هل من حق المصارف حجز أموال الناس؟

يقال في لغة الأعمال إن الزبون دوماً على حق، أو بعبارة أخرى فإن على صاحب العمل محاولة كسب رضا الزبون حتى لو كان الزبون مخطئاً، وذلك كي يتمكن من توسيع قاعدة زبائنه أو عملائه على حد تعبيرنا الدارج.

وتحتاج الشركات الكبيرة إلى كسب قاعدة عريضة من العملاء كي تتمكن من التوسع والنمو وتحقيق الأرباح. ومع هذه الحقيقة في دنيا الأعمال يتصرف عدد من رجال الأعمال عندنا بما في ذلك المصارف المحلية برعونة وتعجرف مع عملائها، خصوصاً ممن لا يملكون الأموال الطائلة. وهناك الكثير من الحوادث والقصص التي تعبر عن التعالي الذي تمارسه المصارف المحلية.

وقد تلقى أحد الموظفين المشرفين على مرحلة التقاعد مكافأة نهاية الخدمة التي تصرف قبل فترة التقاعد بخمسة أو ستة أشهر. وكان هذا الموظف فرحاً بهذه المكافأة، لكن تأبى بعض المصارف إدخال السرور على عملائها وتشارك بفاعلية في إدخال النكد عليهم. وفوجئ هذا الموظف عند محاولته التصرف في هذه المكافأة بتجميد جزء كبير منها. وبعد مراجعة المصرف قابل أحد موظفي خدمة العملاء وذكر له المشكلة وامتعاضه الشديد من تجميد جزء كبير من رصيده، فرد عليه الموظف بأن حجز هذا المبلغ جاء مقابل باقي أقساط القرض المستحق عليه، الذي ينتهي بعد أشهر عدة. ثم أخذ موظف المصرف في تبرير تصرف مصرفه، وقال بوقاحة إن المصرف عندما منح القرض لم يكن مهتماً بالعميل ولا يعنيه العميل، إنما قدمه لأن جهة العمل ضمنت تحويل الراتب، واستكمل موظف المصرف وقاحته بقوله: إن المصرف لا يدري عن العميل أهو حي أم ميت.

وهنا تتبادر إلى الأذهان أسئلة عدة، من ضمنها مدى مشروعية حق المصارف في الحجز على أموال الناس دون أمر قضائي أو رسمي من إدارة حكومية مسؤولة؟ وهل تملك المصارف حق التصرف في أموال الناس دون حتى إبلاغ المحجوزة أموالهم؟ وهل من حق المصارف التجسس على العملاء؟ وهل ينبغي على المودعين إثبات أنهم أحياء كي تتوقف المصارف عن تصرفاتها الرعناء؟ ولماذا توظف المصارف من لا يجيدون التعامل مع الناس؟ وهل تعتبر المصارف عملاءها دوماً على خطأ وهي المحقة؟

ولا ينكر أحد أن من حقوق المصارف المشروعة تجنب مخاطر التخلف عن السداد، لكن ليس من حقها التصرف من طرف واحد والاستيلاء على أموال المودعين. إن هناك حقيقة يجب أن تدركها المصارف وموظفوها ومؤسسة النقد العربي السعودي المنظمة للنشاط المصرفي، وهي أن أموال المودعين ليست ملكاً للمصارف حتى تتصرف فيها كيفما تشاء، وتحجز ما تريد، أو تجمد ما تريد دون صدور أحكام شرعية أو قانونية ومن دون إخطار العملاء ومحاولة التفاهم معهم. إن الحجز على أموال الناس ينبغي ألا يتم إلا عن طريق محاكم شرعية أو عبر مؤسسات رسمية مخولة لحجزها مؤقتاً حتى تفصل في قضايا الحجز محاكم شرعية. ولا يعطي منح القروض المصارف الحق في حجز الأموال الموجودة في الحسابات المصرفية ما دامت هناك جهات رسمية التزمت بتحويل رواتب الموظفين وما دامت عملية السداد مستمرة.

من جهةٍ أخرى ينبغي على المصارف وعلى مؤسسة النقد العربي السعودي أن تلزم المصارف بضرورة إخطار العملاء بأي إجراء يتخذ ضدهم، فليس من المعقول أن يتفاجأ الشخص بتجميد حسابه أو جزء منه أو بطاقاته الائتمانية. وقد يتعرض الأشخاص المتأثرين بمثل هذه التصرفات الرعناء إلى مخاطر ومعضلات جمة في حالة وجودهم خارج أماكن إقامتهم أو خارج المملكة.

ووضعت مؤسسة النقد العربي السعودي رابطاً في موقعها على الإنترنت لتلقي شكاوى المتضررين من تصرفات المصارف, لكن من الغريب أن تشترط المؤسسة ضرورة التشكي إلى الجهات المسببة للضرر حتى يتم قبول الشكوى والحصول على رقم للشكوى، أي أن المؤسسة نصبت المصارف خصوماً وحكاماً في الوقت نفسه. ومن المؤسف أن هذا الأسلوب متبع في كثير من الإدارات الحكومية، حيث يلزم المتضررين من أي جهة حكومية بالتشكي إليها. والحقيقة أن هذا الأسلوب يفتقد العدالة, فالجهات التي تفصل في نزاعات العملاء مع الشركات أو المراجعين مع الإدارات الحكومية ينبغي أن تتصف بالحياد وليس لها مصلحة في القضية أو ارتباط بالجهة المرفوعة ضدها القضية وذلك كي يكون حكمها عادلاً وغير متحيز.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت