وحدة القضاء و محاكمة الوزراء في التعديلات الدستورية الجديدة

دراسة في التعديلات الدستورية .. وحدة القضاء لم تعالج ومحاكم خارج سيادة الدولة / المحامي فاروق الكيلاني

تمهيد

ان التعديلات الدستورية تشكل نقطة انطلاق جديدة لمرحلة تاريخية في حياة الاردن وهي تنطوي على تغيير حقيقي للحياة السياسية والمسيرة الديمقراطية واستجابة لدواعي التغير والتطوير ولكن بعض هذه التعديلات جاءت مخالفة للمبادىء القانونية كما هو واضح مما يلي:

1-محاكمة الوزراء

تنص المادة (55) المعدلة على ما يلي (يحاكم الوزراء على ما ينسب اليهم من جرائم ناتجة عن تأدية وظائفهم امام محكمة الاستئناف النظامية في العاصمة تنظرها هيئة مؤلفة من خمسة قضاة يعين المجلس القضائي رئيسها واعضاءها وتصدر احكام المحكمة بالاغلبية).

ان هذا النص يعني تشكيل محكمة خاصة لمحاكمة الوزراء مؤلفة من خمسة من قضاة محكمة الاستئناف يعينها المجلس القضائي بدلا من محاكمتهم امام المحاكم العادية وهي محكمة الصلح او محكمة البداية او محكمة الجنايات حسب الجريمة الواقعة والتي تنظر في الجرائم لكافة الاشخاص. لان محاكمتهم امام محكمة خاصة يعني اعطاء امتياز للوزراء.

ثم ان محاكمة الوزراء امام محكمة الاستئناف يحرمهم من حق الطعن بالحكم الصادر امام محكمة الاستئناف أي يحرمهم من درجة التقاضي وليس لذلك أي مبرر.

ان القضاء العادي هو الذي يحمي مسار العدالة في المجتمع فيؤدي لكفالة الطمأنينة في نفوس المواطنين وهو الذي يرتفع بالعمل القضائي فوق نطاق الشبهة والتحكم فيعطي العدالة معناها الحقيقي وهو ضرورة لا بدّ منها لحماية سيادة القانون والحرص على تأكيده وحمايته وهو كذلك ضرورة لترشيد اجهزة الدولة والحد من التصرفات المخالفة للقانون.ولذلك يجب ان يتم محاكمة الوزراء امام المحاكمة العادية وليس امام محكمة خاصة تشكل بشكل مخصوص للوزراء.

2-وحدة القضاء

لم تعالج التعديلات الدستورية مبدأ وحدة القضاء اذ من المعروف ان عدداً من المحاكم في الدولة تستأنف احكامها الى جهات خارج الدولة، اي الى محاكم لا تقع تحت سيطرة الدولة ولا تخضع لسيادتها وليست معينة من قبلها، مثل الاحكام التي تصدر عن المحاكم الطائفية والتي اجاز قانون الطوائف الدينية استئناف محاكم هذه الطوائف خارج الاردن فقد نصت المادة (15) من قانون مجالس الطوائف الدينية على ما يلي (يجوز ان يستأنف حكم مجلس الطائفة الدينية المؤسسة بمقتضى هذا القانون الى اية محكمة استئنافية مشكلة حسب الاصول لمجلس الطائفة الدينية المذكور المؤسسة خارج شرق الاردن عند نفاذ هذا القانون).

ونتيجة لهذا النص الغريب كانت الأحكام التي تصدرها بعض مجالس الطوائف تستأنف خارج الاردن وهو امر شاذ لا يحدث مثله في اية دولة متمدنة.

اذ من الشذوذ ان تصدر احكام على مواطنين اردنيين من جهات اجنبية غير معينة من قبل الحكومة الاردنية ولا تخضع لقوانينها وتمارس اعمالها خارج البلاد. فالقضاء في اية دولة مظهر من مظاهر سيادتها.

ومما يتنافى مع سيادة الدولة ان تقبل الدولة خضوع مواطنيها لقضاء اجنبي.
بالاضافة الى اختلال سير العدالة الذي ينشأ عن عدم خضوع الاحكام التي تصدر عن جهات الاحوال الشخصية سواء المحاكم الشرعية او مجالس الطوائف الدينية للطعن امام محكمة عليا في الدولة.
فقد تتناقض هذه الاحكام او تصدر بشكل مخالف للقانون فيحرم الافراد فرصة تصحيح هذه الاخطاء وتهدر العدالة.

كما ان حرمان المواطنين في بعض القضايا من فرصة الطعن بالأحكام التي تصدر عن المحاكم الطائفية امام محكمة عليا تشرف على تطبيق القانون وتفسيره في الدولة يؤدي للاخلال بمبدأ وحدة القضاء الذي كفله الدستور الاردني لكافة المواطنين.

اذ لا يوجد اي مبرر لحرمان المحكوم عليهم في هذه المواد من الطعن امام محكمة عليا في الدولة في الاحكام الصادرة في مواد الاحوال الشخصية من المحاكم الطائفية في حين يباح هذا الطعن للمحكوم عليهم في المواد المدنية والجزائية.
ان مبدأ حرية التقاضي يقضي ان تكون المحاكم خاضعة لمبدأ (وحدة القضاء).
ان وحدة القضاء تعني وحدة الحلول التي يفرضها هذا القضاء في المسائل المشابهة.
كما ان احكام محكمة الاستئناف الشرعية تعتبر قطعية وغير خاضعة للطعن بها امام محكمة التمييز، مما يؤدي لخروجها عن مبدأ وحدة القضاء.

فالاصل في القضاء الوحدة بمعنى ان تسيطر على احكام جميع المحاكم في الدولة محكمة عليا واحدة تشرف على تطبيق القانون وتفسيره وتوحد الحلول في المسائل القانونية المتشابهة وتعطي التفسير للنصوص القانونية قوة الالزام.
ان وحدة القضاء لا تعني (الوحدة الميكانيكية) التي تكون فيها كل محكمة نسخة طبق الاصل عن المحاكم جميعا وانما تعني الخضوع لمحكمة عليا واحدة.

ففي داخل الاطار التنظيمي للمحاكم يحق لجميع الاجتهادات ان تتعدد ولكن عندما تصل الدعوى للمحكمة العليا (التمييز) فان هذه المحكمة تعمل على توحيد الاجتهاد حتى لا تتناقض وحدة الحلول القانونية فتتأذى العدالة.
فعندما توجد محاكم (خاصة) او (استثنائية) تكون احكامها قطعية لا تخضع لرقابة المحكمة العليا فان ذلك يؤدي لصدور قرارات متناقضة في المسائل المتشابهة وهو موقف تتأذى منه العدالة كثيرا لانه يوحي بان حكم القانون ليس واحد بالنسبة لجميع الافراد.

وبالاضافة لذلك يوجد تنظيم مشابه في نطاق المحاكم العادية فان محاكمة الجنح في الاردن مثلا تنتهي عند محكمة الاستئناف ولا يجوز تمييزها الا باذن لا يعطي الا في حالات قليلة واستثنائية وينشأ عن هذا الوضع المتخلف عدم وحدة الاجتهاد في تفسير النصوص واختلال العدالة.

لذلك كان من الضروري النص في التعديلات الدستورية على مبدأ وحدة القضاء واخضاع كافة المحاكم لرقابة محكمة التمييز للتوصل الى توحيد النظام القضائي وتحقيق المساواة بين كافة الافراد، باخضاع قرارات محاكم الاستئناف في الجنح ومحاكم الاستئناف الشرعية ومحاكم الاستئناف لمجالس الطوائف امام محكمة التمييز.

3- المادة (101/ 3) من الدستور

تنص المادة (101/ 4) من الدستور المضافة على ما يلي (المتهم بريء حتى تثبت ادانته) وهذا النص قاصر ولا يكفي لصيانة حقوق المتهم لان الادانة قد تثبت بحكم غير قطعي فالحكم الصادر من محكمة البداية بادانة شخص هو حكم غير قطعي وهذا النص يجعل من هذا الحكم اعتبار المشتكى عليه مذنباً ويتم معاملته على انه غير بريء فتزول عنه قرينة البراءة رغم ان محاكمته ما تزال مستمرة فعبارة حتى تثبت ادانته لا تكفي لصيانة حرية المشتكى عليه طيلة مدة المحاكمة وكان يجب ان يكون النص (المتهم بريء حتى تثبت ادانته بحكم قطعي في محاكمة قانونية تكفل له بها ضمانات الدفاع عن نفسه).

ففي مصر جاء في المادة (67) من الدستور المصري ما يلي (المتهم برىء حتى تثبت ادانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه وكل متهم في جناية يجب ان يكون له محام يدافع عنه).
وفي سوريا نصت المادة (28) من الدستور السوري ما يلي (كل متهم بريء حتى يدان بحكم قضائي مبرما).

وفي العراق نصت المادة (23) من الدستور العراقي على ما يلي (المتهم بريء حتى تثبت ادانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع اصالة او بالوكالة).

4-المادة (60/ 4) من الدستور

اوردت التعديلات الدستورية الجهات التي تملك حق الطعن امام المحكمة الدستورية بعدم دستورية القانون او النظام وهي مجلس الوزراء ومجلس الاعيان ومجلس النواب، ورئيس محكمة الاستئناف التابع لهذه المحكمة التي اثير الدفع بعدم الدستورية امامها اذا وجد ما يبرر ذلك كما هو واضح من المادة (60/ 4) وهو نص قاصر على ما يلي:

اولا: لان اعتبار رئيس محكمة الاستئناف هو المختص باحالة الدفع بعدم الدستورية للمحكمة الدستورية اذا وجد ما يبرر ذلك يعني ان تكون الاحالة معلقة على مزاج رئيس الاستئناف بحيث انه قد يجد ما لا يبرر الاحالة للمحكمة الدستورية مما يؤدي لعرقلة نظر الدفع.

ثانيا: ان الدفع بعدم الدستورية قد تم اثارته امام محكمة التمييز او امام محكمة العدل العليا، ومن غير الصواب ان تحيل محكمة التمييز او محكمة العدل العليا هذا الدفع الى رئيس محكمة الاستئناف ليتولى هو احالته للمحكمة الدستورية اذا وجد ما يبرر ذلك اذ ان محكمة التمييز او العدل قد تجدان ما يبرر احالة الدفع للمحكمة الدستورية فاذا رفض رئيس محكمة الاستئناف احالة الدفع اصبح هناك تناقضا مخلا بالعدالة بين قرار محكمة التمييز او العدل العليا وبين قرار رئيس محكمة الاستئناف.

ثالثا: ان المحكمة الدستورية يجب ان يكون الباب امامها مفتوحا دون اية عقبات وان يكون اللجوء اليها ميسرا.

فاصحاب المصلحة في الطعون من حقهم اللجوء للمحكمة دون اية عراقيل.
والقول ان اتاحة المجال لاصحاب المصلحة الطعن بالدستورية سيفتح الباب امام المماطلات لتعطيل نظر الدعوى الاصلية التي اثير فيه هذا الدفع لا ينهض سببا لمنع اصحاب المصلحة من الطعن بالدستورية اذ ان ابواب هذه المحكمة يجب ان تكون مفتوحة للجميع عملا بنص المادة (101) من الدستور التي تنص على ان المحاكم مفتوحة للجميع، وهذا يعني عدم جواز وضع العقبات امام اصحاب المصلحة للجوء للمحاكم وهذا هو الاتجاه في التشريعات العربية.

جاء بنص المادة (29/ 5) من قانون المحكمة الدستورية العليا بمصر ما يلي (اذا دفع احد الخصوم اثناء نظر دعوى امام احدى المحاكم او التحقيقات ذات الاختصاص القضائي بعدم دستورية نص قانون او لائحة ورأت المحكمة او الهيئة ان الدفع جدي اجلت نظر الدعوى وحددت لمن اثار الدفع ميعادا لا يتجاوز ثلاثة اشهر لدفع الدعوى بذلك امام المحكمة الدستورية العليا فاذا لم ترفع الدعوى في الميعاد اعتبر الدفع كأن لم يكن).

5- المادة (58) من الدستور

حددت المادة (58) من التعديلات عدد اعضاء المحكمة الدستورية بتسعة وهذا التحديد قد يكون مقبولا في الوقت الحالي، ولكنه قد لا يكون مقبولا بعد خمس او عشر سنوات حيث تزداد اعداد الدعاوى امام المحكمة فلا يعود بامكان هيئة واحدة النظر فيها اذ تحتاج لزيادة عدد اعضائها لتشكل اكثر من هيئة واحدة الامر الذي يحتاج الى تعديل دستوري.

لذلك كان من الخطأ ان يحدد الدستور عدد اعضاء المحكمة الدستورية، فتحديد الدستور لعدد الاعضاء يحول دون الاستجابة لمقتضيات التطور وكان يجب ان يكون النص كما يلي (تؤلف المحكمة من رئيس وعدد كاف من الاعضاء) ليترك المجال لزيادة العدد حسب مقتضيات التطور دون حاجة لتعديل الدستور لزيادة عدد اعضاء المحكمة.