التنزيل أو الوصية الواجبة على ضوء قانون الأسرة والشريعة الإسلامية

تعريف الوصية :

الوصية هي الإيصاء , وتطلق لغة بمعنى العهد إلى الغير في القيام بفعل أمر حال حياته أو بعد وفاته , يقال أوصيت له أو إليه جعلته وصيا يقوم على من بعده وهذا اللفظ اشتهر فيه لفظ:الوصاية وتطلق أيضا على جعل المال للغير وصيت بكذا أو أوصيت بكذا أي جعلته له .

والوصية في اصطلاح الفقهاء تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع سواء كان المملك عينا أم منفعة فهي عقد أو تصرف في مال وقيل أنها الأمر بالتصرف بعد الموت وبالتبرع بمال بعد الموت وهي نظام قديم لكنه اقترن في بعض العهود بالظلم و الإجحاف فكان يوصى للأجنبي و يحرم الأولاد من حق الإرث
وجاء الإسلام فصحح وجهة الوصية على أساس الحق والعدل فألزم أصحاب الأموال قبل تشريع الميراث بالوصية للوالدين و الأقربين بقوله تعالى(كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ).
و قد عرفها المشرع الجزائري في المادة 169 من قانون الأسرة الجزائري ب( من توفي و له أحفاد وقد مات مورثهم قبله أو معه وجب تنزيلهم منزلة أصلهم في التركة بالشرائط التالية )

ومن خلال عبارات هذه المادة نستشف بعض النقاط التي أوردها المشرع وهي:

من توفي وله أحفاد وهنا المشرع يقصد تركة الجد بالنسبة للأحفاد
وله احفاد وهنا ذكر المشرع عبارة أحفاد والتي تعني لغة فرع الفرع من أولاد الأبناء وأولاد البنات على السواء
قد مات مورثهم قبله ويقصد هنا تاريخ وفات الأب سابق لتاريخ وفاة الجد بالنسبة للأحفاد أو معه
وجب تنزيلهم منزلة أصلهم في التركة وهنا جاءت عبارة الإلزام إذ انه كان سابقا قبل صدور قانون الاسرة غير وجوبيه بل جوازيا لكل جد أن يقرر قبل وفاته تنزيل أحفاده منزلة أصلهم ويكون التنزيل بالكتابة ولا يحتاج الى شكل رسمي وتقبل فيه شهادة الاقارب طبقا للمذهب المالكي أما في المذهب المالكي كان يخضع التنزيل للوصية الواجبة ملف 173556قراربتاريخ 25/11/1997مجلة قضائية لسنة 1997 عدد واحد صفحة 46
فكلمة وجب هي الكلمة التي حلت بها إرادة المشرع محل إرادة الجد أو الجدة حيث أنها جاءت بصيغة الوجوب فلا خيار لأي كان في التنزيل
وحينما نزلت آيات سورة النساء بتشريع المواريث تفصيلا قيدت الوصية المشروعة في الإسلام بقيدين:
1-عدم نفاذها للوارث إلا بإجازة الورثة لقوله صلى الله عليه وسلم في خطبة عام حجة الوداع ( إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ,فلا وصية لوارث ) أما الوالدين فصار لهما نصيب مفروض من التركة ,وصارت الوصية مندوبة لغير الوارثين .
2-تحديد مقدارها بالثلث لقوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص الذي أراد الايصاء بثلثي ماله أو شطره ,إذ لا يرثه إلا ابنة له الثلث والثلث كثير ,انك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ) وأما الزائد عن الثلث فهو من حق الورثة لا ينفذ تصرف المورث فيه إلا بموافقتهم و رضاهم

مشروعية الوصية :

أما من الكتاب فقوله تعالى ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت أن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ).
وقوله ( من بعد وصية توصون بها أو دين)
أما من السنة لقوله صلى الله عليه وسلم : (الثلث والثلث كثير ,انك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس )

الوصية الواجبة قانونا :
المستند الفقهي للوصية الواجبة و مسوغاتها :بينت أن الوصية للأقارب مستحبة عند الجمهور منهم أئمة المذاهب الأربعة ,ولا تجب على شخص إلا بحق لله أو للعباد
ويرى بعض الفقهاء كابن حزم الظاهري و الطبري وأبي بكر بن عبد العزيز من الحنابلة :أن الوصية واجبة ديانة و قضاء للوالدين والأقربين الذين لا يرثون لحجبهم عن الميراث أو لمانع يمنعهم عنه
وقد اخذ القانون المصري في المواد 76 إلى 79 وكذا القانون السوري في المادة 257 وكذا القانون الجزائري في المواد 169 إلى 172 من قانون الأسرة بالرأي الثاني فاوجب الوصية لبعض المحرومين من الإرث وهم الأحفاد الذين يموت آباؤهم في حياة أبيهم أو أنهم ماتوا ولو حكما
ففي نظام الإرث الإسلامي لا يستحق هؤلاء الأحفاد الميراث لوجود أعمامهم أو عماتهم على قيد الحياة
فستحدث القانون نظام الوصية الواجبة والتي لا تتوفر فيها مقومات الوصية لعدم الإيجاب والقبول فهي أشبه بالميراث وذلك لمعالجة المشكلة تماشيا مع روح التشريع الإسلامي

لمن تجب الوصية الواجبة:

في القانون المصري هي لأولاد الابن مهما نزلوا وللطبقة الأولى من أولاد البنات ,أو لفروع من مات مع أبيه أو أمه في حادث واحد , وللأحفاد الذين مات أبوهم أو أمهم حقيقة أو حكما
في القانون السوري اقصر الوصية الواجبة على أولاد الابن فقط ذكورا وإناثا دون أولاد البنت لان هؤلاء لا يحرمون من الميراث لوجود أعمامهم أو عماتهم إنما هم من ذوي الأرحام الذين يرثون في رأي الحنفية عند عدم وجود ذوي الفروض والعصبات
والأولى الأخذ بما ذهب إليه القانون المصري في التسوية بين فئتين من جنس واحد سواء لطبقة واحدة أو أكثر
أما في القانون الجزائري فمن خلال عبارات المواد المنظمة للتنزيل لم يذكر عبارة واحدة نستشف منها حصره للمنزل لهم في الحفدة من الذكور
1 ففي المادة 169 ذكر المشرع عبارة *وله أحفاد وقد مات مورثهم قبله أو معه* وعبارة مورثهم تحمل الأب والأم إذ كان عليه ذكر عبارة *وله أحفاد وقد مات أبوهم *وبهذا تكون نية المشرع واضحة في محاولة حصر المنزل لهم في أولاد ذكور دون أولاد الإناث
2 وفي الماد 170 يذكر المشرع عبارة الأحفاد وأصلهم والأصول تعني الأب والأم
3- أما في المادة 172 فقد أوضحت الأمر أكثر في قولها (أن لا يكون الأحفاد قد ورثوا من أبيهم أو أمهم ما لا يقل عن مناب مورثهم من أبيه أو أمه )ففي هذه المادة يصرح المشرع بأنه يقصد الأحفاد من الفرع الذكر ومن الفرع الأنثى فالمادة 172 قد فصلت بالنزاع بتفريدها لعبارة مورثهم وذكرت أبيهم وأمهم وكذلك عندما ذكرت أن التنزيل يكون للذكر مثل حظ الأنثيين
وقد ايدت المحكمة العليا هذا المفهوم في قرارها في الملف رقم 95385بتاريخ

شروط وجوب هذه الوصية :

اشترط القانون المصري والسوري لنفاذ هذه الوصية شرطين:
1-أن يكون فرع الولد غير وارث من المتوفى فئن ورث منه ميراثا ولو قليلا لم يستحق هذه الوصية
2-أن يكون المتوفى قد أعطاه ما يساوي الوصية الواجبة عن طريق الهبة أو الوصية فان أعطاه ما يستحقه بهذه الوصية فلا تجب له وان أعطاه اقل منها وجب له ما يكمل مقدار الوصية الواجبة وإذا أعطى بعض المستحقين دون البعض الآخر وجب للمحروم وصية بقدر نصيبه

أما القانون الجزائري فقد اشترط ما يلي :
1-أسهم الأحفاد تكون بمقدار حصة أصلهم لو بقي حيا
2-أن لا تتجاوز تلك الحصة الثلث
3-أن لا يكون هؤلاء الأحفاد وارثين للأصل جدا أو جدة وان لا يكون قد أوصى لهم أو أعطاهم في حياته بلا عوض مقدار ما يستحق بهذه الوصية فإذا كانت الوصية بأقل من ذلك وجب التنزيل بمقدار ما يتم به نصيبهم أو نصيب احدهم من التركة على أن لا يتعدى الثلث
4-أن لا يكون الأحفاد قد ورثوا من أبيهم أو أمهم ما لا يقل عن مناب مورثهم من أبيه أو أمه وفي هذا الشرط اختلاف بين القانون الجزائري والمصري والسوري اللذان اشترطا أن يكون الفرع غير وارث من المتوفى ولو ميراثا قليلا فهذا الميراث يحرمه التنزيل

مقدار الوصية الواجبة :

يستحق الأحفاد حصة أبيهم المتوفى لو أن أصله مات في حياته على أن لا يزيد النصيب عن الثلث فإذا زاد عنه كان الزائد موقوفا على إجازة الورثة
من مات عن ابن و بنتين وأولاد ابن متوفى في حياة أبيه فيستحق الأحفاد هنا ثلث التركة ومن توفى عن ابن و بنت توفيت في حياة أبيها يأخذ الأحفاد حسب القانون المصري لا السوري نصيب أمهم وهو هنا ربع التركة ومن مات عن ابن و بنت وأولاد ابن مات في حياة أبيه فيأخذون خمسا (2من5) التركة هو أكثر من الثلث فلا يأخذون إلا الثلث وحسب القانون المصري الوصية الواجبة مقدمة على غيرها في الاستيفاء من ثلث التركة

طريقة استخراج الوصية الواجبة :

هي أن يفرض المتوفى في حياة والده حيا و يعطى نصيبه ثم يخرج ذلك النصيب من التركة بشرط ألا يزيد على الثلث ويعطى للأحفاد ثم يقسم باقي التركة بين الورثة من غير نظر إلى الولد المتوفى الذي فرض حيا
كان يتوفى شخص ويترك ثلاثة أبناء و بنت ابن متوفى و أبا وأما يفرض أولا وجود الابن الذي توفي في حياة أبيه فيكون للأب السدس وللام السدس ولكل واحد من الأبناء الأربع السدس ثم يخرج نصيب الابن المتوفى من أصل التركة فيعطى لبنته وصية واجبة ثم يقسم باقي التركة على الورثة الموجودين بالفعل حسب الفريضة الشرعية فيكون للأب سدس الباقي وللام مثل ذلك ويوزع ما بقي بين الثلاثة أثلاثا