نقل الأعضاء «البشرية» .. نظرة قانونية
منصور الزغيبي
في الوقت الراهن نشهد ثورة علمية وتقنية خاصة في مجال الطب البشري، ومن الطبيعي أن تثور بعض الإشكالات حول نطاق تطبيق هذا التطور العلمي الطبي، ومن زاوية تاريخية نجد أن مسألة عمليات نقل بعض الأعضاء البشرية ممن توفى تمارس منذ بداية القرن الماضي، وأول عملية ترجع إلى 1887، خاصة بنقل القرنية.

وكان لنقل الكلى وزرعها النصيب الأكبر من التجارب وهذا شيء مشاهد حتى الآن، وكذلك في مدينة ليون 1906 تم نقل كلية من حيوان ميت إلى إنسان حي، وفي 1933 في روسيا نقل الجراح فورونوي كلية إنسان توفي لزرعها في إنسان آخر على قيد الحياة.

وفي كانون الأول (ديسمبر) 1952 كانت أول تجربة في مجال استقطاع الأعضاء بين الأحياء على يد فريق من الأطباء الفرنسيين في مستشفى Neckre بباريس تحت إشراف الجراح جون هبورجر Jean Hamburger الذي نقل كلية من أم تبرعت بها إلى ابنها، ولكن استمر هذا العضو في العمل لمدة ثلاث أسابيع فقط إلى أن توفى الشخص المنقول إليه بسبب رفض الجسم العضو الجديد.

وفي 1967 تطور الأمر إلى محاولات بشأن نقل بعض الأعضاء الأخرى الجوهرية، وفي الثمانينات تطورت زراعة الأعضاء البشرية بعد اكتشاف مادة السيكلوسبرين (Ciclosporine) وهو عقار مضاد لرفض الجسم للعضو المزروع الجديد.

ومن الضروري جداً أن يواكب هذا التطور العلمي الطبي معالجة قانونية وشرعية موازية لها، لحفظ حقوق الإنسان وكرامته وحرمة جسمه من العبث والاستغلال والاتجار والتوظيف غير الشرعي لهذا التطور، وكذلك في حال عدم رضاء المنقول منه، وهل رضاه لوحده كافٍ أم لا بد أن يستند إلى أساس قانوني آخر، وإلى أي حد يستطيع الطبيب الاجتهاد في إجراء الجراحة؟ وغيرها من الإشكالات، من المؤكد أن الاعتداء والمساس بأعضاء جسم إنسان جريمة يعاقب عليها الشرع والقانون.

إن مسألة نقل الأعضاء البشرية ثار حولها الكثير من الجدل الفقهي، وهي مسألة قديمة ليست حديثة، وفي المسألة أكثر من رأي،

الأول: يرى عدم جواز نقل الأعضاء البشرية على العموم، والثاني: يرى الجواز، وكل رأي أصحابه يحتجون بمجموعة من الأدلة ويفند أدلة الأخر، وهذا ليس محل تناولها.

وإذا نظرنا على مستوى دول العالم نجد أن فرنسا والقانون الفرنسي يعتبر أقدم تشريع، إذ أصدر قوانين في مسألة نقل الأعضاء في 1857، ومن ثم القانون الإنكليزي الذي صدر في 1953، وكذلك القانوني الإسباني الذي صدر 1966، كما صدر القانوني الألماني بعد محاولات في 1997، أما القانون الإيطالي فقد صدر في 1975، والبلجيكي 1986، وأيضاً القانون الكويتي صدر 1983، والعراقي صدر 1981، والمملكة الأردنية في 1977.

وهناك دول لم تصدر قوانين مثلاً هولندا وكذلك أرلندا، والمملكة العربية السعودية لم تصدر تشريعاً يعالج الموضوع بشكل كامل، لكن صدرت بعض الفتاوى الشرعية التي أباحت عمليات النقل، أهمها القرار الصادر عن هيئة كبار العلماء رقم 99 لسنة 1402هـ، الذي أجاز نقل عضو أو جزء من إنسان حي أو ميت، مسلم أو ذمي إلى نفسه، وكذلك قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الثامنة وقرار المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته المنعقدة في جدة 1408هـ، إذ أجاز نقل الأعضاء البشرية وزرعها، وكذلك صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس في جدة في 17-8-1410هـ، الذي أجاز زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي بضوابط معينة، وتم إنشاء مراكز عدة لزراعة الأعضاء في المملكة، وتناول الدكتور طارق سرور هذه المسائل في كتابه «نقل الأعضاء البشرية» بشكل تفصيلي دقيق ورائع من الناحية القانونية.

خلاصة القول، من الضروري سن قانون خاص بنقل الأعضاء ليعالج كثيراً من المسائل المتناثرة والمتعلقة بالموضوع ذاته، والاستفادة من التجارب الدولية التي تتوافق مع جوهر الشريعة والقانون، وهو من المواضيع الحساسة التي تحتاج إلى مزيد من التأمل والدراسة والتأليف فيه لقلة النتاج العلمي، ولمساعدة المرضى وحمايتهم من أي ضرر غير شرعي أو قانوني، والعمل على نشر الثقافة الشرعية والقانونية نحوها، وتطوير أدوات المعالجة بحكم حجم الحالات الإنسانية التي تحتاج إلى معالجة ومساندة.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت