الاتجاهات العامة بشأن مجال إقتراح القوانين

المؤلف : اشرف عبداللة عمر
الكتاب أو المصدر : السلطة المختصة باقتراح القوانين
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

تواتر الفقه الدستوري في هذا الشأن على ابراز اتجاهين متمايزين، فذهب البعض إلى وجوب اطلاق مجال إقتراح القوانين، بينما ذهب البعض الآخر إلى وجوب تحديد مجال إقتراح القوانين على سبيل الحصر .
الاتجاه الاول :
إطلاق مجال إقتراح القوانين :
ذهب جانب من الفقه إلى عدم وضع حدود لمجال القانون العادي. وابرز هذا المعنى، الفقيه الفرنسي كاريه دي مالبرج (Carre`e de Malberg) ، والذي يرى ان القانون العادي، مصدره البرلمان، والبرلمان لا يمثل الارادة العامة للشعب فحسب، بل هو الأداة الوحيدة التي يستطيع الشعب من خلالها ان يحقق ما يصبو إليه (1). ومن ثم ، فأنه يرى ان سلطان القانون غير محدد. ويترتب على ذلك ان مجال إقتراح القوانين، هو مجال مطلق غير محدد. وارتكز هذا الاتجاه إلى مبدأ سمو القانون (2). فلئن كان التشريع يتمثل اساساً في القانون، الذي يتسم بالتدرج فإن نطاق القانون يتميز بالإطلاق، حيث يمكن للقانون ان يقرر ما يشاء من القواعد . ويكون للسلطة التشريعية ان تتظمن ما تشاء من القواعد ، ولها في ذلك الحرية التامة في جميع المجالات بحيث لا يمكن منعها من التشريع في اي موضوع من الموضوعات .
ويترتب على ما تقدم النتيجتين الاتيتين :
*النتيجة الاولى :
اذا كنا قد اطلقنا نشاط المشرع العادي في كافة المجالات، فان دائرة القانون العادي (وبضمنها مشروعات القانون المقترحة) ونطاقه تعتبر مطلقة غير محددة . وينتج عن ذلك، ان من حق القانون ان ينظم ما يحلو له من مسائل، بحيث لا يمكن منعه من التشريع في مسألة من المسائل او حظرها عليه، ما دام انه لا يخالف احكام الدستور ، بل يلتزم، بتلك الاحكام ويحرص على تطبيقها . وتبعا لذلك ، يمكن القول انه اذا كان للقانون ان ينظم كافة الروابط القانونية، فليس هناك روابط او مسائل معينة تخرج عن دائرة اختصاصه.
*النتيجة الثانية :
ان هناك مجالاً مخصصاً للقانون لا يمكن لغيره ان يطرقه. بمعنى ان هناك مسائل مخصصة يتعين تنظيمها بالقانون وحده، أي تقوم بها السلطة التشريعية دون غيرها. ومن ثم فأن السلطة التشريعية لها ان تتقدم بمبادرات تشريعية تتضمن تنظيم تلك المسائل. وتحدد القواعد الواردة في الوثيقة الدستورية المجال المخصص للقانون (أي مجال إقتراح القانون) بنصوص صريحة ترد في صلب الاحكام الدستورية. كفرض الضرائب .

ونظام الانتخاب، والعفو الشامل، وغير ذلك من المسائل التي ينص الدستور على ان يكون امر تنظيمها بقانون ويكاد يتفق الفقه على وجود مجال محجوز للقانون بمقتضى العرف، وان كان هذا الفقه يختلف في تحديد مدى وعدد المسائل المحجوزة بناءً على هذا العرف من جهة (3). وتقدير القيمة القانونية لهذا العرف من جهة أخرى (4). ويتضح مما تقدم، ان مقتضى مبدأ المجال المطلق للقانون، انه اذا كان هناك نطاق خاص للقانون لا يمكن لغيره ان يطرقه، فإن للقانون علاوة على ذلك ، ان ينظم كافة المسائل والروابط القانونية الاخرى، مادام انه لا يتضمن ما يخالف او يتعارض مع احكام الدستور نصاً وروحاً (5).

فاشتراط المشرع الدستوري وجوب تنظيم بعض المسائل بقانون ، لايعني بأي حال منع القانون من تنظيم مسائل اخرى غير التي وردت في النصوص الدستورية، والنص على هذه الموضوعات لا يعدو ان يكون، رغبة من المشرع الدستوري في تأكيد اهميتها والزام السلطات المختصة بوجوب معالجتها بقانون(6). ونخلص مما تقدم ان مجال القانون ، في ظل الانظمة الدستورية التقليدية، غير محدد، وغير قابل للتحديد، فالقانون هو الاصل او القاعدة العامة. اما النصوص الدستورية التي تتطلب اصدار قانون بشأن مسائل او موضوعات معينة، فانها لا تعني تقييد سلطة المشرع في غير تلك المسائل والموضوعات، بل تعني ان هذه المسائل والموضوعات محضورة على السلطة التنفيذية. والحضر في هذه الحالة، موجه إلى كل من السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية . فحين يتطلب الدستور -صراحة وبصيغ قاطعة- صدور قانون لتنظيم موضوع معين، فأنه يمتنع على السلطة التشريعية، تفويض الإدارة بشأن ذلك الموضوع (7). فاذا فوضت السلطة التشريعية اختصاصها إلى الادارة، كان التفويض مخالفاً للدستور. كما ان السلطة التنفيذية لا تملك التدخل في مجال القانون من تلقاء نسفها. وأما المجال المسكوت عنهُ فإن المشرع يتدخل فيه كما يشاء (8).
الاتجاه الثاني :
تحديد مجال إقتراح القوانين :
ذهب جانب آخر من الفقه إلى محاولة وضع حد فاصل لمجال القانون العادي، بحيث يلتزم ويتقيد في الحدود واطار المجال المخصص له وتبعاً لذلك، يتقيد مجال إقتراح القوانين في الحدود المرسومة في هذا الصدد. وارتكز هذا الاتجاه على مبدأ فصل السلطات، فهذا المبدأ من شانه حماية الافراد في مواجهة الهيئة الحاكمة(9). ومن ثم منح حق إقتراح القوانين للبرلمان، دون السلطة التنفيذية. وفي ضوء ذلك، فإن الحد الفاصل لمجال القانون العادي، وحدود الموضوعات التي تتضمنها مشروعات القوانين المقترحة، يتمثل في حالة الافراد. فكل قاعدة عامة تقتضي مساس بالحالة القانونية للأفراد وتؤدي إلى المساس بحرياتهم او اموالهم، يجب ان يصدر بها قانون على ان يترك للقانون الفرعي (اللائحة) وضع القواعد التي تقتصر على تنفيذ القانون، او التي لا اثر لها بالنسبة للأفراد .وبرز هذا الاتجاه في الفقه الفرنسي. إذ فرق الفقيه الفرنسي (لاباند) بين نوعين من القواعد :
( النوع الاول ) :
يتمثل في القواعد الخاصة بالحالة القانونية للأفراد، وتلك القواعد المتعلقة بذمتهم المالية او حرياتهم الفردية او علاقاتهم مع الهيئات الحاكمة ويجب ان تصدر تلك القواعد بمقتضى قانون عادي .
( النوع الثاني ) :
ويتجسد في القواعد الخاصة بالتنظيم الداخلي للجهاز الحكومي بحيث لا يتأثر بها الافراد مباشرة، وتوضع بمقتضى قانون فرعي . وتبنى ذات الاتجاه الفقيه (اندريه هوريو) فهو يرى ان مجال القانون العادي هو الحقوق الفردية والحقوق المدنية (10). بينما مادة القانون الفرعي، هي الحقوق الادارية الاقل ثباتاً لسهولة تغييرها .وبناءً على ذلك، يجب ان توضع بقانون عادي القواعد التي تنظم السلطات الرئيسة (11). والمركزية واللامركزية، والحريات الفردية، والمعاملات الخاصة كالقانون المدني والقانون التجاري والقواعد التي تضع الجرائم والعقوبات، وكذلك القواعد التي تنظم هيئات جديدة للتقاضي .وفيما عدا ذلك يجوز ان تصدر بمقتضى قرارات ادارية . اي انها تخرج عن مجال القانون العادي .
__________________________
(1) Carr`e de Malberg : Contribution `a la the`orie ge`ne`rale de l’E tak، T.I.P. 285.
2- د. محمد فؤاد مهنا، مبادئ واحكام القانون الاداري ، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 1982، ص752.

3- وتتمثل هذه المسائل في : تقرير العقوبات ، وتحديد الضرائب وتقييد الحرية الفردية، ونظام الملكية ، وقواعد تنظيم السلطات العامة ، وتنظيم جهات القضاء، وكفالة حق التقاضي.
4-فمن الفقهاء يجعل للعرف قوة اكبر من قوة النصوص الدستورية وعلى رأسهم (دكي)، ومنهم من يعترف للقواعد العرفية بقوة النصوص الدستورية نفسها ومنهم (رولاند) في حين ان اغلبية الفقهاء لا تعترف للقواعد العرفية المحددة لمجال القانون بغير قوة القواعد القانونية العادية.
انظر : د. محمود محمد حافظ، القرار الأداري، مصدر سابق، ص207، ومؤلفه، قرارات الضبط الاداري ، مصدر سابق، ص111.
5- د. محمد فؤاد مهنا، مبادئ واحكام القانون الاداري، مصدر سابق، ص752.
6- د. ماهر صالح علاوي، القرار الاداري، بغداد 1996، ص156.
7-: د. سليمان محمد الطماوي، النظرية العامة للقرارات الادارية، مصدر سابق، ص439.
– د محمود محمد حافظ، القرار الاداري، مصدر سابق، ص204
8- السيد محمد مدني، مسؤولية الدولة عن اعمالها المشرعة ، القاهرة، 1974، ص234.
9- لمزيد من التفصيل بشأن مبدأ فصل السلطات ، انظر: د. ثروت بدوي النظم السياسية، دار النهضة العربية، القاهرة، 972، ص175.
د. ثروت بدوي، الدولة القانونية، مجلة قضايا الحكومة، السنة 3، العدد 3، القاهرة ، 1959.
د. يحيى الجمل ، الانظمة السياسية المعاصرة ، موسوعة القضاء والفقه للدول العربية، الجزء 104، القاهرة ، 1982، ص111.
10- Hauriou : pr`ecise de droit administratif، 12 ed ، Paris، 1978، P. 172.
11- د. سامي جمال الدين، اللوائح الادارية، منشأة المعارف، الأسكندرية، 1984، ص119-120.