 ، في حين يرى البعض الآخر أن التعدي في الفقه الإسلامي يطابق الخطأ في القانون الوضعي ، أنظر أيضاً ،
E.TYAN, Le système de la responsabilité délictuelle en droit musulman ,Thèse, Lyon , 1929, p.183.

(2) مصطفى الزرقاء ، مرجع سابق ، ص91 .

(2) المذكرة الإيضاحية لقانون المعاملات المدنية الإماراتي ، مرجع سابق ،ص279 ، اتحادية عليا ، الطعن 99 لسنة 16 قضائية في 17/12/1995 ، مشار إليه سابقاً ، ص 9 ، هامش 2 . وأنظر المذكرة الإيضاحية لقانون المعاملات المدنية الإماراتي ، ص279 .

(3) مصطفى الجمال ، مرجع سابق ،ص552 .

(1) محمد أحمد سراج ، ضمان العدوان في الفقه الإسلامي ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، القاهرة ،1410هـ- 1990م،ص323. وباللغة الفرنسية ،أنظر ، Chafik CHEHATA ,op .cit , p. 887 .

المبحث الثاني الإضـرار التبعي

المطلب الأول فعـل الغير

تقديم .

إذا كان القانون الوضعي قد قبل مسئولية الشخص عن فعل غيره ، وأقامها على أساس أساسأسااالخطأ المفترض ، فإن هذه الفكرة في جميع جوانبها غير مقبولة في الفقه الإسلامي للإعتبارت التالية :

إذا كان القانون الوضعي قد دفع لافتراض الخطأ لسد حاجة نظرية بتقريره مسئولية الشخص عن فعل غيره ، بعد أن بنى المسئولية على الخطأ الذي يقتضي التمييز ، مما ينتج عنه انعدام مسئولية عديم التمييز ، فلا مخلص عندئذ من افتراض خطأ متولي الرقابة عليه ، فإنه لا توجد مثل هذه الحاجة النظرية في الفقه الإسلامي ، لأنه أقام الضمان على فكرة الإضرار مما ينتج عنه مسئولية كل شخص عن فعله ولو كان غير مميز (1). وما دام أن هذا الفقه لا يقيم المسئولية على فكرة الخطأ ، فلا حاجة به بعدئذ إلى افتراض الخطأ مطلقاً ، أي سواء ما يقبل إثبات العكس أو لا يقبله.
أن الفقه الإسلامي لا يقر مبدأ محاسبة الإنسان عن فعل غيره لقوله تعالى ” ولا تزر وازرة وزر أخرى ” وقوله ” لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ” وقوله ” كل نفس بما كسبت رهينة ” .

ومع ذلك فقد وافق قانون المعاملات المدنية الإماراتي القانون الوضعي في أن هناك حاجة من نوع آخر تبرر إلزام الشخص بأداء الضمان المحكوم به على غيره . فالحاجة العملية لحماية المضرور من إعسار محدث الضرر الخاضع للرقابة أو التابع ، تبرر في نظر المشرع لإماراتي إعطاء القاضي الحق بالزام المكلف بالرقابة أو المتبوع بأن يدفع ما حكم به على مرتكب الضرر دون الخروج على المبدأ الأصلي المقرر شرعاً وهو ألا يسأل شخص عن فعل غيره . خصوصاً أن الفقه الإسلامي يعرف صوراً في هذا النوع من المسئولية ، فلا يعلم خلاف بين أهل العلم في أن دية الخطأ على العاقلة (2)، كما يسأل

الأستاذ عما يفعله صبي الحرفة (1).
وقد نصت على ذلك المادة (313) من القانون ، حيث جاء فيها :
( 1- لا يسأل شخص عن فعل غيره ومع ذلك فللقاضي بناء على طلب المضرور إذا رأى مبرراً أن يلزم أياً من الآتي ذكرهم حسب الأحوال بأداء الضمان المحكوم به على من أوقع الضرر :

من وجب عليه قانوناً أو اتفاقاً رقابة شخص في حاجة إلى الرقابة بسبب قصره أو حالته العقلية أو الجسمية إلا إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة أو أن الضرر كان لابد واقعاً ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية .
من كانت له على من أوقع الضرر سلطة فعلية في رقابته وتوجيهه ولو لم يكن حراً في اختياره إذا كان الفعل الضار قد صدر من التابع في حال تأدية وظيفته وبسببها .

ولمن أدى الضمان أن يرجع به على المحكوم عليه به ) .

* خصائص المسئولية عن فعل الغير في القانون الإماراتي .

يتضح من النص المتقدم أن للمسئولية عن فعل الغير في القانون الإماراتي الخصائص التالية :

هي مسئولية استثنائية . فقد جاء تقريرها استثناءً من الأصل القاضي بعدم مساءلة الشخص عن فعل غيره .
هي مسئولية جوازية . فأمرها متروك لتقدير القاضي الذي لا يحكم بها إلا بناء ً على طلب المضرور . فلو رفع المضرور الدعوى طالباً الحكم بمسئولية عديم التمييز أو التابع ، لا يستطيع القاضي من تلقاء نفسه تقرير مسئولية المكلف بالرقابة أو المتبوع. كما إن طلب المضرور تقرير مسئولية المكلف بالرقابة أو المتبوع لا يلزم القاضي ، الذي له رفض الطلب إن لم يجد لهذه المساءلة مبرراً.
هي مسئولية احتياطية . فهي قد وجدت احتياطاً إلى جانب المسئولية الأصلية لمحدث الضرر (عديم التمييز أو التابع ) . لذلك فالشخص لا يسأل عن عمل الغير إلا إذا كان الغير مسئولاً أصلاً لارتكابه فعلاً تقوم به مسئوليته الشخصية . وصفة الاحتياطية التي تتصف بها هذه المسئولية تعطي للقاضي الحق في رفض تقريرها إذا غاب مبررها ، بأن وجد المسئول أصلاً موسراً قادراً على دفع الضمان .
هي مسئولية تأمينية . وجدت لضمان تجنيب المضرور مخاطر إعسار الغير مرتكب الفعل الضار. وهي بهذه الخصيصة تعد صورة من صور الكفالة بنص القانون ، يلزم بموجبها القاضي المسئول احتياطاً ( المكلف بالرقابة أو المتبوع) بأن يدفع ما حكم به على محدث الضرر المدين أصلاً بالضمان . ولذلك يكون للمسئول عن فعل الغير دائماً الحق في الرجوع على الغير ذاته بما أداه نيابة عنه من الضمان ، تماماً كما يرجع الكفيل العادي على المكفول (1).

ويترب على كون هذه المسئولية التأمينية أن يصبح أمام المضرور مسئولان عن الفعل الواحد ، الغير المسئول عن فعله ( الخاضع للرقابة أو التابع) ، وهو الذي ارتكب الحادث شخصياً ، والشخص المسئول عن فعل غيره (المكلف بالرقابة أو المتبوع).وفي الغالب أن يرفع المضرور الدعوى على المسئول عن فعل الغير لقدرته على سداد الضمان ، والغالب هنا أيضاً أن يطلب المدعى عليه إدخال هذا الغير، حتى يحكم عليه بالضمان المحكوم به للمضرور. لكن يمكن أن يرفع المضرور دعوى الضمان إبتداءً على الغير مرتكب الفعل الضار ، فإن حصل منه على التعويض لم يكن هناك محل للرجوع بعد ذلك على أحد .
ويبين من النص المتقدم أن المسئولية عن فعل الغير تشمل صورتين هما : مسئولية متولي الرقابة عمن هم في رقابته ، ومسئولية المتبوع عن أفعال تابعه .

الفرع الأول فعل الخاضع للرقابة

أجازت الفقرة (1/أ) من المادة (313) من قانون المعاملات المدنية الإماراتي للقاضي أن يلزم بأداء الضمان المحكوم به على من أوقع الضرر كل من وجب عليه قانوناً أو اتفاقاً رقابة شخص في حاجة إلى الرقابة بسبب قصره أو حالته العقلية أو الجسمية إلا إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة أو أن الضرر كان لابد واقعاً ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية .
وهذا النص يبين شروط مسئولية المكلف بالرقابة وأساسها وكيفية دفعها ، ونتناول ذلك في فقرتين مستقلتين :

أولاً : شروط تحقق مسئولية متولي الرقابة

يلزم لقيام مسئولية متولي الرقابة توافر شرطين هما :
1- تولي شخص الرقابة على شخص آخر .
لا تتحقق هذه المسئولية إلا إذا وجد شخص ملزم بالرقابة على شخص آخر بحاجة لها .

أ- الشخص الملزم بالرقابة .

