بحث قانوني كبير عن التحكيم في إطار منظمة التجارة العالمية

أضحى التحكيم التجاري الدولي في الوقت الحاضر وسيلة فعالة لتسوية المنازعات على الصعيد الدولي بعدما أبان التحكيم الداخلي على قصوره في مسايرة السرعة التي تتطلبها التجارة الدولية. فلا يكاد يخلو عقد من عقود التجارة الدولية من شرط يلزم إتباع نظام التحكيم عند حدوث نزاع أو خلاف مرتبط بهذا العقد، وقد ساهمت المنظمات الدولية في تطوير نظام التحكيم التجاري الدولي بشكل يتلاءم مع ما يتطلبه النظام الاقتصادي العالمي الجديد.

ويعرف التحكيم التجاري الدولي بكونه اتفاق الأطراف بالتراضي فيما بينهم على اللجوء إلى أسلوب التحكيم في إطار المنظمات التجارية الدولية مثل منظمة التجارة العالمية.
أما منظمة التجارة الدولية فهي منظمة دولية تعمل على حرية التجارة العالمية من خلال انتقال السلع والخدمات والأشخاص بين الدول إضافة إلى تسوية المنازعات الناشئة في الميدان التجاري الدولي.

التحكيم في إطار منظمة التجارة العالمية حديث النشأة حيث أنشأت هذه المنظمة سنة 1994 كامتداد للاتفاقية العالمية للتعريفات والتجارة الجات 1947 التي أبانت عن الكثير من جوانب القصور في مجال تسوية النزاعات، فتم وضع جهاز لتسوية المنازعات التجارية في إطار منظمة التجارة العالمية يتألف من ممثلين لكافة الدول الأعضاء في المنظمة.

وبمقارنة التحكيم في إطار المنظمة العالمية للتجارة مع نظم التحكيم العادية يتضح أن التحكيم في إطار المنظمة العالمية للتجارة يتميز بطابع الإلزامية كما أن تنفيذ قراراته يتم بشكل فوري وحاسم دونما حاجة للجوء لقضاء الدول إذ يتم تنفيذه تحت مظلة كل الدول الأعضاء في المنظمة على خلاف التحكيم العادي الذي تفتقد بشكل نسبي لطابع الإلزامية.

وتتحدد إشكالية مقالنا هذا في السؤال التالي: ما مدى نجاعة التحكيم التجاري في إطار منظمة التجارة العالمية؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه من خلال التقسيم التالي:

الفقرة الأولى: التحكيم في إطار المنظمة العالمية للتجارة.

أولا: الأسس القانونية للتحكيم في إطار (W.O.T)
ثانيا: شروط صحة التحكيم في إطار المنظمة.

الفقرة الثانية : فعالية التحكيم كوسيلة لفض المناعات.
أولا: التحكيم كوسيلة قضائية لفض النزاع.
ثانيا: فاعلية نظام التحكيم في إطار منظمة التجارة العالمية.

الفقرة الأولى: التحكيم في إطار المنظمة العالمية للتجارة.

نشير في هذه الفقرة إلى الأسس القانونية للتحكيم مع ذكر شروط صحته في إطار المنظمة العالمية للتجارة.

أولا-الأسس القانونية للتحكيم في إطار المنظمة العالمية للتجارة(W.O.T)

عملت الأطراف المتعاقدة في الجولة الثامنة من جولات (G.A.T) على وضع نظام يتلافى العيوب الناشئة عن الصفة الاختيارية للنظام السابق، وتم الاتفاق على وضع قواعد وإجراءات متعلقة بتسوية المنازعات والتي يرمز لها ب(D.S.U) ومن أهم مراحل تمر منها المنازعات هي مرحلة تكوين فريق للحسم.

ففي حالة إخفاق المشاورات التي تسبق مرحلة تكوين فريق يجوز أن يطلب الطرف الثاني تشكيل فريق للحسم، ويقدم الطلب بتكوين فريق التحكيم مكتوبا مع تبيان ما إذا كانت قد عقدت المشاورات والإشارة إلى موضوع النزاع، بالإضافة إلى وضع ملخص للأساس القانوني للشكوى، وإذا كان فريق التحكيم تختلف اختصاصاته عن الاختصاصات المنصوص عليها في القواعد، يجب أن يشمل طلب النص المقترح لهذه الاختصاصات.

بيد أنه يجب على أعضاء الفريق أن يتوفرا على مؤهلات وخبرات كافية بالإضافة إلى استقلالهم ولا ينبغي أن يعين أحد مواطني موضوع النزاع ضمن الفريق إذا كان أوجب الاتفاق على ذلك ويتم انتقاء الخبراء ضمن قائمة إرشادية حكومية وغير حكومية تتوفر فيهم شروط سابقة الذكر، وبخصوص عدد الفريق فيجب أن يضم ثلاثة أشخاص ما لم يكن اتفاق مخالف على ذلك.

وبعد الاتفاق على تكوين أعضاء فريق خلال 20 يوما من تاريخ تكوينه يتولى المدير العام بتكوين فريق ممن يعتبرهم الأنسب ويمارسون عملهم بصفتهم الشخصية وفي الحالة التي يكون فيها العضو من البلدان النامية والآخر من البلدان المتقدمة فيجب أن يكون أحد أعضاء الفريق على الأقل من البلدان النامية إذا طلب البعض من الدول النامية ذلك.

بعد تشكيل الفريق يأخذ هذا الأخير بعين الاعتبار مصالح أعضاء آخرون وفق اتفاق ذي صلة بنزاع، كما يتم وضع جدول زمني لسير القضية المعروضة وذلك بعد التشاور مع طرفي النزاع، وحينما يفشل طرف النزاع في التوصل إلى حل يرضى الطرفين، يقدم الفريق استنتاجه على شكل تقرير مكتوب موجه إلى جهاز تسوية المنازعات ويشمل التقرير في هذه الحالة بيانات بالوقائع، وبانطباق الأحكام ذات الصلة والمبررات الأساسية لكل نتيجة من النتائج وتوصيات الفريق وعند التوصل إلى تسوية للأمر بين أطراف النزاع، يقتصر التقرير على وصف مختصر للقضية والإعلان عن التوصل إلى حل، ويجب أن يتجاوز المدة التي يجري فيها الفريق دراسته منذ الاتفاق على تشكيلة إلى تاريخ إصدار تقرير نهائي ستة أشهر.

وفي حالة التأخير لأسباب مستعجلة، يجب إخطار جهاز كتابة وتقدير المدة المطلوبة لإصدار التقرير شريطة ألا تتجاوز المدة تسعة أشهر.

توضع تقارير الفرق دون حضور أطراف النزاع في ضوء المعلومات والبيانات المقدمة وتدرج الآٍراء التي يعبر عنها مختلف أعضاء الفرق في التقارير دون ذكر أسماء.

ينظر جهاز تسوية المنازعات في اعتماد التقارير بعد مرور عشرين يوما على تسليمها للأعضاء ولإعطائهم الوقت الكافي لدراستها، ويقدموا الأعضاء الدين لدينهم اعتراضاتهم ليجري تسليمها إلى باقي الأعضاء قبل عشرة أيام على الأقل من اجتماع الجهاز الذي سينظر في التقرير.

ولأطراف النزاع الحق في المشاركة الكاملة في دراسة تقرير الفريق، وتسجيل وجهات نظرهم بالكامل ويعتمد الجهاز تقرير الفريق في إجماعه خلال ستين يوما بعد تاريخ تعميم التقرير على أعضاء ما لم يحظ أحد أطراف الجهاز بقرار تقديم استئناف أو يقرر الفريق بتوافق الآراء عدم اعتماد التقرير.

وإذ أخطر أحد الأطراف الجهاز بقراره بالاستئناف، فإن الجهاز لا ينظر في اعتماده تقرير الفريق إلا بشكل استكمال الاستئناف ولا تقل إجراءات الاعتماد بحق الأعضاء في التعبير عن آرائهم بشأن تقرير فرق ما[1].

ثانيا: شروط صحة التحكيم في إطار المنظمة.

يتم اللجوء إلى التحكيم في إطار المنظمة العالمية للتجارة كطريق اختياري وأوردته مذكرة الاتفاق ضمن وسائل تسوية المنازعات الأخرى.
ورغم أن التحكيم مقصور على الدول الأعضاء بالمنظمة والتي ارتضت سلفا الأخذ بأحكام مذكرة الاتفاق الوارد بها نظام التحكيم، إلا أنه يشترط أن يكون هناك اتفاق صريح بين الأطراف المتنازعة، فلا يجوز أن تتقدم الدولة المدية بطلب التحكيم رغما عن إدارة الطرف الآخر أو الحصول على موافقته.
ولصحة اتفاق التحكيم يلزم توافر ثلاثة شروط:

الشرط الأول-أن يكون اتفاق التحكيم بين دولتين تنتميان إلى عضوية المنظمة العالمية للتجارة

يشترط أولا صحة اتفاق التحكيم في إطار المنظمة العالمية للتجارة أن يكون الاتفاق بين دولتين فلا يجوز اتفاق التحكيم إذا كان بين دولة ومعنوي خاص فهذا الاتفاق يحسم خارج المنظمة.
ويجب أن تكون كلتها الدولتين من أعضاء المنظمة العالمية، فإذا كانت إحداهما عضوا دون الأخرى، فلا يجوز الاتفاق على تسوية النزاع في إطار المنظمة للتجارة وإنما يخضع لنظام التحكيم التقليدي الذي يتم بين الدول. أو عن طريق التحكيم المنظم بموجب اتفاقية بها الدولتان المتنازعتان كما هو الحال بالنسبة لتسوية المنازعات التجارية عن التبادل الحر بين دول شمال أمريكا[2].
ويذكر أن المنظمة قد سجلت انضمام أكثر من مائة دولة إلى عضويتها منذ أن دخلت دور النفاذ، ويتزايد هذا العدد بصفة مستمرة عاما بعد الآخر.

الشرط الثاني-أن يكون اتفاق التحكيم متعلقا بنزاع ناشئ عن أحد الاتفاقات التجارية للمنظمة

يشترط ثانيا لصحة اتفاق التحكيم في إطار المنظمة العالمية للتجارة أن يكون واردا بشأن تسوية نزاع ناشئ عن أحد الاتفاقات التجارية الملحقة بميثاق المنظمة فإذا كان النزاع ناشئا عن تجارة خارج هذه الاتفاقات، فإن التحكيم لا يجد مجالات له في إطار المنظمة، أي وفقا لقواعدها وأحكامها، وإنما يجد مجاله وفقا لقواعد التحكيم العادي.
وتجب التفرقة في خصوص الاتفاقات التي أوردتها المنظمة بين الاتفاقات التجارية المتعددة الأطراف والاتفاقات التجارية الجماعية. فالاتفاقات الأولى هي اتفاقات ملزمة لجميع الدول الأعضاء.
وبالتالي فإن اتفاق التحكيم الوارد بشأن أي نزاع ناشئ عنها هو اتفاق تحكيم صحيح وفعال، أما الاتفاقات التجارية الجماعية فهي لا تلزم سوى الدول التي انضمت إليها، ومن ثم يكون اتفاق التحكيم الوارد بشأن المنازعات الناشئة عنها مقصور على هذه الدول دون غيرها.

الشرط الثالث-إعلان اتفاق التحكيم إلى الدول الأعضاء بالمنظمة العالمية للتجارة

يشترط ثالثا وأخيرا، أن يعلن اتفاق التحكيم إلى جميع الدول الأعضاء بالمنظمة العالمية للتجارة، ويجب أن يتم هذا الإعلان قبل افتتاح إجراءات التحكيم بوقت معقول. ويعد ذلك من الشروط الشكلية الهامة التي يجب مراعاتها وفقا لما نصت عليه مذكرة الاتفاق.
والعلة من هذا الشرط هي: أن تكون بقية الدول الأعضاء على علم بموضوع النزاع لإعطاء الفرصة لأية منها أن تطلب الانضمام إلى إجراءات التحكيم إذا كانت لها مصلحة تجارية جوهرية، وهي القاعدة التي تسير عليها المنظمة في كافة وسائل تسوية المنازعات.
غير أنه يلزم لانضمام الدول الأخرى كأطراف في التحكيم أن توافق كل من الدولتين المتنازعتين (الطرفان الأصليان)، فإذا لم يحدث ذلك اقتصر التحكيم عليهما دون مشاركة لأية دولة أخرى في إجراءات التحكيم.
هذا ولا يشترط أن يجري التحكيم في مقر المنظمة العالمية للتجارة بسويسرا، إذ يمكن أن يتم في أي مكان بالعالم، مادام تحت إشراف ووفقا لقواعد وأحكام المنظمة العالمية للتجارة.[3]

الفقرة الثانية: فعالية التحكيم كوسيلة لفض المنازعات.

ونتناول في هذه الآثار التي تنص عن التحكيم باعتباره من الطرق القضائية في فض النزاع ثم تنقل إلى فعالية اتفاق التحكيم على ضوء المنظمة العالمية للتجارة.

التحكيم كوسيلة قضائية لفض النزاع.
بخصوص التحكيم السريع يمكن تلخيص أسسه كما يلي:
يتم اللجوء إلى التحكيم لإيجاد حل بناءا على تحديد أطراف النزاع.
يلتزم الأطراف بنتيجة التحكيم
يمكن تدخل أطراف أخرى شرط موافقة أطراف الخصومة
يتم إعلان اتفاق التحكيم لجميع أعضاء المنظمة قبل بداية الإجراء.
يبلغ جهاز المنازعات وكذا اللجنة المختصة بالاتفاق
وبعد هذه المرحلة يمكن اللجوء إلى التحكيم الإلزامي في حالة فشل الإجراء المنصوص يليه في المادة 25 من وثيقة التفاهم.[4]
ويعطى الطابع الإلزامي للتحكيم ويستطيع المحكوم ضده الطعن في قرار هيئة التحكيم أمام جهاز الاستئناف الدائم وفي هذه الحالة لا يستطيع جهاز تسوية المنازعات اعتمادا قرار هيئة التحكيم إلا بعد صدور قرار الاستئناف هذا الأخير الذي يصبح ملزما للأطراف بمجرد اعتماده من جهاز تسوية المنازعات ما لم يقر هذا الأخير عدم اعتماد القرار، هذا وينبغي أن يعلن جهاز تسوية النزاعات عن نيته فيما يتعلق بتنفيذ حكم التحكيم.
وفي حالة الرفض أو عدم الإلتزام بما جاء يحق للدولة المتضررة أن تعويضا من جهاز تسوية المنازعات تؤديه الدولة الممتنعة عن تنفيذ الحكم كما يمكن أن تختار تعليق التنازلات والامتيازات كإجراء مؤقت.[5]
من خلال ما سبق يتضح أن هيئة التحكيم ليست لها موصفات المحكمة لأن النتائج التي تنتمي إليها في التقرير لا تعد قرارات ملزمة تنفذ مباشرة وإنما تقدم إلى جهاز التي تنفذ هي قرارات وتوصيات الجهاز وهو أمر غير مألوف في عمل الهيئات القضائية وعليه فإن دور فريق التحكيم يظهر وكأنه دور استشاري أو أن دوره محصور في إعداد النزاع وعرضه على المجلس.
ونفس الملاحظة تنطبق على جهاز الاستئناف يركز عمله على الجوانب القانونية دون الموضوعية ومن الأفضل أن يقع توسيع مجال عمله ليختص أيضا في الجوانب الموضوعية لفصل النزاع، إضافة إلى ذلك فإن أعضاء هيئة التحكيم وأعضاء جهاز الاستئناف ليسو مستقلين عن مجلس حسم النزاعات إذ أن تعيينهم يقتضي تدخل هذا الجهاز دون أن يترك حرية الاختيار لإرادة أطراف النزاع.
ويطرح التساؤل أيضا عن الغاية من الاعتراضات التي يسجلها الأطراف بعد تقديم التقرير إلى جهاز التسوية، ذلك أن هذه الاعتراضات قد تؤثر على التوصيات وقرارات الجهاز، خاصة إذا كانت صادرة من الدول المتقدمة والقوية.[6]

2: فاعلية نظام التحكيم في إطار منظمة التجارة العالمية.

أظهر التطبيق العملي نجاح نظام التحكيم في إطار WTO سواء من ناحية جديته وإتباعه لجداول زمنية محددة وإجراءات حاسمة أو من ناحية احترام أعضاء المنظمة للقرارات الصادرة في إطاره بالرغم من بعض الصعوبات التي يواجهها من طرف بعض الدول المتقدمة على حساب الدول النامية ولعل ذلك يرجع فضلا عن دقة هذا النظام وطابع الالتزام الذي يكتسبه من المرونة وبالنظر لم يعطيه من أولوية للتسوية الودية في مرحلة من مراحل النزاع.
وخلافا لأحكام التحكيم الأخرى فإن تنفيذ القرارات الصادرة في إطار هذا النظام يتم بشكل فوري وحاسم ودون ما حاجة إلى اللجوء لقضاء الدول[7] وقد حدد هل أجل معقول في العديد من القضايا كقضية اليابان “المشروبات الكحولية” وقضية الاتحاد الأوروبي “نظام استيراد وبيع وتوزيع الموز ففي هذه القضايا كان المحاكمون الذين وقع تعيينهم من قبل المدير العام كلهم في جهاز الاستئناف الدائم أو عضوا في قسم الاستئناف الذي بث في القضية وقد أوضح المحكومون في كل هذه القضايا عدم اقتناعهم بكون الظروف التي أثارتها الأطراف الخاسرة تبرز تمديد الأجل المرجعي الوارد في المادة 21 وبعد الاتفاق على عملية التنفيذ حيث تدرج مسألة التنفيذ بجدول أعمال الجهاز بعد ستة أشهر وتحدد الفترة الزمنية المعقولة وتبقى مسجلة فيه إلى أن تحل المسألة وذلك ما لم يقرر جهاز تسوية المنازعات خلاف ذلك وأي عضو يمكنه أن يثير مسألة تنفيذ التوصيات والقرارات متى شاء، والعضو المعني بالتنفيذ يكون ملزما بتزويد الجهاز بتقرير كتابي عن الحالة الراهنة يعرض فيه التقدم الذي حققه في موضوع تنفيذ التوصيات والقرارات قبل عشرة أيام على الأقل من كل اجتماع للجهاز.
وقد يتخذ الطرف الخاسر إجراءات كافية لجعل تشريعاته وممارسته متلائمة تماما مع اتفاقات المنظمة في الوقت الذي يرى فيه الطرف المتضرر أن هذه الإجراءات ليست سوى وسيلة.

وقد يتخذ الطرف الخاسر إجراءات يعتبرها كافية لجعل تشريعاته وممارسته متلائمة تمام مع اتفاقات المنظمة في الوقت الذي يرى فيه الطرف المتضرر أن هذه الإجراءات ليست سوى وسيلة للتهرب من الإلتزامات الملقاة على عاتق الطرف الخاسر بحكم نظام تسوية المنازعات وقد حدث هذا في القضية الاتحاد الأوروبي حيث اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية أن التعديلات التي أدخلتها الاتحاد الأوروبي على السياسة المشتركة لسوق الموز غير كافية للامتثال الفعلي لتوصيات وقرارات جهاز تسوية المنازعات.

إلى حدود عام 1992 كان لكل دولة أوروبية في دول الأعضاء نظام استيراد للموز خاص بها وفي عام 1993 تسبب النظام الجديد في اندلاع نزاع بين المجموعة الأوروبية من جهة الولايات المتحدة وبعض دول أمريكا اللاتينية من جهة أخرى، وبعد إحالة النزاع إلى التحكيم بعد سنوات من الخلاف صدر تقرير هيأة التحكيم لمنظمة التجارة العالمية في 22/05/1997 وحكم بأن نظام الموز الأوروبي تمييزي ومتناقض مع اتفاقية الكات لعام 1993 واتفاقية منظمة التجارة العالمية لترخيص الواردات وبعد استئناف اتحاد الأوروبي الحكم صدر قرار جهاز الاستئناف لمنظمة التجارة العالمية في 25/09/1999 مؤكدا حكم هيأة التحكيم الأصلية وكشف عن وجود انتهاكات أخرى من الاتحاد الأوروبي وتقرر بعد ذلك منح 15 شهر للاتحاد الأوروبي للتنفيذ، وأعلن نظام الموز معدل ومتوافق مع قواعد منظمة التجارة العالمية محافظا على حصة دول أمريكا اللاتينية من صادرات الموز إلى أوربا وقد اعترضت الولايات المتحدة الأمريكية على النظام الجديد باعتبار أ،ه يواصل استخدام معيارين منفصلين لتوزيع الحصص في سوق الموز على دول أمريكا اللاتينية وأنه ينتهك قواعد التجارة العالمية وطالبت باعتماد عملة واحدة وتوزيع الحصص وفق معيار واحد[8].
هذا بالإضافة إلى أن الاتفاق على التحكيم في إطار المنظمة العالمية يأخذ سبيله في تسوية المنازعات بشكل تلقائي دون أن تعترضه مشاكل قانونية متعلقة بسيادة الدولة أو بحصانتها القضائية أو التمسك بتطبيق تشريعها الداخلي، لأن مجرد الاتفاق على التحكيم كوسيلة لحل المنازعات في إطار المنظمة يعني ترتيب قواعد وأحكام ارتضتها الدول الأعضاء سلفا عدد الانضمام، وإذا كان اتفاق التحكيم مقصورا على الدول الأعضاء بالمنظمة فليس معنى ذلك أن يقع النزاع بينهما مباشرة فقد تفرض الدول رسوما جمركية على واردات الشركة الأجنبية الخاصة.

فتضرر هذه الأخيرة من هذا الإجراء وتطلب من دولتها التدخل لحل هذا النزاع في إطار المنظمة.

أما ما يعاب على المنظمة العالمية أنها لم تنشر لحد الآن أي حكم من أحكام التحكيم، لكن هذا لا ينقص من قيمة التحكيم خصوصا مع ازدياد العقود التجارية بين الدول بعد انتهاء الفترة الانتقالية لقيام اتحاد جمركي أو منطقة التجارة الحرة بين دول العالم.
ولعل المجالات العديدة والمختلفة التي تناولتها المنظمة العالمية للتجارة سواء بالنسبة لتجارة البضائع أو الخدمات أو الاستثمارات المرتبطة بالتجارة سوف يساعد كثيرا على ازدهار هذا القطاع حركة هذا القطاع بين بلدان العالم وبالتالي فإن نجاح يتحقق في تحرير التجارة العالمية سوف يكون له انعكاسه المباشر على حركة التجارة والاستثمار.[9]

خاتمة:

أن التحكيم في إطار منظمة التجارة العالمية يعد من التحديات التي نجحت في تحقيقها الدول بهدف إقامة نظام اقتصادي عالمي منظم قانونيا وقوي تجاريا.
كما يكمن التأكيد على أن نظام التحكيم لتسوية النزاعات في إطار منظمة التجارة العالمية، قد حافظ في جزء منه على المرحلة الصحية، وإدارة حل النزاع بالطرق السليمة طوال مراحل النزاع، وهو في جزء آخر نظام إجرائي قضائي، اعتمد على الحكيم كوسيلة لفض النزاعات مع ضمان حياد وخبراء المحكمين وتوفير الحلول في ظروف سليمة تحافظ على الوفاق بين أطراف النزاع.
وبإحداث جهاز الاستئناف في إطار منظمة التجارة العالمية يتضح بصورة كاملة تحول نظام التحكيم من نظام شبه قضائي أو صلحي بحث في ظل اتفاقية أبحاث (GATT) إلى نظام قضائي واضح في ظل اتفاقية إنشاء منظمة التجارة العالمية، كما اتسم نظام التحكيم في المنظمة بالفعالية من حيث تنفيذ قرارات جهاز التحكيم، وبقبول الدول هذه القرارات مهما بلغت درجة تقدمها وقوتها، بل دفعت هذه الأخيرة ببعض الدول وفي مقدمتها الولايات الأمريكية إلى تغيير أنظمتها القانونية الداخلية بما يتفق مع النظام القانوني للمنظمة.
وإذا كان قد شكل بعد نقاط القوة لنظام التحكيم، فإنه بالمقابل هناك نقاط ضعف تتمثل في كون النظام القانوني للتحكيم بالمنطقة لم يتضمن آلية قوية للتنفيذ الجبري للالتزامات الدولية، وهكذا الضعف يمكن أن يشل فاعلية هذه الآلية ولاسيما بالنسبة للدول النامية، مما ينتج عنه انتفاء مبدأ العدل والإنصاف بين الدول.
كما يلاحظ أن نطاق النزاعات الاقتصادية الدولية التي يختص فيها جهاز تسوية النزاعات لم يتسع لكل السلع التجارية كاستبعاد البترول من نطاق اتفاقية الجات، خاصة وإن المنطقة العربية تملك أكبر احتياطي عالمي للنفط.
وعلى الرغم من ذلك فإن التطور الذي حدث منذ إنشاء المنظمة لا زال مستمرا، ويظهر ذلك جليا من خلال سريان بعض اتفاقيات المنظمة تجاه الدولة النامية أيضا، مثل الاتفاقية التجارية بشأن الملكية الفكرية.
وبالتالي فإن نجاعة نظام التحكيم تبقى مرتبطة بمدى التزام كل الأطراف المتداعية، وكذا صياغة بعض القواعد الإجرائية بمزيد من الدقة والوضوح، والتنصيص على كيفية معاملة الدول النامية بشكل يخدم مصلحة هذه الدول في نزاعها مع الدول القوية.