سجن وغرامة ضد المخالفين: تعرّف على تنظيم القانون العماني لمهنة الوساطة في المجالات العقارية

المحامي: صلاح بن خليفة المقبالي

نراها كثيراً وتتردد في مختلف التجمعات بين أفراد المجتمع، وكثيراً ما نشاهد اللافتات على المباني للشركة الفلانية، أو زيد من الناس يضع رقمه كوسيط لبيع أو إيجار، وفي زاويتنا القانونية لهذا الأسبوع عبر “أثير” سنتحدث عن مهنة الوساطة في المجالات العقارية في القانون العماني، وعن الشروط الأساسية الواجب توفرها فيمن يرغب في مزاولة مهنة الوساطة العقارية، وعن كيفية تحديد أجرة الوسيط، وفي ختام الزاوية سنعرج إلى الحماية القانونية التي وفرها المشرع العماني للعاملين في هذه المهنة والمتعاملين معهم.وبداية ننوّه إلى أن صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – أصدر المرسوم السلطاني رقم (78 / 86 ) بتاريخ 18/10/1986م والقاضي بإصدار “قانون تنظيم أعمال السمسرة في المجالات العقارية”، وبعد ذلك تم تعديل هذا القانون بالمرسوم السلطاني ذي الرقم (91/2010) الصادر بتاريخ 26/7/2010م والذي استبدل فيه مسمى القانون القديم بالمسمى الجديد “قانون تنظيم أعمال الوساطة في المجالات العقارية”، واستبدلت كلمة (السمسرة) بكلمة الوساطة، وكلمة (السمسار) بكلمة (الوسيط).

وبصورة مغايرة لما جرى عليه العمل في التشريع فقد تناول المشرع العماني تعريف المقصود بالوساطة في المجالات العقارية قاطعاً بذلك السبيل لأي اجتهاد في التفسير، وهذا المسلك عندما يصدر من المشرع يكون معه التعريف أمراً مقصوداً بذاته وأنه يحسم ما قد يحصل من خلافات في التفسير ويوحد اتجاهه، فيقصد بالوساطة وفق ما عرفته المادة (1) من القانون: إنها أي عمل من أعمال الوساطة في البيع أو إيجار أو أي تصرف آخر في الأملاك العقارية على اختلاف أنواعها مقابل أجر. كما يقصد بالوسيط كل شخص طبيعي أو معنوي يزاول أعمال الوساطة في المجالات العقارية ومرخص له بذلك من وزارة التجارة والصناعة وقد يكون الوسيط مفوضاً من قبل أحد طرفي الصفقة أو كليهما.

وفي من يزاول مهنة الوساطة في المجالات العقارية لابد أن تتوافر به بعض الشروط حتى يتم الترخيص له بمزاولتها حددتها على سبيل الحصر المادة (3) من القانون، وهي كالآتي :

أولاً : بالنسبة للشخص الطبيعي:

أ‌) أن يكون عماني الجنسية أو من مواطني دول مجلس التعاون الخليجي وإقامتهما العادية في عمان.

ب‌) ألا يقل عمره عن (21) سنة ميلادية.

ج) أن يكون مقيداً في السجل التجاري وعضواً في غرفة تجارة وصناعة عمان.

د) ألا يكون قد صدر ضده حكم في جريمة مخلة بالشرف والأمانة أو أشهر إفلاسه. ما لم يكن قد رد إليه اعتباره.هـ) أن يكون له مقر أو مكتب خاص مناسب باسمه في السلطنة.

ثانياً : بالنسبة للشخص المعنوي:

أ‌) أن تكون مؤسسة أو شركة عمانية مرخصا لها بمزاولة أعمال الوساطة في المجالات العقارية ولا تقل نسبة العاملين لديها بمهنة الوساطة عن (80%) من العمانيين ويحملون على الأقل مؤهل دبلوم التعليم العام أو ما يعادله.

ب‌) أن يكون مقيداً في السجل التجاري وعضواً في غرفة تجارة وصناعة عمان.

ج) أن يكون له مقر أو مكتب خاص مناسب باسمه في السلطنة.وعلاوة على تلك الشروط فنص القانون بعد التعديل أضاف المادة (3) مكرراً، والتي جاءت بحكم جديد يهدف إلى تحسين أعمال الوساطة في المجالات العقارية، ولتنشيط دور هذا المجال في إثراء قاعدة البيانات الخاصة بالأنشطة العقارية والسوق العقاري في السلطنة فضلاً عن تحسين الخدمات المقدمة للجمهور المتعاملين مع الوسطاء، فيشترط في من يعمل في مجال الوساطة العقارية اجتياز دورة تدريبية متخصصة في المجال العقاري قبل الترخيص لهم بممارسة المهنة.

إن السؤال الأهم في هذا المقام والذي كثيراً ما يدور في ذهن الكثيرين الذين يتعملون مع الوسطاء، والوسطاء أنفسهم: ما هو الأجر الذي يتلقاه الوسيط نظير عمله الذي يقوم به؟ وقد وضعت المادة (10) من القانون نظاماً واضحاً بشأن تحديد الأجر الذي يحصل عليه الوسيط نظير عمله، معلية في ذلك مبدأ سلطان الإرادة، لكون أن التعامل مع الوسيط هو في حقيقته عقد كغيره من العقود التي تكون فيها إرادة الأطراف هي القانون المطبق على العقد، فأجرة الوسيط نظير وساطته تكون أولاً بالاتفاق بين أطراف العقد يحددونها وفق ما تتلاقى عليه إرادتاهما من إيجاب وقبول، إلا أن المشرع لم يترك هذا الأمر على إطلاقه فقطع بذلك كل خلاف، فمتى لم يحدد الأطراف أجرة الوسيط أو لم يتفقا عليها فإن المشرع حددها بنسبة (3%) من قيمة العقد إذا كان التصرف ينقل الملكية أو أي حق من الحقوق العينية، ونسبة (5%) من أجرة العقار خلال عام أو المدة الإجمالية لعقد الإيجار، كما أن مستحقات الوسيط تتقادم بمرور خمس سنوات من اليوم الذي تصبح فيه هذه الحقوق واجبة السداد وذلك حسب ما حددته المادة (12) من القانون ذاته، وهذا خروجاً على الأصل العام في التقادم الذي حدده قانون المعاملات المدنية بمرور خمسة عشر عاماً منذ استحقاق الحق، ولكن هذا المسلك في هذا الشأن بتحديده بهذه الصورة بمدة تقادم قصيرة يتوافق مع طبيعة التعاملات التجارية التي تحتاج بلا ريب إلى سرعة استقرارها.

إن أعمال الوساطة قد يقوم الكثيرون بمزاولتها دون أن يكون لهم ترخيص بذلك، فهل لهذه المهنة حماية قانونية رادعة لكل من تسول له نفسه أن يمارسها دون ترخيص بذلك،وجواب ذلك قطعت به المادة (19) من قانون تنظيم أعمال الوساطة في المجالات العقارية والتي نصت على أنه: “مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر، يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على (3000) ثلاثة آلاف ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من يزاول مهنة الوساطة بمقابل في المجالات العقارية دون أن يكون مرخصا له في ذلك، كما يعاقب بغرامة لا تزيد على (1000) ألف ريال عماني كل من يرتكب مخالفة أخرى لأحكام هذا القانون من المشتغلين بالوساطة في المجالات العقارية المرخص لهم في ذلك.”

والمطالع لأحكام هذه المادة يجد أنها وفرت حماية قانونية قوية لهذه المهنة، وتعد هذه الحماية رادعاً لكل من تسول له نفسه أن يقوم بمزاولة هذه المهنة دون ترخيص من السلطة المختصة، وكما هو معلوم فإن لكل جريمة ركن مادي وآخر معنوي، فالركن المادي يتحقق بالنسبة لهذه الجريمة بأن يقوم الشخص بمزاولة مهنة الوساطة دون أن يكون له ترخيص بمزاولتها، بشرط أن يقوم بذلك مقابل أجر،

وأما الركن المعنوي فهو ما يعرف بالقصد الجرمي أو القصد الجنائي وذلك بأن يكون قيامه بالوساطة بقصد الممارسة والاستمرار والاحتراف لهذه المهنة، وهنا لابد أن نقف وقفة فاحصة وهي أنه قد يحدث أن يقوم زيد من الناس بعملية وساطة وهو ليس مزاولا لهذه المهنة ولا يحمل ترخيصا لكن يتفق معه عمرو الذي يرغب ببيع قطعة أرض له على أن يقوم زيد ببيعها له نظير مقابل معين أو بحسب ما نص عليه القانون من نسبة للوسيط نظير وساطته، فهنا نكون أمام عقد مدني بحت ولا يمكن أن يسبغ عليه الوصف الجرمي، ويكون قابلاً للإثبات بكافة طرق الإثبات المقررة لإثبات العقود المدنية، ولا تطبق عليه الشروط المقررة قانوناً لإثبات عقد الوساطة، لأن زيد من الناس غير مشمول بأحكام قانون تنظيم أعمال الوساطة في المجالات العقارية، فضلاً عن أنه ليس بمزاول لهذه المهنة ولا يقوم بمزاولتها

وإنما هو أمر عرضي لا يمكن معه أن يوصف زيد بأنه يقوم بأعمال وساطة في المجالات العقارية دون ترخيص فلا ينطبق عليه الوصف الجرمي المقرر في أحكام المادة (19).

وأما إذا ما ارتكب من يحمل ترخيصًا بمزاولة مهنة الوساطة أي مخالفة لالتزاماته المقررة في القانون، فإنه يعاقب بغرامة أقصاها (1000) ألف ريال عماني، وإذا ما عاود ارتكاب هذه المخالفة مرة أخرى فإنه بالإضافة إلى الغرامة يجوز وقفه عن ممارسة المهنة لمدة لا تزيد على ستة أشهر، فإذا ما ارتكب مخالفة مرة أخرى فإنه بالإضافة إلى الغرامة يتم منعه من مزاولة المهنة وشطب قيده من السجل الخاص بمزاولي هذه المهنة، أما إذا كانت المخالفة من قبل شركة فإن العقوبات المادية توقع على المديرين المسؤولين وفقاً لعقود تأسيسها ونظامها الأساسي.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت