جريمة العنف الممنهج ضد المرأة في العراق

منال داود العكيدي
لم تكن رياح التغيير التي طالما تغنت بها الحكومات المتعاقبة التي قبضت على زمام السلطة في العراق سوى رياح شؤم للحلقات الاضعف والفئات الاوهن في المجتمع العراقي التي ما برحت ان تكون وقودا و قرابين تنحر تحت اعتاب ذلك التغيير المزعوم الذي يمعن في تهميشها و يفاقم في معاناتها فلم تكن المراة الا حصبا لتلك النار و ورقة رابحة في يد الساسة بل انها معطف نبيل يتلفعون به لتحقيق مكاسبهم المشروعة والمشبوهة .

فكل خطوة للامام تعيد وضع المراة خطوتين للخلف نحو تجسيد العنف وتكريس المعاناة تدعمها بذلك قوانين ساهمت بصورة مباشرة او غير مباشرة في تعزيز النظرة الدونية للمراة والتي جاءت بالتناغم مع الاعراف والتقاليد المتخلفة والتي مازالت تنظر اليها كسلعة تباع وتشترى في سوق النخاسة او هي عورة ينبغي ان تقبع في البيت لتذاق شتى صنوف العذاب والعنف و الاهانة بنفس راضية .

تلك الاوضاع ساهمت الى حد بعيد في زرع العراقيل في طريق نضال المراة نحو الانعتاق والخلاص من سطوة المجتمع الذكوري فراحت ضحية لانظمة سياسية وقانونية واجتماعية تمارس اساليب ممنهجة نأت بها عن المكانة الاجتماعية التي من المفترض ان تتبوأها لوضع بصمتها في الحياة وعلى كافة الاصعدة نتيجة النظام الابوي الصارم الذي فرض على غالبية نساء العراق على ان يقرن في بيوتهن لتلبية الحاجات الاسرية والتي تاتي من سيادة الافكار الاجتماعية والدينية المبنية على اساس الفهم الخاطئ لمكانة المراة التي تجعلها دائما في منزلة ادنى من الرجل وتسد عليها أي متنفس للحرية والسعي في سبيل نيل حقوقها المشروعة .

ان هذا الوضع خلف جيشا من النساء اللواتي ما زلن يناضلن في سبيل الانعتاق ونيل الحقوق الا ان كل ذلك يضمحل في مواجهة مجتمع جبل على الحط من شانها ابتداء من البيت الى العمل الى كافة مجالات الحياة فانى وجدت يكون العنف و التهميش رفقاء دربها رغم كل الدعوات النبيلة – او هكذا تبدو – المنادية بتحرير المراة ورفع كل صور العنف والاضطهاد عنها وتحسين اوضاعها الانسانية الا ان كل تلك الدعوات تاتي بنتائج عكسية ليكون لدينا عنف ممنهج واضطهاد مشرعن و اوضاع انسانية بائسة ومتردية .

وقد عرفت المادة الاولى من ” اعلان القضاء على العنف ضد المراة عام 1993 بانه (اي فعل عنيف تدفع اليه عصبية الجنس ويترتب عليه ، اذى او معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية او الجنسية او النفسية ، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل او القسر او الحرمان التعسفي من الحرية سواء حدث ذلك في الحياة العامة او الخاصة ” .

فهو يعبر عن كافة اشكال التمييز بين الرجل و المراة او كافة الاوضاع التي يمارس فيها الرجل سطوته بحيث يجعلها في موضع تبعية له.

وهذا التعريف ينطبق تماما على ما تتعرض له المراة العراقية من صنوف العنف العائلي والاجتماعي الذي يتمظهر باشكال عديدة ياتي في مقدمتها الايذاء الجسدي المباشر او الايذاء المعنوي كالاهانة و الاذلال والابتزاز وتشويه السمعة او قد يكون ذلك الايذاء تحت مباركة قانونية او اجتماعية او عرفية كضرب الزوجة للتاديب (استناداَ للمادة 41 /أ) او القتل غسلا للعار(استناداَ للمادة 128 ، 129 ، 130 ، 131 ) قتل الزوجة او احدى المحارم لأرتكاب الفاحشة ( استناداَ للمادة 409) و انتحار المرأة وعدم معاقبة من تسبب في انتحارها (استناداَ للمادة 408 / 1) اغتصاب المرأة وتخفيف العقوبة بعذر قانوني مخفف اذا تزوج الجاني من المجنى عليها (استناداَ للمادة 398) من قانون العقوبات العراقي النافذ.

او زواج الفصلية او ختان النساء الذي تقره بعض الاعراف الاجتماعية والقبلية وغير ذلك من الامثلة التي تزخر بها القوانين والاعراف الاجتماعية في العراق والتي تصب جميعها في دائرة العنف ضد المراة نتيجة التسلط الذكوري والعشائري الذي جعلها اسيرة لمعتقدات و اعراف بالية . وقد اوردت المادة الثانية من الاعلان بعض صور العنف الممارس ضد المرأة مثالا لا حصرا وكما ياتي:-
1-العنف البدني والجنسي والنفسي ضمن اطار الاسرة كالضرب والاعتداء الجنسي على اطفال الأسرة الأناث واغتصاب الزوجة وختان الأناث وغيره من الممارسات التقليدية المؤذية للمرأة والعنف غير الزوجي ، والعنف المرتبط بالأستغلال.

2-العنف البدني والجنسي والنفسي ضمن اطار المجتمع كالأغتصاب والتعدي الجنسي والمضايقة الجنسية والتخويف في مكان العمل وفي المؤسسات التعليمية و اي مكان آخر و الأتجار بالنساء.العنف البدني والجنسي والنفسي الذي ترتكبه الدولة او تتغاضى عنه اينما وقع.

3- ان مظاهر العنف الممارس ضد المراة العراقي بات يتخذ اساليب متعددة وخطيرة حولته من ظاهرة اجتماعية من الممكن تحجيمها والسيطرة عليها عن طريق ايجاد حلول جذرية قانونية او اجتماعية الى عنف ممنهج تمارسه جماعات متطرفة باسم الدين فتضع قوانين وضوابط وتفرض على مخالفيها الحد والعقوبة، بل ان دائرة العنف اخذت تتسع شيئا فشيئا لتصل الى حد الملبس و الماكل واسلوب المعيشة والخروج في الطريق العام ولم تعد تلك الممارسات حكرا على تلك الجماعات المتطرفة بل انها أي الجماعات فرضت ثقافتها المتخلفة على المجتمع فبات هو المعنف الاكبر والمضطهد الاوحد لكل ما هو انثوي وهذا برايي خطر يفوق خطر تلك الجماعات المتطرفة اذ لو تحول الى عادة فانه بذلك يكتسب الشرعية الاجتماعية ويتحول الى عرف تتناقله الاجيال.

ان الواقع المرير الذي تعيشه المراة العراقية الان لا يمكن ان يحل بالندوات او الاعلانات او الاجتماعات او الشعارات الرنانة التي تزين بها الخطب العصماء لتحقيق مآرب على حساب ارواح تئن تحت وطأته بل ان ذلك يستلزم استنهاض الهمم وشحن الطاقات والعودة الى الدين الاسلامي الحق الذي كرم المراة وبوأها مكانة رفيعة بين الخلائق ثم ياتي المخلوق ليحط من مكانتها ويحتقر ذاتها ويعنفها ويهينها، فعلينا اليوم ان نعيد ” تربية ” مجتمع كامل تثقف ثقافة الجهل والرجعية ونعيد بناء الانسان من جديد على قيم خلقية ومبادئ انسانية ودينية ترتقي به الى ارفع الدرجات وهذا يحتاج الى اعادة جدولة تلك المشاكل ووضع حلول استراتيجية وجذرية لا حلول ترقيعية انية نابعة من الايمان باهمية المراة ودورها في المجتمع وهذه المبادرة تاتي من تضافر جهود الجميع دون استثناء من الحكومة الى الاعلام الى رجال الدين الى المؤسسات التعليمية كي نصل الى القضاء نهائيا على العنف ضد المراة و ايقاف كافة اشكاله وصوره.