بحث ودراسة قانونية هامة عن القصد الجنائي في جريمة القتل العمد في القانون اليمني

ملخص رسالة ماجستير للطالب / آفاق محمد أحمد هواش

الحمد لله والصلاة والسلام على رسولهِ الكريم وبعد :

يتضمن موضوع هذا البحث الموسوم بـ “القصد الجنائي في جريمة القتل العمد في القانون اليمني دراسة مقارنة” ثلاثة فصول، يتقد مها فصل تمهيدي، تناولنا فيه التطور التاريخي لفكرة القصد الجنائي في جريمة القتل العمد، وقسمناه ثلاث مباحث، تناولنا في المبحث الأول فكرة القصد الجنائي في جريمة القتل العمد في تشريعات العصور القديمة حيث تحدثنا فيه عن البدايات الأولى لنشوء فكرة القصد الجنائي في تشريعات المجتمعات المدنية القديمة وأهمها : شرائع بلاد الرافدين، مصر القديمة، اليمن القديمة، بلاد الإغريق ،الهند القديمة، وشرائع الرومان. وأتضح لنا من خلال هذا الاستعراض التاريخي أن تلك التشريعات القديمة قد أقامت المسؤولية الجنائية في القتل على أساس مادي بحث. وذلك أن حدوث الضرر يعد أساساً لقيام المسؤولية الجنائية بصرف النظر عما إذا كان قد وقع ذلك الضرر نتيجة قتل عمد، أو قتل خطأ، أو قتل شبه عمد .

وفي المبحث الثاني : تحدثنا عن فكرة القصد الجنائي في الشريعة الإسلامية، ووجدنا أن فقهاءها لم يتعرضوا لموضوع القصد بشكل مباشر، وإنما تكلموا عنه بطريقة غير مباشرة، وعدوه ركناً من أركان القتل العمد، يستدلون عليه من الآلة المستخدمة في القتل التي تعد دليلاً مادياً على القصد، وقرينة واضحة لا يمكن للجاني إنكارها .

وفي المبحث الثالث : تحدثنا عن فكرة القصد الجنائي في تشريعات العصور الوسطى، وتناولنا فيه فكرة القصد في القتل في القانون الكنسي، ووجدنا أن القصد عند رجال الدين المسيحي هو تعمد الجاني مخالفة القانون عن علم وإرادة منه ، ويعد هذا المعنى للقصد قريباً من المعنى الفقهي المعاصر له.

وفي المبحث الرابع : تحدثنا عن فكرة القصد الجنائي في التشريعات الحديثة والمعاصرة، وتناولنا فيه فكرة القصد في القتل في القانون الفرنسي والمصري واليمني.

أما الفصول الأساسية التي يتكون منها البحث فقد كانت على النحو التالي:

تناولنا في الفصل الأول التعريف بالقصد الجنائي في جريمة القتل العمد، وقسمناه على أربع مباحث فخصصنا المبحث الأول لتعريف القصد الجنائي في اللغة والإصلاح، وفي الفقه القانوني والتشريع، وتبين لنا أن العمد في الفقه الإسلامي يرادف معنى القصد في القانون الوضعي.

وخصصنا المبحث الثاني لعناصر القصد الجنائي المتمثلة بالعلم والإرادة ، ووجدنا أن انتفاء أحد هذه العناصر يؤدي إلى انتفاء القصد الجنائي ذاته، لأن القصد لا يمكن له أن يكتمل بأي حال من الأحوال إذا حدث نقص في أي عنصر من عناصره.

وخصصنا المبحث الثالث للقصد الجنائي الخاص في جريمة القتل العمد، وتناولنا فيه ماهيته ، والباعث والغاية وأثرهم على قيام القصد الجنائي ، وتبين لنا أن الغايات والبواعث لا تدخل في تكوين القصد الجنائي في القتل العمد فهما ليسا من عناصره ، وليس لهما محل اعتبار من الناحية القانونية .

أما بالنسبة للقصد الخاص فقد وجد اتجاهان في الفقه القانوني : الاتجاه الأول يقول : بوجود قصد خاص ، والآخر يرفض فكره القصد الخاص ، ويكتفي بالقصد العام المتمثل بعناصره ” العلم والإرادة ” ، وقد رجحنا صواب الاتجاه الثاني بأن جريمة القتل ليست ذات قصد خاص ، فالقصد الخاص يعني إضافة عنصرٍ آخر ، غير إرادة النشاط الإجرامي ، وغير العلم ، وهذا العنصر كما ذكرنا سابقاً ، إما أن يكون باعثاً من نوع معين ، وإما أن يكون غاية خاصة ، وطالما أنه لا يعتد قانوناً بالباعث إلى القتل ، ولا قيمة للغاية التي يتوخاها الجاني من جريمته ، وبالتالي إنعدام أثرهما على قيام القصد في القتل فإن الجريمة تكون ذات قصد عام .

وخصصنا المبحث الرابع لأنواع القصد الجنائي ، المتمثلة بالقصد المحدود ، والقصد غير المحدود ، وما يقابله في الشريعة الإسلامية من تسمية أخرى هي القصد المعين وغير المعين ، كما تناولنا القصد البسيط والقصد مع سبق الإصرار، وأخيراً القصد المباشر والقصد الإحتمالي. حيث تم تعريفهم وشرحهم على وفق رأي الفقهاء في القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية .

الفصل الثاني وقد بينا فيه العوامل المؤثرة في القصد وقسمناه إلى مبحثين : خصصنا أولها للعوامل المؤثرة في الإدراك ( العلم ) والمتمثلة بالجنون والسكر غير الاختياري وصغر السن والجهل والغلط.

وتبين لنا أن الشريعة تتفق مع القوانين الوضعية في حكم المجنون و السكران بغير إختياره عند ارتكابه جريمة القتل ، وهو في حالة من انعدام الإدراك والاختيار وعدم مساءلته جنائياً وذلك لعدم توافر القصد لديه في حالتهِ، آما السكر الاختياري فلا أثر له في القصد، كما أنها لم تطبق عقوبة القصاص على الصبي لأنها عدﱠته كالقاتل خطأ . فلا يقوم لديه قصد جنائي صحيح لإزهاق الروح ولا يتحمل المسؤولية الجنائية كاملة لإنعدام الإدراك لديه ، وتبين لنا بأن السن الذي تكتمل فيه ملكات الشخص وإدراكه هو سن الثامنة عشر في التقويم الهجري وإن حساب هذه المدة يتم إلى حين ارتكاب القتل وليس إلى يوم الحكم ، أو رفع الدعوى ، فأن قل سن القاتل عن هذا السن فلا يحكم عليه بالقصاص لأن العمد المطلوب للحكم بالقصاص غير متحقق ، كما تبين لنا أن الجنون المعاصر لإرتكاب فعـل القتل هو الذي ينفي القصد أما إذا توافر بعد ذلك فإن القصد يكون قائماً .

وخصصنا المطلب الرابع لبيان الحالات التي ينتفي فيها القصد الجنائي في جريمة القتل ، وتناولنا معنى حالتي الجهل والغلط في القانون والواقع وأحكامهما ، ووجدنا أن الحكم والأثر بالنسبة لأثر الجهل والغلط واحد ، فالجهل بالواقع يتساوى مع الغلط فيه من حيث أثره في القصد، ولذلك فقد أكتفينا بالحديث عن عنصر الغلط ، وهو منهج قد أخذ به كثير من الفقهاء المعاصرين أمكننا أن نقيس حالات الجهل عليه.

ووجدنا أن الشريعة الإسلامية تتفق مع القوانين الوضعية على عدم تأثير الجهل بالقانون في قيام القصد الجنائي على وفق القاعدة الفقهية ” لا يقبل في دار الإسلام العذر بجهل الأحكام ” فالعلم بالقانون مفترض كما وجدنا أن الخطأ في الشخص والغلط في الشخصية قد اختلف فيه فقهاء الشريعة الإسلامية وأنقسموا إلى فريقين :

الفريق الأول : وهو جمهور الفقهاء اللذين ذهبوا إلى القول بأن الخطأ في الشخص أو الغلط في الشخصية ينفي حكم العمد ، ويجعل مسؤولية الجاني قاصرة على الخطأ.

الفريق الثاني : وهم قوم المالكية والحنابلة في الراجح لديهم يرون أن الخطأ في الشخص أو الغلط في الشخصية لا يؤثر في المسؤولية الجنائية ولا في قيام القصد الجنائي. وهذا هو القول الذي أخذ به القانون اليمني، وقد رجحنا المذهب الثاني لأنه هو الذي يتفق مع مقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ النفوس والدماء من الأهدار، لأن المقصد الأسمى للشريعة هو حماية حق الحياة في ذاته. ولأن الجاني قد قصد القتل محققة على سبيل العمد .

وقد تبنى الفقه والقانون الوضعي وجهة نظر المالكية وجمهور الحنابلة فالغالب في الفقه الوضعي يتجه إلى القول : بأن الغلط في كلا الصورتين لا يؤثر في قيام القصد، وذلك لكون تحقيق النتيجة في شخص آخر لا يعد من عناصر القصد ، لأن الصفة ليست عنصراً في موضوع النتيجة ، بحيث يلزم إحاطة العلم بها ، أو توجه القصد إليها بذاتها.

أما المبحث الثاني فخصصناه للعوامل المؤثرة في الاختيار ” الإرادة ” والمتمثلة بالإكراه المادي و القوة القاهرة والإكراه المعنوي ثم حالة الضرورة وأثرهم في قيام القصد الجنائي في القتل العمد . وتبين لنا أن القوة القاهرة تنفي القصد ، أما الإكراه المادي والمعنوي فلا أثـر له في قيـام القصد في جريمة القتل العمد في القوانين الوضعية . وتتفق الشريعة معها في هذا الجانب. وقد أوجبت القصاص على المكره وعلى من أكرهه وهذا هو موقف القانون اليمني الذي اتفق مع رأى المالكية والشافعية والحنابلة وأبن حزم والشوكاني من الزيدية ، بينما رأى أبو حنيفة ومحمد بن الحسن الشيباني والزيدية والشيعة الإمامية أن الإكراه التام عندهم يصرف القصاص عن المكره المباشر ويوجبون القصاص على المكره وهو المتسبب.

وقد عبر المشرع اليمني عن ذلك في نص المادة ( 35 ) بقوله : ” لا يرتكب جريمة من وقع منه الفعل المكون لها تحت ضغط إكراه مادي يستحيل عليه مقاومته بسبب قوة قاهرة ، ويكون فاعل الإكراه مسئولاً عن الجريمة التي وقعت ويستثني من ذلك القتل وتعذيب الإنسان فلا ترفع المسؤولية فيها عن المكره ومن أكرهه . وانتقدنا قوله ” لا يرتكب جريمة ” لأن هذا التعبير يدخل القوة القاهرة في أسباب الإباحة فكان يفترض على المشرع اليمني أن يقول ” لا يسأل عن جريمة ” لأن القوة القاهرة هي من موانع المسؤولية وليست من أسباب الإباحة . وكذلك الأمر بالنسبة لحالة الضرورة فقد اتفقت الشريعة والقوانين الوضعية على أن الضرورة لا تبيح القتل مطلقاً ، فليس للمضطر أن يقتل غيره للاستبقاء على نفسه والنجاة بها من التهلكه .

وفي الفصل الثالث حاولنا فيه استظهار القصد الجنائي في جريمة القتل العمد ، وقسمناه إلى مبحثين ، خصصنا أولهما لضوابط وسلطة القاضي الجنائي في استظهار القصد وتناولنا الضوابط المادية والضوابط الشكلية التي يجب مراعاتها عند استظهار القصد الجنائي.

ثم تناولنا سلطة القاضي الجنائي ، واستعرضنا فيهِ مسألة التحقق من ثبوت القصد الجنائي والقيود الواردة على سلطة القاضي التقديرية في ثبوت القصد ، وتبين لنا أن العبرة بتوافر القصد لحظة مقارفة الجاني للسلوك الإجرامي فإذا انتفى في هذه الحالة انتفى القصد الجنائي .

كما تبين لنا أنه يجب على القاضي الجنائي استظهار قصد القتل وإثباته من خلال مجموعة الظروف والملابسات المحيطة بالجريمة وكذا المظاهر والعلامات الخارجية وأدلة الإثبات الشرعية.

وتبين لنا أن السلطة التقديرية الواسعة الممنوحة للقاضي الجنائي لا تعني التحكم المطلق ، وإنما يرد عليها قيود أو ضوابط معينة لمنع القاضي من التعسف في إستخدامها ، وهي : التقيد بضوابط شفوية اجرءات المحاكمة ، وأن يكون اقتناع القاضي بتوافر القصد قائماً على دليـل له أصـل في أوراق الدعـوى وأن يـكون قائماً على دليل مستمد من إجراءات صحيحة ، والقيد الآخر هو التسبيب للأحكام الجنائية تسبيباً سائغاً يقبله العقل والمنطق أي تحديد الأسانيد والحجج المبني عليها الحكم الجنائي والمنتجة هي له سواء من حيث الواقع أو من حيث القانون .

وفي الختام استعرضنا أهم النتائج و التوصيات التي توصلنا إليها من خلال هذه الدراسة.