هل للخنثى ميراث في الشرع والقانون

مقال حول: هل للخنثى ميراث في الشرع والقانون

هل للخنثى ميراث في الشرع والقانون

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

الخنثى هو الإنسان الذي خفي جنسه فلم يُعلم أذكر هو أم أنثى، وذلك لاحتوائه على الجهازين التناسليين للذكر والأنثى، أو لخلوه عن الجهازين المذكورين بالكلية، وهو وإن كان قليلاً في المجتمعات إلا أن الحديث كثر في الأعوام الأخيرة عن ذلك الجنس الثالث. وقد طرح في وسائل التواصل الاجتماعي منذ فترة وجيزة قضية خنثى كان مقيماً في سورية متزوجاً ولديه زوجة وأطفال، وقد هاجر إلى سويسرا، وهناك قام بعملية تغيير جنس وأصبح امرأة، وتزوج من رجل سويسري وأنجب منه طفلة وعندما توفي ثار الخلاف حول كيفية توزيع التركة بين ورثته قبل وبعد تغيير الجنس. ولهذا كان لا بد من بيان حكم ميراث الخنثى ومقدار إرثه في القانون والشرع.

لم يتعرض قانون الأحوال الشخصية السوري لميراث الخنثى، ولهذا فإنه يجب الرجوع فيه إلى الراجح من مذهب الحنفية، وقد قسم الفقهاء الخنثى من حيث حصته الإرثية إلى قسمين:

الأول: خنثى مشكّل وهو من استوى فيه حالا الذكورة والأنوثة ولم يترجح أحدهما على الآخر.

الثاني: خنثى غير مشكّل وهو من ترجح فيه جانب الذكورة أو جانب الأنوثة.

فإذا كان الخنثى غير مشكل فإن ترجح جانب الذكورة فيه عد ذكراً، وصرف له من الميراث حصة الذكر، وإن ترجح فيه جانب الأنوثة صرف له حصة الأنثى اعتباراً بالغالب من حاليه. أما إذا كان خنثى مشكلاً فقد اختلف الفقهاء في نصيبه الإرثي على آراء:

فذهب الحنفية إلى أنه يُعطى أدنى حظيه باعتباره ذكراً أو أنثى، ويُعطى باقي الورثة أحسن الحظين؛ هذا إذا كان نصيبه ونصيب بقية الورثة يتأثر بجنسه، وإلا فلا إشكال؛ فلو مات رجل عن زوجة وأم وأخت شقيقة خنثى مشكل، كان للزوجة الربع لعدم الفرع الوارث، وللأم الثلث لعدم الفرع الوارث، وعدم العدد من الأخوة والأخوات، وللخنثى هنا الباقي بالعصوبة على اعتبار كونه ذكراً لأنه لو فرض أنثى كان له النصف وهو أكبر من العصوبة هنا.

وذهب ؤ إلى أن الخنثى المشكل يعطى الوسط بين نصيبي الذكر والأنثى، فيحسب ذكراً مرة وأنثى مرة ثم يعطى المتوسط بين النصيبين، وهو نصف مجموع النصيبين. أما الشافعية والحنبلية فذهبوا إلى أن الخنثى المشكل يعطى أقل النصيبين كالحنفية، إلا أنهم قالوا: يعطى باقي الورثة الأقل من النصيبين أيضاً، ويوقف الباقي إلى ظهور حاله؛ فإذا كان ميؤوساً من كشف حاله أعطي نصف النصيبين كالمالكية.

ويرى سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله أنّ الخنثى هو الإنسان الذي له فرج الذّكر وفرج الأنثى، فإن أمكن تمييز كونه ذكراً أو أنثى، ولو بمعونة الطّرق العلميّة الحديثة، عُمِلَ به، وإلا لزِمَ الرّجوع إلى الإمارات المنصوص عليها، ومنها: أن يُنظر من أيّ العورتين يبول، فإن كان من فرج الذّكورة فهو ذكر، وإن كان من فرج الأنوثة فهو أنثى، وإن لم يمكن تمييز جنسه أعطي نصف سهمه لو كان ذكراً، ونصف سهمه لو كان أنثى. ويوضح سماحته بأنّ الطّريقة المعتمدة ـ حسابياً ـ في استخراج نصيب الخنثى هي تكثير السهام إلى أن يمكن فرز سهمه بما يناسب نصف سهم الذّكر ونصف سهم الأنثى، ولنأخذ لذلك مثالاً ونطبّق هذه القاعدة عليه، والكلام لسماحته:

“إذا خلّف الميت ولدين ذكراً وخنثى لزم فرضيهما (نصيبهما) ذكرين تارةً وذكراً وأنثى تارةً أخرى، فيكون معنا سهمان عند فرضهما ذكرين وثلاثة سهام عند فرضهما ذكراً وأنثى: سهمان للذّكر وسهم للأنثى، تُضرب السهام ببعضهما البعض لتكثيرها فنضرب السهمين بالثّلاثة وحاصل الضّرب ستّة، ثم يضرب الحاصل وهو الستّة بمخرج النصف وهو: الاثنان فيصير اثني عشر.

وحينئذٍ يمكن توزيع السهام كما يلي: لو فرضناهما ذكرين فلكل ذكر ستّة، وحيث إنّ للخنثى نصف نصيب الذكر فإنّ له ثلاثة؛ ولو فرضناه أنثى فإنّ لها مع الذّكر سهماً واحداً من ثلاثة سهام فيكون لها أربعة من الإثني عشر؛ وحيث إنّ للخنثى نصف نصيب الأنثى إضافةً إلى نصف نصيب الذّكر، فإنّ له اثنين من الأربعة، وقد كان لها نصف نصيب الذّكر وهو ثلاثة من ستّة، فيكون مجموع النّصيبين خمسة من اثني عشر للخنثى وسبعة من اثني عشر للذّكر”.

ويختم سماحته: “وهكذا الأمر لو كان للميت ذكران وخنثى فنستخدم الطريقة نفسها لنصل بالسّهام إلى ثلاثين، يكون نصيب الخنثى منها ثمانية، ولكلّ من الذّكرين أحد عشر في سائر الموارد والحالات”.

وقد روى الفَرَضيُّون عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن مولود له قُبُل وذكر من أين يورّث؟ قال: من حيث يبول. وروي أنه أتي بخنثى من الأنصار، فقال: “ورّثوه من أول ما يبول”.. وكذا روى محمد بن الحنفية عن عليّ ونحوه عن ابن عباس.

بهذا يمكن القول بأن الفقهاء على اختلاف مذاهبهم وضعوا علامات موحدة يتم بها الحسم في تحديد جنس الخنثى المشكل ذكر هو أم أنثى، كالنظر إلى المبال على اختلاف بينهم في القدرة والكثرة والنظر، إلى دليل البلوغ من مني وحيض مع اعتبار الأوصاف الظاهرية من لحية وثدي والأوصاف المعنوية من ميل وشهوة، إلا أنهم عند انعدام هذه الأوصاف أو تكافؤها عند الخنثى تحيَّر أكثرهم في تحديد نوع الخنثى، فألحقوه بالخنثى المشكل الذي لا آلة له أصلاً، وبهذا ضاعت على هذا الأخير جملة من الأحكام الفقهية.

والفقهاء اليوم مطالبون بالنظر في حال الخنثى المشكل بعين الاجتهاد القائم على ما توصل إليه العلم الطبي في هذا المجال الذي بوسعه معرفة جنس الخنثى انطلاقاً مما قدمته أبحاثهم العلمية حتى نرفع عن الخنثى إشكاله ويصير واضحاً في نظر الفقه الإسلامي.

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.