بحث قانوني مميز عن الاعتراف في الدعوى الجزائية

مقدم من المحامي معتز مصطفى محمود فراج

الفهرس

* * * (مقدمة ) * * *

* * * ( نبذة تاريخية ) * * *

الفصل التمهيدي : أهمية الاعتراف في الدعوى الجزائية.
المبحث الأول : ماهية الاعتراف .
المبحث الثاني : أهمية الاعتراف .
المبحث الثالث : خصائص الاعتراف وأنواعه.
المطلب الأول : خصائص الاعتراف .
المطلب الثاني : أنواع الاعتراف .
الفصل الأول : حجية الاعتراف كدليل إثبات وشرط صحته.
المبحث الأول : حجية الاعتراف كدليل إثبات.
المطلب الأول : حجية الاعتراف القضائي.
المطلب الثاني : حجية الاعتراف غير القضائي .
المطلب الثالث : اجتهادات محكمة التمييز الأردنية حول مبدأ الاقتناع الشخص بالاعتراف.
المبحث الثاني : حجية الاعتراف الصادر من الغير.,
المبحث الثالث : شروط صحة الاعتراف.
المطلب الأول : الأهلية الإجرائية للمعترف.
المطلب الثاني : صدور الاعتراف عن إرادة حرة واعية.
المطلب الثالث : أن يكون الاعتراف صريحاً واضحاً ومطابقاً للواقع.
المطلب الرابع : استناد الاعتراف إل إجراءات صحيحة ومشروعة.

الفصل الثاني
العدول عن الاعتراف وبطلانه و آثاره

المبحث الأول : العدول عن الاعتراف وبطلانه و و آثاره
المبحث الثاني : بطلان الاعتراف.
المبحث الثالث الثار الإجرائية للاعتراف.
المطلب الأول و آثاره الاعتراف أمام المحكمة.
المطلب الثالث : آثار الاعتراف الصادر بعد الحكم غير النهائي.

مقدمة:

يعتبر الاعتراف أحد عناصر أدلة الإثبات في الدعوى الجزائية وتكمن أهمية الاعتراف في تحقق الشروط.سلامته موضوعاً وما يترتب عليه من آثار قانونية في الدعوى الجزائية في ظل نظام الأدلة الإقناعية القائمة على قناعة القاضي الوجدانية التي تسود قضائنا الأردني في الوقت الحاضر إلا ان اهميته قد تضاءلت عما كان في الماضي في عصر نظام الأدلة القانونية والتي تفيد القاضي بأدلة معينة على رأسها الاعتراف حيث كان يعتبر سيد الأدلة، وكان يسام المتهم كافة ألوان العذاب وصنوفه لكي ينتزع منه الاعتراف سواء كان مرتكب للجريمة أم لا، إلا أن الأنظمة القانونية تطورت بتطور الحضارات وعلى هذا الأساس تعدد طرق الإثبات الجزائية وتنوعت فمنها الشهادة والمعاينة والخبرة والقرائن والبينة الخطية والاعتراف، حيث أن المشرع الجزائي لم يحصر أدلة الإثبات والحكمة في ذلك ليعطي القاضي السلطة التقديرية ليفحص كافة الأدلة متساندة مع بعضها البعض وفقاً لمبدأ القناعة الوجدانية فله ان يأخذ من الأدلة ما يطمئن إليه منها ويطرح ما سواها والتي لا تشكل لديه أي قناعة شخصية لذا فإن سلامة الاعتراف قانوناًُ وصدقه وموضوعاً مرتبط ارتباط وثيقاً بكفالة الحرية الشخصية وضماناتها فالكشف عن الحقيقة والوصول إلى العدالة بوسائل وإجراءات قانونية صحيحة هو الهدف من الإثبات حيث القاعدة الفقهية التشريعية
“المتهم بريء حتى تثبت إدانته” وبما أن القضاء يعول على الاعتراف الذي يأخذ بالطوع والاختيار وليس على الاعتراف الذي يأخذ بالتنكيل والتعذيب… لهذا فأنني أجد أن الاعتراف وحجيته من المواضيع ذات الأهمية الخاصة التي تستدعي البحث فيه لما قد يشوبه من شكوك وغموض تثير الشبهات في كيفية الحصول عليه باستخدام طرق وأساليب ملتوية غير مشروعة…

نبذة تاريخية

إن البحث يتطلب منا بيان نشأة وأهمية الاعتراف كدليل إثبات لمعرفة تطوره التاريخي عبر العصور القديمة والوسطى والاعتراف في الشريعة الإسلامية له أهمية بمكان ودور بارز في حماية حقوق الإنسان والمحافظة على كرامته كبشر.

إذ أنه ومنذ القدم كان يستخدم للحصول على الاعتراف من المتهم تحت ألوان التعذيب المختلفة، حيث كان يعتبر الاعتراف سيد الأدلة ومالكها ولم يكن للمتهم أي حق في الدفاع عن نفسه سواء ارتكب الفعل أو يرتكبه فالأمر سيان عند الأنظمة القانونية آنذاك.

فلم يوجد في تلك الأزمنة الغابرة أي تحقق من صحة الاعتراف قانوناً وموضوعاً… فقد كان في بداية الأمر يتم استجواب المتهم مع تعذيبه لحمله على الاعتراف في ظل النظام الروماني حيث كان مقتصراً على العبيد وكان يعتبر العنف المصحوب بالعذاب هو الذي يرقى بشهادة العبد أمام المحكمة إلى المستوى المطلوب.
أما إذا جاءت شهادة العبد طوعيه دون إكراه يوقع عليه تعتبر لاغية وليس لها أي قيمة.

أما المواطن الروماني فكان بعيداً عن ذلك ولم يكن يمارس أي ضغط أو إكراه عليه، بل كان له الحق أن يعترف أو ينكر ولكن سكوته عن الإجابة كان يعتبر معادلاً للاعتراف( ).

ومع بداية انتقال النظام الجمهوري إلى النظام الإمبراطوري فقد ازداد الاستبداد والطغيان وظهرت جرائم جديدة وهي جرائم الاعتداء على الذات المقدسة للإمبراطور وظهر معها استعمال التعسف مع المتهم في التحقيق والاتهام ومن هنا أصبح المواطن الروماني الحر كالعبد محلاً للتعذيب، وعند اليونان فقد كان يرى أرسطو التعذيب أفضل طرق للاعتراف وبقي الحال إلى ان جاءت الثورة الفرنسية.
أما في العصور الوسطى فقد سادت في أوروبا نظرية مفادها بأن الله سوف يكشف المجرم عن طريق المحنة( ).

وكان الاعتراف سواء في النظام الاتهامي وهو النظام السائد في إنجلترا وأمريكا والبلاد التي أخذت عن القانون الإنجليزي أو في نظام التنقيب والتحري وهو النظام الفرنسي.

أما بالنسبة للنظام الأول فنجد أنه في إنجلترا خلال القرون الأربعة عشر الأولى كانت الاعترافات تنتزع بالتعذيب ، ومع ذلك كانت تقبل أمام القضاة كدليل دون أي تشكك أو ارتياب ولاحقاً وضع القضاء الإنجليزي مقياس قبول الاعتراف في الإثبات وهو توافر الثقة، واما بالنسبة للنظام الثاني كان القضاء الفرنسي في القرون الوسطى يلجأ إلى مختلف الوسائل للحصول على الاعتراف الذي كان يعتبر سيد الأدلة( ).

ومع بداية القرن الثاني عشر قامت الكنسية العملية غير الإنسانية التي تجري استظهار لحك الله “أسلوب المحنة” فبدأ يختفي إلى أن حل محله البحث عن الاعتراف لدى المتهم.

وفي القرن السادس عشر لم يكن الناس يستاءون في العقوبات الصارمة بل أحسوا ببعض السرور والابتهاج في المشاهدة والمساعدة في تنفيذها ولما اعترف مونثكو كولي تحت وطأة التعذيب في أوروبا واعتبر من النظم الأساسية حسب التعبير الوارد في الأمر الملكي الصادر سنة 1539 في فرنسا كان المحقق يلجأ الى التعذيب للحصول على الاعتراف من المتهم وبأية وسيلة مهما كانت أن التعذيب نفسه كان يبدو أمراً طبيعياً( ).

أما في القرن الثاني عشر انتشر هذا النظام – التعذيب- في أوروبا وكانت صورة عامة وشائعة واعتبر من النظم الطبيعية الأساسية في الإجراءات الجزائية والسياسية، حيث لم يكن باستطاعة المحقق أن يحصل من المتهم على الاعتراف بأسلوب التعذيب واقترن ذلك بسلطة القضاء المطلقة للحبس رهن التحقيق دون أي ضوابط سوى إرادة القاضي…

وظل الحال كذلك إلى أن صدر في فرنسا ما يسمى بالمرسوم الجنائي الكبير وذلك في أغسطس سنة 1670م وكان هذا المرسوم بمثابة اللبنة الأخيرة في التنظيم التشريعي للتعذيب في فرنسا( ).

اما في منتصف القرن الثامن عشر هاجم الكتاب والفلاسفة استعمال هذه الوسائل الوحشية فألغي الاستجواب التحضيري في سنة 1780م وألغي الاستجواب النهائي في سنة 1788م، وظهر مبدأ الاعتراف الإرادي فأصبح لا يقبل في الإثبات إلا الاعتراف الصادر عن إرادة حرة، وبعد ذلك حظرت كافة الدساتير إيذاء المتهم جسمانياً ومعنوياً، وأصبح التعذيب جريمة تستوجب العقاب، وأصبح الاعتراف كباقي الإثبات متروك لحرية تقدير القاضي.

أما من ناحية الشريعة الإسلامية واحترامها لحقوق الفرد وحرياته فقد نهى شرعنا الحنيف عن إكراه الفرد على الإقرار بجرمه.

قال تعالى ” يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم”( ).
وجعلت الشريعة مثل هذا الإقرار بدون بينات باطلاً ولا يعول عليه، ذلك أنه إذا أكره انسان على الإقرار فأقر فإنه يغلب على الظن انه قصد بإقراره دفع ضرر الإكراه ذلك لا يقبل إقراره لانتفاء صدقه (أو) الاحتمال عدم صدقه.
وقد روى عن الخليفة عمر رضي الله عنه انه قال: “ليس الرجل أميناً على نفسه إذا أوجعته أو ضربته أو أوثقته” والواقع أن جمهور الفقهاء المسلمين أجمعوا على هذا الرأي.
فهم لا يجيزون إكراه المتهم على الاعتراف والحكم لديهم هو حرية المتهم في الإدلاء بأقواله( ).
وقد اجمع العلماء على الإقرار وسيلة من وسائل الإثبات( )، وقد أجمعت الأمة الإسلامية على صحة الإقرار لأنه إخبار بنفي التهمة والريبة عن المقر ولأن العاقل لا يكذب على نفسه ولهذا كان الإقرار أأكد من الشهادة وكان حجة في حق المقر يجب عليه الحد والقصاص والتعزير كما يوجب عليه الحقوق المالية( )، وأياً كانت الضمانات التي تحيط بها قوانين الدول المتحدثة بالاعتراف فإنه لا زال حتى الآن دليلاً تحيطه الشبهات نظراً لارتباطه في بداية الأمر بفكرة التعذيب ، ولأنه يحمل في طياته تناقض بين رغبة المتهم في الفرار من العقاب وتقديمه بنفسه دليل إدانته، ولكن إذا صدر الاعتراف صحيحاً صادقاً كان له عندئذ أهمية كبيرة في الإثبات حيث يسهل الإجراءات ويختصرها ويريح ضمير المحقق والقاضي .
لذا فإن الاعتراف من الأهمية بمكان منذ القدم إذ يعتبر سيد الأدلة وله من الدقة والحساسية والخطورة الجديرة بالبحث والتحري لما يلحق المتهم من أثر هذا الاعتراف الذي يتسم بالأهمية من الناحية العملية والنظرية والتي حدت بنا لبحث هذا الموضوع بفصوله ومباحثه المتلاحقة.

واللـه ولي التوفيـق
الباحــث

أهمية الاعتراف في الدعوى الجزائية وأنواعه

الفصل التمهيدي:

لا شك أن للاعتراف أهمية بالغة عند التصريح به أمام الجهات القضائية على مختلف أنواعها، عندما يصدر من المتهم وفق للشروط والأشكال التي يتطلبها القانون.
وهذا الاعتراف وبما له من أهمية يكون له الأثر الفاعل بالنسبة للجهة التي أدلى المتهم بالاعتراف أمامها.

والثاني على الشخص المعترف بنفسه.
أما بالنسبة للجهة المعترف أمامها فإن هذا الاعتراف وإن كان أمام جهة التحقيق يسهل إجراءات التحقيق وضبط كافة وقائع وأحداث هذا الاعتراف.

وأن كان أمام هيئة المحكمة فإن هذا الاعتراف الصادر في الشخص المعترف.
1- تقصير اجراءات وجهد ووقت المحكمة.
إذا ما تطابق مع الشروط القانونية لهذا الاعتراف.
2- وقد يكون سبباً تتخذه المحكمة بالتخفيف عن الشخص المعترف عند صدور الحكم البات في الدعوى الجزائية.

ومما لا شك فيه أن اهمية الاعتراف ضعفت في هذه الحقبة الحضارية وبعد اندثار ألوان التعذيب على مختلف العصور فلم يعد الاعتراف سيد الأدلة.

ب- أما بالنسبة للمتهم في حال اعترافه بالجرم المرتكب فإننا نجد أن هناك بعض القوانين أعفت المجرم أو المجرمين في حال اعترافهم بالجرم من العقاب، ومن هذه الجرائم السرقات الواقعة بين الأصول والفروع- بشرط إعادة المسروقات- وكذلك إذا اعترف شخص بإخفاء المسروقات أو بتخبئة الذين اشتركوا بالسرقة قبل إجراء أي ملاحقة وكذلك أيضاً جرائم الرشوة إذا اعترف الراشي والمتدخل بالسلطات قبل إحالة القضية إلى القضاء.

ومن ما نص عليه في قانون العقوبات الأردني المادة 172/2 (يعفي الراشي والمتدخل من العقوبة إذا باح بالأمر للسلطات المختصة أو اعتراف به قبل إحالة القضية إلى المحكمة).

بعد أن أصبح خاضعاً لمبدأ القناعة الوجدانية ولم يعد انتزاعه من المشتكى عليه هو الأهم، فوجود الاعتراف لا يؤدي دائماً إلى الحكم إلا إذا ارتبط هذا الوجود بقناعة القاضي واطمئن إلى صدقه وفحواه.

( المبحث الأول )

ماهية الاعتراف

الاعتراف في اللغة مشتق من الفعل اعترف والاعتراف بالشيء الإقرار به “يقال اعترف بذنبه أي أقر به”( ).
أما اصطلاحاً فهناك العديد من التعريفات في الفقه القانوني والجزائي وتعريف فقهاء القانون.
فقد عرفه الدكتور/ عبد الحميد الشواربي بقوله (هو إقرار المتهم على نفسه بارتكاب الوقائع المكونة للجريمة كلها أو بعضها) ( ).
وقد عرفه الدكتور/ سامي الملا بما يلي: (هو إقرار المتهم على نفسه بارتكاب الجريمة موضوع التحقيق سواء بسلوك منفذيها ، أو بسلوك على هامش تنفيذها) ( ).
وعرفه الدكتور/ رمسيس بهنام بقوله (هو إقرار على النفس بارتكاب الجريمة موضوع التحقيق سواء بسلوك منفذيها).
وعرفه المستشار/ عدلي خليل (الاعتراف هو قول صادر من المتهم يقر فيه بصحة ارتكابه للوقائع المكونة للجريمة بعضها أو كلها وهو بذلك يعتبر أقوى الأدلة وسيدها) ( ).
وقد عرفه الأستاذ/ فاروق الكيلاني بقوله (إقرار المشتكى عليه بارتكابه وقائع الجريمة المسندة إليه جزئياً أو كلياً بأن ينسب إلى نفسه القيام بارتكاب الفعل الإجرامي صراحة) ( ).
وقد عرفه الدكتور/ مأمون سلامه (بأن الاعتراف هو قول صادر عن المتهم يقر بصحة نسب التهمة إليه وهو بذلك يعتبر سيد الأدلة) ( ).
وقد عرفته الدكتورة/ مفيدة سويدان (بأنه ما يصدر عن المتهم من أقوال تؤكد نسبة الفعل الجرمي إليه سواء تعلق به بصورة مطلقة أو جزئية) ( ).
وقد عرفه الدكتور/ حسني الجندي بقوله (الاعتراف قول صادر عن المتهم أمام القضاء يقر فيه على نفسه بإرادة حرة واعية وبصحة ارتكابه الجريمة المنسوبة إليه كلها أو بعضها فاعلاً أصيلاً أو شريكاً فيها) ( ).
أما الاعتراف من وجهة نظر الشريعة الإسلامية والذي يقابله بالمعنى الاصطلاحي الإقرار “إخبار بحق لآخر، لإثبات ما له عليه وهو خبر يتردد بين الصدق والكذب وهو خبر محتمل باعتباره ظاهرة وبذلك ى يكون حجة ولكنه جعل حجة إذا اصطحب بدليل معقول يرجح جانب الصدق على الكذب”( ).
ومن هنا يمعن الباحث والقارئ أن هناك العديد من التعريفات الفقهية والقضائية وجميعها تلتقي على أن الاعتراف (هو قول أو إقرار صادر عن المتهم المقر بارتكابه السلوك المكون للجريمة جزئياً أو كلياً) إلا أننا نتفق جميعاً مع شرح فقهاء القانون الجنائي ومع الشرائع السماوية جميعاً (إن الإقرار هو اعتراف المقر على نفسه وبإرادته الحرة الواعية الصحية بارتكابه للجريمة أو الجرم المنسوبة إليها كلها أو بعضه فاعلاً أصلياً أو شريكاً فيها).
أما المفهوم القانوني للاعتراف وفق قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني فقد ورد في نص المادة 172/2 إذا اعترف الظئن بالتهمة المسندة إليه (يأمر الرئيس بتسجيل اعتراف بكلمات أقرب ما تكون إلى الألفاظ التي استعملها في اعترافه ومن ثم تدينه المحكمة وتحكم عليه بالعقوبة التي تستلزمها جريمته إلا إذا بدت لها أسباب كافية تقضي بعكس ذلك وهنا يتضح مبدأ القناعة الوجدانية للقاضي والظروف التي تحوف ارتكاب الجرم).
كما تنص المادة 216/2 من قانون أصول المحاكمات الجزائية إذا اعترف المتهم بالتهمة يأمر الرئيس (بتسجيل اعترافه بكلمات أقرب ما تكون إلى الألفاط التي استعملها في اعترافه…).
ويجوز للمحكمة الاكتفاء باعترافه وعندئذ تحكم عليه بالعقوبة التي تستلزمها جريمته إلا إذا رأت خلاف ذلك.
وقد قضت محكمة التمييز الموقرة مكتفية بالاعتراف المأخوذ أمام محكمة الموضوع / وذلك بقرارها رقم 14/55 صفحة 141 سنة 1955 والذي جاء به أن اعتراف المتهم الذي أدلى به أمام (المهندس) ووقعه بذيله يعتبر من البيانات القانونية ما دام أن محكمة الموضوع/ قد قنعت بأنه قد صدر عنه بطوعه واختياره المادة 159 من أصول المحاكمات الجزائية( )، وقرارها رقم 91/89 (والذي مؤداه ما جاء بنص المادة 216 إذ جاء فيه (إذا كان الاعتراف الذي أدلي به المتهم أمام المحكمة قد جاء مطابقاً للوقائع التي يتضمنها قرار الاتهام ولائحة الاتهام اللذين تليا عليه في الجلسة وبعد تلخيص الرئيس لمال التهمة وفقاً لشروط المادة 215 من قانون أصول المحاكمات الجزائية فليس ثمة ما يمنع المحكمة من الاكتفاء بهذا الاعتراف) ( ).
لقد جاء اجتهاد محكمة التمييز الموقرة في الاعتراف المعتبر في المواد الجزائية والذي تأخذ به محكمة الموضوع ضد المتهم بأن يكون واضحاً وصريحاً بحيث لا يحتمل تأويلاً وصادر عن إرادة حرة واعية حيث يعتبر بينة كافية وصالحة لاعتماد محكمة الموضوع عليه في التجريم، وإيقاع العقاب اللازم إلا أننا نجد ومن جهة النظر الواقعية والتي تتفق مع المنطق والواقع يمكن أن تصيب أو تخطأ … إن اعتراف المتهم حسب نص المادتين 172/2 و 116/2 المشار إليها منصب على التهمة المسندة إليه من قبل النيابة في قرار الظن او في قرار الاتهام ولائحة الاتهام وليس منصباً على حقيقة الأفعال التي ارتكبها المعترف حيث ينصح أن أسناد النيابة العامة يتضمن دائماً الوصف القانوني الأشد للجرم المرتكب حيث تسأله محكمة الموضوع عن هذا الوصف المسند إليه.
وفي تقديري المتواضع جداًَ أن الاعتراف المكتمل الشروط القانونية يشكل القناعة التامة للقاضي إذا كان في القضايا الجزائية والتي يصل حد العقوبة فيها ما دخل في اختصاصه.
أما الاعتراف في المواد الجزائية وما يخص المتهم فإني أرى أنه من الواجب أن يقترن هذا الاعتراف مع البينات الأخرى الواردة في ملف الدعوى الجزائية.
سيما وان هذه الأحكام لها من الدلالات التي تحوم حولها الشبهات خاصة وأن لهذه الأحكام حد أعلى وحد ادنى في قانون العقوبات قد يتحملها أحد الجناة ليحمل هذه العقوبة عن غيره من الجناة والمتهمين أو حتى الأظناء في الجرائم التي تدخل من اختصاص المحاكم بصفتها الجنحوية كما أن محكمة التمييز الموقرة أشارت في قرار لها رقم 77/53 يؤيد عدم الأخذ باعتراف المتهم إلا إذا كان يتضمن الوقائع المشكلة للجريمة موضوع الاعتراف حيث جاء في القرار.
الاعتراف الذي يشتمل على اصطلاح قانوني إذا كان صادر عن شخص قروي قد لا يدرك المعنى القانوني الذي ينطوي عليه هذا الاصطلاح خصوصاً إذا لم يكن ممثلاً أمام المحكمة بمحام يرشده إلى كنه الاعتراف أن لم يفهم معناها القانوني ويسأل عما كان هذا القول ويشترط لاعتبار الاعتراف بينة كافية أن يكون خالياً من لأي لبس أو إبهام وأن تقنع المحكمة بأن المعترف يفهم تماماً ماهية التهمة المعزوة إليه وما يترتب على اعترافه من نتائج، وأن اجتهاد محكمة التمييز الموقرة في هذا المنحى يجب أن ينصب على كافة الأفعال المشكلة للجريمة وليس على الاعتراف سبب إسناد النيابة العامة.

المبحث الثاني

(( خصائــص الاعتــراف وأنواعـــه ))

المطلب الأول: خصائص الاعتـراف
المطلب الثاني: أنــواع الاعتـراف

( المطلب الأول )

خصائـــص الاعتــــراف

الاعتراف ليس حجة في ذاته وإنما هو خاضع لتقدير المحكمة وللمتهم العدول عنه في أي وقت دون أن يكون ملزماً بأن يثبت عدم صحة الاعتراف الذي عدل عنه.

أولاً: يجب اعتراف المتهم على نفسه.
ثانياً: يجب توافر الأهلية للمعترف.
ثالثاً: يجب أن يكون الاعتراف قضائياً.
رابعاً: يجب أن يكون الاعتراف واضحاً وصريحاً.
خامساً: يجب أن يكون الاعتراف صادر عن إرادة حرة للمتهم.
سادساً: يجب أن يتطابق الاعتراف مع الوقائع الحقيقة الثابتة.
سابعاً: يجب أن يكون الاعتراف صادر عن لإجراءات صحيحة.
ثامناً: لا دخل للنية في الاعتراف.
تاسعاً: تجوز تجزئة الاعتراف وهذه خاصة تخضع لتقدير القاضي.
عاشراً: متروك لإرادة المتهم ومشيئته.
الحادي عشر: لا يجوز توجيه اليمين فيه.
الثاني عشر: العودة والعدول عنه لا يوجب المسائلة.

المبحث الثاني

أهمية الاعتراف

تكمن أهمية الاعتراف بأن يكون صحيحاً وسليماً قانوناً وصادقاً موضوعاً في إثبات الدعوى الجزائية إذ أن الاعتراف سيد الأدلة، حيث انه يعني إقرار المتهم على نفسه بصحة ارتكابه للتهمة المنسوبة إليه إذ أن تكون مراحل التحقيق الأولية في هذا الاعتراف خالية مما يشوبها أو يعتريها من بطلان وذلك لما لهذا الاعتراف من تأثير في نتيجة الدعوى ، وفي نفس القاضي وما يرد في خلده نحو الإدانة( وقد نصت المادة 147 من قانون أصول المحاكمات الجزائية) على أنه “تقام البينة في الجنايات والجنح والمخالفات بجمع طرق الإثبات ويحكم القاضي حسب قناعته الشخصية”.
ويتضح من هذا النص أن الدعوى الجزائية تختلف طرق الإثبات فيها عن غيرها من الدعاوى المدنية والشرعية وذلك أن المشرع جعل إثباتها بكافة طرق الإثبات ومن هذه الأدلة “الاعتراف والقرائن وشهادة الشهود والخبرة والأدلة الكتابية والمعاينة”.
وعندما يتحقق للاعتراف شروط صحته ويدلي به المعترف بإرادة حرة مدركة واعية دون أي ضغط أو إكراه مادي أو معنوي يصبح هذا الدليل سيد الأدلة في تجريم المتهم أو في إدانة الظنين.
وقد أعطى المشرع الأردني لمحكمة الموضوع في الجنايات والجنح ومن خلال نص المادتين 172/2 و 216/2 من قانون أصول المحاكمات الجزائية جوازية أن تدين أو تجرم المقترف باعترافه أمامها أو أن لا تأخذ باعترافه إذا بدا لها عدم صدقه أو مطابقته للواقع، ولها من الحرية في أن تشرع في سماع شهادات شهود الإثبات إلا أنني أرى من خلال الممارسات العملية إنه نادراً ما تقوم محكمة الموضوع بعدم الأخذ بالاعتراف الذي يحدث أمامها حيث تكتفي به لغايات الإدانة والتجريم.
فربما يكون الاعتراف غير صحيح رغم صدوره بدون وعد أو إكراه فقد يعترف المتهم ليفتدي شخص عزيز عليه مثل أبيه أو يعترف للتخلص من الإكراه المادي الواقع عليه رغبة في الخلاص من إطالة أمد المحاكمة أو يعترف من قبيل المباهاة والفخر وعدم الاكتراث أو لضيق كسب عيشه في الحياة، وقد يعترف نتيجة عرض أو ليعترف بمقابل.
وقد أشادت محكمة التمييز الموقرة في قرارها رقم 86/86 بهذا الخصوص إلى ما يلي: “إن الاعتراف الذي يعتبر حجة ضد المتهم هو الذي يصدر عن إرادة حرة واعية فإذا شاب إرادته إكراه مادي أو أدبي عد الاعتراف باطلاً “( ).
ولمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق وأن عدل بعد ذلك حتى أطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة ولمحكمة الموضوع دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريقة الإكراه ومتى تحققت من أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بلا معقب عليها( ).
وأن الاعتراف الذي يعول عليه كدليل في إثبات الدعوى يجب أن يكون اختيارياً صادراً عن إرادة حرة فلا يصح التعويل على الاعتراف –ولو كان صحيحاً- متى كان وليد إكراه كائناً ما كان قدره، ولما كان الوعد والإغراء –قرينة بين الإنكار والاعتراف- لأنه له تأثير على حرية المتهم في الاختيار بين الإنكار والاعتراف وعلى المحكمة أن تبحث الصلة بينه وبين ما وقع له من وعد أو إغراء وأثر ذلك على الاعتراف الصادر في استدلال سائغ( )، وفي الوقت الحاضر وفي ظل مبدأ القناعة الوجدانية للقاضي الجزائي ملم بعد الاعتراف كما كان في سابقه “فقد أوضحت محكمة التمييز الموقرة بقرارها رقم 157/87 بأن الأدلة في المواد الجزائية متساندة يكمل بعضها بعضاً فلا ينظر إلى الدليل بعينه منفرداً عن باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها مؤيدة إلى ما قصده الحكم ومتجه في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما أنتهت إليه” ( ) قرارها رقم 258/93 قضت بما يلي: “يعد الاعتراف في المسائل الجنائية عنصراً من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحته وقيمته في الإثبات ما دام مطابقاً للحقيقة والواقع وأن منازعة الدفاع في صحة هذا الاعتراف هي مجادلة موضوعية في حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى التي لا يجوز مجادلتها فيها او مصادرة عقيدتها في شأن البينات بدون معقب عليها أمام محكمة التمييز ما دام أن الحكم قد استخلص الحقيقة استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه وينسحب ذلك أيضاً على كشف الدلالة الذي جاء مطابقاً مع اعترافات المتهمين والتقرير الطبي بأقوال الطبيب الشرعي”.
وبني على ذلك أن يكون الاعتراف مفصلاً كاملاً شاملاً لكافة ظروف الجريمة ودوامها والعوامل التي أثرت في تكوينها ويجب أن تكون الإرادة حرة واعية مدركة حين تدوين الاعتراف( ).
وقد أخذ المشرع الأردني –بمعنى آخر للاعتراف- إذ اعتبره الإقرار بالتهمة وليس بالفعل (الوقائع) حسبما جاء بنص المادة 172/2 من قانون أصول المحاكمات الجزائية( ).
إلا ان القضاء الأردني النزيه قد استقر على قواعد ثابتة بأن لمحكمة الموضوع حرية الدليل الذي تعتمد عليه في الإدانة أو التجريم وأنه بالنسبة للاعتراف فلها الحق بالاخذ في أي مرحلة من مراحل التحقيق سواء تم الإدلاء به أمام الشرطة أو أمام المدعي العام أو أمامها حتى قنعت أنه اعتراف مكتمل الشروط، والمشروعية وأنه تم بالطوع والاختيار وليس تحت رزخ أو تأثير مادي أو معنوي يبطله، وتكمن أهمية الاعتراف أيضاً في قائمة الإشارة إليه في مطلع هذا البحث في جوازيه اعتباره سبباً مخففاً تقديرياً لتخفيض العقوبة إذ ما يسهل مهمة المحكمة في التوصل للحقيقة فقد قضت محكمة التمييز الموقرة بقرارها رقم 388/96 حيث جاء فيه “اعتراف المتهم يشكل سبباً مخففاً تقديرياً لا سبباً مخففاً قانونياً”( ).

وقد أورد المشرع الأردني النصوص القانونية التالية ليعفى من العقاب.

أولاً: المادة 172/2 عقوبات يعف الراشي والمتدخل من العقوبة إذا ما باح الأمر للسلطات المختصة أو اعتراف به قبل إحالة القضية إلى المحكمة.
ثانياً: المادة 109/1 عقوبات “يعفى من العقوبة من اشترك في مؤامرة على أمن الدولة أو أخبر السلطة بها قبل البدء بأي فعل مهيئاً للتنفيذ”.
ثالثاً: 157/2 عقوبات “نجد أنه يعفى من العقوبة من باح بقصد الجمعية أو الاتفاق وأقضى بما لديه من المعلومات عن سائر المجرمين”.

وهدف المشرع الأردني من هذه النصوص تشجيع الجناة والمشتركين بالجريمة على كشفها.

أنواع الاعتراف

ونتناول في هذا البحث أنواع الاعتراف وشكله وشروط صحته ومدى قوة الاعتراف في الإثبات وكيفية الدفع ببطلان الاعتراف.

أولاً: الاعتراف من حيث السلطة التي يصدر أمامها ويقسم إلى:

أ- الاعتراف القضائي:
وهو الاعتراف الذي يصدر من المتهم أمام المحكمة القائمة امامها الدعوى الجزائية (وهو سيد الأدلة) ويدلي به المشتكى عليه أو الظنين أو المتهم بنفسه أو بحضور محامي الدفاع أو بدونه وهو محاط بالضمانات التي كفلها القانون حماية للمتهم حيث نصت المادة 63 من أصول المحاكمات الجزائية( ).
عندما يمثل المشتكى عليه أمام المدعي العام يثبت من هويته ويتلو عليه التهمة المنسوبة إليه ويطلب جوابه عنها منبهاً أياه أن من حقه ان لا يجيب عنها إلا بحضور محامي وبدون هذا التنبيه في محضر التحقيق فإذا رفض المشتكى عليه توكيل محام أو لم يحضر محامياً في مدة أربع وعشرين ساعة يجري التحقيق بمعزل عنه، ويجوز الطعن من المعترف بصحة اعترافه للمدعي العام إجراء التحقيق دون تبليغ محام( ).
أما الصورة الثانية للاعتراف القضائي (هو الاعتراف الذي يدلي به المتهم أو الظنين أو المشتكى عليه أمام هيئة المحكمة) أين كان تشكيلها – فلا مجال للطعن به حال صدوره من إرادة حرة واعية وبطوعه واختيار المعترف أمام القاضي الجزائي وهذا الاعتراف له أهمية كبيرة في الإثبات إذ ما تطابق مع الوقائع والحقائق والملابسات والظروف المحيطة بالجريمة، وقد نص مشرعنا الأردني في قانون أصول المحاكمات الجزائية عليه نص المادتين 172/2 و 216/2.

ب- الاعتراف غير القضائي:
وهو الاعتراف الذي تم خارج المحكمة القائمة أمامها الدعوى الجزائية وبوجه آخر الذي يتم أمام المدعي العام خارج مجلس القضاء.

“النيابة العامة والمحكمة” والحقيقة أن الاعتراف الذي يقع امام جهة غير قضائية لا يجوز أن يكون له ذات الحجية التي يجوزها الاعتراف القضائي لأنه يكون خالي من الضمانات التي يمنحها القانون للمشتكى عليه أثناء إدلائه باعترافه في المادة 159 من قانون أصول المحاكمات الجزائية بما يلي:
“الإفادة التي يؤديها المتهم أو الظنين أو المشتكى عليه في غير حضور المدعي العام ويعترف فيها بارتكابه جرماً تقبل فقط إذا قدمت النيابة بينة على الظروف التي أديت فيها واقتنعت المحكمة بأن المتهم أو الظنين أو المشتكى عليه اداها طوعاً أو اختياراً “.

وقد أيدت محكمة التمييز الموقرة هذا النص في العديد من قراراتها ومنها القرار رقم صفحة 545/97 صفحة 1636 سنة 1988( )، وفحواه – الإفادة التي يدلي بها المتهم أو الظنين بغير حضور المدعي العام تصلح دليلاً ضده إذا قدمت النيابة ما يثبت أنه أدلى بها بطوعه أو اختياره عملاً بالمادة 159 من قانون أصول المحاكمات الجزائية وطالما أكد محقق المخابرات العامة ان الظنين أدلى بإفادة بطوعه واختياره فتكون إفادته دليلاً قانونياً يجيز للمحكمة الاستناد إليها في حكمها.

وكقاعدة عامة فإن الاعتراف غير القضائي لا يجوز ذات القيمة والحجية في الإثبات التي يجوزها الاعتراف القضائي وهما خاضعين للسلطة التقديرية للقاضي.

ثانياً: الاعتراف من حيث إثبات الحجية يقسم إلى ما يلي:

ا- الاعتراف كدليل إثبات:
ويستوي أن يكون اعترافاً قضائياً أو غير قضائياً كدليل إقناع شخص – وهو كغيره من أدلة الإثبات الأخرى خاضعاً في تقدير قيمته لمبدأ القناعة الوجدانية لقاضي الموضوع فله أن يزن هذا الاعتراف في ضوء الظروف المحيطة به وأن يأخذ مما يراه مطابقاً للواقع والحقيقة وبالتالي فلا يترتب عليه أن هو أخذ بالاعتراف في أية مرحلة من مراحل التحقيق وإن عاد المتهم وجحده في جلسة المحاكمة أو ان أخذ جزء منه وترك الجزء الآخر ما دام ذلك وليد إقناعه الشخصي بأن ما أخذ هو فقط ما يثبت الواقعة الإجرامية وينسبها إلى المتهم( ).

2- الاعتراف كدليل قانوني:
الاعتراف في ظل هذا المبدأ سيد الأدلة وهو دليل قاطع ملزم ويلزم القاضي الأخذ به وهذا ما كان يدفع المحققين والقضاة إلى السعي للحصول عليه بغض النظر عن مدى مشروعية الوسيلة وقد ظل للاعتراف هذه الأهمية بالنسبة للدول التي لا تزال تأخذ بهذا المبدأ.
إلى جانب أن هناك استثناءات ترد على هذين الاعترافين الاعتراف بجريمة الزنا – الاعتراف في الدعوى غير الجزائية والتي يخضع لقواعد الإثبات الخاصة لها.

ب- الاعتراف كسبب للإعفاء من العقوبة.
ففي بعض الجرائم الخاصة التي ترتكب في الخفاء أو يصعب إثبات التهمة فيها بالنظر إلى ما يحيطها من سرية – ودقة في تنفيذها.
وقد رأى المشرع الأردني أن يشجع الجناة على كشفها وإرشاد السلطات إلى المساهمين فيها فنص على إعفاء الجناة من العقوبة – وهذا ما أشرنا إليه في جريمة الرشوة في المادة 172/2.
وجريمة تكوين جمعيان أشرار وجميعها غير مشروعة من المنصوص عليها في المادة 157/2 وجريمة التجمهر غير المشروع في المادة 166 من قانون العقوبات الأردني.
كذلك ينقسم الاعتراف إلى:
الاعتراف الكامل:
وهو الاعتراف الذي ينصب على المواقعة الإجرامية التي قدم بها المتهم دونما ان تكون مقترنة بأية ظروف أخرى من شأنها في المسؤولية المقترن كالاعتراف بالإيذاء وبالسكر وبمخالفة قانون السير.

أما الاعتراف الموصوف:
وهو الاعتراف بالواقعة الجرمية المدعى بها إذا تعلقت بظروف أو وقائع إذا ثبتت من شأنها أن تنفي المسؤولية للفاعل “وتمنع العقاب عنه” وهذا متروك لتقدير القاضي.
وقد قضشت محكمة التمييز الموقرة بقرارها رقم 27/61 بتجزئة الاعتراف “إذا جاء بقرارها نجد أن المجني اعترف بأنه قتل زوجته المجني عليها ولكنه أدعى أن إقدامه على ذلك كان بسبب مفاجأتها في حالة التلبس بالزنا مع شخص آخر، ومحكمة الموضوع قنعت بما جاء باعترافه”( ).

ثالثاً: الاعتراف من حيث الشكل وينقسم إلى ما يلي:
الاعتراف الشفوي وهو الذي يمكن أن يكون أمام المحقق لدى الشرطة أو لدى كاتب الضبط أو كاتب المحكمة أو أمام أشخاص عاديين وهو من حيث القيمة والحجية أقل من الاعتراف المكتوب.
كما أن الاعتراف الشفوي يكون أقرب بجحود المتهم وأن يثبت عكسه.

ب- الاعتراف المكتوب:
أم الاعتراف المكتوب فليس له شكل معين والاعتراف أمر متروك لتقدير المتهم ومشيئته فإذا رأى أن الصمت أحسن وسيلة يدافع بها عن نفسه ضد الاتهام الموجه له فله الحق في عدم الإجابة على الأسئلة التي توجه إليه، كما لا يجوز تحليف المتهم اليمين القانونية قبل الإدلاء بأقواله إلا إذا كان الاعتراف باطلاً، وإذا تضمن الاعتراف أقوال غير صحيحة فلا يعد تزويراً ولا يعاقب به، وكما أن هذا الاعتراف يمكن أن يكون مكتوباً بآلة كاتبة وبخط اليد أو مسجل على كاسيت أو بتسجيل هاتف من حيث إيقاع القتل وطرحت ظروف العذر المحل الذي أدعاه لأنها لم تقتنع به، وحيث أن الاعتراف في المسائل الجزائية خاضع لتقدير المحكمة واقتناعها فلها أن تفحص كافة اجزائه ولا تأخذ منه إلا بما يقنعها وحيث أنه لا رقابة لمحكمة التمييز عليها في ذلك ما دام أن الاعتراف يؤدي إلى النتيجة التي استخلصت منه فإنه قول المميز فانه يتوجب الأخذ بالاعتراف كاملاً وعدم تجزئته لا يستند إلى أساس صحيح.

وما دام الاعتراف يخضع لتقدير المحكمة باعتباره دليلاً يمكن الاستناد إليه فيكون من سلطة المحكمة التقديرية أن تطرحه كله او تأخذ بجزء منه وتطرح الباقي طالما لم تطمئن إليه وهذه القاعدة مستفادة من حرية المحكمة المطلقة في تكوين قناعتها وأنا أويد هذا الرأي.

الفصل الأول

حجية الاعتراف كدليل إثبات وشروط صحته

المبحث الأول: حجية الاعتراف كدليل إثبات
المطلب الأول: حجية الاعتراف القضائي.
المطلب الثاني: حجية الاعتراف غير القضائي.
المطلب الثالث: مبدأ الاقتناع الشخصي بالاعتراف.

حجية الاعتراف كدليل إثبات
اتفقت معظم التشريعات الحديثة في غالبية الأبحاث التي صدرت عنها آراء الفقهاء وشراع القانون على أن الاعتراف في المواد الجزائية في القرن الحادي والعشرين يختلف عن الاعتراف “القرار” في المواد المدنية ، وأن الاعتراف ليس دليلاً كافياً لترتيب الإدانة بل على القاضي أن يبحث في مدى صحته وسلامته وكذلك مشروعيته شأنه في ذلك شأن الأدلة الأخرى في الإثبات، ومن خلال ما طرحناه في مقدمة هذا المبحث سوف نتناول في المطلب الأول منه حجية الاعتراف القضائي وأهم مزاياه… وفي المطلب الثاني منه حجية الاعتراف غير القضائي ومن ثم سوف نشير في المطلب الثالث إلى اجتهادات محكمة التمييز الموقرة في ظل مبدأ القناعة الشخصية.

المطلب الأول

حجية الاعتراف القضائي

يخضع الاعتراف في تقدير حجيته كدليل إثبات لسلطة المحكمة التقديرية شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة الأخرى ولا يعني اعتراف المتهم بالتهمة المنسوبة إليه أن تكون المحكمة ملزمة بالحكم بالإدانة بل من واجبها أن تتحقق من أن الاعتراف قد توافرت فيه شروط صحته ثم تبدأ بعد ذلك مهمتنا في تقدير هذا الاعتراف بهدف التحقق من صدقه من الناحية والواقعية ولا تأخذ به المحكمة إلا إذا كان مطابقاً للحقيقة، أما إذا كان متناقضاً معها فلا يصح التعويل عليه.

واعتراف المتهم لا يضع نهاية لإجراءات التحقيق بل للمحكمة أن تواصل السير في نظر الدعوى الجنائية بحثاً عن ادلة أخرى رغم صدور اعتراف المتهم أمامها ولا خلاف ذلك.

للمحكمة أن تحكم في أصل الدعوى الجزائية وتعلن براءة المتهم ولو كان قد اعترف وسلطتها في ذلك مطلقة ما دامت قد توصلت إلى هذه النتيجة واستخلصتها استخلاصاً سائغاً.

وقد تتوافر كل شروط الاعتراف القضائي ومع ذلك لا تكون صحيحة وإنما تكون صادرة عن دوافع متعددة( ).

وقد فرق مشرعنا الأردني في قانون أصول المحاكمات الجزائية بين الاعتراف القضائي والاعتراف غير القضائي من حيث حجية الإثبات.
حجية الاعتراف القضائي أمام محكمة الموضوع في ا لجنح والجنايات والمخالفات وقد نص على ذلك في المادتين 172/2 و 216/2 من قانون أصول المحاكمات الجزائية واللتان تناولتا الاعتراف القضائي.
إذ جاء بنص المادة الأولى (إذا اعترف الظنين يأمر الرئيس بتسجيل اعترافه ومن ثم تدينه المحكمة وتحكم عليه بالعقوبة التي تستلزمها الجريمة المنسوبة إليه إلا إذا ثبت لها عكس ذلك أما بتغير وصف التهمة او بالحكم بالبراءة).
أما في نص المادة الثانية (إذا جاء على النحو التالي إذا اعترف المتهم بالتهمة يأمر الرئيس بتسجيل اعترافه بكلمات أقرب إلى الألفاظ التي استعملها في اعترافه ويجوز للمحكمة الاكتفاء باعترافه وعندئذ يحكم عليه بالعقوبة التي تستلزمها جريمته إلا إذا رأت خلاف ذلك).

وبالنظر في هذين النصين تجد محكمتنا أن الأمر جوازه متروك لقناعة وتقدير المحكمة بالإضافة إلى ما منحه قانون أصول المحاكمات الجزائية بنص المادتين 162 و 226 التحقق بكافة الطرق للوصول للحقيقة.
وطبقاً لمبدأ حرية القاضي في تكوين قناعته وعقيدته الذي تأخذ به التشريعات الحديثة وإذا جاء الاعتراف مطابقاً للحقيقة والواقع ومستجمع كافة شروط صحته وسلامته قانوناً وصدقه موضوعاً… تكتفي المحكمة بذلك ولا تأخذ بشهود الإثبات ثم تدين المحكمة أو تجرم ، وقليلاً ما تأخذ المحكمة بعد الاعتراف بالبحث بباقي بينات الإثبات وقد يتم الاعتراف أمام المحكمة سواء بحضور محام أو بدون محام إلا أن
بعض أنواع الجرائم تستلزم وجود محام للدفاع عن المتهم وذلك ما نص عليه المشرع الأردني بنص المادة 208/1 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
كما ضمن المشرع الأردني الاعتراف أو عدمه بنص المادة 163 من أصول المحاكمات الجزائية.
ومشرعنا الأردني في بعض الجرائم وفر الضمانات الحقيقية للمتهم (وخاصة أن حق الدفاع حق مصون ومشروع وتحقيق أسمى درجات العدالة بمنأى عن أي تأثير يشوب إرادة المتهم بأي عيب من عيوب الإرادة.

وقد أصدرت محكمة التمييز الموقرة في قرار لها يحمل الرقم 62/192 مايلي لمحكمة الموضوع الاكتفاء باعتراف المتهم بالتهمة المسندة إليه عملاً بالمادة 216/2 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
ولا يرد الاحتجاج بعدم دعوة الشهود لأن الاعتراف بنية قانونية وقد قنعت المحكمة( ).

وجاء قرار محكمة النقض المصرية الصادر بتاريخ 10/5/1996 رقم 1514/29 (تقدير الدليل المستحق من اعتراف المتهم موكل إلى محكمة الموضوع فمتى اطمأنت إليه وكان نصاً في اقتراف المتهم الجريمة ولم يكن وليد إكراه فلا معقب عليه في ذلك).

وقرارها رقم نقض 17 مارس 1953 محور الأحكام من 19 رقم 152 ومع ذلك يدخل في سلطات المحكمة المطلق تقدير مدى اتصال الاعتراف بالإجراء الباطل ولها أن تأخذ بالاعتراف حتى تطمئن إلى صحته وعدم تأثيره بالإجراء الباطل( ).
وقضت أيضاً بقرار لها بنفس الاتجاه رقم 215/2000 صفحة 1178 سنة 2002م( ).
يعتبر الاعتراف الذي يدلي به المتهم بطوعه واختياره بنية قانونية شأنه شأن باقي الأدلة في المواد الجزائية التي تخضع لتقدير القاضي وقناعته الشخصية عملاً بالمادة 147 من قانون أصول المحاكمات الجزائية( )، وعليه فإن عدم مناقشة محكمة الموضوع اعتراف المتهم أمام المدعي العام وكشف الدلالة كأدلة طرحت امامها ولم تبد رأيها في الاقتناع بها عن عدمه فيكون قرارها مشوباً بالقصور في التعليل والتسيب.
وأنا مع ما ذهبت إليه محكمة التمييز الموقرة في هذا المبدأ الذي يحقق العدالة ويرسم مبادئها.

وقد سبق لمحكمة التمييز الموقرة أن أصدرت العديد من قراراتها والتي اعتبرت الاعتراف بينة خاضعة للتقدير كما أسلفنا سابقاً، وعند اقتناعها بالبينات فإنها تكون محلاً للإثبات وأن الأخذ بالاعتراف وحده دون أن تسانده بينات أخرى تدعمه يجعل الاكتفاء به دون مناقشته و مناقشة باقي الأدلة الواردة، وتطابقها مع القناعة الوجدانية يجعل فيها قناعة ركيكه لا ترقى ولا تقنع من بقرارها أو يستند إليها إذا ما حاف هذا الاعتراف ظروف وشبهات أدخلت الشك فيه.
وهذا ما حدا بمحكمة التمييز الموقرة أن تكرر مبدأ العدالة بقرارها (أن الاعتراف الذي يدلي به المتهمون هو من مصلحة الأدلة ومن حق محكمة الموضوع أن تأخذ به إذا لم تقنع بصحته حتى ولو كان صادراً من المتهم أمامها بلا بضغط أو إكراه من باب أولى أن يكون لها الحق في تقدير وقائع الاعتراف الصادر عنه لدى مرجع آخر).

**** السؤال الذي يطرح نفسه؟
ما هي قيمة الاعتراف الذي تأخذ به المحكمة من فم المتهم وهل لهذا الاعتراف قيمة وهل يضير العدالة الاستماع للبينات بعد اعتراف المتهم؟

وأنني كباحث أذكر بأن اعتراف المتهم أو الظنين أمام هيئة المحكمة أين كان تشكيلها لا يكفي وحده بل يجب على هيئة المحكمة لتأكيد قناعتها أن تستوثق من الاعتراف من جميع النواحي خاصة وأنه وأن لم تستمع لهذه البينات فأنني أجد أن المحكمة تحكم على الدليل ومنها الاعتراف ولا تقبل به قبل فحصه.

لذا ضمن الظروف والاستماع لبينات النيابة العامة رغم اعتراف المتهم أمام المحكمة وذلك لكي تتمكن المحكمة من الوقوف على جميع عناصر الدعوى الجزائية بشكل متكامل ومتساند وبالأخص في الجرائم الخطرة التي تستوجب عقوباتها الإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة حيث أن الدليل الأوحد للاعتراف لا يكفي لتكوين قناعة القاضي.

وقد ذهبت محكمة التمييز الموقرة بقرارها رقم 175-187 “بأن الأدلة في المواد الجزائية متساندة يكمل بعضها بعض فلا ينظر إلى دليل بعينه منفرداً عن باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها مؤيدة إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ( ).
وقناعة القاضي بحقيقة الواقعة يستخلصها بوحي عقيدته بكامل حريته وذلك بما يتمتع به من سلطته بأن يزن الدليل ويأخذ من أي بينة أو قرينة ما يرتاح إليها دليلاً لحكمه إلا إذا قيده القانون بدليل معين( ).

ويعني ذلك أن اعتراف المتهم وحده دون أن تسنده أدلة أخرى يخالف القواعد العامة ويكرس الاعتراف المطلق.

وقد خلصت محكمة النقض المصرية (بقرار لها أن ما استقر عليه القضاء أنه لا يعني في الحكم شيئاً ما دام أن الحكم كان مبنياً على أدلة أخرى، إذ أن الأدلة في المواد الجنائية فإنها مجتمعة تكون عقيدة القاضي) ( ).

وقد أكدت بعض الآراء الفقهية أن الاعتراف يعتبر في المسائل الجزائية عنصر من عناصر الاستدلال وتملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحته في الإثبات، وسلطة المحكمة سلطة مطلقة في الأخذ بالاعتراف حتى أطمأنت إلى صحته ووجدته مطابقاً للحقيقة والواقع.

حجية الاعتراف أمام المدعي العام:

إن هذا الاعتراف هو اعتراف قضائي يخضع لتقدير محكمة الموضوع حتى لو عدل عنه المتهم أو الظنين لأن الأمر مرده قناعة القاضي واطمئنانه إلى سلامة هذا الاعتراف من أي عيب يشوبه كما أن المشرع الأردني أعطى ضمانات لحماية المتهم في تلك المرحلة فقد نصت المادة 63/1 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على ما يلي:
عندما يمثل المشتكى عليه أمام المدعي العام يثبت من هويته ويتلو عليه التهمة المنسوبة إليه ويطلب منه أن من حقه أن لا يجيب عن أي سؤال إلا بحضور محام ويدون هذا التنبيه في محضر التحقيق، فإذا رفض المشتكى عليه توكيل محام أو لم يحضر محامياً في مدة أقصاها أربع وعشرون ساعة يجري بمعزل عنه.

إلا أن المشرع الأردني جعل هذا مفيد بسلطة المدعي العام فإذا رأى في حالة السرعة الخوف من ضياع الأدلة فقد منحه استجواب المشتكى عليه قبل دعوة محاميه للحضور وذلك كما جاء بنص المادة 63/2 من نفس القانون.
ومن هنا نجد أن المشتكى عليه حرمه من أهم حق من حقوقه في تلك المرحلة وهو وجود محامياً له وبجانبه.

إلا أنني أجد أنه وان كان المدعي العام وهو جهة قضائية قد قام بإجراء التحقيق مع المتهم إلا أنني أجد وفي ظل قانون تشكيل النظام القضائي في الأردن النيابة العامة والمحاكم والسلطة القضائية وهي أحدى السلطات الثلاثة قد حققت فعلاً حماية قانونية للمشتكى عليه في مرحلة التحقيق.
بالإضافة إن مشرعنا الأردني في العقوبات القضائية الصادرة في الجرائم تستوجب أحكامها الإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة أوجب بنص المادة 208 من قانون أصول المحاكمات الجزائية بتعيين محام للدفاع عن المتهم وهي مميزات العدالة القضائية في المملكة الأردنية الهاشمية في النظم القضائية والنصوص الشرعية التي تأخذ بهذا المبدأ.
وهي توفير حماية قانونية للمتهم أما بالنسبة لاجتهادات محكمة التمييز الأردنية حول الاعتراف ومدى حجيته أمام المدعي العام فقد استقر الاجتهاد على أن الاعتراف لدى المدعي العام ليس حجة على المتهم ويستطيع المتهم تقديم أدلة على عدم طواعيته والظروف التي أحاطت بأخذه.

وقد أصدرت محكمة التمييز الموقرة قرارها رقم 173/64 والذي يؤيد وجهة النظر هذه تقول (من حق المحكمة ان تسمع البينة على الظروف التي أحاطت بالاعتراف أمام المدعي العام حتى إذا تبين لها أنه قد أخذ بالإكراه، فتقرر عدم الأخذ به ولا مجال للقول بأن اعتراف المتهم أمام المدعي العام غير قابل للطعن إلا بالتزوير ، ومن حق المتهم أن يقدم البينة على أن اعترافه قد أخذ منه بالضغط والإكراه أمام المدعي العام( )، لأن الإفادة التي تعطى أمام المدعي العام تخضع لتقدير المحكمة كأية بينة أخرى).

أما في القرار رقم 369/93 فقد قضت بما يلي( ):
إن اعتراف المتهم أمام المدعي العام وأن كان يشكل دليلاً واضحاً للإثبات إلا أن اعتماده يستلزم الحيطة والحذر والوقوف على الظروف والملابسات التي أحاطته ورافقته بما لا يدع مجالاً للشك في صحته، وأنه تم أداءه عن إرادة حرة دون إكراه أو ضغط فإذا ثبت من شهادات الشهود أن المتهم كان في مكان عمله في الوقت الذي يفترض فيه وقوع الجريمة فإن الافتراض سلفاً أن هذه الشهادة غير صحيحة لتعارضها مع الاعتراف غير سائغ ويشوب الحكم عيب القصور…. من هنا نجد أن ما قضت به محكمة التمييز في العديد من قراراتها أن الاعتراف ليس حجة في ذاته ما لم يكن واضحاً صحيحاً وتم الإدلاء به بإرادة حرة واعية غير مشوبة بأي إكراه وضغط مادي ومعنوي.
إذ لا يخفى على أحد وجود بعض الانتهاكات التحقيقية لمبدأ العدالة في التحقيق والوصول للحقيقة.

أما الاعتراف في دعوى أخرى غير الدعوى المنظورة أمام المحكمة فيعتبر من صور الاعتراف غير القضائي وذلك ما قضت به محكمة التمييز الموقرة بقرارها رقم 320/93 بما يلي:
إذا حصل الاعتراف في قضية أخرى كان الاعتراف غير قضائي إذ لا يقصد المعترف أن المميز أن يتعدى أثر تلك القصية وأن يحكم عليه بمقتضاه فيما إذا رفعت أي دعوى أخرى وبهذه المثابة تخضع أقواله لتقدير القاضي الذي له مطلق الحرية في تقدير قوتها في الإثبات ليجوز له أن يعتبرها دليلاً كاملاً أو مبدأ بثبوت بالكتابة “مجرد قرينة”( ).
ونحن مع اتجاه محكمة التمييز الموقرة بما أخذت به أن الاعتراف في دعوى أخرى اعتراف غير قضائي ويخضع في التقدير لقناعة المحكمة وهنا لا يعفى المحكمة من البحث في باقي الأدلة حتى يكون لهذا الاعتراف حجية في الإثبات يجب أن يتم في دعوى جزائية أمام المحكمة التي تنظر الدعوى فعلاً( ).

المطلب الثالث

مبدأ الاقتناع الشخصي بالاعتراف

ترى أغلب التشريعات الجزائية أن الاعتراف دليل كباقي الأدلة ويخضع في تقديره لقناعة المحكمة في كافة مراحله وظروفه التي مر بها وطريقة الإقرار به طالباً أنه صدر صحيحاً بدون وعد أو إكراه ودون كذب أو تحايل أو خداع وهو يخضع في ذلك كما أسلفنا لتقدير المحكمة، القبول العقلي والاطمئنان النفسي والنتيجة المستخلصة ومدى تطابقها مع الواقع ومرجعنا في ذلك ما استقر عليه اجتهاد محكمة التمييز الموقرة (عدم قبول الاعتراف نتيجة لعدم الاقتناع به وهذا ما قضت به محكمة التمييز بقرارها رقم 381/94 للاقتناع بالدليل أو طرحه أمر متروك لمحكمة الموضوع باعتراف المميز ضده وهو البينة الرئيسية الوحيدة في الدعوى لتناقض أقواله عن سبب وفاة المجني عليها والتي قال فيها أنه أحرق المجني عليها في السيارة في حين جاءت البينة الخطية أن الوفاة ناتجة عن التعرض للضرب بأداة حادة من القلب إلى الرئة) ( ).

حجية الاعتراف غير القضائي

قد يقع الاعتراف أمام جهة غير قضائية كالذي يحصل أمام رجل الشرطة أو أمام السلطة الإدارية أو أمام شخص عادي أو شخصية دينية أو اجتماعية وفي جميع هذه الحالات فهو الاعتراف الذي يتم خارج مجلس القضاء ، وقد يتم مراحل البحث والتحري أو في مرحلة الاستدلال.
وقد يعترف المتهم أو الظنين أو المشتكى عليه بجناية أو بجنحة وهذا الاعتراف لا يعول عليه ولا تأخذ به المحكمة وأن كان قرينه متروك تقديرها لهيئة المحكمة أو القاضي المنفردة وتحت قناعة تامة بأنه وفي ظل جميع هذه الظروف الذي أخذ بها الاعتراف كان طوعياً أو اختيارياً وقدمت الجهة المقترف أمامها الدليل على صحة ذلك.
وقد نص المشرع الأردني في المادة 159 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على ما يلي:

أن الإفادة التي يؤديها المتهم أو الظنين أو المشتكى عليه في غير حضور المدعي العام ويعترف فيها بارتكاب جرماً تقبل إذا قدمت النيابة بينة على الظروف التي أديت فيها واقتنعت فيها المحكمة بأن المتهم أو الظنين أو المشتكى عليه أداها طوعاً واختياراً إذا جاء بقرارها رقم 514/97 ما يلي:
أ‌) اقتناع محكمة الشرطة ببراءة المميز ضده من التهم المسندة إليه وهي الاشتراك في مشاجرة وإطلاق العيارات النارية والإيذاء استناداً إلى كتاب قيادة البادية ومسجل الوظائف وشهود الدفاع التي تؤكد تواجد المميز ضده على رأس عمله في عمان في حين أن المشاجرة وقعت في الكرك، واستبعاد المحكمة لاعتراف المميز ضده الذ ثبت أنه أخذ بالإكراه بعد تعرض المميز ضده للضرب المبرح من قبل ضباط وأفراد الشرطة ويكون ما توصلت إليه محكمة الشرطة وقضائها ببراءة المميز ضده من التهم المنسوبة إليه مبني على بينات شأنها أن توصل إلى هذه النتيجة( ).
ب‌) أيضاَ قضت بقرارها رقم 172/95 بأن أبدت محكمة الموضوع باعتراف المتهم أمام الشرطة حيث جاء به (يجوز للمحكمة الاستناد إلى اعتراف المتهم الذي يؤدي أمام الشرطة بغير حضور المدعي العام إذا قنعت أنه قد أداه بطوعه واختياره وبشهادة من ضبط أقواله التي تأيدت باعترافات باقي الأظناء عملاً بأحكام المادة 159 من قانون أصول المحاكمات الجزائية)( ).

وقد استقر اجتهاد محكمة النقض المصرية أيضاً على أن الاعتراف يخضع لتقدير المحكمة شأنه شأن سائر الادلة .

وقد اتفقت محكمة النقض المصرية مع محكمة التمييز الموقرة على هذا المبدأ وبقرار المحكمة المبرز رقم 545/97 صفحة 2736 سنة 1998، وقد أحسن المشرع صنعاً عندما نص على أن الاعتراف الذي يتم في غير حضور المدعي العام لا يأخذ به إلا ضمن الشروط:

1- أن تقدم النيابة بينة على الظروف التي أخذ بها الاعتراف أو الإفادة.
2- أن يكون الاعتراف مشتملاً على شروط صحته والحقيقة التي لا يختلف عليها الاجتهاد القضائي والفقه القانوني أن الاعتراف الذي يقع أمام جهة غير قضائية لا يمكن أن تكون له ذات الحجية التي يجوزها الاعتراف القضائي وذلك أنه يكون خالياً من الضمانات التي يمنحها القانون للمتهم والظنين والمشتكى عليه أثناء الإدلاء بالاعتراف أمام الجهة القضائية.

وقد أشارت محكمة التمييز الموقرة في العديد من قراراتها بأنها تؤيد الأخذ أو عدم الاعتراف في المرحلة الأولى أمام رجال الشرطة وذلك حسب قناعة محكمة الموضوع حول الظروف التي أحاطت بكيفية الحصول عليه.

وقد أصدرت محكمة التمييز الموقرة قراراً يقضي بأن اجتهاد محكمة التمييز استقر على أن الاعتراف في المسائل الجزائية خاضع لتقدير المحكمة وقناعتها ولها أن تفحص كافة أجزائه ولا تأخذ منه إلا ما يقنعها( ).

وقرارها (86/1986 هيئة خماسية تاريخ 9/2/1989 أن الاعتراف الذي يعتبر حجة ضد المتهم هو الذي صدر عن إرادة حرة واعية فإذا شاب إرادته إكراه مادي أو أدبي عد الاعتراف باطلاً) ( ).

وباستعراض بعض القرارات لمحكمة التمييز الموقرة نجد أن الاعتراف غير القضائي قد يصلح كبينة في الدعوى الجزائية وتأخذ به المحكمة وتعتمد عليه كدليل إثبات بالإدانة أو التجريم بالرغم من عدول المتهم عنه أمام المدعي العام وإنكاره أمام المحكمة إذا ما توافرت فيه شروط المادة 159 من قانون أصول المحاكمات الجزائية واقتنعت المحكمة بشروط صحته وقد لا يصلح الاعتراف كدليل إثبات لوجود قرائن على أنه انتزع بالإكراه والتعذيب وحيث أن وصول المحكمة إلى أن الاعتراف الغير قضائي (وخاصة الشرطي) قد أخذ خلافاً لما يقتضيه المنطق القانوني.
فلا بد أن تأخذ محكمة الموضوع بعين الحيطة والحذر عنه الأخذ بالاعتراف الشرطي.

هذه القناعة التي تحدثت عنها كافة التشريعات وخاصة المشرع الأردني ولا تجري على إطلاقها إذ يجب أن لا تخالف ما يتفق مع المنطق والعقل وهذا المبدأ منوط بالقاضي عندما يسبب حكمه ويبين الأدلة المشروعة والأسانيد القانونية وما تناقش به الخصوم بصورة علنية أمام المحكمة وهو يوضح ذلك بفحص الأدلة ووزن جميع الأدلة المطروحة أمامه.
وقد قضت محكمة التمييز الموقرة في هذا الاتجاه أيضاً بقرارها رقم 419/1919 الذي جاء به( ) (لما كانت البينات التي اعتمدتها محكمة الموضوع هي بينات قانونية ولها أصل ثابت في الدعوى وأن الواقعة الجرمية مستخلصة استخلاصاً سائغاً مقبولاً وحيث أن اعتراف المتهم على متهم لا يقبل إلا إذا وجدت قرينه تؤيد هذا الاعتراف وحيث أن هذه القرينة في الدعوى وتتمثل في قيام المتهم المميز بموافقة المتهم الآخر على بيع المسروقات رغم معرفته بذلك فيكون تجريم المميز وشريكه بجناية السرقة طبقاً للمادة 404 من قانون العقوبات).

ولقد استقر الفقه والقضاء على أن الاعتراف ليس حجة بذاتها ما لم يكن صادقاً وصحيحاً وصادر عن إرادة حرة وغير مشوبة بعيب من العيوب المؤدية إلى إصداره وعدم الأخذ به كما قنعت محكمة التمييز الموقرة بعدم الأخذ بالاعتراف بناء على القبول العقلي رقم 327/94 لا يفيد اعتراف المتهم أمام الشرطة إذا جاء وليد التعذيب والإكراه وأنكره المتهم أمام المدعي العام وأمام المحكمة ويتناقض مع ما ورد في كشف الدلالة وتقرير الخبير الفني وغير المقبول عقلاً ولا يتفق مع منطق الأمور إذ لا يعقل أن يقوم السارق برمي المسروقات في حاوية النفايات( ).
وقضت محكمة النقض المصرية بما يلي (يدخل في سلطات المحكمة المطلقة تقدير مدى اتصال الاعتراف بالإجراءات الباطلة ولها أن تأخذ بالاعتراف حتى أطمأنت إلى صحته وعدم تأثره بالإجراء الباطل) ( ).

وللمحكمة الحق في السير بالدعوى الجزائية إلى نهايتها وتحقق الأدلة الأخرى رغم صدور اعتراف من المتهم أمامها( ).

ويتضح لنا مما سبق أن كافة التشريعات الحديثة يقضي بأن للقاضي الجزائي كامل الحرية في تقدير حجية الاعتراف وقيمته فله أن يعول على الاعتراف في أية مرحلة من مراحل التحقيق حتى أطمأن إلى صدقه ومطابقته للحقيقة والواقع وتوافر شروط صحته قانوناً، (هذا ما نص عليه مشرعنا الأردني بنص المادة 147 من قانون الأصول الجزائية تقام البينة في الجنايات والجنح والمخالفات بجميع طرق الإثبات وبحكم القاضي حسب قناعته الشخصية).

المبحث الثاني

حجية الاعتراف الصادر من الغير

قد لا يتصور أن يكون الاعتراف من شخص من نفسه خلافاً للواقع والمنطق وأن كان ذلك وفق مجريات الأمور ومتفقاً مع الوقائع الثابتة حين ارتكاب المتهم لهذا السلوك إلا انه يتطرق ويتعدى المتهم ومن خلال اعترافه على نفسه إلى ذكر أمور صدرت من الغير أثناء هذا الاعتراف ، وفي هذه الحالة يكون المعترف في وقع الشهادة على الغير لا لاعتراف فإذا كان هذا الغير متهماً فهذه ليست إلا شهادة من متهم على متهم آخر بأنه ارتكب جريمة معه أو سانده أو سهل له الأمور أو صدرت منه أفعال معينة يلاحق من خلالها طبقاً لنص قانوني يجرمه أو يدينه ولأن الاعتراف هو إقرار من متهم بواقعه على نفسه فإن ذلك مقتصراً عليه وحده وإن كان دليلاً في جانباً آخر على الغير( ).
حيث أنه من المستقر عليه اجتهاداً أو قضاء أن الاعتراف في المسائل الجزائية شأنه شأن باقي الأدلة.

وقد جاء بقرار لمحكمة التمييز الموقرة حول ذلك قرار رقم 271/91 ما يلي (أن لاعترافات المتهمين شأنها شأن باقي الأدلة في المواد الجزائية التي تخضع لتقدير القاضي وقناعته الشخصية بضمها عملاً بأحكام المادة 147 من قانون أصول المحاكمات الجزائية وعليه فإذا توصلت محكمة الجنايات الكبرى إلى أن هذا الاعتراف أخذ من المتهمين في ظروف توجب الشبهة في صحتها وأثناء ما كانت آثار الضرب والتعذيب والاتهام بادي عليهم بالإضافة إلى تدخل بعض الحاضرين من رجال الشرطة بما فيهم أخصائي الطب النفسي) في هذه الاعتراف وأثناء الإدلاء بها أمام المدعي العام وبشهادة كاتب التحقيق لدى المدعي العام فإن من حق محكمة الجنايات الكبرى أن لا تأخذ بهذه الاعترافات إيماناً لسلطتها في تقدير الأدلة التي لا تخضع فيها لرقابة محكمة التمييز ما دام أن الطعن في سلطة المحكمة في هذا التقدير لا يدخل في عداد الأسباب التي تصلح للطعن المميز عملاً بأحكام المادة 274 من قانون أصول المحاكمات الجزائية( ).

أولاً : اعتراف المتهم ضد متهم:

أن الأقوال التي يدلي بها متهم ضد متهم آخر من أدلة الإثبات في الدعوى الجزائية إلا أنه يكون اعترافاً بالنسبة للجزء الذي يخصه من الاعتراف ويعتبر أقوالاً ضد المتهم الآخر في الدعوى وهي ليست دليلاً قاطعاً من أدلة الإثبات وإنما تؤخذ على سبيل الاستدلال ومن ثم لا يصبح الاستناد لها بمفردها للحكم على المتهم الآخر ما لم تقترن بقربته تؤيدها وقد كان هذا المبدأ الذي أخذ به مشرعنا الأردني إلا أن ذلك أصبح يخضع لتقدير المحكمة فهي الوحيدة التي لها مطلق الحرية في تقدير الأقوال بمفردها للحكم على المتهم…. وهي ملزمة بتسبب رأيها عند الأخذ بذلك( ) ، إذ لا بد أن تؤخذ أقوال متهم ضد آخر بكثير من الحيطة والحذر وقد اشترطت بعض التشريعات بهذه الإفادة أن تؤيدها (القرينة القانونية)( ).
وهذا ما أخذ به مشرعنا حيث نص في المادة 148 من أصول المحاكمات الجزائية بما يلي (يجوز الاعتماد على أقوال متهم ضد متهم إذا وجدت قرينة أخرى تؤيدها ويحق للمتهم الآخر أو وكيله مناقشة المتهم المذكور).

استناداً لهذا النص فلا يعتبر اعتراف وأقوال المتهم ضد المتهم الآخر قد اشترك معه في ارتكابه الجريمة دليلاً للإدانة إلا بعد اكتمال القرينة المؤيدة لذلك فهذا الاعتراف يقتصر فقط على ما أدلى به المتهم من أقوال يقر فيها بسلوكه الشخصي هو أما أقواله على غيره من المتهمين فلا تعتبر اعترافاً وإنما تعتبر أقوالاً لا ترقى إلى مرتبة الشهادة القانونية التامة وإن كان تقديرها يخضع لهيئة المحكمة … لذا فهي دليل ناقص ويأخذ به من باب الاستدلال.
وقد قضت محكمة التمييز الموقرة في قرارها رقم 209/96 بعدم الأخذ بأقوال متهم ضد متهم آخر ما لم تؤيد بقرينة أخرى حيث أثبتت الخبرة الفنية عدم صحة إدعاء المحكوم عليه ضد متهم آخر حيث جاء (بنص المادة 148 من قانون أصول المحاكمات الجزائية أنه لا تؤخذ أقوال متهم ضد متهم آخر ما لم تؤيدها قرينة أخرى) ( ) ولا تعتبر أقوال المتهم المحكوم عليه هو الذي قام بشراء المسدس اداة الجريمة وقام هو يدفع عنه لا يشكل قرينة تدعم اقواله على اشتراك المميز معه في جناية القتل القصد مع سبق الإصرار والترصد( ).
أيضاً فيما يتعلق بأقوال الشريك في الجرم كشاهد على شريكه فإنها لا تؤخذ كشهادة وإنما تؤخذ كأقوال متهم ضد متهم آخر وبدون قسم إذا أيدت أقواله البينات والقرائن الأخرى، وقد جاء بقرار لمحكمة التمييز رقم 233/93 ما يلي (لا تؤخذ أقوال متهم ضد متهم آخر وبدون قسم إلا إذا أيدت أقواله البينات والقرائن الأخرى عملاً بنص المادة 148/2 من أصول المحاكمات الجزائية ولا يغير من ذلك كون أحد المتهمين يحاكم أمام محكمة الشرطة والآخر أمام المحاكم النظامية بأنه شاهد) عندما استمعت لأقواله طالما أنها استمعتها بدون قسم ولم يكن قصدها اعتبارها شاهداً( ).

كما قضت محكمة التمييز الموقرة بقرار رقم 455/196 ما يلي:
اعتراف المتهم أمام أحد الشهود عن نفسه وعن متهم آخر لا يعتبر اعترافاً قانونياً ولا تعتبر أقواله (أقوال متهم ضد متهم آخر سبب مفهوم حسب نص المادة 148/2 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).
موقف الشريعة الإسلامية في أقوال متهم ضد متهم يرى جمهور فقهاء الشريعة الإسلامية أن الإقرار حجة قاصرة على المقر نفسه لا يتعداه غيره.

ويستخلص مما سبق أن الفقه الإجرائي الإسلامي لا يعتمد على ما يسميه القانون أقوال متهم ضد متهم آخر، وهذا الاتجاه الذي يأخذ به الفقه الإسلامي والذي فحواه عدم الأخذ بأقوال متهم ضد متهم آخر حيث أن تلك الأقوال في الغالب لا تخلو من الفرض لأن الإنسان بطبيعته يميل إلى دفع التهمة عن نفسه وإلصاقها بغيره خوفاً من العقاب المترتب عليه فكيف يجرم شخص بقول آخر طالما أن الاعتراف بطبيعته شخصي أي لا يقبل من غير المقترف نفسه.

ثانياً: اعتراف محامي عن موكله.

القاعدة الفقهية والتشريعية الاعتراف حجة قاصرة على المقر ولا يتعداه لغيره، فهو مسألة شخصية تلتصق بذات الشخص المعترف على نفسه يكون الاعتراف من شخص آخر له شخصية معنوية عن شخص آخر حتى ولو لم يعترض المتهم أو الظنين أو المخالف فإذا أنكر المتهم فتسليم المحامي لا يعتبر حجة عليه (وإن كان المشرع أورد استثناء على الحضور والاعتراف بنص المادة 168/1 و 2 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).
إذا جاء النص (يسوغ الظنين في الدعاوى الجنحية غير المعاقبي عليها بالحبس أن ينيب عنه وكيلاً ما لم تقرر المحكمة حضوره بالذات).
على الرغم مما ورد في الفقرة (1) من هذه المادة إذا كان الظنين شخصاً معنوياً يسوغ له في الدعوى الجنحوية أن يثبت أنه وكيلاً من المحامين ما لم تقرر المحكمة حضوره بالذات.
وهذا الحضور وحسب الرأي الشخصي يعطي الحق للوكيل بالاعتراف عن موكله ما لم تقرر المحكمة خلاف ذلك إذ أجازت الحضور وتجيز الاعتراف وإن كانت محكمة التمييز الموقرة قد ذهبت إلى خلاف ذلك بقرارها رقم 66/71 ما يلي (اعتراف وكيل المشتكى عليه بأن موكله اقترف مخالفة قانون النقل على الطرق لا يعتبر اعترافاً صادراً عن المشتكى عليه ولا يجوز الاعتماد عليه كبينة في الدعوى الجزائية وكان يتوجب دعوة رقيب السير لسماع أقوله حول هذه المخالفة) ( ).

* يرد على هذا النص شرطان:
1. أن تكون المخالفة عقوبتها الغرامة وليس الحبس.
2- أن لا تقرر المحكمة حضور المشتكى عليه بنفسه ومع أن هناك رأي الأستاذ فاروق الكيلاني.
أن هذا الاجتهاد محل نظر وذلك أن الاعتراف يصح أن يكون محلاً للوكالة فيجوز للمتهم أو يوكل محامياً بالاعتراف عنه أمام المحكمة أو في التحقيق ، وهذا التوكيل مشروع لأن كل الأعمال القانونية يصح التوكيل فيها( ).
وأنا مع الرأي الذي يؤيد توكيل محام بالاعتراف في المخالفات التي لا يجوز فيها الحبس ومع خلاف ذلك فيما عداه.

المبحث الثالث

شروط صحة الاعتراف

الاعتراف دليل من أدلة الإثبات ولكل دليل شروط وقواعد تتحقق به صحته فبعض هذه القواعد واردة صراحة في التشريعات والبعض الآخر في اجتهاد الفقه في الاقتناع وتبرير الرغبة في تأمين الحريات الفردية التي كفلها الدستور( ).

وهناك الكثير من الاختلافات في تحديد هذه الشروط من تشريع لآخر وهناك تعداد مختلف عليه بين الفقهاء فمنهم من قسمها إلى ثلاثة شروط( ) وآخرون إلى أربعة شروط والبعض الآخر إلى ستة شروط( ).
ولخطورة هذا الدليل فإنه لا بد من توافر ضوابط وشروط تحيط بسلامته قانوناً وصدقه موضوعاً وهذا لضوابط ولشروط تتمثل بالتالي:

أولاً: توافر الأهلية الإجرائية لدى المعترف.
ثانياً: صدور الاعتراف من إرادة حرة واعية.
ثالثاً: أن يكون الاعتراف صريحاً وواضحاً ومطابقاً للواقع.
رابعاً: أن يكون الاعتراف مستنداً إلى إجراءات صحيحة ومشروعة.

المطلب الأول

الأهلية الإجرائية للمعترف

الأهلية الإجرائية لها شرط هام ينبغي أن تتوافر في الشخص الذي صدر عنه الاعتراف.

وهي تعني الأهلية المباشرة نوع من الإجراءات على نحو يعتبر معه هذا الإجراء صحيحاً ويتبع آثاره القانونية وهي لا ترتبط بضوابط الأهلية للمسؤولية الجنائية ولكن مناطها فهم ماهية الإجراء وإمكان تقدير آثاره أي توافر الإدراك والتمييز دون اشتراط حرية الاختيار( ).

أما الأهلية الجنائية (الجزائية) فهي الأساس لمسألة الشخص جزائياً ويتمثل ذلك في مدى قدرة الشخص على الإرادة الحرة وهذه الأخيرة الأساس القانوني للمسؤولية الجزائية وعناصر هذه الأهلية هي الشروط التي يوجبها القانون للاعتداء بإرادة الجاني، وتتمثل في الإدراك والتمييز وحرية الاختيار ، فالإدراك والتمييز هو قدرة الشخص على فهم ماهية أفعاله وطبيعتها وتوقع آثارها، وما يترتب عليه من نتائج الإرادة الحرة أي القدرة على توجيه الإرادة إلى عمل معين أو الامتناع عنه والأصل العام أن كل من توافرت له الأهلية للمسؤولية الجزائية تتوافر له كذلك الأهلية الإجرائية.

ولكن هذه القاعدة غير مطلقة فقد يكون المتهم مؤهلاً جزائياً أو إجرائياً وقت ارتكاب الفعل – ثم يفقد أهليته ومثال ذلك من يصاب بالجنون بعد ارتكابه للجرم.
وقد يكون أهلاً للمسؤولية الجزائية وقت فعله ولكن أهليته الجزائية تكون منتفية كالحدث والأصل عدم جواز اتخاذ ذات الإجراءات ضد شخص إلا إذا توافرت له الأهلية الإجرائية كما تفرضه الإجراءات الخاصة ” خاصة مرحلة المحاكمة” لإبداء دفاعه كاملاً( ).

فلا بد أن يكون الاعتراف صحيحاً إذا صدر من المتهم بعد علمه بموضع التهمة المسندة إليه أو الأدلة التي تحيط به وذلك حتى يتمكن من الدفاع عن نفسه.

وقد أكدت محكمة التمييز الموقرة بقرارها رقم 445/96 على تأكيد نفس الاتجاه حيث جاء فيه (اعتراف المتهم بارتكاب جرماً غير مسند إليه أثناء إجابته عن الجريمة المسندة إليه في لائحة الاتهام فيستبعد اعترافه بارتكاب جرم غير مسند إليه).
فلا بد أن يتوافر لدى المقترف الإدراك والتمييز وقت الاعتراف لكي تكتمل الأهلية الإجرائية للمتهم المعترف وقد نصت المادة 85 من قانون العقوبات الأردني لا يعتبر جهل القانون عذراً لمن يرتكب أي جرم.

إلا أن هناك أسباب انعدام الإدراك والتمييز فصغر السن والجنون والعاهة العقلية والسكر او تناول أي مواد مخدرة أخرى فإن الاعترافات التي تصدر عن هؤلاء لا تقبل قانوناً في الإثبات.

1- اعتراف الصغير:
إن اعترافه لا يقبل لأنه لا يملك القدرة على إدراك مضمون أفعاله وطبيعتها وتوقع آثارها.
ولا يشترط في المتهم سناً معينة عند اعترافه أي أنه لا يتقيد بسن الرشد الذي تعارف على تحديده في القانون المدني وذلك لاختلاف الاعتراف الجنائي عن الإقرار المدني.
وعليه فإن اعتراف الصغير دون السابعة لا يقبل في الإثبات لانعدام التمييز لديه، وكذلك انعدام الإدراك( ).

وقد نص المشرع الأردني في المادة 36/1 من قانون الأحداث رقم 52/2002 لا يلاحق جزائياً من لم يتم السابعة من عمره حين اقتراف الفعل وهذه الحالة الأولى للمسائل لصغار السن من الأحداث.
أما الحالة الثانية هي اعتراف الصغير الذي أتم السابعة ولم يتم الثامنة عشرة من عمره يسمى حدثاً ذكراً كان أم أنثى، وأن كان المشرع الأردني قد فرق بين الفئة العمرية لكل متهم حدث من أتم السابعة من عمره لم يتم الثانية عشر من عمره مراهق من أتم الثانية عشر ولم يتم الثامنة عشرة من عمره الفتى من أتم الخامسة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة من عمره وأن فئة الولد يؤخذ باعترافها ولا تلاحق جزائياً والأمر متروك لتقدير القاضي وحسب قناعته الشخصية( ).

2- اعتراف المجنون وصاحب العاهة العقلية:
لقد عرف الفقه الجنون بعدة تعريفات منها (أنه حالة الشخص الذي يكون عاجزاً عن توجيه تصرفاته على صورة صحيحة بسبب توقف قواه العقلية عن النمو أو انحرافها أو انحطاطها بشروط أن يكون ذلك مخالف في الحالات المرضية) ( ).
وفي الإثبات الجنائي لا يعتد باعتراف المتهم المصاب بالجنون أو مرض عقلي أو نفسي لأن هذه الحالات تعدم الشعور والإدراك وتؤثر في مقدرة المتهم على فهم ماهية أفعاله وطبيعتها وتوقع آثارها( ).
وقد أخذ مشرعنا الأردني في المادة 233 /1 من قانون المحاكمات الجزائية إذ جاء النص:
“إذا ظهر للمحكمة أن المتهم كان حين ارتكابه الجرم المسند إليه مصاباً بمرض سبب اختلالاً في أعماله أو من العلم بأنه محظور عليه إيقاف العمل أو الترك الذي يكون الجرم”
1- قررت إدانته وعدم مسوؤليته جزائياً.
2- إذا ظهر للمحكمة أثناء المحاكمة أن المتهم مختل في قواه العقلية أو معتوه لدرجة تحول دون محاكمته تصدر قراراً باعتقاله ووضعه تحت المراقبة الطبية التي تراها ضرورية.

ونستنتج من فقرتي المادة 233 أصول عدم مسؤولية المجنون والمعتوه لفقدهما الشعور والاختيار وقت ارتكاب العمل المكون للجريمة وبالتالي فلا يعتد باعترافهما في الإثبات وأن تقدير حالات الجنون وفقدان الشعور والإدراك مسألة موضعية متروكة لتقدير القاضي وإن مناط الإعفاء هم الاختلال العقلي.
الذي تنص عليه المادة 92 من قانون العقوبات الأردني (يعفى من العقاب كل من ارتكب فعلاً أو تركاً إذا كان حين ارتكابه إياه عاجزاً عن إدراك كنه أفعاله أو عاجزاً عن العلم بأنه محظور عليه ارتكاب ذلك الفعل أو الترك بسبب اختلال في عقله).
وحول ذلك قضت محكمة التمييز في قرارها رقم 456/95 بما يلي:

إذا ظهر للمحكمة أن المتهم كان حين ارتكابه الجرم المسند إليه مصاب بمرض سبب اختلالاً في قواه العقلية وجعله عاجزاً عن إدراك كنه أعماله تقرر المحكمة إدانته وعدم مسؤوليته إلا أن تقرر عدم ملاحقته( ).

وهناك العديد من القرارات لمحكمة التمييز الموقرة التي تؤكد أن على المحكمة في مثل هذه الحالات إدانة المتهم وإعلان عدم مسؤوليته جزائياً أو وضعه في المركز الوطني للصحة النفسية عملاً بأحكام المادة 239 من قانون أصول المحاكمات الجزائية والمادة 92 من قانون العقوبات.
اعتراف السكران

ينشأ السكر نتيجة تناول عقاقير مخدرة أو كحول فيترتب عليها فقدان الشعور والإدراك وإذا تناول الشخص الكحول ومادة مخدرة بدون علمه اعتبر سكراً قهرياً وإذا كان يعلمه فيكون سكراً اختيارياً.

فإذا اعترف المتهم وهو في حالة سكر وكان فاقد الشعور وقت الإدلاء باعترافه نتيجة تناول الكحول قهراً بطل اعترافه ولا يقبل الاعتراف والمعترف فاقد الشعور نتيجة السكر ، أما إذا كان نتيجة سكراً اختيارياً حيث أن افتراض الشعور عند السكران بإرادته لا تميل إلى الاعتراف وهذا مظهر من مظاهر الاختلاف بين الأهلية الإجرامية والأهلية الجنائية ، فالشخص السكران باختياره أصل المسؤولية الجنائية افتراضاً ولكن لا يمكن أن يكون أصل الاعتراف( ).

وإذا لم يفقد المتهم الشهور تماماً فلا يبطل اعترافه ولكن للمحكمة أن تأخذ به إذا تأيد بأدلة أخرى مع مراعاة أن توافر السكر وفقدان الشعور من المسائل الموضوعية التي تخضع للسلطة التقديرية للمحكمة( ).

وقد نص المشرع الأردني في المادة 93 من قانون العقوبات على حالة السكر والتسمم بالمخدرات الإجباري أو التي تقع بدون علم الجاني وقت ارتكاب الفعل حيث لا عقاب عليه أي تنعدم مسؤوليته الجزائية بعكس السكر الاختياري.
لا عقاب على من يكون فاقد الشعور أو الاختيار في عمله وقت ارتكابه الفعل بغيبوبة ناشئة عن الكحولة أو عقاقير مخدرة أياً كان نوعها إذا أخذها من دون رضاه أو على غير علم منه بها.

المطلب الثاني
صدور الاعتراف عن إرادة حرة

حتى يصبح الاعتراف مقبولاً في الإثبات يجب أن يكون صادراً عن إرادة حرة واعية وأن يكون المعترف متمتعاً بحرية الاختيار لذا يجب أن يكون بعيداً عن أي تأثير خارجي وان يكون هناك تأثير على إرداة المعترف أصبح اعترافه باطلاً ، فالاعتراف الذي يعتبر حجة ضد المتهم هو الذي يصدر عن إرادة واعية فإذا شاب أرادته إكراه مادي او أذى عد الاعتراف باطلاً( ).
وقد استقر الاجتهاد القضائي لمحكمة التمييز الأردنية الموقرة في العديد من قراراتها على أن الاعتراف ليس حجة بذاته ما لم يكن صادراً عن إرادة حرة واعية وغير مشوب بعيب من عيوب البطلان التي تؤدي إلى استبعاده وعدم الأخذ به وهذا ما استقر عليه الفقه أيضاً.

ففي قرارها رقم 678/98 قضت بما يلي:
من المستقر فقهاً وقضاءاً أن الاعتراف ليس حجة بذاته ما لم يكن صادقاً وصحيحاً وصادراً عن إرادة حرة وغير مشوب بعيب من العيوب المؤدية إلى إصداره وعدم الأخذ به فإذا تناقض الاعتراف مع البينة الفنية التي قدمتها النيابة وتناقض مع أقوال شهود الإثبات أمام المدعي العام مع أن هذه الأقوال منقولة عن المجني عليه مباشرة إضافة إلى أن ما جاء في الإفادة الدفاعية التي أدلى بها المتهمان والبيئة الدفاعية التي قدماها والتي لم تناقشها محكمة الجنايات الكبرى كل ذلك يشكل توافر شروط صدور الاعتراف عن إرادة حرة واعية وينفي صحة وصدق الاعتراف خاصة وأن المتهم الأول استحضر للحقيقة معه قبل ثلاثة أيام من إنهاء محكوميته في سجن سواقة في قضية أخرى وأن المتهم الثاني حضر للتحقيق معه في نفس يوم الإفراج عنه في قضية أخرى وعليه وطالما أن محكمة الجنايات الكبرى أسست حكمها المميز القاضي بتجريم المميزين على اعترافهما رغم عدم توفر شروط صحتها يجعل التجريم مخالفاً للقانون ومستوجباً النقض.
ويعتبر الوعد والإغراء أحد الوسائل التقليدية لحمل المتهم على الاعتراف وهو كل ما من شأنه إيجاد الأمل لدى المتهم بتحسين ظروفه إذا اعترف بجريمته كالوعد بالعفو( )، فالاعتراف الذي يكون مصدره الوعد يكون باطلاً( ).

وكذلك فإن الإكراه المعنوي هو عبارة عن ضغط يمارسه شخص على إرادة شخص آخر لتوجهها إلى سلوك معين وينوي في ذلك أن يكون تهديداً بالإيذاء المهدد في شخصية أو في حالة عرضه أو بإيذاء غير من اعترافه هو تهديد، وكذلك يعد من قبل الإكراه تحليف المتهم اليمين / وذلك يحمله على لصدق في أقواله إلا أن هذا الالتزام لا ينطبق على المتهم لخالفته مبادئ الدستور ووثيقة إعلان حقوق الإنسان( )، وكذلك فإن الاعتراف الصادر والناتج عن طرق الخداع والحيلة مع المتهم وذلك للوصول إلى الحقيقة كذلك فإن التأثير المادي هو النوع أو الشكل الثاني من أشكال التأثير على إرادة المتهم وهذا النوع من الأنواع المؤثرة على المتهم ويأخذ أشكالاً مختلفة تؤثر على إرادة المتهم وبالتالي فإن الاعترافات الصادرة نتيجة هذه الإجراءات تكون باطلة بطلاناً مطلقاً ومن أهم صورها:

1. إرهاق المتهم بالاستجواب المطول.
2. الاستعانة بكلاب الشرطة.
3. الاعتراف تحت تأثير التنويم المغناطيسي.
4. الاعتراف تحت تأثير المخدرات والعقاقير.
5. الاعتراف الناتج عن استخدام جهاز كشف الكذب( ).
ولكل نوع من أنواع وأشكال هذه الاعترافات له من الطرق والأساليب الموصلة إليه.

المطلب الثالث

أن يكون الاعتراف صريحاً واضحاً ومطابقاً للواقع

إن شروط صحة الاعتراف تتطلب أن يكون الاعتراف صريحاً لا لبس فيه ولا غموض ولا يحتمل أكثر من تأويل دالاً بذاته على اعتراف المعترف للفعل المسند إليه وفي حالة عدم تحقق هذا الشرط فلا يجوز للمحكمة التعويل على الاعتراف كدليل في الإثبات، إذ أن الاعتراف في جوهره هو تعبير عن إرادة المتهم الحرة بنسبة واقعة معينة إليه لذا يجب أن يكون صريحاً وواضحاً لا لبس فيه، حتى يكن الاستناد إليه كدليل إدانة وتجريم وتقنع المحكمة بأن المتهم يفهم تماماً ماهية التهمة المقررة إليه وما يترتب على اعترافه من نتائج.
وإن شرط صحة الاعتراف ومطابقته للحقيقة هو نتيجة لازمة لصدور الاعتراف عن إرادة حرة.
واشتراطاً أن يكون الاعتراف أرادياً يقتضي أن يكون التعبير عن هذه الإرادة واضحاً لا لبس فيه.
لذا فإن شرط الوضوح هو نتيجة لازمة لشرط الإرادة فيه بل أنه إذا جاز القول ان شروط الإرادة يصنع المبدأ العام فإن شرط الوضوح في الاعتراف يصنع حدود هذا المبدأ وهو أن يكون التعبير الظاهري عن الإرادة واضحاً( ).
وقد قضت محكمة التمييز الموقرة في قرارها رقم 77/53
أنه لا يجوز الاستناد إلى اعتراف شابه الغموض واحتمال التأويل حيث جاء في القرار المشار إليه (بعد التدقيق نجد ان الاعتراف الذي سجلته المحكمة البدائية على لسان المميز استندت إليه في حكمها “أنا مذنب” وقد أطلقت النار على المشتكي صبحي عبد الله عن سبق الإصرار وتصميم وهذا الاعتراف كما يبدو يشتمل على اصطلاح قانوني هو (سبق الإصرار) رغم أن اعترافه صادر عن شخص رويلي لا يدرك المعنى القانوني الذي ينطوي عليه الاصطلاح خصوصاً أنه لم يكن ممثلاً أمام المحكمة بمحام يرشده إلى كنه اعترافه).

كذلك قضت محكمة التمييز أيضاً بقرارها رقم 194/84 بما يلي:

إن اعتراف المميز ضده الأول أمام المدعي العام بقوله (أني مذنب عن جرم التدخل بالتزوير ونادم على هذا الفعل ولم أكن أقصد ذلك فإن مثل هذا الاعتراف المجمل لا يقيد به في لإثبات جريمة التدخل بشروطها القانونية إذا فسر اعترافه بأنه بناه على واقعه علمه بأن شهادة الميلاد البديلة استخرجها الموظف المتهم الأول خلافاً للقانون) ( ).

وفي قرار آخر لمحكمة التمييز الموقرة (حول الاعتراف غير المطابق للحقيقة والواقع جاء اجتهاداً في القرار رقم 746/97 مؤكداً على بطلان هذا الاعتراف قانوناً حيث جاء في القرار ما يلي (إذا تبين أن اعتراف المتهم غير مطابق للحقيقة ويتناقض مع شهادة المشتكي ويتناقض مع تقرير الكشف عن موقع السرقة فتكون الوقائع الواردة بالاعتراف غير صحيحة ( )ويكون الأخذ بالاعتراف الذي جاء دليل التأثير على إرادة المتهم وغير المطابق للحقيقة مخالفاً للقانون).

وهكذا يتضح لنا قرارات واجتهادات محكمتنا محكمة التمييز الموقرة بهذا الخصوص أن الاعتراف المعول عليه في التجريم أو الإدانة هو الاعتراف الصادر عن إرادة حرة واعية ، وواضحاً وصريحاً ومطابقاً للحقيقة والواقع لا لبس فيه ولا غموض.

المطلب الرابع

استناد الاعتراف إلى إجراءات صحيحة ومشروعة

إن أدق شروط صحة الاعتراف وأكثرها أهمية هو أن يكون الوصول إلى الاعتراف مشروعاً إذا جاء الاعتراف بعد إجراء باطل فإنه ينبغي للتعويل عليه بحث الرابطة بينه وبين الإجراء الباطل .

إذ يجب أن يكون الاعتراف مستنداً لإجراءات صحيحة لكي يقبل في الإثبات ذلك أن الاعتراف المبني على إجراءات باطلة يقع باطلاً استناداً إلى القاعدة العامة الفقهية التي تقول ( ما بني على باطل فهو باطل ) .

إذا شاب البطلان أي إجراء من إجراءات التحقيق وكان اعتراف المتهم وليد هذا الإجراء الباطل – فإن البطلان يمتد لهذا الاعتراف وجب استعباده وعدم التعويل عليه وعلى سبيل المثال فاعتراف المتهم نتيجة استجواب من قبل أحد أعضاء الضابطة العدلية المناب من قبل الدعي العام فإن ذلك الاعتراف يعد باطلاً لعدم جواز الإنابة في الاستجواب.

وكذلك يقع باطلاً الاعتراف وليد تعرف المجني عليه على المتهم في عملية عرض باطل وكذلك الاعتراف إذا كان نتيجة قبض أو تفتيش باطلين . ولا يصح للمحكمة الاعتماد على الدليل المستمد منهما ومن ثم فلا يجوز الاعتماد على ما هو وارد في محضر التفتيش الباطل من أقوال واعترافات للمتهمين أو إقامة إدانة المتهم على دليل مستمد من محضر تفتيش وقبض باطل . إذ أن القاعدة الفقهية أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها البعض الآخر وتتكون عقيدة المحكمة منها جميعاً مجتمعة بحيث إذا أسقط أحدهما أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ – الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة .

وقد قضت محكمة التمييز الموقرة / ببطلان الاعتراف نتيجة القبض الباطل للمتهم وحجزه بالنضارة مدة تزيد على أسبوعين ففي قرار لها يحمل الرقم 746/97 جاء فيه (يكون اعتراف المتهم لدى الشرطة وليد الإكراه والضرب بدليل وضعه في النضارة مدة تزيد على أسبوع خلافاً لأحكام المادة (100 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي لا تجيز للضابطة العدلية إبقاء المقبوض عليه في نضارة الشرطة مدة تزيد عن ثمان وأربعين ساعة) .

ويتوجب بعدها إرسال المدعي العام وإبقاؤه هذه المرة في النضارة يعني تعرضه لممارسة وسائل الإكراه لحمله على الاعتراف إضافة إلى أن المتهم اشتكى لأحد مسؤولي المركز الأمني بممارسة التعذيب وإكراه عليه مما يتوجب على ذلك المسؤول التحقيق في هذه الواقعة .

أما بالنسبة للاعتراف المستقل عن الإجراء الباطل فلا يترتب عليه حتماً بطلان الاعتراف اللاحق عليه فيصبح أن يكون هذا الاعتراف مستقلاً عن الإجراء الباطل وليس نتيجة حتمية له وبالتالي يمكن اعتباره دليلاً مستقلاً بذاته هو يعتد به في مجال الإثبات ضد المتهم حتى اطمأنت المحكمة إلى صحته وعدم تأثره بالإجراءات الباطلة – ومثال ذلك الاعتراف الصريح والتفتيش الباطل – إذ أن الاعتراف الصريح يزيل اثر التفتيش الباطل والمحكمة هي صاحبة الصلاحية في تقدير ذلك .

وقد قضت محكمة التمييز الموقرة بقرارها رقم 380/98 بما يلي :

احتفاظ المخابرات العامة المتهم لفترة تزيد على الخمسين يوماً تم خلالها ضبط أقواله يشكل عملاً تعسفياً وفقاً لأحكام المادة 113 – ومخالفاً لأحكام المادة 100 من قانون أصول المحاكمات الجزائية كما أنه يثير الشك بصحة أو بسلامة الإجراءات التي اتخذت خلال تلك المدة إلا أن ذلك لا يؤثر على النتيجة في هذه الدعوى طالما اعترف المتهم أمام المحكمة بضبط العبوة الناسفة في منزله وهذا دليل مستقل عن الإجراءات المخالفة للقانون.

وفي رأيي أن ما اتجهت إليه محكمة التمييز الموقرة بأن الاعتراف المستقل يشكل الجزء الأكبر من الحقيقة و الإجراء الفرعي فهو دليل وبالتالي فإن بطل الفرع يصحح الأصل إذا كان وفق إجراءات تتفق مع شروط وصحة الاعتراف .

أن بطلان الإجراءات لا يترتب عليه حتماً بطلان الاعتراف اللاحق عليه فيصح أن يكون هذا الاعتراف مستقلاً عن الإجراء الباطل وليس نتيجة حتمية له ويمكن اعتباره دليلاً مستقلاً في الإثبات .

الفصل الثاني
العدول عن الاعتراف وبطلانه وآثاره

المبحث الأول
العدول عن الاعتراف

للمتهم حق العدول عن اعترافه في أي وقت حتى قفل باب المرافعة ذلك أن الاعتراف ليس حجة عليه فإنه يجوز للمتهم الرجوع عنه دون أن يلزم بإثبات عدم صحته .

الاعتراف الذي رجع عنه ويخضع ذلك لتقدير محكمة الموضوع وهذا بعكس الإقرار في المواد المدنية إذ أن الإقرار إذا ما قبل من قبل المحكمة أصبح حجة على المقر.

وبالتالي فإن العدول عن الاعتراف محصور أمام محكمة الدرجة الأولى الناطقة أمام محكمة التمييز فلا يستطيع المعترف العدول عن اعترافه .

أما مشرعنا الأردني فقد أعطى الحق للمتهم أو الظنين أمام المحكمة بالرجوع عن الاعتراف الذي أدلى به خلال مرحلتي التحقيق لدى الشرطة ولدى المدعي العام . وقد جاء ذلك بنص المادة 216/2 من قانون أصول المحاكمات الجزائية وهي من الضمانات التي كفلها المشرع للمتهم من خلال القانون.

وقد جاء ذلك النص ” إذا أنكر المتهم التهمة أو رفض الإجابة أو لم تقتنع المحكمة باعترافه بها تشرع في الاستماع إلى شهود الإثبات ” كذلك المادة 159 من نفس القانون مفادها أنها تجيز للمحكمة أن لا تأخذ بإفادة المتهم أو الظنين والتي تمت في غير حضور المدعي العام إلا إذا أثبت لها أنها أخذت بطوعه واختياره وقدمت النيابة الدليل على ذلك .

وبالرجوع لاجتهاد محكمة التمييز الموقرة نجد أنها وتمشياً مع مبدأ القناعة الشخصية للقاضي وحريته في تقدير قيمة الاعتراف والرجوع عنه فإنه يجب على المحكمة إذا أخذت بالاعتراف بعد الرجوع عنه أمامها وأسست حكمها بالإدانة أو التجريم على اعتراف المتهم السابق أمام الشرطة والمدعي العام أو تبين في حكمها سبب عدم أخذها برجوع المتهم الذي تم أمامها وكذلك إذا استبعدت اعتراف المتهم لاقتناعها بالرجوع عنه فعليها أن تسبب قرارها وإلا شابه القصور.

وقد قضت محكمة التمييز في قرارها رقم 327/94 حول ذلك بما يلي :

لا يعتبر اعتراف المتهم أمام الشرطة إذا جاء وليد التعذيب والإكراه وأنكر المتهم أمام المدعي العام وأمام المحكمة يتناقض مع ما ورد في كشف الدلالة وتقدير الخبير الفني وغير المقبول فعلاً ولا يتفق مع منطق الأمور إذ لا يعقل أن يقوم السارق برمي المسروقات في حاوية النفايات أن القول بأن محكمة التمييز لا تملك التدخل فيما توصلت إليه محكمة الموضوع بما لها من صلاحية في تقدير الأدلة إنما هو يقيد بشرط التعليل الوافي ولا مجال لتدخل محكمة التمييز متى كانت البينة التي اعتمدتها محكمة الموضوع من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي توصلت لها .

يجوز للمحكمة أن تأخذ باعتراف المتهم أمام المدعي العام ولو رجع عنه أمامها فقد أيدت محكمة التمييز محكمة الموضوع قديماً في قرارها رقم 14/95 إذ جاء بقرارها ما يلي :
رجوع المتهم عن اعترافه في إفادته الفورية التي أدلى بها أمام المدعي العام فيما بعد لا يؤثر على الواقع التي اعترف بها ما دام أنه لم يرد في القضية ما يشير إلى أن تلك الإفادة لم تؤد بالطوع ” الاختيار ” .

((بطلان الاعتراف))

البحث الثاني

البطلان هو جزاء عدم مراعاة شروط وصحة الاعتراف وجميع هذه الشروط متساوية في أهميتها فيترتب البطلان على مخالفة أي منها دون استثناء ومتى لحق البطلان بالاعتراف زالت عنه قيمته القانونية كدليل في الدعوى – فيشترط فيمن يدلي بالاعتراف أن يكون متهماً بارتكاب جريمة أو تتوافر لديه الأهلية الجنائية بأن يكون الاعتراف صادراً عن إرادة حرة بعيدا عن وسائل الإكراه سواء مادية أو معنوية وأن يكون الاعتراف صريحاً لا لبس ولا غموض فيه ، وإلا أصبح اعترافاً باطلاً وتزول عنه القيمة القانونية كدليل في الدعوى.

وإذا كانت الإجراءات في الدعوى قد رتب عليها القانون البطلان فإن الاعتراف يفقد قيمته القانونية كدليل في الدعوى وقد يرتب القانون على الإخلال بالضمانات صحة الاعتراف وإجراءات أخرى بالإضافة إلى البطلان كالجزاء التأديبي أو التعويض المدني الذي يلزم مرتكب الفعل بدفع التعويض نتيجة الضرر الذي ينجم عن تصرفه كما قد يكون جزائياً عندما يثبت تعذيب المتهم .

ومن صور الدفع ببطلان الاعتراف :

1- البطلان لعدم مراعاة شرط الأهلية الإجرائية للمعترف .

وقد ذهبت محكمة التمييز الموقرة إلى توضيح الصورة في هذا الجانب بقرارها رقم 645/98 بما يلي ( إذا توصلت محكمة الموضوع إلى أن المتهم الثاني كان حين ارتكابه الجرم المسند إليه مصاباً بمرض عقلي سبب اختلالاً في قواه العقلية وجعله عاجزاً عن إدراك كنه أفعاله وقررت بالنتيجة عدم مسؤوليته فلا يجوز للمحكمة أن تعتمد أقوال هذا المتهم ضد المتهم الثاني لأن هذه الأقوال صادرة عن شخص غير مسؤول ولا يجوز أن تكون سبباً في تقدير مسؤولية غيره إضافة إلى عدم تأييد هذه الأقوال بأية بينة أخرى ) .

2- البطلان لعدم مراعاة شروط صحة الاعتراف :

يقصد بحجية الاعتراف صلاحيته حال توافر أركان وشروط صحته كدليل لإدانة المتهم وتقدير ذلك يعود لمحكمة الموضوع إلا أن الحجية لها خصوصيتها حسب الجهة التي صدر أمامها الاعتراف .

وقد أبطلت محكمة التميزي الأردنية من الاعترافات التي جاءت وليدة الإكراه والتعذيب المادي والمعنوي في قرارها رقم 86/86 قضت بما يلي :
(إن الاعتراف الذي يعتبر حجة ضد المتهم الذي يصدر عن إرادة واعية فإذا شاب إرادته إكراه مادي أو أدبي عد الاعتراف باطلاً ).

وهناك العديد من القرارات في مثل هذا المجال صدرت عن محكمة التمييز الموقرة .

3- البطلان لعدم مراعاة شروط استناد الاعتراف إلى إجراءات صحيحة .

تعتبر الإجراءات الصحيحة السابقة على الاعتراف بمثابة الأساس أو المقدمة الضرورية له حيث أن البطلان المترتب على تلك الإجراءات لا ينفصل عن الإجراءات اللاحقة عليه سواء من حيث نوعها أو من حيث كيفية التمسك بها – فبطلان الاعتراف أثره لبطلان ما سبقه من إجراءات كالتفتيش والقبض الباطلين والاستجواب الباطل .

4- البطلان لعدم مراعاة شروط صراحة الاعتراف مطابقته للحقيقة والواقع.

إن الاعتراف الذي يعتد به هو الاعتراف الصادر عن إرادة حره ومتفقاً مع الحقيقة والواقع ولا يعتريه أي لبس أو غموض محتمل أو تأويل أما إذا كان الاعتراف على عكس ما تقدم فإنه يعتبر باطلاً ولا يعتد به ويهدد أدلة الدعوى الجزائية ولا يبنى عليه حكماً .

المبحث الثالث

الآثار الإجرائية للاعتراف

ترى أغلب التشريعات الجزائية أن الاعتراف دليل شأنه شأن باقي الأدلة في المواد الجزائية إلا أنه عملياً إذا صدر صحيحاً صادقاً بدون وعد أو وعيد أو عنف لا أثر فيه للكذب والخداع بحيث كان مطابقاً للحقيقة و الواقع يكون له أهمية كبيرة كدليل في الإثبات ويكاد يشبه حالة التلبس وهو بتلك الحالة يسهل الإجراءات ويختصرها للمدعي العام والقاضي معاً لذا سنتناول الآثار الاجرائية المترتبة عليه في جميع مراحله .

المطلب الأول

الأول – أثار الاعتراف أمام رجال الشرطة

إن الاعتراف في هذه المرحلة الأولية من التحقيق ( مرحلة جمع الاستدلالات) يسهل جمع باقي الأدلة وضبطها مثل أدوات الجريمة من سلاح وغيره أيضاً يسرع بتنظيم الضبوطات وقد يكشف الاعتراف عند باقي الشركاء في الجريمة وقد يكشف بعض الجرائم قبل وقوعها.

ويترتب على الاعتراف في تلك المرحلة ايضا توفير في الجهد والوقت ولا يجوز في هذه المرحلة البحث والتحري لرجال الضابطة العدلية ( رجال الشرطة ) استجواب المعترف لأن القانون حصر هذا الاجراء بالمدعي العام وذلك بموجب نص المواد 48 و 92 فقرة (1) و 100 من قانون أصول المحاكمات الجزائية .

وقد قضت محكمة التمييز الموقرة بهذا الخصوص في قرارها رقم 369/98 بما يلي:
” استمرار التحقيق الشفوي مع المتهم لمدة أربع ساعات ولم يتم خلالها تدوين إفادته خطياً حتى الساعة الثانية والنصف ليلاً وبعد انتهاء التحقيق وإن الملام المتحقق كان يناقش المتهم في أقواله التي يدلي بها لم يكن يدونها أول بأول إنما يعتبر استجواباً يخرج عن صلاحية المحقق وهو من صلاحيات المدعي العام وممنوع على الغير من أفراد الضابطة العدلية عملاً بالمادة (48) من قانون أصول المحاكمات الجزائية مما يترتب البطلان على هذه الإفادة ولا يجوز التعويل عليها في الحكم إذ أنها تتعلق بحقوق أساسية للدفاع.

ثانياً : أثر الاعتراف العام أمام ( النيابة العامة ) المدعي العام .

إن اعتراف المتهم أمام المدعي العام يبنى عليه استجوابه في كل نقطة أبداها في اعترافه أي تفصيلياً ومواجهته بأدلة الدعوى ، أو إذا صدر الاعتراف بعد صدور قرار منع المحاكمة لعدم كفاية الأدلة أو أن الفعل لا يؤلف جرماً أو لم يقم دليلاً على ارتكابه الجرم فعلى المدعي العام أن يعيد التحقيق في الدعوى من جديد ويشترط في هذا الاعتراف أن يكون دليلاً جديد بمعنى أن لا يكون عرض على المدعي العام قبل إصداره قرار منع المحاكمة وقد نصت المادة (138) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على ذلك ( إذا ظهرت أدلة جديدة تؤيد التهمة بحق المشتكى عليه الذي منعت محاكمته لعدم جود أدلة أو لعدم كفايتها فعلى المدعي العام الذي أصدر قرار منع المحاكمة إجراء تحقيق جديد وله أن يصدر أثناء ذلك التحقيق مذكرة توقيف بحق المشتكى عليه ولو كان قد أخلى سبيله ) ، كذلك لا يترتب الاعتراف أي أثر إذ أصدر بعد سقوط الدعوى العمومية .

ثالثاً – أثر الاعتراف بعد إحالة الدعوى الجزائية للمحكمة .

إذا أحيلت الدعوى الجزائية للمحكمة زالت ولاية النيابة العامة في إجراء أي تحقيق متعلق بذات المتهم الذي قدمته المحكمة وعند الواقعة نفسها إلا أنه قد يصدر الاعتراف من متهم آخر بارتكاب الجريمة أو مساهمته منها بعد إحالة الدعوى فيتوجب على المدعي العام أن يجري تحقيقاً جديداً ويتأكد من صحة هذا الاعتراف وبالتالي يحال المتهم بدعوى جديدة إلى المحكمة ولو كان منشأها الدعوى المنظورة .

المطلب الثاني

أثر الاعتراف أمام المحكمة

يترتب على اعتراف المتهم أمام المحكمة عدة آثار إجرائية منها :

1- الاستغناء عن سماع الشهود .

وبنص المادة 216/2 والمادة 172/2 من قانون أصول المحاكمات الجزائية والتي تعطي للمحكمة جوازية أن يحكم المتهم بناء على اعترافه أمامها بون سماع الشهود .
بنص المادة 216/2 من ذات القانون ما يلي ( إذا اعترف المتهم بالتهمة يأمر الرئيس تسجيل اعترافه بكلمات أقرب ما تكون إلى الألفاظ التي استعملها في اعتراف ويجوز للمحكمة الاكتفاء باعترافه وعندئذ يحكم عليه بالعقوبة التي تستلزمها جريمته إذا رأت خلاف ذلك. هذا في حالة اعتراف المتهم بالتهمة المسندة إليه وتسليمه بها تسليماً غير مقيداً حيث يعتبر هذا الاعتراف هو ما استقر عليه القضاء الأردني دليل إدانة كافية للإثبات.

وقد قضت محكمة التمييز بقرارها رقم 62/92 بما يلي :
لمحكمة الموضوع الاكتفاء باعتراف المتهم بالتهمة المسندة إليه عملاً بالمادة 216/2 من قانون أصول المحاكمات الجزائية ولا يرد الاحتجاج بعدم دعوة الشهود لأن الاعتراف بينة قانونية وقد قضت بها المحكمة .

أما إذا أبدى المتهم أثناء اعترافه أمام المحكمة أي تحفظاً على اعترافه بحيث جزأه أو اعتبره حالة دفاع شرعي أو أنه كان تحت تأثير ثورة الغضب الشديد أو إذا اعترف محامي المتهم على صحة اعترافه كان لزاماً على المحكمة أن تستمع لشهادات شهود النيابة حتى تكون قناعتها بما تتوصل إليه بالنتيجة بقرارها بنتيجة الدعوى ، وقد قضت محكمة التمييز الموقرة بقرارها رقم 671/97 .

إذا كانت إدانة المشتكى عليه بجرم إطلاق عيارات نارية بدون داع سنداً لاعترافه بإطلاق العيارات النارية إلا أن محكمة الصلح جزأت هذا الاعتراف والذي ذكر فيه المشتكى عليه بأنه أطلق العيارات النارية على ( جرذون ) فإن من شأنه ثبوت ذلك أن لا يكون إطلاق العيارات النارية مقاربة بدون داع وكان على المحكمة سماع البينة حول هذه النقطة .

وقضت محكمة التمييز الموقرة بقرارها رقم 388/96 بما يلي :

لا يرد القول بوجوب سؤال المتهم إذا كان يرغب بإعطاء إفادة دفاعية أو لديه بينات دفاعية إذا كان قد اعترف أمام محكمة الجنايات بالتهمة المسندة إليه عملاً بأحكام المادة 216/2 من قانون أصول المحاكمات الجزائية . وإن كان على المحكمة أن تفهم المتهم نص المادة 232 والمادة 178 من أصول المحاكمات الجزائية في الجنايات والجنح وذلك إن الاعتراف ليس البينة الوحيدة في تكوين قناعة المحكمة خاصة بعدما أوضحنا سالفاً وحتى تتمكن المحكمة من تكوين قناعتها وبسط سلطاتها على كافة البينات الواردة في القضية .

والمحكمة لها أن تتحقق من خلال البينات المقدمة فيما إذا كان اعتراف المتهم أو الظنين موافقاً للشروط الواردة للوقائع الثابتة في ملف القضية المنظورة أمامها ولها أن تستبعد اعترافه بجرم غير مسند إليه في قرار الاتهام ولائحة الاتهام وإن تتحقق من ذلك الاعتراف فيما إذا كان القصد فيه المواراة أو التضليل للوصول إلى الحقيقة .

المطلب الثالث

آثار الاعتراف الصادر ما قبل حكم مبرم :

قد يعترف المتهم بعد صدور الحكم عليه بالتهمة المنسوبة إليه بعد أن كان منكراً لها سواء أمام المدعي العام أو أمام المحكمة فإذا كان الحكم السابق على اعترافه قد صدر بإدانته فلا يكون لهذا الاعتراف أثر سواء تقوية الدليل الذي توصلت من خلاله المحكمة لهذا الحكم.

أما إذا كان الحكم السابق على اعترافه صادراً ببراءته فيوقف الأمر حتما ً إذا كانت النيابة العامة قد طعنت بهذا الحكم أمام محكمة الاستئناف أو محكمة التمييز . في حالة استئناف الحكم من قبل النيابة العامة أمام محكمة الاستئناف ضد المتهم أو الظنين أو المشتكى عليه بالطعن بالحكم المستأنف ببراءته . وعند صدور اعتراف من المتهم أو الظنين أو المشتكى عليه فإن محكمة الاستئناف تستند إلى ذلك الاعتراف كدليل إدانة حيث تنظر الدعوى موضوعاً برمتها وبالتالي لها أن تستند إلى أدلة جديدة أخرى في الدعوى بدون أن تتقيد بالأدلة المطروحة أمام محكمة الدرجة الأولى وذلك سنداً لنص المادة 262 من قانون أصول المحاكمات الجزائية .

(( إن استئناف النائب العام أو المدعي العام ينشر الدعوى بجميع جهاتها لدى محكمة الاستئناف بحيث يكون حق الحكم بما نرى أنه يجب على المحكمة أن تحكم به ما لم يكن وارداً على جهة معينة فيقتصر مفعوله على هذه الجهة )) .

والمادة 264/2 من ذات القانون نصت على ما يلي :
1- لا يجوز فسخ الحكم القاض ببراءة المتهم أو الظنين أو المشتكى عليه وإدانته إلا بعد إجراء المحاكمة مرافعة وسماع البينات.
2- قد يصدر اعتراف من المتهم بعد الحكم ببراءته من محكمة أول درجة أو ثاني درجة أمام محكمة التمييز الموقرة حيث يكون الحكم المميز مطعون فيه من قبل النيابة العامة منصباً على فساد الاستدلال والخطأ في الإسناد وعيب القصور في التسبب والتعليل مما يشكك في استخلاص الحكم للواقعة .
3- أما إذا صدر اعتراف من شخص آخر غير المتهم في الدعوى وذلك أثناء السير في الدعوى المطروحة أمام محكمة الدرجة الأولى – وهنا يجب ضم القضيتين معاً.

أما أثر الاعتراف الصادر بعد صيرورة الحكم البات .
فإن هذا الحكم هو حكم مبرماً بالإدانة لا يترتب عليه أي أثر ولو كان منكراً له في جميع مراحل المحاكمة .

ثالثاً – أثر الاعتراف الصادر عن غير المتهم المحكوم عليه بحكم بات بالإدانة .

فقد يظهر دليل جديد باعتراف ذلك الشخص بعد صيرورة الحكم على المحكوم عليه بالإدانة ، وهنا يكون ظهور هذا الدليل الجديد بظهور القاتل الحقيقي بعد أن اعترف بارتكاب الجريمة.

فتقييم النيابة العامة دعوى الحق العام عليه بعد التأكد من صدق ذلك الاعتراف وصحته وتحيله إلى محكمة الموضوع ، وعندما يصدر حكم مبرم يكون سبباً لإعادة المحاكمة .

إذ يبنى على قبول طلب المادة المحاكمة النظر بإلغاء الحكمين معاً والتحقيق من جديد لمعرفة أي المتهمين هو البريء.

وقد نص المشرع الأردني في المادة 292 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
يجوز طلب المادة المحاكمة في دعاوى الجناية والجنحة أيا كانت المحكمة التي حكمت بها العقوبة التي قضت بها وذلك في الأحوال التالية :
أ‌. إذا حكم على شخص بجناية أو جنحة وحكم فيما بعد على شخص آخر بالجرم نفسه ، وكان الحكمان لا يمكن التوفيق بينهما وينتج عن ذلك ما يؤدي إلى براءة أحد المحكوم عليهما .
ب‌. إذا ظهرت بعد الحكم أدلة جديدة من شأنها إثبات براءة المحكوم عليه .

التوصيات :

ومن التوصيات التي تدور في خلد الباحث :

1- الاستعانة بمحامي خلال مراحل البحث والتحري والاستدلالات الشرطية وذلك لضمانات حقوق المتهمين والأظناء والمشتكى عليهم كذلك تعيين محامي دفاع للمتهم في الجرائم المنصوص عليها في المادة 208/1 من قانون العقوبات في مراحل التحقيق وتعيين محامي للمتهم أمام المدعي العام أصول المحاكمات الجزائية بوجوب تعيين محامي من قبل المحكمة في حال غياب المحامي الأصيل وذلك لتفادي تحكم المحامون في إجراءات المحاكمة وتأخير الفصل في القضايا التي أوجب القانون فيها مثول المحامي مع المتهم وتكليف نقابة المحامين بتسمية محامي الدفاع دورياً ٍأو اختيارياً في حالة تعيين محامي من قبل المحكمة سنداً لأحكام المادة 208/1 بكشوف دورية وكذلك إفهام المتهم أن لا يجيب على أي سؤال يطرح عليه في كافة مراحل التحقيق والمحاكمة إلا بوجود محام له .

(( خاتمة التوصيات ))

1- بعد تسليط الضوء على الاعتراف وحجته في مواد هذا البحث يتضح لنا أن الاعتراف هو النموذج الأمثل لمشكلات الإثبات في المسائل الجزائية .

فقد كان القدماء يعتبرونه البينة الحقيقية والوحيدة وأنه وحده قادر على إراحة ضمير القاضي وطمأنته في الوصول إلى الحقيقة والحكم بدون ندم يمس ضميره جراء ما توصل إليه في خلاصة حكمه إذ أثبت الواقع العملي أن القاضي حراً في بناء حكمه على أي دليل يولد في نفسه إلا أن القناعة باقتراف الجرم شرط أن يكون قراره معللاً وأن يذكر في متن حكمه الحيثيات التي بني عليها حكمه وإلا فإن حكمه يصبح ( قابلاً للنقض) كما أن محكمة التمييز لا تدخل في تقدير قناعة القاضي للأدلة الموجودة بين يديه على أن يكون ذلك وفقاً للوقائع الثابتة المستخلصة من البينة المقدمة والدليل والحجة القاطعة بل يجب أن يكون ذلك يعتمد على ضميره المجرد ونزاهته المطلقة .

وأن القول أن الاعتراف كباقي الأدلة متروك لتقدير المحكمة فيجب أيضاً أن يكون هذا الاعتراف مستوفياً شرائطه التي يتطلبها القانون بحيث يكون هذا الاعتراف سليماً وقانونياً وثابت المصداقية موضوعاً بعيداً عن كل المؤثرات التي قد تؤدي بالإخلال بسلامة الاعتراف.

إذ أنه ومن المعلوم أن الضمانات المقررة سلامة الاعتراف مبنية على أساس احترام حقوق الإنسان وآدميته وهي ذات طابع دستوري لا يقيد القاضي فحسب بل يقيد المشرع نفسه إذ أن هذه الضمانات مصدرها الدستور وروحها القانون وأن هذه الأحكام لا يتوقف تطبيق القاضي لها ومراعاة عدم الإخلال بها على طلب أحد فكلما وقعت عين القاضي على الاختلال بهذه الضمانات وجب عليه استبعاد الاعتراف .

حيث أصبح من المستقر عليه فقها وقضاءا أن الاعتراف ليس حجة بعد ذاته بغض النظر عن الجهة التي تم أمامها الاعتراف ما لم يكن صادقاً وصحيحاً وصادراً عن أدلة واعية مدركة لمعنى الاعتراف وما له وغير مشبوب بعيب من العيوب المؤثرة فيه سواء كان ذلك بالإدراك أو الإكراه وإذا ما كان مستنداً لإجراءات باطلة مستندين في ذلك على أن القاعدة التشريعية على أن الأحكام الجزائية تبنى على الجزم واليقين ولا تبنى على الشك والتخمين ، وعليه فإن أي شائب يشوب الاعتراف يؤدي إلى بطلانه .

وهنا لابد من كلمة أخيرة لهذا البحث يجب أن نذكرها والتي تبعث الارتياح في نفوس أصحاب الشرف في جهازنا القضائي وهم العارفين في الظروف والملابسات التي تعوق الاعتراف والمعايير المتروكة لتقدير عدالة ضمائرهم الحية والمؤثرة في صنع القرار في غرف المداولة .

( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)

الخاتمـــة

قال تعال ( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً أؤلئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم أؤلئك الذين اشتروا الضلالة بالهد والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم عل النار ) [ البقرة : 174-175 ] صدق الله العظيم .

المصادر والمراجع

الرقم المبحث المرجع / المؤلف
1- القران الكريم.
2- تعذيب المتهم. عمر الحسيني.
3- ديوان قصة الحضارة. د. زكي محمود.
4- ديوان قصة الحضارة. د. زكي محمود.
5- التشريع الجنائي في الإسلام. د. سامي صادق الملا.
6- المعجم الوسيط.
7- المسؤولية الجنائية في قانون الإجراءات الجنائية. د. عبد الحميد الشواربي.
8- الإجراءات الجنائية تأصيلاً وتحليلاً. د. رمسيس بهنام.
9- اعتراف المتهم فقهاً وقضاءا. المستشار العدلي خليل.
10- محاضرات في قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني المقارن. للأستاذ فاروق الكيلاني.
11- قانون الإجراءات الجنائية مطلق عليه بالنقض وأحكام النقض. د. مأمون سلامة.
12- نريه الاقتناع الذاتي للقاضي الجنائي دراسة مقارنة. د. مفيدة سويدان.
13- طرق الإثبات في الشريعة. الشيخ أحمد إبراهيم ، مشار إليه د. صادق الملا.
14- راجح ضمانات المتهم في مرحلة التحقيق الجنائي. د. عبد الحميد الشواربي.
15- المسؤولية الجنائية في قانون العقوبات والإجراءات الجنائية. د. عز الدين الدناصوري.
16- اعتراف المتهم وأثره في الإثبات. مراد أحمد فلاح العبادي.
17- الوجيز في أصول المحاكمات الجزائية. د. محمد القاضي.
18- اعتراف المتهم. د. سامي الملا.
19- المسؤولية الجنائية. د. عبد الحميد الشواربي.
20- المسؤولية الجنائية. مأمون سلامة.
21- الإجراءات الجنائية. محمد زكي أبو عامر.
22- شرح قانون الإجراءات الجنائية. د. محمود نجيب حسين.
23- الأحكام القائمة في قانون العقوبات العراقي. د. ماهر عبد شوبشي.
24- المشكلات العملية العامة في الإجراءات الجنائية. د. رؤوف عبيد.
25- مجلة نقابة المحامين.
26- الأهلية الإجرائية في الاعتراف الجزائي دراسة مقاربة. د. القاضي عوض أبو جراد – ط1995 –ص6