المصالحة الجمركية عقوبة جديدة أم طريقة ودية لحل النزاع

د. نادية عمراني: أستاذة محاضرة قسم ب ، كلية الحقوق جامعة البليدة 2 علي لونيسي العفــــــــــــــرون.

أ. محمـــد أميـن زيــــــــان : أستاذ مؤقت بكلية الحقوق جامعة البليدة 2 علي لونيسي العفــــــــرون، باحث دكتوراه في القانون العام جامعة يحي فارس المدية .

ملــخــــــص

تثير المصالحة في قانون الجمارك جدالا و تضاربا بين مقتضيات التطبيق الصارم لأحكام القانون الجمركي، تحقيقا للعدالة و الردع ،بإتباع إجراءات المتابعة الجزائية أمام القضاء ، بما يقوم عليه هذا الأخير من مبادئ كالمساواة و فكرة الرقابة الشعبية على الأحكام القضائية و مبدأي الحياد والاستقلالية ، وبين الضرورة الحتمية لحماية الاقتصاد الوطني ، وفي نفس الوقت التقليص من تراكم القضايا المطروحة على القضاء ، بتقرير نظام التسامح بين البشر و العفو عن الجريمة، احتراما للطبيعة البشرية المجبولة على هذه الفطرة ، ومن هذا المقام تثور إشكالية المصالحة في المنازعات الجمركية ، لكن المشرع الجزائري بعد دراسته لمعادلة الموازنة بين الضرورات السابقة الذكر ، غلّب المصلحة التي يسعى لتحقيقها القانون الجمركي في الحفاظ على الخزينة العامة ، كهدف أجدر بالحماية ، بالرغم من هيمنة الجهة إدارية على إجراءات المتابعة ، وخرقها لمبادئ الاستقلالية انطلاقا من كونها حكما و خصما في المنازعة الجمركية ، على نحو نستطيع فيه القول إنها عقوبة جزائية لا مجرد تقنية تفاوض ودية لإنهاء النزاع.

الكلمــــــــــــــــــات الدالــــــــــــــة :منازعة جمركية – دعوى جبائية – إدارة الجمارك –– مرتكب المخالفة – أثر التثبيت – أثر الانقضاء.

Reconciliation in Customs Crimes; A friendly way to resolve the dispute or a criminal penalty gate predicted by the Customs Department ?.

Abstract

The reconciliation in the Customs Law raises lots of controversy and contradictions between the need to protect the national economy and the strict application of the provisions of the Customs Law, in order to achieve justice and deterrence by following the criminal follow-up procedures before the judiciary, based on the principles of equality, the idea of ​​popular control over judicial decisions and principles of neutrality and independence, at the same time reducing the accumulation of cases before the judiciary, to determine the system of human tolerance and amnesty for crime, respecting the human nature imposed on this instinct, and from here arises the problem of reconciliation in custom disputes. However, the Algerian legislator, after studying the equation of the balance between the above mentioned necessities, the interest sought by the Customs Law in preserving the public treasury as a better protection objective, despite the domination of the administrative body on the follow-up procedures, violated the principles of independence, The customs dispute, in such a way that we can say that it is a punitive penalty and not merely a friendly negotiation technique to end the conflict.

Key words: Customs dispute – Criminal action – Customs administration – Violator – Effect of fixation – Effect of expiration.

مقدمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة

مما لا شك فيه أن الجريمة الجمركية ،باتت تشكل تهديدا صارخا للمصلحة التي يحميها القانون الجمركي ، خصوصا بعد تطور وسائل الاتصال و التواصل، و تسخير العلم في خدمة الإجرام ،بحيث أصبح هذا الأخير يساير التطور الفني و التكنولوجي، الأمر الذي حتّم على المشرعين في الأنظمة القانونية المقارنة مسايرة هذا الركب بتفعيل قواعد القانون الجمركي لمكافحة الغش، بقواعد قانونية تتسم بالصرامة و التشدد ،لأن أغلب أحكام قانون الجمارك ذات طبيعة جزائية محضة ،مما جعل القوانين الجمركية ، قوانين عقابية بالدرجة الأولى، إلى الحد الذي وصل إلى نعت قواعدها من طرف الفقه بــــــــ “المجحفة و الظالمة “، كل هذه القواعد سميت بــــــــ ” التقنيات الجمركية “ لعدم مسايرتها للقواعد العامة في التجريم و المتابعة الجزائية و العقاب ، وتجاوزها للمبادئ العامة للقانون الجزائي لصعوبة اكتشاف الغش الجمركي و إثباته .

غير أن تزايد القضايا الجمركية المعروضة على الأقسام الجزائية بالمحاكم عن طريق الاستعمال المتزايد لحق الدولة في توقيع العقاب، واستعمال طريق الدعوى العمومية ، وانتشار ما يعرف بظاهرة ” التضخم التشريعي والعقابي”،كان لزاما على المشرع إعادة النظر في بناء سياسته الجنائية في إطار حركة إصلاح العدالة ،تلافيا لمخاطر تعثر الجهاز القضائي و تعطيل دوره ، وذلك عن طريق إتباع”سياسة التحول عن الإجراءات القضائية ” ، وتقرير بدائل قانونية للعقوبة، كصورة للانتقال من العدالة العقابية الزجرية نحو العدالة العقابية التصالحية الإصلاحية. ومن أبرز مظاهر ذلك منح الإدارة الجمركية سلطة إنهاء المنازعة الجزائية الجمركية وديا أي بالمصالحة،تغليبا للشق الجبائي –المالي- عن الشق الجنائي- الجزائي- بشروط و قواعد خاصة ،تخرج عما هو مستقر عليه في نطاق المبادئ العامة للقانون الجزائي ضمانا للمصلحة المحمية بموجب القواعد الجمركية .

وقد تثير المصالحة في المنازعات الجمركية معادلة صعبة الحل ،لأن المشرع الجمركي في بناء سياسته الجنائية يكون ملزما بحماية الحقوق و الحريات المكفولة بموجب الدستور ، خاصة منها تمتع المتهم بمحاكمة عادلة، وفق نص المادة 56 من التعديل الدستوري الجديد لسنة 2016 تضمن له حق التقاضي أمام جهات قضائية ، وتراعي تمتع المتهم المحال أمامها بمبدأ قرينة البراءة ،لما تحققه إجراءات التقاضي الجزائية من احترام لمبادئ الحياد و الاستقلالية و الفصل بين السلطات ، وتوافق مع مقتضيات مبدأ شرعية الجرائم و العقوبات ، الذي يحتم تقرير عقوبة لكل فعل إجرامي بسيطا كان أم شديدا، وفي نفس الوقت يكون المشرع ملزما بتحقيق النجاعة القضائية ، حتى لا يتعطل جهاز القضاء، وكذا احترام الفطرة الإنسانية المجبولة على التسامح و الصفح عن الجريمة،إضفاء للطابع الإنساني و الاجتماعي على القواعد الجزائية ، فإلى أي مدى وُفِّق المشرع في مسألة التوفيق بين هذه المصالح المتعارضة، عند تنظيمه لتقنية المصالحة في مادة المنازعات الجمركية؟

هذا ما سنحاول التطرق إليه في هذه الورقة البحثية مبرزين الخصوصيات الموضوعية و الإجرائية لتقنية المصالحة في المنازعات الجمركية ،عن طريق تقسيم موضوع الورقة إلى مبحثين ،خصصنا الأول للإطار المفاهيمي للمصالحة الجمركية ، في حين نخصص الثاني لدراسة أحكامها الخاصة و الصارمة ،بما يتجاوز المبادئ القانونية العامة ، محاولين في كل مرة إثارة الملاحظات اللازمة و الوقوف عند النقائص و الثغرات التي وقع فيها المشرع أثناء تنظيمه لهذا الإجراء، مبرزين رأيا شخصيا متواضعا حولها، آملين تداركها بالتعديل.

المبحـــــــــــــــــــــــث الأول : الإطـــــــــــــار المفاهيمـــــــــي لتقنيــــــــــة المصالحـــــــــــة الجمركيـــــــــــــــة

لا ريب أنّه بوقوع الجريمة الجمركية تنشأ عنها دعوى عمومية ، تمثل الحق الخالص للمجتمع في توقيع العقاب على مرتكب الجريمة، وفي هذا يتطابق القانون الجمركي مع القواعد العامة للإجراءات الجزائية، كما تنشأ عنها دعوى أخرى تسمى بالدعوى الجبائية ، بما لا يساير المبادئ القانونية العامة وهي من طبيعة مالية ،تحركها إدارة الجمارك بهدف قمع الجريمة الجمركية ، و تحصيل الحقوق و الرسوم المستحقة للخزينة العامة ، وتسمى كذلك بــــ” دعوى المطالبة بالعقوبات المالية ” المتمثلة في الغرامة و المصادرة ، هذا و يجوز للنيابة العامة ،أن تمارس الدعوى الجبائية بالتبعية للدعوى العمومية وتكون إدارة الجمارك طرفا تلقائيا وبقوة القانون في جميع الدعاوى التي تحركها النيابة العامة لصالح إدارة الجمارك ، علما أن النيابة العامة غالبا ما تتأسس في الدعوى الجبائية فقط ، وذلك في مواد الجنح التي تتضمن عقوبات سالبة للحرية، أما في مواد المخالفات فلا يحصل ذلك ،لأن عقوبات المخالفات لا تعدو أن تكون مجرد عقوبات مالية ،لا تتضمن حبسا أو سجنا . ومن كل هذا يظهر أنه بمجرد وقوع الجريمة الجمركية بكامل أركانها يثبت حق المجتمع في توقيع العقاب على مرتكبها [1] ،لكن لا تطبق العقوبة السالبة للحرية دائما على مرتكبها ، لأن قانون الجمارك الجزائري نص على إمكانية تصالح إدارة الجمارك مع الشخص المخالف ، كتطبيق لسياسة التحول عن الإجراءات القضائية ، وكبديل عن ممارسة الإجراءات الكلاسيكية في المتابعة الجزائية، لذلك سوف نتطرق في مضمون هذا المبحث إلى التعاريف المختلفة للمصالحة الجمركية و تمييزها عن غيرها من النظم المشابهة، في حين خصصنا المطلب الثاني للوقوف على طبيعتها القانونية لما لها من أهمية وفيما يأتي بيان ذلك:

المطلـــــــــــــــــــــــب الأول : التعاريف المختلفــــــة للمصالحــــــة الجمركيــــــــــــة و تمييـــزها عــــــــــــــــــــــــــــــــن النظـــم المشابهـــــــــــة

لم تعد العدالة التصالحية مقصورة على المواد المدنية بل وحتى الجزائية منها فيما يخص التنازل عن الحقوق المدنية من طرف المجني عليه ، وذلك لأنها أصبحت تسري حتى على العقوبات المقررة للجريمة، ومنها الجرائم الجمركية، الأمر الذي وقفنا عليه في هذا المطلب، من خلال الفرع الأول ، الذي حاولنا فيه إعطاء تعريف محدد للمصالحة الجمركية، في حين خصصنا الفرع الثاني لتمييز المصالحة الجمركية عن غيرها من المفاهيم المشابهة ،كالصلح الجزائي و الأمر الجزائي و نظام الوساطة الجزائية .

-الفــــــــــــــــــــــــــرع الأول : تعريــــف المصالحـــــة الجمركيـــــــــة فــــــــــــــــــــــــــــــي القانــــــــــــــــــــــــــون و الفقــــــــــــــــــه و القضــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء

كعادة المشرع الجزائري في قانون الجمارك، لم ينص على تعريف المصالحة الجمركية، رغم ورود عدة تعريفات لها في القانون المدني و قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و تشريعات العمل ،بل اكتفى بالنص على شروطها و أحكامها وزيادة على ذلك فإن أحكام المصالحة وضوابطها ليست محددة بشكل دقيق ، لأن المشرع خصص للمصالحة الجمركية مادة واحدة فقط بالرغم من أهميتها و فعاليتها في إنهاء أغلب المنازعات الجمركية، كبديل عن تحريك الدعوى العمومية و الدعوى الجبائية . وفي هذا السياق نص المشرع الجمركي على المتابعة الجزائية لمرتكب المخالفة الجمركية، كأصل عام، و محاكمته أمام الجهات القضائية ، طبقا لقانون الجمارك و قانون الإجراءات الجزائية، وفي نفس الوقت منح للإدارة الجمركية صلاحية التصالح مع المخالفين بناء على طلبهم [2]كتوجه نحو إرساء دعائم العدالة التصالحية ، رافعا شعار : ” اتفاق سيء أفضل من قضية ناجحة” تقليدا للمشرع الجمركي الفرنسي في هذا المقام [3] ، وقد تم تبني نظام المصالحة الجمركية في الجزائر منذ أول تشريع جمركي جزائري لسنة 1979،وبعده مر بعدة تطورات ليبقى راسخا في قانون الجمارك لسنة 1998 المعدل سنة 2017 ، والذي كان يسمى قبل الآن بــــ “التسوية الإدارية”.[4]

أما من جانب التشريع الدولي، فقد ورد تعريف المصالحة الجمركية في بروتوكول تعديل الاتفاقية الدولية لتبسيط الإجراءات الجمركية ، والتي سميت باتفاقية ” كيوتو” : ” يقصد بالتسوية الإدارية للمخالفات الجمركية ، الإجراء المنصوص عليه في التشريع الوطني ، الذي يخول الجمارك البت في المخالفات الجمركية، من خلال إصدار الأحكام بشأنها، من خلال التوصل إلى تسوية وسط، ونقصد بعبارة التسوية الوسط : الاتفاق الذي يوافق الجمارك بمقتضاه على التخلي عن الإجراءات القضائية، فيما يتعلق بمخالفة جمركية ، شريطة تقييد الشخص أو الأشخاص المتورطين في تلك المخالفة بشروط معينة ، والمقصود بالمخالفة هنا: انتهاك قانون الجمارك أو الشروع في انتهاكه ” .[5]

أما من جانب الفقه ، فيعرفها “د. مصطفى محمد أمين “على أنها :” سبب من أسباب انقضاء المتابعات الجزائية من قبل الشخص المخالف ،شرط أن يدفع مبلغا محددا كتصرف قانوني إجرائي من جانب واحد ،يصدر عن المخالف الذي يكون له أن يقبل دفع المبلغ المقرر قانونا أو الأشياء التي يلزم أن يسلمها للإدارة الجمركية ، كما يكون للمخالف رفض الشروط التي يحددها القانون ، فلا يتم التصالح و تتابع الإجراءات الجنائية ضده و ينال العقوبة المقررة” .[6]

نحن بدورنا لا نؤيد هذا التعريف ، أن المصالحة الجمركية ليست تصرف قانوني من جانب واحد، وإنما من جانبين يلزم لإتمامها توافق الإرادتين، وهما إرادة الشخص المخالف مع إرادة الإدارة الجمركية ، لذلك مصطلح ” من جانب واحد” ليس في محله حسب رأينا الشخصي ، حتى وإن كان من يبادر بالمصالحة هو الشخص المخالف بطلب .

نحن وجدنا من يستعمل في تعريف المصالحة الجمركية ، مصطلح الصلح ،بالرغم مما يوجد من فروق شديدة بين المصطلحين – وهو ما سنحاول التطرق إليه في الفرع الثاني، على نحو يرى فيه بعض الفقه “أنه يمكن تعريف الصلح أو المصالحة بوجه عام على أنها تسوية النزاع بطريقة ودية “[7] ، ونذكر من التعاريف كذلك للمصالحة الجمركية، ما أورده الفقيهان ” Claude.J. Berre” و ” Henry trimeaux ” ” الحق في المصالحة هو امتياز ممنوح لإدارة الجمارك ، الذي يعتبر السبب الأكثر قوة و تواترا في استبعاد المتابعة ” [8]، ونحن نؤيد التعريف، لأن المصالحة الجمركية حقيقة، هي امتياز ممنوح للإدارة الجمركية ، وليست حقا خالصا للمتهم ، بل ولا تلتزم إدارة الجمارك حتى بالرد على طلب المخالف لإجراء المصالحة ، وكذلك نؤيد في مسألة أن المصالحة الجمركية تعتبر أغلب أسباب انتهاء المنازعات الجمركية من الناحية العملية، كبديل عن إجراءات ممارسة الدعوى العمومية و الدعوى الجبائية .

نحن بدورنا نستطيع تعريف المصالحة الجمركية وفق اجتهادنا الخاص و المتواضع على أنها : امتياز يرخص بموجبه المشرع لإدارة الجمارك ، التنازل عن مباشرة إجراءات المتابعة الجزائية، نحو متابعة إدارية ، مقابل دفع المخالف للغرامات المالية الملزم بها قانونا، نتيجة ارتكاب المخالفات الجمركية “.

إذا وجهنا الأنظار صوب الاجتهاد القضائي، فالمحكمة العليا الجزائرية لحد الآن، لم تشغل نفسها بالبحث عن تعريف قضائي للمصالحة الجمركية ، الأمر الذي دفعنا للبحث عن التعريف القضائي للمصالحة الجمركية في اجتهاد محكمة النقض الفرنسية ، التي عرفت المصالحة حسب “ksouri Idir ” على أنها : ” كل عقد تضمنه قرار، فحواه التنازل عن حق، لإنهاء منازعة قائمة أو توقي حدوثها ، وأن الحق المتنازل عنه في المصالحة الجمركية هو الحق في مباشرة إجراءات المتابعة عن طريق تحريك الدعوى العمومية المملوكة للنيابة العامة، و الدعوى الجبائية التي غالبا ما تتقاسم النيابة العامة مباشرتها مع الإدارة الجمركية ” [9]، من هذا المقام اعتبر قضاء النقض في فرنسا في مناسبة أخرى أن المصالحة الجمركية هي جزاء إداري ملزم للطرفين، أو غرامة إدارية اتفاقية ، وصورة مباشرة للإدانة بدون مرافعة [10] لكن لنا أن نتساءل : ما الذي يميز المصالحة الجمركية عن الصلح الجزائي ، على اعتبار أن الكثير من شراح القانون يستعملون هذه المصطلحات بالترادف ؟ ، وما الذي يميزها عن الأمر الجزائي، الذي يعتبر هو الآخر صورة للإدانة بدون مرافعة ؟ ، و ما الذي يميزها كذلك عن الوساطة الجزائية لاشتمال كلاهما على عنصر التعويض لا تمامهما؟ ، فهل توجد فروقات بين هذه الأنظمة التي تشترك كلها في إتباع سياسة التحول عن الإجراءات القضائية ؟ .

الفــــــــــــــــــــــرع الثاني : تمييـــــــــــــز المصالحة الجمركيـــــــــــة على غيـــــرها من النظــــــم المشابهــــــــــــــة

تبقى عدة فروقات تميز تقنية المصالحة في القانون الجنائي الاقتصادي عموما ، و المصالحة الجمركية في قانون الجمارك بوجه خاص ، عن غيرها من النظم المشابهة التي استحدثها المشرع الجزائري بمناسبة تعديل قانون الإجراءات الجزائية .[11]

بالنسبة لما يميز المصالحة الجمركية عن الصلح الجزائي، فنحن نعرف أن نظام الصلح سواء في نطاق قواعد الجزائي – أو حتى قواعد القانون المدني- يتم بين الخصوم في ساحة القضاء أمام القاضي، بل و الأطراف ملزمين بالحضور أمامه ، ويلتزم المخالف بدفع ما يسمى بــــ”غرامة الصلح “وذلك في الجرائم المعاقب عليها بالغرامة دون الحبس ، وهو ما نظمه قانون الإجراءات الجزائية ، في الفصل الثاني من الباب الثالث من الكتاب الثاني ، تحت عنوان ” في الحكم في مواد المخالفات” ،وبالتالي يكون الصلح الجزائي أمام ممثل الهيئة القضائية، وهو وكيل الجمهورية – وهو من القضاة الواقفين- عند التصرف في نتائج مرحلة جمع الاستدلالات فيقوم بإرسال محضر الدفع إلى المخالف خلال 15 يوم ، وذلك قبل كل تكليف بالحضور أمام المحكمة ، ويجب على المخالف دفع مبلغ غرامة الصلح ، نقدا أو بحوالة بريدية إلى محصل مكان سكناه ، أو المكان الذي ارتكبت فيه المخالفة ، طبقا لقواعد الاختصاص المحددة في المادة 329 من قانون الإجراءات الجزائية ، علما أن القرار المحدد لمقدار غرامة الصلح، لا يكون قابلا لأي طعن من جانب المخالف ، ويلتزم هذا الأخير، إبلاغ النيابة العامة لدى المحكمة ، بدفع مبلغ غرامة الصلح في ظرف 10 أيام من تاريخ الدفع ، ويشكل هذا اعترافا على ارتكاب المخالفة ، ويحسب لتقرير حالة العود مستقبلا [12]، في حين أن المصالحة الجمركية – كما سنرى لاحقا- تتم بعيدا عن ساحة القضاء ، يغيب فيها شخص وكيل الجمهورية ، ويحل محله الأشخاص المحددين المنتسبين لإدارة الجمارك ، كصورة للمتابعة الإدارية في إطار ما يعرف بلجان المصالحة [13]، وبالتالي نحن لا نؤيد من يستعمل مصطلح الصلح و المصالحة بالترادف ، لأن القانون لا يعرف المترادفات .

بموجب تعديل قانون الإجراءات الجزائية 15-02 استحدث المشرع الجزائري إجراء جديد وهو الأمر الجزائي،مما قد يختلط مع مفهوم المصالحة الجمركية ، لكن شتان بين الأمرين ،فالأمر الجزائي وفق ما تم النص عليه ، هو ” إجراء يباشره وكيل الجمهورية لإحالة الدعوى العمومية مباشرة، عند تصرفه في نتائج الاستدلال ، ليفصل فيه قاضي محكمة الجنح في غرفة المشورة دون محاكمة أو مرافعة، لكن في جلسة علنية يصدر أمرا جزائيا بالبراءة أو بعقوبة الغرامة ، دون عقوبة الحبس ، و ذلك دون حضور النيابة العامة و عدم إجبارية حضور المتهم ، إذا رأى قاضي الموضوع عدم توفر شروط الأمر الجزائي، توجب عليه إعادة الملف للنيابة العامة من أجل التصرف فيه وفق سلطة الملائمة التي تملكها[14]، أما المصالحة الجمركية فتتم بعيدا عن رقابة وكيل الجمهورية ، خلافا للأمر الجزائي الذي يكون في جلسة علنية ، مما يمكن من خلاله تكريس فكرة الرقابة الشعبية ، وفي هذا السياق يرى : ” Claude. J. Berre”أن : ” سرية المصالحة و عدم اطلاع الرأي العام عليه ، بشروطها و نتيجتها ، تثير الشك حول ملائمة الإبقاء على هذا النظام أو الإجراء على حاله” [15]، إضافة إلى أن محل المصالحة الجمركية هو المخالفات الجمركية المتضمنة غرامة مالية دون عقوبة الحبس ، وقد تم استبعاد المخالفات المتعلقة بالبضائع المحظورة عند الاستيراد أو التصدير من مجال المصالحة ، لتضمنها عقوبة الحبس من شهرين إلى 6 أشهر [16]، أما نظام الأمر الجزائي وفق ما تم النص عليه في قانون الإجراءات الجزائية ، يكون محله الجنح المعاقب عليها بغرامة أو بالحبس لمدة تساوى أو تقل عن سنتين .[17]

بقي لنا أن نعرض لما يميز المصالحة الجمركية عن نظام الوساطة الجزائية، بحيث يكمن الفرق في أن هذه الأخيرة ، مثلها مثل الأمر الجزائي، تتم أمام وكيل الجمهورية ، قبل تحريك الدعوى العمومية [18]، وهو ما يغيب في المصالحة الجمركية ، ويجعل من متابعة الجريمة الجمركية إذا ما انتهت بالمصالحة ، متابعة إدارية كسياسة للتحول عن إجراءات المتابعة الجزائية أمام الجهات القضائية ، أما الفرق الآخر فيكمن في أن عدم الالتزام بما ورد في اتفاق الوساطة ، يعرض المخالف لها لعقوبة جزائية ثانية ، وهي عقوبة جريمة التقليل من شأن الأحكام القضائية، لأن اتفاق الوساطة بعد إبرامه و التأشير عليه يكتسي صيغة تنفيذية[19]، أما إذا لم تتم المصالحة في مادة الجمارك ، فيكتفي المشرع بالترخيص لإدارة الجمارك رفع القضية للنيابة العامة من أجل مباشرة إجراءات المتابعة أمام القضاء . [20]

المطلـــــــــــــــــــــب الثانـــــــــي : الوضـــــــــــــــــــــــــــــــــع القانوني للمصالحـــــــــة الجمركيـــــــــــــة بين القواعد القانونيــــــــــــــــــــــــــــــــة

بادئ ذي بدء، يجب الإشارة إلى أن المصالحة الجمركية برزت لأول مرة في الجزائر، بفعل تطبيق القوانين الفرنسية في الفترة الاستعمارية ، ومنها قانون الجمارك الفرنسي الذي تضمن المصالحة في المادة 250 منه، في مجال المخالفات فقط ، مع استبعاد الجنح من مجال التطبيق، فسمح قانون الجمارك الفرنسي باللجوء للمصالحة في أية مرحلة كانت عليها المنازعة الجمركية ، سواء قبل أو بعد صدور حكم نهائي ، واستمر تطبيقها بعد الاستقلال بموجب القانون 62-157 المؤرخ في 17-06-19962 ، بشرط عدم تعارض التشريع الفرنسي مع مبادئ السيادة الوطنية ، وطبق لغاية 05-07-1973 ، وبعده تم إصدار أول قانون للإجراءات الجزائية في الجزائر بالأمر 66-155 وتضمن هذا الأخير الصلح كسبب لانقضاء الدعوى العمومية في المادة السادسة منه ، وتدعم هذا الموقف بصدور قانون المالية بالأمر 69-107 الذي أدرج إجراء المصالحة كسبب لإنهاء المتابعات في جرائم الصرف .[21]

بعد هذا ، جاءت مرحلة الفراغ القانوني عند إلغاء تطبيق القوانين الفرنسية ، ثم تعديل قانون الإجراءات الجزائية بتاريخ 17-06-1975 ، الذي قام بإلغاء المصالحة ، لنصبح في هذه الفترة بدون قانون جمارك لغاية سنة 1979 ، ثم تم سن أول قانون جمركي بمعرفة المشرع الجزائري ، لكن لم يكن ينص على المصالحة الجمركية بتسميتها هذه ،بل تحت تسمية ” التسوية الإدارية” ، وفضل عدم تسميتها بالمصالحة لعدم توافقها مع التوجه الاشتراكي المتبع أنداك ، وبقي الحال كما هو عليه، لغاية سن قانون المالية الجديد بتاريخ 26-12-1985 ، الذي سمح لوزير المالية التصالح مع مرتكبي جرائم الصرف ، وبعدها عدّل من جديد قانون الإجراءات الجزائية في 04-03-1986 و أعاد النص على انقضاء الدعوى العمومية بالمصالحة في المادة السادسة منه .[22]

وبعد هذا سارع المشرع الجزائري لتعديل قانون الجمارك الصادر سنة 1979 بموجب القانون 91-25 المؤرخ في 18-12-1991 المتضمن قانون المالية ، فتم النص في المادة 265 منه على المصالحة الجمركية في قانون الجمارك لأول مرة في قانون جمركي جزائري تحت تسمية : ” التسوية الإدارية ” [23]إلى أن صدر قانون المالية لسنة 1992 و استبدل عبارة ” التسوية الإدارية ” بـــ ” المصالحة الجمركية ” في نص المادة 136، وبقي القانون مطبقا لغاية 1998[24]لتستقر المصالحة الجمركية في تعديل قانون الجمارك في السنة الجارية 2017 ، بموجب التعديل 17-04 ما عدا بعض الأحكام الخاصة بالدعوى الجبائية ، التي مسها التعديل ذات العلاقة بالمصالحة الجمركية [25]، المشكل من كل هذه القوانين و التعديلات الطارئة، سواء في مرحلة تطبيق القوانين الفرنسية أو القوانين الجزائرية .

إن المشرع لم يحدد لنا الطبيعة القانونية للمصالحة الجمركية ، الأمر الذي أدى لتدخل الفقه ، خاصة فيما يخص تقييم فعالية هذا الإجراء ، وهو ما سنحاول التطرق إليه في هذا المطلب عن طريق تقسيمه إلى فرعين ، نخصص الفرع الأول للطرح الفقهي الذي يرى أن المصالحة الجمركية عقد من العقود ، في حين نخصص الفرع الثاني للطرح الفقهي الذي يرى أنها نوع من أنواع الجزاء ، وذلك على النحو الآتي :

الفــــــــــــــــــــــــــــــــرع الأول : : المصالحــــــــــــة الجمركيــــــــــــة عقــــــــــد مــــــــــــــــــــــــن العقــــــــــــــــــــود

اختلفت الآراء حول الطبيعة القانونية للمصالحة في المنازعات الجمركية ،بالرغم من تنظيمها و تعديل أحكامها لأكثر من مرة من طرف المشرع ، وسبب الاختلاف يكمن في عزوف المشرع عن حسم طبيعتها القانونية، خصوصا وأن المصالحة الجمركية- التسوية الإدارية سابقا- في صورتها القانونية و المادية تأخذ مظهرين وهما : قبول الإذعان لمنازعة جمركية أو المصالحة بصورتها المؤقتة أو النهائية [26]– سنتطرق لهذه الصور لاحقا- ، لذاك تفرقت الآراء بين الإقرار بالطبيعة العقدية و الطبيعة الجزائية ، وهو ما سنحاول التطرق إليه في نقطتين.

يرى جانب من الفقه أن المصالحة الجمركية هي ذات طبيعة عقدية في جميع الأحول فقط مع اختلاف صغير في تصور العقد الذي يتضمنها، وبهذا تخضع المصالحة الجمركية للقانون المدني المنظم لنظرية العقد بجميع صوره وفق ما يقارب المادة 459 من القانون المدني الجزائري أن : ” الصلح عقد ينهي به الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان به نزاعا محتملا ، وذلك بأن يتنازل كل منهما على وجه التبادل على حقه” ، فأساس كلاهما هو التراضي – الإيجاب و القبول- بما يماثل عقد العوض في شروطه القانونية ، كما يطبق على الصلحين نفس قواعد النيابة الشرعية كالولاية و الوصاية و الوكالة ، كما يشتركان في حسم النزاع و انقضاء الحقوق و تثبيتها ونسبية آثارهما ، وكذا المسؤولية المدنية التضامنية ، وخضوعهما لنفس أسباب البطلان ، وهو الرأي الذي يؤيده ” د. سر الختم عثمان إدريس” ، متجاهلا كل نقاط الاختلاف الموجودة بين المصالحة الجمركية و العقد المدني ،أبرزها عدم احتمالية وجود النزاع في القضايا الجمركية بل قطعيته، فهو موجود حتما وتهمين عليه الإدارة الجمركية ، إضافة إلى المراكز القانونية التي يكون عليها الأطراف ،لأن أطراف العقد المدني على درجة تامة من التساوي – العقد شريعة المتعاقدين- خلافا للمصالحة الجمركية التي يتفوق فيها مركز الإدارة الجمركية على مركز المخالف، لذلك لم يسلم هذا الرأي من النقد.[27]

بالنسبة للاتجاه الفقهي الثاني، فهو يرى أن المصالحة الجمركية عقد إذعان ، وهذا الأخير ، هو ذلك العقد الذي يحول دون مناقشة مضمونه، بحيث يأخذ فيه الاتفاق شكل البنود و ليس شكل الشروط، وفحواه يتحدد بإرادة واحدة ، لأن أطراف المنازعة المصالحة الجمركية ليسوا على درجة واحدة من المكانة ،نظرا للامتيازات التي تتمتع بها إدارة الجمارك، وهذا الطرح مردود عليه لأن المسؤول عن الجريمة الجمركية ليس مجبرا على الرضوخ لرغبات الإدارة الجمركية دائما، فله عدم إجراء المصالحة و تفضيل إجراءات التقاضي الكلاسيكية ، حتى و لو كان الفرض الثاني أسوء حالا من المصالحة .[28]

الرأي الثالث بزعامة “Doubrie ” و ” Douboukin” يرى أن المصالحة الجمركية عقد إداري ،انطلاقا من المعيار العضوي المحدد للعقود و المنازعات الإدارية،وفق ما تم النص عليه في المادة 800 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية كإسقاط على التشريع الجزائري-،لذلك أطراف المصالحة الجمركية شخص من أشخاص القانون العام و هي إدارة الجمارك ، وفضلا عن كل هذا تهدف المصالحة الجمركية لحماية مصلحة عامة أجدر بالحماية و هي حماية حقوق الخزينة العامة ، دون أن ننسى ما قد تستعمله الإدارة من شروط غير مألوفة في نطاق المبادئ العامة المدنية ، وما تتمتع به من امتيازات السلطة العامة، وأكبر دليل على ذلك فرض مبلغ المصالحة الجمركية فرضا من طرف الإدارة على المخالف ، غير أنه سرعان ما وجهت سهام النقد لهذا الرأي هو الآخر، من طرف “د. سر الختم عثمان إدريس” فحواه أن سلطات الإدارة في العقد الإداري ، أوسع من سلطاتها في المصالحة مع المخالف الذي يملك دائما حق رفضها ، ولأن الإدارة في العقد الإداري تملك سلطة تعديل شروط العقد وعقاب المخالف على عدم التنفيذ، وليس لها أن تفعل ذلك في المصالحة ، كما أنه تحال حاليا القضايا الجمركية – بعضها- للقضاء المدني و ليس الإداري خاصة في حالة عدم دفع غرامة المصالحة وفق المادة 273من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية .[29]

ظهر رأي أخير يعتبر المصالحة الجمركية مقررا إداريا صادرا عن لجان المصالحة ،لأن الإدارة الجمركية بإرادتها المنفرد هي من تقوم بإصداره و تصادق عليه ، وفي حالة تجاوز السلطة ، يجوز للمخالف رفع دعوى تجاوز السلطة أمام القضاء الإداري ، أو حتى بدعوى الإلغاء ، وأسس طرحه على حكم لمحكمة النقض الفرنسية آنذاك .[30]

نحن في تقييمنا لجميع هذه الآراء ، لا نستطيع الإنكار بأنها تحمل جزءا من الصواب، لأن المصالحة الجمركية شئنا أم أبينا ، تستمد خطوطها الرئيسية من القانون المدني و حتى القانون الإداري ، لكن دائما مع خصوصيات ردعية لطبيعة منشأ المصالحة، وهو المنشأ الإجرامي ،أي المخالفة الجمركية.

الفــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرع الثاني : المصالحــــــــــة الجمركيـــــــــة نـــــــــــــــــــوع مــــــــن أنـــــــواع الجــــــــزاءات

نتيجة لسهام النقد الموجهة للاتجاه الفقهي القائل بالطبيعة العقدية للمصالحة الجمركية، ظهر اتجاه فقهي آخر ينادي بالطبيعة الجزائية للمصالحة، لأنه حسب رأيهم ، رغم احتمال المصالحة لصفات عديدة من القواعد المدنية و الإدارية، إلا أننا لا نستطيع إنكار منشئها الإجرامي و هو الجريمة الجمركية، ومصيرها الحتمي في حالة نجاحها، و هو انقضاء الدعوى العمومية ، الأمر الذي أدى بالفقه إلى اعتبارها جزاء من الجزاءات ، و منهم من يرى أنها عقوبة جزائية ، في حين يرى البعض الآخر أنها جزاء إداري .[31]

يرى كل من كل من الفقيهين : ” Mazart” و “Polan” ،أن المصالحة عقوبة جزائية لاحتمالها لبعض صفاتها، ولأن المصالحة الجمركية تنقص من الحقوق المالية للمسؤول عن الجريمة الجمركية مثل العقوبة ، وهي تخضع لمبدأ الشرعية طبقا لنص المادة 265 من قانون الجمارك و التنظيمات ، حتى وإن لم يحدد المشرع مقدار غرامة المصالحة و ترك أمر تقديره للإدارة الجمركية ، ورغم ذلك فرض عليها قيدا قانونيا، وهو عدم تجاوز قيمة العقوبة المقررة قانونا [32]، وإلا ما الفائدة من المصالحة في الحالة الأخيرة ؟ ، كما تخضع المصالحة لمبدأ العدالة نظرا لإمكانية لجوء جميع المتهمين إليها ، ما عدا من تم استبعاد جرائمهم بنصوص قانونية . وكذلك تتضمن المصالحة الجمركية لعنصر الإيلام المقصود ، و فحواه النيل من جزء من الذمة المالية للمخالف ، وذلك قبل أن يصدر حكما نهائيا، أما إذا صدر حكم نهائي من القضاء ، فهنا تعتبر المصالحة عقد صلح مدني وفوق كل هذا، تتجاوز قيمة غرامات التصالح الأضرار اللاحقة فعلا بالخزينة العامة[33] ، ألا يعتبر هذا عقوبة جزائية ؟ .

بالطبع وُجِّه لهذا الرأي نقد لاذع ، مفاده افتقار المصالحة لصفات أساسية تتضمنها العقوبة ، وهي صفة القضائية في العقوبات الجزائية ، بينما المصالحة الجمركية تتم على هامش القضاء ، كما أن المصالحة الجمركية لا تتقيد بالأهداف القانونية للعقاب ، وفيها يباح للإدارة ما يحرم على القضاء ، لأنه يجوز للإدارة الجمركية إفادة المخالف بالظروف المخففة ، بينما يمنع ذلك منعا باتا إذا أحيلت المنازعة الجمركية إلى القضاء ، إضافة إلى عدم تقيد المصالحة الجمركية بمبدأ شخصية العقوبة عند إلزام الورثة بدفع مقابلها عند وفاة المخالف الأصلي .[34]

ظهر اتجاه فقهي آخر بزعامة كل من : “DILIMAS MARTY” و “KOLIN” و “BOTTAIRE” مفاده الاعتراف بطبيعة الجزاء الإداري للمصالحة الجمركية ، تصدره الإدارة الجمركية ،لأن العقوبة الجزائية ليست حكرا على القضاء تقليصا للقضايا المعروضة عليه ، إضافة لعدم تخصص القضاة في المجال الجمركي ، والجزاء الإداري هو جزاء مشروع ، أقره المجلس الدستوري في فرنسا ، و يطبق نفس الحكم في الجزائر – رغم عدم التصريح بذلك – وبالرغم من خروج الجزاء الإداري عن مبدأ الفصل بين السلطات ، شرط عدم مساس الجزاء الإداري بالحرية الفردية للمخالفين ، ومرد ذلك أن القضاء وحده من يملك هذه المكنة ، وإلا أصبحنا أمام عدالة موازية ، أما الشرط الثاني في الجزاء الإداري فهو احترام المبادئ العادلة في القانون الجزائي كالحق في الدفاع و الحق في الطعن، وعليه استطاع الفقه تعريف الجزاء الإداري على أنه :” كل جزاء صادر عن سلطة إدارية، تتمتع بامتيازات السلطة العامة ، سواء كانت خاضعة للقانون العام أو للقانون الخاص ، بهدف قمع الخطأ ، شرط أن لا تتضمن مساسا بالحرية الفردية، مع احترام حق الدفاع و حق الطعن” ، وبهذا يخضع الجزاء الإداري لمبدأ الشرعية، عن طريق القواعد التنظيمية التي تخضعها الجهة الإدارية ، وإذا تجاوزت هذه الأخير حدود التفويض التشريعي ، فيكون قرارها قابلا للإلغاء أمام القاضي الإداري، نحو إقرار قانون جنائي إداري يقوم على مبدأ عدم رجعية النصوص الجزائية الإدارية و مبدأ التفسير الضيق للنص الجزائي، وهو ما اعتنقه المجلس الدستوري الفرنسي آنذاك.[35]

يرى الفقه أن العناصر الموضوعية للجزاء الإداري متوفرة حقيقة في المصالحة الجمركية ، خلافا للقواعد الإجرائية التي تغيب تماما فيها، خصوصا المبادئ العادلة للقانون الجزائي، التي غالبا ما يتضمنها قانون الشرفاء- قانون الإجراءات الجزائية، كالحق في الدفاع و الحق في العلم بالتهمة و الحق في الطعن، وعلى العموم الإدارة الجمركية في الجزائر لا تحرم المتهم من حقه في العلم بالتهمة ، لكن تسلبه حقه في الدفاع ، لأن هذا الأخير يزول تماما في المرحلة الإدارية ، فلا يستطيع المسؤول عن الجريمة الجمركية آنذاك ، تقديم طلبات للإدارة الجمركية خلافا لمرحلة الطعن القضائي ، ويضيف الفقه أن الإدارة الجمركية غير ملزمة بتمكين المخالف من حقه في الاستعانة بمحام إذا لم يكن له محامٍ ، وهي غير ملزمة على تأجيل أو إيقاف إجراءات المصالحة في حالة غيابه كما هو مستقر عليه في المحاكمات الجزائية ، وحتى لو وجد محام ، فإدارة الجمارك غير ملزمة برأيه أو طلباته .[36]

يغلّب الفقه صفة الخصوصية على المصالحة الجمركية و يعتبرها جزاء من نوع خاص [37]، وفي هذا نحن لا نوافق هذا الجانب من الفقه، فنحن نرى أن المصالحة الجمركية عقوبة جزائية بأتمِّ معنى الكلمة لصرامة شروطها و إجراءاتها ، فضلا عن هيمنة الإدارة الجمركية على كافة مراحلها، بما يفوق مركز المسؤول عن الجريمة الجمركية، حتى وإن غابت بعض خصائص الجزاء الجنائي فيها ، وهذا مرده تقنية و خصوصية المجال الذي تنظمه وهو المجال المالي – الجبائي- كصورة لحماية الخزينة العامة .

المبحث الثانـــــــي : أحكـــــــــام المصالحـــــــــة في التشريـــــــــع الجمركــــــي الجزائــــــــــري

حرصا من المشرع الجزائري في مادة الجمارك على تحقيق نوع من الموازنة أو المقاربة بين مقتضيات الثوابت القانونية و القضائية الراسخة في المنازعات ، وبين الضرورة الحتمية لحماية الاقتصاد الوطني من التلاعب والاستنزاف، تم إحاطة المصالحة في المنازعات الجمركية بمجموعة من الضوابط و الشروط والإجراءات القانونية التي تراعي- نوعا ما- الفرضين معا ، مع نوع من التغليب للطبيعة التقنية للمادة الجمركية ، وفي هذا الإطار نص المشرع الجمركي في المادة 265 على الأصل العام في المنازعات الجمركية ، وهو إحالة المسؤولين عن الغش الجمركي والجرائم الجمركية إلى المتابعة القضائية وفق الطرق الكلاسيكية ، قصد محاكمتهم طبقا للقانون ، وكحالات خاصة يرخص لإدارة الجمارك إجراء مصالحة مع مرتكبي المخالفات الجمركية بناء على طلبهم [38]، وهو ما سنحاول التطرق إليه في مضمون هذا المبحث بتقسيمه إلى مطلبين، نخصص الأول للوقوف على صرامة شروط المصالحة الجمركية تبعا للامتيازات الممنوحة لإدارة الجمارك في مباشرة إجراءاتها بمنأى عن الرقابة القضائية ، في حين نخصص المطلب الثاني لما يترتب عن المصالحة الجمركية من أثار ما لم تعترض إجراءاتها عوارض ، وفق ما هو معمول به في قانون الجمارك الجزائري ، وذلك كالآتي :

المطلب الأول : صــــــــــرامـــة شــــــــــروط المصالحـــــــــــة الجمركيــــــــــــــــة

يكاد يخلو أي تشريع جمركي من النص على المصالحة الجمركية ، التي تتضمن عفوا عن جزء من العقوبات المالية المستحقة ، وهذا يعتبره الفقه إظهارا جليا لتبعية المصلحة العامة للمصلحة الخاصة بما يبدو أنه يناقض المبادئ القانونية العامة [39]، إلا أن هذه الأخيرة مرهونة بتحقيق شروط موضوعية و إجرائية صارمة ، يترتب على عدم احترامها بطلان المصالحة، و هو ما أردنا التطرق إليه في هذا المطلب، عن طريق تقسيمه إلى مطلبين، نخصص الأول لمسألة التقييد القانوني لموضوع المصالحة بجرائم محددة ، في حين نخصص الثاني للوقوف على صرامة الشروط الإجرائية للمصالحة ، بنوع من الاختصار على النحو الآتي:

الفــــــــــرع الأول : التقييــــــد القانونــــــــــي لموضــــــــوع المصالحــــــــة بجرائـــــــم محـــــددة

يشترط لإتمام المصالحة الجمركية ، أن يكون محلها من الجرائم التي يجوز فيها هذا الإجراء قانونا ، لذلك فالأصل أن جميع الجرائم الجمركية – سواء كانت جنايات، أو جنح ، أو مخالفات- تستطيع أن تكون محلا للمصالحة، وإذا أخذنا بعمومية هذا الكلام ،تصبح جميع الجرائم الجمركية المحددة في قانون الجمارك الجزائري[40]أو في الأمر المتعلق بمكافحة التهريب محلا لإجراء المصالحة فيها [41]، لكن المشرع الجمركي لم يترك الأمر على إطلاقه ، حتى لا يفلت مرتكبو أبشع الجرائم الجمركية من العقاب، ومنهم مرتكبي جرائم التهريب كالأسلحة و المخدرات ، لذلك جاء القانون الجمركي بعدد من الجرائم تستبعد فيها المصالحة، نظرا لخطورتها على المجتمع و مصالح الخزينة العامة[42]،وهي تلك الجرائم المتعلقة بالبضائع المحظورة عند الاستيراد أو التصدير، التي تتضمن علامات منشأ مزورة ، أو تلك التي يكون منشؤها محل مقاطعة أو حضر تجاري، وكل بضاعة أخرى مخالفة للآداب العامة كالكتب و الأفلام الإباحية [43]، كما تم استبعاد كل جرائم التهريب الجمركي الواردة في الأمر المتعلق بمكافحة التهريب .[44]

لا يفوتنا التذكير بالخطأ الذي وقع فيه المشرع الجزائري في ترجمة تعريف الجريمة الجمركية التي يعرفها قانون الجمارك على أنها: ” كل انتهاك للقوانين و الأنظمة التي تتولى إدارة الجمارك تطبيقها ، ويعاقب عليها قانون الجمارك” فمن قراءة هذا التعريف يتضح أن المشرع في النسخة العربية استعمل مصطلح ” مخالفة” ، بينما في النسخة الفرنسية استعمل مصطلح ” infraction “، بالرغم من أن الترجمة الصحيحة للمصطلح الأخير هو” جريمة جمركية ” بكافة درجاتها ” جنايات ، جنح، و مخالفات” ولا يقتصر الأمر على المخالفات فقط كصنف من الجرائم [45]، فهل يعني هذا أن كل جرائم التشريع الجمركي تجوز فيها المصالحة حسب هذه التسمية؟ طبعا لا .

علاوة على ما سبق ذكره ، وحسب الفقه مستندا في ذلك إلى الاجتهاد القضائي ، لا تجوز المصالحة الجمركية إلا في مجال الجرائم الجمركية في حالة تعدد الأوصاف القانونية ، ولا ينصرف أثرها لباقي الجرائم التي تتضمنها قوانين أخرى غير قانون الجمارك ، ، كما لو ارتبطت الجريمة الجمركية بجريمة أخرى من قانون العقوبات أو إحدى القوانين الخاصة ، ونفس الحكم في حالة تعدد الجرائم ، ولعلل أبرز مثال على ذلك، قيام أحد مرتكبي الجرائم الجمركية –المخالفات المعاينة عند المراقبة الجمركية للمظاريف البريدية المجردة من أي طابع تجاري[46]-وأثناء معاينة المخالفة من طرف إدارة الجمارك – ضابطة الجرائم الجمركية- يغضب الشخص المخالف و يقوم بالتعدي على موظفي الجمارك ، وهو الفعل المشكل لجريمة الاهانة و التعدي على الموظف العمومي[47]، ثم عند اقتياد المسؤول عن هذه الجريمة إلى المكتب الجمركي يقدم طلبا للمصالحة ، وتقبل طلبه الإدارة الجمركية، فهنا أثر المصالحة يشمل فقط الجريمة الجمركية دون الجريمة المنصوص عليها في قانون العقوبات إلا إذا تنازل العون الجمركي وفضل الصفح، لأن صفح الضحية يضع حدا للمتابعة في هذا النوع من الجرائم .[48]

نحن بدورنا لنا أن نتساءل عن عدد المرات التي يمكن أن يستفيد فيها مرتكب الجريمة الجمركية من فرصة المصالحة مع الإدارة الجمركية ؟ ، بمعنى هل يوجد حد معين لعدد المرات التي يرتكب فيها الشخص جريمة جمركية و إذا تعداها لا تتم المصالحة وترفع المنازعة إلى القضاء، أم الباب يبقى مفتوحا ، ويخضع ذلك للسلطة التقديرية للإدارة الجمركية ؟ .

حسب “د. سعيد يوسف محمد يوسف” قانون الجمارك الجزائري لم يثر هذا الأمر ، وهو نقص واضح فيه ، ومن غير المنطقي أن يبقى الأمر بهذه المرونة و الطلاقة ، فلا بد من وضع حد يجبر الإدارة الجمركية على عدم القيام بالمصالحة أمام من كثرت جرائمه [49] ، ونحن بدورنا نؤيد هذا الرأي ، لأن عدم تقييد عدد المرات التي يمكن فيها إجراء مصالحة ، من شأنه حقيقة إزالة الصفة الردعية للقانون الجمركي ، ويصبح هذا الأخير في حالة عدم ضبط نصوصه ، قانونا يشجع الإجرام ، فيستغل المجرمون ثغراته القانونية للإفلات من العقاب ، فيصبح المخالف يعلم بوجود فرصة المصالحة ، حتى و لو بلغت جرائمه من الكثرة ما لا يعد ولا يحصى ، وهذا إهدار لمبدأ الشرعية كذلك ، وإهدار للمصلحة المحمية بالقانون الجمركي، فكيف يحمي هذا الأخير المصلحة العامة من جهة ، ويهدرها من جهة أخرى ؟

الأمر الذي نتوجه من خلاله إلى المشرع طالبين منه تحديد عدد المرات الممكن إجراء المصالحة فيها ، وإنا لنقترح مرتين كحد أقصى .

الفرع الثانـــــــي : صرامـــــــــة الشــــــــروط الإجرائيــــــــــة للمصالحــــــــــة الجمركيـــــــــــــة

يشترط قانون الجمارك الجزائري لإجراء المصالحة بين المسؤول عن الجريمة وإدارة الجمارك، بعض الشروط الإجرائية ، بعضها تخص الشخص المخالف و البعض الآخر يخص الإدارة الجمركية ، وهو ما سنحاول شرحه في نقطتين بنوع من الإيجاز.

أولا : الشـــروط الإجرائيــــة للمصالحــــــــة الجمركيـــــــة المتعلقــــــــة بالمســــــــــؤول عــــــــــــــــن الجريمــــــــــــة

يتخذ المسؤول عن الجريمة الجمركية صورا عدة ، استنادا لعمومية العبارة التي تضمنتها المادة 265/2 بقولها : ” يرخص لإدارة الجمارك بإجراء المصالحة مع الأشخاص المتابعين بسبب المخالفات الجمركية ” ، فالمادة كما يلاحظ استعملت مصطلح ” الأشخاص المتابعين بسبب المخالفات الجمركية ” ، ويشمل هذا المفهوم كل من الفاعل الأصلي[50]الذي يشمل بدوره حائز و ناقل البضاعة محل الغش [51] ويعد مسؤولا كذلك الوكيل لدى الجمارك [52]وكذا المتعهد لدى الجمارك- من يحرر التعهد باسمه و يضمن الوفاء بالالتزامات التي تخص المستفيد من الأنظمة الاقتصادية الجمركية –[53]، وقد يكون أحيانا المسؤول عن الجريمة الجمركية شريكا [54] ، أو مستفيدا من الغش[55].

كذلك إذا كان مرتكب المخالفة مسؤولا مدنيا بصفته مالكا للبضائع محل الغش أو كفيلا [56]، ويشترط في كل هؤلاء التمتع بأهلية الأداء و أهلية الوجوب ، وإذا كانوا أشخاصا طبيعيين يجب بلوغهم سن الرشد ، وفق ما هو معمول به في القانون المدني الجزائري- وليس سن الرشد الجزائي- ، متمتعين بكافة قواهم العقلية[57] ، أما إذا كان مرتكب المخالفة شخصا معنويا ، فيشترط للمساءلة أن يرتكب الفعل الإجرامي من طرف ممثليه الشرعيين، وأن يكون هذا السلوك داخلا في حدود السلطة الممنوحة لهم ، علما أن الشخص المعنوي، أصبح يتحمل المسؤولية الجزائية، وقدتم التنصيص على ذلك لأول مرة في قانون الجمارك الجزائري المعدل بموجب القانون 17-04 .[58]

يشترط في كل الأشخاص الواردين أعلاه تقديم طلب للإدارة الجمركية ، يكون مكتوبا معبرا فيه المسؤول عن الجريمة الجمركية عن إيجابه – الدعوة للمصالحة- ، بالرغم من عدم اشتراط الكتابة في قانون الجمارك الجزائري وفق المادة 265 ، لكن شرط الكتابة يُستشفُّ من المرسوم المحدد للجان المصالحة ، والمتضمن استمارات لملئها كملحق [59]، ولا يشترط أن يكون ذلك بتعبير أو لغة معينة[60]،فقط يلتزم مقدم طلب المصالحة بدفع 25 بالمائة من قيمة الغرامة النهائية للمصالحة ، و التي تخصم له منها فيما بعد ، سواء في مرحلة المصالحة المؤقتة أو في حالة قبول الإذعان لمنازعة جمركية ، لضمان الجدية في إجراء المصالحة .[61]

أما عن ميعاد المصالحة ، فهو مفتوح ، يستطيع مرتكب الجريمة الجمركية تقديم طلبه في أي مرحلة كانت عليها المنازعة ، حتى ولو كان الحكم القضائي قد حاز قوة الشيء المقضي فيه ، واستوفى طرق وآجال الطعن بالنقض ، لكن في هذه الحالة الأخيرة يقتصر أثر المصالحة على العقوبات الجبائية- المالية – فقط ، دون العقوبات الجزائية كالحبس و المصادرة[62]، وفي هذا حسب رأينا نعتمد على قدسية الحكم القضائي الذي يعتبر مرآة للحقيقة.

ثانيـــــــــــــــا : الشــــــروط الإجرائيـــــــــة للمصالحـــــــة الملزمــــــــة للإدارة الجمركيـــــــــــــة

يوجه طلب المصالحة الجمركية إلى إدارة الجمارك وفق ما ورد في قانون الجمارك و نصوصه التنظيمية ، مع الأخذ بعين الاعتبار المبلغ المالي الذي تم التملص منه ، وصفة المخالف و مخالفته المرتكبة، على شكل هرم معياري كل صنف من المخالفات بما هو مقرر لها من غرامات مالية للمصالحة ، تخضع لرأي إما المدير العام للجمارك أو أدنى منه المديرون الجهويون للجمارك ، أو أدنى منه رؤساء مفتشيات الأقسام ، أو أدنى منه رؤساء المتفشيات الرئيسية، أو كدرجة أخيرة رؤساء المراكز[63]مع الإشارة إلى أن موافقة إدارة الجمارك ضرورية للقيام بالمصالحة، وليست مجبرة على قبولها، لأنها ليست حقا خالصا لمرتكب الأفعال المجرمة، فالإدارة الجمركية ليست مجبرة على قبول طلب المصالحة، بل وحتى مسألة الرد عليه، وفي حالة عدم الرد فيفسر ذلك رفضا، وعلى الإدارة الجمركية قبل إصدار القرار النهائي، أن تقوم بعرض الملف –الذي قد يتضمن قبول الإذعان لمنازعة جمركية أو مصالحة مؤقتة- على اللجان المختصة وفق ما اشترطته المادة 265من قانون الجمارك.[64]

المصالحة المؤقتة : تأتي على شكل محضر محرر يتضمن نفس المعلومات التي يتضمنها قبول الإذعان للمنازعة الجمركية، مع الإشارة إلى تحديد الآثار المترتبة على التصالح في حالة نجاح وفشل المصالحة، مع أن إدارة الجمارك تبقى محتفظة بذلك العربون المالي، لغاية الفصل النهائي في النزاع، حتى في الفرضية التي يتم إحالته إلى القضاء، أما قبول الإذعان لمنازعة جمركية، فهو محرر تحرره إدارة الجمارك، يتضمن عرضا وجيزا للوقائع المجرمة وإقرارا فوريا من المخالف بارتكابها، مع التزامه بدفع ما تقرره الإدارة كمقابل للمصالحة ، وإيداع مبلغ مالي صغير كعربون للتصالح، ضمانا للاستمرار في المصالحة، بحيث تدلي اللجنة الوطنية في طلبات المصالحة، عندما يفوق مبلغ الحقوق والرسوم المتغاضى عنها 1.00.00مليون د.ج، أما اللجان المحلية فتدلى برأيها في المخالفات ما عدا مخالفات أعمال التهريب، عندما يكون مبلغ الرسوم500.000د.ج، دون أن يتجاوز1.000.000مليون، مع إعفاء هذه اللجان من الإدلاء برأيها عندما يكون مرتكب الجريمة الجمركية قائد سفينة، أو مركب جوي أو مسافر، وكذا لا تدلي برأيها عندما يقل مبلغ الحقوق والرسوم المتغاضى عنها500.000د.ج.[65]

توجد اللجنة الوطنية للمصالحة في مقر المديرية العامة للجمارك، أما اللجنة المحلية، فتوجد في مقر كل مديرية جهوية [66]، يرى الفقه أن أخذ الاستشارة في الحالات التي أمر بها القانون واجبة، لكن هذه الآراء، ليست بملزمة لمسؤولي إدارة الجمارك القائمين بالمصالحة.[67]

بعد القيام بكل الإجراءات التنظيمية والمرحلية الواردة في المسوم99-198، يقوم الموظف المختص بإصدار قرار المصالحة، متضمنا ما يجب دفع من مبالغ مالية- مقابل مالي- مع إعطاء المسؤول عن الجريمة الجمركية أجلا للدفع، علما أن هذا الأجل غير محدد في النصوص القانونية والتنظيمية، لكن من الناحية العملية تمنح إدارة الجمارك مدة 45 يوما، وفواتها يعني عرض المنازعة للقضاء.

ومن كل هذا يظهر المركز المتفوق للإدارة الجمركية في هذا النوع من المنازعات، ويعتبر د.أحسن بوسقيعة أن المصالحة الجمركية ليست مصالحة حقيقية ، وإنما جزاء إداري تحت قناع[68]. وعلى العموم يتضمن قرار المصالحة، جميع المعلومات التي تسمح بالتعرف على الأطراف محل الاتفاق وأجل تنفيذه، وإذا لم ينفذ المسؤول عن الجريمة الجمركية التزاماته المالية، تقوم إدارة الجمارك بحجز المبلغ الذي أودعه كضمان-عربون المصالحة- وتباشر إجراءات المتابعة الجزائية أمام القضاء[69].

و نحن نخالف ما يراه الفقه في هذا المقام ، ونرى أن المصالحة الجمركية عقوبة جزائية بأتم معنى الكلمة. لما تنقصه من الذمة المالية لمرتكب الجريمة ، و لعدم تساوي أطراف المنازعة في إجراءاتها .

المطلب الثاني: عـــــــــــــوارض وآثـــــــــــار المصالحــــــــــــــة في المــــــــــــــادة الجمركيـــــــــــــــــــــــة

الأصل العام، أن أثر المصالحة الجمركية يمس المتابعات، أي الدعاوي المترتبة عن الجريمة الجمركية، إذا تمت وفق الضوابط المنصوص عليها في النصوص الجمركية القانونية والتنظيمية، غير أنه قد تحدث من العوارض ما يوقف المصالحة الجمركية أو يعرضها للبطلان، وهو ما سوف نتطرق إليه في مضمون هذا المطلب، بتقسيمه إلى فرعين مختصرين، نخصص الأول لدراسة العوارض الممكنة للمصالحة، في حين نخصص الثاني لمختلف الآثار المترتبة عليها في حالة نجاحها.

الفـــــــــــــــرع الأول: مــــــــــا قد يعتـــــــــــــــرض إجـــــــــــــراء المصالحــــــــــــــــــــــة الجمركيـــــــــــــــــة

قد يعترض إجراء المصالحة حالة مراجعة؛ بإدخال تعديلات عليها متعلقة بجانبه الشكلي، هذه الأخيرة لا تؤدي إلى بطلانها أو إنهائها ، لكن يجب تدارك هذه العوارض بالتصحيح، كوجود خطأ في حساب قيمة غرامة المصالحة، أو خطأ في أسماء الأطراف أو في حالة بروز معطيات جديدة في القضية، علما أن قانون الجمارك لم ينص بدوره على هذه الحالات، لكن يمكن تطبيق القواعد العامة عليها في القانون المدني حسب ما نصت عليه المادة 48 وما يليها، إذ يكون التصحيح وفق هذه الفرضية، عن طريق ما يسمى بالطعن السلمي، كشكل من أشكال الطعن في العقوبات الإدارية، أمام الهيئة العليا المباشرة. وفي هذا الفرض تتمتع السلطة العليا بما يسمى بــــ” حق التصدي” بعد تلقي طلب من المسؤول عن الجريمة الجمركية، وبمجرد استلام الهيئة السلمية لهذا الطلب، تتوقف المتابعة القضائية إذا كانت المنازعة معروضة أمام الإقصاء، ليأتي القرار من السلطة السلمية بالقبول أو الرفض.[70]

قد يعترض المصالحة الجمركية كذلك أسباب تؤدي إلى إنهائها كليا بأثر رجعي، إما عن طريق فسخها؛ وذلك بمناسبة ممارسة إدارة الجمارك لسلطتها التقديرية في تحديد مبلغ المصالحة –وليس مجال إجراء المصالحة- بممارسة ما يسمى بــــ “الطعن القضائي”، ومثال ذلك إذا كانت المصالحة الجمركية قد أجريت واكتشف المخالف عدم اختصاص السلطة التي أجرت معه المصالحة، أو بالغت في تحديد مبلغها، ففي هذه الفرضية يستطيع المتصالح معها الطعن أمام مجلس الدولة بتجاوز السلطة، على أن يمارس القضاء الإداري رقابة شرعية فقط دون رقابة ملائمة، لأنه لا يستطيع تحديد مبلغ المصالحة، بل يراقبه وفق حده الأعلى المحدد في القانون والتنظيم، أما الطعن أمام القضاء العدلي-العادي- فهو غير جائز إلا في حالة الدفع بالبطلان.[71]

تكون المصالحة الجمركية عرضة للبطلان أمام القضاء العادي ، في حالة توفر عيوب الرضا، المعروفة في قواعد القانون العام، كالإكراه والتدليس والغبن في حالة توفر شروطهم، كما قد يثار الدفع بالبطلان في حالة عدم اختصاص ممثل الإدارة [72]وفق قواعد الاختصاص المحددة في الهرم المعياري حسب مؤشرات مالية.[73]

يكون الطعن في المصالحة عن طريق تحريك دعوى البطلان أمام القضاء المدني في حالة توفر عيوب الرضا أو في حالة عدم الاختصاص وفق ما تم شرحه[74]، أمام المحكمة الواقعة في دائرة اختصاص الإدارة الجمركية الأقرب لمكان معاينة الجريمة عن طريق الحجز، أما إذا لم تكن محل محضر حجز، فإننا نطبق في هذه الحالة قواعد القانون العام، وفي الحالتين نطبق قواعد قانون الإجراءات المدنية أمام القسم المدني في أجل 15 سنة[75]، وبمجرد القضاء بالبطلان تزول آثار المصالحة، وهذا في حالة وجود مخالف واحد، أما في حالة وجود عدد من المخالفين، وحدث أن دفع أحدهم بالبطلان، ففي هذا الفرض لا يتجزأ البطلان، بل تبطل المصالحة مع الجميع، ما لم يقصد كل طرف الاستقلال بالمصالحة لوحده مع الإدارة الجمركية.

بقي لنا التذكير أن اعتراف المخالف بالجريمة المرتكبة لا يمنع القاضي من الاستناد عليها إذا أحيلت إلى القضاء، فالاعتراف لا يلحقه البطلان وليس بينهما علاقة.[76]

الفــــــــــــــــــرع الثانــــــــــــــي: آثــــــــــــــار المصالحـــــــــــــــــــــــة الجمركيــــــــــــــــــــــــــــــة

يترتب على المصالحة الجمركية في حال إتمامها صحيحة، خالية من العيوب، ووفق ما تم نص عليه في القواعد القانونية والتنظيمية عدة آثار بالنسبة لأطرافها وبالنسبة للغير.

يترتب على المصالحة الجمركية بالنسبة لأطرافها أثرين وهما: أثر الانقضاء، وأثر التثبيت، فقبل صدور الحكم النهائي البات، تؤدي المصالحة الجمركية إلى انقضاء الدعوى العمومية ، ومعها الدعوى الجبائية، ومن هنا يبرز إشكال قانوني حول الدعوى العمومية، فكيف تملك إدارة الجمارك التصرف في دعوى عمومية ملك للمجتمع؟ ، ونحن نعرف أن من خصائص الدعوى العمومية خاصية عدم قابليتها للتنازل، ومن هذا المنطلق تهيمن جهة إدارية بحتة على إجراءات المصالحة ،وهذا ما نراه كذلك خرقا لمبدأ الفصل بين السلطات، فهي حكم وخصم في المنازعة الجمركية (عدالة بصبغة إدارية) ، خلافا للدعوى المالية التي تعتبر ملكا لإدارة الجمارك، وإن كان بإمكان النيابة العامة مشاركتها فيها[77]، وهو ما استقر عليه قضاء المحكمة العليا[78]، فضلا عن التنصيص عليه في قانون الإجراءات الجزائية.[79]

و نحن بدورنا ، لنا أن نتساءل قبل تحريك الدعوى العمومية أصلا، بل وقبل صدور حكم نهائي، عن أثر المصالحة في هذه الفرضية حقيقة ،فهل المصالحة بمثابة انقضاء للدعوى العمومية، أم هي انقضاء لأثر الجريمة؟.

وإنا لنفضل عبارة انقضاء لأثر الجريمة الجمركية في الحقيقة ،وليس انقضاء للدعوى العمومية، لأن الدعوى العمومية في هذه المرحلة لم تحرك بعد وهو الغالب.

أما بعد صدور حكم نهائي، فهنا لا أثر للمصالحة على العقوبات الجزائية، وهي العقوبات السالبة للحرية أو العقوبات المالية الجزائية كالغرامة العقابية، بل تؤثر المصالحة فقد على العقوبات الجبائية-المالية- وهي الغرامات والمصادرات، دون العقوبات الجزائية، فضلا عن إقرار أثر التثبيت، إما لصالح إدارة الجمارك في قبض مقابل المصالحة أو رد الأشياء للإدارة الجمركية، وإما تثبيت حقوق لمرتكب الجريمة الجمركية، ومن قبيل ذلك التزام إدارة الجمارك برفع اليد عن الأشياء المحجوزة وردها لأصحابها.

و الجدير بالذكر أن هذه الآثار ذات تطبيق نسبي لا تشمل إلا أطراف المصالحة في حالة نجاحها، دون الفاعلين الآخرين أو الشركاء أو المستفيدين من الغش الذين لم يقوموا بإجرائها مع الإدارة، فلا ينتفع منها الغير ولا يضار منها، ولا يلزمون بدفع مقابلها ، إلا إذا أجروا بدورهم المصالحة، لذلك ووِفقا لهذا المفهوم لا يمكن للمخالف الذي ألزمته الإدارة بدفع مقابل المصالحة ممارسة دعوى الرجوع بالتضامن على المخالفين الآخرين؛ لاستيفاء ثمن مقابل المصالحة منهم، ما لم يتصالحوا كما فعل المتهم. وفي جميع الأحوال لا تحول المصالحة دون ممارسة حق من تضرر من الجريمة الجمركية في المطالبة بالتعويض.[80]

الخــــــــــــــاتـــــــــمـــــــــــــــــة

وفي ختام هذه الورقة البحثية نستخلص أن المصالحة الجمركية، بالرغم من الانتقادات الموجهة إليها، إلا أنها مازالت تساهم بشكل كبير في إصلاح العدالة وتحقيق النجاعة القضائية، غير أننا لا نحبذ بدورنا خرقها لمبدأ الفصل بين السلطات، كما لا نحبذ الهفوات والثغرات التي تضمنها القانون الجمركي، خاصة في المصطلحات المستعملة ،وهو ما يجعلنا نتمسك بموقفنا منها كونها عقوبة جزائية خالصة حاملة لصفات الجزاء الجنائي بالنظر للامتيازات التي تتمتع بها إدارة الجمارك و يحرم منها المتهم بالمقابل ، وعلى كل، نقترح في سبيل التخلص من عيب التداخل بين السلطات، وحتى لا تكون إدارة الجمارك حكما وخصما في نفس الوقت ما يأتي:

أن تكون المصالحة الجمركية بمعرفة القضاء، أمام شخص يتمتع بصفة قضائية، ونرى في قاضي الموضوع أهلا لذلك ، دون إجراء مرافعة أو محاكمة كضمان لتجسيد فكرة الرقابة القضائية من جهة أخرى.
أما في سبيل تلافي الثغرات القانونية، فنقترح على المشرع الجزائري تحديد عدد المرات الممكن إجراء المصالحة فيها مع المخالف، مسايرة لمقتضيات مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وحتى لا يكون قانون الجمارك قانونا للمجرمين ، يستغلون هذه الثغرات فيه، وحتى تتحقق بهذا الاقتراح المصلحة المحمية بموجب قواعد القانون الجمركي .
نرى أن المصالحة الجمركية تبقى تحتاج دوما إلى محام بالتبعية إذا تم تفعيل الرقابة القضائية فيها ، تكريسا للحق في الدفاع و صيانة لقرينة البراءة .

مراجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع البحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــث

المراجــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع باللغـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة العربيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة

أولا : الكتـــــــــــــــــــــــــــــــب

د. بوسقيعة أحسن ، المنازعات الجمركية ، تعريف و تصنيف الجرائم الجمركية ، متابعة و قمع الجرائم الجمركية ، دار هومة للنشر ، الجزائر ، 2015 – 2016 ، الطبعة الثامنة .
د. بوسقيعة أحسن ، المصالحة في المواد الجزائية بوجه عام و في المادة الجمركية بوجه خاص ، دار هومة للنشر ، الجزائر ، 2013 .
د. مصطفى محمد أمين ، انقضاء الدعوى الجنائية بالصلح ، دار النهضة العربية للنشر ، القاهرة ، مصر ، 2002 .
د. شوقي رامز شعبان، إدارة الجمارك، الدار الجامعية للنشر، بيروت ، لبنان، 1994 .

ثانيـــــــــــــــــــــــا : أطروحـــــــــــــــــــــــــــــــات الدكتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوراه

د. زعباط فوزية ، المصالحة في المنازعات الجمركية ، أطروحة دكتوراه علوم ، فرع الدولة و المؤسسات العمومية ، جامعة الجزائر 1 كلية الحقوق ، السنة الجامعية 2014-2015.
د. سعيد يوسف محمد يوسف ، وجها الجريمة الجمركية الإداري و القضائي ، أطروحة دكتوراه دولة ، دائرة العلوم الجنائية، جامعة قسنطينة ، معهد الحقوق والعلوم الإدارية ،1991 .

ثالثــــــــــــــــــــــا : مذكـــــــــــــــــــــــــــــــــرات الماجستـــــــــــــــــــير

بن يعقوب حنان ، التوجهات الحديثة في المنازعات الجزائية الجمركية، مذكرة ماجستير، فرع القانون الجنائي والعلوم الجنائية ، جامعة الجزائر ، كلية الحقوق ، 2003 -2004 .
بن عثمان فريدة ، الجريمة الجمركية بين النظرية والتطبيق ، مذكرة ماجستير ، فرع قانون الأعمال ، جامعة البليدة ،كلية الحقوق ، سبتمبر 2006 .
معلم أمينة ، صرامة القانون الجزائي الجمركي ، مذكرة ماجستير ، فرع القانون العام ، جامعة الجزائر 1، كلية الحقوق ، السنة الجامعية 2014-2015 .

رابعـــــــــــــــــــــــــا : النصــــــــــــــــــــــــوص القانونيــــــــــــــــــــــــــــة و التنظيميـــــــــــــــــــــــــــــــــــة

قانون العقوبات الجزائري الصادر بالأمر66-156 المؤرخ في 8يونيو 1966، يتضمن ، معدل والمتمم لاسيما بالقانون16-02 المؤرخ في19يونيو2016 .
قانون الجمارك الجزائري رقم 17-04 المؤرخ في 17 جمادى عام 1438 الموافق لــــ 16 فبراير 2017 ،يعدل يتمم القانون رقم 79-07 المؤرخ في 26 شعبان عام 1399 الموافق ل21 يوليو سنة 1979.
قانون الإجراءات الجزائية الجزائري رقم 17-07 المؤرخ في 28 جمادى الثانية عام 1438 الموافق لـــ 27 مارس 2017 ، يعدل و يتمم الأمر 66-156 المؤرخ في 18 صفر عام 1386، الموافق لـــ 8 يونيو 1966 و المعدل هو الآخر بالأمر 15-02.
الأمر 75-78 يتضمن القانون المدني الجزائري، المؤرخ في 26 سبتمبر 1975، المعدل عدة تعديلات ، لاسيما في القانون 07-05 المؤرخ في 13 مايو 2007.
الأمر المتعلق بالوقاية من التهريب ومكافحته الجزائري رقم 05-06 الصادر بتاريخ 23-08-2005 الصادر بالجريدة الرسمية ، رقم 59 ليوم 28 أوت 2005 ، الموافق عليه بالقانون 05- 17 المؤرخ في 31-12-2005.
المرسوم التنفيذي الجزائري المتضمن تحديد شروط إنشاء لجان المصالحة وتشكيلها وسيرها ، رقم 99-195 المؤرخ في 16-08-1999.
المرسوم التنفيذي المتضمن تحديد شروط ممارسة مهنة الوكيل المعتمد لدى الجمارك وكيفياتها رقم 99-197 المؤرخ في 16-08-1999.

خامســــــــا : قـــــــــــــرار المحكمة العليــــــــــــــــا :الغرفة الجزائية للمحكمة العليا، القضية رقم 03، ملف 122072، غير منشور.

المراجــــــــــــــــــــــــــــع باللغـــــــــــــــــــــــة الأجنبيــــــــــــــــــــــــــــــــــــة

Les Livres :

C; Le grand arrêt de la jurisprudence civile, Capitant (H ) , WEIL (A) et terrée ( F), Dalloz, France, 7 Emme édition , p . 200 .
Berre Claude, introduction au droit douanier, itcis, économico pour l’édition originale ,Alger, 2008 ,1er Edition; p ; 109.

Thèse

Creen Roujan , poursuit et scansion en droit pénal douanier ,thèse de doctorat , université panthéon, -Assas –école de doctorat de droit prive, spécialité droit pénal ,université de paris , France , faculté de droit 2011, 2012, p ;252.

Scientifique journal

le phare, journal des échanges internationaux, des transports de la logistiques, DR. Bouskia. A ; le contentieux douanier- évolution et évaluation, n 160, septembre 2012.

الجزائر ، المادة 259 من قانون الجمارك.القانون رقم 17-04 المؤرخ في 17 جمادى عام 1438 الموافق لــــ 16 فبراير 2017 ،يعدل يتمم القانون رقم 79-07 المؤرخ في 26 شعبان عام 1399 الموافق ل21 يوليو سنة 1979،
المادة 265 من نفس القانون.
le phare, journal des échanges internationaux, des transports de la logistiques, Bouskia. A ; le contentieux douanier- évolution et évaluation, n 160, septembre 2012, p ; 43,44.

[4]د. شوقي رامز شعبان، إدارة الجمارك، الدار الجامعية للنشر، بيروت ، لبنان 1994 ، ص 202.

[5] نقلا حرفيا عن : د. زعباط فوزية ، المصالحة في المنازعات الجمركية ، أطروحة دكتوراه علوم ، فرع الدولة و المؤسسات العمومية ، جامعة الجزائر 1 ، كلية الحقوق ، السنة الجامعية 2014-2015 ص 21.

[6] د. مصطفى محمد أمين ، إنقضاء الدعوى الجنائية بالصلح ، دار النهضة العربية للنشر ، القاهرة ، مصر ، 2002 ، ص 12، 13.

[7] د. بوسقيعة أحسن ، المصالحة في المواد الجزائية بوجه عام و في المادة الجمركية بوجه خاص ، دار هومة للنشر ، الجزائر ، 2013 ، ص 05.

[8]DR. Creen Roujan , poursuit et scansion en droit pénal douanier ,thèse de doctorat , université panthéon, -Assas –école de doctorat de droit prive, spécialité droit pénal ,unv France , 2011,2012,p ;252.. نقلا عن د. فوزية زعباط ، المرجع السابق ، ص 12

[9]F. C ; Le grand arrêt de la jurisprudence civile, Capitant (H ) , WEIL (A) et terrée ( F), Dalloz, France, 7 Emme édition , 200p ;. Par ;Ksouri Idir, transaction douanier ,grand alger livres , alger ,2008, p 29.

[10] د. زعباط فوزية ، المرجع السابق ، ص 24.

[11]الجزائر، قانون الإجراءات الجزائية رقم 17-07 المؤرخ في 28 جمادى الثانية عام 1438 الموافق لـــ 27 مارس 2017 ، يعدل و يتمم الأمر 66-156 المؤرخ في 18 صفر عام 1386، الموافق لـــ 8 يونيو 1966 و المعدل هو الآخر بالأمر 15-02.

[12] أنظر المواد 381 – 393 من نفس القانون .

[13] أنظر قائمة مسؤولي إدارة الجمارك المؤهلين لإجراء المصالحة مع الأشخاص المتابعين بسبب المخالفات الجمركية ، وستكتشف غياب عنصر القضاء ، وذلك في القرار المؤرخ في 22 يونيو 1999 وهم : المدير العام للجمارك ، المدراء الجهويون، رؤساء المتفشيات الرئيسية و رؤساء المراكز الجمركية ، رؤساء المراكز الجمركية .

[14] و هو ما تضمنته نصوص المواد 380 مكرر – 380 مكرر 7 من قانون الإجراءات الجزائية ، المرجع السابق .

[15]j. Berre Claude, introduction au droit douanier, itcis, économico pour l’édition originale,Alger, 2008 ,1er Edition; p ; 109.

[16]يستشف ذلك من الفقرة الأخيرة للمادة 325 المتضمنة عقوبات الجنح من الدرجة الأولى المتعلقة بالبضائع المحظورة عند الاستيراد والتصدير من قانون الجمارك الجزائري ، المرجع السابق.

[17]المادة 380 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري ، المرجع السابق.

[18] المواد37مكرر- 37مكرر9 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري ، والمواد 110-115 من قانون حماية الطفل الجزائري ، المرجع السابق.

[19] وفق المادة 174 من الأمر66-156 المؤرخ في8يونيو 1966، يتضمن قانون العقوبات الجزائري ، معدل والمتمم لاسيما بالقانون16-02 المؤرخ في19يونيو2016. استنادا مباشرا لنص المادة37مكرر9 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، المرجع السابق.

[20] يستشف ذلك من المادة265 الفقرتين 1و2 من قانون الجمارك الجزائري ، المرجع السابق.

[21]DR. bouskia Ahcen , op – cite, p ; 43,44

[22]IBIDM .

[23]بن يعقوب حنان ، التوجهات الحديثة في المنازعات الجزائية الجمركية، مذكرة ماجستير، فرع القانون الجنائي والعلوم الجنائية ، جامعة الجزائر ، كلية الحقوق ، 2003 -2004 ، ص 99.

[24]د. زعباط فوزية ، المرجع السابق ، ص 80.

[25] وهو التعديل 17-04 لسنة 2017 ، بحيث تضمن المصالحة في المادة 265 منه ، المرجع السابق.

[26] د. بن عثمان فريدة ، الجريمة الجمركية بين النظرية والتطبيق ، مذكرة ماجستير ، فرع قانون الأعمال ، جامعة البليدة ،كلية الحقوق ، سبتمبر 2006 ، ص 77،78 .

[27] د. بوسقيعة أحسن ، المرجع السابق،257-271.

[28] بن يعقوب حنان ، المرجع السابق ،ص 102 .

[29] د. بوسقيعة أحسن ، المرجع السابق ، ص 276 -281.

[30] المرجع نفسه ، ص 282-284.

[31]د. زعباط فوزية ، المرجع السابق، ص 109.

[32] حددت إدارة الجمارك معايير تحديد مبلغ المصالحة في المذكرة رقم 303المؤرخة في21-01-1999، التي تنص على الأخذ بعين الاعتبار الوضعية المالية للمخالف وحالته العائلية، وعدد السوابق القضائية وقيمة الأضرار التي أصابت الخزينة العامة.

[33] د. زعباط فوزية ، المرجع السابق ، ص 110-113 .

[34] د. بوسقيعة أحسن ، المرجع السابق ، ص300.

[35] د. زعباط فوزية ، المرجع السابق ، ص 125-131.

[36] د. بوسقيعة أحسن ، المرجع السابق ، ص 334-337.

[37] د. بوسقيعة أحسن ، المرجع السابق ، ص 33 ، 41.

[38] راجع المادة 265 /1و2 من قانون الجمارك الجزائري التي تنص على ما يلي: « يحال الأشخاص المتابعون بسبب ارتكاب المخالفة الجمركية على الجهة القضائية المختصة قصد محاكمتهم ، طبقا لأحكام هذا القانون، غير أنه يرخص لإدارة الجمارك بإجراء المصالحة مع الأشخاص المتابعين بسبب المخالفات الجمركية بناء على طلبهم »، المرجع السابق.

[39] د. سعيد يوسف محمد يوسف ، وجها الجريمة الجمركية الإداري و القضائي ، أطروحة دكتوراه دولة ، دائرة العلوم الجنائية، جامعة قسنطينة ، معهد الحقوق والعلوم الإدارية ،1991 ، ص 147،148.

[40] وهو القانون 17- 04 ، المرجع السابق.

[41] الجزائر ، المادة 21 من الأمر المتعلق بالوقاية من التهريب ومكافحته رقم 05-06 الصادر بتاريخ 23-08-2005 الصادر بالجريدة الرسمية ، رقم 59 ليوم 28 أوت 2005 ، الموافق عليه بالقانون 05- 17 المؤرخ في 31-12-2005.

[42] المادة 265/3 من قانون الجمارك الجزائري ، المرجع السابق.

[43] المادة 21 من نفس القانون.

[44] معلم أمينة ، صرامة القانون الجزائي الجمركي ، مذكرة ماجستير ، فرع القانون العام ، جامعة الجزائر 1، كلية الحقوق ، السنة الجامعية 2014-2015 ، ص 84.

[45] المادة 240 من قانون الجمارك الجزائري، النسختين العربية والفرنسية، المرجع السابق.

[46] استنادا لنص المادة 321 من نفس القانون.

[47] وهي الجريمة المعاقب عليها بنص المادة 148 من قانون العقوبات ، المرجع السابق.

[48] د. بوسقيعة أحسن ، المنازعات الجمركية ، تعريف و تصنيف الجرائم الجمركية ، متابعة و قمع الجرائم الجمركية ، دار هومة للنشر ، الجزائر ، 2015 – 2016 ، الطبعة الثامنة ، ص 280 وما بعدها.

[49] د. سعيد يوسف محمد يوسف ، المرجع السابق ، ص 154،155.

[50] المادة 41 من قانون العقوبات الجزائري ، المرجع السابق.

[51] المادة 303 من قانون الجمارك الجزائري ، المرجع السابق.

[52] الجزائر ، المرسوم التنفيذي المتضمن تحديد شروط ممارسة مهنة الوكيل المعتمد لدى الجمارك و كيفياتها رقم 99-197 المؤرخ في 16-08-1999.

[53] المواد 115 ، 117 ، 119 ، من قانون الجمارك الجزائري ، المرجع السابق.

[54] المادة 42 من قانون العقوبات الجزائري ، المرجع السابق.

[55] المادة 310 من قانون الجمارك الجزائري ، المرجع السابق.

[56]المادة 315 من قانون الجمارك الجزائري ، المرجع السابق .

[57] د. زعباط فوزية ، المرجع السابق ، ص 232 -244.

[58] المادة 312 من قانون الجمارك الجزائري ، المرجع السابق.

[59] الجزائر ، المرسوم التنفيذي المتضمن تحديد شروط إنشاء لجان المصالحة وتشكيلها وسيرها ، رقم 99-195 المؤرخ في 16-08-1999.

[60] د. زعباط فوزية ، المرجع السابق. ص 198.

[61] المادة 05 من المرسوم التنفيذي 99- 195، السابق الذكر .

[62] المادة 265/8 من قانون الجمارك الجزائري ، المرجع السابق.

[63] المادة 01 من القرار الصادر في 22 يونيو1999 ، المرجع السابق.

[64] د. بوسقيعة أحسن ، المصالحة في المواد الجزائية بوجه عام والمواد الجمركية بوجه خاص ، المرجع السابق ، ص 116 ،117.

[65] المادة 265/ 5و6 من قانون الجمارك الجزائري ، المرجع السابق.

[66] المواد 02- 04 من المرسوم رقم 99-195، المرجع السابق.

[67] د. بوسقيعة أحسن ، المصالحة في المواد الجزائية بوجه عام والمواد الجمركية بوجه خاص ، المرجع السابق ، ص 118.

[68] المرجع نفسه ، ص 121.

[69]د. زعباط فوزية ، المرجع السابق ، ص 209 ، 210.

[70] المرجع نفسه ، ص 281 ، 282 .

[71] د. بوسقيعة أحسن ، المصالحة في المواد الجزائية بوجه عام والمواد الجمركية بوجه خاص ، المرجع السابق ، ص 188 ، 189.

[72] د. زعباط فوزية ، المرجع السابق ، ص 281 -296.

[73] المادة 273 من قانون الجمارك الجزائري ، المرجع السابق.

[74] المادة 274/1و2 من نفس القانون.

[75] الجزائر ، المواد 308 و 466 من الأمر 75-78 يتضمن القانون المدني ، المؤرخ في 26 سبتمبر 1975، المعدل عدة تعديلات ، لاسيما في القانون 07-05 المؤرخ في 13 مايو 2007.

[76] د. بوسقيعة أحسن ، المصالحة في المواد الجزائية بوجه عام والمواد الجمركية بوجه خاص ، المرجع السابق ، ص 217 ، 281.

[77]المادة 259 من قانون الجمارك الجزائري ، المرجع السابق.

[78]الغرفة الجزائية للمحكمة العليا، القضية رقم 03، ملف 122072، غير منشور، نقلا عن: د. بوسقيعة أحسن ، المنازعات الجمركية المرجع السابق، ص 286.

[79]المادة 06 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري ، المرجع السابق.

[80]د. بوسقيعة أحسن ، المنازعات الجمركية، المرجع السابق، ص 286.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .