أساسيات مهمة في اتفاقية التحكيم
كما هو معروف أن التحكيم هو الوسيلة الأولى المثالية لفض النزاعات التجارية الدولية خاصة، من غير إغفال لدوره في حل المنازعات التجارية الداخلية أيضاً، لكنه في الجانب الدولي يظهر واضحاً و أكثر تطبيقاً.

فالغالب في العقود التجارية الدولية، تضمينها بنداً أو عدة بنود متعلقة بالتحكيم، و اعتباره هو وسيلة لفض أي نزاع قد ينشأ نتيجة تطبيق هذا العقد، و يسمى هذا البند (المضمن في العقد الأصلي) بند التحكيم، أو شرط التحكيم.

و يعتبر هذا البند بنداً وقائياً في العقد، له استقلاليته عن باقي بنود العقد الأصلي و إن ذكر معها، فلا يتأثر بالعوارض التي تصيب العقد و المؤدية به إلى البطلان. و اكتسب هذه الاستقلالية لكونه بنداً وقائياً له طبيعة خاصة في جانب العقود التجارية الدولية، و يراد منه غاية معينة هي فض أي نزاع قد ينشأ عن تطبيق هذا العقد، و لو كان متأثراً بما يؤثر في العقد من عوارض مؤدية إلى البطلان ؛ لانعدمت الغاية من إيجاده و أصبح و جود و عدمه سواء.

و قد يكون الاتفاق بين أطراف العقد باعتماد التحكيم وسيلة لفض النزاع الناشئ عن تنفيذ تعاقدهم، بموجب عقد أو اتفاقية مستقلة عن العقد الأصلي، تسمى (اتفاقية التحكيم) أو (مشارطة التحكيم)، و تكون بعد توقيع العقد الأصلي، و يتصور كذلك أن يكون الاتفاق عليها بعد حدوث النزاع و قبل العمل على تسويته، وهذا خلافاً (لشرط التحكيم) الذي ينص عليه في العقد، فلا بد من الاتفاق عليه وقت إبرام العقد الأصلي، و بمعنى آخر لا يجوز تضمين بند التحكيم في العقد الأصلي بعد توقيعه، ناهيك عن إدراجه في العقد بعد حدوث النزاع و قبل الشروع في تسوية النزاع.

و قد ذكرت المادة (7) من قانون (اليونسترال للتحكيم) في الفقرة الأولى، تعريفاً لاتفاقية التحكيم:

«هو اتفاق بين الطرفين على أن يحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض النزاعات المحددة التي نشأت أو قد تنشأ بينهما بشأن علاقة قانونية محددة». فهذا التعريف يوضح أنه ليس شرطاً أن يصار إلى التحكيم في حل أي نزاع قد ينشأ عن تنفيذ العقد، و لكن قد تحدد مسائل معينة متعلقة بتنفيذ العقد هي التي يصار فيها عند التنازع إلى التحكيم، كعقود الإنشاءات فليس كل نزاع ينشأ عنها يحال إلى التحكيم، فقد ينص في بند التحكيم أو في مشارطة التحكيم أن اللجوء إلى التحكيم يكون في مسائل الخلاف المتعلقة بالأمور الهندسية مثلاً.

و هنا نقطة جديرة بالذكر تتعلق بالجانب الشكلي لاتفاقية التحكيم، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة (7) من قانون اليونسترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي: على وجوب كتابة اتفاقية التحكيم.

و تتناول مشارطة التحكيم تعيين المحكمين و تحديد عددهم، فقد نصت المادة (10) من نظام التحكيم السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/46 في 12/7/1403ه، على مسألة تعيين المحكمين و لم تتطرق لمسألة العدد، فنصت على أنه (إذا لم يعين الخصوم المحكمين أو امتنع أحد الطرفين عن تعيين المحكم أو المحكمين الذين ينفرد باختيارهم أو امتنع واحد أو أكثر من المحكمين عن العمل أو اعتزله أو قام به مانع من مباشرة التحكيم أو عزل عنه ولم يكن بين الخصوم شرط خاص، عينت الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع من يلزم من المحكمين وذلك بناء على طلب من يهمه التعجيل من الخصوم.

و قد عالج قانون اليونسترال في المادة (10) منه، مسألة عدد المحكمين، و أوضح أن لأطراف النزاع تحديد عدد مناسب من المحكمين و النص على ذلك في الاتفاق (سواء أكان بند التحكيم المضمن بالعقد الأصلي، أو مشارطة التحكيم)، و إذا لم يحدد أطراف التنازع عدداً معيناً كانوا ثلاثة.

و من الأمور المهمة التي لا بد أن ينص عليها في اتفاقية التحكيم (مشارطة التحكيم) تعيين أحد مركز التحكيم الدولية أو الداخلية ليقوم بمهمة (متولي النظر في النزاع)، و من وجهة نظري أجد أن تعيين المركز التحكيمي يغني عن تحديد عدد المحكمين و أشخاصهم، إلا أنه قد يكون التحديد لمحكمين معينين في مركز تحكيمي معين، فينص حينها على المركز و المحكمين.

و نأتي هنا لمسألة غاية في العناية و هي تحديد (القانون الواجب التطبيق)، فلأطراف النزاع تحديد القانون المراد تطبيقه في تنازعهم. و يشار إلى ذلك في بند التحكيم أو في مشارطة التحكيم، و في حال عدم تحديدهم للقانون الواجب التطبيق، فللمحكمين أن يقوموا بتطبيق القانون المناسب وفق قواعد تنازع القوانين التي قد تحدد قانون مكان إبرام العقد، أو مكان تنفيذه، خروجاً من نقطة عدم تحديد أطراف النزاع للقانون المراد تطبيقه على نزاعهم. و قد عالج قانون اليونسترال ذلك في مادته (28).

ويجوز للطرفين أن يتفقا في بند التحكيم أو مشارطة التحكيم على قواعد الإجراءات التي يسارعليها في مرحلة التحكيم، فقد نصت المادة (19) من قانون اليونسترال في الفقرة الأولى على أنه «يكون للطرفين حرية الاتفاق على الإجراءات التي يتعين على هيئة التحكيم اتباعها لدى السير في التحكيم». و في حالة عدم وجود اتفاق على الإجراءات بين أطراف النزاع، فلهيئة التحكيم أن تسير فيه بالكيفية التي تراها مناسبة.

٭ باحث قانوني/

[email protected]

إعادة نشر بواسطة محاماة نت