طبيعة حق الدولة على إقليمها

اختلفت آراء الفقهاء في شأن تحديد طبيعة حق الدولة على إقليمها إلى نظريات مختلفة سنتعرض لأهمها بإيجاز.

أولاً- نظرية الملكية:
تستمد هذه النظرية أساسها من القانون المدني حيث يوصف حق الدولة على إقليمها بأنه حق عيني يماثل حق الملكية إلى حد كبير، وترجع نشأة هذه النظرية إلى العصور القديمة عندما كانت الأفكار الدينية هي السائدة ولقد استغلها رؤساء الكنيسة الكاثوليكية في تبرير الحق في التصرف في القطاعات المختلفة للكرة الأرضية.

ولقد تطورت هذه النظرية في عصر الرومان عندما بدأت الإمبراطورية الرومانية في التوسع مما دعا الفقهاء الرومان إلى إخضاع ملكية هذه الأقاليم لأحكام القانون الروماني بنظريات مختلفة، فصارت أقاليم الإمبراطورية الرومانية ملكاً مشتركاً للرومانيين.
وظت هذه النظرية سائدة في فقه القانون الدولي التقليدي حيث يعتبر إقليم الدولة ملكاً للملك له حق التصرف المطلق فيه، ولكن لما استقرت نظرية سيادة الدولة في فقه القانون الدولي اعتبر الإقليم خاضعاً لسيادة الدولة وليس ملكاً للحاكم، وعلى الرغم من ذلك فقد رأى بعض الفقهاء أن هناك تشابهاً كبيراً بين سيادة الدولة على إقليمها وبين حق الملكية، فكلا الحقين مقصوراً على صاحبه ويخوله سلطة التصرف في موضوع هذا الحق، لذلك نجد الكثير من قواعد القانون المدني الخاص بحق الملكية تطبق في مجال سيادة الدولة على إقليمها مثل طرق اكتساب وفق الإقليم.

وعلى الرغم من انهيار أساس هذه النظرية فما زال لها أنصار من بين فقهاء القانون الدولي المحدثين ومن أبرزهم العالم الفرنسي (فوشي).

نقد:
1- تغفل هذه النظرية الاختلاف بين أحكام القانون العام وأحكام القانون الخاص التي تنظم الملكية الفردية.
2- تخلط بين الملكية وبين السيادة، فلسيادة الدولة على إقليمها مدلولاً قانونياً وسياسياً نابعاً عن فكرة المجتمع الدولي الذي يتكون من دول مختلفة ينفرد كل منها بحق إقليم معين بما يشمله ذلك من حقوق تشريعية وقضائية وتنفيذية، وهو ما لا يمكن تشبيهه بحق الملكية في مفهوم القانون الخاص.

ثانياً- نظرية الاندماج:
يرى أنصارها أن الإقليم العنصر الأساسي للدولة لذلك فهناك اندماج بين الإقليم والدولة بشكل يصعب معه الفصل بينهما، حيث يعتبر إقليم الدولة جزء لا يتجزأ من طبيعة الدولة، على اعتبار أنه أحد أسس شخصيتها القانونية، فلا يوجد للدولة دون إقليم حيث يستحيل ممارسة السلطة السياسية إلا في إطار إقليم محدد وتبرز هذه النظرية الأهمية السياسية للإقليم، كما تقدم تفسيراً للحالات التي تفنى فيها الدولة بفقدان إقليمها كلية.

نقد:
تعرضت هذه النظرية للنقد لعدة أسباب أهمها:
1- فكرة الإقليم سابقة على ظهور الدولة بمفهومها الحديث وبالتالي لا يمكن أن يكون الإقليم مجرد عنصر من عناصر الشخصية القانونية للدولة.
2- لا تقدم النظرية تفسيراً واضحاً لبعض التغيرات التي قد تطرأ على إقليم الدولة، فقد يزيد إقليم الدولة أو ينقص عن تفسير المسائل المتعلقة بتوزيع الاختصاصات المشتركة بين الدول التي تشكل اتحاداً دولياً في إطار الإقليم الواحد لدولة الاتحاد، فكيف يمكن مثلاً تفسير توزيع الاختصاصات في إطار الدولة التعاهدية أو في ظل نظام الحماية أو الإدارة المشتركة.

ثالثاً- نظرية النطاق (المسلحة أو المجال الجغرافي):
ذهب أنصار هذه النظرية إلى أن إقليم الدولة هو النطاق الجغرافي الذي تباشر داخله الدولة نشاطها واختصاصاتها وتمارس سلطتها الآمرة في إصدار والنواهي على الأفراد في حدوده.

نقد:
رغم بساطة هذه النظرية وواقعيتها إلا أنه يعيبها أنها لا تقدم لنا تفسيراً قانونياً لبعض المسائل المتعلقة بتغيير بعض عناصر ومشتملات الإقليم سواء عن طريق التنازل أو الإعارة أو التأجير، كما أنها لا تقدم لنا تفسيراً لسيادة الدولة على بواخرها في البحار أو على مواطنيها خارج حدودها حال وجودهم في إقليم دولة أجنبية، وغير ذلك من الأمور التي تمارس فيها الدولة سيادتها خارج حدود إقليمها.

رابعاً- نظرية الاختصاص:
تقرر أن الإقليم هو النطاق الجغرافي لنفاذ النظم القانونية الداخلية كما يحدده القانون الدولي، حيث يعتبر أنصارها أن الدولة ليست شخصاً قانونياً ولكنها مجرد نظام قانوني وكل نظام قانوني يتطلب نطاقاً إقليمياً لنفاذه، ولذلك قيل إن إقليم الدولة هو الواقع مجرد نطاق لنفاذ نظام قانوني معين، ومن الناحية الواقعية يعتبر أنصار هذه النظرية أن الإقليم هو المكان المحدد الذي تباشر فيه الدول اختصاصاتها طبقاً لقواعد القانون الدولي.

وتمتاز هذه النظرية بأنها تتفق مع الأسس التي يقوم عليها القانون الدولي العام من حيث تكييف امتيازات الدولة بأنها مجرد اختصاصات يخولها القانون لأعضاء السلطة العامة لكي يتمكنوا من القيام بوظائفهم التي تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة، كما وأن هذه النظرية تفسر بطريقة أكشر شمولاً التغييرات التي قد تطرأ على إقليم الدولة. فالتنازل عن جزء من الإقليم مثلا لا يعتبر وفقاً لهذه النظرية مجرد تصرف في حق عنين ولكنه عبارة عن نقل اختصاص من دولة إلى أخرى أو إعادة توزيع الاختصاص بين الدول.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت