ديوان المراقبة العامة وهدر قطاع مراجعة الشركات
أريد من ديوان المراقبة العامة، بل من كل موظفي الديوان، أن يقدموا دليلا ”علميا” – وأشدد على كلمة علمي – يؤيد تخصيص قطاع كامل في الديوان لمراجعة شركات القطاع الخاص التي تمتلك الحكومة حصة فيها وأنه (ذلك التخصيص) ذو جدوى، بمعنى أن منافعه أكبر من تكلفته. فديوان المراقبة العامة وفقا للمادة الأولى من لائحة رقابة المؤسسات الخاصة والشركات يختص بفحص ومراجعة حسابات الشركات التي تسهم فيها الحكومة بما لا يقل عن 25 في المائة، وذلك للتحقق من أنها تقوم بتطبيق الأنظمة واللوائح المالية والحسابية التي تخضع لها وفقا لأنظمتها الخاصة تطبيقا كاملا، وأنه ليس في تصرفاتها المالية ما يتعارض مع تلك الأنظمة واللوائح. ثم ذهبت اللائحة في تقديم أمثلة منها فحص الحسابات الختامية والميزانية العمومية للتأكد ”من أنها تعبر تعبيرا صحيحا” عن صافي الأرباح أو الخسائر أو فائض الإيرادات عن المصروفات أو عجزها في كل سنة مالية، وعن المركز المالي الحقيقي للمؤسسة أو الشركة.

المشكلة عندي أن كل هذا العمل يقوم به مراجع الحسابات الخارجي وبكفاءة أعلى وتكلفة أقل. كما أن اللائحة نفسها تؤيد ذلك وتعترف بأهمية تقارير مراقبي الحسابات، وأهمية بحث تحفظاتهم. فلماذا يكرر الديوان عملا قد تم تقديم تقرير عنه من خبير مختص. أليست الدولة جزءا من المساهمين والجمعية العمومية في هذه الشركات وقد صوت ممثل الدولة على تعيين المراجع الخارجي، فلماذا تقوم الدولة بتعيين مراجع آخر من لدنها؟ أليس هذا هدرا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى؟

حتى لو قبلنا جدلا بأهمية عمل الديوان في مراجعة حسابات هذه الشركات، فاللائحة قديمة جدا ولم تزل ترى المراجعة بأنها التأكد من ”صحة” رقم صافي الأرباح والمركز المالي، فجميع من له علاقة بعمل المراجعة يعرف تماما أن مراجعة القوائم المالية للشركات تجاوزت قضية العرض ”الصحيح” (وقد افترضت هنا أن كلمة ”العرض” ترادف كلمة ”التعبير” والتي استخدمتها اللائحة”. فقد فهم المختصون في هذا العلم ومنذ زمن بعيد أن العرض ”الصحيح” غير ممكن وتم استخدام عبارة العرض ”العادل” بدلا من ذلك، ثم تغيرت المهنة منذ عقود خلت لتركز على ”مراجعة النظم”، ثم المراجعة بقياس المخاطر، وأخيرا المراجعة بقياس مخاطر الأعمال، فالجدوى من مفاهيم المراجعة التي يستخدمها الديوان لمراجعة هذه الشركات قد انتهت منذ أكثر من 30 عاما.

المادة الرابعة من اللائحة تنص على أن ”لديوان المراقبة العامة” أن يرسل مندوبا أو أكثر لمناقشة ملاحظاته المعروضة في اجتماعات الجمعيات العامة العادية للمساهمين. يلاحظ عبارة ”للديوان” وهي تشير إلى أن الأمر جوازي وغير واجب الفعل، فما الجدوى من قطاع كامل مناقشة ملاحظاته وحضوره في الجمعيات العمومية أمر جوازي وليس إلزاميا؟ ثم تأتي المادة الخامسة بتفسير ذلك ويا ليتها لم تأت به فهي تنص على أنه يتوجب على تلك الجهات موافاة الديوان بنسخة كاملة من حسابها الختامي المنصوص عليها في نظامها، وتقرير مجلس الإدارة أو المدير العام عن نشاطها ومركزها المالي عن السنة المالية المنقضية، وذلك قبل موعد انعقاد الجمعية العامة العادية للمساهمين بثلاثين يوما على الأقل حتى يتمكن الديوان من تزويد ممثلي الدولة في اجتماعات هذه الجمعيات بملاحظاته على تلك الحسابات والتقارير. هل تتعارض هذه العبارات مع الأمثلة التي أوردتها المادة الأولى والتي ذكرت التأكد من التعبير الصحيح ومراجعة الأداء؟ لقد حولت المادة الخامسة عمل المراجعة إلى تحليل للقوائم المالية وتقارير مجلس الإدارة فقط (عمل مكتبي). ماذا نقول عن حضور علميات الجرد ومراجعة المستودعات؟ وماذا عن تقييم نظام الرقابة الداخلية في الشركة ثم تقييم مدى الالتزام به وتحديد الثغرات المتوقعة وتركيز عمليات المراجعة وفقا لمخاطر النظام الرقابي؟

مرة أخرى، القضية الأكثر أهمية هي لماذا يقوم الديوان بعمل قام به مراجع الحسابات الخارجي وبكفاءة أفضل وبمهنية أعلى؟ ما فائدة تكرار عمل المراجعة وبتكلفة أعلى وقيمة مضافة أقل؟ عمل مراجع الحسابات الخارجي يتجاوز سنة كاملة مع الشركة وبين ملفاتها وأدراجها ومستودعاتها وحواسيبها، فلماذا لا يعتمد الديوان على عمل المراجع الخارجي ويهتم بما هو أهم وهو كفاءة عمل إدارة هذه الشركات في استخدام الموارد؟

قد يقول قائل كيف يتأكد الديوان من نزاهة عمل المراجع الخارجي، نقول بأن المراجعة الخارجية تخضع لمعايير أداء صارمة كما يخضع المراجعون الخارجيون لبرنامج مراقبة جودة الأداء من الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين، فلماذا لا يدعم الديوان عمل هيئة المحاسبين في تطبيق برنامج جودة أداء المراجع ويعتمد على مخرجاته في تصنيف المراجعين وفق من له الحق في مراجعة الشركات التي تخضع لبرنامج الديوان ومن ليس له ذاك.

يمكن للديوان أيضا أن يمارس دورا أكثر قيمة وتأثيرا في هذه الشركات بأن يصدر قرارا أن يكون للديوان ممثلا (يعينه الديوان) في لجان المراجعة بتلك الشركات، وبذلك يضمن الديوان متابعة مستمرة لما يدور في الشركة وخاصة تقارير المراجعة الداخلية وملاحظات المراجع الخارجي، وهذا سيضمن للديوان متابعة أكثر صرامة مع تكلفة أقل بكثير من قطاع كامل للشركات لا فائدة جوهرية منه.

وبعد تطوير الديوان وفقا لذلك، يمكن تحويل قطاع الشركات الموجود في الديوان نحو مرجعة الأداء فقط والتي نصت عليها المادة الأولى، وهذا سيشكل فرقا جوهريا لدى الديوان، حيث يمكن للموظفين التركيز على مهام واضحة وإنجاز أفضل سيجبر الشركات على تطوير مقاييس أداء وخطط استراتيجية وكل ذلك سيشكل رصيدا معرفيا متناميا للديوان يمكنه من نقل كل تلك التجارب إلى القطاعات الأخرى من الدولة، ولي في ذلك مقال.. والله ولي التوفيق.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت