نظم المشرع العراقي احكام الجنسية الاصلية في المادة الثالثة من قانون الجنسية العراقية النافذ رقم 26 لسنة 2006 ، والتي صرحت ب: ( يعتبر عراقيا :ً أ من ولد لأب عراقي أو لأم عراقية).ووفقا لسياق النص المشار أليه أنفا ، يمكن بيان حالات التعدد المحتملة في الجنسية العراقية بتقسيمها على ما يلي:-

الفقرة الاولى/ التعدد في الجنسية الاصلية المستمدة من حق الدم المنحدر من الاب العراقي:-

تتولد الجنسية العراقية الاصلية في هذه الحالة بالولادة لأب عراقي، وهذه المسألة من المواضيع التي فرغ المشرع العراقي من تنظيمها منذ تأسيس الجنسية العراقية والى وقتنا المعاصر هذا، ذلك لأن القانون العراقي كان والى عهد قريب لا يقيم اعتبارا إلا لجنسية الاب العراقي لرسم ملامح الجنسية العراقية( بشكل مستقل ودون الاعتماد على مصدر اخر كحق الاقليم مثلا كما هو الحال مع حق الدم المنحدر من الام في القانون الملغى لسنة 1963).وفي هذا المقام لم يشذ القانون العراقي عن المنهج المتبنى في كثير من القوانين المقارنة(1) ففي ظل حق الدم المنحدر من الاب العراقي قد ينشأ التعدد في حالات محتملة، منها:-

أ- حالة الولادة لأب عراقي متعدد الجنسية أصلا ، كما لو كان ألاب عراقيا بالتأسيس وفقا للمادة الثانية من القانون النافذ لسنة 2006 ، وغير عراقي وفقا لقوانين دولة أو دول أخرى في الوقت نفسه، فإذا كانت تلك الدولة (أو الدول) تأخذ بحق الدم المنحدر من الأب، فسيكون الابن متعدد الجنسية كأبيه.

ب- حالة الولادة لأم أجنبية، فقد يولد الشخص لأب عراقي إستنادا لحق الدم المنحدر من هذا الاب، وفي ذات الوقت تكون أمه أجنبية يفرض قانون دولتها الجنسية على اساس الدم المنحدر عن هذه الأم، وهنا يكون هذا الشخص متعدد الجنسية بالنظر الى أبيه أولا ولامه ثانيأ .

ت – حالة الولادة في اقليم دولة أخرى: قد يولد الشخص لأب عراقي ولكن في أقليم دولة أخرى يأخذ أقليمها بفرض الجنسية الاصلية على أساس الولادة على الاقليم الوطني، وهنا ايضا نكون قبال حالة من حالات التعدد بالنظر الى حق الدم المنحدر عن الاب من جهة والولادة على الاقليم الوطني للدولة الاجنبية من جهة أخرى . ففي جميع هذه الاحتمالات التي اوردناها للتمثيل لهذا الفرض يتمتع هؤلاء الافراد بأكثر من جنسية أصلية حال ولادتهم، وبحكم قوانين تلك الدول دون أن يكون لإرادتهم دخل في أكتساب هذه الجنسية أو تلك .

ولعل أسقاط الجنسية العراقية في مثل هكذا أحوال سيكون مخالفا للقانون لعدم وجود سند قانوني له، لا بل أن السند القانوني هو في مصلحة متعدد الجنسية وفقا لما تضمنته المادة الثامنة عشرة بفقرتها الرابعة من الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 ، والتي صرحت ب:- (( يجوز تعدد الجنسية للعراقي، وعلى من يتولى منصبا سياديا أو أمنيا رفيعا،ً التخلي عن أية جنسية أخرى مكتسبة، وينظم ذلك بقانون)).

ان ازدواج او تعدد الجنسية في مثل هذه الحالات أمر لا مناص منه ولا سبيل الى تجنبه طبقا لأحكام القانون العراقي، لأن القانون العراقي فرض الجنسية العراقية على مثل هذه الحالات وكذلك فعل القانون في الدولة او الدول الاخرى التي حمل الشخص جنسيتها أيضا ، فهو ازدواج لا أرادي ان صح التعبير لا يقبل فيه فقد الجنسية بسبب اكتساب الجنسية الأخرى(2).

الفقرة الثانية/ التعدد في الجنسية الاصلية المستمدة من حق الدم المنحدر من الام العراقية(3)

تبنى المشرع العراقي معيارا جديدا في إطار حق الدم لمنح الجنسية العراقية الاصلية، وفي ضوء المادة الثالثة(أ) من القانون النافذ لسنة 2006 ، وهذا التبني الذي جاء انعكاس ا لأحكام المادة الثامنة عشرة من الدستور النافذ لسنة 2005 ، وفي فقرتها الثانية والتي صرحت ب:- ((يعد عراقيا كل من ولد لاب عراقي او لام عراقية، وينظم ذلك بقانون )).

لم يقم المشرع العراقي وزنا لباقي التشريعات التي يمكن ان تمنح الجنسية الوطنية لمن يولد لأم عراقية، ومن هنا يمكن أن نقف على جملة احتمالات، منها:-

أ- من ولد لأم عراقية وبغض النظر عن محل تلك الولادة، فتمنح الجنسية العراقية لهذا المولود استناد ا الى حق الدم المنحدر من الأم ودون النظر الى محل تحقق تلك الولادة، سواء أكانت داخل العراق أم خارجه، لذلك تنشأ حالة التعدد إذا كانت الولادة قد تمت خارج الاقليم العراقي، اذا ما كانت الدولة الاجنبية تمنح جنسيتها على اساس معيار حق الاقليم، في حين إن المشرع العراقي قد أقام الاعتبار لحق الدم، وبالتالي نكون في قبال حالة من حالات التعدد في الجنسية.

ب – من ولد لأم عراقية وأب أجنبي، وفي مثل هذا الفرض أيضا تنشأ حالة التعدد في الجنسية ، فالذي يولد لأم عراقية فهو عراقي استنادا الى هذا الحق المنحدر من أمه العراقية، وهو في ذات الوقت يعتبر أجنبيا متمتعا بالجنسية الأجنبية استنادا الى حق الدم المنحدر من أبيه ألأجنبي.

ت- من ولد لأم عراقية وأب أجنبي، فهذه الحالة تقترب من سابقتها ولكن تختلف معها في حالة ما إذا كان القانون العراقي لا يعترف بصحة الزواج بين الاجنبي والعراقية، فهنا تنشأ حالة التعدد من خلال اعتراف القانون العراقي بوطنية هذا المولود بالاستناد الى أمه العراقية، وفي ذات الوقت يعتبره القانون الاجنبي وطنيا بالنسبة اليه استنادا الى أبيه وأن لم يعترف القانون العراقي بصحة مثل هذا الارتباط لأسباب شرعية أو قانونية.(4).

ث- من ولد لأم عراقية متعددة الجنسية: وهو فرض قد نواجهه في حالة ما أذا كانت الام العراقية متعددة الجنسية أصلا وهنا تتولد حالة جديدة من حالات التعدد في الجنسية العراقية الاصلية . وفي كل الأحوال نكون قبال تعدد للجنسية بحكم القانون وبسبب الميلاد ودون أن تكون لإرادة الفرد دخل في وجود هذا التعدد أو نشأته. وهذه المرة أيضا لا يوجد سبيل لتجنب مثل هذا التعدد، ذلك لأن الجنسية الأصلية تفرض على الفرد بغير إرادته، فلا سبيل إلى تجريده من إحداها دون إرادته، وقد يتأتى ذلك بالتنازل عن إحداها برغبته.

_________________

1- لاحظ في ذلك النصوص الاتية في القوانين المقارنة:- –

نص م 2 من قانون الجنسية المصري لسنة 4295 المعدل، والفصل السادس من قانون الجنسية المغربية لسنة 6009 ، والمادة الاولى بفقرتها الرابعة من قانون الجنسية القطرية رقم 38 لسنة 2005 ، والمادة الثانية بفقرتها الثانية من الفصل الاول من القانون الاماراتي لسنة 1972 المعدل، ونص الفقرة الاولى من المادة الرابعة من قانون الجنسية البحريني لسنة 1963 المعدل.

2- تميل السلطات المختصة في الكويت مثلا وفي بعض الحالات الى سحب جوازات السفر الصادرة من الدول الاخرى التي يحمل الفرد جنسيتها لإحالتها الى الدول الصادرة منها للأفراد الكويتيين، فهذا أجراء ليس له أثر في القضاء على تعدد الجنسية بالنسبة لهؤلاء الافراد، فجواز السفر ليس هو الجنسية بذاتها أنما هو دليل على الجنسية، وقد لا تعترف الدول الاخرى بالأجراء الكويتي كما هو حاصل في الولايات المتحدة الامريكية التي ترفض إعطاء تأشيرات دخول لهؤلاء وتعيد صرف جوازات أمريكية لهم باعتبارهم مواطنين أمريكيين وفقا لقانون الولايات المتحدة الامريكية. يلاحظ في تفصيل ذلك: اللمحة الاحصائية، الادارة المركزية للإحصاء، العدد . الثاني والثلاثون، ادارة المطبوعات والنشر، دولة الكويت، 2009 ، ص 12.

3- نحن نُرجح ان توجه المشرع العراقي في دستوره النافذ لسنة 2005 وقانون الجنسية النافذ

لسنة 2006 مبني على استقلالية الام في منحها لجنسيتها لابنائها وفقا لجملة اسانيد تشريعية وقضائية فصلنا فيها القول في اطروحتنا للدكتوراه، وللمزيد من التفصيل يلاحظ: اياد مطشر صيهود، الام باعتبارها مصدرا للجنسية في القانون العراقي الجديد، اطروحة دكتوراه، كلية . الحقوق، الجامعة الاسلامية في لبنان، بيروت، 2013

4- ويمكن الاستناد الى ما ذكرته م 11(من قانون الاحوال الشخصية العراقية لسنة 1959 المعدل) ف ا، من انه: أ اذا اقر احد لامرأة انها زوجته ولم يكن هناك مانع شرعي او قانوني وصدقته ثبتت زوجيتها له بإقراره، ب اذا اقرت المرأة انها تزوجت فلانا وصدقها في حياتها ولم يكن هناك مانع قانوني او شرعي ثبت الزواج بينهما وان صدقها بعد موتها فلا يثبت الزواج. ونصت م 49 من هذا القانون على انه: يصح للمسلم ان يتزوج كتابية ولا يصح زواج المسلمة من غير المسلم.

* ولقد تضمنت كثير من القوانين الإشارة الى ضرورة ان يكون عقد الزواج عقدا صحيحا ، ومنها القانون اللبناني الذي نص القانون الصادر في11/1/1960 ، والذي جاء معدلا لنص المادة الخامسة من القرار رقم 15 لسنة 1929 ،على ما يلي:-

(( أن المرأة الاجنبية التي تقترن بلبناني تصبح لبنانية بعد مرور سنة على تأريخ تسجيل الزواج

بنا ء على طلبها)). وجاء في الاسباب الموجبة لصدور هذا القانون: ((أن نساء أجنبيات كثيرات يحاولن الاستفادة من قانون الجنسية اللبنانية ولهذا تلجأ الفنانات الاجنبيات الى عقد زيجات وهمية للحصول على الجنسية الاجنبية، وهذا ما دفع لتعديل المادة الخامسة للسماح للحكومة بمهلة للتحقيق بخصوص صحة هذا الزواج)). وهو ما أيده رأي رئيس هيئة الاستشارات في وزارة العدل، فأنه يجب أن تكون العلاقة الزوجية قائمة ومستمرة طيلة فترة السنة المنصوص . عليها وفقا للمطالعة رقم 422 بتأريخ 4209 4 5

* بتصرف عن: رحال وديع، القواعد العامة للأحوال الشخصية، احكام الجنسية اللبنانية، ج 1 منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2006 ، ص155.

* وقد جاء مثل هذا الحكم في القانون الفرنسي الصادر بتاريخ 19/10/1945 في مادته الثانية – والاربعون بفقرتها الاولى ، والتي تنص على مايلي:-

(( لا تكتسب المرأة الاجنبية الجنسية الفرنسية أذا ما أعلن بطلان زواجها من فرنسي بحكم صادر عن محكمة فرنسية أو حكم قابل للتنفيذ في فرنسا، حتى ولو كان الزواج عقد عن حسن نية)).

* وهو ما أشار اليه القانون القطري رقم 38 لسنة 2005 ، والذي نصت مادته الثامنة على انه :- ((المرأة التي تتزوج من قطري، وفقا لأحكام رقم 21 لسنة 1989 بشأن تنظيم الزواج من الاجانب، تصبح قطرية….)). وكذلك ما نصت عليه المادة التاسعة منها، بقولها: – ((الزوجة التي اكتسبت الجنسية القطرية طبقا لأحكام المادتين (5) و(8) من هذا القانون لا تفقدها عند انتهاء الزوجية، الا اذا تزوجت بالمخالفة لأحكام القانون رقم 21 لسنة 1989.

* وكذلك فأن القانون المصري سار هو الاخر على هذا النهج، فقد نصت المادة 25 من قانون 1975 المعدل، على مايلي: ((لا يترتب أثر للزوجية في اكتساب الجنسية أو فقدها الا اذا ثبتت الزوجية في وثيقة رسمية تصدر من الجهات المختصة)).

وكذلك ما نصت عليه المادة 12 من ذات القانون، والتي جاء نصها مصرحا ب:- (( واذا كان عقد زواجها باطلا طبقا لأحكام القانون المصري وصحيحا طبقا لأحكام قانون الزوج ظلت من جميع الوجوه وفي جميع الأحوال مصرية….))

المؤلف : اياد مطشر صيهود
الكتاب أو المصدر : مجلة رسالة الحقوق السنة السادسة العدد الثالث 2014، جامعة ذي قار كلية القانون
الجزء والصفحة : ص232-234

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .