قراءة وإضاءة حول المعيار الشرعي رقم 23 بشأن الوكالة وتصرف الفضولي

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

 1.يتناول هذا المقال المعيار الشرعي لعقود الوكالة قراءة وإضاءة، ويتضمن المعيار تسعة بنود عدا تاريخ الإصدار والنبذة التاريخية ومستند الأحكام الشرعية. وطبقا للتقديم ونطاق المعيار يهدف هــذا المعيار إلــى بيان أحكام الوكالة في مجال المؤسسات المالية الإسلامية (المؤسسة/ المؤسسات) وذلك بإنابة الغير عن المؤسسة، أو نيابتها عن الغير، في إبرام العقود، مثل البيع والإجارة والصلح، أو للقيام بالتصرفات أو الخدمات أو الأعمال المادية، مثل القبض والدفع والتسلم والتسليم كما يطبق على إدارة الأموال والعقارات والوكالة بالاستثمار.

ويلاحظ أن الوكالة بالاستثمار أحد موضوعات المعيار الحالي، وهناك معيار شرعي خاص بالوكالة بالاستثمار برقم 46. ويعرض هذا المقال لأبرز القضايا النقاشية في هذا المعيار الحالي.

2.تصدر صيغة الوكالة بإحدى الصور الآتية: التنجيز، والتعليق، والإضافة للمستقبل، كما تتنوع الوكالة إلى خاصة وعامة، وإلى مطلقة ومقيدة، وبأجر وبدون أجر، ومؤقتة تنتهي بوقت محدد دون الحاجة إلى الفسخ وتكون غير مؤقتة فلا تنتهي إلا بالفسخ.

3.ويقصد بالتنجيز أن يسري أثرها عقب الصيغة، ويقصد بالتعليق ألا يسري أثرها إلا بوقوع ما علقت عليه، مثل تعليق المدين توكيله للمؤسسة الدائنة بإدارة العين المستغلة المملوكة للمدين على إخلاله بالسداد، ويقصد بالإضافة للمستقبل ألا يوجد أثرها إلا في الوقت الذي أضيفت إليه.

4.ويكون التعليق والتقييد في إبرام الوكالة في التصرف الموكَّل فيه أيضًا، فيقع التوكيل منجزاً ويتوقف مباشرة التصرف على وقوع ما علق عليه، مثل تعليق التصرف على الرجوع إلى الموكل. كما يجب مراعاة ما قُيِّد به الموكل التصرف من شروط مثل شرط الكفيل أو الرهن.

5.الوكالة الخاصة والعامة: وتشمل العامة جميع التصرفات بشرط مراعاة مصلحة الموكل وما يخصصه العرف. ولا تشمل التبرعات إلا بالتصريح للوكيل بذلك. والوكالة مقيدة ومطلقة، أما المطلقة فتتقيد بالعرف وبما فيه مصلحة الموكل، ولا يجوز فيها البيع بنقصان أو الشراء بزيادة بما يختلف عن المتعارف، ولا يجوز فيها البيع مقايضة ولا بالأجل إلا بموافقة الموكل.

6.الإضاءة: يفرق بين الوكالة العامة والوكالة المطلقة في أن العامة تكون في جميع التصرفات تجارية أو أحوال شخصية أو غيرها، بينما تكون المطلقة في كيفية التصرف الواحد، مثل أن يوكله وكالة خاصة بالبيع والشراء فقط، ويقيده بألا يبيع بأقل من كذا، أو يشتري بأكثر من كذا.

7.معلومية الأجرة: يجب أن تكون الأجرة معلومة، إما بمبلغ مقطوع أو بنسبة من مبلغ معلوم، أو يؤول إلى العلم مثل أن تكون الأجرة عند ابتداء التوكيل معلومة وتربط بمؤشر يرجع إليه عند بداية كل فترة. ولا يجوز عدم تحديدها، مثل اقتطاع الوكيل أجرته غير المحددة من مستحقات الموكل. وإذا لم تحدد الأجرة يرجع فيها إلى أجرة المثل. ويجوز أن تكون أجرة الوكيل ما زاد على الناتج المحدد للعملية أو نسبة منه، مثل أن يحدد له الموكل ثمناً للبيع وما زاد عليه فهو أجرة الوكالة. ويجوز أن يضاف إلى الأجرة المعلومة نسبة من الناتج المحدد للعملية الموكل بها وذلك على سبيل التحفيز.

8.مبدأ ما يؤول إلى العلم مما قررته المعايير وعدد من الهيئات الشرعية، بشرط البدء بأجرة معلومة، ثم ينظر في الأجرة كل ستة شهور مثلاً بالنظر إلى مؤشر منضبط كما ذكر. ويلاحظ أن تحديد الأجرة بنسبة من ثمن البيع فيه نوع من جهالة، وتحديد الأجرة من بما زاد عن ثمن محدد للبيع ففيه جهالة واضحة وهو من نوع عدم تحديد الأجرة ولا أظنه يتسق مع مبدأ ما يؤول إلى العلم.

9.الوكالة اللازمة: الأصل في الوكالة عدم اللزوم، فللموكل والوكيل إنهاؤها دون إخلال بما ترتب عليها من آثار ممتدة بعد الانتهاء.

وتكون لازمة في الحالات الآتية: إذا تعلق بها حق الغير، مثل توكيل الراهن للمرتهن، أو توكيل الراهن العدل بقبض الرهن أو ببيعه عند الاستحقاق، فإن الوكالة لازمة في حق الراهن (المدين)، ومثل توكيل مالك العين المستغلة من يديرها لتحصيل مستحقاته على الموكل من غلتها. إذا كانت الوكالة بأجر.

إذا شرع الوكيل في العمل بحيث لا يمكن قطعه أو فصله إلى مراحل إلا بضرر يلحق الموكل أو الوكيل فتصبح الوكالة لازمة إلى حين إمكان ذلك. إذا تعهد الوكيل أو الموكل بعدم الفسخ خلال مدة محددة.

10.الإضاءة: تكون الوكالة لازمة في حالات منها الشروع في العمل أو إذا تعلق بها حق الغير، وقد أضيف إلى ذلك حالة ثالثة، وهي تعهد أحد الطرفين أو كلاهما بعدم الفسخ، وقيل أن هذا ليس من الفقه السني، واستفيد من المذهب الإمامي أو الإباضي واستحسنه الاجتهاد السني المعاصر.

1. القضايا النقاشية في المعيار الشرعي للوكالة وتصرف الفضولي قراءة وإضاءة، ومنها: الجمع بين الوكالة والكفالة، تعامل الوكيل مع قرابته ونفسه، وحقوق العقد، ومخالفة الوكيل لقيود الوكالة، وتصرف الفضولي.

2.الجمع بين الوكالة والكفالة: «لا يجوز الجمع بين الوكالة والكفالة في عقد واحد، لتنافي مقتضاهما، ولأن اشتراط الضمان على الوكيل بالاستثمار يحول العملية إلى قرض بفائدة ربوية بسبب ضمان الأصل مع الحصول على عائد الاستثمار. أما إذا كانت الوكالة غير مشروطة فيها الكفالة، ثم كفل الوكيل من يتعامل معه بعقد منفصل فإنه يكون كفيلاً لا بصفة كونه وكيلاً، حتى لو عزل عن الوكالة يبقى كفيلاً».

3.الإضاءة: الفقرة السابقة نقلت من معيار الضمانات، وقد حددت شروطًا لصحة اقتران الوكالة والكفالة في معاملة واحدة وأهمها: عدم اشتراط الكفالة في الوكالة، وأن تكون الكفالة في عقد منفصل، دون ترابط بين العقدين بحيث لو انتهت الوكالة استمرت الكفالة حتى انتهاء الغرض منها.

وحتى تبتعد هذه الشروط عن الصورية لا ينبغي أن يتم الترويج للمنتج بأن الوكيل يمكن أن يضمن لأن هذا يعني استقرار المعاملة على الجمع بين الوكالة والكفالة، وألا يكون التوقيع على العقدين متزامنًا، وألا يكون هناك خطاب جانبي أو اتفاقية إطارية أو نشرة اكتتاب أو إشارة من أي نوع لوجود الكفالة ضمن مزايا المنتج، لأن أي إشارة من هذا النوع تفهم على سبيل الوعد الملزم. قد يقال أنها تكون على سبيل الوعد غير الملزم وهذا محل نظر، ولكن حتى يبتعد عن الصورية يمكن النص بأنه قد يتخلف وأنه لا إلزام على الوكيل في تقديم الكفالة، ولكن قد يفعل ذلك بمحض اختياره لاحقًا، وأنه لا ينبغي أن يفهم هذا من قبل الموكل على أنه شرط في الوكالة أو وعد ملزم من الوكيل بأن يقدم الكفالة.

4.تعامل الوكيل مع قرابته ونفسه: إذا تعامل الوكيل مع أصوله أو فروعه الذين ليسوا تحت ولايته أو الزوجـة أو الزوج فإنه يصح تعامله إذا كان التصرف خالياً من الغبن أو المحاباة، ويصح مع وجودهما إذا كان التعامل بإذن الموكل. ليس للوكيل أن يتعاقد مع نفسه، ولا مع ولده الذي تحت ولايته، ولا مع شريكه في محل الشركة. ليس للوكيل أن ينوب عن طرفي التعاقد. يجوز للوكيل أن يشتري من الموكل ما اشتراه له وذلك بإيجاب من الوكيل وقبول من الموكل بحيث لا يتداخل الضمانان، وتصبح السلعة بعد الشراء في ضمان الوكيل بصفته مشترياً.

5.الإضاءة: التعامل مع القرابة الذين ليسوا تحت ولاية الوكيل كولده، أو التعاقد مع النفس، ممنوع خشية المحاباة، والظاهر عند الحنابلة أنه يجوز إذا انتفت التهمة بالمحاباة، ويكون ذلك بتحديد السعر من الموكل أو إن كان التعامل وفق سعر المثل، لكن المعيار لم يشر لسعر المثل كمؤشر لانتفاء المحاباة مطلقاً. أما المنع مطلقاً من التعاقد مع النفس فهو مذهب الحنفية وبه أخذ المعيار وتجاوز عن مذهب الحنابلة بالجواز إذا انتفت التهمة وتحقق الفصل بين الضمانين. ولا شك بأن تجنب التعاقد مع النفس أولى بالأخذ به عند عدم وجود الحاجة لأنه أكثر ملاءمة لضبط المعاملات في التنفيذ.

6. مخالفة الوكيل لقيود الوكالة: إذا خالف الوكيل بالشراء فاشترى بأكثر من ثمن المثل أو بأكثر مما حدده الموكل فإنه يضمن الفرق بين الثمن الذي اشترى به وثمن المثل. وإذا خالف الوكيل بالبيع فباع بأقل من الثمن الذي حدده الموكل للبيع به فإنه يضمن النقص عن ثمن المثل فقط، ولا يضمن جميع النقص عن الثمن الذي حدد له البيع به، مثل تقييد المضاربة أو الوكالة بالاستثمار بالبيع بربح لا يقل عن نسبة كذا، فلا يضمن الوكيل (أو المضارب) تلك النسبة بل يقتصر ضمانه على ما نقص عن ثمن المثل.

7. الإضاءة: الذي يفهم من نصوص الحنابلة بأنه إذا خالف الوكيل بأن باع بأقل مما حدده الموكل؛ أن الوكيل يضمن الفرق بين السعرين، غير أن المعيار لم يأخذ بهذا ونص على أنه لا يعول على ما حدده الموكل كمعيار لقياس الضرر المترتب على المخالفة، وإنما على ثمن المثل، ويضمن الوكيل الفرق بين ما باع به وبين ثمن المثل إن كان ما باع به أقل من ثمن المثل.

وقد علل المعيار هذا الحكم بما يأتي: « هو تحقيق العدل ورفع الضرر عنه دون الوقوع في أخذ المال بالشرط وهو ممنوع شرعاً لما في ذلك من شبهة الربا، وقد ورد النص على هذه المسألة في المغني لابن قدامة (5/135-136) وأشار إلى أن هناك رأياً آخر بإبطال التعامل في هذه الحالة. وكان من الملائم نقل نص المغني لأن نصوص الحنابلة متضافرة على ضمان الفرق وكنت نقلتها في بحث عن الوكالة في الاستثمار قدمته لندوة البركة الثامنة والعشرين. ولا شك بأن ما ذهب إليه المعيار هو الأكثر ملاءمة في التطبيق وللبعد عن شبهة الربا من وجه آخر.

8. تصرف الفضولي: عقد الفضولي موقوف على إجازة صاحب الحق. وتطبق أحكام تصرف الفضولي في جميع العقود المالية سواء أكانت من المعاوضات، مثل البيع والشراء، والإيجار والاستئجار، أم من التبرعات مثل الهبة، كما تجري في الوكالة بالاستثمار. إذا أجاز المالك العقد صار نافذاً، وتطبق عليه أحكام الوكالة. وينفذ أثر الإجازة بأثر رجعي مستنداً إلى وقت صدور التصرف.

9.الإضاءة: يشترط في بيع الفضولي أن يدعي الفضولي أنه نوى التصرف نيابة عن شخص معين عند إبرام العقد، سواء أفصح للطرف الآخر أم لم يفصح، أما النية بعد ذلك فليست من بيع الفضولي في شيء. وقد توسعت بعض المصارف الإسلامية في تطبيق بيع الفضولي في مرابحات الاستيراد والمرابحات المحلية من غير مناسبة بحيث يشتري العميل البضاعة ثم يدعي بأنه اشتراها لصالح البنك ليتمم بعد ذلك التمويل بالمرابحة.

والحق أن هناك حالات في التطبيق يناسبها بيع الفضولي، وحالات أخرى يعد فيها تطبيق بيع الفضولي نوعًا من العبث بالشريعة. ومن الحالات التي يناسب تطبيق بيع الفضولي أن يكون لدى المؤسسة نظامًا مقرلتوكيل الآمر بالشراء، وأنه سبق للآمر بالشراء التوكل عن المؤسسة في معاملات سابقة، وأنه ذكر في مستند الشراء أنه يتمم المعاملة لصالح البنك، وغير ذلك من القرائن المؤيدة. أما في حال غياب القرائن فلا تقبل دعواه بأنه تصرف نيابة عن البنك.

والأكثر ملاءمة للضبط الشرعي في التطبيق هو المنع مطلقا من بيع الفضولي، وهو ما توجهت إليه بعض الهيئات الشرعية المركزية وألزمت به السلطة الإشرافية.

د.عبد الباري مشعل