تنقسم الديون بالنظر الى وقت ادائها على قسمين : ديون حالّة وديون مؤجلة . والمراد بالديون الحالة تلك الديون التي حل وقت ادائها . بمعنى انه يجب على المدين ان يفي بها في الحال . اما الديون المؤجلة فيراد بها تلك الديون التي لم يحل وقت ادائها بعد ، بمعنى انها غير واجبة الاداء في الحال وانما ينصرف وقت ادائها الى الاستقبال أي عند حلول الاجل . والديون المؤجلة بدورها قد تكون منجّمة وقد تكون غير منجّمة ، فالديون المنجمة هي تلك التي توفى على اقساط ونجوم ، عيّن لكل نجم فيها وقت معين ، وغير المنجم هو الذي لم تعين له اقساط ونجوم . ان الدين الحال يجوز المطالبة بوفائه في الحال . وان من الديون ما يجب ان يكون حالاً ولا يصح تأجيله . ومنها ما يجب ان يكون مؤجلاً ، ومنها ما يصح ان تكون حالة او مؤجلة . هذا وان تعيين الاجل تارةً يكون بجعل المتداينين كما في السلم النسيئة . واخرى بجعل الشارع كما هو في الاقساط المقررة في الدية .

واذا كان الدين مؤجلاً فنزل المدين عن الاجل او اراد الوفاء قبل حلوله جاز ذلك لان الاجل حقه قد اعطيه ترفيهاً فكان له ان ينزل عنه وان يوفي الدين قبل حلوله ، ويستثنى من ذلك المسلم فيه عند من يرى وجوب تأجيله ، اذ ليس للمسلم اليه ان يجبر المسلم على اخذه اذا ما كان امتناعه لغرض صحيح ، اما اذا لم يكن امتناعه لغرض صحيح ظاهر فانه يجبر على ذلك . ولكن فقهاء الظاهرية ذهبوا الى ان المدين لايملك النزول عن الاجل ، اذ لو نزل عنه لم يلزمه ذلك . كما ذهبوا الى ان الدائن لا يجبر على اخذ دينه قبل اجله لان ذلك ابطال لشرط صحيح ثبت بالكتاب كما لا يجبر المدين على الاداء قبل الاجل . واذا كان الدين حالاً فأجلّه صاحبه ( الدائن ) وقبل المدين ذلك لم يلزم الاجل عند بعض الفقهاء كالشافعي واحمد والاوزاعي . وهو ما عليه الظاهرية والامامية لان التأجيل ترفيه على وجه الاحسان فلا يلزم . وقال مالك بأن الاجل يصح ويلزم لان ذلك اتفاق يلتحق بأصل الألتزام فيلزم ،وهذا فيما عدا رأس مال السلم وبدل الصرف لوجوب قبضهما في مجلس العقد فلا يلتحق لمنافاته لشروط السلم والصرف . وقال ابو حنيفة يتأجل الدين ويلزم الاجل الا في سبعة مسائل فلقد جاء بهذا الصدد ان كل دين اجله صاحبه فانه يلزمه تأجيله الا في سبعة موارد :

الاول : القرض ، فإذا جاء المقرض لم يلزم تأجيله لانه بمعنى الاعارة ، فهو من قبيل التبرع ولا الزام على المتبرع .

الثاني : الثمن عند الاقالة ، كما اذا اقال المشتري للبائع اقلني على ان اؤجل لك الثمن الى شهر لم يتأجل على البائع .

الثالث : الثمن بعد الاقالة ، فاذا تمت الاقالة بين المشتري والبائع ، ولم يدفع البائع الثمن فأجله المشتري لم يلزم ذلك الاجل .

الرابع : تأجيل الدائن للوارث بعد وفاة مدينه المورث ، ووجه ذلك ان الدين بعد الوفاة لا يشغل ذمة احد وانما يتعلق بأعيان التركة . والتاجيل ترفيه للمدين ولا مدين الا الميت ، ومن المصلحة قضاء ما عليه من الدين فلا تترك مصلحتة لمصلحة وارثه فلا يلزم التأجيل .

الخامس : تأجيل المشتري الثمن على الشفيع عندما يأخذ الشفعة لان الشفيع يأخذ بمثل ما اخذ المشتري وفي تأجيل الثمن نقص له وذلك تبرع من المشتري لا يلزم به .

السادس : بدل الصرف لوجوب فيض بدليه في المجلس فلا يجوز تأجيل احدهما .

السابع : رأس مال السلم لنفس السبب(1).

واذا كان الدين مؤجلاً وحصلت الوفاة ، فان كان المتوفى هو الدائن فان الفقهاء المسلمين قد اتفقوا ـ فيما عدا الظاهرية ـ . على ان الدين لا يحل بوفاته ولا يحق على المدين الوفاء به الا عند حلول الاجل ، بينما خالفهم اهل الظاهرية في ذلك وقالوا بحلول الاجل في هذه الحالة. اما اذا كان المتوفى هو المدين فان الفقهاء قد اختلفوا بصدد حلول اجل الدين فذهبت طائفة منهم وهم الحنفية والشافعية والظاهرية والامامية الى سقوط الاجل ووجوب وفاء الدين في الحال ، وذهب المالكية الى نفس المذهب ولكن اضافوا شروطاً معينة ، وذهبت طائفة اخرى الى عدم حلول اجل الدين بموت المدين وهم الحنابلة والاباضية ، ولكلٍ وجهةٌ هو موليها . ولكلٍ دليلٌ هو معتمده ،

_________________

1- ينظر بصدد ما تقدم : السيوطي ،الأشباه والنظائر ص 330 ، ابن حزم ، المحلى ، ج8 ، ص84 ، ج9 ، ص81 ، الطوسي ،المبسوط ، ج2 ، ص317 ، المحقق الحلي ، شرائع الاسلاح ، ج2 ، ص68 ، علي حسب الله ، الولاية على المال ، محمد طه البشير ، الدين واحكامه ، مشار اليه سابقاً ، ص193-194 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .