عدم مسئولية الدولة عن الأعمال البرلمانية

إعادة نشر بواسطة محاماة نت 

تتمثل الأعمال البرلمانية في جميع الأعمال القانونية والمادية التي تصدر من البرلمان أو هيئات أو أعضائه في أداء وظائفهم ما عدا تلك التي تصدر في صورة قانون وبذلك تشمل هذه الأعمال جميع القرارات الصادرة من البرلمان في علاقته بالسلطة التنفيذية كالسؤال والاستجواب وإجراء التحقيق وطرح الثقة كما تشمل القرارات الصادرة من البرلمان في شأن أعضائه .

س1:- مبررات عدم مسئولية الدولة عن الأعمال البرلمانية ؟
استند الإتجاه السائد للقول بعدم مسئولية الدولة عن الأعمال البرلمانية إلى حجج متعددة :-

أ – مبدا الفصل بين السلطات :-
استند البعض للقول بعدم مسئولية الدولة عن الأعمال البرلمانية على مبدا الفصل بين السلطات فذهبوا إلى أن إعمال هذا المبدا يحول دون رقابة القضاء على الأعمال البرلمانية .

2- مبدأ سيادة البرلمان :-
ذهب البعض إلى أن البرلمان هو صاحب السيادة العامة باعتباره ممثل الأمة التي هي مصدر السلطات وبعد لذلك أعلى سلطة سياسية في الدولة ومن ثم تعتبر اعماله خارجة عن رقابة المحاكم لن السيادة تتنافى مع المسئولية .

3-عدم مسئولية أعضاء البرلمان :-
استعان البعض بقاعدة عدم مسئولية أعضاء البرلمان فذهبوا إلى أن عدم مسئولية البرلمان عن الأعمال البرلمانية تستمد وجودها من هذه القاعدة فالدساتير تقرر صراحة عدم مسئولية اعضاء البرلمان جنائيا أو مدنيا عما يبدونه من آراء في تأدية وظائفهم وإذا كان النائب لا يسال عن آرائه وأفعاله .

4- عدم وجود قاض مختص :-
راي البعض أن السبب الحقيقي لعدم المسئولية هو عدم وجود قاض مختص بنظر قضايا المسئولية عن الأعمال البرلمانية . فالظروف التاريخية التي مرت بها فرنسا أدت إلى أن تصبح المحاكم العادية في مركز البرلمان وإذا كانت المحاكم القضائية ممنوعة بمقتضى النصوص التي تحدد اختصاصها من التدخل في الأعمال الصادرة من جهة الإدارة . أما مجلس الدولة فهو مقيد بقانون 24 مايو سنة 1872 الذي يحدد اختصاصه فتنص المادة التاسعة على أن يحكم مجلس الدولة بدون معقب في المنازعات المتعلقة بالشئون الإدارية وفي دعاوى الالغاء لتجاوز السلطة ضد أعمال السلطات الإدارية المختلفة .

وفي مصر لا يختص القضاء العادي طبقا للمادة 17 من القانون رقم 46 لسنة 72 بشأن السلطات القضائية إلا بالمنازعات المدنية والتجارية التي تقع بين الأفراد والحكومة أو الهيئات العامة وإذا كان اصطلاح الحكومة لدى بعض الفقهاء يمكن أن يشمل مجموع الهيئات الحاكمة أو المديرة للدولة .

وفي الواقع فإن معظم الحجج السابقة التي قبلت لتبرير عدم مسئولية الدولة عن الاعمال البرلمانية لم تلق قبول معظم الفقهاء الذين وجهوا اليها العديد من الانتقادات ومنها :-
1- أن مبدا الفصل بين السلطات الذي أشارت اليه بعض الأحكام لا يعني الفصل التام المطلق فلقد قصد كل من لوك ومونسكييه 00بهذا المبدأ مجرد توزيع السلطات بين هيئات مختلفة حتى لا تتركز السلطة في قبضة شخص واحد 00 والاتجاه المعاصر في النظم الدستورية المختلفة أخذ بالفصل النسبي المرن الذي يسمح بوجود بعض التعاون والرقابة بين الهيئات المختلفة .

2- أما الاستناد إلى مبدأ سيادة البرلمان فلا يمكن التسليم به فالبرلمان ليس إلا ممثلا للشعب الحقيقي للسيادة وإذا كان الأمر كذلك فإن للبرلمان اختصاصات حددها الدستور ومن ثم فيجب ان تخضع اعماله لما قررته السلطة التأسيسية في الدستور ولا يمكن القول بان السيادة قد انتقلت اليه
3- وكذلك فإن القول بأن عدم المسئولية عن الأعمال البرلمانية مستمدة من عدم مسئولية الأعضاء قول غير مقنع وقياس مع الفارق فالحكمة من عدم مسئولية اعضاء البرلمان لا تتوافر بالنسبة لعدم مسئولية البرلمان كمجموع فالنائب لا يسأل عما يصدر منه من أقوال أو أفعال داخل البرلمان وبمناسبة أداء وظيفته .

4- وفي الواقع أن السبب الحقيقي لعدم المسئولية عن الأعمال البرلمانية يرجع إلى عدم وجود فاض يختص بنظر قضايا المسئولية عن الأعمال البرلمانية فالأمر لا يعدو أن يكون مسألة اختصاص وبالتالي يجب أن يفسر المنع في اضيق نطاق مما يوجب تحديد العمل البرلماني على اساس طبيعته وليس على اساس الجهة التي اصدرته وفي هذا التحديد ما يؤدي إلى اعتبار كثير من الأعمال غير التشريعية الصادرة من البرلمان اعمالا ذات طبيعة إدارية يمكن للقضاء أن يختص بنظرها .

س2 :- حدود عدم مسئولية الدولة في الأعمال البرلمانية ؟
إذا كان المبدا السائد في فرنسا ومصر هو عدم مسئولية الدولة عن الأعمال البرلمانية إلا أن القضاء قد حاول الحد من هذا المبدا وحصره في أضيق نطاق .
أولاً : تحديد معنى العمل البرلماني وفقا لمعيار موضوعي :-
تتعدد الأعمال الصادرة من البرلمان كما ذكرنا فتشمل إلى جواز التشريع جميع الأعمال والتصرفات الصادرة من البرلمان أو إحدى هيئات ولاشك أن الأخذ بالمعيار الشكلي القائم على الهيئة مصدرة التصرف يقضي بعدم مسئولية الدولة عن جميع الأعمال الصادرة من البرلمان .

وحصر بمقتضاه الأعمال البرلمانية في إطار الأعمال البرلمانية المحضة أو الأعمال البرلمانية بطبيعتها أما الأعمال الأخرى الصادرة من البرلمان فتخضع لمبدا المسئولية لأنها لا تعتبر بطبيعتها أعمالا برلمانية .
1- فاستبعد القضاء من نطاق عدم المسئولية العقود التي يبرمها مكتب المجلس وقرر اختصاصه بنظر دعاوى المسئولية الناشئة عنها .

2- كما استبعد القضاء المصري أيضا من نطاق عدم المسئولية والقرارات الإدارية الصادرة من المجلس في شئون موظفيه استنادا إلى أن هذه القرارات هي بطبيعتها أعمال إدارية يسري عليها ما يسري على القرارات الإدارية الصادرة من السلطة التنفيذية .
ولقد أخذ المشرع الفرنسي بهذا الإتجاه الذي سار فيه القضاء المصري فصدر مرسوم في 17 نوفمبر سنة 1958 والمعدل بالمادة 31 من القانون الصادر في 13 يوليو سنة 1983 قرر في مادته الثامنة اختصاص القضاء الإداري بالفصل في المنازعات ذات الطابع الفردي المتعلقة بموظفي البرلمان كما أجاز رفع دعاوى التعويض عن الأضرار المترتبة على نشاط مجلسي البرلمان أمام جهة القضاء المختصة وفقا للمبادئ العامة في توزيع الاختصاص بين جهتي القضاء العادي والإداري .

ويلاحظ أن القضاء العادي المصري ممثلا في محكمة القاهرة الابتدائية قد أعطى لنفسه الاختصاص بنظر دعاوى المسئولية عن القرارات الصادرة من مجلس الشعب بشأن الفصل في صحة عضوية أعضاء المجلس على الرغم من عدم وجود نص يسمح بذلك استناداً إلى أن المدعي لا يتعرض لقرار المجلس بصحة العضوية ولا يطلب الغاء أو تعديله ولك ما يطلبه هو تعويض عن اضرار نتجت عن اخطاء ارتكبت أثناء الانتخابات وفي عرض الأمر على مجلس الشعب

وعلى الرغم من تأييدنا لهذا الموقف من جانب القضاء العادي والذي أيدته محكمة النقض في العديد من أحكامها على الرغم من عدم النص على اختصاصه بنظر دعاوى المسئولية عن الأعمال البرلمانية وذلك لاتفاقية مع رغبة غالبية الفقه في تقرير المسئولية عن كل الأخطاء التي تقع فيها أي سلطة من سلطات الدولة سواء في ذلك السلطة التنفيذية أو التشريعية او القضائية إلا أننا نرى أنه من الأفضل أن ينص صراحة في قانون المحكمة الدستورية العليا على اختصاصاها بالتعويض عن أعمال التسلطة التشريعية لأعمال البرلمانية والأعمال التشريعية باعتبارها المحكمة المختصة بالرقابة على دستورية القوانين بالإضافة إلى منحها الاختصاص بالفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب.

ثانيا : التفرقة بين العمل البرلماني وبين تنفيذه :-
لجأ القضاء الفرنسي للحد من مبدا عدم مسئولية الدولة عن الأعمال البرلمانية إلى التفرقة بين العمل البرلماني في حد ذاته وبين تنفيذه وذهب إلى أن أساس التعويض ليس هو العمل البرلماني في حد ذاته بل تفسير الحكومة وفهمها له . ولقد أخذ القضاء المصري بنفس الإتجاه وقرر أن البرلمان إذا كان قد قصد الغاء الوظيفة فإنه لم يقصد إحالة المدعي إلى المعاش أو حرمانه من التعويض عن المدة الباقية له في الخدمة قبل الوصول لسن المعاش مما يجعل المحكمة مختصة بنظر الدعاوى لأنها تقوم على اتهام الحكومة بأنها قد أخطأت في تنفيذ العمل البرلماني وفسرته على غير ظاهر فالحكومة هي الخصم الحقيقي في الدعوى وليس البرلمان .

ثالثا : احتفاظ العمل الإداري بطبيعته رغم تأييد البرلمان له :-
جرى القضاء على عدم التوسع في مدلول العمل البرلمان وقرر أن التأييد السياسي الصادر من البرلمان لعمل إداري لا يقلب هذا العمل إلى عمل برلماني بل يظل العمل إدرايا بالرغم من تأييد البرلمان له فمجرد تأييد البرلمان للحكومة في قرار معين لا يخلع على هذا القرار صفة العمل البرلماني ولا يخرجه بالتالي من رقابة القضاء .

ولقد سار القضاء العادي المصري في ذات الإتجاه كما قرر مجلس الدولة المصري أن موافقة البرلمان على الميزانية العامة للدولة كما أرسالتها الحكومة مجرد تأييد سياسي لا يغير من طبيعتها الإدارية بالرغم من أنها لا تعتبر نافذة إلا من تاريخ تصديق البرلمان عليها .

س:- تكلم عن عدم مسئولية الدولة عن القوانين ؟
القانون هو ذلك الذي يصدر عن السلطة التشريعية ويحتوي على قواعد قانونية عامة مجردة والأصل أن للمشرع الكلمة العليا في تنظيم المج-تمع بواسطة التشريعات المختلفة باعتباره يهدف دائما إلى تحقيق الصالح العام ويعمل على نمو المجتمع وتقديمه . ويقتضي الإلمام بعدم مسئولية الدولة عن القوانين بيان مبررات ذلك وحدوده .

– مبررات عدم مسئولية الدولة عن القوانين :-
استند القضاء الفرنسي والمصري للقول بعدم مسئولية الدولة عن القوانين إلى حجج متعددة :-
1- سيادة البرلمان :-
تمثلت الحجة الأساسية التي قبلت لتبرير عدم مسئولية الدولة عن القوانين في أن البرلمان باعتباره صاحب السيادة لا يسال عن القوانين الصادرة عنه ولقد قبل انطلاقا من نظرية السيادة أن القانون إذ يعد تعبيرا عن الإرادة العامة فإن المواطن ليس أجنبيا عنه .

2- قرينة انتفاء الخطا :-
ذهب البعض من الفقهاء إلى أنه لا يمكن قبول مبدأ الخطأ بالنسبة للمشرع عندما يضع قانونا جديد يترتب عليه الأضرار ببعض مصالح المواطنين فالمشرع هو الذي يحدد الخطا والصواب من الناحية القانونية وبما أن المسئولية لا تقوم إلا على اساس الخطأ فلا يتصور أن تقوم إذن نتيجة لما يصدره المشرع من قوانين .

3- عمومية الضرر الذي ترتبه القوانين :-
رأي البعض أن عدم مسئولية الدولة عن القوانين يرجع إلى أن الضرر الذي تسببه لا يتصف بالخصوصية التي تعتبر شرطا اساسيا للتعويض فالتعويض لا يكون إلا عن ضرر خاص يصيب فئة قليلة من الناس أما إذا كان الضرر عاما يصيب جميع المواطنين أو غالبيتهم فلا تعويض في هذه الحالة والضرر الذي ينشأ عن القوانين هو ضرر عام يصيب جميع المواطنين او عدد كبيرا منهم .

4- التعويض عقبة في سبيل التشريع والإصلاح :-
استند البعض إلى أن تقرير مسئولية الدولة عن القوانين التي يصدرها المشرع سيكون عقبة في سبيل التشريع والإصلاح فلو اجبرنا الدولة على أن تعوض الأفراد عن كطل ضرر تلحقه القوانين بهم لأدى ذلك إلى عرقلة كل إصلاح لأن الدولة ستتردد كثيرا . وإذا كانت الحجج السابقة تنطوي على بعض جوانب الصحة إلا أنه لا يمكن التسليم بها لما ترتبه من عدم مسئولية الدولة بصفة مطلقة عن القوانين التي تسبب ضررا للمواطنين :-

1- فالاستناد إلى مبدأ سيادة البرلمان لا يمكن التسليم به فالبرلمان ليس إلا ممثلا للشعب الصاحب الحقيقي للسيادة وإذا كان الأمر كذلك فإن للبرلمان اختصاصات حددها الدستور ومن ثم فيجب أن تخضع اعماله لما قررته السلطة التأسيسية في الدستور ولا يمكن القول بأن السيادة قد انتقلت اليه . ويلاحظ أنه وإن كان المواطن يشترك بصفة مباشرة أو غير مباشرة في صنع القانون فمن المعروف أن القانون تعبير عن إرادة الأغلبية وحتى لو كان كل فرد يعتبر مشاركا في وضع القانون فلا يعني هذا عدم الحصول على التعويض عن الضرر الذي أصابه منه فالأصل هو مساواة الأفراد أمام التكاليف والأعباء العامة .

2- وأما القول بأن المشرع لا يخطأ فإنه لا يمكن قبوله لأن المشرع ليس إلا مجموعة من أفراد الشعب عرضة للخطأ والصواب كسائر الأفراد ولا أدل على ذلك القول من أن المشرع الدستوري قد اعترف في كثير من الدول بالرقابة على دستورية القوانين بحيث إذ تجاهل المشرع النص الدستوري أو أساء فهمه تحقق الخطأ في جانبه

وبهذا يمكننا القول بأن مسئولية الدولة عن القوانين تقوم على اساس الخطأ في حالة ما إذا كان القانون المطلوب التعويض عنه غير مشروع وحكم بعدم دستوريته وتقوم على اساس المخاطر في حالة ما إذا كان القانون مشروعا لا عيب فيه .

3- كما أن القول بعمومية الضرر الذي ينشأ عن القوانين وإن كان ينطوي على جانب كبير من الصحة إلا أنه ليس مطلقا فإذا كان القانون يتصف بالعمومية إلا أن الضرر الذي يترتب على تنفيذه بمكان أن يتركز على بعض الأفراد أو على فئة معينة محدودة من الأفراد .

4- أما القول بأن التعويض يعرقل الإصلاح فهو قول أن كان صحيحا في حالة تقرير مسئولية الدولة عن كل القوانين التي تصدرها إلا أنه لا يصدق في حالة اقتصار التعويض على القوانين التي ترتكز الضرر على عدم محدود من الأفراد ففي مثل هذه الحالة يكون التعويض محدودا بما لا يعرقل الإصلاح أو يثبط همة المشرع .