دراسة قانونية حول مسألة اختصاص النيابات والمحاكم العسكرية بكافة الجرائم التي يرتكبها العسكريون بمناسبة وظائفهم وفقا للقانون اليمني

بسم الله الرحمن الرحيم

دراسة قانونية حول مسألة
اختصاص النيابات والمحاكم العسكرية بكافة الجرائم
التي يرتكبها العسكريون بمناسبة وظائفهم

إعداد:
محامي عام أول النيابات العسكرية
علي عبدالله القليســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي

دراسة قانونية حول مسألة
اختصاص النيابات والمحاكم العسكرية بكافة الجرائم التي يرتكبها العسكريون بمناسبة وظائفهم

الحمد لله القائل في كتابه الكريم :{فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } (135) النساء والقائل :{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى }(50) القصص والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :
فقد اقتضت طبيعة القوات المسلحة بأن يكون لها نظام خاص يشمل كافة جوانب الحياة العسكرية بما في ذلك جانب التجريم والعقاب وجانب الدعاوى والتقاضي ، وقد فطنت لذلك التشريعات القديمة والحديثة وفي مقدمتها التشريع الإسلامي .

فبعيداً عن المزاجية والانتقائية وإتباع الهوى ، نجري هذه الدراسة القانونية محتكمين ومستندين إلى النصوص القانونية النافذة والمبادئ الفقهية القانونية المعمول بها والسائدة . والمسألة موضوع الدراسة هي : مدى اختصاص النيابات والمحاكم العسكرية بكافة الجرائم التي يرتكبها العسكريون بمناسبة وظائفهم وسنتطرق فيها إلى العناصر التالية :-
· العنصر الأول :- مدى سريان قانون مكافحة الفساد على أفراد وضباط القوات المسلحة .
· العنصر الثاني :- الاختصاص القضائي باتهام ومحاكمة أفراد وضباط القوات المسلحة .
· العنصر الثالث :- المفهوم القانوني لنص المادة (37) من قانون مكافحة الفساد :-
– التفسير القانوني ، التنازع القانوني المتوهم وحله
– التفسير القضائي – التفسير الفقهي
سائلين من الله التوفيق الرشا
العنصر الأول
مدى سريان قانون مكافحة الفساد على أفراد وضباط القوات المسلحة
إن كل قانون يحدد الأشخاص الخاضعين لأحكامه فيطبق القانون على من حددهم وشملهم بالخضوع له وبالتالي لا يصح تطبيق قانون معين على أشخاص لم ينص ذلك القانون على خضوعهم له ، لأن ذلك سيكون من التوسع الغير جائز في تطبيق النصوص القانونية.
وبتطبيق المفهوم السابق على موضوع دراستنا نجد أن قانون مكافحة الفساد قد حدد في المادة (2) الأشخاص الذين يسري عليهم فذكر أنه الموظف العام وحينما فسر معنى الموظف العام توسع في تفسيره وحدده بقوله :-
[الموظف العام :- كل شخص يؤدي وظيفة عامة أو يقدم خدمة عامة ويتولى منصباً تنفيذياً أو تشريعياً أو إدارياً أو استشارياً أو قضائياً ، سواءً كان معيناً أو منتخباً دائماً أو مؤقتاً بمقابل أو بدون مقابل بصرف النظر عن صحة قرار تعيينه فيها ، ويشمل موظفي السلطة التنفيذية بمختلف مستوياتهم ، وأعضاء مجلس النواب وأعضاء مجلس الشورى ، وأعضاء المجالس المحلية ، وأعضاء السلطة القضائية ، وأعضاء اللجان والمجالس الدائمة ، ويعتبر في حكم الموظف العام المحكمين والخبراء والعدول والوكلاء والمحامين والحراس القضائيين الذين تعدل لديهم الأموال وأعضاء مجالس إدارة المؤسسات والشركات والبنوك وموظفيها التي تسهم الدولة في رأسمالها ) والقواعد اللغوية و الأصولية تقول :- [إذا ورد في النص لفظ عام ولم يقم دليل على تخصيصه ، وجب حمله على عمومه وإثبات الحكم لجميع أفراده قطعاً ، فإن دل دليل على تخصيصه وجب حمله على ما بقي من أفراده بعد التخصيص ، واثبات الحكم لهذه الأفراد ] والقاعدة الآخرى تقول [ قد يجوز تخصيص اللفظ العام متأخرا وليس ذلك إلا بيان أنه أريد به البعض بقرينة متأخرة] وأيضاً قولهم : – [ العموم إذا دخلَه التخصيص بشيءٍ فهو حُجَّة فيما عداه]

وبالتأمل في نص المادة السابقة نجدها قد جاءت باللفظ العام ثم خصصته بتسمية وذكر العديد من فئات الموظفين أي أن المشرع أراد بذلك التخصيص بعض أفراد العام .

فمع أن تلك المادة قد توسعت في ذكر وتسمية الفئات المختلفة إلا أنها لم تذكر فئة المؤسسة العسكرية ، وكما رأينا في القواعد الأصولية واللغوية بأن ورود التخصيص بعد اللفظ العام يقيده ويمنعه من السريان على عمومه . الأمر الذي يؤكد عدم سريان قانون مكافحة الفساد على العسكريين .

فقانون مكافحة الفساد قد أخرج العسكريين من معنى الموظف العام فيما يتعلق بقانون مكافحة الفساد إذ لا يجوز التزيد في نصوص مثل هذه على اعتبار أن الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد جاءت بذلك التعريف وأخرجت العسكريين ضمنياً كاتفاقية دولية لأن أغلب الدول الموقعة على هذه الاتفاقية لا تحاكم عسكرييها عند ارتكابهم جرائم عسكرية إلا أمام القضاة الطبيعيين للعسكريين وهي المحاكم العسكرية .

والأدلة على ذلك كثيرة : فالعسكريون الأمريكيون يحاكموا أمام المحاكم العسكرية عند ارتكابهم أي جرائم بسبب أعمالهم العسكرية ومثلهم بقية دول العالم الديمقراطية الآخرى .

والمشرع عندما لم ينص على أفراد المؤسسة العسكرية لم يكن ذلك منه اعتباطاً أو تجاهلاً ، وإنما لمعرفته بأن لدى أفراد المؤسسة العسكرية قوانين وأنظمة خاصة بهم ، ولا تسري عليهم بعض الأنظمة العامة ومن ذلك ما يلي :-

1- عدم سريان قانون الخدمة المدنية على أفراد المؤسسة العسكرية :- حيث نص قانون الخدمة المدنية رقم 19 لسنة 1991م في المادة 3/ب [ب- لا تسري أحكام هذا القانون على :- 1- العسكريين في القوات المسلحة والداخلية والأمن … ] ولم يكن ذلك إلا لأن لديهم تشريع قانوني خاص بهم هو قانون الخدمة في القوات المسلحة رقم (67) الصادر في عام 1991م

2- عدم سريان قانون الجرائم والعقوبات العام على الجرائم المرتكبة من العسكريين بسبب تأدية أعمالهم العسكرية والسبب في ذلك هو أن لديهم تشريع قانوني عقابي أو جنائي خاص بهم ، هو قانون الجرائم والعقوبات العسكري رقم (21) الصادر في عام 1998م والذي شمل جرائم القانون العام وحدد العديد من الأفعال أو السلوكيات التي تعد جرائم عسكرية وليس لها نظير في قانون الجرائم والعقوبات العام – كما أنه أحال على قانون العقوبات العام فيما لم يرد به نص .
3- عدم سريان قانون الإجراءات الجزائية على الجرائم المرتكبة من العسكريين بسبب تأدية أعمالهم العسكرية والسبب في ذلك هو أن لديهم تشريع قانوني إجرائي خاص بهم هو قانون الإجراءات الجزائية العسكري رقم (7) الصادر في عام1996م والذي جعل لهم إجراءات اتهام ومحاكمة خاص بهم غير إجراءات اتهام ومحاكمة الموظفين العموميين . ويسري قانون الإجراءات العام على الجرائم المرتكبة من العسكريين في حالة الإحالة عليه من قانون الإجراءات العسكري أو في حالة عدم ورود نص في الإجراءات العسكري .
4- عدم سريان قانون الجامعات والكليات اليمنية على طلبة الكليات العسكرية : والسبب في ذلك هو أن لديهم تشريع قانوني خاص بهم وهو قانون الكليات العسكرية رقم (35) لسنة 1992م الذي خصهم بأنظمة دراسة وواجبات طلابية وعقوبات تأديبية تختلف عن ما هو سائد و مطبق على طلبة الكليات المدنية
5- عدم سريان قانون الأجور والمرتبات على أفراد المؤسسة العسكرية :- والسبب في ذلك هو أن لديهم تشريع قانوني خاص بهم وهو قانون المعاشات والمكافآت للقوات المسلحة والأمن وتعديلاته رقم (33)لسنة 1992م – إلا فيما لم يرد فيه نص في قوانينهم الخاصة

العنصر الثاني :-
الاختصاص القضائي باتهام ومحاكمة أفراد وضباط القوات المسلحة عن الجرائم المرتكبة بمناسبة وظائفهم
ينص دستور الجمهورية اليمنية في المادة (150) على :- [ القضاء وحدة متكاملة ، ويرتب القانون الجهات القضائية ودرجاتها ويحدد اختصاصاتها … ] وقد رتب قانون الإجراءات الجزائية العسكري والعقوبات العسكري وهما صادران عن مجلس النواب كيفية إجراءات ومحاكمة العسكريين . . – كما نص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة (14/1) على [1- جميع الأشخاص متساوون أمام القضاء .

ولكل فرد الحق عند النظر في أية تهمة جنائية ضده …في محاكمة عادلة وعلنية بواسطة محكمة مختصة ومستقلة وحيادية قائمة استناداً إلى القانون …] وقد حددت القوانين العسكرية المحاكم المختصة بمحاكمة العسكريين

ويعرف الاختصاص القضائي بأنه صلاحية المحكمة لمباشرة ولايتها القضائية على نحو صحيح كما يعرف أيضاً: بأنه نصيب المحكمة من القضايا التي تمارس فيها ولايتها القضائية حسب القانون .
فالاختصاص يعد جزءاً من الولاية القضائية ، فكلما وجد الاختصاص وجدت الولاية القضائية .
وقد توجد الولاية القضائية للمحكمة لكنه لا يوجد لها اختصاص قضائي لأن جميع المحاكم لها ولاية قضائية لكن لا يثبت لها الاختصاص القضائي إلا في نطاق محدود من القضايا وظيفياً ونوعياً ومكانياً .
فالاختصاص قيد على ولاية المحكمة نظراً لوجود محاكم آخرى تختص بنصيب معين من الدعاوى
هذا ويقسم الفقه القانوني الاختصاص القضائي إلى خمسة أنواع وهي / الاختصاص الوظيفي أو الشخصي ، النوعي ، المكاني ، التبعي ، الدولي .
وما له علاقة بموضوع دراستنا هو الاختصاص النوعي و الوظيفي “الشخصي”

الاختصاص النوعي والوظيفي ( الشخصي )
الأصل العام :- هو أن المحاكم الابتدائية العادية أو العامة ذات اختصاص وولاية عامة في نظر جميع القضايا وبالنسبة لجميع الأشخاص ، وهذا ما نص عليه قانون السلطة القضائية في المادة (47) بقوله :- [تكون للمحكمة الابتدائية الولاية العامة للنظر في جميع القضايا ] والمادة (9) [المحاكم هي الجهات القضائية التي تختص بالفصل في جميع المنازعات والجرائم ، ويبين القانون الاختصاص النوعي والمكاني للمحاكم ] وقد بينت القوانين العسكرية اختصاص النيابات والمحاكم العسكرية .

بيد أن المشرع ولاعتبارات عملية وتخصصية قد أخرج بعض الفئات أو الأشخاص وكذلك بعض الجرائم من اختصاص المحاكم العادية وأناطهم بمحاكم متخصصة بحسب أشخاص المتهمين أو نوعية الجرائم أو الدعاوى . وهذا ما أكده قانون السلطة القضائية في المادة (8) بقوله [ ب- يجوز بقرار من مجلس القضاء الأعلى بناءً على اقتراح وزير العدل إنشاء محاكم قضائية ابتدائية متخصصة ] – وبالنظر إلى النيابات والمحاكم العسكرية فقد أنشئت بقوانين .

ذلك أن مقتضيا ت تحقيق العدالة تتطلب النظر بعين الاعتبار إلى نوعية الجرائم ، وإلى صفات أو فئات المتهمين من حيث السن وطبيعة وموضوع الوظائف التي يشغلوها ، وبالتالي أخرج المشرع بعض الفئات من الخضوع للقضاء العام ، وأناطها بمحاكم متخصصة ومن ذلك ما يلي :-

1- فئة التجار :- حيث جعل لهم المشرع أوضاع قانونية “إجرائية وموضوعية ” خاصة من خلال سن القانون التجاري ، وقانون السجل التجاري ، وكذا قانون الشركات التجارية وغيرها ومن خلال إنشاء محاكم متخصصة “نوعية ” وهي المحاكم التجارية.

وبالتالي لا يصح تطبيق القانون المدني على الأعمال التجارية التي يقومون بها – إلا فيما لم يرد به نص- كما لا يصح أن تنظر المحاكم المدنية قضاياهم المتعلقة بأعمالهم التجارية.

2- فئة موظفي السلطة التنفيذية العليا :- حيث جعل لهم المشرع أوضاع قانونية إجرائية خاصة يتبين ذلك من خلال سن القانون رقم(6) لسنة 1995م بشأن إجراءات اتهام ومحاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا في الدولـــة الذي خصهم بأوضاع إجرائية خاصة عند الاتهام أو المحاكمة.

فلا يتم إحالتهم إلى التحقيق أو المحاكمة إلا بناءً على طلب من مجلس النواب ، كما أن الذي يمارس سلطة الاتهام هم ثلاثة من أعضاء المجلس القانونيين ، والمحكمة المختصة هي المحكمة العليا “الدائرة الدستورية “

– وبالتالي لا يصح تطبيق قانون الإجراءات الجزائية العام عليهم ، كما لا يصح أن تنظر المحكمة الجنائية قضاياهم المتعلقة بأعمالهم التنفيذية العليا فالاختصاص ينعقد وفقاً لقانونهم للمحكمة العليا – الدائرة الدستورية –

3- فئة الأحداث :- حيث جعل لهم المشرع أوضاع قانونية “موضوعية وإجرائية ” خاصة بهم من خلال سن قانون الأحداث رقم (26)لسنة 1997م الذي خصهم بإجراءات معينة فضلاً عن خصوصية قواعد مساءلتهم جنائياً وما يرتبط بذلك من طبيعة خاصة بالجزاءات المقررة عليهم . ومن خلال إنشاء محاكم متخصصة بقضايا الأحداث

4-فئة أفراد وضباط القوات المسلحة :- حيث خصهم المشرع بأوضاع قانونية موضوعية وتنظيمية وإجرائية خاصة يتبين ذلك من خلال سن العديد من القوانين العسكرية ومنها:-
أ‌- قانون الخدمة في القوات المسلحة رقم(67) لسنة 1991م :– لذلك لا يسري عليهم قانون الخدمة المدنية الذي يسري على معظم موظفي الدولة والذي نص في المادة(3/ب) على [ب-لا تسري أحكام هذا القانون على : 1- العسكريين في القوات المسلحة والأمن…]
ب‌- قانون الجرائم والعقوبات العسكري رقم(21) لسنة 1998م: الذي شمل جرائم القانون العام كما جرم واعتبر بعض الأفعال والسلوكيات جرائم عسكرية – منها جرائم الاختلاس وإساءة استخدام السلطة – ، وجعل لها عقوبات اشد ولذلك لا يسري على العسكريين قانون الجرائم والعقوبات العام وذلك في الجرائم المتعلقة بأعمالهم العسكرية إلا فيما لم يرد به نص.

ج‌- قانون الإجراءات الجزائية العسكرية رقم(7) لسنة 1996م ، والذي خص العسكريين بإجراءات اتهام ومحاكمة خاصة – تخالف إجراءات اتهام ومحاكمة الموظفين العموميين – من حيث بعض الإجراءات ، ومن حيث النيابات والمحاكم المختصة وهي النيابات والمحاكم العسكرية فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة بسبب ومناسبة تأديتهم لأعمالهم العسكرية. . وبالتالي لا يصح تطبيق قانون الإجراءات الجزائية العام على العسكريين – إلا فيما لم يرد به نص أو في حالات الإحالة -.

كما لا يصح أن تنظر النيابات والمحاكم الجنائية العادية قضاياهم المتعلقة بأعمالهم العسكرية ، فالاختصاص ينعقد للنيابات والمحاكم العسكرية وفقاً لقانوني العقوبات والإجراءات العسكري. . – ومـن خـلال مـا سبق يتبين أن لأفـراد القـوات المسـلحة أوضاع قـانونـية موضـوعية وتنظـيمية إجرائية وعقابية خاصة ، خصهم بها المشرع من خلال إصدار العديد من تلك القوانين العسكرية . . . وبعد هذا البيان والتمثيل
فإنه يعد من الثوابت والمبادئ القانونية هو أنه عندما ُتنشئ محكمة متخصصة بجرائم معينة أو طائفة معينة فإنها تكون هي صاحبة الاختصاص الأصيل في نظر تلك القضايا التي أناطها بها قانون إنشاءها ، ولا يجوز لأي محكمة عامة أو متخصصة أن تنازعها في اختصاصها الأصيل . فالمحاكم المتخصصة تمارس اختصاصاتها فقط تجاه مجموعة خاصة محددة من الجرائم أو القضايا وأنماط معينين من الجناة أو المدعين . وهذا ما أقرته المادة (89) من قانون

المرافعات بقولها [2- إنشاء محكمة ابتدائية متخصصة لنظر نوع معين من الدعاوى يجعل ولايتها قاصرة على ذلك النوع ، فلا يجوز لها النظر في غيره من الدعاوى ] والنوعية قد تكون مرتبطة بطبيعة العمل أو بالجرائم
لـــذلك كلـــــــه
فان عدم إخضاع الجرائم الواقعة على المال العسكري من قبل العسكريين بسبب ومناسبة وظائفهم للنيابات والمحاكم العسكرية ، ونقل الاختصاص لنيابات ومحاكم الأموال العامة يعد مخالفة صارخة لتلك القوانين العسكرية النافذة ، ومخالفة لإرادة وغاية المشرع التي ابتغاها من خلال وضعه لتلك التشريعات العسكرية.

كما أن في هذا المسلك تعطيل لنصوص قانوني العقوبات والإجراءات العسكري بدون سند ، ثم أنه سيؤدي إلى عدة إشكاليات وإرباكات قانونية وعمليه إجرائية وموضوعية تجعل من السهل الطعن فيها وإبطالها:- فلو افترضنا أن نيابات ومحاكم الأموال العامة نظرت قضايا العسكريين فما هو القانون الإجرائي والموضوعي الذي ستطبقه نيابات ومحاكم الأموال العامة على العسكريين ؟.

هل ستطبق قانوني العقوبات والإجراءات العسكري ؟. . أم ستطبق قانوني العقوبات والإجراءات العام ؟ . – فإذا ما طبقت قانوني الإجراءات والعقوبات العام فان ذلك سيكون عرضة لدفع جوهري بالبطلان للخطأ في تطبيق القانون ، حيث أن العسكريين يخضعون للقوانين العسكرية “.

– أما إذا طبقت قانوني الإجراءات والعقوبات العسكري فان ذلك سيكون عرضة لدفع جوهري بالبطلان لعدم الاختصاص حيث أن المختصين بتطبيق ذلكما القانونين هي النيابات والمحاكم العسكرية استناداً لنصوص المواد التالية :-
أولاً/ بعض مواد قانون الإجراءات الجزائية العسكري :-
المادة (30) [تباشر النيابة العسكرية التحقيق في الجرائم الآتية فور إبلاغها إليها :-
الجرائم المنصوص عليها في قانون الجرائم والعقوبات العسكري .
جرائم القانون العام الداخلة في اختصاص المحاكم العسكرية
الجرائم العسكرية المرتبطة بجرائم القانون العام
الجرائم العسكرية المحالة إليها من الجهات المختصة …]
المادة (31) [تختص النيابة العسكرية برفع الدعاوى الداخلة في اختصاصاها ومباشرتها على الوجه المبين في هذا القانون ]
المادة (32) [تتولى النيابة العسكرية تحريك الدعاوى في الجرائم العسكرية …]
المادة (49)[تختص المحكمة الابتدائية العسكرية بالفصل في جميع الجرائم المنصوص عليها في قانون الجرائم والعقوبات العسكرية التي تقع في دائرة اختصاصها المحلي] فعندما قصر المشرع تطبيق قانون العقوبات العسكري على المحاكم العسكرية كان ذلك لأن المحاكم العسكرية والقضاة العسكريون يراعى عند تعيينهم شروط معينة منها أن يكونوا من العسكريين وذلك لأن القاضي المدني لا يتصور ولا يعرف طبيعة الحياة العسكرية والحكم على الشيء فرع عن تصوره
ثانياً / بعض مواد قانون الجرائم والعقوبات العسكري :-
المادة(4) [تسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب إحدى الجرائم الآتية :- 3- الجرائم التي ترتكب من الأشخاص الخاضعين لأحكامه متى وقعت بسبب تأديتهم أعمال وظائفهم …]
المادة (6) [في غير الدعاوى الشخصية والمدنية تقضي المحاكم العسكرية بالعقوبات التالية :- 1- الإعدام 2- الرجم.. 7- الحبس 10- الغرامة ….. كما تقضي المحاكم العسكرية بالعقوبات الأصلية الآتية :- 1- الطرد من الخدمة 2- تنزيل الرتبة ]
المادة(8)[ يحرم المتهم متى تثبت إدانته بحكم واجب النفاذ من محكمة عسكرية من خدمته وراتبه عن كلي يوم من أيام الهروب أو الغياب]
المادة (9)[كل من يحكم عليه بحكم من محكمة عسكرية بعقوبة الحبس مدة لا تقل عن خمس سنوات يجوز الحكم عليه بإحدى العقوبات الآتية :-
الحرمان من الأقدمية الرتبة
تنزيل الرتبة لرتبة أدنى منها
الطرد من الخدمة في القوات المسلحة]
كما جعل قانون العقوبات العسكري على المحكمة العسكرية أن تحكم برد المال المختلس
ثم أن الجرائم العسكرية المنصوص عليها في قانون الجرائم والعقوبات العسكري تخضع لعقوبات تتميز عن العقوبات المنصوص عليها في القانون العام.
فالمحكمة العسكرية لها – وفقاً لقانون العقوبات العسكري – أن تحكم بالإضافة إلى العقوبات المنصوص عليها في القانون العام بعقوبات آخرى كالطرد أو الفصل من الخدمة وتنزيل الرتبة والحرمان من الأقدمية وغير ذلك …

العنصر الثالث :-
المفهوم القانوني لنص المادة (37) من قانون مكافحة الفساد
نصت المادة (37) على [ ينعقد الاختصاص للنظر في قضايا جرائم الفساد لنيابات ومحاكم الأموال العامة ] ولكي نستكشف ونستوضح مفهوم هذه المادة ومجال إعمالها سنُعمل ونطبق طرق التفسير القانونية وهي متعددة ومنها التفسير القانوني والتفسير القضائي والتفسير الققهي وذلك كالتالي :-
أولاً التفسير القانوني :– القواعد القانونية عندما تصدر تخرج في شكل قوالب ومجموعات أو موضوعات معينة : كقانون العقوبات ، والقانون المدني ، وقانون العمل وهكذا . وتلك المجموعات أو القوالب تعد كلاً منها وحدة موضوعية واحدة تكمل وتفسر بعضها البعض .
أي أن القانون يفسر ويوضح ويكمل بعضه البعض ، فما نقص أو أبهم في إحدى قواعده أو مواده كملته المادة الآخرى ، وما عُمم في إحدى قواعده خصصته ووضحته قواعد آخرى سواءً كانت في ذات القانون أو في قانون آخر نافذ في إطار المنظومة التشريعية السارية في الدولة .
ولتطبيق ما سبق في موضوع دراستنا :-
فإن المادة (37) المذكورة أعلاه يتحدد مفهومها ومجال إعمالها بحسب الوحدة الموضوعية للقانون المندرجة فيه وعند الإطلاع على قانون مكافحة الفساد نجد المواد التالية :-
مادة (36) [ تطبق بشأن إجراءات الضبط والتحقق والمحاكمة في جرائم الفساد القواعد المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية ، والقوانين النافذة ذات العلاقة ]

مادة (42) [للهيئة بالتنسيق مع الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة جمع الأدلة والمعلومات المتعلقة بالفساد وإحالة المتهمين إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية وفقاً للقوانين النافذة ] فعندما نقرأ المواد (36، 37، 42) مع بعض نخرج بمفهوم تكاملي مفاده أن نظر قضايا جرائم الفساد وما يستلزمه ذلك النظر من إجراءات جمع أدلة ومعلومات وضبط وتحقيق ومحاكمة تكون وفقاً لقانون الإجراءات الجزائية ووفقا للقوانين النافذة ذات العلاقة . . وهذا يعني أن قانون مكافحة الفساد لم يلغ أي قوانين آخرى بل أنه أحال عليها وحث على العمل وفقها وبموجبها . . وبتطبيق مفهوم هذه المواد على موضوع دراستنا سنجد أن القوانين النافذة ذات العلاقة هي قانون الجرائم والعقوبات العسكري وبالأخص المواد (9،8،6،4) وكذا قانون الإجراءات الجزائية العسكري وبالأخص المواد (30 ، 31 ، 32 ، 49) وهي المواد السابق بيانها أعلاه والتي تقصر الاختصاص بالنيابات والمحاكم العسكرية في اتهام العسكريين ومحاكمتهم في الجرائم العسكرية . . ولما سبق ولأن قانون مكافحة الفساد قد نص على إجراء النظر في قضايا الفساد [من جمع أدل ومعلومات وضبط وتحقيق و محاكمة] وفقاً لقانون الإجراءات الجزائية والقوانين النافذة ذات العلاقة .

ولما كانت القوانين النافذة ذات العلاقة (الإجراءات ، والعقوبات العسكرية)– كما رأينا في المواد السابق ذكرها – قد نصت على اختصاص النيابات والمحاكم العسكرية بنظر قضايا العسكريين وجرائمهم التي يرتكبوها بمناسبة أعمالهم ووظائفهم ، وبالتالي فإن الاختصاص ينعقد وبدون أدنى شك للقضاء العسكري .

والقول بغير ذلك تلاعب بالنصوص القانونية واستدلال ببعضها في غير محلها وإهمال بقية النصوص القانونية . . وهذه هي المزاجية والانتقائية والهوى وعدم التجرد والاحتكام لحكم القانون .

توهم تنازع بعض نصوص قانون مكافحة الفساد مع قانوني الإجراءات والعقوبات العسكري

المفهوم التكاملي الذي أوردناه قبل قليل للقوانين السابق ذكرها قد لا يوافق هوى البعض ويرى أن نص المادة (37) من قانون مكافحة الفساد التي قالت [ينعقد الاختصاص للنظر في قضايا جرائم الفساد لنيابات ومحاكم الأموال العامة] تتنازع أو تتعارض مع نصوص قانوني الإجراءات العسكري ومنها المادة (32) [تتولى النيابة العسكرية تحريك الدعاوى في الجرائم العسكرية …] والمادة (49) [تختص المحكمة الابتدائية العسكرية بالفصل في جميع الجرائم المنصوص عليها في قانون الجرائم والعقوبات العسكرية التي تقع في دائرة اختصاصها المحلي]

وإذا سلمنا بذلك التنازع – جدلاً – و جب علينا البحث عن كيفية حل هذا التنازع ، وقد وضع فقهاء القانون عدة قواعد ومبادئ لحل التنازعات بين القوانين ، من تلك القواعد والمبادئ المعمول بها والغير مختلف عليها هي ما ذكرها عميد كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية أ/د سمير عبدالسيد تناغو في كتابه النظرية العامة للقانون (ص 419) قاعدة { [الحكم الحديث العام يتقيد بالحكم القديم الخاص ولا يلغيه] فعندما يتضمن التشريع الحديث حكماً عاماً ، بينما يتضمن التشريع القديم حكماً خاصاً ففي هذه الحالة لا يتأثر التشريع القديم بصدور التشريع الحديث بل أن التشريع القديم هو الذي يؤثر في التشريع الحديث ويقيده . فالخاص يقيد العام ولو كان الخاص هو القديم } وبهذا يحل التنازع المتوهم . حيث لا يجوز إهدار القانون الخاص لإعمال القانون العام لما في ذلك من منافاة صريحة للغرض الذي من أجله وضع القانون الخاص .

ولما كان قانون الجرائم والعقوبات العسكري يعرف بأنه :- القانون الجنائي الخاص الذي يحمي المصلحة العسكرية . ولما كانت الجريمة العسكرية تعرف بأنها :- بأنها [كل فعل أو امتناع عن فعل يصدر عن شخص مسئول جنائياً يتمتع بالصفة العسكرية ويشكل إخلالاً بالمصلحة القانونية ذات الصفة العسكرية أو يعرض هذه المصلحة للخطر ، ويقرر له المشرع جزاءاً جنائياً ] د/ إبراهيم الشرقاوي ص 145 من كتابة النظرية العامة للجريمة العسكرية ولما كان اختلاس المال العسكري ، من قبل الشخص المتمتع بالصفة العسكرية ، وبسبب ومناسبة عمله ووظيفته العسكرية يكيف بأنه جريمة عسكرية .

فإن القوانين الخاصة والواجبة التطبيق هي القوانين العسكرية ، وأن النيابات والمحاكم المختصة هي النيابات والمحاكم العسكرية.

ثانياً التفسير القضائي :-
تفسير القانون هو من صميم عمل القضاة فوظيفة القاضي هي تطبيق القانون ، ولا يمكن تطبيق القانون قبل تفسيره ، والمرحلة الأولى من مراحل تطبيق القانون هي مرحلة التكييف للنزاع أو الواقعة المعروضة أمام القاضي ، وعلى ضوء التكييف يتحدد القانون الواجب التطبيق وكذا النيابات والمحاكم المختصة . ولذلك يتجسد التفسير القضائي للنصوص القانونية من خلال نظر القضايا المختلفة وإصدار الأحكام بشأنها من خلال تطبيق القوانين . فالمحاكم أثناء فصلها في القضايا المنظورة لديها توضح كيفية تطبيق النصوص القانونية وتحدد مجال إعمالها .

وعندما نعمل ذلك على المسألة موضوع دراستنا نجد :- أن نيابات ومحاكم الأموال العامة من قبل أن يتم إنشاء هيئة مكافحة الفساد ومن بعد إنشائها إلى يومنا هذا لم تنظر في أي قضية متهم فيها عسكري بجريمة فساد أو غيرها ارتكبها العسكري بمناسبة عمله . – وفي الوقت ذاته كانت ولا زالت النيابات والمحاكم العسكرية تنظر وتحكم في القضايا المتهم فيها العسكريين بجرائم فساد أو اختلاس أو غيرها أرتكبها العسكريون بمناسبة أعمالهم العسكرية ، وكانت ولازالت تلك القضايا تنظر وتقر من حيث الاختصاص لدى محاكم الإستئناف وكذلك المحكمة العليا .

ومن قبل إنشاء الهيئة ومن بعد إنشائها وعلى مدى ست سنوات من إنشائها لم تعترض أو تنازع الهيئة أو أي جهة قضائية آخرى القضاء العسكري في اختصاصه بمحاكمة العسكريين المتهمين بجرائم مرتكبة بمناسبة وظائفهم العسكرية سواءً كانت جرائم توصف بأنها جرائم فساد أو اختلاس أو سرقة أو نهب أو غيره ، وذلك لمعرفة واحترام الجميع للاختصاص النوعي الذي أناطه المشرع بالقضاء العسكري – والذي يعد قضاء جنائي متخصص –

وهذا الجدول يوضح  إحصائية الأحكام  الصادرة في بعض الجرائم العسكرية من المحاكم العسكرية

نوع  الجريمةالأحكام الصادرة من  المحاكم العسكرية في  جرائم الاختلاس العسكرية
200720082009201020112012
اختلاس36597293105199

كل ما سبق يؤكد التطبيق القانوني الصحيح  والفهم والتفسير القضائي السليم الذي سارت عليه هيئة مكافحة الفساد وقضاء الأموال العامة والقضاء العسكري .

وقد حسمت نيابة الأموال العامة الخلاف وأحالت عدة قضايا متهمين فيه عسكريين باختلاس أموال بسبب أعمالهم ومنها إحدى قضايا دائرة الأشغال العسكرية المرتبطة ببقية القضايا في تلك الدائرة – والتي شرع القضاء العسكري بالتحقيق فيها قبل أن يبلغ بجرائم الاختلاس الأخيرة وهنا نسجل استغرابنا وتعجبنا عن المزاجية والانتقائية التي تريد أن يسلكها البعض في سحب الاختصاص عن القضاء العسكري بخصوص إحدى القضايا بعينها . مع وجود مئات القضايا المشابهة التي نظرها و ينظرها القضاء العسكري وفقاً لاختصاصه بموجب القوانين النافذة
ومن التفسيرات أو التطبيقات القضائية الحديثة لدى القضاء المقارن في بعض القضايا المماثلة:
– البلاغات المقدمة ضد اللواء أحمد شفيق :- وهي البلاغات المقدمة ضد اللواء أحمد شفيق باتهامه بقضايا فساد مالي حيث قدمت الكثير من البلاغات ضد ه لدى النائب العام والذي قام بدوره بإحالتها إلى القضاء العسكري بوصف شفيق مسئولا عسكرياً سابقا.
– محاكمة الرئيس التونسي السابق – غـيـابـيـا – أمام القضاء العسكري في الجرائم العسكرية ومن ضمنها جرائم اختلاس أموال مخصصة للأغراض العسكرية ، وحوكم عن بقية الجرائم الآخرى غيابياً أما القضاء العادي – رغم أن تونس ومصر من الدول الموقعة على اتفاقية مكافحة الفساد .
ثالثاً :- التفسير الفقهي :-
الفقه القانوني يتمثل في المؤلفات التي يكتبها أساتذة القانون والمحامون والقضاة والمستشارون وهو ما تعده بعض الأنظمة التشريعية إحدى مصادر القانون ، ولذلك قلما يخلو دفاع في قضية من الاستشهاد بآراء الفقهاء ، وقلما يفصل قاضي في نزاع دون الرجوع إلى مؤلفات الفقه القانوني . وعند البحث عن رأي الفقه القانوني في المسألة موضوع دراستنا نذكر على سبيل المثال تفسير بعض أساتذة القانون لنصوص اختصاص القضاء العسكري حيث جاء في كتاب (المحاكمة والطعن في الأحكام في قانون الإجراءات الجزائية اليمني ) للدكتور أمين دهمش ص (31) ما نـــصـــه :- [ غير أن المشرع يخرج بعض الفئات من الخضوع للقضاء العام ومن ذلك :-

3- … الاشخاص العسكريين الذين يرتكبون جرائم تخضع لقانون الجرائم والعقوبات العسكري من الخضوع للقضاء العام ، فقد اعتد المشرع اليمني بصفة المتهم من حيث انتماءه للمؤسسة العسكرية في تحديد المحكمة المختصة بمحاكمته ، حيث أناط بالقضاء العسكري – المحاكم العسكرية والنيابة العسكرية – في محاكمة من ارتكب جريمة من الجرائم التي يتحدد فيها الاختصاص للمحاكم العسكرية ].

إعادة نشر بواسطة محاماة نت