مفتقر الجنسية، شخص لا تسبغ عليه أية دولة صفة الوطني، حيث تتخلى عنه قوانين الجنسية في كافة الدول، ولا تشمله أحاكم كسب الجنسية فيها. وهي ظاهرة استنكرها الفكر القانوني المعاصر، وسانده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة ١٩٤٨ ، حينما نصت المادة ) ١٥ ( منه على أن كل شخص له حق في التمتع بجنسيته. ومع ذلك قاد تنوع أسس كسب الجنسية وفقدها التي تتبناها الدول المختلفة إلى ظهور حالات افتقار الجنسية أي انعدام لها، وهي ظاهرة درج الفقه – خطأ – على تسميتها بالتنازع السلبي للجنسيات. رغم أن واقع الحال يشهد بعدم وجود تنازع بين قوانين الجنسية، وإنما– وعلى خلاف ذلك – فإن أحكام قوانين الجنسية جلها لا تصدق على الشخص، ولكن يظل الفقه يردد اصطلاح التنازع السلبي، إعمالاً للقول المأثور بأن الخطأ الشائع خير من الصواب المهجور. ومشاكل افتقار الشخص إلى جنسية غير خافية، فهو أجنبي في كافة الدول، بل هو أسوأ حالاً، فلا دولة حميه ولا موطن يأويه ويمكن إبعاده عن إقليم أية دولة. فضلاً عن ذلك، يثير مفتقر الجنسية دوماً التساؤل عن مدى تمتعه بالحقوق وإخضاعه للتكاليف، الأمر الذي يدعو إلى وضع تنظيم خاص به، وناهيك عن المشاكل التي يثيرها تحديد القانون الواجب التطبيق عليه في مسائل الأحوال الشخصية، عندما تكون الجنسية هي ضابط الإسناد. ومن ثم، فإن مفتقر الجنسية – وكما قال أوبنهايم – سفينة لا تحمل علماً. أو إن صح التعبير مريض افتقر إلى الأجسام المضادة في جسمه.

حالات الافتقار إلى الجنسية :

أدى تباين تنظيم الجنسية في الدولة المختلفة، إلى ظهور حالات الإفتقار إلى جنسية لدى بعض الأشخاص، ومهما عددنا هذه الحالات فهو تعداد على سبيل المثال لا الحصر. فقد يطالعنا تبني نظام آخر للجنسية على صور افتقار للجنسية لم نوردها. ويجري تقسيم صور الافتقار للجنسية، إلى إفتقار لجنسية معاصر لميلاد الشخص، وإفتقار لها يبرز في تاريخ لاحق عليه.

أولاً: الافتقار للجنسية المعاصر للميلاد:

يقودا إلى الافتقار للجنسية الطارئ بعد الميلاد، إختلاف أسس كسب وزوال الجنسية التي تتبناها الدول المختلفة. وتقدم النصوص التشريعية في الدول المختلفة العديد من الأمثلة في هذا الشأن، فنكون بصدد شخص مفتقر للجنسية، إذا قضى المشرع في إحدى الدول بفقد الوطني لجنسيته بمجرد إبداء الرغبة وتقديم طلب باكتساب جنسية دولة أخرى، بينما يخفق هذا الشخص في الحصول على جنسية الدولة التي طلب إليها التجنس، وأيضاً إذا تجنس شخص بجنسية دولة أخرى وكان قانون جنسيته الأولى يقضي بزوال الجنسية بطريق التبعية عن زوجته وأولاده القصر، بينما لا يضفي عليهم الجنسية قانون الدولة الجديدة، وكذلك عندما يقرر قانون المرأة الوطنية بفقد جنسيتها إذا تزوجت من أجنبي بينما لا يمنحها القانون الأخير الجنسية نتيجة هذا الزواج، وفضلاً عن ذلك تكون بصدد ظاهرة اللاجنسية في حالات التجريد من الجنسية سحباً أو إسقاطاً.

الوقاية من الإفتقار للجنسية:

أسلفنا القول بأن الفقه استنكر ظاهرة الافتقار للجنسية، وأيده في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة ١٩٤٨ ، الأمر الذي وجد صداه في المؤتمرات الدولية التي خرجت توصياتها تحمل الأساليب المانعة أو الوقائية من هذه الظاهرة ومعالجة آثارها. وقد استجابت التشريعات الوطنية لهذه الصيحات فعالجت بعض صور الافتقار للجنسية المعاصر للميلاد، كما علقت فقد الجنسية على اكتساب الجنسية الجديدة. وتباينت الأساليب القانونية التي حملتها القوانين الوطنية للوقاية من حالات الافتقار للجنسية. سواء أكانت هذه الأساليب لتلافي الافتقار للجنسية المعاصر للميلاد، أو كانت للحيلولة دون الافتقار للجنسية الطارئ بعد الميلاد.

أولاً: أساليب تلافي الافتقار للجنسية المعاصر للميلاد :

١- تدعيم حق الدم بحق الإقليم :

اتجهت التشريعات الحديثة، والتي تتبنى حق الدم كأساس لكسب جنسيتها، الاستعانة بحق الإقليم إذا تعذر تمتع الشخص بالجنسية بناء على حق الدم. وعلى ذلك، نجدها تقر منح جنسيتها لمن يولد على إقليمها من أبوين مجهولين، كما قد تضفي على اللقيط جنسيتها باعتبار العثور عليه على إقليمها قرينة لميلاده على هذا الإقليم. وأيضاً قد تضفي جنسيتها على الشخص المولود على إقليمها لأب مجهول الجنسية أو اللاجنسية له عندما لا تمنح هذه الجنسية على أساس الدم للأم.

٢- تدعيم حق الإقليم بحق الدم المستمد من الأم :

اتجهت بعض التشريعات لمعالجة حالة الشخص المفتقر للجنسية نتيجة ميلاده لأب مجهول الجنسية أو لا جنسية له. أو المولود ولم يثبت نسبته لأبيه شرعاً، وكان قانون الجنسية لا يمنح الجنسية على أساس حق الدم المستمد من الأم، فقامت هذه التشريعات بمنحه الجنسية إذا كان مولود على إقليم الدولة لأم تحمل الصفة الوطنية، أي أنها دعمت الميلاد على إقليم الدولة )حق الإقليم( بحق الدم المستمد من الأم.

٣- الأخذ بحق الدم المستمد من الأم:

اكتفت بعض التشريعات بمنح المولود جنسية الأم، إذا كان الأب مجهول الجنسية أو لا جنسية له، أو لم يثبت نسبه لأبيه قانونا. وبذلك غدت جنسية الأم وحدها أساس لتفادي الافتقار للجنسية. ويطلق على هذه الحالة حق الدم الثانوي للأم، باعتبار أن حق الدم الأصلي ينعقد للأب، أما الصلة بالأم فهي صلة رحم.

ثانياً: أساليب تلافي الإفتقار للجنسية الطارئ بعد الميلاد :

١- تعلق فقد الجنسية الأولى على كسب الجنسية الجديدة:

أن الشخص قد يوجد في حالة اللاجنسية، نتيجة اختلاف أسس كسب وزوال الجنسية في التشريعات المختلفة، الأمر الذي حدى بالمشرع إلى تعليق زوال الجنسية، على كسب الجنسية الجديدة، حيث تقضي بعض التشريعات بعدم تجريد الأجنبية التي اكتسبت جنسية زوجها الوطني من الجنسية الأخيرة إذا انقضت رابطة الزوجية، إلا إذا استردت جنسيتها السابقة. وكذا عدم زوال الجنسية عن تابعين المتجنس بجنسية أجنبية )الزوجة والأولاد القصر( ،إلا إذا كان قانون الدولة التي تجنس بجنسيتها المتبوع تمنحهم الجنسية. وأيضاً عدم تجريد المرأة الوطنية التي تتزوج من أجنبي من جنسيتها إلا إذا كان قانون الزوج يكسبها جنسيته. فضلاً عن ذلك عدم تجريد الشخص من جنسيتها بمجرد طلب التجنس بجنسية أجنبية، إلا إذا دخل فعلاً في هذه الجنسية.

٢- الحد من أسباب التجريد من الجنسية:

إذا كان التجريد من الجنسية سحباً أو إسقاطاً يقود إلى حالة لشخص مفتقر الجنسية، فقد اقتضت المثالية في التشريع الإقلال من حالات سحب وإسقاط الجنسية وحصرها في أضيق حدود، وفق ما تقتضيه المصالح العليا للدولة، وعندما يتعذر توافر جزاء آخر رادع.

حل المشاكل المترتبة على الإفتقار للجنسية:

إذا كانت بعض الكتابات تطلق على هذا الوضع “التنازع السلبي للجنسيات”، إلا أننا – وفي حقيقة الأمر- لسنا في مجال تنازع بين الجنسيات، إنما تخلى كافة الجنسيات ع شخص معين بحيث يصبح مفتقراً للجنسية، الأمر الذي يجعله يسبح في بحر من مشاكل، لعل أخصها مركزه القانوني بين الأجانب المنتسبين لدول، وكذا القانون الواجب التطبيق على أحواله الشخصية في الدول التي تتبنى الجنسية كضابط للإسناد. وبالنسبة للمشكلة الأولى الخاصة بتحديد مركزه القانوني بين الأجانب المنتسبين لدول، فإن سلمنا بأنه لا يمتد له صفة الوطنية بالنسبة لأية دولة، كما أنه ليس أجنبي يتمتع بجنسية محددة، فمن ثم، فإنه أجنبي واجب الخضوع لتنظيم خاص. ويقضي هذا التنظيم الخاص الذي تتبعه بعض الدول والمنظمات الدولية، بمنحهم وثائق سفر تيسر لهم التنقل بين الدول المختلفة، وهو ما عنيت به الأمم المتحدة من خلال وكالتها لشئون اللاجئين، كما تسمح لهم بعض الدول بالإقامة فيها طالما لا تهدد تلك الإقامة سلامة الدولة للخطر. كما قد تمنحهم الدولة بعض الحقوق مقابل أدائهم بعض التكاليف المقررة على الوطنيين مثل أداء الخدمة العسكرية، ولا تثير هذه التكاليف صعوبات دولية لافتقار الشخص لدولة ينتمي إليها.

أما بالنسبة للمشكلة الثانية والخاصة بتحديد القانون الواجب التطبيق على الشخص المفتقر للجنسية. فقد برزت هذه المشكلة عند الفصل في مسائل الأحوال الشخصية حيث تتخذ – غالبية الدول – من الجنسية ضابطاً للإسناد، ولما كان يتعذر إعمال هذا الضابط بالنسبة لمفتقر الجنسية، فقد اقتضى الأمر البحث عن ضابط آخر. وقد اتجهت بعض التشريعات إلى ترك تحديد القانون الواجب التطبيق على مفتقر الجنسية للقاضي، بحيث يختار أكثر القوانين توثقاً بهذا الشخص. بينما اتجهت بعض التشريعات إلى وجوب الاعتداد بقانون الدولة التي كان ينتمي إليها الشخص قبل ان يفتقر إلى جنسيته، بيد أن هذا الرأي لا يصلح لمعالجة حالات الافتقار للجنسية المعاصر للميلاد. كما اعتدت بعض الاتجاهات بقانون الدولة التي ولد فيها مفتقر الجنسية، بيد أنه يؤخذ على هذا الاتجاه بدوره أن الولادة قد تكون واقعة عرضية لا تكشف بذاتها عن ارتباط الشخص بالدولة، فضلاً عن أنه ربما تكون هذه الدولة هي التي سبق له حمل جنسيتها وفقدها وانقطعت الروابط بينه وبينها. ويسود الفقه رأي مفاده وجوب الأخذ بقانون الدول التي اتخذها الشخص المفتقر للجنسية موطناً أو محلاً لإقامته، ذلك أن الموطن ومحل الإقامة ضابط إسناد احتياطي نلجأ إليه عند تعذر أعمال ضابط الجنسية. وقد عزز هذا ا لاتجاه الفقهي تبنيه من بعض التشريعات مثل القانون المدني الإيطالي، وأحكام القضاء الأوروبي، وكذا سلوك اتفاقيات جنيف سنة ١٩٥٣ ،١٩٥١ المنظمة لحالة اللاجئين. وفي حالة تعذر إعمال هذا الضابط الاحتياطي لعدم وجود موطن أو محل لإقامة مفتقر الجنسية، يؤخذ بقانون القاضي المناط به الفصل في النزاع

المؤلف : احمد عبد الحميد عشوش
الكتاب أو المصدر : القانون الدولي الخاص
الجزء والصفحة : ص55-60

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .