دراسة و بحث قانوني حول الحماية الجنائية للآثار القومية

خطة البحث:
الباب التمهيدي:- التطور التاريخي للحماية الجنائية للآثار وأهميتها المادية والمعنوية والدينية ونظرة علماء المسلمين لها.
الفصل الأول: مراحل الاهتمام بالآثار في العصور المتعاقبة وحتى العصر الحديث .
الفصل الثاني : – الأهمية الدينية والمادية و المعنوية للآثار الوطنية .
الفصل الثالث :-موقف علماء الإسلام من الاهتمام بالآثار
المبحث الأول :رأى المعارضين للاهتمام بالآثار وحججهم .
المبحث الثاني :رأى المؤيدين للاهتمام بالآثار وحججهم
المبحث الثالث :الرأي الراجح
الباب الأول :تعريف الآثار وملكيتها ووسائل حمايتها
الفصل الأول :تعريف الآثار وذاتيتها وتمييزها عما يختلط بها
الفصل الثاني: ملكيه الآثار كقاعدة عامه والاستثناءات ألوارده عليها
الفصل الثالث: القواعد التي قررها القانون لحماية الآثار
المبحثالأول : الضبطية القضائية والمخولون بها في مجال حماية الآثار
المبحث الثاني :طرق الحماية الجنائية للآثار
المطلب الأول :الحماية عن طريق التجريم
الفرع الأول : الركن المادي بصفة عامة للجريمة الأثرية
الفرع الثاني :الركن المعنوي بصفة عامة للجريمة الأثرية
الفرع الثالث : الشروع في ارتكاب الجرائم الأثرية
المطلب الثاني: الحماية عن طريق العقوبة
الباب الثاني : التطبيقات العملية للحماية الجنائية للآثار
الفصل الأول:-صور لبعض الجرائم الأثرية.
المبحث الأول :جريمة سرقة الآثار
المبحث الثاني:جريمة تهريب الآثار
المبحث الثالث:جريمة التعامل غير المشروع على الآثار
المبحث الرابع :جريمة إتلاف وإزالة وتخريب الآثار
المبحث الخامس : جريمة التنقيب المخالف لقواعد الترخيص
الفصل الثاني : الحلول المقترحة لحماية الآثار الوطنية
الخاتمة

الباب التمهيدي

الفصل الأول مراحل الاهتمام بالآثار في العصور المتعاقبة وحتى العصر الحديث

المبحث الأول لمحة تاريخية

يعتبر العصر الحجري الوسيط (10000/7000) ق. تقريبا الفاصل بين حياة الترحال والصيد والجمع في العصر الحجري القديم (40000/10000) ق.م تقريبا وبين حياة الاستقرار والتجمع في القرى والزراعة وتربية الحيوانات ببداية العصر الحجري الحديث (7000) ق.م تقريبا .
وبعد استقرار الإنسان بعد حياة الترحال بدأت معتقداته ترسخ في المكان المقيم فيه وبدأت مرحلة عبادة الآلهة إلي أن عرف الإنسان مسألة التصوير وما لبث حتى بدء يكتب أو بمعنى أدق يصور حياته التي كان يعيشها عبر مخطوطات وتماثيل تم ويتم اكتشافها حتى الآن ويعد ذلك أهم ما ابتكره الإنسان في هذا العصر وهو الكتابة التصويرية
PICTOGRAPHS))والتي تطورت بعد ذلك إلي كتابة أبجدية.
وكانت تلك التماثيل والصور مصبوغة بالصبغة الدينية وبالتالي كانت حمايتها مستمدة من المعتقد وليس من القانون ولما كانت الآثار في كل العصور من مبدعات الإنسان الذي صنعها وشيدها لأسباب دينية أو دنيوية وحظيت الآثار ذات الطابع الديني باهتمام كبير لدى القدماء كما حظيت أيضا الآثار ذات الصلة بالحياة اليومية ونشاط الإنسان وكانت المقابر من الآثار التي خلفها الإنسان وراءه وبتتبع مراحل الاهتمام بالآثار في العصر الحديث نجد أن الإنسان الحديث قد تجاوز الاهتمام التقليدي الذي ظهر لدى الإنسان في العصر القديم إلي ما سمي بدراسة الآثار الأمر الذي تفرع عنه أن أنشئ علم الآثار

المبحث الثاني مرحلة الاهتمام بالآثار في العصر الحديث

ولقد أصبح للآثار أهمية في العصر الحديث تتجلي جليا في المعاهدات الدولية والتشريعات الوطنية وبالتالي تنقسم قوانين حماية الممتلكات الثقافية إلى شقين دولي ومحلي ، حيث يستند الشق الأول الدولي على المعاهدات والمواثيق الدولية التي تنص على اعتبار أن المواقع الأثرية ممتلكات ثقافية وإرث حضاري يتطلب الحماية والمحافظة عليه بشتى الطرق
وتتبعا لأهم تلك المواثيق الدولية نجد الأتي
في عام 1899 نصت أحدى المعاهدات على عدم تدمير النصب والمباني التاريخية والأعمال الفنية
– وفي سنة 1907 نصت معاهدة أعمال القصف البحري على وجوب الحذر عند القصف البحري وتجنب قصف النصب والمباني التاريخية.
– وفي سنة 1954 تبنت منظمة اليونسكو معاهدة لاهاي الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية أثناء الحرب وبرتوكولاتها الأول والثاني حيث أوصت على اتخاذ كافة التدابير الدولية والوطنية لحماية المواقع الأثرية والممتلكات الثقافية للدول باعتبارها تراثا ثقافيا إنسانيا.
ولقد جاء في هذه الاتفاقية ” أن الأطراف السامية المتعاقدة تتعهد باحترام الممتلكات الثقافية بما لا يعرضهاللتدمير والتلف كما تتعهد تلك الأطراف بتحريم أية سرقة أو نهب أو تبذير للممتلكات الثقافية ووقايتها من هذه الأعمال ووقفها عند اللزوم مهما كانت أساليبها وتحريم أي عمل تخريبي موجه ضد هذه الممتلكات وتتعهد الأطراف المتعاقدة أيضا بأن تتخذ في نطاق تشريعاتها الجنائية كافة الإجراءات التي تكفل محاكمة الأشخاص الذين يخالفون هذه الاتفاقية أو الذين يأمرون بمخالفتها وتوقيع جزاءات جنائية أو تأديبية عليهم مهما كانت جنسيتهم”لكن اليونسكو التي تبنت هذه الاتفاقية وأشرفت عليها ولازالت ترعاها حسب المادة (33)المتعلقة بمساعدة اليونسكو لم تتحرك بشكل سريع لانقاد أكثر من
170 ألف قطعة أثرية عندما سرقت من المتحف الوطني العراقيبل أكدت اليونسكو على لسان مساعد عام المنظمة على استخدام مواد كيميائية لتدمير تلك المخطوطات وهو ما يدل على أن الأمر متعمدا، إلا أن اليونسكو نفسها لم تقعد ساكنةعند تفجير تمثال بوذا في أفغانستان وهو حدث وضع ضمن ديباجة نص إعلان اليونسكو عام 2003 بشأن التدمير المتعمد للتراث الثقافي.

– وفي سنة 1970 تبنى المؤتمر السادس عشر لليونسكو اتفاقية بشأن التدابير الواجب اتخاذها لحظر ومنع استيراد وتصدير ونقل الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة , واعتبر أن استيراد ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة هي من الأسباب الرئيسة لإفقار التراث الثقافي الوطني في المواطن الأصلية ومن تم تعتبر تلك الأعمال غير شرعية وعلى دول المنشأ وضع التدابير المناسبة لحجز وإعادة تلك الممتلكات الثقافية بالطرق الدبلوماسية وفرض العقوبات والجزاءات الإدارية على كل من يتسبب في خرق تلك القوانين وعلى الدول التي تتعرض ممتلكاتها الثقافية إلى النهب والسلب أن تستعين بالدول الأخرى والاشتراك في الأعمال الدولية لوضع التدابير لمراقبة الصادرات والواردات والتجارة الدولية في الممتلكات الثقافية، كما جاء في الاتفاقية أن نقل الممتلكات الثقافية وتصديرها من قبل دول الاحتلال الأجنبي عملا غير مشروع وعلى الدول الموقعة على هذه الاتفاقية قبول دعاوى استرداد المسروقات والمفقودات الثقافية التي يقيمها أصحابها الشرعيون.

– وأوصى المعهد الدولي لتوحيد القانون الخاص بشأن القطع الثقافية المسروقة أو المصدرة بطرق غير مشروعة بروما عام 1995 على رد الممتلكات الثقافية المسروقة وإعادة الممتلكات الثقافية المنقولة أي الممتلكات المصدرة بطرق غير مشروعة, ومن تم أوجبت على جميع الدول المتعاقدة رد جميع الممتلكات الثقافية المسروقة واعتبار أن أي ممتلك ثقافي يستخرج بطرق تنقيب غير مشروعة أو يستخرج من بلده الأصلي بطريقة غير مشروعة أو يحتفظ به بطرق غير مشروعة كلها قطع مسروقة واجبة الترجيع لدولها الأصلية, ولكل من يقوم بترجيع تلك الممتلكات الحق في التعويض العادل في حالة عدم العلم بأن ما بحوزته مسروقا.كما صدرت العديد من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية مثل اتفاقية حماية التراث الثقافي والطبيعي عام 1972 واتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه عام 2001 واتفاقية صون التراث غير المادي عام 2003 وحماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي عام2005 وغير ذلك من الإعلانات والاجتماعات والاتفاقيات التي نظمتها اليونسكو وغيرها من المنظمات الإقليمية والدولية التي تهدف إلى الحفاظ على الممتلكات الثقافية ومنع الاتجار الغير مشروع بها والحد من عمليات السطو والسرقة والنقل المتعمد لتلك الممتلكات خارج حدود الدول الأصلية.

الفصل الثاني السياسة التشريعية من حماية الآثار

“الأهمية الدينية والمادية والمعنوية للآثار”

وكما ذكرنا سابقا فقد ارتبط الاهتمام بالآثار في أول مراحله بالجانب الديني فعدت الآثار بمثابة مواد مقدسة تذخر بها المعابد لنشر الوعي الديني لكونها أكثر تأثيرا من النصوص المكتوبة.
وقد أبرزت الكتابة القديمة المدونة على التماثيل أنها صنعت بدوافع دينية وتعتبر المعابد هي أول الأماكن وخزنت فيها الآثار مكتسبة صفة التقديس وهذا ما وفر لها الحماية – وكما سبق وان أوضحنا- كونها جزء من المعابد المقدسة التي لا يجوز المساس بها أو الاعتداء عليها .
ولا تقتصر الآثار القديمة المرتبطة بالمعتقدات الدينية على أن تكون قبورا مثل أهرامات مصر القديمة أو مركزا دينيا كالمعابد فلقد كان لها دور كبير في مختلف المجالات من حياة الأفراد.
والاهتمام الديني بالآثار جعل العناصر الدينية تشكل عاملا ثقافيا أساسيا في صنع الحضارة وبلورتها وهى معطيات تتمسك بها الأجيال وتنقلها إلي بعضها جيل بعد جيل – وهذا هو السبب الاسمي لتجريم التعامل على الآثار كما سوف نبين في موضعه .
ولأهمية الآثار المادية كشفت لنا التنقيبات عن الآثار والدراسة أن الملوك قديما كانوا يتهادون بالتحف والحلي والأسلحة القديمة بل وكان يتهافت عليها أصحاب الجاه والسطوة والسلطان مماحدا بهم تشجيع المجرمين على اقتناء اكبر قدر من تلك التحف إليهم بأي ثمن يقدروه ونظرا لقيمة الآثار المادية فقد زادت المسروقات لسهولة بيع المسروقات حيث كان أصحاب الثراء والسلطة يجمعون الآثار للهو والتسلية والتفاخر.

وللآثار أهمية معنوية إلي جانب الأهمية المادية والدينية ان لم نقل أنها تفوق اثر الماديات حيث أن الآثار تمثل تراثا للإنسانية جمعاء وتشكل حلقة من حلقات التطور الثقافي والحضاري لهذا الإنسان وما يؤكد هذه الأهمية إن ضياع أي اثر أو فقده خسارة كبرى لا تعوضها الماديات ، لا للدولة صاحبة الأثر فحسب بل للإنسانية جمعاء ولقد بلغت هذه القيمة المعنوية ذروتها في الاهتمام بالآثار والممتلكات الثقافية على المستوى العالمي حيث أكدت الاتفاقيات الدولية على الاعتراف بذلك حيث تنص على” أن التراث الثقافي لكل شعبة يشكل جملته التراث الثقافي للبشرية جمعاء فالأضرار التي تلحق بممتلكات ثقافية يملكها أي شعب تمس التراث الثقافي التي تملكه الإنسانية جمعاء وإننا إذ نحمى الثقافة التي خلفها ماضي امة من الأمم فإننا نحمى ثقافتنا نفسها التي تشكل من كل متماسك” .

وان الأهمية المعنوية للآثار هي السبب الرئيسي الذي يجعل تشريعات الأمم تنص على حماية الآثار من كل اعتداء سواء كان القصد من هذا الاعتداء هو تهريبالأثر أو المتاجرة فيه أو مجرد تشويهه أو تخريبه – وهو ما سوف نعرفهحين نصل إلى مأخذ القانون المصري عند تعداده للصور المختلفة لحماية الآثار والعقوبات الواردة على كل جريمة على حده – .ويمكننا القول أيضا إن الثقافة التي من المفروض أن توحد بين البشر رغم اختلافهم وتساهم بالتالي في تعزيز وسائل الدفاع عن السلم هي أيضاً ما يفرق بينهم للأسف غالباً. وفي هذه الظروف ليس من الغريب أن تفضي الحرب إلى تدمير الآثار وأماكن العبادة والأعمال الفنية التي تعد من بين أكبر الإبداعات النفيسة للعقل الإنساني. يحدث البعض من هذا الدمار عرضاً. وفي حالات أخرى برَّرت الأطراف المتحاربة تدمير الممتلكات الثقافية بحجة الضرورات العسكرية. وعلى هذا النحو فسرت الولايات المتحدة تدمير دير “مونتي كاسينو” الشهير الذي تحصن فيه الألمان وأوقفوا مسيرة الحلفاء صوب روما منه.

غير أن أعمال الدمار تكون متعمدة في معظم الحالات. فتدمير الآثار وأماكن العبادة أو الأعمال الفنية يقصد إلى القضاء على هوية الخصم وتاريخه وثقافته وإيمانه، بغية محو كل أثر لوجوده وحتى لكينونته.ولقد كان “كاتون القديم” يكرر دائما قوله:”يجب تدمير قرطاجة”. فدمرت هذه المدينة الفخورة. لم ينج لا أثر تذكاري ولا معبد ولا ضريح. وجرت العادة على ذرِّ الملح على الأطلال حتى أن العشب لم ينبت فيها من جديد وحتى اليوم . عندما يتفقد المرء أطلال هذه المدينة العتيقة التي حكمت نصف حوض البحر الأبيض المتوسط وكانت منافسة لروما، يصاب بالذهول لبساطة الأطلال التي تشهد على وحشية الدمار.

وكان هذا أيضاً مصير مدينة “وارسو” في نهاية الحرب العالمية الثانية. لم ينج لا أثر تذكاري ولا كنيسة ولا مبنى. وبمكاننا أن نسوق أمثلة كثيرة حديثة العهد. فكلنا يتذكر تدمير عدد لا يحصى من الكنائس والمساجد والأديرة وحتى المقابر أثناء النزاعات الأخيرة في يوغوسلافيا السابقة. والجميع يتذكر تدمير تمثالي بوذا في “باميان” في ربيع عام 2001. وفي كل حالة من هذه الحالات لم تكن الآثار التذكارية هي وحدها المقصودة وإنما أيضاً وبالذات الضمير الجماعي للشعوب.
وفي حقيقة الأمر، فإن التدمير المتعمد للآثار وأماكن العبادة أو الأعمال الفنية هو مظهر من مظاهر الانزلاق إلى هاوية الحرب الشاملة، وهو في بعض الأحيان يمثل الوجه الآخر للإبادة الجماعية.

لكن يتبين لنا من التاريخ أيضاً أن هناك تدابير اتخذت منذ الحقب الغابرة لضمان عدم الاعتداء على أماكن العبادة والأعمال الفنية. هكذا، وفي بلاد الإغريق القديمة كان يعترف بالمعابد الإغريقية الكبرى مثل “الأولمبي” و”ديلوس” و”ديلفيس” و”دودون” بوصفها مقدسة ولا ينبغي الاعتداء على حرمتها. فكان من المحرم ارتكاب أعمال عنف بداخلها كما كان يجوز للأعداء المهزومين أن يلجئوا إليها طلباً للملاذ ومن هنا نشأ قانون اللجوء الذي اعتمدناه اليوم. وفي أوروبا خلال القرون الوسطي كانت قواعد الفروسية تحمي الكنائس والأديرة. كما أن الإسلام يتضمن الكثير من المبادئ التي تحمي أماكن العبادة المسيحية واليهودية وتحمي الأديرة. وبوسعنا أن نذكر توصيات أول الخلفاء والصحابة وصهر الرسول صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق (632-642 ميلادية) الذي خاطب جنوده عند فتح سوريا والعراق قائلاً: ” كلما تقدمتم ستجدون أناساً تفرغوا للعبادة في أديرتهم. اتركوهم وشأنهم ، لا تقتلوهم ولا تدمروا أديرتهم. النص الأصلي من كتاب السير للشيباني، بتعليق من أ. المنجد، المجلد الأول، معهد المخطوطات التابع لجامعة الدول العربية، القاهرة، 1971، الصفحة 43 وما يليها وجاء في كتاب الضريبة العقارية لأبي يوسف يعقوب بشأن المسيحيين في نجران :”إن حماية الله سبحانه وتعالى وضمانة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم تشمل نجران وما حولها، كما تشمل ممتلكاتهم وأشخاصهم وعبادتهم غائبهم وحاضرهم ومعابدهم وما من صغيرة وكبيرة توجد بحوزتهم.” أبو يوسف يعقوب، كتاب الضريبة العقارية، باريس، “غويتنر”، الصفحة 74 (ورد في كتاب عامر الزمالي، بعنوان المقاتلون وأسرى الحرب في الشريعة الإسلامية والقانون الدولي الإنساني، باريس، دار النشر، “أ. بيدون”، 1997، الصفحة 109).

غير أن هذه القواعد القديمة المستوحاة من الدين عموماً كانت تحظى باحترام الشعوب التي كانت تشترك في نفس الثقافة وكانت تعبد نفس الآلهة. وفي حالة الحرب بين شعوب تنتمي إلى ثقافات مختلفة غالباً ما لم يكن يعترف بهذه القواعد. ولا يخفى على أحد منا الدمار الذي خلفته الحروب الصليبية وحروب الأديان.

الفصل الثالث نظرة الإسلام للآثار

المبحث الأول

لقد عرف الإسلام مفهوم الأثر بل وحث على التأمل فيه والاعتبار به وانظر قول الحق تعالى (فانظر إلى أثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحي الموتى وهو على كل شيء قدير ) الروم 50
ولقد انزل الله تعالى القران الكريم قبل أربعة عشر قرنا من الزمان مخبرا عن أثار قديمة تعود إلي بدء الخليقة اى إلي قبل نزول القران الكريم بكثير جدا . حيث أوضح لنا بداية الخلق، وكيف أن أبانا أدم قد خلق خليفة وأسكن الجنة، وأنزل منها ،ومعلوم أن العبرة الكاملة والفائدة من السير في الأرض إنما يكون بعد المشاهدة والمعرفة الكاملة والتطلع على ما ترك الأولون في العمران والآثار هناك أمثلة عديدة لا مجال لذكرها عن الآثار التي اهتم بها المسلمون في عهد وبعد عهد رسول الله (ص)..

المبحث الثاني موقف فقهاء المسلمين من الاهتمام بالآثار

لقد أثار الاهتمام بالآثار حفيظة بعض علماء المسلمين بينما عنا بها الكثير من الآخرون ولكي نقف على أصوبهم من وجهة نظر الجمهور يجب أن نعرض حجج كلا منهم ونبين على ما أستقر الفقه.

المطلب الأول حجج المعارضين للاهتمام بالآثار

ذهب بعض الفقهاء إلى الإنكار على ما هم عليه المسلمون ألان من الاهتمام بالآثار ، وان في ذلك من قبل التعظيم والذي قد يعود بهم إلى الوثنية وحججهم في ذلك ما يلي:-

الحجة الأولي :-
إن الاهتمام بالآثار سوف يجعل الناس يفتنون بها وتعود بالمجتمع إلى الوثنية
الحجة الثانية :-
إن الاهتمام بالآثار يشدنا إلى الماضي ، في حين إننا يجب أن ننظر إلي المستقبل والإسلام يدفعنا إلي العمل والى التقدم لأننا خلفاء الله في الأرض
الحجة الثالثة:-
الأماكن التي زارها النبي (ص) قبل البعثة وبعدها لم يرد دليل واحد على أن النبي (ص) قصد زيارتها أو أمر بزيارتها أو حث على الاهتمام بها ونحو ذلك .
الحجة الرابعة:-
إن النبي (ص) عندما فتح مكة وطاف بالكعبة كسر الأصنام وهى من الآثار التي يحافظ عليها في مثل هذا الزمن ، فلماذا لم يحافظ عليها الرسول (ص) ويعتني بها ويجعلها في متحف ونحوه.
الحجة الخامسة :-
إن السلف الصالح اهتموا فقط بالآثار الفعلية والقولية من أقوال النبي (ص) وأفعاله .
الحجة السادسة:-
موقف الصحابة رضوان الله عليهم من الآثار بعد الفتح الاسلامى مثل الاهرامات في مصر وأثار بيت المقدس ، فلم تذكر كتب التراجم والسير والتاريخ أن أحدا منهم زار تلك الاهرامات مثلا – مع أنها تعتبر معلما من معالم مصر الأثرية – فضلا عن الاهتمام بها وتشيدها .

المطلب الثاني حجج المؤيدين للاهتمام بالآثار

الحجة الأولي:-إن القرآن يتحدث عن الأمم الغابرة وعما خلفوه من أثار وعن نشاطهم الاقتصادي وبطشهم وعن أثارهم في الأرض قال تعالى : (قد خلت من قبلك سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) آل عمران 137.

الحجة الثانية :-
لم يكن القرآن الكريم الكتاب السماوي الوحيد الذي انفرد بالحديث عن الأمم السابقة بل جميع الكتب السماوية قد تحدثت عن الأمم السابقة فكان الاهتمام بالآثار عن طريق التنقيب الأثري وسبر أغوار الأرض لكشف عجائب الماضي هي السبيل لإزاحة النقاب عن بقايا هذه الأمم .

الحجة الثالثة:-
إن الآثار من منجزات الإنسان وله دور فيها يجب الاهتمام بها والحفاظ عليها للتعرف على حسناتها وسيئاتها ، ودراسة إيجابياتها وسلبياتها للاستفادة منها في حاضرنا ومستقبلنا لنشارك بقوة في هذه الحضارة ويشفع لنا بذلك رصيدنا من تجارب أسلافنا منذ مئات السنين عكس من يشارك وهو خالي الوفاض من مكنوز حضاري .

الحجة الرابعة: -اثر الابتعاد عن الآثار وجمود الفكر العربي الاسلامى عن الإبداع والابتكار برزت حركت تغريب كبر منذ القرن السادس عشر مواكبة للحركات الاستعمارية ومصحوبة بحملات تشكيك وتضليل في أهمية وجدارة الحضارة العربية الإسلامية.

*ملحوظة: من الباحث

لعل أهم تلك الحملات زعم اليهود في الوقت الحاضر أنهم بنات الأهرام وان اهرامات مصر هي ميراث طبيعي لليهود..!!

الحجة الخامسة :-
إن تكسير الأصنام كان لاعتقاد الناس فيها أما قد وعى الناس وعرفوا أنها لا تنفع ولا تضر لا نحسب أن الاحتفاظ بها فيه ضرر بالعقيدة بل هي تقوى العقيدة فالإنسان عندما يرى هذه التماثيل الضخمة ويتذكر مصير صناعها يزداد يقينا انه زائل ويتوب ويعود إلي الله .

المطلب الثالث الـــرأي الراجـــح

ذكر ابن خلدون في مقدمته أن الخليفة هارون الرشيد حاول كسر إيوان كسرا على ضخامته وأشار عليه البعض بتركه لا من أجل التفاخر به بل من أجل أن يستدل به على عظم ملك آبائهم الذين سلبوا الملك لأهل ذلك الهيكل .
ويمكن التذكير بنموذج في العصر الحديث عندما قامت حركة طالبان بتحطيم تمثال بوذا في أفغانستان بذريعة أنها جاهلية وتقود إلى تاريخ سابق للإسلام ورفضوا المساومات بحجة أن علماء أفغانستان رفضوا حتى بيعها لأنه لا يجوز بيع أصنام وأنكر علماء المسلمين قرار طالبان كما أكدته الهيئات الثقافية العربية والإسلامية وتؤكد هذه الشواهد واقعية اختلاف وجهة النظر إلا أن هذه الشواهد تكاد تجعلنا نجزم أن القول بأن الغالبية تتجه نحو الاهتمام بالآثار فقد بلغ اهتمام الخلفاء المسلمين بالآثار الإسلامية ليس فقط بالاحتفاظ بها وصيانتها بل وإهداء بعض منها لملوك الروم وغيرهم من غير المسلمين تعريفا بحضارة المسلمين ودور علماؤهم العلمي كما يصح القول بأن وجهة نظر القائلين بعدم الاهتمام بالآثار مرجوحة ويمكن تفنيد حججهم على النحو التالي:-

الرد على الحجة الأولي :-

وهى ابرز حجج القائلين بعدم الاهتمام بالآثار بل تكاد تكون محور الحجج جميعها وان اختلفت الصياغات وهى لكي لا يفتن الناس بالآثار ونحن نقول وان كانت هذه الحجة في العصر الحاضر مفروغ منها ولم يعد افتتان بقدر ما يستفاد بالعظة والعبرة وتقوية الإيمان إضافة أن الرد عليهم يكمن في الدليل الذي أوردوه لقد ورد عن شيخ الإسلام ابن تيمية أن الصحابة في صدر الإسلام والناس حديثا العهد بالوثنية ثم إن الصحابة اقتصروا وحسب نص قول شيخ الإسلام على ما افتتن به الناس والشرط في فتواه ” إن كان الناس يفتنون به. وان كانوا لا يفتنون به فلا يضر معرفة قبره ” وهنا يتضح أن هذا الحكم مقيد بخشية الفتنة

الرد على الحجة الثانية :-

إن الاهتمام بالآثار القديمة لا يعنى محاكاة القديم وإنما يعنى التعامل مع هذا التراث على ضوء المتغيرات والثوابت, ومن ثم فهي ليست دعوى الجمود والتقليد, والقائلين بعدم الاهتمام بالآثار ذهبوا إلي أنهم فهموا الاهتمام بالآثار كونها مجرد وسيلة للهروب من الحاضر والتنقيب عن الماضي المنسي مع أن لاهتمام بالآثار بمفهومه الصحيح هو وسيلة لزيادة فهمنا لأنفسنا, وبالتطلع إلي الوراء على طول الطريق الذي قطعناه نكون أكثر فهما من المخاطر التي تقابلنا في المستقبل .

الرد على الحجة الثالثة :-

انه و إن لم يرد دليل عن النبي (ص) انه أمر بزيارة ألاماكن التي زارها قبل البعثة أو بعدها أو حث على الاهتمام بها إلا انه أيضا لم يرد دليل عن النهى عن ذلك فالأصل في الأشياء الإباحة فالقول بالتحريم دون دليل عمل بعكس القاعدة فيكون هنا الأصل هو التحريم وهو ما لا يستقيم مع القاعدة الأصولية (الأصل في الشيء الإباحة ) .

الرد على الحجة الرابعة:-

جاء في حجج المؤيدين بالاهتمام بالآثار ما يكفى للرد على هذه الحجة .

الرد على الحجة الخامسة:-

إن الاهتمام بآثار النبي (ص) الفعلية والقولية كونها تتعلق بفروض وأمور تعبدية وبتكاليف واجبة الأتباع وهذا لا يحرم العناية بما سواها من أثار للتأسي والإقتداء.

الرد على الحجة السادسة :-

هي أن كتب التراجم والسير والتاريخ لم تذكران أحدا من الصحابة زار الأهرامات بعد الفتح الاسلامى لمصر مثلا أو أثار بيت المقدس فربما لانشغالهم بالجهاد والفتح الاسلامى من جهة ومن جهة ثانية إن تلك الكتب أيضا لم تذكر لتدميرهم لها أو تحريمهم للاهتمام بها ومن جهة ثالثة فان الكثير من المعابد والأصنام والآثار المختلفة تم اكتشافها حديثا وهى موجودة في مختلف المتاحف ولم يحدث أن افتتن الناس.
وبالتالي فإننا نخلص من هذا المبحث إلي أن الإسلام عنى بالآثار باعتبارها وسيلة لمعرفة حركة الإنسان ونموه وارتباطه بالأرض وعلاقته بالطبيعة بكل مكوناتها وبحثه عن ذاته وممارسته لعبادته موحدا كان أم وثنيا شاهدا على معصيته أو تقواه .

الباب الأول تعريف الآثار وملكيتها ووسائل حمايتها

الفصل الأول: تعريف الآثار

يمكننا تعريف الآثار لغة :- بأنه العلامة وتقال أيضا على لمعان السيف .
وقد جاء في بعض القوانين أن الآثار أو الأثر كل ما أنشأه الإنسان مما هو ثابت بطبيعته وكل ما أنتجه بيده أو فكره والبقايا التي خلفها ولها علاقة بالتراث الإنساني ويرجع عهدها إلى أكثر من مئة عام إضافة إلى بقايا السلالات البشرية والحيوانية والنباتية والآثار العقارية والفنون الإبداعية والمقتنيات الشعبية، ويشمل التراث الإنساني أكثر من 788 موقع طبيعي وثقافي من تاج محل الهندي إلى أهرمات الجيزة إلى تومبوكتو في مالي.

والممتلكات الثقافية حسب ما جاء في اتفاقية لاهاي بأنها تشمل الممتلكات المنقولة والثابتة ذات الأهمية الكبرى لتراث الشعوب الثقافي كالمباني والأماكن الأثرية والمخطوطات والكتب وكل الأشياء ذات القيمة التاريخية والأثرية وكذلك المباني المخصصة لحماية الممتلكات الثقافية نفسها كالمتاحف ودور الكتب ومخازن المحفوظات وغيرها ذات العلاقة والتي تتطلب بموجب الاتفاقيات الوقاية والاحترام والحماية المتواصلة وقت السلم ووقت الحرب وعدم تعريضها للتدمير أو التلف وتحريم سرقتها ونهبها أو تبديدها.
ولقدعرف قانون حماية الآثار المصري الأثر حينما نص على مفهومه في المادة الأولي من القانون رقم 117 لسنة 1983 حيث نص على”الأثر هو كل عقار أو منقول أنتجته الحضارات المختلفة أو أحدثته الفنون أو العلوم أو الأديان من عصر ما قبل التاريخ وخلال العصور التاريخية المتعاقبة حتى ما قبل مائة عام متى كانت له قيمة أو أهمية أثرية باعتباره مظهرا من مظاهر الحضارات المختلفة التي قامت على ارض مصر أو كانت لها صلة تاريخية بها وكذلك رفات السلالات البشرية والكائنات المعاصرة لها “

وقد أجاز المشرع لرئيس الوزراء إصدار قرار بناء على عرض وزير الثقافة باعتبار اى عقار أو منقول من قبيل الآثار بالرغم من عدم مرور المدة السابقة متى كان للدولة مصلحة قومية في حفظة وصيانته .وفى هذه الحالة يتم تسجيل هذا الأثر على أن يلتزم مالك هذا الأثر بالمحافظة عليه وعدم أجراء أي تغير عليه .

*ومن التعريف السابق يتضح لنا أن الأثر يستوي أن يكون منقول أو عقار بطبيعته أو بالتخصيص وتتضح لنا أيضا من ذات التعريف أن هناك ضابطين لتحديد إذا ما كان شيء من الأشياء اثر من عدمه وهما :-

(أولا) الضابط الزمني:-

وهو كما نصت عليه المادة الأولي من القانون” يعتبر اثر كل منقول أو عقار يرجع بالتاريخ إلى ما قبل مائة عام “.
وبالتالي فان العقارات التي بنيت قبل مائة عام وكذا المنقولات التي مازالت موجودة منذ تلك المدة تعتبر وفقا لهذا لضابط اثر من الآثار ولكن هذا الضابط لا يصلح لان يكون منفردا وان كان لكانت العديد من الانتقادات وجهت الى هذا التعريف لذلك أورد المشرع استثناء على هذا الضابط بمقتضاه يجوز بقرار من رئيس مجلس الوزراء بعرض وزير الثقافة أن يعتبر أي عقار أو منقول ذا قيمة تاريخية أو دينية أو أدبية أو فنية أو ثقافية اثر متى كانت للدولة مصلحة قومية في حفظه وذلك دون التقيد بالقيد الزمني الوارد في المادة الأولي من هذا القانون .

ثانيا ) ضابط القيمة :-

وهو كل شيء –عقار أو منقو ل – له قيمة تاريخية أو دينية أو أدبية أو فنية أو ثقافية تستوجب المحافظة عليه وتسترعى الانتباه إليه .
فإذا وجد إحدى هاذين الضابطين حق على هذا الشيء الذي وجد به أن يطلق عيه أثرا وبالتالي يصبغ بالحماية المقررة للآثار والتي سوف نعرفها في موضعها .

الفصل الثاني ملكية الآثار

القاعدة العامة :

يعد تحديد الجهة لمالكة للأثر من الأهمية بمكان وذلك لان هذه الجهة عادة هي الجهة المنوط بها حماية الأثر بالإضافة إلي اختلاف قواعد حماية المال باختلاف مالك هذا المال وما إذا كان المال مالا عاما أم خاصا أم مالا مباحا لا مالك له وقد وضع المشرع فى القانون القاعدة العامة لملكية الآثار فنصت المادة السادسة من القانون على أن تعتبر جميع الآثار من الأموال العامة عدا ما كان وقفا – ولا يجوز تملكها أو حيازتها أو التصرف فيها إلا في الأحوال وبالشروط المنصوص عليها في هذا القانون والقرارات المنفذة له .
وبذلك النص أصبحت القاعدة العامة هي تملك الدولة للآثار ورغم ملكية الدولة للآثار إلا أنها تعد جزء من التراث المشترك للإنسانية ودور الدولة في ذلك هو دور الحارس الأمين عليها إذ أن الآثار من عناصر التراث الحضاري ومن مكونات البيئة التي يجب الحفاظ عليها وصيانتها بما لها من قيمة علمية وتاريخية وأدبية وفنية ودينية وهى تعد في نظر المجتمع الدولي جزء من التراث المشترك الإنساني .

الاستثناءات على القاعدة :-

قبل صدور قانون حماية الآثار برقم 117 لسنة 1983 تقررت 13هذه الحماية بالقانون رقم 215 لسنة 1951 ميلادي وقد شاب هذا القانون عدة نواحي من القصور فمن ناحية كان هذا القانون يجيز الاتجار في الآثار مما شكل خطرا داهما على الثروة القومية والتي يفترض فيها بحسب الأصل انه لا مجال لتقديرها بمال ومن ناحية أخرى أباح هذا القانون الملكية الخاصة للآثار دون تقييد كاف لها مما من شأنه ترتيب العديد من الأضرار التي قد تصيب المجموعة الأثرية الخاصة فضلا عن حرمان جميع المواطنين من ثروة قومية تتساوى حقوق ملاكها مع حقوق المواطنين تجاهها .

وعندما أراد عند وضع القانون الحالي لم يشأ التخلص منها فجأة بل فعل ذلك تدريجيا مع الاخذ في الاعتبار إن الآثار أصبحت في ظل هذا القانون من الأموال العامة وذلك واضحا فى نصوص المواد الآتية :-
(4/2-7-8/1-8/3-9/1-9/2-9/3-11-15-18-19-23-24)
ويجدر بنا التدقيق عند نص المادة 13 والتي تنص على ” يترتب تسجيل الأثر العقاري وإعلان المالك بذاك الأحكام آلاتية :
1)عدم جواز هدم العقار كله أو بعضه أو إخراج جزء منه خارج جمهورية مصر العربية
2) عدم جواز نزع ملكية العقارات. أما الاراضى المتاخمة له فيجوز نزع ملكيتها بعد موافقة الوزير المختص بشئون الثقافة بناء على اقتراح مجلس إدارة الهيئة .
3)عدم جواز ترتيب أي حق ارتفاق للغير على العقار .
4) عدم جواز تجديد العقار أو تغير معالمه إلا برخيص من رئيس الهيئة بعد موافقة اللجنة الدائمة المختص , ويكون إجراء الأعمال التي رخص بها تحت الإشراف المباشر لمندوب الهيئة

الفصل الثالث القواعد التي أرساها القانون لحماية الآثار

المبحث الأول الضبطية القضائية والمخولون بها في مجال حماية الآثار

بصفة عامة تمنح صفة الضبط القضائي لبعض الموظفين بمقتضى قانون الإجراءات الجنائية كما يجوز بقرار من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص تخويل بعض الموظفين صفة الضبط القضائي بالنسبة إلى الجرائم التي تقع في دوائر اختصاصهم وتكون متعلقة بأعمال وظائفهم” مادة 23 إجراءات. وممن خول صفة مأمور الضبط القضائي بمقتضى قوانينمستقلة “مديرو مصالح الآثار ووكلائهم ومساعدوهم والمفتشون ومساعدوهم في هذه المصالح وفى متاحف الدولة” مادة 35 من القانون رقم 215 لسنة 1951.
وقد انشأ المشرع بعد ذلك هيئة الآثار المصرية وذلك بقرار رئيس الجمهورية 2828 لسنة 1971 الذي نص في مادته الأولى على أن تنشأ هيئة عامة تسمى هيئة الآثار المصرية مركزها مدينة القاهرة تكون لها شخصية اعتبارية وتتبع وزير الثقافة والإعلام وتضم مصلحة الآثار , مركز تسجيل الآثار المصرية . صندوق تمويل مشروع إنقاذ أثار النوبة .
وقد جاء قانون حماية الآثار مؤكدا هذا الحق فنص في المادة 48 منه على أن لرئيس مجلس إدارة الهيئة ومديري الآثار ومديري المتاحف والمساعدين ومراقبي ومديري المناطق الأثرية ومفتش الآثار والمفتشين المساعدين صفة الضبطية القضائية فيما يتعلق بضبط الجرائم والمخالفات المنصوص عليها في هذا القانون والقرارات الصادرة تنفيذا لها .
وتتولى شرطة الآثار المختصة تنفيذ قرار الإزالة مع إلزام المخالف بإعادة الوضع إلى ما كان عليه والا كان للهيئة أن تقوم بتنفيذ ذلك على نفقته .

المبحث الثاني طرق الحماية الجنائية

المطلب الأول الحماية عن طريق التجريم

يعد قانون حماية الآثار من القوانين الخاصة التي تستهدف حماية قطاع عام من قطاعات الدولة وجزء من تراثها الحضاري والوطني وقد لجأ المشرع في هذا القانون إلى أسلوب التجريم لحماية الآثار فقد اعتبر الآثار من الأموال العامة للدولة وبالتالي:-
– حظر على الأفراد تملكها أو حيازتها أو التصرف فيها مادة6
– كما حظر الاتجار فيها اعتبارا من تاريخ العمل بها مادة7
– أوجب على كل شخص طبيعي أو معنوي يشغل بناء تاريخي أو موقع أثرى لم يتقرر نزع ملكيته أن يحافظ عليه من أي تلف أو نقصان مادة8
– حظر هدم العقار الأثري كله أو بعضه أو إخراج جزء منه من جمهورية مصر العربية مادة 13/1
– حظر إقامة منشات أو مدافن أو شق قنوات أو أعاد طرق أو الزراعة في المواقع أو الاراضى الأثرية أو في المنافع العامة للآثار أو الاراضى الداخلة ضمن خطوط التجميل المعتمدة
مادة 20/2
وهناك الكثير مما جرمه المشرع وهو بصدد قانون حماية الآثار الحالي رقم117 لسنة1983
ومن العرض السابق يتضح أن الشارع قد لجأ إلى حماية الآثار عن طريق تحريم الاعتداء عليها سواء كان هذا الاعتداء واقعا على الملكية أو الحيازة وقد تمثل هذا في حظر بعض التصرفات أو تقرير بعض الواجبات والذي يشكل القيام بها أو الامتناع عنها جريمة حيث أن الجريمة هي” عمل أو امتناع يفرض له القانون عقابا أو هي أمر يحذره الشارع عن طريق العقاب الجنائي إذا لم يكن استعمالا لحق أو أداء لواجب , أو هي تصرف غير مشروع نابع عن إرادة جنائية قرر له القانون جزاء جنائي “.
وتجريم الاعتداء على الآثار يشمل شقي الاعتداء الايجابي منه والسلبي .
فالايجابي مثل الاتجار أو التهريب ومن أمثلة الجرائم السلبية التي تقع على الآثار امتناع من يعثر مصادفة على أثر منقول أو جزء من أثر ثابت عن أخطار أقرب سلطة إدارية في خلال المدة المقررة في القانون وهى ثمان و أربعين ساعة حيث يتخذ سلوك الجاني هنا صورة الامتناع عن نشاط كان يتعين عليه القيام به وهو بذلك يسير في غير اتجاه إرادة المشرع .
ولتوضيح اركان جرائم الاثار بصفة عامة يتعين علينا تقسيم المطلب الذي نحن بصدده إلى ثلاثة أفرع على النحو التالي :-

الفرع الأول الركن المادي

الركن المادي في النموذج العادي للجريمة تسهيلا للعرض ذلك الفرض الذي يرتكب فيه شخص بمفرده جريمة تامة فيأتي سلوكا إجراميا يفضى إلى نتيجة إجرامية وتربط بينهما علاقة سببية
وفى جرائم الآثار هو ذلك السلوك الاجرامى الذي يقوم به الجاني وينتج عنه حصول ضرر بالآثار التاريخية والممتلكات الثقافية كما يتصور وقوع الجريمة الأثرية بمجرد تعرض مصلحة للخطر .
ويتكون الركن المادي للجريمة الأثرية كأي ركن مادي لاى جريمة أخرى من سلوك اجرامى ونتيجة وعلاقة سببية تربط بين السلوك والنتيجة وبالتالي فان دراسة هذا الفرع سوف يتفرع عنها عدة نقاط كالتالي :
النقطة الأول : السلوك الاجرامى
النقطة الثاني : النتيجة الاجرامية
النقطة الثالث : علاقة السببية

أولا السلوك الاجرامى:-

السلوك الاجرامى هو النشاط المادي الملموس الذي يأتيه الجاني أو التقاعس عن تنفيذ واجب قانوني مفروض عليه تحت طائلة العقاب والسلوك بهذا المعنى لازم في كافة الجرائم وان اختلفت صورته من فرض لأخر تبعا لعدة أسباب أهمها طبيعة السلوك ومدة تنفيذه وعدد الأفعال المكونة له والظروف الملابسة لمباشرته .
مبدأ لا جريمة بغير سلوك اجرامى :
من المجمع عليه في الفقه والقضاء الجنائيين ألا جريمة بغير نشاط مادي يكون هو قوام السلوك الاجرامى فيها ويعكس إلى العالم الخارجي ما دار في نفس الجاني سابقا على ذلك النشاط ومعاصرا له فالقاعدة ألا شأن لقانون العقوبات بالمراحل النفسية أو الإرادية السابقة على النشاط الاجرامى الملموس فما يدور داخل مكنون الأنفس أو ما تعتلج به الصدور من نوازع أو هواجس وأفكار ورغبات
ونوايا إجرامية لا سلطان للقانون عليه طالما لم يقترن ذلك بمظهر خارجي يستدل به عليه وتبرير المبدأ على النحو السابق لا يحتاج إلى عناء فهو ضمانة أكيدة للأفراد تحول دون المساس بمكنون أنفسهم والعصف بحرياتهم الفردية .

السلوك الاجرامى وفقا لطبيعته :
يندرج السلوك الاجرامى وفقا لطبيعته تحت طائفتين أساسيتين هما السلوك الايجابي والسلوك السلبي .

1/ السلوك الايجابي:-
يتمثل السلوك الاجرامى الايجابي في مسلك ذي مظهر خارجي يتخذه الجاني يحدث تغيرا في العالم الخارجي ويعبر عن سيطرة إرادية على منشأ الفعل . ويفترض ذلك أن الجاني بسلوكه الاجرامى الايجابي قد أحدث تغيرا على وضع قائم يتسم بالسكون فنقله الى حالة جديدة تتسم بالحركة وفى هذا التغيير يبرز بوضوح طابع الارتكاب أو الصفة الايجابية للفعل المكون للجريمة ومن اجل هذا توصف الجرائم التي يتخذ السلوك الاجرامى فيها المظهر محل البحث بأنها جرائم ايجابية أو جرائم ارتكاب إبرازا للتقابل بينها وبين الجرائم السلبية أو جرائم الامتناع كما سوف يجئ بعد قليل .

2/السلوك السلبي:-
السلوك الاجرامى السلبي أو الامتناع هو إحجام الشخص أو تقاعسه عن أداء التزام ايجابي محدد كان يقع عليه قانونا عبء الوفاء به في ظروف معينة فيحدث مساس بالمصلحة المحمية جنائيا – أو تعريضها للخطر – بمجرد النكوص عن أداء ذلك الواجب . وهو الصورة الخاصة من السلوك هي التي تقوم بها عادة طائفة الجرائم السلبية أو جرائم الامتناع وتثور بشأنها مشكلة قانونية دقيقة على المستويات التشريعية والقضائية والفقهية .

ثانيا النتيجة الاجرامية :-

يعد نتيجة إجرامية الآثار التي تترتب على السلوك الاجرامى ويمثل مساسا بالمصلحة المحمية جنائيا لإهدارها كليا أو بالانتقاص منها أو بتعريضها للخطر ليس إلا وتعد النتيجة الاجرامية
مفهومة على هذا النحو عنصرا لازما في كل جريمة تامة إذ لا جريمة بغير مساس بمصلحة محمية جنائيا على النحو الذي يقرره نص التجريم ولا محل لعمل آليات القانون الجنائي إذ لم يفض فعل الجاني إلى نتيجة إجرامية بهذا المعنى وهكذا تتوافر النتيجة القانونية في الجريمة دائما حتى ولو لم تتطابق معها نتيجة مادية ملموسة كما في الجرائم السلبية البسيطة وعندما يحدث ذلك التطابق في جرائم أخرى – وهو الفرض الغالب – فان المفهوم القانوني للنتيجة هو الذي يتخذ أساسا لتكيفها .
الأهمية القانونية للنتيجة الاجرامية:-
تلعب النتيجة الاجرامية بالمعنى السابق دورا بالغ الأهمية في سياستي التجريم والعقاب وفى تطبيق عدد من القواعد الجنائية الموضوعية والإجرائية .
وللنتيجة مدلولان أولهما مدلول مادي وهو الأثر الذي تنتج عنه ارتكاب الجريمة وثانيهم قانوني وهو الضرر الذي نتج عن ارتكاب الجريمة .

ثالثا علاقة السببية بين النشاط الاجرامى والنتيجة الاجرامية :-

تعرف علاقة السببية بأنها الصلة التي تربط بين الفعل والنتيجة وتثبت أن ارتكاب الفعل هو الذي أدى إلى حدوث النتيجة .
ولقد ثار الفقه جدلا حول مفهوم السبب و أي من الأسباب الذي يعتد به والمؤدى إلى النتيجة الاجرامية وهو ما ليس محل بحثنا ألان ونكتفي بالقول بان العبرة بالسبب المباشر الذي أدى إلى وجود النتيجة الاجراميةعن طريق النشاط الاجرامى. وإننا نعلم -كما أوضحنا سابقا إن الجرائم التي تقع على الآثار منها من يكون اعتداء مادي أي جريمة ومنها ما يكون اعتداء يعرض الآثار لخطر الضرر وهى ما تعرف بجرائم الخطر ففي الصورة الأولى نجد أن إثبات علاقة السببية شرط . وسهل المنال , أما في الصورة الثانية فمن العسير إثباتها إلا بعد تمام الضرر .

الفرع الثاني الركن المعنوي

بصفع عامة فان الجرائم الجنائية منها ما يكون (1) عمديا ويستلزم لتكوين الركن المادي في تلك الصور من الجرائم إثبات القصد الجنائي المتمثل في العلم والإرادة .
(2) ومنها ما يكون جرائم غير عمدية وفيها نكتفي بإثبات الخطأ غير العمدى .
(1) ماهية القصد الجنائي بوجه عام :-
يعبر القصد الجنائي بوجه عام عن موقف نفسي محدد من قبل الجاني تجاه البنيان المادي المكون للجريمة يعكس من جانبه إدراكا واعيا للمصلحة المحمية جنائيا وعداء صريحا تجاه تلك المصلحة .
وانطلاقا من ذلك يمكننا تعريف القصد الجنائي بأنه علم الجاني بكافة العناصر المكونة لبنيان الجريمة واتجاه إرادته إلى إحداث تلك الأفعال جميعا وهكذا يبدوا الإثم واضحا في اقوي صوره في القصد الجنائي الذي يكون بدوره أولى بالعقاب بل والعقاب المشدد عنه في الجريمة غير العمدية.

وللقصد الجنائي عنصرين أساسيين وهما العلم والإرادة فيجب أن يكون الجاني عالما بان ما يأتيه يكون جريمة من الجرائم المعاقب عليها بمقتضى قانون معين والعنصر الثاني ألا وهو الإرادة فيجب أن تتجه إرادة الجاني إلى إحداث تلك الأفعال .
فلو أن شخص قام بنقل اثر معين من مكان إلى مكان دون علمه بان تلك القطعة هي من الآثار فلا يكون مرتكبا للجريمة الأثرية لأنه من الناحية الفنية لا يكون على علم بأن فعله هو واقعة اختلاس
لقطعة أثرية وان أمكن مسائلته عن جريمة سرقة عادية.
وكذلك إذا ما قام شخص بإجبار شخص أخر على حمل حقيبة بها مجموعة من القطع الأثرية فان هذا الشخص الثاني لا يكون مسئولا جنائيا لانتفاء الإرادة لديه .وللقصد الجنائي صور عديدة لا يتسع المجال لبيانها ولكن يكفى الإشارة إليها عند بعد وهى القصد المباشر والاحتمالي والمحدود وغير المحدود والبسيط والمقترن والعام والخاص وأخيرا القصد المتعدى القصد.

(2) الخطأ غير العمدى :-
الصورة الثانية للركن المعنوي في الجريمة هي الخطأ غير العمدى وهى تتضمن درجة اقل من الإثم أو الإذناب لان إرادة الجاني لا تتجه فيها عمدا إلى المساس بالمصلحة المحمية جنائيا وإنما يقع ذلك على اثر عدم اتخاذ مسلك كان كفيلا بمنع ذلك المساس.

الفرع الثالث الشروع

يمثل الشروع نموذجا خاصا للواقعة المكونة للجريمة باعتباره مشروعا إجراميا لم يصل إلى منتهاه لأسباب خارجة عن إرادة الجاني ويثير هذا النموذج الخاص تساؤلين رئيسيين وهما (1) تعريف الشروع (2) أركان الشروع وذلك كالتالي :-

(1) تعريف الشروع :-

الشروع بوجه عام نموذج خاص لجريمة تتخلف نتيجتها أو سلوك غير مفض إلى النهاية التي كان الجاني يسعى إلى بلوغها وتحقيقها متى كان عدم تحقق تلك النتيجة راجعا إلى سبب غير ارادى ولقد عرفت المادة 45 من قانون العقوبات الشروع بأنه ” البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الجاني فيها ولا يعد شروعا في الجناية أو الجنحة مجرد العزم على ارتكابها ولا الأعمال التحضيرية لها ”
والشروع إما أن يكون تام أو ناقص فالشروع التام هو ذلك النوع من الشروع الذي يكون فيه الجاني قد بلغ حدا من النشاط يكون معه قد استنفذ نشاطه الاجرامى ومع ذلك لم تتحقق النتيجة التي كان يسعى إلى تحقيقها كمن قام بالتصويب على شخص وأطلق المقذوف ولكن هذا المقذوف لم
يسكن في جسد الضحية وانحرف اتجاهه ففي ذلك النوع من الشروع نجد أن الجاني قد استنفذ نشاطه الاجرامى ومع ذلك لم تحقق النتيجة التي كان يسعى إلى تحقيقها .
أما النوع الثاني فهو الشروع الناقص وفيه يوقف الجاني عن إكمال النشاط الاجرامى بعد البدء في تنفيذه ومثال لذلك أن يهم شخص بإطلاق المقذوف على ضحيته فيقوم رجال الشرطة بالقبض عليه قبل إطلاق العيار الناري .
ويطلق على النوع الأول من الشروع الجريمة الخائبة والثاني الجريمة الموقوفة.

(2) أركان الشروع :-

تقوم الجريمة ف صورة الشروع على عناصر ثلاثة وذلك حسبما يبين من نص المادة 45 من قانون العقوبات وهى (1) البدء في تنفيذ فعل يعد جناية أو جنحة (2) القصد الجنائي (3) عدم تمام الجريمة لسبب لا دخل لإرادة الجاني بها .

المطلب الثاني الحماية عن طريق العقوبة

النص الجنائي ذو شقين شق التجريم وشق العقاب ولا يتصور أن يجرم المشرع الجنائي فعلا ولا يقرر عقوبة لمن يخالف إرادته من تجريم هذا الفعل لان التجريم في هذه الحالة والعقوبة هي جزاء الجريمة فلا عقوبة ما لم ترتكب جريمة واعتبار العقوبة جزاء يخلع عليها طابعا جنائيا والذي يرتبط به طابع اجتماعي عام يتمثل في أن العقوبة مقررة لمصلحة المجتمع الذي ناله ضرر الجريمة فالمجتمع وحده هو صاحب الحق والصفة في المطالبة بتوقيعها عن طريق الأجهزة التي تمثله في ذلك .
ولقد نص المشرع في قانون العقوبات على أنواع العقوبات التي تطبق على المجرمين كلا بحسب جرمه . وسبقها بتقسيم الجرائم فقد قسم الجرائم إلى جنايات وجنح ومخالفات وقسم العقوبات إلى عقوبات أصلية وتبعية .
والعقوبات الأصلية هي الإعدام والسجن المؤبد والسجن المشدد والسجن والجبس والغرامة .
والعقوبات التبعية هي الحرمان من الحقوق والمزايا والعزل من الوظائف الأميرية ووضع المحكوم عليه تحت مراقبة البوليس وأخيرا المصادرة.

وعقوبة المصادرة جعلها في بعض الجرائم عقوبة جوازيه يقضى بها القاضي إذا رأى ضرورة لها وفى جرائم أخرى جعلها عقوبة إلزامية يتعين على القاضي أن يحكم بها وليس له سلطة تقديرية في ذلك لان حيازة الشيء نفسه في تلك الحالة يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون لذاتها .
وبالتالي ننتهي من هذا المطلب إلى أن المشرع أضاف بالإضافة إلى العقوبات التي خصها لكل جريمة من جرائم الآثار التي سنعرض لها لاحقا الزم القاضي بالحكم بالمصادرة وجعلها وجوبيه عليه .
ويجب علينا ونحن بصدد الحديث عن الوسائل التي قررها المشرع المصري لحماية الآثار أن نشير إلى إعلان القاهرة بشأن حماية الممتلكات الثقافية.

إعلان القاهرة بشأن حماية الممتلكات الثقافية

إعلان القاهرة بشأن حماية الممتلكات الثقافية الصادر في السادس عشر من فبراير / 2004.وقد تولت اللجنة القومية للقانون الدولي الإنساني بوزارة العدل المصرية واللجنة الدولية للصليب الأحمر تنظيم المؤتمر بالتنسيق مع جامعة الدول العربية و منظمة اليونسكو استلهاما لما ورد في ديباجة اتفاقية لاهاي لعام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية في زمن النزاعات المسلحة من ” أن الأضرار التي تلحق بممتلكات ثقافية يملكها أي شعب تمس التراث الثقافي الذي تملكه الإنسانية جمعاء, فكل شعب يساهم بنصيبه في الثقافة العالمية “.
وتذكيراً بما تضمنته اتفاقية اليونسكو بشأن الوسائل التي تستخدم لحظر ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة التي دخلت حيز النفاذ في 24 ابريل 1972 والتي تقرر واجب كل دولة في حماية التراث الذي تمثله الممتلكات الثقافية الموجودة في أراضيها من أخطار النهب وأعمال التنقيب السرية والتصدير غير المشروع, كما تقرر التزاما بمكافحة هذه الممارسات بكل وسيلة ممكنة, وخاصة فيما يتعلق بإيقافها أثناء حدوثها, والقضاء على أسبابها وتقديم المساعدة اللازمة لكفالة إعادة الممتلكات المعنية.

– وبالإشارة إلى المعاهدة النموذجية لمنع جرائم انتهاك التراث الثقافي للشعوب الموروث في شكل ممتلكات منقولة من حيث كونها وسيلة لمنع هذا النوع من الجرائم وكفالة إعادة الممتلكات التي نقلت بطرق غير مشروعة
– واستعادة لما تضمنه إعلان اليونسكو العالمي لعام 2001بشأن التنوع الثقافي, والذي تضمن الاعتراف بالتنوع الثقافي باعتباره “تراثاً مشتركاً للإنسانية ” تعد حمايته ضرورة أخلاقية ملموسة لا تنفصم عراها عن ضرورة احترام كرامة الكائن البشرى ذاته.
– وتأكيداً لما تضمنه إعلان اليونسكو لعام 2003 بشأن التدمير المتعمد للتراث الثقافي من الاعتراف بأهمية التراث الثقافي والالتزام بمكافحة تدميره المتعمد بأي صورة من الصور حتى يمكن نقل هذا التراث إلى الأجيال القادمة, ووجوب أن تتخذ الدول جميع التدابير الملائمة أثناء النزاعات المسلحة و في زمن الاحتلال على نحو يكفل حماية التراث الثقافي وفقاً للقانون الدولي و توصيات اليونسكو ومبادئ وأهداف الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية ذلك التراث.

– ونفاذاً للإعلان الصادر عن المؤتمر الثامن والعشرين للصليب الأحمر والهلال الأحمر في السادس من ديسمبر 2003 من مناشدة أطراف النزاعات المسلحة بأن تبسط الحماية الضرورية للممتلكات الثقافية والحيلولة دون تدميرها أو العبث بها أو نهبها وكفالة الاحترام الواجب لأحكام القانون الدولي الإنساني في هذا الشأن عن قناعة بأن احترام الممتلكات الثقافية للشعوب يعكس احترام التنوع الثقافي والحضاري للبشر, ويقف سداً منيعاً أمام نوازع الكراهية والأطماع التي استشرت في النزاعات العسكرية الحديثة وتتطلب تعاوناً دولياً لإجهاضها.

– ومشاطرة للجماعة الدولية احتفالها بالعيد الخمسين لاتفاقية لاهاي, وتحت رعاية السيدة الفاضلة سوزان مبارك رئيسة الهلال الأحمر المصري, وبدعوة من وزارة العدل بجمهورية مصر العربية, عقد بالقاهرة المؤتمر الدولي للاحتفال باليوبيل الذهبي لاتفاقية لاهاي لعام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية فى زمن النزاعات المسلحة خلال الفترة من 14 إلى 16 فبراير 2004.
وتولت اللجنة القومية للقانون الدولي الإنساني بوزارة العدل المصرية واللجنة الدولية للصليب الأحمر تنظيم المؤتمر بالتنسيق مع جامعة الدول العربية و منظمة اليونسكو ومكتب الأمم المتحدة المعنى بالمخدرات والجريمة و اللجنة البرلمانية للقانون الدولي الإنساني بمجلس الشعب و وزارة الإعلام, والهلال الأحمر المصري والمجلس المصري للشؤون الخارجية, و المجلس الأعلى للآثار والهيئة العامة للاستعلامات.

وفى ختام أعمالهم أقر المشاركون التوصيات التالية:
1- دعوة الدول غير الأطرف في اتفاقية 1954 وبرتوكوليها الأول لعام 1954 والثاني لعام 1999 إلى المبادرة للانضمام إليها, خاصة مع بلوغ البروتوكول الثاني لعام 1999 لعدد التصديقات اللازم لنفاذه (20 تصديق ) وسيدخل حيز النفاذ اعتبارا من 9 مارس 2004.
2- دعوة الدول إلى توفيق التشريعات واللوائح الوطنية مع أحكام اتفاقية لاهاي لعام 1954 وبرتوكوليها الإضافيين بما يكفل قمع أي انتهاك للقواعد الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية فى زمن النزاعات المسلحة وفى زمن الاحتلال وعقاب من أرتكبها أو أمر بارتكابها وتوفير الحماية للعلامة الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية من سوء الاستخدام.
3- السهر على تحديد الممتلكات الثقافية وإعداد السجل الخاص بذلك فى كل دولة ورفع العلامة المخصصة للحماية عليها إعمالاً لاتفاقية 1954, وتبادل هذه المعلومات على الصعيدين الإقليمي والدولي من أجل التعريف بها.
4- دعوة اللجان الوطنية للقانون الإنساني إلى إيلاء أهمية خاصة بحماية الممتلكات الثقافية واتخاذ الإجراءات الوطنية لتطبيق اتفاقية1954 وبرتوكوليها على الصعيد الوطني بحسبان أنها تمثل جزءاً خاصاً من القانون الدولي الإنساني الذي تضطلع بالسهر على تطبيق أحكامه وأن تعمل على تأمين الاتصال والتعاون في هذا الشأن مع اللجان الوطنية المماثلة.
5- دعوة الدول التي لم تنشئ بعد لجان وطنية للقانون الدولي الإنساني أو لجان وطنية استشارية إلى المبادرة إلى إنشائها ومنحها اختصاص العمل على تطبيق آليات الحماية الخاصة بالممتلكات الثقافية على الأصعدة الوطنية.
6- الاهتمام بإدراج موضوع حماية الممتلكات الثقافية ضمن البرامج التعليمية والتدريبية الخاصة بالقوات المسلحة والقائمين على نفاذ القوانين, وضمن برامج القانون الدولي الإنساني في المقررات المدرسية والجامعية.
7- تشجيع التعاون في مجال تبادل المعلومات بين الدول والاستفادة بصفة خاصة بما توفره منظمة اليونسكو واللجنة الدولية للصليب الأحمر في مجال تبادل المساعدة الفنية وتبادل المعلومات والخبرة الاستشارية في مجال سن التشريعات واللوائح الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية على الأصعدة الوطنية.
8- تعميق النقاش الدولي والإقليمي والوطني حول وسائل تعزيز حماية التراث الحضاري والثقافي, وتشجيع عقد الندوات والحلقات الدراسية في الدول العربية الشقيقة الرامية إلى نشر الوعي بقواعد حماية الممتلكات الثقافية, وتبادل الخبرات والمعونات الفنية فيما بينها وبين المنظمات الدولية ذات الصلة.
9- تكليف لجنة متابعة القانون الدولي الإنساني على الصعيد العربي بإدراج التوصيات ذات الصلة الواردة في هذا الإعلان ضمن خطة العمل الإقليمية لعام 2004.
10- حث لجنة الأمم المتحدة لمنع الجريمة والعدالة الجنائية على إيلاء أهمية خاصة لموضوع حماية الممتلكات الثقافية وذلك بالعمل على تشجيع الدول على إبرام اتفاقيات ثنائية على غرار المعاهدة النموذجية لمنع جرائم انتهاك التراث الثقافي للشعوب الموروث في شكل ممتلكات منقولة, واستحداث الآليات القانونية والفنية اللازمة لتحقيق ذلك, وتعزيز سبل التعاون الدولي بهدف مكافحة سرقة الممتلكات الثقافية والتنقيب المحظور عنها والمتاجرة بها واستيرادها وتصديرها بصورة غير مشروعة, ومناشدة لجنة منع الجريمة والعدالة الجنائية توصى بتوجيه عناية خاصة لهذا الموضوع في إطار مناقشة مؤتمر الأمم المتحدة الحادي عشر لمنع الجريمة والعدالة الجنائية.

الباب الثاني التطبيقات العملية لحماية الآثار

الفصل الأول صور لبعض جرائم الآثار وعقوبتها

وكما اشرنا سابق ونحن بصدد الحديث عن القواعد التي أرساها المشرع لحماية الآثار عن أن المشرع نص على بعض الجرائم الواقعة على الآثار وذكرنا في حينها انه سوف يواتى تفصيل ذلك في موضوعه وها نحن بصدد التحدث عن الجرائم التي أرساها المشرع لحماية أثارنا وبين العقوبة المقررة لكل جريمة على حده وذلك مع ضرورة مراعاة الملحوظات الآتية :-
1) المشرع في قانون الآثار الحالي رقم 117 لسنة 1983 قد أرسى قاعدة عامة جعل بمقتضاها الآثار من الأموال العامة المملوكة للدولة
2) العقوبات الواردة في قانون الآثار لا تمنع من تطبيق العقوبات الواردة في قانون العقوبات أو في أي قانون أخر إذا ما كانت العقوبة المنصوص عليها في تلك القوانين الأخرى اشد مما نص عليها في قانون الآثار ” مادة 40 أثار “.
وقد تنوعت الجرائم المقررة في قانون حماية الآثار سواء من حيث جسامتها أو من حيث طبيعة الحق الواقع عليه وتنوعت بالتالي العقوبة المقررة لها .

المبحث الأول سرقة الآثار

يمكننا تعريف السرقة بأنها اختلاس مال منقول مملوك لغير الجاني وذلك كما نصت عليه المادة 311 عقوبات ” كل من اختلس منقول مملوك لغيره فهو سارق ” .
وبتطبيق التعريف السابق على جريمة سرقة الآثار نجد انه لكي تقو م الجريمة يشترط أولا وجود اختلاس ثانيا القصدالجنائي .

أولاً : الاختلاس :-

يقصد بالاختلاس في السرقة الاستيلاء على الحيازة الكاملة للشيء بعنصريه المادي والمعنوي بغير رضاء مالكه أو حائزه
ويقصد بالاستيلاء على الحيازة هي إخراج الجاني للمال من الحيازة الكاملة للمالك أو الحيازة الناقصة للحائز أو الحيازة المادية لصاحب اليد العارضة من اجل إدخاله في حيازته الكاملة

فلا يشترط لتحقق معنى الاستيلاء أن يتم اختلاس الشيء من تحت يد مالكه بل يتحقق الاستيلاء بإخراج الشيء من يد حائزه حيازة ناقصة كالمستأجر والمستعير كما يتحقق بإخراج الشيء من حيازة اليد العارضة كالاستيلاء على الشيء من بائع في المحل ولا يتصور طبقا لهذا المعنى ان يتم الاختلاس من مالك الشيء نفسه أو من الحائز حيازة ناقصة أو صاحب اليد العارضة كما لا يتصور أن يتوافر الاختلاس مع التسليم فالتسليم بمعنى تسليم الشيء إلى الغير ينفى الاختلاس شريطة أن يكون حاصل من مالك الشيء أو حائزه ، بمعنى أن يصدر من شخص له صفة التصرف في المال وهذه السلطة تثبت عادة لمالك الشيء أو حائزه حيازة ناقصة أو صاحب اليد العارضة كالخادم في مطعم والعامل في محل فلا صفة قانونية له تخوله تسليم الشيء إلى الغير .ومن التسليم النافي للاختلاس والذي لا تتشكل معه جريمة سرقة هي تبادل بعض الآثار المنقولة المقررة مع الدول أو
المتاحف أو المعاهد التعليمية العربية منها والأجنبية بقرار من رئيس الجمهورية بناء على اقتراح الوزير المختص بشئون الثقافة “مادة10من قانون حماية الآثار.”

أما بخصوص محل الاختلاس فطبقا لنص المادة873 مدني فان الحق في الأشياء الأثرية ينظمه لوائح خاصة.
وقد نظم قانون حماية الآثار هذا الحق فاعتبر أن الآثار من الأموال العامة للدولة وعلى ذلك يعد الاستيلاء عليها استيلاء على مال مملوك للغير وبالتالي يعتبر سرقة إذا توافرت فيه شروط محل الاختلاس في السرقة وهو كونها مال مملوك للغير – وهى الدولة – ولما كان محل السرقة ينبغي أن يكون منقولا فان سرقة الآثار تقع على المنقول بمعناه الواسع وهو المنقول بطبيعته وهو كل اثر يمكن نقله من مكان إلى أخر دون تلف والعقار بالتخصيص وهو المنقولالمخصص لخدمة الأثر كالسيارات وآلات الحفر والعقار بالاتصال وهو أجزاء الأثر التي يمكن نزعها منه ونقلها من مكان إلى أخر.
وقد جاءت المادة 42 من قانون حماية الآثار مؤكدة هذا المعنى حيث عاقبت كل من سرق اثر أو جزء منه مملوك للدولة أو قام بإخفائه أو اشترك في ذلك .

وجريمة سرقة الآثار جريمة من الجرائم العمدية التي تشترط لكمالها توفر الركن المعنى فيها والركن المعنوي هنا يتمثل في مركزيه الأساسيين وهما العلم والإرادة فيجب أن يكون الجاني على علم تام بان ما يقوم به هو سرقة وان محل السرقة هو اثر من الآثار وان تتجه إرادته إلى إحداث ذلك .
أما إذا كان يعلم ولكنه لم يكن يدرى حقيقة الشيء فان ما يكون قد قام به يكون سرقة المعاقب عليها بقانون العقوبات .
مع الأخذ في الاعتبار انه هناك تفرقة بين الجهل في القانون والجهل في الوقائع فالأولى لا تقيم ذريعة أما الثانية فيعدم القصد الجنائي وبالتالي تنعدم معه الجريمة.

العقوبة:

قرر قانون حماية الآثار عقوبة السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد على سبع والغرامة التي لا تقل عن 3000 جنيه ولا تزيد على 50000 جنيه لكل من سرق اثر أو أخفاه أو اشترك في
شيء من ذلك مع وجوب الحكم في تلك الحالة بمصادرة الأثر المضبوط والأجهزة والآلات والأدوات والسيارات المستخدمة في الجريمة لصالح الهيئة ” م 42/1″
ومن النص السابق يتضح لنا أن القانون جعل من سرقة الآثار جناية حيث قرر لها عقوبة السجن والسجن من عقوبات الجنايات .
وإذا كانت هذه الجريمة جناية فان الشروع معاقب عليه فيها حيث إن الشروع معاقب عليه بنص القانون في الجنايات عموما دون حاجة إلى نص خاص ما لم يقضى القانون بغير ذلك .

المبحث الثاني تهريب الآثار

يعد تهريب الآثار من الجرائم الأكثر وقوعا وخطورة بالنسبة للاعتداء على الآثار نظرا لما تحققه من فوائد جمة تعود على مرتكبها من ناحية ومن ناحية أخرى لما يترتب عليها من خطورة تتمثل في تدخل عنصر أجنبي فيها حيث تقوم هذه الجريمة أساسا على اخرج الأثر من النطاق الإقليمي لدولة إلى دولة أخرى الأمر الذي يثير العديد من المسائل الخاصة بتحديد الاختصاص التشريعي والقضائي للمسألة محل النزاع .ومن ثم نجد أن هذه المشكلة أصبحت تأخذ بعد دولي بالإضافة إلى البعد الإقليمي .

البعد الدولي :

لم تعد مشكلة الاهتمام بالآثار من المشاكل المحلية التي تثير دولة بعينها وإنما أصبحت مشكلة دولية تهم المجتمع بأثره ولقد بذلت جهود دولية عديدة لوضع القواعد الكفيلة بمنع إفلات المجرمين من العقاب .
وتدور هذه الجهود عادة حول تقرير حق الدولة صاحبة الأثر في مقاضاة من يرتكب جريمة اعتداء على الآثار وحقها كذلك في المطالبة باسترداد الأثر في حالة إخراجه من إقليمها ومن هذه الجهود
الدراسات المتعمقة التي توصل إليها مجمع القانون الدولي في 3/12/1991 والتي تعد بمثابة التنظيم النموذجي الذي يتعين الاسترشاد به في التشريعات الوطنية .

البعد المحلى أو الإقليمي: –

سيادة الدولة على إقليمها مظهر من مظاهر استقلال الدولة ومن مظاهر السيادة أن يطبق قانون الدولة على الوقائع التي تحدث في هذا الإقليم وهو ما يسمى بمبدأ إقليمية القانون وقد عبرت عن هذه القاعدة المادة الأولى من قانون العقوبات المصري حين نصت ” تسرى أحكام هذا القانون على كل من يرتكب في القطر المصري جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه” .
وطبقا لهذا النص فان القانون واجب التطبيق بالنسبة للجرائم التي ترتكب داخل القطر المصري هو القانون المصري فمجرد وقوع الجريمة في مصر يكفى لتطبيق أحكام القانون المصري بغض النظر عن جنسيته وبالإضافة إلى ذلك فان للدولة الحق في تطبيق قانونها على كل جريمة تمس الحقوق الأساسية للدولة آيا كانت جنسية مرتكبها ومكان ارتكابها وهو ما يعرف بعينية النص الجنائي .
وإذا استصحابنا القواعد السابقة وأضفنا إليها مبدأ عينية النص الجنائي والذي يعطى للدولة حق المسائلة عن الجرائم التي تمس بالمصالح الأساسية لها وذلك أيا ما كان مكان ارتكابها وجنسية من ارتكبها والذي اخذ به المشرع المصري في محاولة منه لمد سلطان الدولة إلى كل الجرائم التي تؤدى إلى المساس بالمصالح الأساسية لها .
ومن الجنايات المخلة بأمن الدولة المنصوص عليها فى البابين الأول والثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات تخريب وسائل الإنتاج أو الأموال الثابتة أو المنقولة المملوكة للدولة أو مؤسساتها العامة ويرى بعض الفقه أن تهريب الآثار يدخل ضمن هذه الجرائم إذ من شانه تخريب أموال الدولة وإلحاق الضرر بالمركز الاقتصادي لها ومن ثم ينعقد الاختصاص للتشريع والقضاء المصري لمسائلة مهرب الآثار باعتبارها جريمة تقع على ارض مصر وتمس بمصالحها الأساسية بغض النظر عن جنسيه مرتكب الجريمة.

العقوبة:-

وتهريب الآثار طبقا لاحترام التشريع المصري جناية يعاقب فاعلها ومن اشترك فيها بالأشغال الشاقة المؤقتة وبغرامه لا تقل عن خمسه ألاف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه بالإضافة إلى مصادره الأثر محل الجريمة وكذلك الأجهزة والأدوات والآلات والسيارات المستخدمة فيها لصالح الهيئة . ” م 41 من قانون حماية الآثار” .

المبحث الثالث التعامل غير المشروع على الآثار

تمهيد

لقد نص المشرع المصري في الفقرة الرابعة من المادة 43 على تجريم كل من يقوم باقتناء اثر والتصرف فيه خلاف ما يقضى به القانون .

نطاق التجريم :-

لم ينص صراحة المشرع المصري على تجريم المعاملات التي تتم على الأشياء الأثرية. إلا أن الفقرة الرابعة من المادة 43 من قانون الآثار يجرم التصرف في الأشياء الأثرية خلاف ما يقضى به القانون ويتبين من ذلك أن المشرع المصري قد اشترط لتحقيق الجريمة ضرورة اقتناء الأثر والتصرف فيه على خلاف القانون ومن ثم فعدم قيام الشخص بإخطار جهة الإدارة لا يعد معه الشخص مرتكبا للجريمة محل البحث .

وقد قضى تطبيقا لذلك أن ” واقعة عقاب الشخص وفق لنص المادة 43 من قانون الآثار تأسيسا على عدم إخطاره لجهة الإدارة بحيازته للأثر أمر معيب حيث أن المادة 43 جريمة تتعلق باقتناء الأثر والتصرف فيه على خلاف أحكام القانون وهذا السلوك يختلف عن سلوك عدم الإخطار الذي لم يؤثمه المشرع ”
(( نقض 10/1/1996 مجلة القضاة 1997 س 29 ص 731 ))
ومما لاشك فيه أن المشرع لم يحد المقصود بالتصرف أو الاقتناء إلا انه يفترض أن الاقتناء للأثر لابد أن يكون مشروعا ووفقا للقواعد المنصوص عليها في القانون ثم يقوم هذا الشخص بالتعامل على هذه الآثار بما يخالف القانون أو القواعد المنصوص عليها ويعد اقتناء الشخص للأثر مشروعا إذا كان سابقا على صدور هذا القانون وثم توفيق أوضاعه بحيث أصبحت حيازته تتفق مع إغراءات هذا القانون وقد قضى تطبيقا لذلك انه ” في حالة اتهام شخص بالاتجار في الآثار بدون ترخيص أن تبين محكمة أول درجة أن المتهم يحوز الآثار وانه قد تعامل بها على نحو يخالف القانون فإذا دفع المتهم انه يحوز هذه الآثار حيازة صحيحة لسبق تسجيله لها كاملة فان هذا الدفع يعد من الدفوع التي يجب على المحكمة أن ترد عليها خاصة وان هذا الحكم قد صدر في ظل قانون عام 1951 والذي كان يبيح حيازة الآثار فإذا أغفلت المحكمة الرد عليه فان هذا الحكم يكون معيبا متعينا نقضه ”
(( نقض 31/3/1969 أحكام النقض 1969 س 20 ص 437 ))

العقوبة :-

جعل المشرع المصري العقوبة في تلك الجريمة هي الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن سنتين وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين .

المبحث الرابع جريمة إتلاف وإزالة وتعيب الآثار

لقد خرج المشرع المصري على القواعد المقررة وقواعد الإتلاف حيث أجاز قيام الجريمة بالرغم من ملكية الشخص للأثر حيث أن الآثار التي يتم إصدار من رئيس مجلس الوزراء اعتبارها أثرية يجوز أن تظل على ملك صاحبها إلا انه بتسجيل هذا الأثر فان هذا المالك يلتزم بالمحافظة عليه وعدم
إحداث أية تغيير به وإذا كان المشرع المصري لم ينص صراحة على إمكانية وقوع جريمة الإتلاف من المالك الأصلي للأثر إلا انه يستدل على ذلك من عموم نص المادة 42 و 45 من قانون حماية الآثار والتي تجرم إتلاف أي اثر وحيث أن نص المادة الثانية من قانون حماية الآثار يعطى الحق في أن يظل الأثر تحت ملك صاحبه فانه يستفاد من ذلك جواز أن تقع جريمة الإتلاف من المالك لهذا الأثر .

السلوك الاجرامى :-

يأخذ السلوك الاجرامى لإتلاف الآثار صور الهدم والإتلاف العمدى وباستعراض هذه الألفاظ يتبين أنها تتفق في أنها تحدث ضررا بالأثر ولكنها تختلف في درجة الضرر فالأفعال التي تشكل الضرر الشديد للأثر تدخل في نطاق الهدم والإزالة حيث إن إزالة الشيء تنهى القيمة الحقيقية للأثر ويتحول الأثر إلى مجرد أنقاض أو أشياء لا يطلق عليها لفظ اثر .
أما فعل الإتلاف فيدخل في إطاره جميع صور السلوك التي من شأنها الإضرار بالشيء الأثري وجعله غير صالح وتعد من الألفاظ التي أوردها المشرع فيما يتعلق بهذه الجريمة من الاتساع الأمر الذي يفيد رغبته في أن تشمل المادة جميع الرسائل التي تؤثر على الشيء وتشكل له ضررا .
ويثور التساؤل في هذا الصدد عما إذا كان المشرع المصري قد اشترط أن يكون الإتلاف الذي يقع على الأثر كليا أم أن الإتلاف الجزئي يعد كافيا لقيام هذه الجريمة ؟
– بالرغم من إن النص القانوني لم ينص صراحة على المراد من الإتلاف بل ترك اللفظ يتصف بصفة العموم إلا انه في رأى بعض الفقه القول بان المشرع قد ساوى بين الإتلاف الجزئي والإتلاف الكلى لقيام هذه الجريمة ودليلهم في ذلك أن اللفظ جاء مطلقا ومن ثم فيجب أن يظل على إطلاقه كما انه من ناحية أخرى فان الإتلاف الكلى يعد بمثابة هدم للشيء الأثري ومن ثم فقيام المشرع بوضع عبارة الإتلاف كان يقصد بها الإتلاف الجزئي وليس الكلى و إلا اعتبر المشرع ما قرره المشرع من وضع لفظ ( هدم ) بمثابة تزيد منه .
أما بخصوص الركن المعنوي فيتطلب المشرع فيها القصد الجنائي العام المتمثل في العلم والإرادة كما بينا سابقا مضمونها .

العقوبة :-

كما نص المشرع في المادة 45 من قانون الآثار على عقاب حالات وضع الإعلانات على الأثر أو الكتابة أو النقش على الأثر أو وضع دهانات عليه أو القيا بتشويه أو إتلاف الأثر بطريق الخطأ بعقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة اشهر ولا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين .

المبحث الخامس جريمة التنقيب المخالف لقواعد الترخيص

لقد نص المشرع المصري على تجريم من يقوم بأعمال الحفر الأثري بدون ترخيص لذلك بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد عن سبعة سنوات وبالغرامة التي لا تقل عن 3000 جنيه ولا تزيد على 50000 ولقد ساوى المشرع في العقاب بين الفاعل و الشريك

الفصل الثاني الحلول التي نادي بها جانب كبير من الفقه لحماية الآثار الوطنية

إن حماية الممتلكات الثقافية والحضارية يتطلب السير في اتجاهين : الأول مادي ويشمل الترميم والصيانة المتواصلة والحماية والحفظ والتوثيق وإعداد الدراسات الاستكشافية والتحليلية وتأسيس المؤسسات أو المصالح المتخصصة في مجال الرعاية والحفظ والتوثيق والسهر على حماية الممتلكات الثقافية وتوفير العناصر البشرية والفنية ودعمها بالأموال المطلوبة للقيام بدورها.
الاتجاه الثاني قانوني: ويتعلق بإصدار وتطوير التشريعات القانونية من أجل الحفاظ على تلك الممتلكات الثقافية وربما إنشاء أجهزة أمنية وقضائية لتنفيذ ومتابعة تلك القوانين والحرص على سلامة المواقع الأثرية والتاريخية ومنع الاعتداء على الآثار وسرقتها وتخريبها أو الاتجار بها.

وتتبعا لتلك التشريعات نجد أن أغلبها ينص على عدم إتلاف الآثار العقارية أو المنقولة أو إلحاق الضرر بها أو تشويهها بالكتابة أو الحفر عليها أو تغير معالمها أو فصل جزء منها أو لصق الإعلانات عليها أو وضع اللافتات عليها وعدم التصرف فيها وعدم تصديرها إلى الخارج دون إذن من السلطات المختصة وأن التهاون في تطبيق العقوبات على الرغم
من ضعفها في بعض الأحيان يساهم بشكل كبير في ارتفاع حالات الاعتداء على الممتلكات الثقافية ناهيك في عدم وجود أجهزة أمنية متخصصة لحماية الممتلكات الثقافية ومتابعة العابثين والمهربين وغيرهم من ذوى النفوس المريضة
فعلى سبيل المثال أنشأت الجزائر جهاز تابع للشرطة متخصص لمكافحة سرقة الآثار استطاع خلال عام 2006 استرجاع أكثر من 1100 قطعة أثرية مسروقة.

وأخيرا إن حماية الممتلكات الثقافية سواء المادية أو الفكرية يعتمد بالدرجة الأولى على الوعي الاجتماعي بمدى أهميتها وقيمتها وما تشكله من ارث ثقافي وحضاري للمجتمع ككل.

إن مساهمة الجماهير في حماية ممتلكاتها بالحفاظ عليها من عبث العابثين والتعاون مع الجهات المختصة بالحماية يشكل عنصرا أساسيا في أي عمل يخدم تاريخ المجتمع إضافة إلى التسجيل والتوثيق محليا ودوليا لكل الموروثات الأثرية والثقافية وحصرها ودعم المؤسسات المسئولة عنها ماديا ومعنويا وبشريا للقيام بدورها في مجال حفظ وصيانة وترميم تلك المخلفات وإصدار التشريعات وتطويرها وربط التعاون مع المؤسسات الإقليمية والدولية في سبيل الحد من عمليات السطو والسرقة وإعادة ما تم سرقته أو نقله بطرق غير مشروعة.

إن حماية تراث المجتمع ليس عملا فرديا أو يتعلق بالمؤسسات المتخصصة في المجال الأثري والسياحي فحسب بل هي مسؤولية كافة أفراد المجتمع ومؤسساته فالمؤسسات التعليمية يمكن لها أن تسهم في تعليم وتثقيف أطفال المدارس وطلاب الجامعات بأهمية الممتلكات الثقافية للمجتمع وتدريبهم على كيفية المحافظة عليها من عبث العابثين والمخالفين لقوانين المجتمع.

كذلك يمكن لوسائل الإعلام المطبوعة والمرئية والمسموعة أن تسهم في توعية أفراد المجتمع بالحفاظ على أثار المجتمع وذلك من خلال القيام بالحملات الإرشادية حول أضرار سرقة الممتلكات الثقافية أو المتاجرة بها بطرق غير مشروعة وإبراز العقوبات القانونية للمخالفين والعابثين.

كما يكمن الدور الأكبر على المؤسسات الأمنية لمراقبة أماكن العبور كالمطارات والمواني ونقاط عبور الحدود البرية وغيرها مراقبة دقيقة واستخدام الأجهزة التقنية العالية للكشف عن الآثار المسروقة والمهربة للخارج والتعاون مع المؤسسات الدبلوماسية والشرطة الدولية لاسترجاع كافة الممتلكات الثقافية المسروقة والمنقولة خارج الوطن وفقا للاتفاقيات الدولية المشار إليها سابقا.
كما أنه يمكن تشكيل لجان بين الأقطار العربية عموما أو أقطار المغرب العربي للتعاون الأمني والمعلوماتي للتصدي لعصابات تهريب الآثار والاتجار بها دون علم الجهات المختصة , كما يجب أن تتضمن قوانين السياحة وزيارة المواقع الأثرية والتاريخية مواد واضحة للحد من السرقة وما يترتب عليها وأن تكون تلك العقوبات على شكل إرشادات وتحذيرات توضع في أماكن واضحة عند مداخل المواقع التاريخية والسياحية.
وخلاصة القول تجمع كافة التشريعات الدولية والوطنية على حماية الممتلكات الثقافية وتضع الأسس والمبادئ
القانونية لتنفيذ ذلك ومن ثم يبقى على الجهات التنفيذية المختصة أن تضع ضمن خططها وبرامجها كيفية تفعيل تلك التشريعات وتطبيقها بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والقضائية مع الحرص على التعاون لتوعية الجماهير بالمسؤولية الجماعية عن ذلك.

الخاتمة

كشفت هذه الدراسة أن التشريعات الجنائية الحديثة تعمل على تدعيم الحماية الجنائية للآثار .ويدخل ذلك في إطار ما أكدت عليه الكثير من النصوص والاتفاقيات الدولية من وجوب توفير حماية قانونية خاصة للآثار وتبين كيف أن القانون رقم 117 لسنة 1983 بشأن حماية الآثار المصرية يعبر بوضوح عن هذا الاتجاه فنص على صور كثيرة للجرائم الأثرية اشرنا إليها في فصل مستقل وكذلك نص على الإجراءات القانونية لحماية الآثار وذلك سواء عن طريق التجريم أو عن طريق العقوبة . وفى سياق الحديث عن أهمية الآثار بينا كيف أن أهمية الآثار بدأت من الصبغة الدينية ثم تطورت إلى أهميتها المادية وأخيرا وفى العصر الحديث كيف أن جميع الآثار في جميع البلاد التي تحوى أثارا تكتسب أهمية معنوية متمثله فيما تشكله هذه الآثار من قيمة حضارية وتاريخ الأمم السابقة . وعند الحديث عن تلك الأهمية وبمناسبة تواجدنا في بلد إسلامي تطرقنا إلى الحديث عن رأي علماء الدين في الموضوع بين مؤيد للحماية المقررة لها نظرا لأهميتها وبين معارض لها وبينا أن الراجح هو وجوب حماية تلك الآثار وجواز الاهتمام بها .