رأيى الشخصى 

المسئولية الجنائية لرئيس الجمهورية
الدكتور عادل عامر
الدولة شخص من أشخاص القانون الدولي تتمتع باختصاصات وأهلية معينة، غير أنه لا يمكنها مباشرة اختصاصاتها إلا بواسطة أشخاص طبيعيين يعبرون عن إرادتها ويشكلون أجهزة تنص عليها وتحددها دساتيرها وتشريعاتها الداخلية . ويأتي على رأس كل دولة شخص طبيعي هو رئيس الدولة الذي يعتبر السلطة العليا ورمز وحدتها ، وتعبير رئيس الدولة يجب أن يفهم بمعناه الواسع فهو يشمل الملوك والأباطرة والسلاطين والأمراء ورؤساء الجمهوريات وكل الرؤساء الزمنيين والروحيين ( كالبابا مثلا ) ، وجميع هذه التسميات لا تمس جوهر المنصب الذي يشغله رئيس الدولة بصفته ممثلا للدولة ومعبرا عن إرادتها في العلاقات الدولية ، وكل هذا يخضع لما يحدده الدستور من اختصاصات له، و اختصاصات رئيس الجمهورية قد تتطلب منه الانتقال إلى دول أخرى للمشاركة في المؤتمرات القمة أو لحضور اجتماعات المنظمات الدولية ، أو للقيام بزيارات خاصة ؛ بل قد يكون وجوده في الخارج من أجل الاستجمام أو الشفاء وفي هذه الحالة يوفر القانون الدولي حماية خاصة له باعتباره ممثلا رسميا لدولته وسيادتها ويشغل مكانا رفيعا في علاقتها مع الدول الأخرى. و يتفق أغلب الكتاب على أن الامتيازات والحصانات التي يتمتع بها رؤساء الدول تقوم على أساس الاحترام المتبادل بين الدول, وهو مبدأ أساسي في القانون الدبلوماسي؛ فمن جملة هذه الامتيازات مثلا عدم جواز اعتقالهم أو محاكمتهم جنائيا أو إداريا أو مدنيا من قبل دولة أخرى ، ولكن آلا يشكل هذه الامتيازات خرقا لمبدأ القانون ؟ولعل أهم مقومات دولة القانون هو مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون ، وهو المبدأ الذي تكرسه الدساتير المقارنة وهذه المساواة تقتضي معاملة جميع الموطنين بنفس المعاملة العادلة سواء في الحقوق أو الواجبات ، ولا وجود لدولة القانون دون تكريس هذا المبدأ فعليا ، والمجال الخصب لتطبيق هذا المبدأ يكون في المواد الجنائية ، ذلك أن حق المجتمع في العقاب يقتضي متابعة كل مجرم يخالف أوامر ونواهي القانون الجنائي ، ويستوي الأمر إن كان مرتكب الجريمة هو أبسط مواطن فيها أو كان هذا الجاني أول مواطن فيها ، ودون شك فإن أول مواطن في الدولة هو رئيسها مهما كان وصفه . والعدالة تقتضي أن يكون هذا الشخص السامي في الدولة هو أول من يخضع للقانون حتى يكون قدوة لبقية المواطنين ، وبالتالي يكون أول من يحاسب عن أخطائه خاصة عن الأخطاء الجنائية التي لا تغتفر ، لاسيما وأن رئيس الدولة من المفروض أن يكون خادم الشعب وحامي الدستور والقانون، وليس سيد الشعب ومستبيح انتهاك الدستور والقانون ، كما أن المسؤولية في الأصل هي تكليف قبل أن تكون تشريفا. ولهذا يعرف فقهاء القانون الدستوري دولة القانون بأنها خضوع جميع المواطنين في الدولة للقانون سواء كانوا حكاما أو محكومين ، وكلهم على قدم المساواة في الحقوق والواجبات. ولا شك أن مكانة رئيس الدولة كأول شخصية في هرم السلطة تخوله اختصاصات كبيرة في الدولة لا يسع المقام لذكرها ، ولكن هذه المكانة لا تحول دون الرقابة عليه ودون محاكمته عند الخطأ الجسيم ما دام أن رئيس الدولة بشر ، و طبيعي أن يخطئ هو الآخر كسائر البشر ، ومن العدالة أن يتحمل تبعة أخطائه ، وإن كان القانون والعرف يعفيه من المتابعة عن الأخطاء البسيطة ، ولكن لن يتسامح معه في حال ما وصل الأمر إلى ارتكاب جريمة خطيرة تمس بالدولة وشعبها وأمنها واقتصادها ، فهنا تنتهي حصانة رئيس الدولة.كما لو ارتكب جناية الخيانة العظمى، وهي الجريمة التي لها في الواقعة مفهومان أحدهما سياسي وآخر قانوني . وتظهر أهمية تقرير المسؤولية الجنائية لرئيس الدولة في أنها تهدف إلى معالجة الأخطاء بطريقة قانونية ودستورية مكفولة بجميع الضمانات الإجرائية والموضوعية وبواسطتها يتم تفادي طرق لا قانونية قد تكون أعنف من خطأ الرئيس نفسه ، ومن هذه الطرق العنفية نجد الانقلاب والتمرد العسكري والسياسي و ربما الحرب الأهلية والثورة الشعبية ضد الرئيس ، والحقيقة أن مثل هذه الأحداث قليلة الحدوث وتعد حدثا في تاريخ الدولة ، ولكن مع ذلك يمكن توقع حدوثها ، ونفس الشيء بالنسبة لجرائم رئيس الدولة التي قد تقع و قد لا تقع ، ومع ذلك فمن حق المؤسس الدستوري أن يحتاط لكل الاحتمالات الممكنة إيجابية كانت أو سلبية ، وذلك بسن نصوص دستورية مسبقة ، وهو بذلك يحقق بها ما يسمى بالردع العام ( أسلوب التخويف) من جهة ، و يتفادى أي فراغ دستوري قد يتزامن مع حدوث مثل هذه الوقائع الخطيرة من جهة ثانية . وفي هذا الشأن نجد بعض الدساتير نصت صراحة على وجوب متابعة رئيس الدولة ومحاكمته داخليا من طرف محكمة عليا مختصة ، وذلك عند ارتكابه لجريمة الخيانة العظمى ، وهذه الدساتير في غالبيتها خاصة بدول ذات نظام حكم جمهوري مثل دستور الولايات المتحدة الأمريكية لسنة 1787 ، ودستور فرنسا لسنة 1958 ، ودستور مصر لسنة 1971 ، وهي يختلف عن الدول ذات النظام الملكي التي لا تعترف أصلا بمسؤولية رئيس الجمهورية كما الحال على سبيل المثال في دستور بلجيكا ودستور المغرب . ولكن المسؤولية الجنائية لرئيس الدولة تختلف عن المسؤولية السياسية ، كما تختلف أيضا عن المسؤولية الجنائية الدولية ، وهي المسائل التي سنتناولها في مداخلتنا.
وموضوعنا الحالي يثير مجموعة من الإشكاليات التي سنعالجها بالتفصيل ومنها :
ما هو الأساس القانوني والدستوري والسياسي لتقرير المسؤولية الجنائية لرئيس الدولة ؟
وفيما تختلف المسؤولية الجنائية الداخلية عن المسؤولية الجنائية الدولية ؟
وإلى أي حد يمكن لرئيس الدولة التمسك بحصانته ؟
وما الفرق بين المسؤولية السياسية والمسؤولية الجنائية لرئيس الدولة ؟
وما هو المفهوم الجنائي والسياسي لجريمة الخيانة العظمى؟
وما هي إجراءات محاكمة رئيس الدولة في حال ثبوت ارتكابه جناية الخيانة العظمى ،
وما هي الصعوبات العملية و الآثار الدستورية التي تترتب عن اتهامه ، أو عن إدانته ؟
وما هي ضمانات محاكمة رئيس الدولة وفق الدساتير المقارنة منعا للتعسف والانتقام .
هذه جملة من الإشكاليات التي سنحاول الإجابة عنها في مداخلتنا ،
اولا:- المسئولية الجنائية لرئيس الدولة
المبحث الأول : تطور مفهوم المسؤولية الجنائية لرئيس الدولة
الفرع الأول : تطور مفهوم المسؤولية الجنائية الداخلية لرئيس الدولة
أولا- مفهوم المسؤولية الجنائية الداخلية :
إن مسؤولية رئيس الدولة لم تتقرر الا بعد كفاح مرير (كفاح سياسي وفقهي) بعدما سادت بعض الأفكار الكنسية القديمة في أوربا ، وهي أن الملك أو الحاكم هو إله أو شبه إله يعبد ويطاع ، ومن ثم فان كل أفعاله مشروعة ، ولا يمكنه أن يخطأ ، وحتى وان أخطأ فإنه لا يعاقب ولا يحاسب . وهذه الأفكار البالية تمت محاربتها بشدة بفضل أفكار فلاسفة العقد الاجتماعي ، وبالخصوص”جون جاك روسو” ، وجون لوك وتوماس هوبز ، وموتسيكيو ، وبدى تنأثير هذه الأفطار الجريئة واضحا على مختلف الدول الأخرى التي تبنت نظريتي سيادة الشعب ، وسيادة الأمة ، وقررت مبادئ دستورية مهمة كمبدأ احترام حقوق وحريات الموطنين الفردية والجماعية المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية والدينية ، ومبدأ الفصل بين السلطات ، ووجود الرقابة على أعمال هذه السلطات لاسيما التنفيذية منها ، وهي المبادئ التي تأثر بها كذلك المؤسس الدستوري المصري من خلال دستوري 1958 و1971. والملاحظ هو أن المسؤولية الجنائية لرئيس الدولة في الدول ذات الحكم الجمهوري تختلف عن المسؤولية الجنائية لرئيس الدولة في الدول ذات الحكم الملكي ، بل إن هذه الأخيرة لا تعترف أصلا بمسؤولية الملك ، لكون الملك في نظرها شخص مقدس و لا يخطئ مع أنه قد يخطئ فعلا باعتبارها بشرا غير منزه ، ومن العدالة أن يستحق المساءلة كغيره من الأشخاص الذين يخطئون ، وهو أمر تقتضيه دولة القانون . فدولة القانون هي التي تخضع للقانون في جميع أنشطتها التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وهي كما يصفها الفقه الدستوري بأنها تلك التي تخضع نفسها للقانون ، وليس تلك التي تضع نفسها فوق القانون . ومن مقومات دولة القانون هو وجود دستور مكتوب وجامد واحترام نصوص القوانين وتقرير مبدأ الفصل بين السلطات مع استقلال السلطة القضائية والاعتراف بالحقوق والحريات العامة (الفردية والجماعية) ، وممارسة الرقابة بجميع أنواعها (السياسية والدستورية والقضائية والإدارية والشعبية).ولعل أهم مبدأ تقوم عليه دولة القانون هو مبدأ المساواة بين المواطنين. وهذه المساواة تقتضي معاملة جميع الموطنين بنفس المعاملة العادلة سواء في الحقوق أو الواجبات ، ولا وجود لدولة القانون دون تكريس هذا المبدأ فعليا ، بمعنى أن دولة القانون لا تقوم دون خضوع جميع المواطنين في الدولة سواء كانوا حكاما أو محكومين لحكم القانون وحده ، فهم كلهم على قدم المساواة سواء في الحقوق أو في الواجبات.
ثانيا- تطور مفهوم المسؤولية الداخلية لرؤساء الدول
يتربع رئيس الجمهورية على عرش السلطة التنفيذية في الدولة ، ويعد أول شخصية في هرم السلطة لاسيما وأنه منتخب من غالبية و الشعب ، وهذه المكانة تخوله اختصاصات كبيرة في الدولة لا يسع المقام لذكرها ، ولكن هذه المكانة لا تحول دون الرقابة عليه ودون محاكمته عند ارتكاب جريمة خطيرة تمس بالدولة وشعبها وأمنها واقتصادها وبنظامها . فرئيس الدولة وإن كان يعتلي قمة هرم الدولة ، فإنه ليس سيدا للشعب ، ومن ثم فلا يجب استعمال سلطة إلا فيما يبيحه الشعب ووفق ما يتوافق مع أماله ومستقبله ، كما أن هناك صلاحيات يحظر على رئيس الجمهورية ممارستها أو حتى الاقتراب منها بصفة مطلقة مثل التنازل عن جزء من التراب الوطني أو التخلي عنه أو تقسيمه ، أو تعديل الدستور خلافا للقيود الواردة في الدستور نفسه .
كما لا يمكن لرئيس الجمهورية أن يستغل منصبه لأغراضه الشخصية . وفي حالة تجاوز هذه الصلاحيات المحددة فلا سبيل للشعب سوى بعزل رئيس الجمهورية أو محاكمته طبقا لما ينص عليه الدستور والقانون . ما دام أنه بشر ويخطأ كسائر البشر وإن كان العرف جار على إعفائه من المتابعة من الأخطاء البسيطة بخلاف الأخطاء الجسيمة كجريمة الخيانة العظمى . غير أن مسؤولية رئيس الجمهورية لم تتقرر الا بعد كفاح مرير (كفاح سياسي وفقهي) بعدما سادت بعض الأفكار الكنسية القديمة في أوربا ، وهي أن الملك أو الحاكم هو اله أو شبه إله يعبد ويطاع ، ومن ثم فإن كل أفعاله مشروعة ، ولا يمكنه أن يخطأ ، وحتى وان أخطأ فإنه لا يتابع و لا يعاقب ولا يلام . وهذه الأفكار البالية تمت محاربتها بشدة بفضل أفكار فلاسفة العقد الاجتماعي وبالخصوص”جون جاك روسو”صاحب “كتاب العقد الاجتماعي” 1762، والذي يعد “بمثابة انجيل الثورة الفرنسية “.ومرجع مقدس للدساتير الفرنسية ولللاعلان الفرنسي لحقوق الانسان والمواطن 1789. وبدئ تأثير هذه الإفطار الجزئية واضحا على مختلف الدول الأخرى التي تبنت نظريتي سيادة الشعب ، وسيادة الأمة ، وقررت مبادئ دستورية مهمة كمبدأ احترام حقوق وحريات الموطنين الفردية والجماعية المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية والدينية ، ومبدأ الفصل بين السلطات ، ووجود الرقابة على أعمال هذه السلطات وفكرة المساءلة الجنائية لرئيس الدولة ترتبط بفكرة أخرى مهمة وهي فكرة الحصانة ، وقد جرت العادة والعرف الدولي على شمول جميع رؤساء الدول بهذه الامتيازات والحصانات بغض النظر عن قوة الدولة وكمال ونقصان سيادتها، وللاجتهاد موقف ثابت وواضح من هذه المسألة ، فالحصانة تحمي جميع رؤساء الدول حتى ولو كانوا خاضعين للحماية أو التبعية، وتهدف هذه الحصانة إلى تمكينه من ممارسة مهام وظيفته الرسمية خلال وجوده في الخارج. و للفقه موقف مشابه حول امتداد حصانة الرئيس إلى إفراد أسرته وحاشيته وما يحملونه من أموال منقولة وخاصة في حالة قيامهم بمهمة رسمية مثال ما فعلته زوجة الرئيس الأمريكي “كارتر” سنة 1977 عندما مثلت زوجها وزارت سبع دول في أمريكا الجنوبية، وفي العام ذاته زارت زوجة الرئيس الفرنسي “جيسكار ديستان” لندن ممثلة لزوجها ، وليس هناك اعتراض على تبني الحل ذاته بالنسبة لنائب الرئيس الذي يكون في الخارج ممثلا للرئيس.
– سفر رئيس الدولة متخفيا بإسم مستعار دون إعلام؛ فإنه يعامل معاملة الأفراد ما لم تعلم به ، فإذا علمت ومتى كشف عن هويته فعليها أن توفر له جميع الحصانات والامتيازات .
– في حالة قيام وصي على العرش بجولات وزيارات للخارج فإنه يتمتع بكل الحصانات المقررة للملوك.
– إن الحصانة لا تسقط بزوال صفة الرئاسة ، وذلك على سبيل المجاملة والعرف الدولي.
– في حالة وجود نزاع في دولة موالية وتصريح أكثر من شخص أنه رئيس دولة فهنا الدولة التي تمنح أحدهم الاعتراف تمنحه الحصانات والامتيازات والحكمة تقتضي أن يتم الاعتراف بالرئيس الجديد بعد التأكد من سيطرة أنصاره على زمام الأمور في البلاد.
– حالة حصول مانع لرئيس الجمهورية كالمرض المزمن مثلا ، فجل الدساتير تنص على وجوب استخلافه ولو مؤقتا بشخص آخر يمثل الشخص الثاني في الدولة ، سواء كان نائب الرئيس ، أو ولي عهد ، أو رئيس مجلس شعب ، فهل يتمتع هذا الشخص ( الرئيس المؤقت أو الرئيس بالنيابة ) بنفس الحصانة التي يتمتع بها رئيس الدولة.
أما الأساس القانوني للمساءلة الجنائية لرئيس الدولة ، فإن الفقه الدستوري الفرنسي حدد أساسين لهذه المسؤولية ، يقوم الأساس الأول على فكرة الخطأ ، ويبنى الثاني على التبعة.
تتبدى المسؤولية بسبب الخطأ عند ارتكاب خطأ جسيم ، مثل الخيانة العظمى .
و يضيف البعض تعسف الرئيس في اللجوء إلى استعمال السلطات المنصوص عليها في الدستورعند عدم توافر شروط تطبيق الشروط الاستثنائية ، وعند الخرق الفاضح للدستور.
كذلك ، فإن المسؤولية بسبب الخطأ تتعلق بفكرة عدم الدستورية .
وتتعلق المسؤولية لأجل التبعة بالخطأ السياسي الذي يرتكبه الرئيس أثناء ممارسته وظائفه . وبداءة فإن هذه المسؤولية تتصل بالخطأ المادي لقرار يكون خاصا بالخيارات الاقتصادية والعسكرية ، وهذا ما حدث بالنسبة للاستفتاء الذي تم إجراؤه في أبريل سنة 1969، بتوجيه من الجنرال دوجول ، وأدت نتيجته إلى تقديم استقالته. و هكذا يكون ارتكاب الرئيس لجريمة أو لخطأ سياسي على النحو السابق ، مدعاة لتحريك المسؤولية الرئاسية السياسية . كما أن المسؤولية الجنائية تمثل –في الواقع – الأساس القانوني لتحريك المسؤولية السياسية لرئيس الدولة . و هذه المسؤولية ذات طبيعة سياسية – و إن كانت جنائية بالتخصيص – تتحقق بسبب حدوث خرق للمشروعية في وقت محدد .
الفرع الثاني : التفرقة بين المسؤولية الجنائية والمسؤولية السياسية والمسؤولية الدولية
أولا- الفرق بين بين المسؤولية الجنائية والمسؤولية السياسية :
تختلف الدول فيما بينها في شأن تقريرها للمسؤوليتين فهناك من تقرر المسؤولية الجنائية دون السياسية (مثل دستور مصر 1971) ، وهناك من يقرر المسؤولية السياسية دون الجنائية (مثل دستور الجزائر السابق 1963) ، وهناك من يقرر المسؤوليتين معا مثل الدستور الأمريكي 1787والألمان1949، وهناك من لايقرر أية مسؤولية مثل الدستور المغربي وسائر الدساتير الملكية. وتختلف المسؤوليتين من عدة نواح وان كان من الممكن أن يتشابهان من حيث النتائج ، وهي عزل رئيس الجمهورية( رئيس الدولة). وأهم نقطة اختلاف بينهما هي أن المسؤولية السياسية لا تقرر من طرف هيئة قضائية ، وإنما من طرف هيئة سياسية دستورية أو شعبية ، وهي إما البرلمان ، وإما الشعب عن طريق الاستفتاء الشعبي . فاللجوء إلى الاستفتاء الشعبي قد يكون بمبادرة من البرلمان ، وعندها يلجأ رئيس الدولة إلى الشعب لتخييره بين بقائه أو مغادرة الحكم بناءا على طلب البرلمان أو طلب الشعب كما في بعض الدول لمعرفة رأي الشعب في سياسته ، فإن وافق الشعب على عزله فإنه يعزل وإن لم يوافق بقي في منصبه. كما يمكن عزل رئيس الدولة عن طريق البرلمان دون تدخل من الشعب ، وهذا النوع من العزل تأخذ به الدول التي تتبنى نظام حكومة الجمعية وكذا نظام الجمهورية البرلمانية ، حيث يعين الرئيس من الشعب ويمكن أن يعزل من الشعب . وقد أخذ الدستور المصري لسنة 1971بنظام العزل عن طريق البرلمان. وقد يعزل رئيس الدولة بناء على استفتاء شخصي ، حين يلجأ من تلقاء نفسه لمعرفة رأي الشعب في سياسته ويتوقف مصيره على نتيجة هذا الاستفتاء. مادة(152):لرئيس الجمهورية أن يستفتى الشعب فى المسائل الهامة التى تتصل بمصالح البلاد العليا.، طالما أن الدستور منح له حق استشارة الشعب في كل مسألة ذات أهمية وطنية ، ومسألة بقاء الرئيس من عدمه هي الأخرى مسألة ذات أهمية وطنية ، وهذا أمر يمكن أن يتم حتى قبل انتهاء عهدته . ولكن أسلوب الاستفتاء الشخصي قلما يلجأ إليه الرؤساء ، لأنه يجعل مصيرهم بيد الشعب خصوصا اذا كان الرئيس يعلم برفض الشعب لسياسته ، وإذا لجأ الى هذه الوسيلة فقد يعزل نفسه بنفسه، اللهم الا اذا كان واثقا من ثقة الشعب به ، أو كان أو كان يجنح الى تزوير نتيجة الاستفتاء. ولكن مهما قيل عن الاستفتاء فإن نتيجته غير ملزمة لرئيس الجمهورية من الناحية القانونية ماعدا فيما يتعلق بتعديل الدستور ، وإن كانت ملزمة من الناحية السياسية والأخلاقية ،لأنه اذا رفض الشعب مشاريع رئيس الجمهورية وسياسته فهذا يعني أنه يرفض بقاءه على رأس الدولة ولو كان منتخبا من قبل الشعب نفسه ،خاصة إذا لم يوفق بوعوده الانتخابية أولم يلبي تطلعات الشعب . لكن في الواقع العملي نجد أن رئيس الدولة يضحي في الغالب برئيس حكومته وبطاقم الحكومة ويقيلها بكاملها ليعين حكومة جديدة ويكلفها بعداد وتقديم برنامج يساير مطامح الشعب ويرضى البرلمان والدستور يسمح بذلك . وقد يلجأ رئيس الدولة الى حل خطير وهو أشبه بسيف الحجاج ، وهو حل البرلمان للتخلص من رقابته ومن أصوات المعارضة ، وهو سلاح مشروع حتى ولو كانت نية رئيس الدولة سيئة. وبالنسبة للدستور المصري مادة (85): يكون اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى او بارتكاب جريمة جنائية بناء على اقتراح مقدم من ثلث أعضاء مجلس الشعب على الأقل ولا يصر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثى أعضاء المجلس . ويقف رئيس الجمهورية عن عملة بمجرد صدور قرار الاتهام ويتولى نائب رئيس الجمهورية الرئاسة مؤقتا لحين الفصل فى الاتهام . وتكون محاكمة رئيس الجمهورية أمام محكمة خاصة ينظم القانون تشكيلها وإجراءات المحاكمة أمامها ويحدد العقاب وإذا حكم بادانتة أعفى من منصبة مع عدم الإخلال بالعقوبات الأخرى ويلاحظ على إن هذه المادة أنها لا تقرر صراحة المسؤولية الجنائية وإنما المسؤولية السياسية خاصة وأن ( البرلمان )هو هيئة تشريعية لا قضائية ، بحيث يسمح للنواب بممارسة الرقابة السياسية على رئيس الجمهورية من خلال طرح أسئلة كتابية أو شفوية عليه والتي بإمكانه أن يمتنع عن الإجابة عنها اذا اقتضت المصلحة العامة لذلك . ويمكن بموافقة ثلث النواب عزل رئيس الجمهورية من منصبه. أما بالنسبة للدستور المصري الحالي فإننا نجد عدم توازن بين السلطة التنفيذية والتشريعية ، حيث يتمتع رئيس الجمهورية بسلطات واسعة جدا ، وفي نفس الوقت لا توجد نصوص دستورية تقرر مسؤوليته السياسية ، اللهم إلا بعض المواد التي تقرر مسؤولية خفيفة ، ومن ذلك نص المادة 130 التي تقرر مسؤولية معنوية ، إذ تسمح هذه المادة للبرلمان بفتح مناقشة حول السياسة الخارجية للدولة بناءا على طلب من رئيس الدولة أو رئيس احدى غرفتي البرلمان ، ويمكن أن تتوج هذه المناقشات باصدار لائحة من طرف الرلمان المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا لبيان السياسة الخارجية للدولة يبلغها البرلمان الى رئيس الجمهورية . و في كل الأحوال فإن هذه اللائحة البرلمانية غير مقيدة لرئيس الجمهورية ولا ترتب أية مسؤولية سياسية ، ولا تؤدي الى عزله، كل ما في الأمر أنها تنقل اليه انشغالات النواب ، ومن ثم انشغالات الشعب بشأن موضوع معين
ثانيا- التفرقة بين المسؤولية الجنائية الداخلية والمسؤولية الجنائية الدولية :
إن التغيرات التي طرأت على القانون الدولي، خاصة بعد ظهور القانون الدولي الجنائي، غيرت أغلب المفاهيم التقليدية المطلقة، ولعل أهمها مبدأ الحصانة الدبلوماسية المطلقة لرؤساء الدول خاصة. وقد اختلف الفقه في تحدي معايير المسؤولية الدولية فجانب من الفقه التقليدي يرتب المسؤولية على أساس الخطأ، وبعض الفقه على أساس المخاطر ، والبعض على أساس الفعل غير المشروع، أما غالبية الفقه الحديث فيرتبها على أساس الفعل غير المشروع المحدد في القانون الدولي. و لأجل ذلك أنشأت أجهزة قضائية دولية خاصة تسلط العقاب على منتهكي قواعد القانون الدولي عامة والقانون الدولي الجنائي خاصة، وأهم هذه الأجهزة محكمة نورمبرغ وطوكيو ويوغسلافيا ورواندا مما ألزم الدول إلى إنشاء محكمة جنائية دولية لها اختصاص عالمي في توقيع الجزاء على الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم ضد أمن وسلامة البشرية، وجرائم الحرب والعدوان إلى غيرها من المنصوص عليها في قواعد القانون الدولي الجنائي. وهذا ما تحقق فعلا خلال مؤتمر روما حيث تم الاتفاق على إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة سنة 1998 مقرها في لاهاي. و الأمثلة التطبيقية في توقيع المسؤولية الجنائية الدولية كثيرة، ولعل أهمها قضية الجنرال الشيلي بينوشيه الذي حكم الشيلي في الفترة الممتدة ما بين 1973 حتى سنة 1990 ، والرئيس اليوغسلافي الأسبق سلوفودان ميلوزوفيتش الذي توفي بسجنه ، والرئيس العراقي صدام حسين الذين أدين بعقوبة الاعدام عن جرائم الابادة البشرية ، وهي كلها جرائم لا توجد منها جريمة الخيانة العظمى التي تقضي بقطع رابطة الولاء يبين شخص الرئيس ودولته … وإن المسؤولية الجنائية الدولية للأشخاص الطبيعيين عن الجرائم الدولية المقترفة من جانبهم لها أهمية بالغة بالنسبة للحيلولة دون ارتكاب مثل هذه الجرائم وتأمين فعالية مراعاة قواعد القانون الدولي المعاصروأحكامه. ويقضي القانون الدولي الحديث بأن يتحمل أشخاص طبيعيون ومجموعاتهم المسؤولية الفردية عن الجرائم ضد السلام والإنسانية وجرائم الحرب إلى جانب الدول المعنية. وتمتاز المسؤولية الجنائية الدولية بعدة خصائص منها إستبعاد نظام الحصانة ، وإستبعاد نظام العفو ، و استبعاد نظام سقوط العقوبة بالتقادم.
المبحث الثاني: فكرة المسؤولية الجنائية لرئيس الدولة في الدساتير المقارنة
فكرة المسؤولية الجنائية الداخلية لرئيس الدولة لم تقررها إلا طائفة من الدساتير المنتمية إلى دول ذات الطابع الجمهوري ومنها الدستور الأمريكي ، والدستور الألماني لسنة 1949 ودستور فرنسا لسنة 1958 و ودستور مصر لسنة 1971 ، ودستور الجزائر 1996 ، وهناك من يقرر المسؤوليتين معا السياسية والجنائية مثل الدستور الأمريكي 1787 ، أما دساتير الدول الملكية فلم تقرر أية مسؤولية ، مثل الدستور المغربي وسائر الدساتير الملكية عربية كانت أو غربية.
الفرع الاول : مسؤولية رئيس الدولة في الدساتير الملكية :
يمثل رأس الدولة في الدساتير الملكية شخص يسمى الملك أو الأمير أو السلطان أو القيصر ، وهو في الغالب وارث للعرش (معين بالوراثة وليس منتخبا ) ، ودساتير هذه الدول تنص جميعها على عدم مسؤولية رئيس الدولة (الملك) سياسيا أو جزائيا ، ذلك أن ذات الملك مصونة لا تمس ، وهذا ما نلمسه في كافة الدساتير سواء كانت عربية أو غير عربية ، وهو ما نستعرضه من خلال الأمثلة التالية:
من بين الدساتير الملكية العربية نجد دستور المملكة الأردنية الهاشمية لسنة 1958 الذي ينص في المادة الثالثة منه : أن” الملك هو رأس الدولة وهو مصون من كل تبعة ومسؤولية “.ودستور امارة الكويت لسنة 1975 الذي ينص في المادة 54 منه أن :” الأمير رأس الدولة وذاته مصونة لاتمس ودستور دولة البحرين لسنة 2001 الذي ينص في المادة 33 منه أن : ” الملك رأس الدولة، والممثل الأسمى لها، ذاته مصونة لا تمس…” وكذا دستور المملكة المغربية لسنة 1972 المعدل والمتمم سنة 1996الذي نص في الفصل ( المادة ) 23 : “أن شخص الملك مقدس لا تنتهك”.
و سائر الدساتير الملكية نصت على هذا المبدأ .
وتعود قاعدة عدم مسؤولية الملك ( الحصانة الدائمة ) الى القاعدة الإنجليزية القائلة: ” بأن الملك لا يخطئ ” (the king can wrong ). وعدم مسؤولية الملك مطلقة ، بمعنى أنه غير مسئول جنائيا سواء كان فعله يشكل مخالفة أو جنحة أو جناية ، وسواء وقعت تلك الجريمة منه أثناء قيامه بوظيفته أو أثناء حياته العادية ، وتمتد هذه الحصانة حتى الى أفراد أسرته ،كما أنه غير مسئول سياسيا عن أعماله في إدارة شؤون الحكم ، وهذه المسؤولية تتقرر عادة على الوزارة . كما أنهم ليسو بمنأى عن المتابعة الجنائية في حالة ارتكاب جناية ما تمس أمن واستقرار الدولة . وبالنسبة للدساتير الغربية نذكر على سبيل المثال ما جاء في المادة 56 -2 من الدستور الإسباني أن: ” شخص الملك لا تهتك حرمته ، غير مرتبط بالمسؤولية …”
الفرع الثاني: مسؤولية رئيس الدولة في الدساتير الجمهورية
على عكس الدساتير الملكي فإن الدساتير الجمهورية تتجه نحو تقرير المسؤولية الجنائية لرئيس الجمهورية (رئيس الدولة) دون تفرقة بينه وبين المواطنين خاصة في ارتكابه للجرائم الخطيرة والسياسية وهي جريمة الجناية العظمى بل وانه يسأل أحيانا حتى عن الجرائم العادية التي يرتكبها خارج شؤون عمله وتتم مساءلته بواسطة هيئة قضائية ( لا سياسية) ، ويكون مرجعها في ذلك هو قانون العقوبات أو القانون الجزائي بصفة عامة. ومن أمثلة الدساتير التي قررت هذه المسؤولية نجد : بالنسبة للدساتير العربية : الدستور اللبناني الصادر في أول أيلول (سبتمبر) سنة 1926 والمعدل في 21 كانون الثاني (يناير) سنة 1947 ، فقد قرر في المادة (60 ) منه المسؤولية الجنائية لرئيس الجمهورية في حالتين :
حالة خرقه للدستور وحالة الجناية العظمى حيث نصت هذه المادة أنه:
” لا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته إلا عند خرقه للدستور أو في حالة الجناية العظمى “.
ويقرر في المادة 61 المسؤولية في الحالات الأخرى أيضا والتبعة فيما يخص بالجرائم العادية فهي خاضعة للقوانين العادية ولا يمكن اتهامه بسبب هذه الجرائم وعلى الدستور أو الجناية العظمى إلا من قبل مجلس النواب بموجب قرار يصدره بغالبية ثلثي مجمع أعضائه ويحاكم أمام المجلس الأعلى مع العلم أن هذه المادة عدلت سنة 1977 . ونصت المادة (61)أنه يكف رئيس الجمهورية عن عمله عندما يتهم وتبقى سدة الحكم خالية إلى أن يفصل في القضية من قبل المجلس الأعلى . وتبعه الدستور المصري لسنة 1971 الذي نص في 85 من أنه يكون اتهام رئيس الجمهورية بالجناية العظمى أو بارتكاب جريمة جنائية بناءا اقتراح من ثلث أعضاء مجلس الشعب على الأقل ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس” .. ويوقف رئيس الجمهورية عن عمله بمجرد صدور قرار الاتهام ويتولى نائب رئيس الجمهورية الرئاسة مؤقتا لحين الفصل في الاتهام . وتكون محاكمته أمام محكمة خاصة ينظم القانون تشكيلتها وإجراءات المحاكمة أمامها ويحدد العقاب وإذا حكم بإدانته أعفي من منصبه (عزل أو أقصي) مع عدم الإخلال بالعقوبات الأخرى . وسار الدستور الجزائري لسنة 1996 على نهج الدستورين اللبناني والمصري مقررا مسؤولية رئيس الدولة داخليا عن جناية الخيانة العظمى ، وتبعه كذلك الدستور التونسي من خلال المادة 68 منه ، والدستور اليمني والدستور السوداني لسنة 1998 ، وكذا الدستور الصومالي . و بالنسبة للدساتير الغربية : نجد الدستور الأمريكي وهو أول أقدم الدساتير المكتوبة على الإطلاق هو (17/09/1787) ، فقد قرر هو الآخر مسؤولية رئيس الجمهورية في المادة الثالثة قسم(3) التي جاء فيها: ” تتألف الجناية ضد الولايات المتحدة من شن الحرب عليها فقط ،أو من الانضمام إلى أعدائها أو تزويدهم بالمساعدة والتشجيع ، ولا يدان شخص بالخيانة الا بشهادة شاهدين اثنين على نفس العمل الصريح أو بناءا على اعتراف في محكمة علنية “.وللكونجرس صلاحية إعلان عقوبة الجناية ، ولكن لاتسقط الحقوق المدنية للمدان الا أثناء حياته “.وجاء في المادة الثالثة (قسم4) يعزل الرئيس ونائب الرئيس وجميع الموظفين المدنيين في الولايات المتحدة من وظائفهم بناءا على اتهامهم بالتقصير والادانة بالخيانة أو الرشوة أو أية جرائم كبيرة أو مخالفة أخرى للقانون “.وتتولى المحكمة الفيدرالية الأمريكية التي أنشئت سنة 1889النظر قضائيا في مسألة محاكمة رئيس الجمهورية ، مع العلم أن رئيس هذه المحكمة هو ثاني شخصية سياسية في النظام الأمريكي بعد رئيس الجمهورية . وقد تولت هذه المحكمة متابعة الرئيس “بيل كلنتون ” واتهامه بعد الفضيحة المعروفة بفضيحة “مونيكا لوينسكي سنة 1998″ ، وقد تمت ادانته فعلا ولكن ليس بجريمة الخيانة العظمى ، وانما بجريمة التحرش الجنسي ( جريمة أخلاقية) ، ولم يعزل من منصبه رغم كذبه تحت القسم . وثاني دستور أقر مسؤولية رئيس الدولة هو الدستور الفرنسي لسنة 1958 ، أو دستور الجمهورية الخامسة كما يسمى ، فقد نص في المادة 68 منه أنه : ” لا يكون رئيس الجمهورية مسئولا عن الأعمال التي يقوم بهل في مباشرة أعماله مهامه إلا في حالة الخيانة العظمى ، ويكون اتهامه بواسطة المحكمة القضائية العليا . وبقرار موحد يصدر بتصويت والأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتكون منهما المجلسان ،وتجري محاكمته أمام المحكمة القضائية العليا. وهذه المحكمة تتكون من أعضاء تنتخبهم الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ من بين أعضائهما لعدد متساو لكل منهما بعد تجديد عام أو جزئي للمجلسين ،وتنتخب المحكمة رئيسها من بين أعضائها.
-ومن بين الجرائم التي يعاقب عليها رئيس الجمهورية في فرنسا والتي يمكن أن تندرج تحت وصف الخيانة العظمى ، هوعدم الولاء لنظام الدولة هو العمل على تغيير النظام الجمهوري للدولة الى نظام ملكي .
المبحث الثالث : تطبيقات المسؤولية الجنائية لرئيس الدولة في الدستور المصري
الفرع الأول : شروط تطبيق نص المادة 85 من الدستور
مادة (85): يكون اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى او بارتكاب جريمة جنائية بناء على اقتراح مقدم من ثلث أعضاء مجلس الشعب على الأقل ولا يصر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثى أعضاء المجلس . ويقف رئيس الجمهورية عن عملة بمجرد صدور قرار الاتهام ويتولى نائب رئيس الجمهورية الرئاسة مؤقتا لحين الفصل فى الاتهام . وتكون محاكمة رئيس الجمهورية أمام محكمة خاصة ينظم القانون تشكيلها وإجراءات المحاكمة أمامها ويحدد العقاب وإذا حكم بادانتة أعفى من منصبة مع عدم الإخلال بالعقوبات الأخرى.
أول نص دستوري تضمن صراحة مسؤولية رئيس الجمهورية جنائيا نص المادة 85من دستور 1971 التي جاء فيها: “تؤسس محكمة عليا للدولة تختص بمحاكمة رئيس الجمهورية عن الأفعال التي يمكن وصفها بالخيانة العظمى، ورئيس الجمهورية عن الجنايات والجنح التي يرتكبها بمناسبة تأديته لمهامه” .
وهذا النص الدستوري .المستحدث يعبر بحق عن الديمقراطية الحقيقية وعن دولة القانون من خلال وضع جهاز دستوري قضائي جديد على مستوى عالي (محكمة عليا للدولة) مهمتها الرقابة القضائية الجنائية على رئيس الجمهورية ممثلا أعلى وأقوى سلطة في الدولة وهي السلطة التنفيذية خصوصا رئيس الجمهورية رئيس السلطة السامية في الدولة ، وحامي الدستور وقاضي القضاة ، والقائد الأعلى للقوات المسلحة …ومحاكمته من طرف محكمة داخلية هي بلا شك فكرة جزئية نحو تكريس دولة القانون وتمثل ذروة النمو الديمقراطي لدولة فتية مثل مصر ، و تجسد بوضوح مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال السلطة القضائية .
أولا- الشروط المتعلقة بالمحكمة المختصة :
لقد أسس الدستور هيئة قضائية جديدة من نوعها تسمى المحكمة العليا للدولة ، وهي محكمة استثنائية ذات طابع جزائي وسياسي تختص بمحاكمة شخصين فقط هما :
رئيس الجمهورية عن عن جريمة الخيانة العظمى ورئيس الحكومة في حالة جناية او جنحة
بشرط ارتكابهما أثناء ممارسة مهامهما ، أي أثناء العهدة الرئاسية لرئيس الجمهورية وطيلة بقاء رئيس الحكومة على رأس حكومته . ويظهر أن حصانة رئيس الجمهورية أوسع من حصانة رئيس الحكومة ، ففي حين يحاكم رئيس الجمهورية عن جريمة واحدة ، لإن رئيس الحكومة يحاكم عن كل جنحة أو جناية يرتكبها أثناء مهامه . والملاحظ أن المؤسس الدستوري لم يحدد نوع هذه الجنح أو الجنايات ، والقاعدة تقضي أن المطلق يبقى على إطلاقه ما لم يقيد ، ونحن نتظر صدور القانون العضوي الذي سوف يحدد لنا طائفة هذه الجرائم ، إذ ان روح النص يذهب إللى أنه ليس المقصود كل الجنح والجنايات التي يعاقب عليها القانون العام ، وإنما فقط الجنح والجنايات التي تمس النظام العام كالتمرد ومحاولة الانقلاب ، والتخابر وتسريب أسرار الدولة ، ولا يعقل ظان يتابع رئيس الجمهورية أمام هذه المحكمة بجنحة سب أو جنحة شيك بدون رصيد … وكافة جرائم الاموال العامة والرشوة ومن شروط تطبيق هذا النص الدستوري ، هو أن ترتكب الجريمة أثناء ممارسة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لمهامهما . والتساؤل المطروح : هل هذا يعني أن النص لا يعاقب في حالة ارتكاب هذه الجرائم خارج المهام الرسمية ، أي قبل أو بعد انتهاء العهدة الرئاسية لرئيس الجمهورية أو بعد انتهاء مهامه بغض النظر عن سبب الإنهاء . والجواب هو صحيح أن المحكمة العليا للدولة غير مختصة بنظر هذه الجريمة ، ولكن مرتكب الفعل يساءل ولا يعاقب ليس أمام هذه المحكمة وإنما أمام محكمة الجنايات ، كما أنه من المكن كذلك أن يحاكم رئيس الجمهورية أمام المحكمة العسكرية باعتباره وزيرا للدفاع وقائدا للقوات المسلحة .
ثانيا- الشروط المتعلقة بشخص المتهم :
إن نص المادة 85 من الدستور جاء واضحا في إعطاء الاختصاص للمحكمة العليا للدولة بمحاكمة رئيس الجمهورية ، والمقصود برئيس الجمهورية ذلك الشخص المنتخب علنية وفي انتخاب عام سري ومباشر من طرف أغلبية الناخبين. ولكن هناك حالات قد يتعذر فيها على رئيس الجمهورية ممارسة مهامه بصفة عادية ، الأمر الذي يتعين معه تعيين شخص آخر يقوم بهذه المهمة ولو مؤقتا ، وهذا الشخص ليس منتخبا لذا فلا يجوز وصفه رئيس الجمهورية. وهو نائب رئيس الجمهورية في حالة وجودة او رئيس مجلس الشعب او رئيس المحكمة الدستورية العليا علي حسب الأحوال 0
والسؤال المطروح هنا هل يمكن تطبيق نص المادة 85 من الدستور على رئيس الدولة ورئيس الدولة بالنيابة ومساءلته جنائيا أمام هذه المحكمة في حال ارتكابه لجريمة الخيانة العظمى .
طبقا للدستور المصري ، يجب أن نفرق بين حالتين تضمنتهما المادة 84 من الدستور ،
الحالة الأولى: وهي حالة شغور مؤقت لرئيس الجمهورية بسبب مرض خطير ومزمن :
فهنا يتولى مادة (84) : في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية او عجزة الدائم عن العمل يتولى الرئاسة مؤقتا رئيس مجلس الشعب وإذا كان المجلس منحلا حل رئيس المحكمة الدستورية العليا وذلك بشرط الا يرشح ايهما لرئاسة. ويعلن مجلس الشعب خلو منصب رئيس الجمهورية ويتم اختيار رئيس الجمهورية خلال مدة لا تتجاوز ستين يوما من تاريخ خلو منصب الرئاسة ،
الحالة الأولى: وهي حالة شغور مؤقت لرئيس الجمهورية بسبب استقالته أو وفاته:
وفي هذه الحالة يتم شغور منصب رئيس الجمهورية إما بالاستقالة الإرادية أو بالوفاة ، مهما كان سببها ، سواء طبيعية أو انتحار أو عن طريق جريمة اغتيال ) .
وهنا يتولى رئيس مجلس الشعب مهمة رئاسة الدولة لمدة أقصاها 60 يوما.
وتنظم انتخابات رئاسية في هذه الفترة ،ولا يحق لرئيس الدولة المعين بهذه الطريقة أن يترشح لرئاسة الجمهورية . وعودة إلى السؤال المطروح : هل تنطبق أحكام المادة 85 من الدستور على رئيس الدولة ورئيس الدولة بالنيابة رغم أن مركزهما الدستوري أقل شأنا من مركز رئيس الجمهورية ؟في الحقيقة نص الدستور أغفل الحديث عن هذه المسألة ، مع أن حالة اتهام رئيس الجمهورية ذاتها هي حالة من حالات الشغو حال مؤقت لرئيس الجمهورية ، وإدانته هي حالة من حالات الشغور النهائي.
وبرأينا فإنه يجب التقيد بالمعنى الحرفي لنص المادة ، بمعنى أن رئيس الدولة بالنيابة أو رئيس الدولة يبقى مستبعدا من تطبيق نص المادة 85 من الدستور عليه إذا ارتكب جناية الخيانة العظمى أثناء هذه الفترة القصيرة التي حكم فيها الدولة ، لأن الأمر يتعلق بنصوص جزائية قبل كل شيء ، وهذه النصوص يجب أن تفسر تفسيرا ضيقا ، لاسيما وان صلاحيات رئيس الدولة ورئيس الدولة بالنيابة أقل من صلاحيات رئيس الدولة.
والحل في مثل هذه الحالات هو محاكمته أمام محكمة جنايات عادية. وهو فراغ ندعو مشرعنا المصري إلى تجاوزه ، إما بإصدار قانون خاص يتعلق بمتابعة ومحاكمة الوزراء وكبار مسئولي الدولة
ثالثا- الشروط المتعلقة بالجريمة:
طرح تساؤل مهم لدى الفقه : هل جريمة الخيانة العظمى لها وصف جنائي أم وصف سياسي:
هذا السؤال سبق وأن طرح في الفقه المصري وقبله في الفقه المصري، وهنا افترقت الآراء ، بين من يرى أن هذه الجريمة ذات وصف سياسي ، في حين يرى رأي آخر بأن الجريمة ذات طابع جنائي محض ، في حين يرى البعض الآخر انها ذات وصف مزدوج
وهذا الاختلاف سبق وأن أثير في مصر وقبله في فرنسا .
فالرأي الأول : ذهب العميد ليون ديجي L.Duguit إلى أن الدستور لم يعرف الخيانة العظمى
( يقصد دستور سنة 1875 الذي كان مطبقا في الوقت ) ولم يحدد عقوبة للخيانة العظمى . ويترتب على ذلك عدم إدخال مخالفة معينة تحت هذا الوصف ، من ناحية ، وعدم استطاعة مجلس الشيوخ توقيع أية عقوبة من ناحية أخرى . هذا في حين يرى العميد جوج فيدال G.Vedel إلى أن الخيانة العظمى في حد ذاتها ليست جريمة جنائية ، لأن قانون العقوبات عرف الخيانة و لم يعرف الخيانة العظمى. فالخيانة العظمى هي إهمال شديد للالتزامات الوظيفية ، و إنتهاك جسيم للواجبات الملقاة على عاتق رئيس الجمهورية. ويخلص العميد قيدل إلى أن الخيانة العظمى فكرة ذات طابع سياسي ، لم تعرف قانونا. و يذكر الأستاذ مارسيل بريلو M.Prélot بحقيقة عدم تعريف قانون العقوبات للخيانة العظمى من ناحية ، وأن إجراء المحاكمة يخص مجلسي البرلمان و القضاة حسبما يرون ، من ناحية أخرى. و لذلك، فإن الخيانة العظمى يمكن إثارتها في حالة وقوع خلاف خطير بين البرلمان و رئيس الجمهورية. و يقول الأستاذ جون جيكل J.Giquel أن الخيانة العظمى تقوم كجريمة ذات طابع سياسي و محتوى متغير لم تعرف من الدستور، و يرى أنه يمكن تحليلها في مظهرين أساسيين : إهمال جسيم من الرئيس في أداء واجباته الملقاة على عاتقه الموضحة في المادة الخامسة من الدستور ، من ناحية ، و حالة حدوث إنتهاك صارخ للدستور ، من ناحية أخرى. ويعتبر الأستاذ ديمتري جورج لافروف D.GLavroff عن اعتقاده بأن الإدانة بالخيانة العظمى ذات طابع سياسي مؤكد ، نظرا لأن تنظيم المحاكمة و توجيه الإتهام بواسطة البرلمان لم يتم تنظيمها وفقا لقانون العقوبات . وهذا يسمح بإمكانية الإستعمال السياسي لهذه الإجراءات في حالة الخلاف الخطير و معارضة الرئيس من جانب البرلمان . و يرى أن الخيانة العظمى المنصوص عليها في الدستور تشبه في عدد من النقاط نظام الإتهام الموجود في دستور الولايات المتحدة الأمريكية الذي يطبق كما هو معروف على رئيس غير مسؤول كذلك لأسباب سياسية .
أما الرأي الثاني: يرى الدكتور عبد الغني بسيوني ، أن جريمة الخيانة العظمى التي يرتكبها رئيس الجمهورية هي جريمة جنائية تتضمن كل جريمة تمس سلامة الدولة أو منها الخارجي أو الداخلي، أو نظام الحكم الجمهوري، وكذلك كل عمل يصدر من رئيس الجمهورية ويعتبر إهمالا جسيما في الحفاظ على سيادة الدولة واستقلالها، أو اعتداءا على أحكام الدستور. وهكذا ، يتضح لنا من العرض السابق لآراء فقهاء القانون الدستوري في فرنسا غلبة الطبيعة السياسية على جريمة الخيانة العظمى ، بالنظر إلى عدم وضع تعريف لها من المشرع الدستوري أو المشرع العادي من ناحية ، و طبيعة إجراءات الإتهام والمحاكمة من ناحية أخرى .
وهناك رأي ثالث : يقوده الأستاذ ميشيل هنريM.H.Faber الذي يرى أن الخيانة العظمى تتضمن كل إنتهاك خطير من جانب رئيس الجمهورية لإلتزاماته الدستورية . وأن المسؤولية الناتجة عنها ليست قانونية صرفة ، و إنما هي مسؤولية مختلطة سياسية جنائية. ولهذا فإنها تبقى –بالتأكيد- مجرد تهديد يلوح به ضد رئيس الجمهورية ، و لكنه لم يستخدم أبدا ، و لهذا فإن المسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية ليست فعلية . و يرجع الأستاذ باتريك أوفريه P.Auvret عدم تعريف المادة 68 من الدستور للخيانة العظمى إلى إستحالة التنبؤ مقدما بالعمل الذي يرتكبه رئيس الجمهورية و يكون ذو خطورة كافية للإحاطة بمبدأ عدم مسؤوليته. و يقول في موضع آخر أن المسؤولية السياسية للرئيس تتعلق بمواقفه في استعمال حقوقه وليس في خيانته واجباته . فقد يكون السبب جنائي، أو معنوي، أو سياسي صرف، ولكنه يهدف إلى غاية معنية، فالغالية المستهدفة هي التي يعتد بها في تكييف المسؤولية و أخيرا يؤكد الأستاذ أنيتد مورو A.Moreau على وضوح الطابع المختلط ، السياسي –الجنائي لمسؤولية رئيس الجمهورية الفرنسية الاستثنائية ، من خلال إجراءات الاتهام والمحاكمة. وبالنسبة لوصف هذه الجريمة في الدستور الجزائري فإننا نجده هو الآخر لم يعرف لنا مفهوم الخيانة العظمى ، فهل نتقيد بقانون العقوبات ونصبغ عليها وصفا جنائيا ، أم أنه نستبعد الوصف الجنائي ، ونصبغ عليها الوصف السياسي . وبرأينا الخاص ، فإن جريمة الخيانة العظمى هي ذات طابع سياسي أكثر منها ذات طابع قانوني. ومن ثم فإن مسألة تقدير ما إذا كان الفعل المنسوب لرئيس الجمهورية يكون جريمة عظمى أم لا متروك لقرار الاتهام الصادر من الجهة التي لها سلطة الإتهام .
الفرع الثاني : الإشكاليات القانونية المترتبة عن تطبيق المادة 85 من الدستور
نظرا للمركز الدستوري الخاص الذي يتمتع به رئيس الجمهورية، فإن اتهامه ومتابعته قد تكون من الصعوبة بمكان ، وهنا نتساءل من له صلاحية الاتهام ، ومن له صلاحية المحاكمة ، وما هي تشكلتها.
في غياب القانون المنظم و المحدد لصلاحيات المحكمة العليا لدولة ، لا يمكن الإجابة عن هذه الأسئلة ، ولكن يمكن التنبؤ بالهيئات التي قد تناط لها مستقبلا مهمة المتابعة والمحاكمة وغيرها من القواعد الإجرائية ، ولا يتم ذلك إلا بالرجوع إلى أحكام القانون المقارن
أولا- إجراءات المتابعة الجنائية والاتهام :
فالدستور المصري أسند إلى مجلس الشعب سلطة توجيه الاتهام بالخيانة العظمى أو بارتكاب الجريمة جنائية إلى رئيس الجمهورية ، ويكون ذلك بناء على اقتراح مقدم من ثلثا أعضاء مجلس الشعب على الأقل ، ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس وفقا للمادة 85 من القانون رقم 247 لسنة 1956 المتعلق بمحاكمة رئيس الجمهورية. أما الدستور الفرنسي الحالي الصادر سنة 1958 ، فإنه جعل إتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى عن طريق مجلسي البرلمان –الجمعية الوطنية و مجلس الشيوخ – بواسطة قرار يصدر بالتصويت العلني و بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتكون منهم هذين المجلسين .
ثانيا- إجراءات المحاكمة :
في مصر تختص المحكمة العليا بمحاكمة رئيس الجمهورية الذي صدر ضده الاتهام من مجلس الشعب، وتمت إحالته إليها. وتشكل هذه المحكمة وفقا للمادة الأولى من قانون محاكمة رئيس الجمهورية من اثني عشر عضوا يكون ستة منهم من أعضاء الأمة (مجلس الشعب حاليا)، يختارون بطريقة القرعة ، وستة من مستشاري محكمة النقص ومحاكم الاستئناف يتم اختيارهم بطريق القرعة أيضا من مستشاري محكمة النقص، وأقدم ثلاثين مستشارا من محاكم الاستثناء. يختار بطريقة القرعة كذلك عدد مساو من أعضاء المجلس المستشرين بصفة احتياطية. وفي حالة غياب احد أعضاء الأصليين أو قيام مانع به، يحل محله أقدام الأعضاء المجلس، ويتولى رئاسة المحكمة أقدام المستشارين . وفي فرنسا تتم المحاكمة أمام المحكمة القضائية العليا La Haute cour de justice كما نصت المادة 68 من الدستور الحالي . وقد بينت المادة 67 من الدستور أن المحكمة القضائية العليا تتكون من أعضاء تنتخبهم الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ من بين أعضائهما ، بعدد متساو لكل منهما بعد كل تجديد عام أو جزئي للمجلسين ، وتتولى المحكمة إنتخاب رئيسها من بين أعضائها . أما في الولايات المتحدة الأمريكية نصت الفقرة الأخيرة من المادة الثانية ممن الدستور أنه : لمجلس الشيوخ وحده سلطة إجراء المحاكمة في جميع قضايا الاتهام النيابي. وعندما ينعقد مجلس الشيوخ لهذا الغرض يقسم جميع أعضائه اليمين أو يدلون بالإقرار. وعندما تتناول المحاكمة رئيس الولايات المتحدة، يترأس رئيس المحكمة العليا الجلسات. ولا يدان أي شخص بدون موافقة ثلثي الأعضاء الحاضرين. وتقضي الدساتير أنه بمجرد اتهام رئيس الجمهورية من طرف السلطة التي تملك حق الإتهام يتعين عزله من منصبه ولو بصفة مؤقتة لحين محاكتمه.
ثالثا- العقوبة والحكم المقرر للرئيس في حال إدانته :
في مصر جاء في نهاية الفقرة الثالثة والأخيرة من المادة 85 من الدستور أنه: “إذا حكم بإدانته (أي رئيس الجمهورية المتهم) أغفى من منصبه مع عدم الإخلال بالعقوبات الأخرى “.وبذلك يمثل العزل من منصب الرئاسة العقوبة الرئيسية التي توقعت على رئيس الجمهورية المتهم بارتكاب الجريمة العظمى أو الجريمة الجنائية عند إدانته ، مع ما قد تحكم به المحكمة العليا من عقوبات أخرى ، وفقا للجريمة المرتكبة. وحددت المادة السادسة من قانون 247 لسنة 1956 العقوبات التي توقع على رئيس الجمهورية الذي ارتكب عملا من الأعمال العظمى أو عدم الولاء للنظام الجمهوري وتمت إدانته
وهذه العقوبات هي الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة.
وبينت المادة 18 من نفس القانون أن الحكم بالإدانة يصدر بأغلبية الثلثين ، وبمفهوم المخالفة ، فان الحكم الصادر من المحكمة بالبراءة لا يشترط صدوره بهذه الأغلبية الخاصة. وأوضحت هذه المادة أن الحكم الصادر من المحكمة العليا يكون نهائيا غير قابل للطعن فيه بأي طريقة من طرق الطعن،، ولكنها أجازت إعادة النظر في الأحكام الصادرة بالإدانة بعد سنة على الأقل من صدور الحكم بناء على طلب النائب العام أو المحكوم عليه أو من يمثله قانونا أو أقاربه أو زوجته بعد وفاته. وبالنسبة لتنفيذ أحكام المحكمة العليا ، فإن المادة 23 من هذا القانون نصت على النائب العام يقوم بتنفيذ الأحكام التي تصدرها هيئة المحكمة وفقا لما هو مقرر في القانون. وأخيرا، عالجت المادة 24 من القانون مسألة العفو عن الرئيس المحكوم عليه فقررت أنه: ” لا يجوز العفو عن رئيس الجمهورية الذي صدر عليه حكم الإدانة من المحكمة العليا آلا بموافقة مجلس الأمة ( مجلس الشعب)”.
وفي فرنسا لم يحدد دستور الجمهورية الخامسة ، أي دستور 1958 الحالي ، عقوبة معينة للخيانة العظمى ، بخلاف قانون العقوبات . ولذلك فإن الفقه الدستوري الفرنسي يجمع على أن المحكمة القضائية العليا تتمتع بسلطة تقديرية واسعة في تكييف الوقائع المنسوبة إلى رئيس الجمهورية في الاتهام من ناحية ، و في تقدير العقوبة المناسبة للتوقيع على الرئيس المتهم من ناحية أخرى . ولهذا ، يرى الأستاذ بيلانجيه أن العقوبات التي يمكن توقيعها على رئيس الدولة تثير مشاكل سياسية أكثر منها جنائية .
كما يرى أنه في الإمكان تحديد ثلاثة أنواع من العقوبات المحتملة :
يتمثل الأول منها في العزل ، أي الإسقاط دون محاكمة جنائية .
و يتبدى النوع الثاني من العقوبات في العزل بعد المحاكمة الجنائية .
وهذا هو جوهر نظام الاتهام الذي هو إجراء جنائي صرف، ولكنه يتحرك بواسطة إتهام سياسي. و أخيرا ، يأتي الجزاء السياسي الخالص ، و هو ذو درجات متنوعة . إذ يوجد الحل السلمي غير العنيف المؤسس على حق الشكوى ، والتذمر الذي قد يؤدي إلى الإسقاط . ولكن الحل الجذري المبني على العنف ، يتجسد في الثورة . ونفس الشيء نجده في دستور الولايات المتحدة الأمريكية الذي لم يحدد بدوره عقوبة الرئيس في حال إدانته بجرم الخيانة العظمى.
هل يوجد مانع قانونى من محاكمة الرئيس مبارك جنائياً ؟؟ الإجابة : نعم !!
الإجابة فى رأيى ومن الناحية القانونية البحتة … نعم يوجد مانع قانوني ودستوري يحول دون محاكمة الرئيس مبارك محاكمة جنائية عما نسب إليه من جرائم وسندي فى ذلك نصوص المواد 66 ، 85 ، 187 من دستور 1971 الذى كان معمولاً به حتى صدور الإعلان الدستوري الحالي فى 30/3/2011 مع ملاحظة أن نص المادة 66 منه قد نقلت بحرفها فى الإعلان الدستوري فى المادة 19 منه والذى جرى على أنه ” العقوبة شخصية. ولا جريمة ولا عقوبة الا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة الا بحكم قضائي، ولا عقاب الا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون ” وعليه فلا جريمة يمكن أن تكون محلاً لمساءلة شخص ما إلا بناء على نص تشريعي يكون قد انتظم وحدد أركانها ووضع لها عقوبة محددة ولا عقاب إلا على أفعال تشكل جرائم تكون قد ارتكبت في تاريخ لاحق لتاريخ نفاذ هذا القانون
وإذا كانت المادة 85 من دستور 1971 قد نصت على أنه “
يكون اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى أو بارتكاب جريمة جنائية بناء على إقتراح مقدم من ثلث اعضاء مجلس الشعب على الأقل ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثى أعضاء المجلس. ويقف رئيس الجمهورية عن عمله بمجرد صدور قرار الاتهام‏،‏ ويتولي الرئاسة مؤقتا نائب رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء عند عدم وجود نائب لرئيس الجمهورية أو تعذر نيابته عنه‏،‏ مع التقيد بالحظر المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة‏82،‏ وذلك لحين الفصل في الاتهام‏.‏وتكون محاكمة رئيس الجمهورية أمام محكمة خاصة ينظم القانون تشكيلها وإجراءات المحاكمة أمامها ويحدد العقاب، وإذا حكم بإدانته أعفي من منصبه مع عدم الإخلال بالعقوبات الأخرى. فإن ذلك معناه أن رئيس الجمهورية الذى تولى الرئاسة وقت سريان هذا الدستور يسأل جنائياً – لا سياسياً – عن أى جرائم يكون قد ارتكبها حال وجوده فى السلطة بإجراءات معينة – كشروط لصحة المحاكمة – وهى أن يكون اتهامه ليس من قبل النيابة العامة ولكن باقتراح مقدم من ثلث أعضاء مجلس الشعب على الأقل ولا يكون قرار الاتهام صحيحاً إلا بصدوره بأغلبية ثلثى أعضاء المجلس وأن يقدم للمحاكمة أمام محكمة خاصة ينظم القانون تشكيلها وإجراءات المحاكمة أمامها ويحدد العقوبة المفروضة على الجرائم التى يرتكبها وحيث إن هذه الشروط جميعها منتفية فلم يتم اقتراح ولم يصدر قرار باتهام من مجلس الشعب بالنسب المشروطة حال وجوده ووجود الرئيس فى منصبه ولا يوجد فى الأصل قانون ينظم المحاكمة واجراءاتها والعقوبة التى ستوقع فى حالة ثبوت الجرائم فى حق الرئيس ولا توجد تلك المحكمة الخاصة التى لا يحاكم الرئيس إلا أمامها وهو اختصاص ولائى لا يكون لغيرها من المحاكم الموجودة هذا الاختصاص
وعليه فلا يجوز محاكمة الرئيس مبارك عما وصف بأنه جرائم جنائية ارتكبها حال وجوده فى السلطة فإن قيل ولكن الرئيس قد تنحى وفقد منصبه وصار شخصاً عادياً يحاكم كما يحاكم أى مواطن وفقاً لقانون العادي قلت العبرة بوقت ارتكاب الجرائم المنسوبة وجميع ما ينسب إليه كان حال كونه رئيساً للجمهورية فإن قيل ولكن الشرعية الثورية أسقطت الدستور…. قلت …. لا الدستور لم يسقط إلا بصدور الإعلان الدستوري وقبل ذلك كان معلقاً فقط وكون الشعب وافق على تعديلاته التى تضمنها الإعلان الدستوري بعد ذلك فمعناه –موافقته على قرار المجلس العسكرى المفوض منه بتعطيل الدستور أو تعليقه خلال هذه الفترة وعليه فالدستور ظل قائماً معمولاً به طوال المدة الماضية قبل صدور الإعلان الدستوري كما وأن الشرعية الثورية أسقطت النظام السياسي ولم تسقط النظام القانونى كما وأن القاعدة التى تضمنتها المادة 66 من الدستور ومن بعده المادة 19 من الاعلان الدستورى المشار إليها من المبادئ فوق الدستورية وجميع ما نسب للرئيس مبارك كان قبل تنحيه فإن قيل يشرع قانون جديد لمساءلة الرئيس جنائياً ويحاكم بموجبه ……… قلت هذا القانون يطبق على الرئيس الجديد وعلى الجرائم التى ترتكب منه وعلى كل رئيس يأتى بعده فى ظل العمل بهذا الدستور الجديد -ولا يجوز تطبيقه بأثر رجعى على الجرائم التى ارتكبت قبل سريانه – بل ولا يجوز النص فيه على ذلك عملاً بنص المادة 187 من دستور 1971 التى تنص على أنه ” لا تسرى أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها. ومع ذلك يجوز في غير المواد الجنائية النص في القانون على خلاف ذلك بموافقة أغلبية أعضاء مجلس الشعب.” وسيكون الحكم المشار إليه فى المادة 85 من الدستور – والدستور أبو القوانين – قانوناً أصلح للمتهم بالنسبة للرئيس مبارك يمنعه من المساءلة وفقاً للقانون الجديد – خاصة وأن الاعلان الدستورى الحالى ينص فى مادته 62 على أنه ” كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الاعلان الدستورى يبقى صحيحاً ونافذاً ، ومع ذلك يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقاً للقواعد والاجراءات المقررة فى هذا الاعلان ” ومن القواعد المقررة فىهذا الاعلان نص المادة 19 منه وهو نفس المادة 66 من دستور 1971 التى تقرر ألا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون …وألا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون وعليه أرى أن مسئولية الرئيس مبارك الجنائية منتفية وأن كافة الإجراءات التى اتخذت ضده من تحقيق وحبس احتياطى تكون باطلة هى والعدم سواء بزوال الصفة الوظيفية عن رئيس الجمهورية وزوال الحصانة عنه يصبح مواطنا عاديا وتتخذ ضده كافة الاجرائات القانونية , كالقبض عليه او الامر بضبطه واحضاره او استجوابه او تفتيش مسكنه او حبسه احتياطيا او ضبط المراسلات الواردة اليه او الصادرة منه او تحريك الدعوى الجنائية ضده , فى جميع الجرائم التى ارتكبها اثناء تأدية وظيفته طالما لم تسقط هذه الجرائم بقوة القانون . باعتبار ان باب المحاكمة موصد الى ان يتوافر الشرط الذى فرضه الشارع لقبول المحاكمة وهو شرط زوال الحصانة . والا مامعنى ملاحقة اى رئيس قضائيا بعد تركه للحكم . وما معنى طلب رفع الحصانة عن عضو مجلس الشعب لمحاكمته . فالحصانة هى الحائل تطبيقا لمبدأ الشرعية الذي يقضي بانه لا عقوبة ولا جريمة الا بنص يصعب متابعة كل من رئيس الجمهورية و رئيس الحكومة طالما ان عناصر جريمة الخيانة العظمى لم تحدد بدقة لان مبدأ الشرعية يطبق على المحكمة العليا للدولة كما يطبق على بقية الجهات القضائية. فهذه المحكمة لا تستطيع تجريم الا الأفعال المنصوص عليها في القانون الجنائي و في نفس الوقت تلتزم بتطبيق العقوبات المقررة في ذلك القانون لتلك الجرائم كما ان الخيانة العظمى ليست متعلقة دائما بالتعاون مع جهات أجنبية ضد مصالح الدولة وانما قد تعني خرق الدستور وعدم احترام إحكامه او حتى تطبيق إحكامه بطريقة تعسفية او لمصالح شخصية على الرغم من ذلك يمكن الاستفادة من التجربة الفرنسية في هذا المجال خاصة تفادي الجدل الذي ثار بخصوص تحديد الحد الفاصل بين المسؤولية الجنائية والمسؤولية السياسية حيث أفرزت الممارسة ولو من خلال ثلاث قضايا فقط تخوفا من ان تتحول الرقابة السياسية الى رقابة قضائية. فقد يدفع ذلك بالأغلبية البرلمانية الى توريط وزراء الأقلية إمام المحكمة العليا للعدل وتقوم في مقابل ذلك بحماية المنتمين اليها على الرغم من انهم قد يرتكبو جرائم وجنح بمناسبة تاديتهم لوظائفهم نظرا لان اعضاء البرلمان يغلب عليهم الطابع السياسي وان كان تكوين اعضاء لجنة التحقيق من عنصر قضائي خالص يخفف من حدة التحكم و التحيز الامر الذي يجعل من المحكمة في ظل غياب رقابة محكمة النقض امرا خادعا ” كل هذا ادى الى البحث عن تعديل احكام دستور 1958 لجعل المحكمة تتلاءم اكثر مع هذا الوضع دون المساس بمبدأ الفصل بين السلطات و هو الامر الذي حدث من خلال التعديل الدستوري الذي وافق عليه البرلمان الفرنسي في 19-07-1993 بعد جدل واسع بين الحكومة وغرفتي البرلمان و الذي بمقتضاه لم تعد محكمة العدل للجمهورية تلتمس مباشرة من طرف الاشخاص او النواب وانما يجب المرور على اللجنة المختصة بتلقي هذا النوع من الدعاوي . اما في الجزائر وفي ظل غياب ممارسة الوسائل الرقابية التي يتيحها الدستور لاعضاء البرلمان لتقرير المسؤولية السياسية للحكومة فلا يمكن الحديث عن امكانية توجيه الاتهام الجنائي لكل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة
خاتمة :
من خلال هذه المداخلة حاولنا استعراض أهم الأحكام الدستورية المتعلقة بمحاكمة ومتابعة رئيس الجمهورية وفق الدساتير الجمهورية والدساتير الملكية .
فإننا نرى بأن تقرير مسؤولية رئيس الجمهورية هو في حد ذاته فكرة جريئة نحو تكريس دولة القانون ، ولكن للأسف فهو في الكثير منى الدول ، لاسيما الدول العربية مجرد شعار لا غير ، و لا نعتقد أنه سيتم تفعيل هذه المواد في يوم من الأيام . والواقع أن حدوث مثل هذه الجرائم نادر جدا ، ومع ذلك لا ننفي إمكانية حدوثه ، ومن حق المؤسس الدستوري أن يحتاط لكل فعل قد يحدث تفاديا لفراغات دستورية بتجريمه ، وفي ذلك تحقيق لدولة القانون وتجسيد لمبدأ الفصل بين السلطات وتأكيد لاستقلالية السلطة القضائية .
وفي الأخير نتمنى أن نكون قد وفقنا في عرض هذا الموضوع السياسي الجنائي ، ولا ندعي به الكمال ، لأن الكمال لله سبحانه وتعالى ، وفوق كل ذي علم عليم
ثانيا محاكمة رئيس الدولة دوليا
يمثل رئيس الدوله قمة الهرم السياسي في الدولة في وقت ازدادت فية النزاعات المسلحة سواء كانت حروبا دولية أو أهلية وشاع استخدم الأسلحة الحديثة والتكنلوجيا المتطورة وفي المقابل شهد القانون الدولي الجنائي تطورات كبيرة أثمرت عن إقرار مبادىء مهمة أولها إقرار المسؤولية الجنائية للافراد الطبيعيين عن الجريمة الدولية وخاصة بعد محاكمات ما بعد الحرب العالمية الثانية ( نورمبرغ وطوكيو) إذ أتاح تأسيس تلك المحاكم إجراء محاكمات للقادة والزعماء من دول المحور التي انةزمت في الحرب اتاح امكانية فرض التزامات دولية تترتب على عاتق الفرد مباشرة تتمثل بحضر إتيان بعض الافعال التي تدخل ضمن نطاق الجريمة الدولية كما ان مركز الفرد في القانون الدولي قد شهد تطورا هاما كون بعض الاتجاهات الحديثة في القانون الدولي اعتبرت ان الفرد يتمتع بالشخصية القانونية الدولية وأصبح مسؤولا عن الجرائم التي يرتكبها في مقابل ذلك انة أصبح أةلا لاكتساب الحقوق في القانون الدولي0 وخاصة بعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرتة الأمم المتحدة في قرارها المرقم 217أ(3) في 10 كانون الأول 1948 الذي يعد جزا هاما ضمن جهود الأمم المتحدة في تعزيز مكانة الفرد على المستوى الدولي0إن ذروة تطور القضاء الدولي هو إنشاء المحاكم الدولية سواء أكانت الدولية المؤقتة أم المحاكم الوطنية المدولة ويمثل ذلك ثمرة الجهود المبذولة منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى وإبرام معاهدة فرساي0وقد تم إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة لمحاكمة مجرمي الحرب في يوغسلافيا السابقة. بموجب القرار 808 الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ 22/2/1993. وقد تضمن نظام المحكمة قواعد مباشرة لمساءلة الأفراد مرتكبي الجرائم الدولية وقد مارست هذة المحكمة مهمتها في محاكمة القادة من المتهمين بارتكاب جرائم في يوغسلافيا السابقة عن مخالفتهم لقواعد القانون الدولي الإنساني كالقتل الجماعي والطرد والاغتصاب والاحتجاز والاعتداء والتطهير العرقي. وكذلك فانة وبموجب قرار مجلس الأمن رقم 955 في 8/11/1994 تم إنشاء محكمة دولية أخرى. هي محكمة رواندا لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن جرائم إبادة الجنس وغيرها من الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني التي تم ارتكابها بين الأول من كانون الثاني إلى الحادي والثلاثين من كانون الأول عام 1994 0إن قمة تطور القانون الدولي الجنائي وانشاء تلك القواعد التي تتضمن مساءلة الفرد جنائيا هي عند تأسيس المحكمة الدولية الجنائية وتبني النظام الأساسي للمحكمة في 17/7/1998 ومنحها الاختصاص في محاكمة مرتكبي الجرائم الخطيرة التي تهم المجتمع الدولي ومقرها في لاهاي. وقد كان إنشاء هذة المحكمة خطوة كبيرة نحو إنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب 0لقد طورت أحكام المحاكم الدولية ومواثيقها مبدأ المسؤولية الجنائية للفرد سواء كان من الأفراد العاديين أو كان من الرؤساء والقادة دون أن تتاح لهم فرصة التمسك بالحصانة كون الجريمة الدولية تتميز بخطورتها وبشاعتها واتساع أثارها وإنها تهدد المجتمع الدولي بأسرة لذا فان سلب مرتكبيها من حصاناتهم التي منحت لهم حسب القانون والتي تحول دون تقديمهم للمسالة الجنائية، مهما بلغت المناصب التي يعتلونها وحتى لو كان مرتكبها يجلس على أعلى قمة للهرم الوظيفي للدولة0ورئيس الدولة هو ممثلها في مجال العلاقات الخارجية وعلية فهو يتمتع بالعديد من الامتيازات باعتباره رمزا لسيادة الدولة ومن ضمن تلك الامتيازات تمتعة بالحصانة الشخصية التي تعني عدم جواز القبض عليه إذا وجد في إقليم دولة أجنبية وكذلك عدم جواز الاعتداء علية وحمايتة من كل اعتداء 0 وبالاضافة إلى ذلك فهو يتمتع بالحصانة القضائية في المسائل المدنية والجنائية 0آما في حالة ارتكابة جريمة دولية داخل إقليم الدولة أو خارجة فلايمكن له الاحتجاج بصفته الرسمية والتمسك بالحصانات التي حصل عليها استنادا إلى قانون داخلي عند ارتكابه لجريمة دولية فهو عرضة للخضوع للقضاء الدولي أو للقضاء الوطني سواء كان في دولتة أم في دولة أخرى استنادا لمبدأ الاختصاص القضائي العالمي لان الجريمة الدولية لا تقف عند حدود الدولة التي شرعت فيها القوانين التي منحت مرتكبها الحصانة والصفة الرسمية بل هي جريمة ترتكب ضد الانسانية جمعاء ويمتد أثرها يمتد ليشمل جميع البشرية وفي كل بقاع العالم وفي هذا النوع من الجرائم لا يمكن الاستناد إلى مبدأ الحصانة للتنصل من المسؤولية الجنائية 0والحال يشمل من تحصنوا بموجب قواعد القانون الدولي فالقانون الدولي الجنائي لا يعتد بالحصانة التي يحتج بها في نطاق الجرائم العادية ، إذ إن الحال يختلف إذا ما تعلق لأمر بجريمة دولية ، والغاية من ذلك هي عدم منح مرتكبي الجرائم الدولية وسيلة للإفلات من العقاب، فمرتكب الجريمة الدولية ، يجب أن يعاقب مهما كانت صفته سواء كان ممن يتمتعون بحصانة بموجب قواعد دولية أو داخلية، حتى لا يكون هناك تهرب من المساءلة عن هذه الانتهاكات تحت ستار الحصانة،