اختلف الفقهاء في موانع الرجوع في الهبة :

– موانع الرجوع عند الحنفية[1] .

منع الحنفية الرجوع في الهبة في الأحوال الآتية :

أ – هلاك الشيء الموهوب أو استهلاكه:

فإذا تلف الشيء الموهوب أو استهلكه الموهوب له فإنه يمتنع الرجوع ، وذلك لأنه لا سبيل إلى الرجوع في الشيء الهالك ، كما أنه لا سبيل إلى الرجوع في قيمته ؛ لأن قبض الموهوب له ليس قبضا مضمونا ، وقيمته ليست موهوبة ؛ لعدم ورود العقد عليها ، وهذا في الهلاك الكلي. أما إذا كان الهلاك جزئيا فإنه لا يمنع الرجوع ؛ لأن الرجوع حينئذ يكون رجوعا في بعض الشيء الموهوب ، والأصل أن للواهب أن يرجع في بعض الموهوب وهو قائم ، فكذلك إذا نقص . وليس على الموهوب له ضمان النقص ؛ لأن القبض في الهبة ليس قبض ضمان .

ب – خروج الشيء الموهوب عن ملك الموهوب له بأي سبب كان:

كالبيع والهبة والموت ونحوها ، وذلك لأن الملك يختلف بهذه الأمور ، إذ إن ملك الشيء الموهوب سيكون للمشتري أو الموهوب له الثاني أو الوارث .

ج – الزيادة المتصلة:

إذا حدثت في الشيء الموهوب سواء كانت بفعل الموهوب له أو بفعل غيره ، وسواء كانت متولدة من الشيء أم ليست متولدة منه ، نحو ما إذا كان الشيء الموهوب دارا فبنى الموهوب له زيادة فيها ، أو كانت أرضا فغرس فيها أشجارا ، أو ثوبا فصبغه صبغا زاد في قيمته ، أو طرأ سمن على الشيء الموهوب ، ففي كل هذه الأحوالاختلط الموهوب بغيره ، فلا يصح الرجوع. أما الزيادة المنفصلة فإنها لا تمنع الرجوع ، سواء كانت متولدة من الشيء الموهوب كاللبن والثمر ، أو غير متولدة منه كالكسب والغلة ؛ لأن هذه الزوائد لم يرد عليها العقد ، وكذلك لا يرد عليها الفسخ ، كما أنه يمكن فسخ العقد دون الزيادة بخلاف الزيادة المتصلة. أما نقصان الشيء الموهوب فلا يمنع الرجوع ؛ لأنه ما دام للواهب حق الرجوع في كل الشيء الموهوب كان له الرجوع في بعضه مع بقائه ، فكذا عند نقصانه .

د – وجود العوض:

إذا كانت الهبة بعوض وقبضه الواهب لم يجز له الرجوع ، والحجة في ذلك : قوله صلى الله عليه وسلم : الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها [2] كما أن التعويض دليل على أن مقصود الواهب هو الوصول إلى العوض ، فإذا وصل إليه فقد حصل مقصوده فيمتنع الرجوع . ولا فرق بين أن يكون العوض قليلا أو كثيرا .

هـ – إذا كان في الهبة ما هو في معنى العوض:

ويتحقق ذلك في الأحوال التالية: – الهبة لصلة الرحم – لا رجوع في الهبة لذي رحم محرم من الواهب. وحجتهم ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها ومعناه أن للواهب أن يرجع ما لم يعوض ، وصلة الرحم عوض معنى ؛ لأن التواصل سبب للتناصر والتعاون في الدنيا وسبب للثواب في الآخرة. كما أن الشرع قد أمر بصلة الرحم ، وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد منع الرجوع في مثل هذه الهبة. أما إذا كانت الهبة لذي رحم غير محرم فيجوز الرجوع لقصور معنى الصلة ، فلا يكون في مدى العوض.

ن- الزوجية:

لا يرجع أي من الزوجين فيما وهب لصاحبه ، والعبرة بقيام الزوجية وقت الهبة ؛ لأن صلة الزوجية تجري مجرى صلة القرابة الكاملة ، بدليل تعلق التوارث بها في جميع الأحوال .

ع- الثواب أو الصدقة:

إذا كانت الهبة إلى فقير فهي صدقة يطلب فيها ثواب الله ، وهو بمعنى العوض وليس كذلك الهبة للأغنياء[3].

و – موت أحد المتعاقدين :

فإذا مات أحدهما بعد التسليم يمتنع الرجوع ؛ لأنه بموت الموهوب له ينتقل الملك إلى الورثة كما إذا انتقل في حال حياته ، وإذا مات الواهب فوارثه أجنبي عن العقد .

ز – تغير الموهوب:

بأن كان حنطة فطحنها ، أو دقيقا فخبزه ، أو سويقا فلته بسمن ، فيمتنع الرجوع [4]

المراجع:

(1) – بدائع الصنائع 6 / 127 ، وتكملة فتح القدير 7 / 129 ، والبحر الرائق 7 / 316 ، 294 ، وحاشية ابن عابدين 4 / 518 .
[2] – أخرجه الدارقطني ( 3 / 44 ط دار المحاسن ) ، والبيهقي في السنن الكبرى ( 6 / 181 ط دائرة المعارف ) وقال : فيه إبراهيم بن إسماعيل ضعيف .
[3] – حاشية ابن عابدين 4 / 518 ، والبحر الرائق 7 / 249 .
[4] – البحر الرائق 7 / 292 ، والفتاوى الهندية 4 / 386 والموسوعة الفقهية الكويتية 42/149.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .