هل يصح تدخل النيابة العامة في مدونة الأسرة المغربية ؟

طبيعة تدخل النيابة العامة في مدونة الأسرة

والسؤال المطروح هل تدخل النيابة العامة تدخل أصلي أم انضمامي في قضايا الأسرة؟
الجؤاب صريح بمقتضى المادة 3 من مدونة
الأسرة التي تنص على أنه “تعتبر النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا
الرامية إلى تطبيق احكام هذه المدونة” إلا أنه رغم صراحة المادة 3 من م س
فإنها تصطدم مع مقتضيات الفصل 9 من ق م م و الذي ينص على أنه ” يجب أن
تبلغ إلى النيابة العامة الدعاوى الآتية:

1 – القضايا المتعلقة بالنظام العام والدولة والجماعات المحلية والمؤسسات
العمومية والهبات والوصايا لفائدة المؤسسات الخيرية وممتلكات الأحباس
والأراضي الجماعية؛
2 – القضايا المتعلقة بالأسرة(3)؛
3 – القضايا المتعلقة بفاقدي الأهلية وبصفة عامة جميع القضايا التي يكون فيها ممثل قانوني نائبا أو مؤازرا لأحد الأطراف؛
4 – القضايا التي تتعلق وتهم الأشخاص المفترضة غيبتهم؛
5 – القضايا التي تتعلق بعدم الاختصاص النوعي؛
6 – القضايا التي تتعلق بتنازع الاختصاص، تجريح القضاة والإحالة بسبب القرابة أو المصاهرة؛
7 – مخاصمة القضاة؛
8 – قضايا الزور الفرعي.

تبلغ إلى النيابة العامة القضايا المسطرة أعلاه قبل الجلسة بثلاثة أيام على
الأقل بواسطة كتابة الضبط. غير أنه يمكن أن يتم هذا التبليغ أمام المحكمة
الابتدائية في الجلسة المندرجة القضية فيها.
يمكن للنيابة العامة في هذه الحالة أن تطلب تأخير القضية إلى أقرب جلسة لتقديم
مستنتجاتها كتابة أو شفويا حيث يجب على المحكمة تأخيرها.
يمكن للنيابة العامة أن تطلع على جميع القضايا التي ترى التدخل فيها ضروريا.
للمحكمة أن تأمر تلقائيا بهذا الإطلاع.
يشار في الحكم إلى إيداع مستنتجات النيابة أو تلاوتها بالجلسة وإلا كان باطلا.”
وحسب
الفصل 8 من ق م م أن النيابة العامة تتدخل كطرف منضم في القضايا التي بأمر
القانون بتبليغها إلى النيابة العامة.فالفصل المدكور يفيد بأن النيابة
تتدخل كطرف منضم في القضايا المتعلقة بالأسرة مادام القانون يأمر بتبليغها
إليها ،فكيف يمكن التوفيق بين هذه الإزدواجية في تدخل النيابة العامة في
القضايا المتعلقة بالأسرة ،فالأمر يبدو و كأنها طرف رئيسي و طرف منضم في ان
واحد.
و لهذا ثار نقاش و خلاف بين بعض
الباحتين ،حيث حاول أحد الباحتين (أحمد نهيد) تحديد تدخل النيابة العامة في
قضايا المدونة من خلال فرضيتين ،الأولى تكون فيها كطرف أصلي و ذلك في حالة
كونها مدعية أو مدعى عليها ،والثانية تباشر فيها الدعوى كطرف منضم في جميع
القضايا التي تطبق فيها بنود المدونة و التي لاتكون فيها مدعية أو مدعى
عليها ،غير أن هذا التفسير لايستقيم مع وجود المادة 3 من المدونة التي تنص
بشكل صريح على أن النيابة العامة طرف أصلي في جميع القضايا الرامية إلى
تطبيق أحكام مدونة الأسرة ،دون الرجوع إلى صفة الإدعاء التي لاتفيد شيئا
لكون المشرع تدخل بنص صريح ،فصفة الإدعاء معيار للتمييز بين الدور الأصلي
والدور الإنضمامي للنيابة العامة في القضايا المدنية بصفة عامة .
ويرى
الباحث سفيان ادريوش أن المشرع أعطى للنيابة العامة دور الطرف الرئيسي و
الأصلي في القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام مدونة الأسرة ،وتتدخل كطرف منضم
في باقي قضايا الأسرة و القضايا الرامية إلى حماية و رعاية الأسرة مالم
تكن مدعية أو مدعى عليها (4).
أما وزارة العدل
من خلال فقائها في الدليل العملي تؤكد أنه على النيابة العامة أن تقدم
مستنتجاتها في كل ملف،كلما تعذر حضورها مادام المشرع لم يرتب بطلانا عن عدم
حضورها في غير الجلسات الجنائية طبقا للمادتين 4و7 من ظهير التنظيم
القضائي .
لكن هناك من انتقد وزارة العدل على
التفسير الذي أعطته للمادة3من م س من خلال الدليل العملي و أعتبر أن هذه
قراءة خاطئة تروج لها وزارة العدل وتبعها القضاة وهوما تم تطبيقه على أرض
الواقع ،بما أن النيابة العامة لم تعد تحضر جلسات الأحكام بعد انقضاء الستة
أشهر الأولى لدخول مدونة الأسرة حيز التطبيق و الذي احترمت فيه مقتضيات
المادة 3 ،أما الأن فتكتفي بتقديم مستنتجاتها و ملاحظاتها كتابة ليس إلا.
و
بالتالي فهذه القراءة التحريفية للقانون تحاول إقناعنا بأن النيابة العامة
طرف أصلي ،ولكن بسبب قلة أطرها قررنا الإبقاء على و ضعيتها كطرف منضم (رغم
أنف المادة 3).وهذه نظرية قانونية جديدة ،مفادها أن النيابة العامة طرف
أصلي قانونا غير أنها في الواقع و الممارسة تتحول إلى مجرد طرف منضم(5)
وهل
يجوز هذا منطقيا اعتبار النيابة العامة طرفا أصليا و في نفس الوقت
ممارستها لصلاحيات الطرف المنظم .و كذلك ما الجدوى من وضع النصوص إذا لم
يكن بمقدورنا تطبيقها.
لأنه إذا أخدنا بحرفية نص المادة 3 من م س ،واعتبرنا النيابة العامة طرفا رئيسيا فإن ذلك تترتب عليه أثار قانونية بالغة الأهمية :
_إلزامية حضور النيابة العامة كل الجلسات تحت طائلة بطلان الإجراءات .
_بطلان الأحكام و الإجراءات حالة عدم حضورالنيابة العامة الجلسات .
وهذا
الخلط الذي وقع فيه المشرع أثر على قضاء الأسرة من حيث تدخل النيابة
العامة ،مما جعل بعض الفقه يؤكد على أن المشرع في صياغته للمادة 3 من م س
لم يكن موفقا ،ويقترح أن تصاغ المادة 3 على الشكل التالي “أن النيابة
العامة طرفا في جميع القضايا…” دون تحديد صفة الطرف(6)