لم يحدد القانون الإماراتي المكلفين بالرقابة الذين يسألون عن أفعال من هم في رقابتهم على سبيل الحصر . كما لا يكفي لقيام هذا النوع من المسئولية أن يتولى شخص بالفعل رقابة شخص آخر ، بل يجب أن يكون ملزماَ بهذه الرقابة بناء على نص قانوني أو على اتفاق . ومن أمثلة الرقابة القانونية رقابة ولي النفس على القاصر أو المريض عقلياً (1)، في حين يمثل للرقابة الاتفاقية برقابة معلم المدرسة أو المشرف في الحرفة على من تحت إشرافهم من القصر ، رقابة مدير مستشفى الأمراض العقلية على مرضاه ، ورقابة الممرضة التي يتعاقد معها المعاق جسدياً للعناية به .

والالتزام بالرقابة قد لا يثبت في ذمة شخص واحد على الدوام ، بل يمكن أن ينتقل من شخص لآخر ، فكل من تجب عليه في وقت ما تربية من يحتاج لذلك من الغير ، توجيهه ، متابعة وضبط سلوكه والإشراف عليه ، يكون هو المسئول عن النتائج الضارة لأفعاله . فالقاصر يكون في بيته في رقابة ولي النفس عليه ، وهو أبوه أو كل من يعهد له بتربيته وتقويم سلوكه من جد ، أخ أكبر،عم أو أم ، سواء وجبت الرقابة عليها قانوناً لكون الصغير في حضانتها بعد طلاقها ، أو ثبتت لها باتفاق ضمني لغياب زوجها في سفر أو نحوه . في حين يدخل القاصر في رقابة المسئول عن المدرسة طوال الفترة التي يقضيها فيها أو توابع هذه الفترة ، كما في وقت الذهاب من وإلى المدرسة إذا كان ذلك في واسطة نقل تابعة لها أو وقت الرحلات التي تنظمها المدرسة . كما تنتقل الرقابة على القاصر إلى رب العمل أثناء أداءه العمل لمصلحته .

وتنتقل رقابة المرأة القاصر عند زواجها من وليها إلى زوجها ، ما لم يكن الزوج نفسه بحاجة للرقابة لكونه قاصراً مثلاً ، حيث يكون هو وزوجته عندئذ في رقابة وليه ، ما لم تنتقل الرقابة من الولي إلى الغير كالمدرسة .
كما تنتقل الرقابة على المريض عقلياً من ولي النفس إلى مدير المصحة أو مستشفى الأمراض العقلية الذي يودع فيه . وتنتقل الرقابة على المعاق جسدياً من وليه إلى دار رعاية المعاقين أو دار رعاية العجزة ، في الفترة التي يقضيها في الدار .

ب- الشخص الخاضع للرقابة .

الإلزام بالرقابة أساسه وجود شخص بحاجة إلى هذه الرقابة . والحاجة إلى الرقابة أسبابها عديدة ، غير أن المشرع الإماراتي قد حصر أسبابها التي تؤدي إلى سريان أحكام المسئولية عن فعل الغير بما يلي : القصر ، الحالة العقلية ، والحالة الجسمية . أما إذا كانت الحاجة إلى الرقابة راجعة إلى سبب آخر ، فلا محل لإعمال هذا النوع من المسئولية ، فإدارة السجن مثلاً غير مسئولة عن الأفعال الضارة للسجناء ، مع أنها ملزمة قانوناً بحراستهم والرقابة عليهم (2).
والقاصر ، في مفهوم القانون الإماراتي هو كل من لم يبلغ سن الرشد وهي إحدى وعشرين سنة قمرية كاملة (2). ولا يهم بعد ذلك أن يكون ذكراً أم أنثى ، يعتمد في معيشته على وليه أم استقل عنه في ذلك ، يشاطره السكن أم لا .
فإن بلغ القاصر سن الرشد ، سقط التزام وليه بالرقابة عليه ، وإن كان أنثى لم تتزوج بعد، أو مازال في مرحلة التعليم ، أو يعيش في كنف ذويه ، حيث تمتنع بعد ذلك مساءلة أحد عن أفعاله الضارة التي سيسأل عنها شخصياً ومنفردا . كل ذلك ما لم يظل من بلغ سن الرشد بحاجة إلى الرقابة بسبب حالته العقلية كالمجنون والمعتوه ومن في حكمهما ،أو الجسمية كفاقد البصر أو المشلول أو كبير السن الذي تصعب حركته . فهؤلاء يسأل عن أفعالهم الضارة كل من يلزم بالرقابة عليهم قانوناً أو اتفاقاً .

2- صدور فعل ضار بالغير ممن هو تحت الرقابة .

لا تقوم مسئولية متولي الرقابة إلا إذا صدر فعل ضار بالغير ، مباشرة أو تسبباً ، ممن هو تحت الرقابة ، بل أن هذه المسئولية لا تثار إلا بعد الحكم على من هو تحت الرقابة ، لأن هذه المسئولية في القانون الإماراتي كما رأينا مسئولية تبعية احتياطية . ويؤكد ذلك بشكل واضح نص الفقرة الثانية من المادة (313) من القانون ، فقد جاء فيه ( ولمن أدى الضمان أن يرجع بما دفع على المحكوم به ) .
أما إذا وقع الفعل الضار على الخاضع للرقابة نفسه ، فلا محل لإعمال أحكام المسئولية عن فعل الغير ، كما لو تسمم الصغير بعد تناوله طعاماً ملوثاً في مقصف المدرسة ، أو أضر الخاضع للرقابة بنفسه وهو يعبث بآلة حادة ، ويمكن في هذه الأحوال إعمال الأشكال الأخرى للمسئولية بشروطها .

ثانياً : أساس مسئولية متولي الرقابة وكيفية دفعها

طبقاً للمادة (313/1/أ) من قانون المعاملات المدنية فإن أساس مسئولية متولي الرقابة هو تقصيره المفترض . ولتوضيح ذلك لابد من ملاحظة ما يلي :

إن إلزام متولي الرقابة بالضمان لا يقوم على أساس مباشرته الضرر بالغير ، بل لتسببه فيه بوساطة الخاضع للرقابة . لذا وجب لقيام مسئولية متولي الرقابة توافر شروط مساءلة المتسبب عن فعله الشخصي ، وهي التعمد أو التعدي أو الإفضاء إلى الضرر ، على ما سبق بيانه . لذلك اشترط التقصير لقيام مسئولية متولي الرقابة ، والتقصير من صور التعدي .
كان من المفروض ، وفقاً للقواعد العامة في الإثبات ، أن يقيم المضرور بصفته المدعي في دعوى ضمان الفعل الضار البينة على دعواه ، بإثبات أركان المسئولية من إضرار بشروطه وضرر وعلاقة سببية بينهما . ولكن رغبة من المشرع في توفير المزيد من الحماية للمضرور ، وتقديراً منه لصعوبة إثبات تقصير متولي الرقابة ، فقد أعفى المشرع المضرور من عبء إثبات هذا التقصير ، عندما افترض هذا التقصير في جانب متولي الرقابة بمجرد إثبات المضرور الضرر الذي تعرض له بفعل الخاضع للرقابة .
لأن مسئولية متولي الرقابة جاءت خروجاً عن الأصل القاضي بعدم مساءلة الشخص عن فعل غيره ، فقد أحاطها المشرع الإماراتي بشروط تجعلها ضعيفة . وبدا ذلك واضحاً من افتراضه تقصير متولي الرقابة فرضاً بسيطاً قابلاً لإثبات العكس . فسمح بذلك لمتولي الرقابة أن يتخلص من المسئولية وذلك بأحد أمرين :
نفي التقصير عن نفسه ، بإثبات قيامه بواجب الرقابة بما ينبغي فيه من عناية الشخص الحريص .
إثبات أن الضرر مما لا يمكن التحرز منه ، لأنه واقع حتماً ولو قام بواجب الرقابة بما ينبغي من العناية ، فيتساوى عندئذ تقصيره من عدمه ، فلا يبقى وجه لتضمينه .

والفرق بين الحالتين واضح ، ففي الحالة الأولى ينصب تدخل متولي الرقابة على السلوك بأن ينفي عن نفسه التقصير بتقديم إثبات إيجابي على قيامه بواجب الرقابة ، كما لو أثبت الأب حسن تربيته وتأديبه لولده ومتابعته له بشكل حثيث ، وفي الحالة الثانية ينصب التدخل على النتيجة أي الضرر الذي ألحقه الخاضع للرقابة بالغير وليس على سلوك متولي الرقابة ، فهو لا ينفي عن نفسه التقصير ، بل يثبت أن الضرر لم تكن لتمنع وقوعه الرقابة على فرض القيام بها على أكمل وجه ، كما إذا كان قد وقع فجأة

4- ختاماً

نحن نعتقد أن إقامة مسئولية متولي الرقابة على تقصير مفترض فرضاً قابلاً لإثبات العكس ، إذا كان يناسب التشريعات المتأثرة بالفقه الغربي ، التي لا تحفظ لديها على مساءلة الشخص مسئولية أصلية عن فعل غيره ، جزاء على تفريطه في واجب الرقابة ، فهو لا يناسب البتة الطبيعة الإستثنائية والتأمينية لهذه المسئولية في القانون الإماراتي .
ففي هذا القانون يسأل الخاضع للرقابة شخصياً عن فعله الضار ، أما إلزام متولي الرقابة بالضمان المحكوم به على الخاضع لها ، فلا يقوم على معنى المسئولية التي ترتبط بوجود سلوك منحرف ، بل بمعنى أداء الواجب ، وهو التعويض(1) ،على سبيل الكفالة القانونية ، حماية للمضرور من إعسار الخاضع للرقابة وعدم قدرته على أداء دين التعويض . ومثل هذه الغاية لا يناسبها ربط إلزام متولي الرقابة بالضمان بتقصيره في واجب الرقابة ، أو السماح له بالتخلص من هذا الواجب بنفي التقصير عن نفسه ، لأنه ذلك قد يبقي المضرور دون ضمان عند عدم ثبوت التقصير أو نفيه . لذلك كان يجب إلزام متولي الرقابة بالضمان ، حال إملاق الخاضع للرقابة ، في كل الأحوال استناداً لفكرة الكفالة ، ودون ربط الأمر بتقصير متولي الرقابة ولو المفترض ، تماماً كما هو عليه الحال في مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه .

من ناحية أخرى ، فإن إقامة مسئولية متولي الرقابة على التقصير المفترض في واجب الرقابة وكجزاء لهذا التقصير ، لا تستقيم مع إعطائه الحق في الرجوع في جميع الأحوال على الخاضع للرقابة بما أداه من ضمان . لأن هذا الرجوع يحول بين الجزاء وهدفه في العقاب والردع وتقويم السلوك ، ولهذا يجب أن يكون شخصياً يتحمله متولي الرقابة في ذمته ولا يرجع به على أحد . أما لو ألزمنا متولي الرقابة بالضمان دون ربط ذلك بالتقصير ، وعلى أساس فكرة الكفالة ، فلا تناقض بعد ذلك في السماح له بالرجوع بما أداه على الخاضع للرقابة المدين المكفول (2).
لذلك كان على المشرع الإماراتي ن تأسيساً لمسئولية متولي الرقابة أن يختار بين فكرتين لا يمكن الجمع بينهما كما فعل : فكرة التقصير المفترض ، ويكون عندئذ من العدل أن يسمح لمتولي الرقابة بالتخلص من الضمان بنفي التقصير عن نفسه، عن طريق إثبات قيامه بواجب الرقابة أو أن الضرر لابد واقعاً وإن قام بهذا الواجب . فإن عجز عن ذلك ألزم بالضمان ، دون أن يكون له الحق في الرجوع بما أداه على الخاضع للرقابة ، لأن الضمان سيكون جزاءً لتقصيره ومسئوليته الشخصية . أو فكرة الكفالة بنص القانون ، وهذا الذي نرجحه ، وعندئذ يلزم متولي الرقابة بالضمان في كل الأحوال ، ولكن يجيز له الرجوع على الخاضع للرقابة بما أداه للمضرور ، مع السماح له بالتخلص من واجب دفه الضمان بنفي التقصير عن نفسه .

الفرع الثاني فعل التابع

أجازت الفقرة (1/ب) من المادة (313) من قانون المعاملات المدنية الإماراتي للقاضي أن يلزم المتبوع بأداء الضمان المحكوم به على تابعه الذي أوقع الضرر بشرطين أساسيين سنبحثهما في فقرة أولى قبل أن نبين في فقرة ثانية أساس مسئولية المتبوع عن أفعال تابعه وكيفية دفعها .

أولاً : شروط مسئولية المتبوع عن أفعال تابعه

يجب لتحقق هذه المسئولية توافر شرطين هما : قيام علاقة تبعية ، ووقوع فعل ضار من التابع في حال تأدية وظيفته أو بسببها .

1- قيام علاقة تبعية .

توجد رابطة التبعية إذا كان لشخص ، ويدعى ( المتبوع ) ، سلطة فعلية في رقابة وتوجيه شخص آخر، ويدعى ( التابع ) ، الذي يقوم بعمل معين لحساب المتبوع لا لحسابه الشخصي. وهي سلطة تنصب على العمل ذاته لا على من يؤديه . وهذه العلاقة تتحلل إلى عنصرين هما:

أ- سلطة فعلية للمتبوع على التابع .

وهذه السلطة قد يكون مصدرها القانون ، كعلاقة الموظف بالدولة ، أو العقد ، كعلاقة العامل بصاحب العمل أو علاقة خدم المنازل ومن في حكمهم من سائق خصوصي أو طباخ أو مربية أطفال بمخدوميهم .
على أنه لا يشترط لقيام علاقة التبعية وجود مصدر مشروع ، إذ يكفي وجود سلطة فعلية وإن لم تكن شرعية ، بأن كان العقد الذي يربط التابع والمتبوع عقد باطل ، أو حتى لو كان التابع يزاول هذه السلطة دون عقد من الأصل ، كما لو كلف شخص ولده بالقيام بالعمل لحسابه ، أو غصباً كما لو سخَّرت الدولة أشخاصاً للعمل لمصلحتها إجباراً (1). وتقوم علاقة التبعية وإن كان التابع مفروضاً على المتبوع،ولم يكن له حرية اختياره أو إمكانية فصله أو تغييره. فلو أضر عسكري بالغير ، أثناء أداء خدمته العسكرية الإلزامية ، فإن وزارة الدفاع تسأل عن فعله مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه على الرغم من أنها لم تكن وراء اختياره(2).
أما إذا غابت السلطة الفعلية ، فلا يسأل الشخص عن فعل غيره ، لذلك لا تسأل الدولة عن الضرر الذي يسببه عامل إحدى الشركات ، رغم أنها أذنت له بدخول أراضيها ، كما لا يسأل المؤجر عن الأفعال الضارة للمستأجر ، رغم إنه قد أدلى له بصلاحية استعمال المأجور .

ب- سلطة في الرقابة والتوجيه .

ومؤدى الرقابة والتوجيه أن يكون للمتبوع سلطة إصدار الأوامر التي توجه التابع في عمله، وسلطة الرقابة على تنفيذه لهذه الأوامر ، ومحاسبته على الخروج عليها . فالعامل يخضع في أدائه لعمله لرقابة وتوجيه رب العمل ، في حين أن المقاول يعمل مستقلاً ولا يخضع في تنفيذه لعمله لرقابة من أحد ، عليه يسأل رب العمل عن الفعل الضار للعامل ولا يسأل عن الفعل الضار للمقاول .
ولا يشترط لوجود هذا العنصر أن يكون للمتبوع سلطة الرقابة والتوجيه من الناحية الفنية ، بل يكفي أن تكون الرقابة إدارية تنظيمية . فمالك المستشفى الخاص يسأل عن أفعال الأطباء المتعاقدين معه رغم أنه قد لا يكون طبيباً ولا يستطيع أن يوجه الأطباء ويراقبهم في أدائهم لأعمال الرعاية والعلاج ، إذ يكفي أن تكون له سلطة إدارة المستشفى وتنظيم العمل فيها . فإن فقد مالك المستشفى حتى سلطة الرقابة والتوجيه الإداري ، انعدمت علاقة التبعية ولم يسأل عن أعمال الأطباء . بناء عليه لا يسأل مالك المستشفى عن الأفعال الضارة للطبيب الخاص الذي يعمل مستقلاً ويقتصر تعاقده مع المستشفى على حجز غرفه لإجراء عملية جراحية لأحد مرضاه ، لأنه ليس تابعاً له (1).

ويجب أن تكون الرقابة بصدد عمل معين يقوم به التابع لمصلحة المتبوع ، فلا تكفي الرقابة العامة أو التوجيه المطلق دون أن يتضمن إصدار الأوامر والتوجيهات بصدد عمل بعينه . فالأب ملزم بالرقابة على ابنه القاصر في عموم حياته وتصرفاته ، غير أن هذه الرقابة لا تقوم بها مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه ، وإن أمكن أن تترتب عليها مسئولية متولي الرقابة على القاصر ومن في حكمه . أما إذا عمل الابن في مصنع أبيه مثلاً ، فإنه يكون تابعاً له في حدود هذا العمل ، ويسأل الأب عن أفعاله الضارة مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه (2).
فإن وجدت السلطة الفعلية في الرقابة والتوجيه قامت علاقة التبعية بصرف النظر عما إذا كان التابع يؤدي عمله بأجر أو بدونه . فالجمعية الخيرية تسأل عن الأفعال الضارة لتابعيها من المتطوعين في تقديم خدماتها ما داموا يخضعون في تقديمهم لتلك الخدمات لرقابتها وللتوجيهات الضابطة للعمل فيها .
ولأن قوام علاقة التبعية هو السلطة الفعلية في الرقابة والتوجيه ، فإنه لا مانع من أن تثبت صفة المتبوع عرضاً لمن تنتقل له هذه السلطة مؤقتاً.فلو أجر شخص سيارته مع سائقها، يكون المستأجر متبوعاً عرضياً فيسأل عن أفعال التابع طوال مدة عقد الإيجار وعقد الإعارة (3). ولا مانع أيضاً من أن تثبت صفة المتبوع لأكثر من شخص على التعاقب ، فالعتال أو الخادم الذي يعمل في اليوم الواحد لأكثر من شخص يكون تابعاَ لرب العمل أو المخدوم أثناء قيامه بالعمل لمصلحته (4) .

2- وقوع فعل ضار من التابع حال تأدية الوظيفة أو بسببها .

لا يسأل المتبوع عن جميع الأفعال الضارة للتابع ، إذ تتحدد مسئوليته بالأفعال الضارة المرتبطة بالعمل الذي يؤديه التابع لمصلحته ، ويتحقق هذا الإرتباط عندما يلحق التابع ضرراً بالغير أثناء تأدية العمل لمصلحة المتبوع أو بسبب ذلك العمل .

وقوع الفعل الضار حال تأدية الوظيفة .

ومفاده أن يقع الفعل الضار من التابع وهو يقوم بعمل من أعمال وظيفته ، كأن يسقط العامل ، أثناء قيامه بالبناء لصالح رب العمل ، حجراً في الطريق العام ، فيصيب أحد المارة، أو يصدم سائق سيارة أحد المشاة أثناء توزيعه منتجات المصنع الذي يعمل فيه على المحال التجارية .
وفي هذه الحالة يسأل المتبوع ولو الحق التابع الضرر بالغير متعمداً ، أو لم يكن يتصرف بناءً على تعليمات من متبوعه ، طالما أن الفعل الضار وقع حال تأدية الوظيفة (1)، ما لم يكن قد تجاوز بفعله حدود هذه الوظيفة . فلا تسأل جهة العمل عن نتائج الحريق الذي تسبب فيه العامل في مكان العمل لجلب الانتباه إلى النقص في احتياطات الأمان (2).

وقوع الفعل بسبب الوظيفة .

قد يسأل المتبوع عن الأفعال الضارة لتابعه رغم أنها لم تصدر عنه حال تأدية وظيفته ، متى كانت هناك علاقة سببية مباشرة بين الفعل الضار والوظيفة ، بحيث ما كان التابع ليرتكبه ، أو ما كان ليفكر في ارتكابه لولا هذه الوظيفة .
فلو ترصد عامل لرئيسه في العمل قاصداً إيذائه اعتقاداً منه أنه يضطهده ، وعندما خرج من بيته اقترب منه متظاهراً برغبته في مصافحته وطعنه بسكين ، كان رب العمل مسئولاً عن فعل العامل ، لأنه لولا الوظيفة لما كان العامل بقادر على الاقتراب من رئيسه بهذا الشكل وطعنه . ولو اعتدى الخادم على شخص كان يتشاجر مع مخدومه ، لسؤل المخدوم عن فعل الخادم الذي لولا وظيفته لما فكر في ضرب المعتدي على سيده (3).
أما إذا كان تصرف التابع معزولاً عن الوظيفة ، بأن لم يرتكب أثناء الوظيفة ولا بسببها ،
فلا يسأل المتبوع عن النتائج الضارة لهذا التصرف . فالشركة غير مسئولة عن حادث المرور الذي يرتكبه تابعها غير المرخص له باستعمال سيارتها لأغراض شخصية خارج أوقات الدوام الرسمي .

ثانياً : أساس مسئولية المتبوع وكيفية دفعها

قلنا أن هذا المسئولية تشترط وجود سلطة فعلية للمتبوع في الرقابة والتوجيه ، ومقصود هذه السلطة ليس ضبط سلوك التابع والحيلولة دون إلحاقه الضرر بالغير ، كما هو عليه الحال في مسئولية متولي الرقابة على من هو بحاجة لها بسبب قصره أو حالته الجسمية أو العقلية ، بل أن غايتها ضمان حسن أدائه العمل وتنظيمه لمصلحة المتبوع .
لهذا أقام القانون الإماراتي مسئولية متولي الرقابة على فكرة التقصير في واجب العناية والرقابة ، وإن كان المشرع ، وعلى ما سبق بيانه ، قد افترض التقصير رعاية للمضرور وتخفيفاً لعبء الإثبات عليه (1) . وبالمقابل لم يعر القانون الإماراتي للتقصير بالاً في تنظيمه لمسئولية المتبوع عن أفعال تابعه ، فلم يرد في نص المادة (313/1/ب) أدنى إشارة إلى هذا التقصير ثابتاً كان أم مفترضاً.

وقد يظهر للبعض من هذا الإعتبار أن أساس مسئولية المتبوع عن أفعال تابعه هي فكرة الغرم بالغنم ، فعلى المتبوع أن يتحمل نتائج النشاط الضار لتابعيه بمقابل انتفاعه من نشاط هؤلاء . غير أن هذا التأسيس يتنافى مع ما كفله المشرع الإماراتي للمتبوع من الرجوع على التابع بما أداه للمضرور من ضمان ، إذ ليس من العدل أن يغنم المتبوع مرتين ، مرة من عمل التابع الذي غرم مقابله الضمان ، ومرة برجوعه على الأخير بما أداه للمضرور .
لكل ذلك يكون من المناسب القول بأن مسئولية المتبوع عن أفعال تابعه تقوم على فكرة الكفالة بنص القانون ، التي من شأنها أن تجعل المتبوع ملزماً بسداد دين التعويض بدلاً عن المدين ، ليرجع به بعد الوفاء على المدين الأصلي الذي هو التابع محدث الضرر (2).
(1) أنظر في ذلك ، المذكرة الإيضاحية لقانون المعاملات المدنية الإماراتي ، مرجع سابق ، ص 311-312 .

(2) المرجع ذاته ، ص 312 .

(1) محمد شريف ، مرجع سابق ، ص236 . ويذهب بعض فقهاء الشريعة المعاصرون إلى إمكان إسناد المسئولية عن فعل الغير إلى بعض المصادر النصية ، من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام ( ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته … ) ، ومن ذلك أيضاً بعض الوقائع التي تحمل فيها بيت المال دية من قتله الجند خطأ قبل أن يتبين إسلمه ، باعتبار القاتل عاملاً للدولة عليها أن تتحمل نتيجة خطئه. أنظر في ذلك ، مصطفى الزرقا ، مرجع سابق ، ص38 ،43 ، 160 .

(1) أنظر في ذلك ، مصطفى الجمال ، مرجع سابق ، ص563، 564 .

(1) الولاية على نوعين : ولاية على المال ، وهي سلطة الشخص شرعاً وقانوناً في التصرف بمال غيره ، وهي تنحصر في القانون الإماراتي بالأب ثم الجد الصحيح ، وولاية على النفس ، وهي سلطة الشخص في تربية غيره ورعايته وتوجيه وضبط سلوكه . والمسئول عن الأفعال الضارة للصغير أو من في حكمه هو ولي النفس ، الذي قد يكون هو ذاته ولي المال كما يمكن أن يكون غيره.

(2) السنهوري ، الوسيط ، ج1 ، ف666،ص996 .

(2) المادة (85/2) من قانون المعاملات المدنية . ويلاحظ أن المحكمة الإتحادية العليا الإماراتية قد رفضت طعن أب بعدم مسئوليته عن الضرر الذي سببه ولده بحجة أنه قد بلغ جسدياً بتجاوزه سن البلوغ الجسدي في المذهب المالكي التي هي خمسة عشرة سنة ، وأشارت إلى أن نصوص القانون يفسر بعضها بعضاً ، فالقاصر في القانون الإماراتي هو من لم يبلغ سن الرشد التي هي إحدى وعشرين سنة قمرية ، ولا علاقة لذلك بالبلوغ الجسدي . ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟

(1) محمد سراج ، مرجع سابق ، ص 138 .

(2) أنظر في ذلك ، مصطفى الجمال ، مرجع سابق ، ص 567 ، 568 .

(1) عبد الخالق حسن ، مرجع سابق ، ص 322 ، وأحكام القضاء المصري التي يشير إليها ، هامش (1) .

(2) وقد أصرت القوانين ومنها قانون المعاملات المدنية على تأكيد أن مسئولية المتبوع عن أفعال تابعه تقوم ولو لم يكن حراً في اختياره ، إظهاراً منها لفساد تبرير الاتجاه الفقهي قديماً لهذه المسئولية على أساس أن إلحاق التابع الضرر بالغير يدل على خطأ المتبوع في اختيار شخصاً غير مناسباً ليكون تابعاً له ، فعليه أن يتحمل وزر خطئه في الاختيار .

(1) ولكن مع ذلك يسأل عن أفعال تابعيه من الأطباء إذا أشرفوا على عمل ذلك الطبيب الخاص ، أو أفعال الطاقم التمريضي العامل في المستشفى ، أنظر في ذلك ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

(2) إسماعيل غانم ، في النظرية العامة للالتزام ، ف246 ، ص 437 ، أنور سلطان ، مصادر الالتزام في القانون المدني الأردني ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، ؟؟؟؟؟ ، ص 336 ،

(3) سليمان مرقس ، موجز أصول الالتزامات ، ف440 ،ص449 ، نبيل سعد ،النظرية العامة للالتزام ، دار النهضة العربية للطباعة والنشر ، بيروت ، 1995 ،ص30 .

(4) السنهوري ، الوسيط ، مرجع سابق ، ف679 ، ص 1022 .

(1) محمد شريف ، مرجع سابق ، ص 241 .

(2) أنظر نقض فرنسي ، هيئة عامة ، في 17/11/1985 ، دورية دالوز ، 1985 ، ص 81 ، ملاحظات أوبير .

(3) محمد شريف ، مرجع سابق ، ص242 ، نبيل سعد ، مرجع سابق ، ص 390 . وفي تفصيل الموضوع أنظر ، عدنان سرحان ونوري خاطر ، مرجع سابق ، ص504- 505 ، ومراجع القانون الفرنسي المشار إليه في الهامش .

(1) راجع تحفظنا على هذا الأساس في القانون الإماراتي ، ص ؟؟؟؟ .

(2) وهذا هو التوجه الحديث في القانون الفرنسي ، أنظر ، روديير ، المسئولية المدنية ، ف 1973 ، ومن هذا الرأي في الفقه العربي ، راجع ، الزرقا ، مرجع سابق ، 161 ، مصطفى الجمال ، مرجع سابق ، ص 577 ، 578 .

المطلب الثاني جناية العجماء

يحكم الفعل الضار للعجماء أصلان في الفقه الإسلامي : أولهما ، أن جناية العجماء ، أي الضرر الذي تحدثه بالغير ، هدر لا ضمان فيه . فلو أطلقت الحيوانات لترعى سائبة في المراعي العامة ، فأضرت إحداها بالأخرى ، فلا أحد يضمن هذا الضرر . وثانيهما ، أن الأموال والأنفس مصونة في الإسلام ، فإن ثبت أن جناية العجماء كانت بتعد أو تقصير ذي اليد عليها ، أي صاحبها ، ضمن الأخير الضرر . وقد قنن المشرع الإماراتي هذين الأصلين في نص المادة (314) منه ، حيث جاء فيها : ( جناية العجماء جبار ولكن فعلها الضار مضمون على ذي اليد عليها مالكاً كان أو غير مالك إذا قصر أو تعدى ) .
وهذا النص يبين شروط المسئولية عن فعل العجماء ، وأساس هذه المسئولية ، ونتناول ذلك في فقرتين مستقلتين :

أولاً – شروط المسئولية عن فعل العجماء

يلزم لقيام المسئولية عن فعل العجماء توافر شرطين هما :

1- ثبوت اليد على العجماء .

لا تقوم هذه المسئولية إلا عند ثبوت اليد على العجماء لأحد من الناس :

اليـد .

يعبر باليد ، في الفقه الإسلامي والقانون الإماراتي ، عن السيطرة الفعلية لشخص ما على
العجماء (1). فالسيطرة الفعلية هي معيار اليد لتعلق ذلك مباشرة بتحركات العجماء الآنية .
والأصل أن تكون اليد على العجماء لمالكها ، فهو في العادة من يحوزها بما له عليها من حق الملكية الذي يخوله استعمالها واستغلالها والتصرف فيها . ولكن لا تلازم بين اليد والملكية ، فقد تكون الملكية لشخص واليد لشخص آخر ، فيكون الأخير هو المسئول عن ضرر العجماء لثبوت سيطرته الفعلية عليها ، بطريق مشروع كالإجارة والإعارة أو الإيداع لأغراض العلاج ، أو غير مشروع كالسرقة . إذ في الوقت الذي تسبب فيه العجماء ضرراً بالغير وهي تحت يد المستأجر، مضمر الإبل ، المستعير ، الطبيب البيطري الذي يتولى علاجها أو السارق ، يكون هو وليس المالك ضامناً لهذا الضرر(2). كما تبقى اليد لبائع العجماء قبل تسليمها إلى المشتري وإن انتقلت ملكيتها إلى الأخير بمجرد التعاقد .

وعلى خلاف ما تقرره القوانين المتأثرة بالفقه اللاتيني(3)، فإن المسئولية تقوم في حق من له السيطرة الفعلية على العجماء وإن كان يديرها ويوجهها لمصلحة غيره . فتابع المالك ، كسائس الخيل أو راعي الأغنام ، بما لديه من سيطرة فعلية تمكنه من منع ضررها بالغير، يضمن هذا الضرر ، إن قصر أو تعدى (1). وقد أكدت ذلك المذكرة الإيضاحية لقانون المعاملات المدنية وهي تبين موقف الفقهاء المسلمين الذي تأثر به المشرع الإماراتي عندما ذهبت تقول : ( وفي حالة المسئولية عن فعل الحيوان فالمسئول هو ذو اليد عليه مالكاً كان أو مستعيراً أو مستأجراً أو غاصبا فقد ذكروا أنه إذا كانت البهيمة في يد الراعي فأتلفت زرعا وهي في يده ضمن هو دون المالك …) (2).
ونحن نعتقد أن اليد على العجماء لا تحتاج في ثبوتها إلى التمييز ، فمتى ما مارس الصغير السلطة الفعلية على العجماء ، كان مسئولاً في القانون الإماراتي عن الضرر الذي تحدثه بالغير ، تماماً كما يسأل عن تعديه وتقصيره في ضمان فعله الشخصي (3).
أما العجماء التي لا يد لأحد عليها فضررها هدر لا ضمان فيه ، كالحيوانات التي لا مالك لها ، سواء كانت ما تزال في حالة الإباحة الأولية ، كالحيوانات في البرية ، أو تخلى عنها مالكها فأطلقها بقصد فقد ملكيتها والتخلص منها ، أو كانت حيوانات غير أليفة وتم ترويضها فألفت عادة الرجوع إلى مكانها المخصص ثم فقدت هذه العادة فصارت لذلك بغير مالك (4).
ويكون ضرر العجماء هدراً أيضاً ، رغم أنها مملوكة ، إذا كانت من الدواب المرسلة في رعيها، أي التي ترعى وحدها في المراعي العامة إن تصارعت مع غيرها من الحيوانات فأضرت بها، أو المنفلتة التي لا يكون معها أحد حيث يكون الانفلات عادة (5). فإذا جرت العادة في مكان معين أن تطلق الأبقار لوحدها في الشوارع تأكل من خشاش الأرض ، فلا يضمن ملاكها تجاوزها على ممتلكات الغير ، فالضرر هنا مما يجري العرف على التسامح فيه ، وجريان العرف يلزم الملاك أن يحافظوا على أموالهم من فعل هذه البهائم

العجماء .

وتعني الحيوان ، وهي كلمة جاءت في قانون المعاملات المدنية الإماراتي مطلقة ، عليه فهي تشمل كل أنواع الحيوان ، داجناً أم غير داجن ، أليفاً أم غير أليف ، مفترساً أم غير مفترس ، طليقاً أم مقيداً . وتندرج تحت ذلك جميع فصائل الدواب والحشرات والزواحف والطيور والأسماك .
ولا يشترط في الحيوان أن يكون خطراً حتى تقوم المسئولية عن فعله، على خلاف الشيء فيجب أن يكون خطراً يحتاج إلى عناية خاصة للوقاية من ضرره حتى يسأل صاحب اليد عليه (1). ولكن يجب أن يكون الحيوان حياً، أما الجيفة فلا تقوم بشأنها المسئولية عن فعل الحيوان، إلا إذا كانت تحتاج إلى عناية خاصة، فيمكن عندئذ أن تقوم بشأنها المسئولية عن فعل الأشياء(2) .

2- إحداث العجماء ضرراً بالغير .

المسئولية عن فعل العجماء تنصرف إلى ما تحدثه من ضرر بالغير . ويجب أن يكون الضرر راجعاً إلى تدخل إيجابي ، سواء حصل اتصال مادي بين العجماء ومحل الضرر أم لا. فقد ينهش الكلب ساق شخص، وقد يفلت حيوان مفترس من سيرك أو حديقة حيوان ويشيع الذعر في الناس فيسقط بعضهم ويجرح دون أن يمسه الحيوان، أو ينقل الحيوان عدوى إلى الغير، فالمسئولية قائمة في كل هذه الحالات. أما إذا لم يتوفر مثل ذلك العمل الايجابي،فلا تقوم المسئولية ، كما لو ارتطم المضرور وهو يركض دون انتباه بجسم الحيوان فسقط وجرح.
ويقصد بالغير الذي تقوم المسئولية عما ألحقه به الحيوان من ضرر، كل شخص عدا ذي اليد على الحيوان، وإن كان تابعاً لهذا الأخير(3). فمدرب الحيوانات في السيرك مسئول عن الضرر الذي تسببه لأحد مساعديه العاملين تحت إمرته، وتسأل إدارة حديقة الحيوان عن الضرر الذي يسببه أحد الحيوانات المفترسة لعامل الحديقة الذي يلقي إليها الطعام وهي في أقفاصها.

ثانياً – أساس المسئولية عن فعل العجماء

أساس المسئولية عن فعل العجماء تعدي أو تقصير ذي اليد عليها ، لعدم قيامه بواجب حفظ الحيوان وتقييده على النحو الذي يمنع أذاه عن الغير . والتعدي والتقصير هنا واجب الإثبات من المضرور ، تماماً كما هو عليه الحال في المسئولية عن الفعل الشخصي .
وهذا الأساس قرره القانون الإماراتي تطبيقاً للقواعد العامة في الإضرار . فللحيوان قدرة ذاتية على الفعل، لذلك فهو الفاعل المباشر للضرر، أما ذي اليد عليه فليس إلا متسبباً في ذلك الضرر، والمتسبب يحتاج لمساءلته ثبوت تعمده أو تعديه وتقصيره. ولأن فعل الحيوان ذاته هدراً إذ لا ذمة مالية له ولا إدراك، فلم يبق بعد ذلك إلا إلقاء المسئولية على ذي اليد عليه لتسببه في الضرر بتعديه أو تقصيره.
ولا يستطيع ذو اليد على الحيوان دفع المسئولية عن نفسه إلا بإثبات السبب الأجنبي الذي يقطع العلاقة السببية بين تعديه أو تقصيره وبين الضرر، كأن يثبت بأن المضرور هو الذي استفز الحيوان وتحرش به ، أو أنه دخل خلسة إلى مزرعة ، وعند فتح الصناديق التي تحتوي على خلايا النحل لسرقة العسل لدغته الحشرات .

المطلب الثالث انهيار البناء

تنص المادة (315) من قانون المعاملات المدنية على أن : ( 1- الضرر الذي يحدثه للغير انهيار البناء كله أو بعضه يضمنه مالك البناء أو المتولي عليه إلا إذا ثبت عدم تعديه أو تقصيره . 2- ولمن كان مهدداً بضرر يصيبه من البناء أن يطالب المالك باتخاذ ما يلزم من التدابير الضرورية لدرء الخطر فإن لم يقم المالك بذلك كان للقاضي أن يأذن له في اتخاذ هذه التدابير على حساب المالك ) .
يتضح من هذا النص أنه لابد لقيام المسئولية عن تهدم البناء من توافر شروط نفصلها في فقرة أولى ، قبل أن نبين أساس هذه المسئولية في فقرة ثانية .

أولاً- شروط المسئولية عن تهدم البناء

شرطان لابد من توفرها لقيام هذه المسئولية وهما :
1- ثبوت اليد على البناء .
لا تقوم المسئولية إلا بثبوت اليد على البناء .
أ- اليـد .
ويقصد باليد السلطة الفعلية على البناء التي تمكن صاحبها من إقامة البناء وفقاً للأصول الفنية المعتادة وحفظ البناء أثناء إنشائه ، وصيانته وإصلاحه بعد إنشائه منعاً لتهدمه ، أو حتى نقضه وهدمه إن كان بحاجة لذلك ، توقياً للإضرار بالغير .
وتثبت اليد أصلاً على مالك البناء ، إذ بموجب حقه في الملكية يثبت له حق صيانة ملكه وإصلاحه ، كما يقع عليه واجب العناية بالبناء وصيانته حفظاً لحق الغير . ويقوم مقام المالك نائبه القانوني، كالولي على القاصر أو وصية أو القيم على المجنون ومن في حكمه ، أو نائبه الإتفاقي ، كالوكيل بإدارة البناء وإصلاحه . وفي العقارات الوقف ، حيث لا يوجد مالك ، يتحمل بهذا الالتزام المتولي على الوقف ، الذي يختاره الواقف أو تنصبه المحكمة لإدارة الوقف واستثماره وصيانته لمصلحة الجهة المستفيدة منه (1) .
وتقع المسئولية عن تهدم البناء على غير المالك ، في كل مرة يقع فيها عليه الالتزام الحفظ والصيانة والإصلاح ، كالبائع- الباني ، أو المقاول في العقارات تحت الإنشاء ، وبائع العقار قبل تسليمه للمشتري ، وإن انتقلت الملكية للمشتري بتسجيل عقد البيع في دائرة التسجيل العقاري ، وواضع اليد على البناء بقصد تملكه ، والدائن المرتهن رهناً حيازياً ، وأصحاب حقوق الإنتفاع والاستعمال والسكنى . أما من تنتقل له حيازة البناء دون أن يكون ملزماً بصيانته وإصلاحه ، كالمستأجر ، فلا يسأل عن النتائج الضارة لتهدمه .
ب- البناء .
البناء هو كل وحدة شيدتها يد الإنسان واتصلت بالأرض اتصال قرار(1) ، بصرف النظر عن المواد المشيدة بها ، كالإسمنت أو الطابوق أو الجير أو الطين أو الخشب ، أو مكان تشييدها ، فوق الأرض كالعمارات أو البيوت أو الجسور أو الطرق ، أو تحت الأرض كالأنفاق أو السراديب أو تمديدات ومصارف الماء والمجاري . وبصرف النظر عن الغرض الذي أعد من أجله البناء ، السكنى أو الإيداع أو ممارسة تجارة أو صناعة أو ممارسة مهنة حرة ، أو ما إذا كان مكتمل التشييد أو تحت الإنشاء .
ولا يدخل في مفهوم البناء الأراضي الفضاء ، ولا العقارات بالتخصيص كالمصاعد ، التي يمكن أن تطبق بشأن الضرر الذي تسببه للغير أحكام المسئولية عن فعل الأشياء .

2- انهيار البناء وإلحاقه ضرراً بالغير .

ويقصد بانهيار البناء تفككه وانفصاله عن بعضه البعض ، سواء كان الانهيار كلياً ، كسقوط العمارة أو الدار كلها ، أو جزئياً كسقوط سقف أو شرفة أو ميزاب أو حائط أو حتى حجراً من أحجاره أو قطعة من الإسمنت .
أما إذا ارتبط الضرر بالبناء ولكن لم يكن بسبب انهياره ، فلا تطبق قواعد هذا النوع من المسئولية ، كما لو نشأ الضرر عن شيء ألقي من نافذة البناء ، أو سقط شخص من أعلى غرفة لم يكتمل سقفها بعد ، أو سد البناء النور والهواء على الجيران .
كما لا تقوم هذه المسئولية إلا إذا حصل الانهيار فعلاً ، أما مجرد الخشية من التهدم ، فلا تكفي لقيامها ، ولكن تسمح لمن كان يتهدده ضرر من البناء أن يطلب من مالكه اتخاذ التدابير اللازمة لدرء الخطر ، فإن لم يتخذ المالك هذه التدابير ، كان للقاضي أن يأذن له في اتخاذها على حساب المالك . ويدخل هذا في باب التنفيذ العيني الإجباري للالتزام .
وتقوم المسئولية بشروطها عند إحداث انهيار البناء ضرراً بأي شخص من الغير ، أي غير المسئول ، وإن كان هذا الغير تابعاً للمسئول ، كالعامل لدى مقاول البناء المسئول عن تهدمه .

ثانياً- أساس المسئولية عن انهيار البناء

طبقاً للمادة (315/أ ) من قانون المعاملات المدنية فإن أساس المسئولية عن انهيار البناء ، هو التعدي أو التقصير المفترض لمالك البناء أو المتولي عليه . ولتوضيح ذلك لابد من ملاحظة ما يلي :

إن إلزام مالك البناء أو المتولي عليه بالضمان لا يقوم على أساس مباشرته الضرر بالغير ، بل لتسببه فيه بوساطة البناء نفسه . لذا وجب لقيام مسئولية متولي الرقابة توافر شروط مساءلة المتسبب عن فعله الشخصي ، وهي التعدي ، كإقامة البناء مائلاً في أصله إلى الطريق العام أو كانت له شرفة ممتدة فوق الطريق العام ، فسبب تهدمه ضرراً بأحد المارة ، أو التقصير ، كإهماله في صيانة البناء وإصلاحه مما سبب تهدمه .
تقديراً من المشرع لصعوبة إثبات تعدي أو تقصير مالك البناء أو المتولي عليه ، فقد أقام المسئولية بمجرد تحقق الانهيار دون حاجة إلى قيام المضرور بإثبات أن هذا الانهيار يرجع إلى تعدي المسئول أو تقصيره . فالمشرع الإماراتي قد أقام قرينة على تعدي مالك البناء أو المتولي عليه . وهي قرينة قائمة على الغالب من أن انهدام البناء يرجع عادة إلى عدم مراعاة الأصول الفنية في إقامته أو الإهمال في صيانته أو غض النظر عن قدمه قدماً يستوجب إزالته (1).
افتراض التعدي أو التقصير في جانب مالك البناء أو المتولي عليه يقتضي عدلاً ومنطقاً السماح له بنفيه عن نفسه . لذلك سمح المشرع له بالتخلص من المسئولية إذا أثبت عدم تعديه أو تقصيره . كما لو أثبت أنه قام بواجب الصيانة بما يقتضيه من العناية ، أو أن البناء جديد ولا يحتاج إلى إصلاح أو صيانة .

كما يمكنه نفي المسئولية عن طريق إثبات السبب الأجنبي ، كفعل المضرور ، كما لو قام الجار بأعمال حفر ترتب عليها تهدم جدار جاره إلى ناحيته وتعرضه للضرر بفعله ، أو فعل الغير، كما لو تهدم البناء بفعل انفجار أنبوب الغاز العائد لشركة الغاز والمار بقرب البناء، أو القوة القاهرة ، كما لو انهار البناء بسبب زلزال أو إعصار .

المطلب الثالث فعل الأشياء

تنص المادة (316) من قانون المعاملات المدنية على أن : ( كل من كان تحت تصرفه أشياء تتطلب عناية خاصة للوقاية من ضررها أو آلات ميكانيكية يكون ضامناً لما تحدثه هذه الأشياء أو الآلات من ضرر إلا ما لا يمكن التحرز منه . وذلك مع عدم الإخلال بما يرد في هذا الشأن من أحكام خاصة .
هذا النص يبين شروط المسئولية عن فعل الأشياء ، وهذا ما سنوضحه في فقرة أولى قبل أن نتصدى لبيان أساس هذه المسئولية .

أولاً- شروط المسئولية عن فعل الأشياء

يلزم لقيام المسئولية عن فعل الأشياء توافر الشرطين التاليين :
1- ثبوت اليد على الشيء .
لا تقوم هذه المسئولية إلا بثبوت اليد على الشيء .

أ- اليـد .

تستدعي هذه المسئولية ثبوت اليد على الشيء لشخص ما ، وقد عبر عنها القانون بعبارة ( كل من كان تحت تصرفه … ) . ولا يقصد بالتصرف هنا التصرف القانوني أي القدرة على نقل ملكية الشيء أو ترتيب حق عيني عليه لمصلحة الغير ، إنما يقصد بها السيطرة الفعلية على الشيء التي تمكنه من رقابته ، إدارته وتوجيهه ومنع الضرر الذي يمكن أن يلحقه بالغير .
واليد تكون في الأصل لمالك الشيء باعتباره من يحوزه ويسيطر عليه . لكنها يمكن أن تثبت أيضاً لغير المالك متى كانت له السلطة الفعلية على هذا الشيء ، سواء بطريق مشروع ، كالمستأجر ، الناقل ، القائم بالإصلاح ، المشتري بشرط التجربة بعد تسلمه المبيع ، البائع قبل تسليم المبيع للمشتري والصانع قبل تسليم الشيء المصنوع للمستصنع ، أو بطريق غير مشروع كالسارق .
ويلاحظ أن فقه القانون الوضعي يشترط في الشخص أن يدير الشيء ويتصرف فيه لمصلحته الخاصة لكي يكون حارساً له ويسأل عن الضرر الذي يسببه للغير . ويترتب على ذلك عدم ثبوت الحراسة لتابع المالك ، كالسائق الخاص ، الذي يقود السيارة لمصلحة المتبوع مالك السيارة الذي يبقى حارسها لأنه يحتفظ لنفسه بسلطة الإشراف عليها . ونحن نعتقد أن الموقف في القانون الإماراتي مختلف ، ففكرة اليد ، بمعناها المقرر في الفقه الإسلامي والقانون الإماراتي ، تثبت لكل من كان الشيء بيده وله عليه السيطرة الفعلية ، بصرف النظر عما إذا كان مالكاً له أو تابعاً للمالك .
وختاماً ، لا يشترط في القانون الإماراتي التمييز في ذي اليد على الشيء لكي يسأل عن الأضرار التي يسببها للغير ، فكل من الصغير والمجنون ، كما يسأل عن فعله الشخص ، فهو يسأل أيضاً عن فعل الشيء الموجود تحت سيطرته وتصرفه (1).

ب- الشيء .

لفظ الشيء هنا ينصرف إلى كل كائن مادي غير حي (2). غير أن قانون المعاملات المدنية الإماراتي قد حصر هذا النوع من المسئولية بالأشياء التي تحتاج إلى عناية خاصة للوقاية من ضررها أو الآلات الميكانيكية. والآلات الميكانيكية تعتبر شيئاً بالمعنى المراد في المادة (316) من هذا القانون بالإطلاق ، ولم يشترط لها القانون عناية خاصة لتقوم بفعلها المسئولية كما اشترط في غيرها ، فبسبب حركتها الذاتية افترض القانون حاجتها إلى العناية الخاصة ، أما الأشياء الأخرى فلا تعد شيئاً بالمعنى المراد في المادة أعلاه إلا إذا ثبت حاجتها لتلك العناية (2) .
والأشياء تحتاج إلى عناية خاصة ، بالنظر لطبيعتها ، كالآلات الميكانيكية ، الأسلحة المفرقعات ، المواد الكيماوية ، الأدوية ، الزجاج ، والتمديدات الكهربائية ، أو بالنظر إلى الظروف التي توجد فيها ، كالصخر إذا انحدر ، والشجرة إذا اقتلعتها الريح ورمت بها في عرض الطريق ، وأرضية المحل التجاري إذا كانت مبلولة أو ملوثة بمواد دهنية (3).
وإذا كان الشيء خطراً ويحتاج إلى عناية خاصة ، فلا يهم بعد ذلك أن يكون بحالة صلبة ، كبعض الأمثلة المتقدمة ، أو سائلة ، كما لو انفجر أنبوب ناقل للماء الساخن في مسبح وسبب حروق لأحد مرتاديه ، أو غازية ، كما لو أنفجر أنبوب ناقل للغاز فأدى إلى تهدم البناء وإيذاء ساكنيه ، أو كما لو تسربت الأشعة النووية من مفاعل نووي وأضرت بالعاملين فيه أو القاطنين بقربه .
كما لا يهم أن يكون الشيء منقولاً، أو عقاراً بطبيعته، كالأشجار والأرض إذا انخسفت والمباني، بشرط ألا يكون الضرر راجعاً لانهيار البناء، الذي تحكمه صورة خاصة من صور المسئولية هي المسئولية عن البناء، أو عقاراً بالتخصيص كالمصاعد الكهربائية. ولا نرى مانعاً من أن أجزاء الجسد البشري شيئاً، كما لو صدم سائق دراجة بكوع يده وهو يقبض على مقودها أحد المشاة فسقط وأصيب بجروح. فاليد هنا لم تضر ببطش صاحبها، بل تداخلت مع الدراجة وكانت تتحرك بحركتها، فأصبحت جزءاً ملتحماً بها يأخذ حكمها.
ولكن لا تقوم هذه المسئولية في حالة الأشياء غير المادية كالأفكار، ولا الأشياء المباحة التي ليست تحت ملك أو تصرف أحد.

2- وقوع الضرر بفعل الشيء .

المسئولية عن فعل الأشياء تقتضي تدخل الشيء إلحاق الشيء في إحداث الضرر للغير. وهذا التدخل يجب أن يكون إيجابياً، إما لكون الشيء في حالة حركة، كالسيارة التي تسير في الطريق أو الرصاصة التي تنطلق من السلاح، أو لكونه في وضع غير مألوف على الرغم من أنه في حالة سكون ، كالسيارة المتوقفة في عرض الطريق. أما إذا كان الشيء في حالة سكون وفي موضعه الطبيعي، فلا يكون له عندئذ تدخلاً سلبياً لا تقوم به المسئولية، كما لو ارتطم شخص بالسيارة وهي متوقفة على جانب الطريق في المكان المخصص للوقوف (1).
والتدخل الإيجابي للشيء يمكن أن يحصل باتصال مادي مباشر بينه وبين محل الضرر، كما يمكن أن يحصل بدون تماس بينهما، كما لو فزع طفل يعبر الشارع من المكان المخصص للعبور من سيارة مسرعة يقودها سائقها بتهور، فتتعثر خطواته ويسقط فيصاب بأذى .

ثانياً – أساس المسئولية عن فعل الأشياء

لا دور للسلوك غير القويم في مجال المسئولية عن فعل الأشياء ، فهي وعلى عكس سابقاتها من صور المسئولية في القانون الإماراتي ، لا تقوم على التعدي والتقصير، واجب الإثبات كان أم مفترضا . فما هو أساس هذه المسئولية إذاً ؟
أجابت على ذلك المذكرة الإيضاحية لقانون المعاملات المدنية الإماراتي بقولها (1) : ( ويلاحظ أن الآلة والأشياء المنوه عنها في المادة – 316- تختلف عن الحيوان، إذ الحيوان يتحرك بغير إرادة صاحبه أو المسيطر عليه ، فكان ما يحدث عنه من الضرر من قبيل التسبب بالنظر إلى صاحبه أو صاحب السيطرة عليه ، ولهذا وجب أن يكون الضرر الناشيء عن فعل الحيوان نتيجة تقصير وتعد كي يسأل عنه صاحبه . أما الآلة فليس لها حركة إلا بتحريك صاحبها فكان ما يحدث عنها من قبيل الضرر المباشر ، والمباشرة لا يشترط فيها التعدي … واستناداً إلى أن ما يحدث من هذه الأشياء والآلات من ضرر يضاف إلى من تحت تصرفه فضلاً عن قاعدة “الغرم بالغنم ” ونحوها صيغت هذه المادة ).

ونحن نعتقد بأن تقرير أن الضرر الذي تسببه الأشياء التي تحتاج إلى عناية خاصة أو الآلات الميكانيكية يعد من قبيل الإضرار بالمباشرة ، كمبرر لمساءلة من كانت هذه الأشياء تحت تصرفه في كل حال ، عدا ما لا يمكن التحرز منه ، أمر لا يصلح برأينا في كل الفروض .

فهناك من الأشياء ما يسيطر عليه صاحبه سيطرة مباشرة وكاملة ، بحيث لا تعود إلا وسيلة صماء للضرر لا تتحرك إلا بتحريكه ، كالسيارة أثناء قيادتها من سائقها ، فهي إن سببت ضرراً كان الإضرار من قبيل المباشرة ، وقامت مسئوليته دون حاجة لإثبات تعد أو تقصير من جانبه .

في حين أن أشياء أخرى لا يسيطر عليه صاحبه سيطرة مادية مباشرة ، وإن كانت له عليه سلطة الرقابة والإشراف والتوجيه غير المباشر ، كالطاقة الكهربائية ، أو أجهزة بيع المشروبات التي توضع في الأماكن العامة . فلو تضرر أحد من الأسلاك والتمديدات الكهربائية ، لا يمكن القول بأن شركة الكهرباء قد باشرت الإضرار بالغير ، لذلك فهي تعد مجرد متسببة فيه ، مما يقتضي لمساءلتها إثبات تعديها أو تقصيرها في الصيانة والرقابة على تلك الأجهزة ، أو على الأقل افتراض تقصيرها مع السماح لها بإثبات العكس(1).
عليه إذا كانت لدى المشرع رغبة في حماية المضرورين عن طريق مساءلة ذي اليد على الشيء في كل الأحوال دون ربط ذلك بصدور عدوان منه ، وهذا هو توجه القانون الإماراتي، فإننا يمكن أن نؤسس المسئولية عن فعل الأشياء على فكرة الغرم بالغنم ، وهي فكرة مقبولة في القانون الوضعي وفي الفقه الإسلامي . فمن كان الشيء تحت سلطته وتصرفه، كما ينتفع من هذا الشيء فيغنم، عليه في المقابل أن يتحمل نتائج الضرر الذي يسببه للغير فيغرم. وهذه الفكرة تجنبا تأسيس تلك المسئولية على فكرة المباشرة المنتقدة.

(1) وهي تقابل فكرة الحراسة في الفقه اللاتيني والقوانين المتأثرة به.
(2) وفي هذا تتفق فكرة اليد في الفقه الإسلامي والقانون الإماراتي مع فكرة الحراسة في الفقه اللاتيني والقوانين المتأثرة به ، فقد يقصد بالحراسة ، السيطرة القانونية على الشيء استناداً لحق عيني ، الملكية أو غيره ، بحيث يبقى المالك مسئولاً عن فعل الحيوان وإن سرق ، إلا أن هذا المعنى للحراسة قد هجر ولا يأخذ به أي من التشريعات الحديثة ، التي غلبت فكرة الحراسة الفعلية ، وهي تتفق مع فكرة اليد الإسلامية في إلقاء المسئولية على من له السلطة الفعلية ، مالكاً كان أم غير مالك .
(3) بحسب هذه القوانين أن سلطة الرقابة والإشراف التي يمارسها المتبوع على التابع تنفي عن الأخير صفة الحارس ، وتكون المسئولية على المتبوع ، فالحراسة تنتهي عندما تبدأ التبعية ، أنظر عدنان سرحان ونوري خاطر ، مرجع سابق ، ص 506 .
(1) يلاحظ هنا أنه لا مانع من مساءلة المالك ، ولكن استناداً لقواعد المسئولية عن فعل الغير ، الذي هو تابعه الراعي أو السائس ، وليس المسئولية عن فعل الحيوان .
(2) مرجع سابق ، ص 310 .
(3) وهذا هو الموقف في القانون الفرنسي ، منذ أن قضت محكمة النقض الفرنسية في عام 1984 ، بمسئولية الصغير باعتباره حارساً للشيء أو للحيوان المتسبب في الضرر ، ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
(4) المادة (1204) من قانون المعاملات المدنية .
(5) جاء في المذكرة الإيضاحية لقانون المعاملات المدنية : ( والسند في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبي هريرة : (( العجماء جرحها جبار )) رواه مسلم . والجبار الهدر والعجماء الدابة وفي بعض الروايات ” السائمة جبار” والسائمة هي الدابة المرسلة في رعيها . والعجماء فيما ذكره بعض العلماء الدابة المنفلتة التي لا يكون معها أحد حيث يكون الانفلات عادة )) ، مرجع سابق ، ص315 .
(1) حسام الدين الأهواني ، مصادر الالتزام غير الإرادية ، ص 218 .
(2) عبد الخالق حسن ، مرجع سابق ، ص339 .
(3) محمد شريف ، مرجع سابق ، ص247 .
(1) ذهبت المحكمة الاتحادية العليا إلى أن المسئول عن الضمان هو مالك البناء أو المتولي عليه كناظر الوقف إن كان البناء وقفاً وولي اليتيم والقيم على غير كامل الأهلية إن كان البناء له ، دون المستأجر والمستعير لعدم ولاية هذين في النقض والإزالة … ولما كان المقرر أن مالك البناء هو المطالب بتعهد ملكه وموالاته بأعمال الصيانة والترميم فإذا قصر في ذلك كان مسئولاً عن الضرر الذي يصيب الغير بهذا التقصير ولا يعفيه من المسئولية أن تكون شركة الصيانة قد التزمت قبله بأن تقوم بأعمال الترميم والصيانة اللازمة للبناء إذ على المالك إخلاء لمسئوليته إزاء الغير أن يتحقق من قيام شركة الصيانة بما التزمت به في هذا الشأن …) . إتحادية عليا ، الطعن 605 لسنة 20 قضائية في 18/10/2000 م ، مجموعة الأحكام ، مرجع سابق ، س 2000 ، المبدأ 225 ، ص 1322 .
(1) حادية عليا ، الطعن 605 لسنة 20 قضائية في 18/10/2000 م ، مجموعة الأحكام ، مرجع سابق ، س 2000 ، المبدأ 225 ،
ص 1322 .
(1) مصطفى الجمال ، مرجع سابق ، ص585 ، 586 .
(1) وهذا هو التوجه في القضاء منذ عام 1984 ، فقد أصدرت الهيئة الموسعة لمحكمة النقض الفرنسية حكماً أشارت فيه إلى أنه ليس هناك ما يمنع أن يكون الصغير حارساً للشيء يسأل عن ضرره بموجب قواعد المسئولية عن فعل الأشياء ، وأنه ليس على محكمة الموضوع ، في سبيل تقرير هذه المسئولية ، أن تبحث فيما إذا كان الحارس مدركاً لأفعاله أم لا . أنظر حكمها في 9/مايو/1984 ، دورية دالوز ، 1985 ، ص525 ، تعليق شابا ( Chaba ) .
(2) لذلك تستبعد من نطاق المسئولية عن فعل الأشياء ، المسئولية عن فعل الإنسان والمسئولية عن فعل الحيوان .
(2) محمد شريف ، مرجع سابق ، ص 251 .
(3) مصطفى الجمال ، مرجع سابق ، ص 586- 587 .
(1) مصطفى الجمال ، مرجع سابق ،
(1) مرجع سابق ، ص 320 .
(1) أنظر في هذا الرأي في القانون الأردني الذي تطابق أحكامه في هذا الشأن أحكام القانون الإماراتي ، عدنان سرحان و نوري خاطر ، شرح القانون المدني ، مصادر الحقوق الشخصية (الالتزامات) ، دراسة مقارنة ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان – الأردن ، ط1 ، الإصدار الثاني ، 2005 ، ف 649 ، ص 522 .