بحث هام عن الولاية في عقد الزواج في ظل التعديل الجديد لقانون الاسرة الجزائري

مقدمة:

الزواج شرع لرفع مرتبة الإنسان و تعظيمه، فأسسه على ما يدعم الحياة الزوجية و يقوي بنيانها رغبة في التناسل و خدمة الإنسانية و التعفف و العصمة و ابتعادا عن الظلمات و المنكرات و الفواحش.

فالزواج في الشريعة الإسلامية له شقاق، الأول ديني يتعلق بالحقوق الشرعية و الواجبات الملقاة على طرفي العقد لتحقيق المقاصد الشرعية من عقد الزواج، أما الثاني دنيوي يتعلق بإنشاء الأسرة الصالحة لخدمة المجتمع الإسلامي، لهذا يمكن أن نقر أن الزواج المبني على أسس سليمة يترتب عليه نشوء الأسرة الصالحة، و المجتمع الإسلامي الصالح. و الزواج الذي ينتهك هذه التشريعات و القوانين يترتب عليه نشوء الأسرة المنحلة، و بالتالي المجتمع الفاسد لان ما بني على باطل فهو باطل.

فالمرأة قبل صدور الإسلام كانت مغرمة الحق، منزوعة الكرامة، حيث كانت تكره على الزواج في مختلف الشرائع القديمة(المسيحية و اليهودية) و حتى عند العرب في الجاهلية. فكانت للأب سلطة مطلقة لإجبار البنت على الزواج سواء كانت كبيرة أو صغيرة، بكرا أو ثيبا، أي إرادتها كانت مسلوبة فيزوجها ممن يختار هو (الولي) أو يمنعها ممن تراه كفأ لها، إلى أن ظهر الإسلام و كفل لها جميع حقوقها و اعترف لها بالإنسانية و حقها في الرأي، أي جعلها شريكة الرجل في الدين و مقومات الحياة فوضع حدا لهذا الجبر و التسلط الذي كان يمارس على الفتاة في الزواج، فأعطاها الحق في اختيار شريك حياتها و على هذا الأساس أوجب على وليها اتخاذ إذنها في تزويجها.

هذا ما سنحاول دراسته في موضوعنا هذا، و هو الولاية في عقد الزواج في ظل التعديل الجديد لقانون الأسرة الجزائري، الذي يعتبر محل نقاش و جدل في الفقه و القانون. فأثار عدة تساؤلات منذ القدم و لا يزال يطرحها إلى يومنا هذا أي التشريعات الحديثة أهمها ما مدى سلطة الولي على المولى عليه في تزويجها؟ و ما حكم تزويج المرأة نفسها أو بدون وليها؟.

و من خلال طرحنا لهذين التساؤلين نحاول الإجابة عنهم في مبحثين تطرقنا إلى مفهوم الولاية الذي قسمناه بدوره إلى مطلبين تناولنا في الأول تعريف الولاية و الطبيعة القانونية لها و في المطلب الثاني تناولنا أنواع و شروط الولاية في عقد الزواج، أما في المبحث الثاني تناولنا أقسام و ترتيب الولي في عقد الزواج و جزاء تخلفه الذي قسمناه إلى مطلبين الأول تطرقنا فيه إلى الولاية و ترتيبها و المطلب الثاني جزاء تخلف الولي في عقد الزواج.

و لقد اعتمدنا في دراستنا التحليلية لهذا الموضوع على عدد من المراجع الأساسية القانونية منها و الفقهية،و على الرغم من نقص في المراجع الجديدة الصادرة بشان التعديل لقانون الأسرة. كما عمدنا إلى تنظيم بحثنا و تسلسله حتى يسهل الإلمام به الماما كاملا و كافيا.

المبحث الأول: ماهية الولاية

بما أن الولاية في عقد الزواج من الموضوعات التي طرحت تساؤلات منذ القدم و كانت محل اختلاف بين الطوائف و المذاهب الفقهية، و حتى نتمكن من توضيح هذه الإشكالية نتطرق في هذا المبحث إلى مفهوم الولاية في عقد الزواج الذي نصت عليها المادة 9 مكرر من الأمر رقم 05-02 المؤرخ في 27 فبراير 2005 المتضمن تعديل قانون الأسرة على انه يجب أن تتوفر في عقد الزواج الشروط الآتية: أهلية الزواج، الصداق، الولي، شاهدين، انعدام الموانع الشرعية للزواج، و لذلك قسمنا هذا المبحث إلى مطلبين الأول تطرقنا فيه إلى تعريف الولاية و الطبيعة القانونية لها و المطلب الثاني أنواع الولاية و شروطها.

المطلب الأول: تعريف الولاية و الصيغة القانونية لها

لما كانت الولاية من أهم الانشغالات التي تناولها الفقه و أخضعها لآرائه و انتقاداته فان تعريف الولاية و طبيعتها القانونية لم تَسْلم من ذلك، و هذا ما نتطرق إليه في هذا المطلب الذي قسمناه إلى فرعين الأول نتناول فيه تعريف الولاية و الثاني الطبيعة القانونية لها.

الفرع الأول: تعريف الولاية لغة و شرعا

لقد جاءت للولاية في عقد الزواج عدة تعاريف و ذلك باختلاف الفقهاء و يتأرجح مفهومها بين المفهوم اللغوي و الاصطلاحي و هذا ما سنحاول التطرق إليه.

أ-الولاية لغة:

الولاية بفتح الواو و كسررها مصدر فيقال ولي عليه ولاية إذا أمكن أمره و قام به و من معاني الولي أيضا النصير، و منه قوله تعالى }و مالكم من دون الله من ولي و لا نصير{سورة البقرة-الآية 107. [1]

فالولاية لها معاني كثيرة منها النصرة و المحبة و المعاونة و القائم بأمر الشخص المتولي شؤونه فالولي لغة يعني الصديق فهو الملاذ و الملجأ الحصين للمرأة. [2]

– جاء في لسان العرب، الولاية مصدر ولي أي أولى عليه ولايته، فمن فتحها جعلها بعض النصرة و النسب، و من كسرها و جعلها بمعنى السلطات، و ولي اليتيم الذي يولي أمره و يقوم بكفالته و ولي المرأة الذي يولي عقد النكاح، و لا يدعها تستبد بعقد النكاح دونه النصرة هم على ولاية أي مجتمعون في النصرة و الولاية على الإيمان واجبة مصداقا بقوله تعالى } المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض {سورة التوبة- الآية 71. [3]

ب- الولاية شرعا:

سلطة شريعة أو حق شرعي تخول لصاحبها إنشاء العقود و التصرفات و جعلها نافذة سواء كان موضوع التصرف هو أو يخص من في ولايته ممن عليه سلطة مستمدة من الشارع أو مستمدة من الغير بما في ذلك تصرفات الوكيل في حدود عقد الوكالة.

– كما اعتبرها الفقهاء شرطا لصحة عقد الزواج، و اعتبرها الحنيفة شرطا للنفاذ حيث لا يصح عقد الزواج إذا كان مما ليس له صفة في إنشاء العقد و يصح إذا كان لمباشرة سلطة الولاية.

و الولاية بوجه عام إما أن تكون قاصرة فترتبط في هذه الحالة بالأهلية لأنها لا تتعلق بالشخص نفسه و أما إن تكون متعدية و هي ولاية الشخص على الغير.

– اختلف الفقهاء حول تعريف الولاية فعرفت على أساس قيام شخص كبير راشد على شخص قاصر في تدبير شؤونه الشخصية و المالية و هي أيضا شرعية تمكن صاحبها من مباشرة العقود و ترتب أثارا عليها دون توقف على إجازة احد و ما يمكن استخلاصه من هذه التعاريف ما يلي:

E مصدر ثبوت هذه الولاية في القران الكريم و السنة الشريفة و هي السلطة الثابتة من حيث الشرع.

Eوجوب توافر شروط للقيام بالعقود الشرعية و المالية و من هذه العقود الشرعية ما يتصل بالشخص مثل تزويج نفسه و بيعه لماله و هنا تسمى الولاية قاصرة، أما إذا كانت متعلقة بالغير كتزويج ابنته و تصرفه في مالها أو مال ولده فتكون ولاية متعدية. [4]

فالولاية بدورها تنقسم إلى: ولاية على النفس و ولاية على المال.

أولا:

الولاية على النفس: و هي للأب عند عدمه و لا يملكها غيرهما من الأقرباء فهي تشتمل كل ما يحتاج إليه القاصر من عناية و رعاية و من ذلك:

E التأديب و التهذيب و تعويده على الأخلاق الحسنة و أبعاده عن رفاق السوء و مواطن الفساد.

E رعاية صحته و نموه الجسمي و حمايته من الأمراض و علاجه منها.

E تعليمه و تثقيفه في المدارس التي تتولى ذلك أحسن وجه.

E توجيهه إلى حرفة يكسب بها معيشة حتى لا يكون عالة على المجتمع.

E الإشراف على زواجه و اختيار من يتزوج بها.

فهذه الولاية تكون للأب ثم للجد العصبي ثم لأقاربه من العصبة.

ثانيا:

الولاية على المال: هي الإشراف على شؤون القاصر بحفظ ماله و تنميته و انتقاء حقوقه و الإنفاق عليه بما تقتضيه مصلحته و حاجاته.

و هذه الولاية تكون للأب ثم للجد العصبي عند عدمه فحسب و ليس لغيرهما من الأقرباء هذه الولاية إلا باختيار بينهما أو من القاضي و عندئذ يعتبر الولي القريب وصيا يأخذ حكم الأوصياء. [5]

فعقد الزواج من عقود الولاية على النفس و عليه يقتصر موضوع البحث على الولاية المتعدية بالولاية على النفس التي تخول لصاحبها سلطة إبرام عقد الزواج و الولاية على النفس يتولاها الأقربون من العصبات كقرابة الأب إن وجدت أو الأم أو الأقارب ذوي الأرحام.

و قد نصت الشريعة الإسلامية على شرط الولاية وفقا لمصادر الاستدلال التالية:

– في القران الكريم قوله تعالى: } فانكحوهن بإذن أهلهن {و جاء في الحديث الشريف: }لا نكاح إلا بولي { [6]و من جهة أخرى فالولاية تنقسم لاعتبارات مختلفة:

أولا: من حيث ذاتها إلى ولاية عامة و إلى ولاية خاصة فالعامة كولاية القاضي، و الخاصة كولاية الأب و الجد.

و الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة لان صاحب الولاية العامة لا يزوج إلى عند عدم وجود ولي خاص.

ثانيا: و من حيث ثبوتها للإنسان على نفسه أو غيره إلى ولاية قاصرة وولاية تامة.

فالقاصرة هي ولاية الشخص على نفسه و لا تنفك عن أهلية الأداء، فمن يثبت له أهلية الأداء الكاملة، كانت له ولاية قاصرة على نفسه و من انتفت عنه لم يكن له على نفسه من ولاية.

و الولاية التامة هي التي تخول للإنسان فضلا عن التصرف في شؤونه لنفسه، التصرف في شؤون غيره و لو جبرا عن ذلك الغير.

ثالثا: تنوع الولاية على النفس و إلى ولاية على المال

فالولاية على المال هي القدرة على مباشرة التصرفات المالية، التصرف نافذا.

الولاية على النفس تتمثل في أمرين:

1- في التربية و الحفظ أي شؤون الرضاع و الحضانة و الضم و ما يتعلق بها.

2- في التزويج [7]

الولي هو أبو الزوجة أو الوصي أو الأقرب من عصبها أو ذوي الرأي من أهلها أو السلطان لقوله صلى الله عليه و سلم: }لا نكاح إلا بولي { و قول عمر رضي الله عنه: }لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذوي الرأي من أهلها أو السطان { .

و رأي الجمهور أن النكاح لا يصح إلا بولي، و لا تملك المرأة تزويج نفسها و لا غيرها، و لا توكيل غير وليها في تزويجها، فان فعلت و لو كانت بالغة عاقلة رشيدة لم يصح النكاح، و هو رأي كثير من الصحابة رضي الله عنهم.

و من أدلتهم: حديث عائشة و أبي موسى و ابن عباس }لا نكاح إلا بولي { [8] و حديث عائشة: }أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، باطل، فان دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فان اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له { .

و حديث أبي هريرة: }لا تزوج المرأة نفسها، فان الزانية هي التي تزوج نفسها { .

و مهما يكن من خلاف في ولاية المرأة فانه يجب على الولي أن يبدأ بأخذ رأي المرأة و يعرف رضاها قبل العقد إذ أن الزواج معاشرة دائمة و شركة قائمة بين الرجل و المرأة…. و لا يدوم الوئام و يبقى الود و الانسجام ما لم يعلم رضاها. [9]

الفرع الثاني: الطبيعة القانونية للولاية في عقد الزواج

اختلف الفقهاء في طبيعة الولي في عقد الزواج فاعتبره المالكية و الشافعية و الحنابلة شرط صحة و قد استدل جمهور الفقهاء على أن الولاية شرط من الشروط الضرورية في الزواج اعتمادا على الأدلة التالية:

من القرآن: قوله تعالى: }و انكحوا الأيامى منكم و الصالحين من عبادكم { [10]

و قوله تعالى: }و إن طلقتم النساء فبلغن اجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف { [11]

و وجه الدلالة في الآية أن الله تعالى يخاطب أولياء النساء فينهاهم عن منعهن من الزواج بمن يرضينه لأنفسهن زوجا، فلو لم يكن لهؤلاء الأولياء حق المنع لما كان خاطبهم بمثل هذا الوجه لأنه كان يكفي أن يقول النساء إذا منعتن من الزواج فزوجوا أنفسكن و قد فسرها الشافعي انه أصلح آية في الدلالة على ضرورة الولي. [12]

و قوله تعالى: }ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا و لَعبد مؤمن خير من مشرك و لو أعجبكم { [13]

و الخطاب في هذه الآية موجه إلى الأولياء فكان دليلا على أن المرأة لا يحق لها تزويج نفسها و لا أن يتزوج غيرها و إنما الذي يزوجها هو وليها.

من السنة: فقد روي أن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال: }لا تزوج المرأة المرأة و لا تزوج المرأة نفسها فان الزانية هي التي تزوج نفسها {

و قوله أيضا عليه الصلاة و السلام: }لا نكاح إلا بولي و شاهدي عدل { [14]

و دليلهم من هذا الحديث واضح حيث يفهم من عبارته الصريحة نفي صحة الزواج و بطلانه بدون ولي.

و فيما رواه الزهري عن عائشة رضي الله عنها و هو أن النبي صلى الله عليه و سلم قال } أيما امرأة نكحت نفسها بغير وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل { [15]و ربما هذا الحديث كان أقوى ما استدل به جمهور الفقهاء على ضرورة الولي، و هذا لوضوح الحديث و عبارته الصريحة.

و على خلاف جمهور الفقهاء الذين يرون أن الولي في الزواج اعتبر أبو حنيفة النكاح صحيحا إذ تم بدون ولي و بالتالي هو ليس شرطا من شروط الصحة، فاعتبر علماء الحنفية الولاية في الزواج بالنسبة للمرأة أو غيرها ليست شرطا من شروط الصحة و ليس ركنا في عقد الزواج لذلك يسميها علماء الحنفية ولاية الاستحباب أي أن المرأة العاقلة البالغة تستطيع أن تزوج نفسها سواء كانت ثيبا أو بكرا و ذلك متى كان المهر مهر المثل و الزوج كفأ لها و في حالة تخلف هذين الشرطين أعطى لوليها حق الاعتراض و المطالبة بفسخ النكاح و قد اعتمدوا على الأدلة التالية:

من الكتاب: قوله تعالى }فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره {. [16] ووجه الاستدلال في هذه الآية انه إن طلق الزوج زوجته فيمكن أن يراجعها بعد أن تتزوج برجل غيره و لكن هنا زواجها من الزوج الثاني يكون بدون اشتراط الولي.

وقوله تعالى في الآية الثانية: } فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف و الله بما تعملون خبير {. [17] ووجه الاستدلال في هذه الآية على عدم اشتراط الولي في النكاح أنها تضمنت النهي عن التريث عليهن في ما قد يفعلنه في أنفسهن دون أوليائهن بما هو متعارف و لكن يكون ذلك الفعل إلا عقد النكاح.

من السنة:حديث ابن عباس رضي الله عنه- من أن جارية بكرا أتت إلى النبي صلى الله عليه و سلم فذكرت أباها زوجها و هي كارهة فخيرها رسول الله صلى الله عليه و سلم- من هذا الحديث يثبت بان شرط الولي ليس أساسي في عقد الزواج. [18]

وقوله عليه الصلاة و السلام: }الأيم أحق بنفسها من وليها و البكر تستأمر و إذنها صمتها { . و الأيم هنا نعني بها الإمرة التي لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا. و الاستدلال في هذا الحديث واضح في عدم اشتراط الولي في الزواج و أن للمرأة الحق في تزويج نفسها من غير وليها.

غير أن المشرع الجزائري بين الطبيعة القانونية للولي من خلال المادة 9 مكرر من قانون الأسرة الجديد و اعتبره شرط صحة بعد أن كان ينص عليه كركن و ذلك بما جاء في نص المادة: «يجب أن تتوفر في عقد الزواج الشروط الآتية:

E أهلية الزواج

E الصداق

E الولي

E شاهدان

E انعدام الموانع الشرعية للزواج ».

و أيضا ما جاء بنص المادة 11 المعدلة من ذات القانون حيث نص على انه «تعقد المرأة الراشدة زواجها بحضور وليها » من خلال هذا يتبين لنا و لأول وهلة أن المرأة هي التي تباشر عقد زواجها أما وليها فيشاركها بحضوره لعقد الزواج، و من ثمة إذا تخلف هذا الولي فلن يؤثر بأي شيء على عقد زواج ابنته لان حضوره لعقد الزواج اختياري لا إجباري باعتبار أن المرأة راشدة تعرف ما ينفعها و ما يضرها، كذلك جاء في نص المادتين المعدلتين 32،33 التي نصها على التوالي: «يبطل الزواج إذا أشتمل على مانع أو شرط يتنافى و مقتضيات العقد » و «يبطل الزواج إذا اختل ركن الرضا، إذ أن الزواج بدون شاهدين أو صداق أو ولي في حالة وجوبه، يفسخ العقد قبل الدخول و لا صداق فيه، و يثبت بعد الدخول بصداق المثل ».

المشرع رتب الفسخ في حالة ما إذا تم الزواج بدون ولي في حالة وجوبه أي أثناء ولايته على القصر، أما في ولايته على المرأة الراشدة فوجوده كعدم وجوده في عقد الزواج و بما انه رتب الفسخ بأنه اعتبر الولي شرط صحة لكن عكس الرضا الذي نص عليه صراحة بأنه يبطل عقد الزواج احتل ركن الرضا.

المطلب الثاني:أنواع الولاية و شروطها

الفرع الأول: أنواع الولاية

يقوم الإنسان بعدة تصرفات إما تكون متعلقة بشخص المولى عليه فتشمل القيام بشؤونه مثل تعليمه و تزويجه، و تسمى الولاية على النفس، و إما أن تكون متعلقة بمال المولى عليه فتشمل إيجاره، و البيع و الشراء بأمواله لمصلحته، و تسمى هذه الولاية الولاية على المال أما جمعهما فيسمى الولاية على النفس و المال، فهذه أنواع الولاية باختصار سبق و أن اشرنا إليها و الذي يهمنا هنا هو الولاية على النفس و هي ولاية منذ ولادة الطفل حتى انتهاء حضانته إن ضم إلى من له الولاية على نفسه، و ذلك ليقوم على إتمام تربيته التي تبدأ بالحضانة ليعمل على حفظه و حمايته حتى تنتهي مدة هذه الولاية كما يمكن أن يتولى عقد زواجه.

و الولاية على النفس قد تكون قاصرة و قد تكون متعدية فالولاية القاصرة يكون لصاحبها حق تزويج نفسه و غيره.

أولا: الولاية الشرعية

مصدرها الشرع ابتداء كولاية الأب على ابنه و الجد على حفيده و في هذه الحالة يمكن تسميتها بالولاية الشخصية لأنها مستمدة من الغير إنما هي ثابتة له شرعا بمقتضى صفة القرابة باعتباره من العصبة بالنفس فهي ملازمة للولي فلا يصح منه التنازل عنها أو إسقاطها، و كان حق الغير قد تعلق بها إلا أن يوجد سبب لإسقاطها فهذا يقرره الشرع و القانون مثلا كالمجنون وقال لحديث الرسول صلى الله عليه و سلم: }أنت و مالك لأبيك {. [19]

ثانيا: الولاية المتعدية

هي سلطة ثابتة يتم بمقتضاها تنفيذ أقوال و تصرفات الولي على المولى عليه جبرا، و هدف الولاية هو تمكين في تعليم المولى عليه و القيام بشؤونه و التصرف في أمواله على أساس من المصلحة و الاعتبار.

ثالثا: ولاية الغير

مصدرها الغير كولاية الوصي و الوكيل و القاضي، حيث أن الولي يستمد سلطته على المولى عليه من الموصي كوصية الأب أو الجد مثلا و قد تكون الولاية عامة كولاية القاضي و السلطان عملا بحديث الرسول صلى الله عليه و سلم }السلطان ولي من لا ولي له { .

و سلطة الولي على المولى عليه ليست بدرجة واجبة، و قد تكون ولاية الشخص على غيره قوية و قد تكون ضعيفة، فهي قوية إذا كانت تخول لمن يمارسها إجبار المولى عليه على التزويج و الختان حتى في غير الحالات المادية مادام الولي يعتقد أن ما يقدم عليه يعود بالمصلحة و النفع على المولى عليه، لكن ما يهمنا في هذا الموضوع هو الولاية في عقد الزواج على أساس أن الولاية في العقد لها أهمية و هذا ما يمكن إبرازه مع تبيان ما يترتب عليها من نتائج عند سقوطها أو تخلفها أي إبرام عقد الزواج بدون حضور الولي [20]

الفرع الثاني:شروط الولي

المشرع أحجم عن وضع نص لتحديد الشروط الواجب توافرها في من يكون وليا في عقد النكاح و عند سكوت المشرع علينا بالرجوع إلى القواعد العامة لضبط شروط الولي لأنه ليس كل ولي صالح لإبرام عقد الزواج، بل لا بد من توافر شروط خاصة في الولي الذي يتولى عقد الزواج و قد بين الفقهاء هذه الشروط المطلوب توافرها في الأتي:

أولا: الأهلية

تعتبر من الشروط المتفق عليها و تعتبر الأهلية في الشريعة الإسلامية هي صلاحية الشخص للإلزام، و الالتزام بمعنى أن يكون الشخص صالحا لان يلزمه حقوق لغيره و تثبت له حقوق قبل غيره، أما الأهلية في القانون فهي صلاحية الشخص لتلقي الحقوق و تحمل الواجبات غير أن الأولى منها تلقي الحقوق تثبت للشخص منذ ولادته بينما الثانية أداء الواجب تندرج بتدرج السن و تتأثر بالعوارض التي قد تعترض الشخص في حياته و إذا لم تتأثر بعوارض يكون لصاحبها الحق في القيام بشؤونه و شؤون غيره.

أما ناقص الأهلية مثل السفيه و المميز الذي لم يبلغ سن الرشد المحدد في المادة 40 من القانون المدني التي تنص على أن: «كل شخص بلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية، و لم يحجر عليه يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية و سن الرشد(19) سنة كاملة » أما عديم الأهلية كما لو كان صغير السن و لم يبلغ من العمر 16 سنة وفقا لما جاء في المادة 42 « لا يكون أهلا لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التمييز لصغره في السن أو عته أو جنون يعتبر غير مميز من لم يبلغ السادسة عشرة سنة». [21]

فهي تكتمل بالبلوغ و العقل و الحرية فلا ولاية لعدم البلوغ و لا ولاية للمجنون و المعتوه( ضعيف العقل) و السكران و كذا مختل النظر بهرم( و هو كبر السن) أما الحرية فلا مكان لها في عصرنا هذا إلغاء الرق. [22]

فإذا كان الشخص مجنونا أو معتوها أو مصابا بمانع من موانع الأهلية أو عارضا من عوارضها كان في حاجته إلى من يقوم بشؤونه فكيف تسند له أمور غيره ما دامت أن أموره في حاجة إلى من يرعاها لان الذي تسند إليه أمور غيره يجب أن يكون قادرا على حفظها و صيانتها.

ثانيا: اتحاد الدين: كذلك يعتبر من الشروط المتفق عليها.

يشترط في الولي أن يكون مسلما فلا ولاية لغير مسلم و ذلك لقوله تعالى: }و لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا { [23] لان الزواج في نظر الشريعة الإسلامية عقد دين يترتب عليه نتائج بالغة الأهمية لا تتوقف أثارها على أطراف العقد بل تتعداها إلى المجتمع و هذا كله خاص بزواج المسلمة من المسلم لان ولاية الكافر لا تصح و هذا بنص الآية الكريمة: } و الذين كفروا بعضهم أولياء بعض {[24]و قوله تعالى: }لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين{[25]

و هذا الشرط متفق عليه بين الفقهاء و أهمية هذا الشرط تستمد من كون الولاية رعاية مصالح المولى عليها المبنية على الرحمة و المودة و هي صفات لا يمكن تصورها بين عدوين في العقيدة. [26]

و قد منع جل شانه التقارب بين الكافر و المؤمن في قوله تعالى: }و لا تمسكوا بعصم الكوافر {. [27] و هذا ما سلكه المشرع الجزائري عندما منع الزواج بين المسلمة و غير المسلم لكي لا يعلو الزوج على زوجته و يتسلط عليها لهذا نص المشرع في المادة 30 الفقرة 1.من قانون الأسرة: « يحرم من النساء مؤقتا: المحصنة، المعتدة من طلاق أو وفاة، و المطلقة ثلاثا، كما يحرم مؤقتا الجمع بين الأختين أو بين المرأة و عمتها أو خالتها سواء كانت شقيقة أو لأب أو لأم أو من رضاع زواج المسلمة من غير المسلم » كما نصت المادة 32 من قانون الأسرة على أن: «يبطل الزواج إذا أشتمل على مانع أو شرط يتنافى و مقتضيات » العقد في هذه الحالة يفسخ العقد إن ارتد الزوج، و ذلك لمنع حصول ولاية الرجل على المرأة كولاية السلطان على الرعية، لان مركز الرجل أقوى من مركز المرأة فيعلو بكفره على إسلامها و في ذلك إهانة لها و لعقيدتها و حتى تنطبق الآية } الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض { [28]لذا منع المشرع الجزائري زواج المسلمة بكافر سواء كان كافرا قبل العقد أو بعده و هذا تطبيقا لأحكام الشريعة الإسلامية التي تشترط أن يكون الولي في عقد الزواج مسلما.

و طبقا للحديث : }الإسلام يعلو و لا يعلى عليه {و يستثني من ذلك الإمام أو نائبه لان له الولاية العامة على جميع المسلمين [29].

ثالثا: العدالة:

فهي تعتبر من الشروط المختلف فيها من قبل الفقهاء في هذه الحالة المشرع الجزائري قد فرض هذا الشرط و إن لم يكن واضحا في صلب النصوص القانونية فالمشرع لم يبين لنا الشروط الواجب توافرها في الولي و لان المادة 222 تحيل إلى أحكام الشريعة الإسلامية عند انعدام النص و إن كان هذا الشرط محل خلاف بين الفقهاء فمنهم من اشترطها و منهم من أسقطها و لكل فريق حجته فالإمام احمد و الشافعي يريان ضرورة العدالة في الولي مستدلين بحديث الرسول صلى الله عليه و سلم قال: } لا نكاح إلا بولي و شاهدي عدل و أيما امرأة انكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل { [30]لان الولي لا يكون موصوفا بالرشد إلا إذا كان عدلا أمينا في ذاته، ثم أساس هذه الولاية هو مراعاة مصلحة المولى عليها و غير عادل قد لا يراعى ذلك و بالتالي يحرم من هذه الولاية و الإمام مالك و أتباعه لا يعتدون بشرط العدالة في الولاية و يرون أن الفاسق يتمتع بالولاية الكاملة على نفسه حيث يزوج نفسه و يتصرف في أمواله و لا مانع من أن يتولى أمر غيره لان مناط هذه الولاية هو النفقة بأولاده و لا يحول دون رعاية مصلحة قريبته و إن كان أصحاب هذا الرأي في الأخير قيدوا تنفيذ زواجه لابنته أو من في ولايته شروط هي:

E أن يكون الزوج كفئا لها.

Eأن يكون لها مهر المثل. [31]

رابعا: الذكورة

شرط عند الجمهور غير الحنفية فلا تثبت ولاية الزواج للأنثى لان المرأة لا يثبت لها ولاية على نفسها فعلى غيرها أولى.

و قال الحنيفة ليست الذكورة شرطا في ثبوت الولاية، فللمرأة البالغة العاقلة ولاية التزويج عندهم بالنيابة عند الغير بطريق الولاية أو الوكالة [32]

[1]- أنظر، عيسى حداد، عقد الزواج، دراسة مقارنة، منشورات جامعية، باجي مختار، عنابة،2006، ص 114-115.

[2]- أنظر، جابر عبد الهادي سالم الشافعي، رمضان علي السيد الشرنباصي- أحكام الأسرة الخاصة بالزواج و الفرقة و حقوق الأولاد في الفقه الإسلامي و القانون و القضاء، دراسة مقارنة الأحوال الشخصية، مصر ، لبنان، الطبعة الأولى، 2007، ص212.

[3]- انظر، عيسى حداد، المرجع السابق، ص 116،117.

[4]- انظر، عيسى حداد، المرجع السابق، ص 116،117.

[5]- انظر، نبيل صقر، قانون الأسرة، موسوعة الفكر القانوني نصا و فقها و تطبيقا، دار الهدى للطباعة و النشر و التوزيع، 2006، ص

[6]- عيسى حداد، المرجع السابق، ص115 .

[7]- (انظر)، احمد فراج حسين، أحكام الزواج في الشريعة الإسلامية، دار الجامعة الجديدة،2004،ص156.

[8]- 2 الزواج و الطلاق في الشريعة الإسلامية و القانون، دار العلوم للنشر و التوزيع سنة 2001، ص

[10]- الآية 32 من سورة النور

[11]- الآية 232 سورة البقرة.

[12]- أنظر،عبد الرحمن الجزائري.

[13]- الآية 221 من سورة البقرة.

[14]- المرجع السابق ص 11.

[15]- أنظر، عبد الرحمن الجزائري.

[16]- الآية 229، سورة البقرة.

[17]- الآية 234، سورة البقرة.

[18]- 4 أنظر، الأكحل بن حواء،المرجع السابق، ص30.

[19]- (انظر) عيسى حداد، المرجع السابق،ص 117.

[20]- انظر، عيسى حداد، المرجع السابق، ص118- 119.

[21]- انظر عيسى حداد، المرجع السابق، ص 143.

[22]- انظر، الزواج و الطلاق في الشريعة و القانون، دار العلوم للنشر و التوزيع،2001

[23]- سورة النساء-الآية 41

[24]- الأنفال-الآية 73

[25]- سورة آل عمران- الآية 28.

[26]- (انظر) عيسى حداد، المرجع السابق، ص 144- 145.

[27]- سورة الممتحنة الآية 10.

[28]- سورة الأنفال-الآية 73.

[29]- (انظر)، عيسى حداد، المرجع السابق ص 145.

[30]- انظر، رمضان علي الشرنباصي، أحكام الأسرة الخاصة بالزواج و الفرقة و حقوق الأولاد في الفقه الإسلامي و القانون و القضاء، منشورات حلبية الحقوقية، ط1، 2007.

[31]- انظر، عيسى حداد، المرجع السابق، ص146.

[32]- وهبة الزحيلي، المرجع السابق ص 196