ان الشخص غير المقيم غالباً مايكون خارج الاقليم العراقي، وهنا يطرح تساؤل، كيف يمكن للسلطة المالية ان تجبي من غير المقيم الضريبة المترتبة بذمته وخاصة اذا ماعلمنا ان دين الضريبة محمول لامطلوب؟ بعبارة اخرى ماهي الاجراءات التي تتبعها السلطة المالية لكي تحصل بموجبها على ايرادها من الضريبة من المدين بها؟ عند الرجوع الى نصوص قانون ضريبة الدخل العراقي رقم 113 لسنة 82 المعدل فيما يخص جباية الضريبة، نجدها انها نصوص عامة تنطبق على المكلف سواء كان مقيماً او غير مقيم(1). فقد جاء في القانون [على السلطة المالية ان تبلغ المكلف خطياً…](2). فالمشرع الضريبي تطلب اولاً تبليغ المكلف لغرض دفع الضريبة المترتبة عليه. وعليه نجد ان اجراءات جباية الضريبة تبدأ بتبليغ المكلف. ولو ان المشرع العراقي القى مسؤولية تقدير دخل غير المقيم وجباية الضريبة منه، على الشخص المقيم في الاقليم العراقي. ان التبليغات تعد مرحلة مهمة في مجال استيفاء دين الضريبة فلكي يقوم المكلف بتسديد الضريبة، يجب ان يكون على علم بنشوء دين الضريبة في ذمته ومقدار هذا الدين. ويكون ذلك عن طريق تبليغه من قبل السلطة المالية بالمبلغ المطلوب منه تسديده. وحتى نستطيع ان نحيط بهذا الموضوع يتوجب علينا ان نتناول تبليغ المكلف في الفرع الاول اما الفرع الثاني سيتضمن طرق تبليغ المكلف.

الفرع الأول : تبليغ المكلف :

تبرز التبليغات (الاخطارات) في التشريع الضريبي، كونها مرحلة هامة في مجال استيفاء دين الضريبة، فالتبليغ يعدّ مفتاح التحصيل. فلكي يتم تحصيل دين الضريبة يجب ان يكون المكلف على علم بمقدار الضريبة المترتبة عليه ليبادر الى تسديدها في الوقت المناسب، ومن جهة اخرى فان حق المكلف بالاعتراض على تقدير الضريبة ينتهي بانقضاء المدة القانونية المحددة لذلك وهي (21) يوماً، والتي يبدأ حسابها من تاريخ تبلغ المكلف بمقدار الضريبة(3). ولكن ماهو مضمون الاخطار او التبليغ الموجه الى المكلف غير المقيم؟ للاجابة نقول ان قانون ضريبة الدخل العراقي رقم 113 لسنة 82 المعدل، لم يبين مايجب ان يحتويه الاخطار من بيانات ومعلومات تبليغ الى الشخص المراد تبليغه. وانما اكتفى بالنص على وجوب قيام السلطة المالية بتبليغ المكلف خطياً بدفع الضريبة معينة مقدارها وتاريخ استحقاقها(4). مما يتوجب علينا الرجوع الى القوانين ذات الصلة بهذا الموضوع وهو قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 69 المعدل كونه المرجع لقوانين الاجراءات كافة(5). وبالرجوع الى هذا القانون، نجد انه حدد عدداً من البيانات يجب ان تشتمل عليها ورقة التبليغ(6). ومن خلال القانون نفسه(7)، نجد ان تخلف احد البيانات الواردة فيها يخل في صحة التبليغ بما يمكن ان يطعن من له مصلحة في ذلك. وهنا نقف امام سؤال يطرح هل سار قانون ضريبة الدخل العراقي بالمسار نفسه الذي سار به قانون المرافعات المدنية العراقي فيما يخص نقص البيانات في ورقة الاخطار؟ ان القانون الضريبي يتميز بذاتيته واستقلاله ولذلك لم يشأ ان يقيد السلطة المالية باجراءات التبليغ التي فرضها قانون المرافعات المدنية اذ ان الخطأ او السهو غير المقصود في اسم المكلف او لقبه او نوع دخله لايؤدي الى بطلان الاخطار، اذا كان هذا الخطأ لايؤثر من حيث النتيجة في التقدير(8). وهنا نجد ان المشرع يعد الخطأ في اهم بيان في الاخطار وهو اسم المكلف- غير مبطل للاخطار وهنا نطرح تساؤلاً، كيف يستطيع المكلف انه هو المخاطب بهذا الاخطار اذا كان لايحمل اسمه، مما قد يدفعه انه ليس هو المقصود بهذا الاخطار وبالتالي عدم دفع الضريبة المترتبة عليه؟ بينما المشرع يعدّه مبلغاً وبالتالي ترتيب جميع الاثار القانونية للاخطار!

الفرع الثاني : طرق تبليغ المكلف :

اورد قانون ضريبة الدخل العراقي، ثلاث طرق لتبليغ المكلف بمقدار الضريبة وتاريخ استحقاقها والمعلومات الاخرى التي يقتضي تبليغها. وتجدر الاشارة هنا، ان المشرع الضريبي لم يدخل في تفاصيل التبليغ وطرقه تاركاً ذلك الى اصول التبليغ القانوني الوارد في قانون المرافعات المدنية. ويبدو هذا الموقف، موقفاً ايجابياً لان ذلك ليس من شأن القانون الضريبي. وهذه الطرق هي:-

اولاً: الطريقة الاولى:- بموجب هذه الطريقة تطلب المشرع العراقي ان يتم تسليم الاخطار والاستمارات الاخرى الى المخاطب نفسه (المكلف) او احد مستخدميه (بفتح الدال) في محل عمله او احد افراد عائلته الساكنين معه وفق اصول التبليغ القانونية(9). هذا يعني ان الاخطار يمكن ان يتم تبليغه الى احد افراد اسرته كزوجته او ولده فهذا كافٍ لصحته وهذا هو اتجاه قانون المرافعات المدنية العراقي نفسه. لكن المشرع مع ذلك اشترط في هؤلاء ان يكونوا مقيمين مع من تبلغوا نيابة عنه يوم التبليغ. ويلاحظ هنا ان لجنة التدقيق في احد سوابقها اعتبرت ان التبليغ يعد صحيحاً متى سلمت الى احد من المتقدم ذكرهم ولو لم تصل ورقة التبليغ (الاخطار) بالفعل الى الشخص المخاطب(10).

ثانياً: الطريقة الثانية:- وبموجب هذه الطريقة يتم تبليغ المخاطب (المكلف) من خلال ارسال الاخطار والاستمارات الاخرى عن طريق البريد المسجل. وترسل حسب عنوان المكلف المسجل لدى السلطة المالية. واعتبر المشرع ان التبليغ صحيحٌ وحاصلٌ بمجرد تسجيل الرسالة بالبريد وان تكون حاملة عنوان مخاطبها الصحيح. ويلاحظ ان المشرع الضريبي العراقي فرق بين حالتين فيما يخص تبليغ المخاطب بالبريد المسجل، الحالة الاولى هي وجود المخاطب داخل العراق فقد اعتبر المشرع ان الرسالة مبلغة له بعد اربعة عشر يوماً من تاريخ تسجيلها، الحالة الثانية: هي حالة الشخص الساكن خارج العراق فيعد مبلغاً بعد ستين يوماً من تاريخ تسجيل الرسالة بالبريد(11).

ثالثاً: الطريقة الثالثة:- هذه الطريقة نص عليها قانون ضريبة الدخل العراقي بقوله “على السلطة المالية ان تبلغ المكلف خطياً بدفع الضريبة معينة مقدارها وتاريخ استحقاقها، ويعتبر توقيع المكلف على مذكرة التقدير تبليغاً له بالدفع”. واتباعاً لذلك، فقد يراجع المكلف احد دوائر الضريبة بغية تسديد الضريبة التي بذمته، فيقوم ممثل السلطة المالية (المخمن) بتقدير دخله ومن ثم تحديد دين الضريبة، فاذا تم التقدير وكان المكلف حاضراً ووقع على المذكرة الخاصة بالتقدير، فيعد هذا التوقيع بمثابة تبليغ بمقدار الضريبة الواجب عليه دفعها وتاريخ استحقاقها، ومن ثم فان التبليغ يعتبر سارياً من تاريخ توقيع المكلف على مذكرة التقدير. ويلاحظ هنا ان النص القانوني قد جاء مطلقاً وبالتالي فان توقيع المكلف سواء كان بقبول التقدير او رفضه، فانه يعتبر تبليغاً له. وعليه اذا قبل المكلف التقدير فعليه ان يبادر الى تسديد دين الضريبة خلال المدة القانونية، اما اذا كان توقيعه بالرفض فيحق له الاعتراض واتباع طرق الطعن القانونية(12). ولابد ان نذكر هنا ان قانون ضريبة الدخل العراقي رقم 113 لسنة 82 المعدل قد احال جباية الضريبة من المدين بها على قانون تحصيل الديون الحكومية رقم 56 لسنة 1977(13). فاذا لم يبادر المكلف (المدين) بتسديد مابذمته من ضريبة مستحقة للسلطة المالية في الموعد المحدد وهو (21) يوماً من تاريخ تبليغه بالتسديد، فان هذا المدين يبلغ بوجوب الدفع خلال (10) ايام ابتداءً من اليوم التالي لتبليغه بالانذار، والا فسيتم اتخاذ الاجراءات القانونية بحقه من حجز وبيع لامواله (14).

_________________

[1]- يلاحظ ان المشرع العراقي أورد نصاً خاصاً فيما يخص تقدير الضريبة وجبايتها من أصحاب ومستأجري وسائط النقل البحرية والبرية والنهرية عند اشتغالها في العراق أو وصولها مدينة أو ميناء في العراق. فاعتبر المشرع اذا لم يكن لصاحب واسطة النقل وكيل في العراق يعتبر أو سائقها وكيلاً لصاحبها أو مستأجرها. فما عدا هذا النص الخاص نجد بقية النصوص عامة تشمل المكلف المقيم أو غير المقيم.

2- المادة (44) من قانون ضريبة الدخل العراقي رقم 113 لسنة 82 المعدل.

3- الفقرة (1) من المادة (43) من قانون ضريبة الدخل العراقي رقم 113 لسنة 82 المعدل.

4- المادة [44] من قانون ضريبة الدخل العراقي رقم 113 لسنة 82 المعدل.

– نصت المادة الاولى من قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 69 المعدل على “يكون هذا القانون هو المرجع لقوانين المرافعات والاجراءات كافة اذا لم يكن فيها نص يتعارض معه صراحة”.

6- المادة (16) من قانون المرافعات المدنية العراقي رقم 83 لسنة 69 المعدل.

7- المادة (16) من قانون المرافعات المدنية العراقي رقم 83 لسنة 69 المعدل والتي تطلبت توفر البيانات التالية في ورقة التبليغ على سبيل المثال: بيان المحل الذي يختاره الطالب لغرض التبليغ، اسم القائم بالتبليغ وتوقيعه.

8- نصت المادة (43) من قانون ضريبة الدخل العراقي رقم 113 لسنة 82 المعدل على “لايبطل الاخطار والاستمارات والمعاملات التي اجريت وفق احكام هذا القانون لنقص في شكلها او خطأ او سهو لايخل بما كان مقصوداً منها ولايمنع العلم بهوية الشخص المخاطب بها ولايبطل التقدير ايضاً لخطأ في اسم المكلف او لقبه او نوع دخله او مقدار الضريبة المفروضة عليه او لوجود اختلاف بين التقدير والاخطار غير مؤثر من حيث النتيجة على البيانات التي استند اليها التقدير”.

9- الفقرة (1) من المادة (42) من قانون ضريبة الدخل العراقي رقم 113 لسنة 82 المعدل.

0[1]- قرار لجنة التدقيق الثالثة، المرقم (99) في 3/5/1978- الهيئة العامة للضرائب- الكتاب السنوي- 1981- ص241.

1[1]- الفقرة (2) من المادة (42) من قانون ضريبة الدخل العراقي رقم 113 لسنة 82 المعدل. ونعتقد هنا ان المشرع الضريبي العراقي لم يكن موفقاً فيما يخص تبليغ المكلف وهو خارج العراق، فالمشرع اعطى مدة قدرها ستة اشهر لغرض تبليغ المكلف، ونجد ان هذه الفترة طويلة ومما يؤدي اطالة تحصيل دين الضريبة وقد تصطدم السلطة المالية بعقبة اخرى وهي ان عنوان المكلف قد يكون مجهولاً وبالتالي ماهو الحل هنا؟ ولذلك نرى ان المشرع العراقي مادام قد القى المسؤولية في تقدير وتحصيل الضريبة على عاتق المقيم فنجد انه من الاجدى ان يتم تعديل القانون على ان يتم تبليغ المقيم بدلاً من غير المقيم وبالتالي يسهل عملية تحصيل الضريبة وهذا ماتبتغيه السلطة المالية.

2[1]- وطرق الطعن القانونية هي:

1- الاعتراض على التقدير (المادة 33 و34) من قانون ضريبة الدخل.

2- الاستئناف (المادة 35 و36) من قانون ضريبة الدخل العراقي.

3- التمييز امام هيئة التمييز، المادة (40) من قانون ضريبة الدخل.

3[1]- جاء في المادة (1) من قانون تحصيل الديون الحكومية رقم 56 لسنة 77 والمنشور في الوقائع العراقية بالعدد 2585 في 2/5/1977 [يطبق هذا القانون في تحصيل المبالغ والفوائد والاضافات والغرامات، فيما يتعلق بالمبالغ التالية: 1- الضرائب والرسوم…].

4[1]- انظر المادة (3) من قانون تحصيل الديون الحكومية رقم 56 لسنة 77 وكذلك: المادة (5) من قانون تحصيل الديون الحكومية 56 لسنة 77.

المؤلف : خيري ابراهيم مراد
الكتاب أو المصدر : المعاملة الضريبية للشخص غير المقيم في قانون ضريبة الدخل العراقي

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .