أجل تبليغ المصادقة على صفقات الدولة بالمرسوم الجديد للصفقات العمومية

ياسين بلحاج
إطار وباحث في التدبير الإداري والمالي
عضو منتدى الباحثين في العلوم الادارية والمالية

على بعد اسابيع من دخول مرسوم 30 مارس 2013 للصفقات العمومية حيز التطبيق، وارتباطا بالأحكام الجديدة التي نص عليها المشرع به، من منطلق اعتمادها كاختبار حقيقي لمستوى تعبئة الآمرين بالصرف وقدرتهم على الانخراط الجدي في الاصلاحات المرتبطة بالتدبير العمومي بشكل عام والمشتريات العمومية بشكل خاص، يمكن عرض أحد المدخلات الجديدة التي جاء بها، مع ما يمكن ان تحمله من مقتضيات قادرة على احراج الامرين بالصرف في حالة ما لم يقدموا على دراسة حقيقية للمشاكل المرتبطة بتدبير الصفقات التي يشرفون عليها مع تسخير كافة الامكانيات لتجاوزها او التقليل من مخاطرها، وفي ذلك نعرض لواحدة من هذه المقتضيات:

تنص الفقرة الاولى من المادة 33 من المرسوم الجديد للصفقات العمومية على “يظل المتنافسون ملتزمين بالعروض التي قدموها خلال اجل خمسة وسبعين (75) يوما تحتسب ابتداء من تاريخ جلسة فتح الأظرفة ………..” كما تنص الفقرة الرابعة من المادة 153 من نفس المرسوم ” ……. اذا قرر صاحب المشروع ان يطلب من نائل الصفقة تمديد صلاحية عرضه، يجب عليه قبل انقضاء الاجل المقرر في الفقرة الأولى أعلاه ان يقترح على نائل الصفقة……..، الابقاء على عرضه لمدة اضافية لا تتعدى ثلاثين يوما………..”

بخصوص ما تحمله هاته الأحكام من انذارات للآمرين بالصرف، فهي تخص العروض التي تتجاوز مدة معالجتها في اطار مساطر ابرام الصفقات العمومية، المدة القانونية لاستيفاء أجل تبليغ المصادقة على العقود الناتجة عنها.

فالمدة التي أصبح مسموح بها لتبليغ المصادقة على الصفقات العمومية، هي مائة وخمس (105) أيام ابتداء من تاريخ فتح الأظرفة الى تاريخ تبليغ هذه المصادقة، والإشكال الذي يمكن ان يواجه الامرون بالصرف بهذا الخصوص، يتجلى في احتمال تجاوز هذه المدة دون تبليغ نائلي الصفقات بالمصادقة عليها، مما يعني معه تعريض المسطرة للإلغاء تبعا لاكتشاف عيب مسطري (المادة 45 من نفس المرسوم)، وإمكانية تسجيل هذا التأخير قد يرجع لأسباب منها:

عدم امكانية لجان فتح الأظرفة من انهاء اشغالها داخل اجل يسمح لصاحب المشروع بالتبليغ القانوني للمصادقة على الصفقات ؛
الارساء على نائلي الصفقات دون توفر الاعتمادات اللازمة للالتزام بها، نتيجة غياب التنسيق بين الاعتمادات المبرمجة بالميزانيات الفرعية والحاجيات المعبر عنها بالبرنامج التوقعي للمشتريات؛
تعقد المساطر المتعلقة بطلب الامرين بالصرف بتحويل الاعتمادات بين السطور والغير خاضعة لإجراء شمولية الاعتمادات ؛
تأخر اعادة مقترحات الالتزام الغير مؤشر عليها من طرف الخزينة العامة للمملكة الى مصالح الامر بالصرف من اجل تسويتها في اطار مساطر المراقبة على نفقات الدولة .

ان الأجل الأقصى لتبليغ المصادقة والمحدد في مائة وخمس (105) أيام، يعني العمل الاداري الذي يقدم عليه صاحب المشروع بعد استيفاء مساطر ابرام الصفقات العمومية لمجموع الشكليات القانونية والتنظيمية والمحاسبتية، وهنا يمكن الاشارة الى بعض التدابير الجديدة التي نص عليها المرسوم الجديد والممكن ان تضيق على صاحب المشروع في الاجل القانوني لتبليغه المصادقة على الصفقات، ويتعلق الأمر بأحكام الفقرة الأخيرة من المادة 152 التي تنص ” ……لا تتم المصادقة على الصفقات من طرف السلطة المختصة إلا بعد انصرام خمسة عشر (15) يوم بعد تاريخ انتهاء اشغال اللجنة ……”

ان التقاطع الممكن ان تحدثه هذه المادة مع الأجل المسموح به لتبليغ المصادقة على الصفقات، وذلك بعد مرور تسعون (90) يوم على اشغال لجنة فتح الأظرفة دون تمكن الامرين بالصرف من الحصول على تأشيرة الالتزام بالنفقات المرتبطة بالصفقات، يجعل من اجراء المصادقة على هذه الاخيرة أمرا غير ممكن ومعه تبليغ المصادقة، فتصبح بذلك المدة التي يمكن فيها لأصحاب المشاريع تحديد نائلي الصفقات وحصول الامرين بالصرف على تأشيرة الالتزام بها من طرف الخزينة العامة للمملكة هو تسعون (90) يوم من تاريخ فتح الأظرفة.

وبالعودة الى الفقرة الأولى من المادة السادسة من مرسوم 4 نوفمبر 2008 المتعلق بالمراقبة على نفقات الدولة، فالأجل الذي يتوفر عليه المحاسب العمومي لوضع تأشيرة الالتزام على نفقات صفقات الدولة أو رفضها أو ايقافها، هو اثني عشر (12) يوم عمل -ما يعادل ستة عشر (16) يوم باحتساب يومي السبت والأحد- ،ليكون بذلك الأجل الأقصى لتحديد نائل الصفقة من طرف لجنة فتح الأظرفة هو أربعة وسبعين (74) يوم، ليحيل بعد ذلك الامرون بالصرف مقترح الالتزام بنفقة الصفقة على انظار مصالح الخزينة العامة بالمملكة قصد التأشير عليها.

وتبعا لذلك، فالأجل الذي يسمح به لمصالح الآمر بالصرف لإعداد مقترح الالتزام بنفقة الصفقة وإحالته على مصالح الخزينة العامة للمملكة قصد وضع التأشيرة عليه، لا بد وأن يأخذ بعين الاعتبار الأجل القانوني الذي تقتضيه مراقبة المشروعية من طرف المحاسب العمومي، مع ما يمكن ان يثيره هذا الاخير من ملاحظات تستوجب جوابا بشأنها.

ان الصعوبات المحتمل ان تقف حجرة تعثر أمام الآمرين بالصرف وأصحاب المشاريع لاحترام هذه الآجال، يمكن تحديدها في المستويات التالية:

المستوى الأول: ما بين تاريخ تسليم العروض والإرساء على نائل الصفقة:
عدم اجتماع الأعضاء الذين يعتبر حضورهم اجباريا لاستكمال مسطرة فحص العروض في اجال معقولة بعد الجلسة الأولى لفتح الأظرفة، وذلك بسبب ان المرسوم الجديد -وعلى غرار مرسوم 5 فبراير 2007 المتعلق بصفقات الدولة-، لم يحدد المسطرة الممكن اعتمادها في حالة غياب اي عضو يعتبر حضوره هو او نائبه اجباريا في الجلسة التي تلي الجلسة الأولى خصوصا اذا افترضنا ان الجلسة المعنية تتعلق بآخر جلسة لتقييم العروض، مع العلم ان المرسوم الجديد يشترط اخبار العضو المتغيب بالمكان والتاريخ والساعة المقررة لاستئناف الجلسة العمومية (المادة 36)، مما يجعل من مسألة الانعقاد الصحيح للجلسة امام هذه الوضعية، اشكالا حقيقيا يعيق السير العادي للجلسات، خاصة في حالة غياب ممثل الخزينة العامة للمملكة ؛

امكانية لجوء صاحب المشروع الى لجنة الصفقات العمومية اثناء سريان مسطرة فحص العروض تبعا للفصل السابع من المرسوم المتعلق بإصلاح لجنة الصفقات ومعه المادة الثالثة من مشروع المرسوم المتعلق باللجنة الوطنية للطلبيات العمومية، وذلك لطلب توضيحات حول بعض الاحكام التي قد يستعصي عليه تأويلها حسب الحالة المعروضة عليه بما ينسجم والنص المنظم لها، أو التي قد يقع فيها اختلاف بين الأعضاء المشكلين للجنة فتح الأظرفة، وكل ذلك أمام غياب المقتضيات القانونية المتعلقة بالتعليق الاوتوماتيكي لسريان الأجل بين تاريخ فتح الأظرفة وتبليغ المصادقة على الصفقات التي يلجأ بشأنها صاحب المشروع الى اللجنة، خاصة أمام احتمال وجوب انتظار ابداء هذه الاخيرة لرأيها كشرط لازم لاستكمال المسطرة.

المستوى الثاني : ما بين تحديد نائل الصفقة ووضع تأشيرة الالتزام على نفقة الصفقة
غياب الاعتمادات الكافية للالتزام بنفقة الصفقة ؛
ظهور بعض الصعوبات التقنية او التنظيمية اثناء اعداد مصالح الامر بالصرف لمقترح الالتزام بنفقة الصفقة ؛
الارجاع المتكرر لنفس مقترح الالتزام من طرف مصالح الخزينة العامة للمملكة قصد تسوية بعض الملاحظات الشكلية ؛
تجاوز المحاسب العمومي للآجال القانونية لوضع تأشيرة الالتزام على نفقات صفقات الدولة أو رفضها أو ايقافها.

المستوى الثالث: ما بين تاريخ الحصول على تأشيرة الالتزام بنفقة الصفقة والمصادقة عليها
ممارسة المتنافسين لحق منازعة قرارات صاحب المشروع بخصوص قواعد مسطرة ابرام الصفقة (المادة 170 من المرسوم الجديد للصفقات العمومية)، مع ما يمكن ان يصاحب هذا الحق من امكانية تعليق اجراء المصادقة على الصفقة حسب ما ينص عليه مشروع المرسوم المتعلق باللجنة الوطنية للطلبيات العمومية (المادة 25 من هذا المشروع).
ان مراهنة المشرع على مثل هذه المقتضيات، تحكمه بالأساس رغبته في تقوية مبادئ المنافسة والشفافية والمسؤولية في تدبير الصفقات العمومية. فتحديد أجل تبليغ المصادقة على الصفقات العمومية، من شأنه ان يسرع من انهاء اشغال لجان فتح الأظرفة في آجال معقولة، اما بإرساء اختيارها على نائل الصفقة وإما بالإعلان عن عدم جدوى مسطرة الابرام تبعا للاسباب المنصوص عليها بالمادة 42 من المرسوم الجديد للصفقات العمومية، بل والدفع بالتراخي الذي قد يصيب اعضاءها لإنهاء اشغال افتحاص وتقييم العروض، كما سيدفع بصاحب المشروع الى السعي في البحث عن حلول للخلافات التي قد تنشب بين اعضائها والمؤدية الى تعطيل السريان العادي لعملها. هذا، وسيسمح المقتضى المتعلق بتحديد اجل تبليغ المصادقة، ببرمجة مدروسة للأعمال المزمع برمجتها بالبرنامج التوقعي للمشتريات ومعها الاعتمادات المرصودة لضمان الالتزام بنفقاتها، تجاوزا لتعقد مساطر تحويل الاعتمادات.

ان ادخال مثل هذه التقنيات والتي يمكن ادراجها بمنظومة الرقابة الداخلية، من شأنها ان تقلل من المخاوف التي يمكن ان تصاحبها، وذلك اذ اخذنا بعين الاعتبار بالتقنيات الجديدة في التدبير العمومي.
ومن جهة المتنافسين، فتقنين أجل تبلغ المصادقة على الصفقات العمومية، يمكن أن يشجع المقاولات على الولوج الى سوق الطلبيات العمومية، لعلمهم المسبق بالمدة المسموح بها لأصحاب المشاريع للإعلان عن نائل الصفقة ابتداءا من تاريخ فتح الأظرفة، كما سيمكن المقاولات المقصية من استرجاع ضماناتها المؤقتة والمعلقة بسبب الخلافات التي قد تنشأ بين اعضاء لجنة فتح الأظرفة والتي تؤثر على اشغالها وعلى الاعمال المبرمجة بالطلبية العمومية.
وإذا كانت هذه المقتضيات ستدرج من طرف الباحثين، ضمن الاحكام التنظيمية التي ستستجيب بالضرورة لمتطلبات الحكامة الجيدة، بالنظر لأثرها المتوقع على المنافسة بطلبات العروض ومن تم تعبيدها لروح الثقة المغرية للمشاركة بالطلبيات العمومية، فأصحاب المشاريع ينظرون اليها من زاوية المقتضيات التي ستفضي الى اعلانهم عن الغاء العديد من طلبات العروض، وذلك لعدم قدرتهم على احترام أجل تبليغ المصادقة، ويحتجون في ذلك بالإمكانيات التي اصبحت متاحة للمتنافسين لتعليق قراراتهم دون امكانية توقيف سريان الآجال، هذا بالإضافة الى الرقابة الصارمة الممارسة في اطار المراقبة على نفقات الدولة.

غير ان من قبيل هذه الدفوعات، يمكن التقليل من ترددها عبر مدخلين، يتجسد الأول في معالجة الاختلالات التي يظهر عنها كل من مؤشر الفترة التي تستغرقها أشغال لجان فتح الأظرفة للإرساء على نائلي الصفقات، ومؤشر المدة الفاصلة بين تاريخ انهاء اشغال اللجان ووضع التأشيرة على نفقات الصفقات، وذلك عبر ممارسة رئيس لجنة فتح الأظرفة كل الصلاحيات التي يضمنها له مرسوم الصفقات العمومية من جهة، وإحكامه تسيير اشغال جلسات فحص وتقييم عروض المتنافسين من جهة أخرى، في حين يعمل أصحاب المشاريع على تحديد دقيقين للحاجيات وللغلاف المالي للأعمال المزمع عرضها للمنافسة،

بينما يتعلق المدخل الثاني باستغلال الامرين بالصرف للإمكانيات التدبيرية التي اصبحت متاحة لهم في اطار تدبير ميزانياتهم الفرعية، مثل شمولية الاعتمادات بهدف تمكينهم من حرية اكبر للتصرف فيها، بالنظر لما توفره من تسهيلات تخول حرية أكبر في استعمال الاعتمادات بين السطور داخل نفس الفقرة دون الرجوع الى مديرية الميزانية، كما ان تفعيل اجراء المراقبة التراتبية طبقا لما هو منصوص عليه بمرسوم المراقبة على نفقات الدولة، سيخفف تدريجيا من صرامة المراقبة المطبقة على نفقات المصالح الامرة بالصرف بما فيها نفقات الصفقات، فضلا على ان التجاوب مع شكايات المتنافسين بما يتناسب والآجال المسموح بها، سواء من طرف أصحاب المشاريع أو من طرف السلطات المختصة (المادة 169 من مرسوم الصفقات العمومية) أو من طرف لجنة الصفقات (المادة 25 من مشروع المرسوم المتعلق باللجنة الوطنية للطلبيات العمومية)، لن يؤثر على أجل تبليغ المصادقة بالقدر الذي ستؤثر به هذه المقتضيات على تحصين أكثر لمبادئ النزاهة بمساطر ابرام الصفقات العمومية.
وعليه، فدراسة مسبقة للأسباب الممكن ان تجعل من الاجل القانوني في تبليغ المصادقة مسألة عسيرة على اصحاب المشاريع والعمل على معالجتها، يمكن أن يقوي من الطرح الذي يدرج هذا الاجل كمستجد قوي في عقلنة تدبير مساطر الإبرام على الطرح الذي يرى فيه الزاما لا يليق بخصوصية الطلبيات العمومية بالنظر الى تعقد المساطر التي تحيط بها.