هل يسمح الدستور بإنشاء نقابة للمعلمين في الأردن ؟

مدى دستورية إنشاء نقابة للمعلمين في الأردن ؟؟ (د. نوفان عجارمة)

تردد هذا السؤال كثيرا في الاونة الأخيرة، فالحكومة كانت تدافع عن رأيها دوما بان الدستور لا يسمح بإنشاء نقابة للمعلمين مستندة إلى فتولى للمجلس العالي لتفسير الدستور(رقم 1/94) ، ولكن يبدو إن الأمر تغير، حيث بادرت الحكومة بتقديم مشروع قانون لإنشاء نقابة للمعلمين ، ولكن مجلس النواب أرجا البت في هذا القانون و لحين استطلاع رأي المجلس العالي لتفسير الدستور ، مع العلم بأنه سبق لهذا المجلس أن أفتى بأنه (( … وحيث إن معلمي وزارة التربية والتعليم هم موظفون عموميون ويخضعون لنظام الخدمة المدنية الصادر بموجب أحكام المادة 120 من الدستور فان الإحكام الدستورية لا تجيز إصدار قانون لنقابة المعلمين الموظفين العموميين…)).

بالرجوع إلى أحكام الدستور الأردني لسنة 1952 نجد بان هناك نص واحد تكلم عن حق الأردنيين في إنشاء النقابات و هي النقابات ذات الطابع العمالي، و لم يتكلم عن النقابات المهنية على الرغم من وجود نقابة المحامين آنذاك و التي أسست في عام 1950 ، أي قبل صدور الدستور ، فهل كان عدم النص متعمدا و بالتالي حظر إنشاء النقابات المهنية ؟؟ أم إن هناك ثمة نصوص أخرى في الدستور تجيز إنشاء النقابات المهنية ومنها نقابة المعلمين.

وللإجابة على السؤال الذي طرحناه كعنوان لهذا المقال، أقول إن النص الوارد في المادة (120) من الدستور و الذي جاء بالقول (التقسيمات الإدارية في المملكة الأردنية الهاشمية وتشكيلات دوائر الحكومة ودرجاتها وأسماؤها ومنهاج إدارتها وكيفية تعيين الموظفين وعزلهم والإشراف عليهم وحدود صلاحياتهم واختصاصاتهم تعين بأنظمة يصدرها مجلس الوزراء بموافقة الملك)) و الذي تم الاستناد إليه في السابق للحيلولة دون إنشاء نقابة للمعلمين، يشكل هذا النص قاعدة عامة لتنظيم كافة الشؤون المتعلقة بالوظيفة العامة في المملكة من خلال نظام يصدر عن مجلس الوزراء، ولكن هذه القاعدة يجوز الخروج عليها ، إذا ورد نصا في يقضي بخلاف ذلك، وقد خرج الدستور على حكم القاعدة السابقة عندما اجاز تنظيم بعض طوائف الموظفين العموميين بموجب قوانين مثل السادة القضاة وكذلك قوات الجيش و الدرك و الأمن العام .

وعليه، وعلى الرغم من عدم نص الدستور صراحة على حق الأردنيين في إنشاء النقابات المهنية -كما أسلفنا- إلا أن إنشاء النقابات المهنية في الأردن يجد سنده في المادة (45/1) من الدستور والتي تنص على ( يتولى مجلس الوزراء مسؤولية إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية باستثناء ما قد عهد أو يعهد به من تلك الشؤون بموجب هذا الدستور أو أي تشريع آخر إلى إي شخص أو هيئة أخرى).

فالنقابات المهنية (كنقابة الأطباء و المحامين) تقوم بإدارة مرافق عامة، و إدارة هذه المرافق يدخل أصلا في صميم اختصاص الحكومة بوصفها مهيمنة على إدارة وتسيير المرافق العامة في الدولة،وقد أناطت المادة (45) من الدستور بمجلس الوزراء مسؤولية إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية باستثناء ما قد عهد أو يعهد به من تلك الشؤون بموجب هذا الدستور أو أي تشريع آخر إلى أي شخص أو هيئة أخرى، وعليه، فان تخلي مجلس الوزراء – وبموجب قانون- عن إدارة هذه المرافق (النقابات) لصالح أعضاء المهنة أنفسهم، يتفق وأحكام الدستور، لان أصحاب المهنة اقدر من غيرهم على إدارة وتنظيم شؤون مهنتهم ،مع تخويلهم نصيبا من السلطة العامة يستعينون به على تأدية رسالتهم مع الاحتفاظ للحكومة بحقها في الإشراف والرقابة تحقيقها للصالح العام .

ومن اجل تحقيق نوعا من التوازن فأنني اقترح إنشاء نقابة للمعلمين مع ضرورة عدم الأخذ بإلزامية العضوية في تلك النقابة و للأسباب التالية:

1. إن مهنة التعليم تختلف عن باقي المهن الأخرى، فالمعلم لا يحتاج إلى شهادة من النقابة حتى يمارس مهنة التعليم، هذا خلافا للمحامين والأطباء وغيرهم.
2. أن الهدف من إلزامية العضوية في النقابات وهو جباية الأموال من المنتسبين، لذلك يجب أن لا يلزم المعلم بالاشتراك في هذه النقابة تاركين الأمر لإرادته الحرة، واعتقد إن الكثير من المعلمين لا يستطيع دفع التزاماته المالية السنوية تجاه للنقابة.
3. إن مبدأ الإلزامية يتعارض مع ابسط مبادئ حقوق الإنسان في العمل، و فيه تقييدا لحق العمل المكفول بالدستور، لان إلزامية العضوية تحرم غير المنضمين للنقابة من ممارسة المهنة ، وهذا يشكل اكرها على العمل ، كما يشكل مخالفة صريحة لإحكام المادة (8) من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية لسنة 1966، و كذلك المادة (20) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و من المعلوم إن الاتفاقية الدولية تسمو على التشريعات الداخلية في حالة التعارض.
4. ليس بوسع المعلم المُكره على العمل وعلى الانضمام للنقابة إن يبدع في عمله، فالتعليم مهنة إبداعية في الأساس ، وتحتاج إلى توفير أجواء مناسبة للمعلم حتى يقوم بواجبه على الوجه الأكمل .
*الدكتور العجارمة