وقف الاحزاب وحلها اداريا في الدول المقارنة

إعادة نشر بواسطة محاماة نت
المؤلف : ميثم حنظل شريف
الكتاب أو المصدر : التنظيم الدستوري والقانوني للاحزاب السياسية في العراق

تبنى المشرع الفرنسي في قانون الجمعيات الصادر عام 1901 مبدأ هاماً مفاده ان الادارة ليس لها صلاحية حل الجمعيات ، حيث يختص بذلك القضاء بعد ان يتأكد من قيام احد الاسباب التي تكفل القانون بتحديدها . وقد اشارت م(7) الى تنظيم الحل القضائي ، وله حالتان يكون في احدهما وجوبياً للقاضي اذا كانت الجمعية باطلة لاحد الاسباب المنصوص عليها في م (3) من القانون ، وهي تأسيسها بالاستناد الى سبب مخالف للقوانين او الآداب العامة ، او الى غرض غير مشروع ، او بقصد تهديد سلامة الاقليم او الشكل الجمهوري للحكومة ، ويكون في الحالة الثانية جوازي إذا كان القائمون على تأسيس الجمعية لم يراعوا اجراءات الاشهار المنصوص عليها في م(5) ، وتختص المحاكم المدنية في كلتا الحالتين باعلان الحل بناءً على طلب كل ذي مصلحة او النيابة العامة ، ويجوز للمحكمة ان تأمر بأغلاق مقرات الجمعية ومنع اعضائها من الاجتماع (1) . واستثناءً من الاحكام المتقدمة فقد اجاز المشرع الفرنسي الحل الاداري للجمعيات الاجنبية الخاضعة للترخيص (2).

فضلاً عما تضمنه قانون 10/1/1936 من جواز حل الجمعيات التي تحرض على المظاهرات المسلحة او التي لها صفة شبه عسكرية ، ويتم الحل في مثل هذه الحالات بإصدار مراسيم من مجلس الوزراء مع اخضاعها لولاية مجلس الدولة الفرنسي عن طريق الطعن بتجاوز السلطة (3). وقد ادى استخدام الحكومة وبشكل متكرر لنظام الحل الاداري الى صدور عدة احكام عن مجلس الدولة الفرنسي ساهمت بشكل فاعل في وضع ضوابط لهذا الاجراء فلا يكون الحل الاداري للجمعية او الحزب مشروعاً الا اذا استخدم لمواجهة احدى الحالات الآتية :

1. ان يثبت استخدام الجمعية والحزب للقوة او التحريض على اللجوء اليها .

2. ان يثبت قيامها بما يشكل تهديداً لسلامة الاقليم او الشكل الجمهوري لنظام الحكم (4). .

اما موقف المشرع المصري من نظامي الوقف والحل الاجباري فقد اشارت اليه م(17) من قانون الاحزاب السياسية رقم (40) لسنة 1977 التي نصت على ان (( يجوز لرئيس لجنة شؤون الاحزاب السياسية – بعد موافقتها – ان يطلب من المحكمة الادارية بتشكيلها المنصوص عليه في م(8) الحكم بصفة مستعجلة بحل الحزب وتصفية امواله وتحديد الجهة التي تؤول اليها هذه الاموال وذلك اذا ثبت من تقرير المدعي العام الاشتراكي بعد التحقيق الذي يجريه تخلف او زوال أي شرط من الشروط المنصوص عليها في م(4) من هذا القانون . . . . )) . ولم يسلم موقف المشرع المصري هذا من النقد الذي انصب على غلبة العناصر الحكومية في لجنة شؤون الاحزاب السياسية ، والتشكيل الخاص للمحكمة الادارية العليا فضلاً عن جعل مصير الاحزاب السياسية رهن ارادة موظف اداري تابع لمجلس الشعب هو المدعي العام الاشتراكي بدلاً من الاستناد الى حكم قضائي نهائي بإدانة الحزب السياسي (5) . ونظمت المادة ذاتها اجراء وقف الحزب حيث نصت على ان (( . . . ويجوز للجنة شؤون الاحزاب السياسية لمقتضيات المصلحة العامة القومية العليا وقف اصدار صحف الحزب او نشاطه او أي قرار او تصرف مخالف اتخذه الحزب وذلك في الحالة المبينة في الفقرة الاولى من هذه المادة . . . . او في حالة ما اذا ثبت لدى اللجنة من تقرير المدعي العام الاشتراكي المشار اليه في الفقرة الاولى خروج أي حزب سياسي او بعض قياداته او اعضائه على المبادئ المنصوص عليها في المادتين ( 3 او 4 ) من هذا القانون . . . وينفذ قرار الايقاف من تاريخ صدوره . . . . )) .

يتضح من نص م(17) ان المشرع المصري لم يمنح لمحكمة القضاء الاداري او للمحكمة الادارية العليا اختصاص وقف نشاط أي حزب سياسي وانما جعل هذا الاختصاص مقصوراً على لجنة شؤون الاحزاب السياسية . وقد اجازت ف(5) م(17) الطعن في قرارات لجنة شؤون الاحزاب السياسية لدى المحكمة الادارية العليا ، غير ان شمول قرار اللجنة بوقف صحف الحزب او قراراته بالنفاذ المعجل من شانه الاضرار بمصالح الاحزاب السياسية فضلاً عما يمثله من تقييد لنشاطها وكان الاجدر بالمشرع المصري ان ينص على اضفاء صفة الاستعجال فيما يتعلق باختصاص المحكمة الادارية العليا في النظر بالطعون المقدمة ضد قرارات الوقف كما هو الحال بالنسبة لاختصاصها في حالة الحل (6).

اما قانون الاحزاب السياسية الاردني رقم (32) لسنة 1992 فقد اناط الاختصاص في وقف الحزب او حله الى محكمة العدل العليا حيث اشارت الى ذلك م(25) حينما نصت على ان (( أ . يجوز حل الحزب بقرار من المحكمة بناء على دعوى يقدمها الوزير اذا خالف الحزب أي حكم من احكام الفقرتين (2) و (3) من المادة (16) من الدستور او اخل باي حكم جوهري من احكام هذا القانون ، ويجوز للمحكمة ان تصدر قراراً بايقاف الحزب عن العمل بناء على طلب يقدمه الوزير اليها ويعتبر قرار وقف عمل الحزب ملغي اذا لم يقم الوزير دعوى طلب حل الحزب خلال مدة (8) ايام من تاريخ تبليغه ذلك القرار . ب . تصدر المحكمة حكمها النهائي في أي دعوى تقام بموجب هذه المادة خلال مدة لا تزيد على (60) يوماً من تسجيل الدعوى لديها )) . ويلاحظ من هذا النص ان المشرع الاردني قد ربط بين كل من نظامي الوقف والحل حيث اشترط لاستمرار نفاذ قرار الوقف اقامة دعوى طلب حل الحزب السياسي، وحسناً فعل المشرع الاردني بتحديده مدة (8) ايام لا قامة الدعوى لان القول بغير ذلك يفضي الى منح الادارة فرصة لوقف نشاط الاحزاب للمدة التي ترتضيها . واشار قانون الاحزاب والتنظيمات السياسية اليمني رقم (66) لسنة 1991 الى منح القضاء سلطة وقف الاحزاب وحلها حيث بينت ذلك م(34) حينما نصت على ان (( . . . . لا يجوز حل الحزب او التنظيم السياسي او وقف نشاطه او أي قرار من قراراته الا بموجب حكم قضائي بناء على طلب مسبب يتقدم به رئيس لجنة شؤون الاحزاب والتنظيمات السياسية بعد موافقة اللجنة الى المحكمة المختصة لحل الحزب او التنظيم وتصفية امواله وتحديد الجهة التي تؤول اليها تلك الاموال وذلك لاحد الاسباب التالية :

اولاً : فقد شرط من شروط التأسيس المنصوص عليها في م(8) من هذا القانون.

ثانياً : ارتكاب الحزب او التنظيم لاي من المحظورات المنصوص عليها في م(33) (7). كما يجوز لرئيس اللجنة بعد موافقة اعضائها ان تطلب من تلك المحكمة المختصة وبصفة مستعجلة وقف نشاط الحزب او التنظيم او أي قرار من قراراته لاحد الاسباب المبينة بهذه المادة وذلك الى حين الفصل في طلب الحل وتعلن عريضة الطلب في أي من الحالات السابقة شاملة الاسباب التي تستند عليها الى رئيس الحزب او التنظيم خلال (48) ساعة من تاريخ ايداعها قلم كتاب المحكمة ويجب على المحكمة ان تفصل خلال (15) يوماً في طلب وقف نشاط الحزب او التنظيم او أي من قراراته وعلى ان تفصل في طلب الحل خلال مدة لا تزيد على (90) يوماً من تاريخ اعلان اللجنة لرئيس الحزب او التنظيم بالطلب )) .

ويبدو ان صياغة نص م (17) قد اكتنفها شيء من التناقض ، فبعد ان اجاز المشرع لرئيس لجنة شؤون الاحزاب والتنظيمات السياسية بعد موافقة اعضائها ان تطلب من المحكمة وقف نشاط الحزب او أي قرار من قراراته الى حين الفصل في طلب الحل وحدد مدة لا تزيد على (90) يوماً للفصل في هذا الطلب تبدأ من تاريخ اعلان اللجنة لرئيس الحزب بالطلب ، عاد المشرع وحدد للمحكمة مدة (15) يوماً للفصل في طلب وقف الحزب .

لذلك نرى ان يبادر المشرع اليمني الى حذف عبارة (( وذلك الى حين الفصل في طلب الحل )) حتى يرتفع التناقض ويستقيم المعنى . اما قانون الاحزاب السياسية الجزائري رقم (9-97) لسنة 1997 فقد اشار في م(37) الى عدم جواز وقف الحزب او حله او غلق مقراته الا بحكم قضائي تصدره الجهة القضائية لمدينة الجزائر بدعوى من الوزير المكلف بالداخلية على ان تفصل هذه الجهة في الدعوى خلال شهر من تاريخ اقامتها ، ويكون قرارها قابلاً للاستئناف لدى مجلس الدولة الذي يتعين عليه البت في هذا الطعن خلال شهر من تاريخ الاستئناف . وبعد ان بحثنا موضوع القيود الواردة على نشاط الاحزاب السياسية نود ان نورد الملاحظات الآتية :

1. لاحظنا ان القوانين العراقية منحت وزارة الداخلية حق الرقابة والاشراف على نشاط الاحزاب السياسية دون ان تتبنى ضمانات جدية في مواجهة سلطاتها باستثناء قانون الجمعيات رقم (1) لسنة 1960 الذي نظم حق الطعن القضائي في قرارات وزير الداخلية ، في حين وجدنا ان المشرع في كل من مصر واليمن قد منح لجنة مختصة بشؤون الاحزاب صلاحية فرض الرقابة والاشراف على نشاط الاحزاب السياسية ، كما منح كل من المشرع الاردني واليمني لمقرات الحزب ومراسلاته واتصالاته حصانة في مواجهة اجراءات التفتيش والمراقبة.

2. منحت القوانين العراقية للادارة حق حل الاحزاب السياسية باستثناء قانون الجمعيات رقم (1) لسنة 1960 الذي اناط هذا الاختصاص بالقضاء في حين لم تتطرق هذه القوانين الى نظام وقف الحزب .

اما القوانين المقارنة فقد اجمعت على منح القضاء صلاحية حل الاحزاب السياسية. ونرى ان يبادر المشرع العراقي الى اناطة اختصاص حل الاحزاب السياسية الى القضاء وحصر سلطة الادارة بمجرد تقديم طلب الحل .

____________________________________

1- د. سعد عصفور ، حرية تكوين الجمعيات ، المصدر السابق ، ص143 .

2- م (24) من قانون الجمعيات 1901 .

(3) Claude –Albert Colliard ، op. cit ، P 760 .

4- وردت هذه الضوابط في احكام مجلس الدولة الفرنسي التي صدرت في الطعون المقدمة اليه ضد قرارات الحل الصادرة عن الحكومة في عام 1968 وما بعدها ، ففي 12/6/1968 اصدرت الحكومة مرسوماً حلت بموجبه (11) تنظيماً اما مرسوم 31/8/1968 فقد حل الجمعية المسماة (( Occidental )) في حين تضمن المرسوم الصادر في 27/5/1970 حل التجمع المسمى بـ (( اليسار البروليتاري )) . Claude-Albert Colliard، P760-762.

5- د. وحيد رأفت ، المصدر السابق ، ص33 . كذلك : د. ابراهيم عبد العزيز شيحا ، المصدر السابق ، ص545-547.

6- د. حسن البدراوي ، المصدر السابق ، ص499-500 . كذلك : د. ابراهيم عبد العزيز شيحا ، المصدر السابق ، ص550-551 .

7- تنص م (33) على ان (( يجب على كل حزب او تنظيم سياسي ان يتقيد في ممارسته لنشاطه بما يلي :

1. عدم المساس بعقيدة الشعب الاسلامية .

2. عدم تبني أي شكل من اشكال الحكم البائد الملكي والسلاطيني وتحريم أي نشاط يناهض اهداف الثورة اليمنية والنظام الجمهوري والوحدة الديمقراطية .

3. عدم الاخلال بالامن والنظام العام او الاقدام على التآمر والعنف او التحريض عليه .

4. عدم المساس بحيادية الوظيفة العامة . . . .

5. عدم القيام باستقطابات حزبية وفقاً للفقرة (4) من المادة (10) من هذا القانون .

6. عدم استخدام المساجد والمنشآت التعليمية والحكومية لممارسة النشاط الحزبي او الدعاية لصالح او ضد أي حزب او تنظيم سياسي )) .