اضاءات حول قوانين ايجار الأماكن المتعاقبة .

أ‌. بالنسبة إلى تحديد الأجرة:

طالما كان محل بحثنا الماثل يتناول ويتركز على مسألة “الامتداد القانوني” وليس مسألة “تحديد أجرة” المكان المؤجر، لذا فنكتفي في خصوص تحديد الأجرة بذكر نص المادة 9 من القانون 49 لسنة 1977([14]) لأن التشريع الرئيسي القائم في شأن إيجار الأماكن حالياً هو القانون رقم 49 لسنة 1977[15])) في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، والمادة 9 منه تنص صراحة على أن:

“يستمر العمل بالأحكام المُحددة للأجرة والأحكام المُقررة على مخالفتها بالقانون رقم 121 لسنة 1947 بشأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقات بين المؤجرين والمستأجرين، والقانون رقم 169 لسنة 1961 بتقرير بعض الإعفاءات من الضريبة على العقارات المبنية وخفض إيجار الأماكن، والقانون رقم 7 لسنة 1965 في شأن تخفيض إيجار الأماكن، والقانون رقم 52 لسنة 1969 في شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين والقوانين المُعدلة لها، وذلك بالنسبة إلى نطاق سريان كل منها”.

ب‌. بالنسبة إلى الامتداد القانوني:

العبرة في تحديد أي قانون من قوانين إيجار الأماكن المُتعاقبة هو الذي يحكم مسألة امتداد عقد الإيجار من عدمه، تكون بالنظر إلى تاريخ الواقعة سند وسبب هذا الامتداد، أي تاريخ الوفاة أو التخلي أو الترك.

فالعبرة في هذا الصدد هي بوقت حصول الواقعة المُنشئة للمركز القانوني (الوفاة أو التخلي أو الترك)، وليس بوقت المطالبة به.

وذلك تطبيقاً لمبدأ “عدم رجعية القوانين”([16]). فالمراكز القانونية التي نشأت واكتملت وأصبحت حقاً مُكتسباً في ظل قانون قديم، تخضع من حيث آثارها وانقضاؤها وفقاً لأحكام هذا القانون، وأن ما يرد في قانون لاحق من أحكام، إنما يُطبق بأثر فوري ومباشر في هذا الشأن على ما لم يكن قد اكتمل من هذه المراكز، والعبرة دائماً في هذا الخصوص هي بوقت حصول الواقعة المنشئة أو التي اكتمل بها المركز القانوني وليس بوقت المطالبة به، طالما لم يحدد القانون ميعاداً لذلك.[17]))

وهذا ما جرى عليه قضاء محكمة النقض، حيث أستقر قضائها على أنه: “لما كان البين من الأوراق ومدونات الحكم المطعون فيه أن واقعة إخلاء المطعون ضده من الشقة استئجاره وهدم العقار تمت قبل 9/9/1977 – تاريخ العمل بأحكام القانون رقم 49 لسنة 1979 – نفاذاً لقرار هندسي صدر بالهدم لآيلولته للسقوط صدر في 26/6/1975 وأن المطعون ضده كان يشغل وحدة بالدور الأرضي منه للسكنى وبالتالي فقد نشأ وأكتمل له – بواقعة الإخلاء والهدم – مركز قانوني أضحى حقاً مكتسباً قبل هذا التاريخ يخول له إعمالاً للمادة 39/3 من القانون رقم 52 لسنة 1969 الحق في شغل وحدة بالعقار الجديد وفق القواعد والإجراءات التي حددها قرار وزير الإسكان رقم 418 لسنة 1970 المنفذ له، وكان القانون رقم 49 لسنة 1977 قد صدر وأصبح نافذاً منذ 9/9/1977 ومن ثم فلا يسري على واقعة النزاع ولا يُطبق في مجالها ما يكون قد ورد به من قواعد موضوعية لا تخول مثل هذا الحق الذي نشأ وأكتمل قبل صدوره، فإذا التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وأعمل القانون رقم 52 لسنة 1969 فإنه يكون قد أعمل القانون على وجهه الصحيح، وبالتالي يكون النعي على غير أساس”.([18])

ولما كانت الواقعة المُنشئة للحق في الاستفادة من الامتداد القانوني لعقد الإيجار هي وفاة المُستأجر الأصلي (أو المُستفيد السابق من الامتداد القانوني لعقد الإيجار) أو تركه للعين المؤجرة أو التخلي عنها، فإذا حصلت مثل هذه الوفاة أو الترك أو التخلي (وبها ينشأ ويكتمل المركز القانوني للمستفيد من الامتداد القانوني) في ظل القانون ما، وقبل سريان ونفاذ قانون آخر تالي عليه، فإن القانون الأول يكون هو القانون الواجب التطبيق ولو حدثت المطالبة بالحق في الامتداد القانوني (أو بالتصرف الناتج عنه) في ظل القانون التالي.

ومن المُقرر في قضاء النقض أن: “حكم نص المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 لا يسري إلا على الوفاة أو الترك التي تقع بعد بدء العمل به، أما ما حدث من ذلك قبل هذا التاريخ وبعد بدء العمل بالقانون رقم 52 لسنة 1969 فتسري عليه المادة 21 من القانون رقم 52 لسنة 1969”.([19])

أحكام الدستورية أحكام “عينية”:

ويجدر بنا أن نلاحظ أن الأحكام التي تصدرها المحكمة الدستورية العليا بشأن عدم دستورية نص ما في قانون معين، هي أحكام “عينية” أي تنصب وتنصرف فقط إلى “عين” النص الذي قضت بعدم دستوريته، ولا ينصرف حكمها على أي نص آخر ولو كان مطابقاً له طالما لم يتناوله الحكم القاضي بعدم الدستورية.

فمن المُقرر في قضاء النقض أن: “وفاة المُستأجر أو تركه العين المُؤجرة. امتداد العقد لصالح أقاربه نسباً أو مصاهرة. شرطه. إقامتهم معه مدة سنة سابقة على الوفاة أو الترك أو مدة شغله للمسكن أيهما أقل. المادة 21/1 من القانون 52 لسنة 1969. لا يحول دون إعمال النص الحكم بعدم دستورية المادة 29 من القانون 49 لسنة 1977 المقابلة له. علة ذلك”. وقد جاء فيه ما يلي:

“نص الفقرة الأولى من المادة 21 من القانون رقم 52 لسنة 1969 – المُنطبق على واقعة النزاع – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – يقضي باستمرار عقد الإيجار وامتداده في حالة وفاة المُستأجر أو تركه العين المُؤجرة لصالح أقارب المُستأجر حتى الدرجة الثالثة نسباً أو مصاهرة بشرط أن تثبت إقامتهم مع المستأجر بالعين المؤجرة مدة سنة سابقة على وفاة المستأجر أو تركه العين أو مدة شغله للمسكن أيهما أقل، ولا يحول دون إعمال هذا النص قضاء المحكمة الدستورية بعدم دستورية نص المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 المماثل له، لأن القضاء بعدم دستورية أحد النصوص لا يؤدي بمُجرده إلى عدم دستورية مثيلة – الذي لم يعرض على المحكمة الدستورية العليا – فالأحكام بعدم الدستورية هي أحكام عينية لا تنصب إلا على ما عينته المحكمة بذاته، فهي – دون غيرها – المنوط بها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح عملاً بنص المادة 175 من الدستور والمادة 25/1 من القانون رقم 48 لسنة 1979”.([20])

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .