الأطر القانونية و الأنظمة الداخلية المتعلقة بنشاط الجمعيات الأهلية في الأردن

يعود تاريخ العمل الأهلي في الأردن إلى بداية نشأة الدولة الأردنية واتسم في البداية بطابع العمل الخيري والنجدة الاجتماعية بالنظر للظروف التي أحاطت المنطقة وخاصة ما تعلق بتهجير أعداد كبيرة من أبناء الشعب الفلسطيني كنتيجة للاحتلال الإسرائيلي لأراضيهم وتدفق اللاجئين من غرب نهر الأردن إلى شرقه ومع أن القانون العثماني كان نافذاً في البلاد وظل كذلك إلى حين إقرار تشريعات وطنية فإن سنوات نشأة الدولة الأردنية اتسمت بالاضطراب وعدم الاستقرار ومن مظاهر ذلك غياب سيادة القانون ، وعليه فإن أحكام قانون الجمعيات العثماني لم تطبق خاصة وأن القانون العثـماني لم يشترط التسجيل المسبق وإنما الإعلام فقط مقابل إيصال علم وخبر وكانت الجهة المخـتصة هي نظارة الداخلية ( المادة السادسة من قانون الجمعيات العثماني ).

ولذا فقد تواصل النشاط الخيري تبعاً للحاجة وتلبية للضرورات وبدون إطار قانوني وأنظمة مفصلة وتشكلت غالبية المنخرطين به من نخب معينة. سنة1936 صدر قانون الجمعيات الذي الغي فيما بعد وحل محله قانون الجمعيات الخيرية رقم (12) لسنة 1956 ، الذي بقي ساري المفعول حتى عام 1965 حيث صدر بذلك التاريخ قانون الجمعيات والهيئات الاجتماعية رقم (7 ) لسنة 1965 ، ثم صدر القانون رقم 33 لسنة 1966 كقانون مؤقت ولا يزال هذا القانون ساري المفعول حتى وقتنا الحاضر . إلا أنه خضع لعدة تعديلات منذ ذلك التاريخ كان آخرها التعديل بموجب القانون المعدل رقم (2) لسنة 1995.

وقد تأثرت التشريعات ذات العلاقة بالتنظيم القانوني للجمعيات بنشأة هذه الجمعيات وبطبيعتها وفقاً للدور الذي قامت به بالفعل في ذلك الوقت والذي اتسم بالنشاط الخيري الاجتماعي وأنشطة الإغاثة ، إذ سمي القانون في البداية قانون الجمعيات الخيرية وارتبط بوزير العمل والشؤون الاجتماعية، إلا أنه ونظراً لتنوع النشاط الاجتماعي وتعدد أهداف العمل الاجتماعي المنظم وتطور الحاجة إلى منظمات أهلية تمثل مجموعات مصالح متباينة ، وبسبب تطور المجتمع وعلاقـاته وتنامي الحاجة إلى المجتمع المـدني من الناحية العـملية قبل أن يتبلور مفهوم المجتمع المـدني كمصطلح حديث ، ونتيجة وعي المجتمع لأهمية الحق في تكوين الجمعيات كحق دستوري وكحق من حقوق الإنسان التي تضمنتها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان فقد أخذت قوانين الجمعيات في الأردن منحى آخر حيث أصبح مفهوم الجمعيات ( العمل الأهلي ) أكثر اتساعاً وشمولاً وتم تعديل اسم القانون ليصبح ” قانون الهيئات والجمعيات الاجتماعية ” وارتبط بأكثر من وزير تبعاً لغايات وأهداف الجمعية أو الهيئة الأهلية ، كما صدرت عدة قوانين لتنظيم المجتمع المدني منها ما نص عليه قانون العمل لتنظيم النشاط النقابي ومنها قوانين النقابات المهنية وقانون التعاون ونظام الجمعيات التعاونية وقانون الأحزاب والجمعيات السياسية وأخيراً قانون الشركات الجديد لسنة 1997 الذي تضمن نصوصاً تتعلق بالشركات المدنية والشركات التي لا تهدف إلى تحقيق الربح المواد ( المادة 7 فقرة ج 1 ، 2 ، وفقرة د ) إضافة إلى أحكام القانون المدني المتعلقة بالشركات) ويلاحظ أن عدداً من المؤسسات التي اتخذت طابع المنظمات غير الحكومية أو سميت كذلك تأسست بموجب قوانين خاصة بها مثل صندوق الملكة علياء للعمل الاجتماعي التطوعي الأردني.

وعلى الرغم من ذلك فإن الإطار القانوني والأنظمة المتعلقة بعمل الجمعيات الأهلية في الأردن ينطوي على أحكام من شأنها تقييد الحق في تكوين الجمعيات والانضمام إليها ، والحد من حرية التنظيم المـدني ، وهي على الغالب تتضمن قيوداً ومعوقات لا مبرر لها ولا يمكن قبولها لأنها تحول دون تحـقيق تلك الجمعيات لأهدافها ودون توفير الضمانات الكافية والكفيلة باحترام الحق في تكوينها والانضمام إليها وتسهل على السلطة التنفيذية التدخل في نشاطها والتأثير على أدائها ولأنها لا تشجع مبادرات الأفـراد والجماعات في تنظيم أنفسهم كمجموعات بل وتعرضهم إلى مساءلات مبالغ فيها .

وربما كانت الأوضاع والظروف المحيطة بنشاط الجمعيات المشار إليها إضافة إلى غياب الديمقراطية وضعف سيادة القانون وفرض الأحكام العرفية وقوانين الطوارئ عقود من الزمن من حياة المملكة ، وبسبب الظروف السياسية التي حظرت ممارسة النشاط السياسي العلني الحر وإنشاء الأحزاب السياسية المرخصة قد يجد البعض عدم جدوى العمل الأهلي ، إلا أن ذلك يبعد كل البعد عن الصحة ، فالجمعيات على الرغم من أنها ضعيفة في أدائها وقوتها ونفوذها وتأثيرها إلا أنها كثيرة العدد ، ولا يقلل ذلك أو ذاك من أهمية وجودها والتدليل على المشاركة فيها ينم عن شعور الأفراد بضرورة وجود دور لهم لخدمة غيرهم من جهة ولخدمة المجتمع والدولة من جهة أخرى. لا بل يمكننا القول أن الجمعيات جزء من العملية الخاصة بالتنمية في الدولة أن لم تكن الجزء الأهم .

المرجعية المحلية:

يعتبر الدستور القانون الأسمى للدولة، وتعتبر كافة النصوص الواردة فيه أعلى مرتبة والأولى تطبيقاً من النصوص الواردة في أي قانون أو نظام أو تعليمات أخرى . وقد حرص المشرع على أيراد نصوص خاصة بالحق في تكوين الجمعيات بالدستور الأردني لسنة 1952.
فقد جاء بالمادة (16) من الدستور الأردني على أنه :”
1- للأردنيين حق الاجتماع ضمن حدود القانون .
2- للأردنيين حق تأليف الجمعيات والأحزاب السياسية على أن تكون غايتها مشروعه ووسائلها سليمة وذات نظم لا تخالف أحكام الدستور .
3- ينظم القانون طريقة تأليف الجمعيات والأحزاب السياسية ومراقبة مواردها .”
فقد كفل الدستور الأردني حق تكوين الجمعيات وأناط بالقانون مهمة تنظيم ذلك . ولكن يلاحظ أن الدستور قد جعل أمر مراقبة موارد الجمعيات أساسي ومهم .

أما الميثاق الوطني الأردني والصادر سنة 1990 عن مختلف الاتجاهات والأحزاب والأطياف السياسية في الدولة الأردنية ، والذي يعتبر بمثابة وثيقة عليا غير ملزمة من الناحية القانونية إلا أنها ملزمة ومعبرة عن تطلعات الشعب الأردني ، فإن هذه الوثيقة قد أكدت وفي أكثر من موقع على ضرورة الاهتمام بالجمعيات والحقوق المترتبة والمتفرعة عن ذلك .

فقد جاء بالفصل الخامس وتحت عنوان المجال الاجتماعي وفي البند العاشر تحديداً على أن :” قيام العمل الشعبي التطوعي على مفهوم الانتماء الوطني والتكافل الاجتماعي مما يتطلب إنشاء الجمعيات التطوعية والأندية ، وتوفير الحوافز لا لتعميق قاعدة المشاركة الفعالة ، وتأكيد قيم المجتمع الأردني الخبرة وإحياء تقاليده العربية وقيمة الإسلامية في التكافل والتواصل والعون .”
أما في الفصل الثاني من الميثاق الذي جاء تحت عنوان دولة القانون والتعددية السياسية ، وفي البند الثالث فقرة (هـ ) تحديداً . فقد أعتبر الميثاق أن من ضمانات النهج الديمقراطي :” الحفاظ على الصفة المدنية والديمقراطية للدولة ، واعتبار أي محاولة لإلغاء هذه الصفة أو تعطيلها باطلة من أساسها ، لأنها تشكل تعدياً على الدستور وانتهاكاً لمبدأ التعددية ومفهومها .”
وفي الفصل الخامس أيضا وتحت عنوان الثقافة والتربية والعلوم والإعلام ومن البند الرابع تحديداً فقد جاء بالفقرة (5) على أنه ولتعزيز وسائل الاتصال الجماهيرية فإنه ولا بد :” أن يكون للمواطنين الأردنيين وللتنظيمات السياسية والاجتماعية الحق في استخدام وسائل الإعلام والاتصال الوطنية ، للتعبير عن الرأي والإبداع الثقافي والفكري والفني والعلمي ، وعلى الدولة أن تضع السياسات الملائمة لممارسة هذا الحق .”
وتطبيقاً وإعمالاً للنص الدستوري الخاص بحق تكوين الجمعيات والهيئات الاجتماعية رقم (33) لسنة 1966بكافة تعديلاته . وأعتبر القانون أن تكوين الجمعيات مقتصر على تقديم الخدمة الاجتماعية والتي عرّفها لأغراض هذا القانون بأية خدمة أو نشاط يقدم تطوعاً واختياراً من شأنه تحسين مستوى المواطنين في المجتمع سواء أكان ثقافياً أو تربوياً أو صحياً أو رياضياً أو روحياً أو اجتماعياً أو فنياً . وقد أورد المشرع هذه الخدمة حصراً بحيث أن القانون قام بالتعداد والحصر لا بالاستبعاد .
والجمعيات بموجب القانون على أنواع فمنها الجمعيات الخيرية ومنها الهيئات الاجتماعية ، وأخرى جمعيات عادية أو هيئات عادية ، إضافية إلى الجمعيات الموحدة أو الهيئات الموحدة والاتحاد اللوائي للجمعيات الخيرية والاتحاد العام للجمعيات الخيرية والاتحاد النوعي . كما كان هنالك تعريف للجمعية الأجنبية .

فالجمعية الخيرية هي الهيئة المؤلفة من سبعة أشخاص فأكثر غرضها الأساسي تنظيم مساعيها لتقديم الخدمات الاجتماعية للمواطنين دون أن تستهدف من نشاطها أو عملها جني الربح المادي وإقتسامه أو تحقيق المنفعة الشخصية أو تحقيق أية أهداف سياسية ولا يشمل هذا التعريف الجمعيات السياسية أو الجمعيات أو الهيئات التي تنشأ بموجب قانون خاص .

والهيئة الإجتماعية هي كل هيئة مكونه من سبعه أشخاص أو أكثر تقدم خدمات إجتماعية سواء كانت تلك الخدمات عملية أو تدريبية أو خيرية ، ويشمل هذا التعريف المراكز الإجتماعية على أن يكون هدفها خدمة المجتمع دون جني الربح المادي وإقتسامه أو تحقيق أية منافع شخصية أو تحقيق أية أهداف سياسية .
أن الجمعية العادية أو الهيئة العادية هي أي هيئة مؤلفة من سبعة أشخاص أو أكثر غرضها تقديم وتنظيم الخدمات للمواطنين أو لأي مجموعة منهم .
وقد أناط المشرع صلاحيات وزير الشؤون الإجتماعية بخصوص الجمعيات العادية والهيئات العادية بوزير الداخلية ومنها الجمعيات الخيرية والأندية الرياضية والثقافية والإجتماعية أو الحركات الكشفية والإرشادية .
والجمعية الأجنبية هي أية هيئة اجتماعية أو جمعية خيرية يكون مركزها الرئيسي خارج حدود المملكة الأردنية الهاشمية أو أكثر من نصف أعضاء هيئتها الإدارية من غير الأردنيين .
وقد أناط القانون بوزير الثقافة والشباب الأمور والصلاحيات المتعلقة بالأندية الرياضية والاجتماعية والثقافية والجمعيات والروابط الأدبية والفنية والفرق المسرحية والجمعيات ذات الطابع الثقافي المحض .

تأسيس الجمعيات الأهلية :

لقد نص القانون على عدم جواز تأليف أي جمعية خيرية أو هيئة اجتماعي إلا بعد الحصول على ترخيص خطي من الوزير ووفقاً لأحكام القانون .
وقد اشترط القانون بالإضافة إلى الحد الأدنى من الأشخاص المؤسسين شروط عديدة أن تقوم الجمعية أو الهيئة أو الاتحاد بتقديم طلب التسجيل للوزارة مرفقاً بالنظام الأساسي والذي حدد القانون حصراً بياناته كما يلي :
1- اسم الجمعية الخيرية أو الهيئة الاجتماعية أو الاتحاد وعنوان مركز أعمالها الرئيسي وفروعها .
2- أسماء الأعضاء المؤسسين ومهنتهم وأعمارهم ومحل إقامتهم على أن لا يقل عمر الواحد منهم عن واحد وعشرين عاماً .
3- الأغراض الرئيسية التي أنشأت من أجلها بشكل مفصل وواضح وأية أغراض أخرى تسعى الجمعية الخيرية أو الهيئة الإجتماعية أو الإتحاد لتحقيقها بمقتضى أحكام هذا القانون .
4- شروط العضوية وإشتراكات الأعضاء وطرق إسقاط عضويتهم .
5- طريقة إنتخاب هيئة الإدارة التي تتولى أعمال الجمعية الخيرية أو الهيئة الإجتماعية أو الإتحاد والإشراف على شوؤنها وإختصاصاتها .
6- كيفية إنعقاد الجمعية العمومية .
7- كيفية مراقبة وتصريف الشوؤن المالية للجمعية الخيرية أو الهيئة الإجتماعية أو الإتحاد .
8- كيفية حل الجمعية الخيرية أو الهيئة الإجتماعية أو الإتحاد .
9- كيفية التصرف بأموال الجمعية الخيرية أوالهيئة الإجتماعية أو الإتحاد عند حلها بشرط الا يخرج هذا التصرف من أغراض الجمعية الخيرية أو الهيئة الإجتماعية أو الإتحاد وان تنفق تلك الأموال ضمن حدود المملكة ، أما إذا تعذر تنفيذ ما نص عليه نظام الجمعية الخيرية أو الهيئة الإجتماعية أو الإتحاد بهذا الشأن ، فالوزير أن يقرر كيفية التصرف بتلك الأموال بعد الإستئناس برأي الإتحاد العام للجمعيات الخيرية أو الإتحادات اللوائية أو الإتحاد الفرعي للهيئات الإجتماعية إن وجد .
إضافة لهذه الشروط فقد منح القانون للوزير حق الإستئناس برأي المحافظ الذي له أن يبدي مطالعاته بشأن تسجيل الجمعية الخيرية أو الهيئة الإجتماعية أو الإتحاد خلال مدة أقصاها ثلاثون يوماً.
وإذا إنقضت مدة ثلاثة أشهر على ورود الطلب إلى الوزارة دون أن يتسلم مقدموه إشعاراً بالنتيجة أو بطلب بيانات إضافية أو بوجود نواقص قانونية في الطلب أو النظام المقدم ، فيحق لهم عندئذ أن يباشروا العمل كما لو كانت الجمعية الخيرية أو الهيئة الإجتماعية أو الإتحاد قد سجلت وفق الأصول .

وفي الوقت الذي كفل فيه الدستور الأردني حق تأليف الجمعيات ، فإن القانون قد قيد هذا الحق وأخضعه لإجراءات قانونية وإدارية أفرغت مضمون الحق الدستوري بل أنها كبلته لدرجة لم يعد فيها ضمان لحرية إستعماله وإمكانية إستخدامه وفقاً للشروط المنصوص عليها في الدستور .

وإذا كان هدف التسجيل قبل البدء بمباشرة الجمعية الأهلية لعملها هو التأكد من سلامة وصحة إنشاء الجمعية، فإن المبالغة في تنظيم ذلك إنعكس سلباً على حق الأردنيين بتأليف الجمعيات .
ولم يكتف القانون بهذا الحد بل جعل من رأي المحافظ بطلب التسجيل إعاقة جديدة وتعقيداً أكبر إن لم يكن حرماناً من حق تأليف الجمعيات .
وقد إعتبر القانون عدم الإجابة على طلب التسجيل بمرور ثلاثة أشهر يعتبر جواباً إيجابياً يحق للجمعية الخيرية أو الهيئة الإجتماعية أو الإتحاد مباشرة أعماله بعدها ، على عكس ما ورد بالقانون اللبناني الذي أعتبر فيه عدم إجابة الوزارة على طلب التسجيل خلال ثلاثة أشهر بمثابة رفض لذلك الطلب.

ولقد كان للقضاء دور سلبي في تطبيق الأحكام الخاصة بتسجيل الجمعية الخيرية أو الهيئة الإجتماعية أو الإتحاد ، ويتضح لنا ذلك جلياً من قرار لمحكمة العدل العليا صدر مؤخراً ( خلال شهر أيار 1998 ) حيث ردت المحكمة دعوى ” الجمعية الوطنية للدفاع عن الحريات العامة ” لسبب يتناقض تماماً مع حق الأردنيينبتأليف الجمعيات حيث جاء بالقرار :” أن المستدعين تقدموا بتاريخ 5/3/97 بطلب إلى وزير الداخلية للموافقة على التسجيل وأستأنس بدوره برأي محافظ العاصمة والذي نسب بعدم الموافقة ، حيث قرر الوزير في كتاب وجهه إلى أعضاء الهيئة التأسيسية للجمعية بعدم الموافقة على الطلب بسبب وجود جمعيات أخرى مسجلة لدى وزارة الداخلية تخدم ذات الأهداف ومنها المنظمة العربية لحقوق الإنسان والجمعية الأردنية لحقوق الإنسان ” .
كما وأكدت المحكمة أن للأدارة سلطة إتخاذ الموقف الذي تراه مناسباً ويكون القرار المطعون فيه صدر إستناداً للسلطة المنوطة بالمستدعى ضده بموجب القانون وتكون الدعوى حقيقة بالرد .
وعلى ضوء هذا القرار وفي ظل غياب محكمة دستورية في الدولة الأردنية ، فإن إتجاه القضاء الأردني يميل إلى الحد من حرية تكوين الجمعيات الأهلية .

الجمعيات الأهلية بين الحرية والتقيد:

الأصل العام إن للجمعية الأهلية مطلق الحرية في إدارة أعمالها وفقاً للنظام الأساسي الذي وافق عليه المؤسسين ، وإذا كانت هذه الحرية متوافقة تماماً مع حق تكوين الجمعيات إلا أن القانون قيد ذلك بموجب نصوص أعطت الحكومة التدخل في الإدارة إلى حد وصلت فيه إلى إمكانية تعيين هيئة إدارية مؤقتة ولأسباب عديدة .
ومن مظاهر التدخل الحكومي في عمل الجمعيات ما نصت عليه المادة (17) من قانون الجمعيات والهيئات الإجتماعية حيث جاء فيها :” على رئيس الجمعية الخيرية أو الهيئة الإجتماعية أو الإتحاد أن يبلغ المدير العام موعد إجتماع الهيئة العمومية لإنتخاب الهيئة الإدارية للجمعية أو الهيئة أو الإتحاد وذلك قبل خمسة أشهر يوماً على الأقل من ذلك الموعد وللمدير العام أن يحضر الإجتماع أو ينتخب موظفاً أو أكثر لحضوره للتحقق من أن الإنتخاب يجري طبقاً للنظام الأساسي ويعتبر باطلاً أي إجتماع يعقد بصورة تخالف أحكام هذه المادة .”
فقد رتب القانون البطلان لإنتخابات الجمعيات الأهلية لهيئاتها الإدارية إذا لم يمثل في ذلك الإجتماع مدير عام التنمية الإجتماعية أو من يفوضه .
وقد تجلى ذلك التدخل بإمكانية تعيين هيئة إدارية مؤقتة للجمعية الخيرية أو الهيئة الإجتماعية من قبل الوزير . فقد نصت المادة (18) من نفس القانون على أنه :” للوزير أن يعين بقرار مسبق هيئة إدارة مؤقتة للجمعية الخيرية أو الهيئة الإجتماعية تتولى الإختصاصات المخولة لهيئة إدارتها في النظام الأساسي على أن يمثل الإتحاد المختص فيها وذلك في الحالتين التاليتين :
أ- إذا أصبح عدد أعضاء هيئة الإدارة لا يكفي لإفتقادها بنصاب قانوني بسبب الإستقالة أو الوفاة أو التخلف عن حضور ثلاث جلسات متوالية بدون عذر مقبول ، وتعذر تكمله عدد الأعضاء طبقاً لأحكام النظام الأساسي .
ب- إذا خالفت هيئة الإدارة أي حكم من أحكام هذا القانون أو أحكام النظام الأساسي المتعلق بتجديد إنتخاب أعضائها أو بعوة الجمعية العمومية للإنعقاد أو بقبول إنتساب أعضاء جدد ودفع الإشتراكات ولم تقم هيئة الإدارة بإزالة الأسباب المخالفة خلال شهر واحد من تاريخ إنذار الوزير الخطي ، وعلى هيئة الإدارة المؤقتة أن تدعو الجمعية العمومية للإنعقاد خلال ستين يوماً من تاريخ تشكيلها وأن تعرض عليها تقريراً مفصلاً عن حالة الجمعية الخيرية أو الهيئة الإجتماعية أو الإتحاد وتنتخب الجمعية العمومية في هذه الجلسة هيئة إدارة جديدة “.

وإذا كان التدخل الحكومي في تأسيس الجمعيات مخالف للنص الدستوري ، فإن التدخل الحكومي بحل هذه الجمعيات ما هو إلا حرماناً من هذا الحق وليس مقيداً له . فقد أعطى القانون للوزير مطلق الحرية في الجمعيات الأهلية وللكثير من الأسباب التي جاء بعضها بطريقة فضفاضة يمكن أن يدرج تحت طياتها العديد من الأمور التي قد تشكل وفقاً لذلك مخالفة للقانون .

فقد نصت المادة (16) من نفس القانون على أنه :”
1- للوزير بناءاً على تنسيب المدير العام والإستئناس برأي الإتحاد المختص أن يأمر بحل أية جمعية خيرية أو هيئة إجتماعية أو إتحاد إذا إقتنع أنها خالفت:
أ- نظامها الأساسي أو
ب- لم تنفذ الغايات المنصوص عليها في نظامها أو توقفت عن أعمالها مدة ستة أشهر أو قصدت في القيام بها ، أو
ج- رفضت أن يسمح للمسوؤلين بحضور جلساتها أو تفتيش محلها أو سجلاتها أو مستنداتها ، أو
د- تصرفت بأموالها على غير الأوجه المحددة لها ، أو
هـ- قدمت إلى المراجع الرسمية المختصة بيانات غير صحيحة ، أو
و- خالفت بوجه الإجمال أي حكم من أحكام هذا القانون ، أو
ز- إذا إقترع على ذلك ثلث أعضاء هيئتها العمومية الذين يحق لهم التصويت .
2- يترتب على الوزير إشعار الجمعية أو الهيئة الإجتماعية أو الإتحاد المنوي إلغاء تسجيله خطياً قبل الحل بشهر على الأقل على أن يبلغ الإتحاد المختص بذلك .
3- يرسل أمر الحل للجمعية الخيرية أو الهيئة الإجتماعية أو الإتحاد بواسطة المحافظ .
4- عند إستلام الجمعية الخيرية أو الهيئة الإجتماعية أو الإتحاد أمر الحل يجب عليها أن توقف جميع أعمالها من تاريخ تبلغها القرار .”
أما فيما يتعلق بدور الرقابة القضائية على أعمال الجمعيات الأهلية ، فإن منطلق ذلك قانون العقوبات الأردني الذي تحدث عن جمعيات الأشرار والجمعيات غير المشروعة وقد فرضت على أفراد تلك الجمعيات عقوبات تصل إلى الإعدام ، فمثلاً تنص المادة (159) من قانون العقوبات الأردني على أنه ” تعد جمعية غير مشروعة :
1- كل جماعة من الناس مسجلة أو غير مسجلة ، تحرض أو تشجع بنظامها أو بما تقوم به من الدعاية على إرتكاب أي فعل من الأفعال غير المشروعة التالية :
أ- قلب دستور المملكة بالثورة أو بالتخريب .
ب- قلب الحكومة القائمة في المملكة بموجب الدستور بإستعمال القوة والعنف .
ج- تخريب أو إتلاف أموال الحكومة الأردنية في المملكة .
2- كل جماعة من الناس يقضي عليها القانون تبليغ نظامها إلى الحكومة وتخلفت عن ذلك او إستمرت على عقد إجتماعاتها بعد إنحلالها بمقتضى القانون المذكور وتشمل هذه الفقرة أيضاً كل فرع أو مركز أو لجنة أو هيئة أو شعبه لجمعية غير مشروعة وكل مؤسسة أو مدرسة تديرها جمعية غير مشروعة أو تدار تحت سلطتها .”
كما ويمكن للأفراد المنتسبين إلى أي جمعية خيرية أو هيئة إجتماعية أو إتحاد ، إتخاذ الإجراءات القضائية المناسبة في أي حالة من الحالات التي يجيزها له القانون كالمطالبة بالتعويض عن أضرار أصابته أو الطعن بإنتخابات أعضاء الهيئة الإدارية أو حتى طلب حل الجمعية إذا خالفت أي شرط من الشروط المنصوص عليها بالقانون أو بنظامها الأساسي أو حتى بنظامها الداخلي .
وتستند تلك الإجراءات القضائية إلى إعتبار الجمعية الخيرية أو الهيئة الإجتماعية أو الإتحاد أن لها شخصية إعتبارية قانونية معترف بها تمكنها حق المقاضاة بأي عمل آخر يجيز لها نظامها الأساسي القيام به .
وقد فرض القانون ( قانون الجمعيات والهيئات الاجتماعية) وبالمادة (23) منه عقوبات على كل شخص منفرداً أو بالاشتراك مع غيره يخالفوا أحكام القانون . حيث جاء بتلك المادة :” كل من يخالف بمفرده أو مع أي شخص آخر أو أشخاص آخرين أي حكم من أحكام المواد السابقة بعد إدانته بغرامة لا تزيد على خمسين ديناراً أو بالحبس لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر أو بكلتا هاتين العقوبتين .”

وسائل تضييق التدخل في عمل الجمعيات الأهلية :

كما أشرنا سابقاً فإن طلب تأسيس الجمعية الأهلية لابد وأن يرفق مع نظامها الأساسي الذي أشترط القانون المواضيع الرئيسية التي يجب أن يشتمل عليها ، تاركاً أمر تفصيل ذلك للجمعية الأهلية نفسها .
ويلاحظ أن هنالك نظام أساسي موحد للجمعيات الخيرية لا بد وأن تلتزم به، أما الهيئات الاجتماعية والاتحادات فلا يوجد نظام أساسي موحد بالنسبة لها.
إلا أن الجمعيات الخيرية يمكن لها أن تضع بالتفصيل الغايات التي أنشأت من أجلها ووسائل تنفيذ تلك الغايات . ونحن نجد أن باقي بنود النظام الأساسي الموحد نموذجيه لعمل الجمعيات الخيرية . أما الغايات والوسائل فإنه وبالرغم من حرية الجمعية في إدراجها وصياغتها إلا أنها تخضع للتدقيق والمراجعة والتعديل والتغيير والإلغاء من قبل وزارة التنمية الاجتماعية ، إذا ما شعرت الوزارة أن تلك الغايات أو الوسائل تتعارض مع الهدف الذي أنشأت من أجله الجمعية ، وقد حدد النظام الموحد للجمعيات الخيرية إمكانية الهيئة العامة تعديل الغايات والأغراض فقط .

والتطبيق العملي للكثير من الجمعيات الأهلية يشير إلى وجود مخالفات عديدة من قبل الهيئات الإدارية للجمعيات . فهي غير ملتزمة بأنظمتها الداخلية إلى حد ما . ومما يساعد في ذلك ضعف الأفراد المنتسبين لتلك الجمعيات وعدم قدرتهم في كثير من الأحوال لأسباب متعددة من اللجوء للقضاء لوقف تلك المخالفات . إلا أن القضاء الأردني شاهد على الكثير من القضايا المتعلقة بمخالفة تلك الجمعيات لشروط انتخاب أعضاء هيئاتها الإدارية ، وتحديداً في هذا المجال فقط .

ونحن نشعر بأن يقع علينا واجب وضع نموذج لأنظمة أساسية لكل من الجمعيات الخيرية والهيئات الاجتماعية والاتحادات لضمان توفير العمل الديمقراطي ولمساعدة القائمين على تلك الجمعيات الأهلية . فالخبرة العملية تشير إلى أن الكثير من الأفراد الذين يؤسسون جمعيات أهلية يلجئون إلى المحامين لوضع تلك الأنظمة ، وكثيراً ما تكون الأنظمة الأساسية.
الطريق السهل لوقوع تلك الجمعيات بالمشاكل القانونية والإدارية التي تجعل من وجودها وثباتها وتقدمها وتحقيق غاياتها بالأمر الصعب .
ويمكن القول أيضاً أن التعاون ما بين الجمعيات الأهلية أمر ضروري وحيوي بنفس الوقت . في حين نجد أن ذلك منعدم تماماً لدرجة أن كل جمعية أهلية تعمل لوحدها ولا ترغب بمشاركة غيرها من الجمعيات المشابهة العمل معها. وبالتالي فإن عملية التشابك وأقصد بها تشابك الخبرات تفسح المجال أمام الاستفادة المثلى .من التجارب المتشابهة والعمل على تحسين أوضاع الفئات التي تخدمها .

إدارة الجمعيات الأهلية للإجتماعات الداخلية:

تتكون إجتماعات الجمعيات الأهلية من فئتين الهيئات الإدارية المنتخبة والتي تقوم على إدارة الجمعية وتعقد إجتماعاتها لتسيير الأمور الإدارية للجمعية . والهيئات العمومية والتي تمثل كافة الأفراد المنتسبين للجمعية وتكون إجتماعاتها للبحث في أمور محددة توضح في نظامها الأساسي .
ويلاحظ أن الجمعيات الأهلية لا تقل أهمية عن الشركات التجارية التي يقوم القانون بتفصيل كافة الأمور المتعلقة بإجتماع الهيئات العامة فيها . وعليه فإن إدراج الأسس الصحيحة والسليمة والقواعد الخاصة بإجتماعات الهيئات الإدارية والعمومية للجمعيات الأهلية ضمن قانون الجمعيات والهيئات الإجتماعية ما هو إلاخطوة في الإتجاه الصحيح.

قكثيراً ما يصل إلى الهيئة الإدارية أعضاء لا علاقة لهم بالعمل الإداري ومهاراته وسيكون من الصعب على فرد من هذا النوع إدارة الإجتماع بالشكل الذي يخدم فيه الجمعية الأهلية التي ينتمي إليها . ونحن نرى أنه وخدمة لكافة العاملين في مجال الجمعيات الأهلية أن نضع صياغة نموذجية لكيفية إدارة تلك الإجتماعات . حتى بالتالي يمكن تفادي الإشكالات التي قد تثار من عدم مقدرة القائمين على إدارة الجمعية من تحقيق أهدافها .
ويلاحظ أيضاً ضعف العلاقة ما بين الجمعية الأهلية وأعضاء هيئتها العمومية وإن هناك أحجام من قبل أعضاء الهيئة العمومية على حضور إجتماعاتها ودفع رسوم الإنتساب فيها . ولعل أسباب ذلك ترجع في بعضها إلى عدم وجود جسر لتفعيل وسائل الإتصال والمشاركة ما بين الجمعية الأهلية وأعضاء هيئتها العامة .
وإذا كان تشابك الخبرات على المستوى المحلي في هذا الخصوص ضعيفة إن لم تكن معدومة ، فلا جدوى من هذا التشابك على المستوى العربي أو الدولي . إلا إن ضلك لا يمنع من البدء محلياً مع الإفادة من الخبرات العربية والدولية .