معا لوقف العمل بقانون الطوارئ
الاعتقال السياسى سياسة الباب المغلق
والاعتقال الجنائى سياسة الباب الدوار

تقرير المنظمة المصرية لحقوق الانسان عن ظاهرة الاحتجاز التعسفى فى ظل قانون الطوارئ

مقدمة

تصدر المنظمة المصرية لحقوق الإنسان اليوم ؟ هذا التقرير حول الاحتجاز التعسفى بعنوان: “الاعتقال السياسى: سياسة الباب المغلق والاعتقال الحنائى: سياسة الباب الدوار”. والذى يأتى ضمن حملة المنظمة المصرية لإنهاء العمل بقانون الطوارئ السارى فى البلاد منذ عام 1981.

ويعتبر الاحتجاز التعسفى بصوره المختلفة وخاصة “الاعتقال الإدارى” أحد الظواهر الخطيرة التى تشكل التهديد الرئيسى للحق فى الحرية والأمان الشخصى. كما تعد ظلهرة الاحتجاز التعسفى أحد الانتهاكات الأكثر شيوعا ليس فقط بسبب وجود حالة الطوارئ ولكن يضاف إلى ذلك تعسف السلطة التنفيذية فى استخدام قانون الطوارئ. وهو الأمر الذى يشكل خرقا لنصوص قانون الطوارئ ذاته، أى استثناءٌ للإستثناء.

ويتناول هذا التقرير فى اربعة أقسام ظاهرة الاحتجاز التعسفى.
ففى القسم الأول يجرى استعراض الاحتجاز التعسفى وحالة الطوارئ من منظور المعايير الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، أى تلك الحالات التى يعد فيها الاحتجاز تعسفيا، والضوابط التى على الدول اتباعها حين تضطر لفرض حالة الطوارئ كإجراء استثنائى.

وفى القسم الثانى يجرى استعراض الاحتجاز التعسفى وقانون الطوارئ فى الواقع المصرى. ويكشف هذا القسم أن هناك آلاف المعتقلين السياسيين ممن ينطبق عليهم وصف محتجزين بصورة تعسفية بموجب قانون الطوارئ الذى أصبح يشكل آلية للحكم أكثر وليس إجراء استثنائى. وتصف المنظمة المصرية هذه النمط من الاحتجاز التعسفى بسياسة الباب المغلق، حيث بات من الأمور الثابتة أن سلطة الطوارئ لا تعتد بأية أحكام قضائية بالإفراج عن المعتقلين سياسيا. ويتضمن هذا القسم أيضا الاعتقال الجنائى الذى يوصف بسياسة الباب الدوار حيث يدور المعتقل فى دائرة مفرغة من قرارات الاعتقال ثم الإفراج ثم الاعتقال وهكذا.

وفى القسم الثالث، يجرى استعراض الانتهاكات الأخرى المرتبطة بالاحتجاز التعسفى، والتى يتعرض المعتقلون لها بصورة نمطية منتظمة داخل السجون وأماكن الاحتجاز، أو آثار الاعتقال على أسر المعتقلين وخاصة النساء والأطفال، ومن بين تلك الآثار تدهور الأوضاع المعيشية لأسر المعتقلين وبروز ظاهرة الأسر الأسر الفقيرة التى تعولها إمرأة من خلال اضطرار النساء للعمل المرأة فى القطاع غير الرسمى، وتسرب الأطفال من التعليم، وظاهرة عمالة الأطفال.

وفى القسم الرابع تتقدم المنظمة المصرية بمجموعة من التوصيات، التى يأتى فى مقدمتها المطالبة بوقف العمل بقانون الطوارئ، وتنفيذ أحكام القضاء لصالح المعتقلين وتعويضهم عما أصابهم من أضرار. ويضمن التقرير كمرفقات جدول بأسماء عدد من المعتقلين سياسيا الذين صدرت لصالحهم أحكام قضائية بالبراءة، وجدول بأسماء عدد من المعتقلين جنائيا.

والمنظمة المصرية إذ تصدر هذا التقرير، فإنها تواصل الكشف عن الآثار الخطيرة لاستمرار العمل بقانون الطوارئ والتى تمس الآلاف من الضحايا المباشرين أو ذويهم. كما تكشف عن أن الاحتجاز التعسفى ليس انتهاكا منفصلا عن انتهاكات أخرى لما يرتبط به ويترتب عليه من انتهاكات تتجاوز حدود الحقوق المدنية والسياسية وتطال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك حقوق المرأة والطفل من أسر المعتقلين. وبذلك فإن المنظمة المصرية تأمل أن يسهم هذا التقرير فى حفز الجهود الرامية إلى وقف العمل بقانون الطوارئ، وإعادة الاعتبار لدولة القانون.

القسم الأول

الاحتجاز التعسفى وقانون الطوارئ فى ضوء المعايير الدولية لحقوق الإنسان

أولا: الاحتجاز التعسفى
يعتبر الاحتجاز التعسفى بأشكاله المختلفة أحد الانتهاكات الخطيرة وواسعة الانتشار. ومن المعروف ان الاحتجاز كعقوبة ليس انتهاكا فى حد ذاته طالما ظل ضمن حدود معينة وفق معايير العدالة الجنائية، ولكنه يتحول إلى انتهاك إذا ما تجاوز هذه الحدود، سواء كان هذا الاحتجاز إداريا أم قضائيا. وثمة اسباب لاحتجاز الأفراد تعسفيا وهى:

1- إما لأنهم مارسوا فقط واحدا من حقوقهم الأساسية المضمونة بموجب المعاهدات الدولية والمنصوص عليها فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان مثل الحق فى حرية الرأى والتعبير والحق فى تكوين الجمعيات وحق الفرد فى مغادرة بلده والدخول إليه؛

2- أو لأنهم لم يتمكنوا من الاستفادة من الضمانات الأساسية للحق فى محاكمة عادلة فسجنوا من غير أن تصدر هيئة قضائية مستقلة أمرا بالقبض عليهم أو توجه لهم تهمة أو تحاكمهم، أو من غير أن توفر لهم إمكانية الاستعانة بمحام؛ علما بأن المحتجزين يخضعون أحيانا للحبس الانفرادى لعدة أشهر أو عدة سنوات إن لم يكن لأجل غير مسمى؛

3- أو لأنهم يظلون قيد الاحتجاز حتى بعد تنفيذ الإجراء المتخذ ضدهم أو العقوبة المفروضة عليهم؛

4- أو، أخيرا، بسبب ازدياد ممارسة الاحتجاز الإدارى المثيرة للجدل، خاصة احتجاز ملتمسى اللجوء.

تتعارض هذه الأسباب الأربعة مع الضمانات التى كفلتها الشرعة الدولية للحق فى الحرية والأمان الشخصى. لأن الاحتجاز التعسفى فى تعريفه يعنى “الحرمان من الحرية” بدون سند قانونى. وينص الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى مادته التاسعة على: “لايجوز اعتقال أى أحد أوحجزه أو نفيه تعسفا”. كما ينص فى مادته العاشرة على: “لكل إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق فى أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، نظرا منصفا وعلنيا، للفصل فى حقوقه والتزاماته وفى أية تهمة جزائية توجه إليه”.

ويقدم العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، فى مادته التاسعة، تفصيلا محكما للحق فى الحرية والأمان الشخصى، حيث ينص على:
1- لكل فرد حق فى الحرية والأمان على شخصه. ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا. ولايجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للاجراء المقرر فيه.
2- يتوجب إبلاغ أى شخص يتم توقيفه بأسباب هذا التوقيف لدى وقوعه كما يتوجب إبلاغه سريعا بأية تهمة توجه إليه.

3- يقدم الموقوف أو المعتقل بتهمة جزائية، سريعا، إلى أحد القضاة أو أحد الموظفين المخولين قانونا مباشرة وظائف قضائية، ويكون من حقه أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه.

ولا يجوز أن يكون احتجاز الأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة هو القاعدة العامة، ولكن من الجائز تعليق الافراج عنهم على ضمانات لكفالة حضورهم المحاكمة فى أية مرحلة من مراحل الاجراءات القضائية، ولكفالة تنفيذ الحكم عند الاقتضاء.

4- لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال حق الرجوع إلى محكمة لكى تفصل هذه المحكمة دون إبطاء فى قانونية إعتقاله، وتأمر بالإفراج عنه إذا كان الاعتقال غير قانونى.

5- لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانونى حق فى الحصول على تعويض.
وغالبا ما يرتبط الاحتجاز التعسفى، بوصفه إجراء غير قانونى، بمجموعة أخرى من الانتهاكات الأشد خطورة مثل انتهاك الحق فى الحياة، والاختفاء القسرى، والتعذيب وغير من ضروب القاسية والحاطة بالكرامة، وانتهاك الحق فى المحاكمة العادلة والمنصفة. هذا إلى جانب كافة الحقوق المكفولة للسجناء والمحتجزين.

ثانيا: الشروط و المعايير الدولية لاعلان حالة الطوارئ.
* الشروط الإجرائية لاعلان حالة الطوارئ
حدد قانون حقوق الإنسان مجموعة من الشروط التى يتعين الالتزام بها عند إعلان حالة الطوارئ. وتتعلق هذه الشروط بضرورة قيام الدولة بإعلان حالة الطوارئ رسميا (م4/1) و إعلام الدول الأطراف الأخرى فورا ( م4/3)0 فقد نصت المادة 4/1 من العهد الدولى الخاص للحقوق المدنية والسياسية على ضرورة أن تقوم الدول الأطراف فى العهد بإعلان عن قيام حالة الطوارئ بشكل رسمى0 ونصت المادة 4/3 من العهد الدولى على ضرورة قيام الدول التى تعلن حالة الطوارئ بشكل رسمى (بإعلام) الدول الأطراف الأخرى فى العهد فورا0 ويجب أن يكون الإعلام شاملا الأحكام التى ترغب الدولة فى عدم التقيد بها والأسباب التى دفعتها إلى ذلك. كما يجب أن تعلم الدول الأطراف الأخرى بالتاريخ الذى أنهت فيه حالة الطوارئ، و يكون إعلام الدول فى الحالتين عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة.

* الشروط الموضوعية للإعلان حالة الطوارئ
نصت المادة 4 من العهد الدولى الخاص للحقوق المدنية والسياسية على نوعين من الحقوق المدنية والسياسية “النوع الأول” يتعلق بطائفة الحقوق الواردة من المواد 6،7،8 (الفقرتين 1،2)، و11،15،16،18 من العهد0 وهى حقوق بطبيعتها لا تقبل التقيد او المساس بها تحت أى ظروف. أما “النوع الثانى” فيشمل طائفة الحقوق الأخرى الواردة فى العهد الدولى والتى يجوز للدول متى أعلنت حالة الطوارئ رسميا، أن تتخذ فى أضيق نطاق تدابير استثنائية من شانها المساس بهذه الحقوق لمواجهة الحالة الخطرة التى تهدد الدولة، على أن يكون ذلك ضمن ضوابط ومعايير محددة.

وفيما يلى بيان لنوعى هذه الحقوق المدنية والسياسية:

النوع الأول: الحقوق التى لا يجوز المساس بها فى حالة الطوارئ نصت المادة 4/2 من العهد الدولى الخاص للحقوق المدنية و السياسية على عدم جواز المساس مطلقا، فى حالة أو ظروف الطوارئ ، بالحقوق الواردة فى المواد 6،7،8 (الفقرتين 1،2) و11،15،16،18 من العهد
– الحق فى الحياة (م6)
– التحرر من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية اوغير الإنسانية اوالمهنية (م7).
– التحرر من العبودية والرق (م8).
– لا يجوز سجن أى إنسان لمجرد عجزة عن الوفاء بالتزام تعاقدى (م11).
– حظر تطبيق القانون الجنائى بأثر رجعى (م15).
– الحق فى الشخصية القانونية (م 16).
– حرية الفكر والوجدان والدين (م18).

وفى حقيقة الأمر، فإن التجربة العملية تؤكد لأن الحكومات، ومن بينها الحكومة المصرية، تتجاوز فى ظل قانون الطوارئ تلك الحدود المنصوص عليها، وذلك من خلال انتهاك الحقوق غير القابلة للمساس حتى فى ظل الأوضاع الاستثنائية، إلا أن ثمة اتجاه دولى متنامى صوب تدعيم وتوسيع الحقوق الأساسية التى لا يجوز تقييدها فى حالات الطوارئ وفى مقدمة هذا الحقوق التى يجرى التأكيد على عدم قابليتها للمساس يأتى الحق فى المحاكمة العادلة والمنصفة. فالملاحظ فى ظل قوانين الطوارئ أن العديد من السلطات تنتهك هذه الحق بصورة سافرة، بحيث يجرى تعطيل مبدأ العدالة من خلال محاكم استثنائية لا تخضع أحكامها للنقض.

النوع الثاني: الحقوق التى يجوز تقييدها في حالة الطوارئ

فيما عدا الحقوق التى لا يجوز تقييدها او المساس بها فى حالة الطوارئ والمنصوص عليها في المادة 4/1 من العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية، او تلك الحقوق الأخرى التى استقرت سوابق هيئات رصد المعاهدات على إسباغ طابع عدم جواز التقييد عليها يجوز للدول متى أعلنت حالة الطوارئ رسميا أن تتخذ (فى أضيق نطاق) تدابير استثنائية تمس طائفة من الحقوق المدنية والسياسية الأخرى، التى قد يكون تقييدها بحكم طبيعة الأشياء ضروريا للتغلب على التهديدات الطارئة او الاستثنائية لحياة الدول0 وتشمل طائفة الحقوق التى يجوز تقييدها فى حالة الطوارئ لعدم النص عليها فى المادة 4/2 من العهد الدولى، الحقوق التالية:
– حرية التنقل والسفر ( م21).
– حرمة الحياة الخاصة وسرية المراسلات (م17).
– حرية الرأى و التعبير (م19).
– الحق فى التجمع السلمى (م21).
– حرية تكوين الجمعيات وإنشاء النقابات (م22).
– الحق فى المشاركة فى الشئون العامة (م25).

وبذلك تكون فرض حالة الطوارئ هى حالة استثنائية مؤقتة بطبيعتها نظرا لما تمثله القيود المفروضة بموجبه على حريات أساسية للإنسان تعد مصادرة لهذه الحقوق. وقد استقرت آلية المعاهدة الأوربية لحقوق الانسان (اللجنة الأوربية والمحكمة الأوربية لحقوق الانسان) على عدة مبادئ قضائية تكرس قاعدة التناسب بين تدابير الطوارئ والخطر الذى يهدد الأمة.

وقد اكتسبت هذه المبادئ قوة العرف الدولى المستقر، وأصبحت تمثل معيارا من ثلاثة عناصر لقياس مدى ضرورة تدابير الطوارئ. وهذه المبادئ هى
أ. يجب أن تهدف التدابير الاستثنائية إلى تخفيض او إلغاء الأوضاع الخطرة التى تهدد حياة الأمة
ب. يجب أن تفشل الإجراءات المتبعة فى الأوقات العادية فى مواجهة الأوضاع الخطرة
ج. أن يكون هناك تدابير طوارئ أخرى ذات اثر اقل على حقوق الانسان و قادرة على حل المشكلة المعنية
وأخيرا لا ينبغى أن تمارس تدابير الطوارئ تمييزا يقوم على الجنس او اللون او الدين او الأصل الاجتماعى

القسم الثانى
الاعتقال التعسفى وقانون الطوارئ فى مصر

أولا: مدى التزام الحكومة المصرية بالشروط الموضوعية لاعلان حالة الطوارئ من المفارقات ذات الدلالة أن العام ذاته الذى انضمت فيه مصر إلى العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، عام 1981، كان هو العام ذاته الذى أعلنت فيه الحكومة المصرية حالة الطوارئ بالبلاد. ودلالة هذه المفارقة أنه كان من المفترض أن يكون انضمام مصر إلى العهد بداية مرحلة جديدة من الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الانسان، ومن توافر الإرادة اللازمة لمراجعة التشريعات الوطنية بحيث تتفق مع المعايير الدولية.

ولكن ما حدث لم يعكس سوى نوع من الانفصام التشريعى. ففى نفس اللحظة التاريخية خطت الحكومة المصرية خطوتين على المستوى التشريعى هما على طرفى النقيض تماما. وهكذا فقد دخلت نصوص العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية فى نفق الطوارئ منذ البداية، وفى هذا النفق توقف العهد الدولى عن أن يكون وثيقة ملزمة ولم يعد يشكل سوى بارقة أمل تكشف ظلمة حالة الطوارئ.
ويتجلى هذا التناقض الخطير فيما يتعلق بهذا الانفصام التشريعى، أن المادة 2/2 منه تنص على: “تتعهد كل دولة طرف فى هذا العهد إذا كانت تدابيرها التشريعية او غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلا إعمال الحقوق المعترف بها فى هذا العهد بأن تتخذ طبقا لإجراءاتها الدستورية ولاحكام هذا العهد، ما يكون ضروريا لهذا الأعمال من تدابير تشريعية او غير تشريعية”.

وليس جديدا القول بأن الحكومة المصرية لم تقدم على اتخاذ اية خطوة تشريعية باتجاه تعديل القوانين المقيدة للحريات فى مصر بحيث تتلاءم مع أحكام العهد الدولى. ولكن الخطير أنها استنت تشريعات جديدة تتعارض تماما مع الدستور المصرى وأحكام العهد الدولى بحجة مواجهة الإرهاب من خلال عقوبات رادعة وإجراءات سريعة حاسمة، وفى مقدمة هذه التشريعات القانون رقم 97 لسنة 1992 المعروف باسم (قانون مكافحة الإرهاب) الذى منح المزيد من الصلاحيات لأجهزة الأمن، وحد بشكل واضح من الضمانات القانونية والقضائية للمواطنين وفرض مزيد من القيود على حريات الرأى والتعبير كما قلص هامش المشروعية الذى تتحرك فى إطاره الفاعليات الحزبية والسياسية فى مصر

وعلى صعيد الممارسة، رصدت المنظمة المصرية لحقوق الانسان أن التدابير الاستثنائية التى تتخذها السلطات القائمة على حالة الطوارئ قد جنحت إلى العصف بالعديد من الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها فى العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لا فرق هناك بين الحقوق غير القابلة للتصرف فيها والمنصوص عليها فى المادة 4/2 من العهد الدولى او الحقوق التى يجوز تقييدها فى حالة الطوارئ وفقا (لمبدأ الضرورة) وما يفرضه من ضرورة وجود (تناسب حقيقى بين التدابير الاستثنائية و الخطر القائم فعلا).

وقد أصبح استمرار العمل بقانون الطوارئ أحد التساؤلات النمطية التى تثير المعنيين بحقوق الإنسان فى مصر محليل ودوليا، وفى مقدمة ذلك اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والمسئولة عن متابعة التزام الدول الأطراف بتنفيذ بنود العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية.

فقد لاحظت اللجنة المعنية بحقوق الانسان أن حالة الطوارئ تعد عائقا رئيسيا فى التنفيذ الكامل لاحكام العهد الدولى كما أبدت اللجنة اسفها لان مصر لم تعلم الدول الأخرى والأطراف فى العهد عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة، بالأحكام التى تتقيد بها وبالأسباب التى دفعتها إلى ذلك. وكذلك أعربت عن قلقها الشديد إزاء السلطات الممنوحة لرئيس الجمهورية بموجب قانون الطوارئ وعلى وجه الخصوص سلطة التصديق على الأحكام التى تصدر من محاكم أمن الدولة العليا (طوارئ) او حقه فى طلب إعادة المحاكمة، والسلطات المخولة له بإحالة الدعاوى القضائية إلى المحاكم العسكرية، وهو ما اعتبرته اللجنة “إخلالا بمبادئ استقلال القضاء والفصل بين السلطات”.

وأعربت اللجنة عن قلقها ايضا إزاء ما يتضمنه ” قانون مكافحة الإرهاب” من نصوص تتعارض مع المادتين 6، 15 من العهد الدولى. فتعريف الإرهاب كما ورد فى القانون المذكور فضفاض للغاية بحيث يشمل طائفة من الإعمال المتفاوتة المحظورة. وطالبت اللجنة الحكومة المصرية بضرورة مراجعة تعريف الإرهاب وإعادة صياغته بمزيد من الدقة، خاصة انه يزيد عدد الجرائم المعاقب عليها بالإعدام بالمخالفة لحكم المادة 6 من العهد الدولى والتى لا تجيز توقيع هذه العقوبة إلا على اشد الجرائم خطورة كما طالبت الحكومة المصرية بتقديم بيان واضح عن حقوق الانسان تأثرت من جراء حالة الطوارئ ومدى تأثرها.

وتعتقد المنظمة أن استمرار العمل بقانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958 على نحو متواصل قد تحول إلى أداة أطلقت سلطات أجهزة الأمن ضد المشتبه فى مشاركتهم بأعمال العنف و الإرهاب المسلح، بما أفضى إلى تجاوزات واسعة من قبل أجهزة الأمن التى مكنتها صلاحيتها الاستثنائية بموجب قانون الطوارئ من التحلل التدريجى من القيود الدستورية والقانونية والالتزامات الدولية المترتبة على مصر بموجب تصديقها على المواثيق الدولية المعنية بحقوق الانسان. وهو ما تمثل فى التوسع فى الاعتقال الإدارى و التحايل على أحكام القضاء النهائية بالإفراج عن أعداد كبيرة من المعتقلين حيث كان يتم الإفراج عنهم دفتريا ثم تستصدر أجهزة الأمن أوامر إدارية جديدة باعتقالهم بتواريخ جديدة لاحقة لتاريخ الإفراج عنهم.

كما استمرت السلطات الأمنية فى احتجاز من قضت المحاكم المدنية والعسكرية ببراءتهم من التهم المنسوبة إليهم او أخلت النيابة سبيلهم لعدم جدية الاتهامات الموجة ضدهم، وهو ما يعد انتهاكا صارما للمادة 72من الدستور التى تنص على: “تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب، ويكون الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها من جانب الموظفين العموميين المختصين جريمة يعاقب عليها القانون، وللمحكوم له فى هذه الحالة حق رفع الدعوى الجنائية مباشرة إلى المحكمة المختصة.” وكذلك بالمخالفة للمادة 465 من قانون الإجراءات التى توجب تنفيذ أحكام القضاء.

كما افضى استخدام القانون بما ينطوى عليه من إهدار الضمانات القانونية والقضائية للمحتجزين إلى تنامى ممارسات التعذيب وإساءة المعاملة بصورة أدت إلى حدوث بعض الوفيات بشبهة التعذيب او انعدام الرعاية الصحية.

ثانيا: الاعتقال السياسى: سياسية الباب المغلق
يعد الاعتقال المتكرر أحد التطبيقات الشاذة لإساءة السلطات الأمنية استعمال صلاحيتها الاستثنائية بموجب المادة الثالثة من قانون الطوارئ و التى تجيز لها اعتقال الأشخاص المشتبه فيهم او الخطرين على الأمن و النظام العام. وتؤكد المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن الاعتقال المتكرر ليس من قبيل الاستثناءات أو التجاوزات الفردية الشاذة التى قد تقع فيها السلطات الأمنية أثناء ممارسة صلاحيتها باعتقال المشتبه فيهم او الخطرين على الأمن والنظام العام ولكنه اخذ طابع الظاهرة العامة المطردة وذلك بالنظر لكثافة أعداد المعتقلين بشكل متكرر من ناحية وتعمل السلطات الأمنية على إعادة اعتقالهم بموجب قرارات إدارية جديدة بمجرد حصولهم على أحكام نهائية بالإفراج عنهم من ناحية أخرى.

ويمكن تصنيف المعتقلين بشكل متكرر من واقع المعلومات والبيانات التى توافرت لدى المنظمة إلى فئتين رئيسيتين:

أ – المعتقلون بموجب قرارات إدارية بمقتضى المادة الثالثة من قانون الطوارئ.

فعلى الرغم حصول معظمهم على العديد من القرارات القضائية بالإفراج عنهم من محكمة أمن الدولة العليا (طوارئ) عند نظر تظلمهم بمقتضى المادة الثالثة مكرر من قانون الطوارئ، إلا انهم ظلوا رهن الاعتقال حيث تقوم وزارة الداخلية بإصدار قرارات اعتقال جديدة لهم بتواريخ لاحقة لتواريخ الإفراج عنهم.
ب- الأشخاص الذين حصلوا على أحكام نهائية فى بعض القضايا العسكرية والمدنية الهامة ببراءتهم من التهم المنسوبة إليهم ومع ذلك قامت وزارة الداخلية باعتقالهم بقرارات إدارية متتالية.

وتشكل ظاهرة “الاعتقال المتكرر” اعتداء صارخا على العديد من الحقوق والحريات الاساسية المنصوص عليها فى الدستور المصري كما تنتهك مبدأ الفصل بين السلطات وسيادة القانون وتشكل خرقا للمبادئ الدستورية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان وذلك للأسباب التالية:

1- فمن ناحية ينتهك الاعتقال المتكرر حق الأشخاص فى الحرية والأمان الشخصى المنصوص عليه فى المادة 41 من الدستور والتى تقضى بأن “الحرية الشخصية حق طبيعى وهى مصونة لا تمس وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق أو صيانة أمن المجتمع.

ويصدر هذا الأمر من القاضى المختص أو النيابة العامة وفقا لأحكام القانون”. فبمقتضى هذا النص لا يجوز تقييد حرية أى شخص إلا بمقتضى أمر صادر من القاضى المختص أو النيابة العامة ولا يخرج الاعتقال عن هذه القاعدة العامة حيث نصت المادة 71 من الدستور على أن “يبلغ كل من يقبض عليه أو يعتقل بأسباب القبض عليه أو اعتقاله فورا ويكون له حق الاتصال بمن يري إبلاغه بما وقع أو الاستعانة به على الوجه الذى ينظمه القانون ويجب إعلانه على وجه السرعة بالتهم الموجهة اليه وله ولغيره التظلم أمام القضاء من الإجراء الذى قيد حريته الشخصية. وينظم القانون حق التظلم بما يكفل الفصل فيه خلال مدة محددة وإلا وجب الافراج عنه حتما”.

وقد ساوى هذا النص بين الاعتقال والقبض فى ضرورة الحصول على إذن من القضاء باعتبارهما من الإجراءات المقيدة للحريات وفقا لنص المادة 41 من الدستور.

وتخرج المادة 3 من قانون الطوارئ عن هذه القاعدة العامة إذ تعطى للسلطات القائمة على حالة الطوارئ اعتقال الاشخاص الخطرين على الأمن والنظام العام والمشتبه فيهم “بقرار إدارى” وهو ما يعد مخالفة صريحة لنص المادة 41 من الدستور.

ومما يضاعف من خطورة المادة 3 من قانون الطوارئ على الحريات الشخصية أن السلطات القائمة على حالة الطوارئ فى مصر قد دأبت على مخالفة نص المادتين الثالثة والثالثة مكرر من قانون الطوارئ بتعمدها حرمان المعتقلين الذين حصلوا على أحكام نهائية بالافراج عنهم من محكمة أمن الدولة العليا (طوارئ) عند نظر تظلمهم. وهو ما يعد انتهاكا جسيما لقدسية الاحكام القضائية وعدوانا غير مقبول على السلطة القضائية.

2- تعمد السلطات الامنية إهدار الأحكام النهائية الصادرة عن المحاكم المدنية والعسكرية ببراءة العديد من الاشخاص حيث يجرى اعتقالهم بشكل متكرر بموجب قرارات إدارية متتالية الأمر الذى يشكل إعتداء جسيما على مبدأ سيادة القانون المنصوص عليه فى المادة 64 من الدستور كما يهدر مبدأ استقلال القضاء “المادة 65” من الدستور.

وطبقا للمعلومات المتوفرة للمنظمة ثمة حالات اعتقال كثيرة قد امتدت فترة الاعتقال فيها إلى عشر سنوات. وبالرغم من القيام بتقديم العديد من التظلمات والحصول فيها على قرارات بالإفراج إلا أن تلك القرارات لم تنفذ وقد أدى ذلك إلى حرمان آلاف الاشخاص من حقهم الطبيعى فى الحرية والأمان الشخصى لفترات طويلة بموجب قرارات إدارية متتالية وباطلة صدرت بالمخالفة لأحكام الدستور والقانون أو بالتحايل على أحكام القضاء.

ثالثا: الاعتقال الجنائى: سياسة الباب الدوار

الاعتقال الجنائى هو صدور قرار اعتقال لشخص اشتهر عنه ارتكاب جرائم أو أفعال واردة فى قانون الاشتباه أو صدر ضده أكثر من حكم نهائى لارتكابه جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى قانون الاشتباه”.

– حقوق المعتقلين الجنائيين فى ظل حالة الطوارئ
تكلفت المادتين الثالثة والثالثة مكرر من قانون الطوارئ ببيان النظام القانونى للاعتقال وطرق التظلم منه فقد نصت المادة الثالثة مكرر على “لرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ .. القبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام واعتقالهم”. كما نصت المادة الثالثة مكرر على أن ” يبلغ فورا كل من يقبض عليه أو يعتقل وفقا للمادة السابقه بأسباب القبض عليه أو اعتقاله ويكون له حق الاتصال بمن يري إبلاغه بما وقع والاستعانه بمحام ويعامل معاملة المحبوس احتياطيا”. وللمعتقل ولكل ذى شأن أن يتظلم من قرار الاعتقال إذا انقضى ثلاثون يوما من تاريخ صدوره دون أن يفرج عنه ويكون التظلم بطلب مقدم بدون رسوم إلى محكمة أمن الدولة عليا تشكل وفقا لأحكام القانون.

أولا: صدور أمر الاعتقال الجنائى

لقد أدى تمديد العمل بقانون الطوارئ إلى وجود بعض حالات الاعتقال دون توجيه تهم معينه اليهم أو وجود ما يعرف بالسوابق القضائية. ويكون ذلك بناء على الأتى:
حينما يرى رئيس المباحث أن أحد الاشخاص يمثل خطرا على الأمن العام فى دائرة القسم التابع له يتم تحرير مذكرة بذلك وتقديمها إلى مديرية الأمن التابع لها ثم وزارة الداخلية لاصدار قرار بإعتقاله. ووفقا لمتابعة المنظمة المصرية تبين أنه عندما يطلب رئيس المباحث من أحد الاشخاص أن يكون مصدر للمعلومات (مرشد) له عما يحدث فى المنطقه القاطن بها لهذا القسم فإذا رفض هذا العرض قد يكون مصيره صدور قرار اعتقال له جزاء على هذا الرفض وذلك بعد القيام بتحرير مذكرة تدل على خطورة هذا الشخص على الأمن العام وارسالها إلى مديرية الأمن التابع لها القسم إلتى تقوم برفع تلك المذكورة إلى وزارة الداخلية وبمجرد صدور قرار اعتقال باسم ذلك الشخص فيعطى رقم معين وتاريخ اصدار الأمر ثم ارساله إلى القسم التابع له.

وبعد ذلك يبدأ ترحيل الشخص إلى السجن المقرر قضاء فترة الاعتقال فيه. وخلال العام 2002 ازدادت أعداد المعتقلين جنائيا زيادة ملحوظه حيث أنه بلغ اجمالى ارقام التظلمات من قرارات الاعتقال خلال الفترة من شهر يناير حتى ديسمبر من نفس العام حوالى 20017 تظلم تقريبا. وتجدر الإشارة إلى أنه قد يكون للشخص الواحد أكثر من تظلم وذلك بأن يكون تقدم بتظلم ولم يحصل على قرار بالافراج من المحكمة أو يكون قد حصل على إفراج ولكن صدر له قرار اعتقال أخر وبالرغم من ذلك فإن هذا العدد من التظلمات خلال عام واحد يكون كبير نسبيا.

ثانيا: التظلم من قرار الاعتقال الجنائى

بعد مرور ثلاثين يوما على صدور قرار الاعتقال الجنائى يبدأ التحرك فى إجراءات التظلم من جانب أسرة الشخص المعتقل أو محامى الموكل بالدفاع عنه. وذلك بالتقدم بطلب تظلم من أمر الاعتقال به بيانات الشخص المعتقل والسجن المودع ويتم تقديمه بمبنى وزارة الداخلية فى مكتب مخصص لتلقى التظلمات، حيث يتسلم الموظف المختص طلب التظلم مرفقا به اثبات صفة مقدم التظلم فإذا كان قريبا له (أخ،أب،أم،أخت،ابن) يقدم صورة البطاقة الشخصية أما إذا كانت زوجة فيجب إرفاق صورة قسيمة الزواج وصورة البطاقة الشخصية.

أما إذا كان محام موكلا عنه فيجب تقديم صورة التوكيل ويكون الطلب المقدم بدون رسوم ثم يسجل ذلك فى دفتر. وبذلك يكون اصدار قرار الاعتقال الجنائى من قبل وزارة الداخلية وفى نفس الوقت يتم التظلم منه إلى جهة واحدة. بعد ذلك يتم الانتظار لفترة ثمانية أيام بعدها يتوجه الشخص مقدم التظلم إلى مبنى مجمع المحاكم بالجلاء إدارة شئون المعتقلين للموظف المختص للاستعلام عن التظلم المقدم. ويجب أن يحضر المعتقل جلسة نظر قرار الاعتقال إلا أن ذلك لا يتم ولكن تحضر الأوراق الخاصة بالمعتقل لنظرها وحين صدور قرار بالافراج عن المعتقل يتم الانتظار لفترة قد تتجاوز خمسة عشر يوما لانتظار اعتراض وزير الداخلية فى جلسة لنظر الاعتراض أمام دائرة غير التى أصدرت قرار الافراج فإذا لم يعترض الوزير على قرار الافراج يتم تأييده ويرسل إلى السجن المودع فيه المعتقل حيث يتم ترحيله إلى القسم الذى اصدر قرار الاعتقال ومن هنا إما يفرج عنه أو يعاد الكرة مرة أخرى. أما فى حالة عدم حصول التظلم على قرار افراج فى الجلسة الأولى ويرفض التظلم ينتظر فترة ثلاثين يوما أخرى لتقديم تظلم آخر.

ثالثا: الحصول على الافراج وتنفيذه

بعد تحديد ميعاد الجلسة وبعد الحصول على الافراج الأول يناد على المعتقل الجنائى داخل السجن المودع به وإخباره بالحصول على الافراج ثم الانتظار لتأييده قرار الافراج من خلال جلسة الاعتراض. وبعد تأييد قرار الافراج بيومين على الاكثر يبدأ ترحيل المعتقل الجنائى من السجن الذى يقضى فيه فترة الاعتقال إلى قسم ترحيلات الخليفة بالقاهرة ويقضى فيه الشخص فترة حوالى 24 ساعة قد تقل أو تزيد وبعد ذلك يتم ترحيل الشخص إلى مديرية الأمن التابع لها ثم يرحل إلى قسم الشرطة التابع له. وبقسم الشرطة قد تطول عملية اطلاق سراح المعتقل الجنائى بعد الحصول على الافراجات وذلك حسب ما يتبع من إجراءات حيال ذلك الشخص من حتى يتم اطلاق سراحه. وبهذا يكون قد انهى فترة الاعتقال التى مر بها.

أو يتم تجديد قرار الاعتقال ومن هنا تبدأ رحلة عذاب أخرى من البداية ومرورا بكل ما تم بفترة الاعتقال الأولى. وهذا ما يحدث عادة مع أغلب حالات الاعتقال الجنائى مما يؤدى إلى عواقب سيئة بالنسبة للمعتقل واسرته التى تتحمل متاعب ومشاق وخيمة من جراء ذلك الامر. وذلك بالمخالفة للمادة 3 مكرر من قانون الطوارئ “للمعتقل أن يتظلم من أمر الاعتقال بعد انقضاء ثلاثون يوما من تاريخ اعتقال وتفصل المحكمة فى التظلم خلال 15 يوما فإذا افرج عنه القضاء يحق لوزير الداخلية أن يعترض على قرار الافراج وفى هذه الحالى تحدد جلسة أخرى لنظر الاعتراض خلال 15 يوما فإذا أبدت المحكمة قرار الافراج يكون واجب النفاذ فورا لا يحق لوزير الداخلية فى هذه الحالة أن يعيد اعتقال المفرج عنه”.

رابعا: إجراءات الزيارة

تتمكن اسرة المعتقل من زيارته كل أسبوع ولكنها تكون زيارة عبر الاسلاك. وحتى تتمكن الأسرة من زيارة المعتقل الجنائى ينبغى عليها استخراج تصريح زيارة من مكتب النائب العام المساعد وهو الأمر لذى يستوجب أولا تقديم تظلم للحصول على رقم التظلم لكتابته على طلب تصريح الزيارة. ويقدم الطلب باسم السيد المستشار رئيس محكمة الاستئناف ويتضمن الطلب الاسماء الراغبة فى الزيارة مع تقديم ما يثبت درجة قرابة الزائرين للشخص المعتقل بعد ذلك يتم الصعود للدور التاسع بمجمع الجلاء لتقديم طلب الزيارة والانتظار حتى يتم انهاء إجراءات تصريح الزيارة وغالبا ما يكون تقديم طلب التظلم حتى الساعه 12 ظهرا ويتم تسليم تصريح الزيارة فى اليوم التالى الساعه 2 ظهرا. ويكون تصريح الزيارة لمدة 6 أيام إذا لم يتم الزيارة خلال تلك المدة يتم تجديد التصريح بنفس الإجراءات السابقه.

القسم الثالث

ما بعد الحرمان من الحرية سجناء بلاحقوق

نصت المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان بشكل واضح ومحدد على الحقوق الواجب كفالتها للسجناء والمحتجزين، وهى حقوق غير قابلة للمساس حيث لا يمكن الاحتجاج بأى ظرف من لانتهاك هذه الحقوق أو الانتقاص منها. ومع ذلك، ومن خلال الرصد، فإن الانتهاكات المرتبطة بالاحتجاز التعسفى لا تقف عند حدود الحرمان من الحرية، فداخل السجون يعيش السجناء حرمانا آخر من الحقوق المكفولة للسجناء والمحتجزين. وفى هذا القسم من التقرير يجرى توضيح الأشكال النمطية للانتهاكات، والتى تؤكد أن الاحتجاز التعسفى بوصفها عملا غير قانونى يفتح الباب أمام سلسلة أخرى من الانتهاكات.

أ – سوء الرعاية الصحية
تقضى المادة (16) من القانون 396 لسنة 1956 بشأن تنظيم السجون بحق المعتقلين والمحبوسين احتياطيا بتلقى اطعمة وأدوية من خارج السجن وكذلك نص قرار وزير الداخلية رقم 9 لسنة 1961 على وجوب تقديم الرعاية الصحية للمسجونين كما قنن الإجراءات التى يجب اتباعها بشكل مفصل ولكن على خلاف ذلك لاحظت المنظمة أن المعتقلين لا يحصلون على الرعاية الصحية الكافية لا وفقا لنصوص هذا القرار ولا وفقا لنصوص قانون الطوارئ وقانون الإجراءات الجنائية التى تنص على ضرورة معاملة المعتقل معاملة المحبوس احتياطيا ولا وفقا لاتفاقية الحدود الدنيا لمعاملة السجناء.

وقد رصدت المنظمة أن ظروف الحياة داخل السجون من أهم العوامل التى تساعد بشكل فعال فى انتشار الأوبئة داخل السجون حيث لا تتوافر بالزنازين منافذ للتهوية الجيدة وعدم توافر الرعاية الصحية للسجناء المحتجزين كانت ولا زالت مصدر لانتهاك العديد من الحقوق والحريات الاساسية لذلك حرصت المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ونصوص التشريع الوطنى على ضرورة كفالة حد أدنى لأوضاع المعيشة للسجناء وغيرهم من المحتجزين وضمان مستوى الرعاية الصحية لا يقل عن المستوى المقرر خارج السجون. ورغم أن أحكام التشريع الوطنى تشتمل على العديد من القواعد التى تتعلق بتوفير الاحتياطات الأساسية لحياة السجناء والمعتقلين مثل المسكن الملائم والرعاية الصحية الكافية والعلاج والتريض … الخ.

وبالرغم من تصريحات المسئولين بمصلحة السجون بأنه تم بناء مستشفيات على أحدث المستويات المختلفة مزوده بأحدث الاجهزة الطبية لتقديم الرعاية الصحية داخل السجون. إلا أن المنظمة تؤكد من جانبها أن افتقار الرعاية الصحية للسجناء والمحتجزين كان ومازالت مصدر لانتهاك العديد من الحقوق والحريات الاساسية للمحتجزين فضلا عن الصعوبات التى يواجهها السجناء فى الحصول على أدوية من الخارج بسبب تعنت إدارة السجون وهو ما يثير علامات استفهام عديدة أمام قيام وزارة الداخلية بالتوسع فى انشاء وبناء سجون جديدة فى الوقت الذى تعانى فيه السجون القديمة من الاهمال الطبى وتدنى مستويات المعيشه بداخلها إذ كان يجب توجيه جزء من هذه النفقات لتحديث بنية السجون القديمة والارتقاء بالمستوى الصحى والمعيشة بداخلها.

ب- الحرمان من التعليم:

يعد الحرمان من التعليم أحد الانتهاكات الخطيرة التى تتعرض لها اعداد ليست بقليلة من السجناء والمعتقلين داخل السجون المصرية ويمثل مخالفة صريحة للمادتين 38،42 من المرسوم بقانون رقم 18 بلائحة السجون الصادرة فى 29 ديسمبر 1949 وكذلك القاعدة رقم 77 من قواعد الحد الادنى لمعاملة السجناء التى تلزم التدابير اللازمة لكفالة حق السجناء فى التعليم. ومن ناحية أخرى يحرم من يدرس بأحدى الكليات العملية من أداء الامتحان العملى مما يكون سببا لرسوبة لعدم استيفاء نسبة الحضور بمحاضرات العملى.

كما تلقت المنظمة المصرية العديد من الشكاوى التى تفيد رفض إدارات السجون من دخول الكتب الدراسية أو الموافقة على تمكين المعتقل من ارجاء الامتحان الا بعد الحصول على حكم من محكمة القضاء الادارى وهو ما ييساهم فى اعباء مادية اضافية على كاهل اسر المعتقلين. وفى السنوات الاخيرة بالرغم من حصول المعتقل على حكم قضائى بتمكينه من أداء الامتحان إلا أن مصلحة السجون لم تمكنه من أداء الامتحان، وفى هذا الصدد فقد أكدت محكمة القضاء الإدارى فى الدعوى رقم 6203 /48 ق المرفوعة من المعتقل ايمن محمد عبد المجيد عمر ضد وزير الداخلية ورئيس جامعة حلوان حيث أن المدعى يستهدف بدعواه وقف تنفيذ والغاء قرار حرمانه من أداء امتحان الفرقة الرابعة بكلية العلوم ومادتى التخلف عن الفرقة الثالثة وهما مادتى طبيعى الجوامد والإلكترونيات. وبالرغم من حصول المذكور على الحكم بتأدية الامتحان إلا أن مصلحة السجون رفضت ذلك.

ج- الحرمان من الزيارة:

منذ منتصف العام 2001 وبعد قيام الجماعة الاسلامية بما سمى بمبادرة وقف العنف بدأ تحسن تدريجى فى نظام الزيارة بالنسبة للمعتقلين المنتمين للجماعة الاسلامية حيث أصبحت الزيارة بما يعرف بنظام (البطانية) وفيها يجلس المعتقل مع الحاضرين لزيارته على بطانية لفترة قد تصل إلى ساعه تقريبا أما بالنسبة لجماعتي الجهاد والتكفير والهجرة فما زالت الزيارة تجرى لهم من خلف الاسلاك حيث يقف المعتقل خلف حاجزان من السلك بين كل منهم مسافة تصل إلى واحد متر ويكون عدد الزوار كبيرا. ونتيجة لهذا العدد تحدث ضوضاء بحيث يتعذر السماع أحيانا.

وبتاريخ 26/10/2002 أصدرت مصلحة السجون قرارا اداريا رقم 907 لسنة 2002 بمنع الزيارة لمدة ثلاث شهور عن سجون استقبال طره ، وشديد الحراسة طره ، وشديد الحراسة ابو زعبل – القسم الثالث ليمان ابو زعبل. وهذا بالمخالفة لنص المادة 3 مكرر من قانون الطوارئ ذاته التى تنص على أن “يكون لمن اعتقل حق الاتصال بمن يري ابلاغه بما وقع عليه والاستفادة بمحام”.

وبالمخالفة ايضا لنص المادة 38 من قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956 التى تعطى للمحكوم عليه والمحبوس احتياطيا حق التراسل والزيارة هذا وقد نظمت المادة 60 من اللائحة الداخلية للسجون فقضت بأن “للمحكوم عليه بالحبس البسيط وللمحبوسين احتياطيا الحق فى التراسل فى أى وقت ولذويهم أن يزورهم مرة واحدة كل اسبوع”. كذلك تأتى إجراءات المنع من الزيارة عن المعتقلين بالمخالفة لنص المادتين 141 من قانون الإجراءات الجنائية و 53 من قانون المحاماه التى تعطى للمحامى المرخص له من النيابة بزيارة احد المحبوسين فى السجون العمومية حق زيارته فى اى وقت والاجتماع به على انفراد وفى مكان لائق داخل السجن وبالمخالفة ايضا لنص المادتين 37و93 من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء اللتين قررا ذات الحق للمعتقلين وغيرهم من السجناء.

د. أثر الاعتقال المتكرر على اسر المعتقلين
تتجسد اخطر اثار الاعتقال المتكرر فيما تلحقه من اضرار اجتماعية واقتصادية مدمرة على صعيد اسر المعتقلين وذويهم، وخاصة وآن هناك الآلاف من المعتقلين سياسيا، الأمر الذى يعنى تعرض آلاف الأسر لهذه المحنة الاقتصادية الاجتماعية.

فأغلب الشكاوى التى تلقتها المنظمة المصرية هى لفئات فقيرة، ومع اعتقال عائلها، الذى يكون فى الغالب مصدر الدخل الوحيد للأسرة تسقط الأسرة بكاملها فى هوة الفقر الشديد. علاوة على ذلك أن أن المعتقل يتحول من مصدر للدخل إلى عبء على كاهل الأسرة الفقيرة (وغالبا الزوجة أو الأم) التى عليها أن تقطع من الفتات نفقات زيارة المعتقل وربما توفير أدوية وغذاء له. يزداد الأمر سوء إذا كان هناك أكثر من معتقل لأسرة واحدة وفى سجون متباعدة.

 

وقد قامت كثير من الاسر التى لها أكثر من معتقل بتقديم شكاوى لوزارة الداخلية من أجل وضع أبنائهم داخل سجن واحد مما يساعدهم على تقليل التكاليف التى يقوموا بها لزيارة أبنائهم وقد يكون المعتقل هو العائل الوحيد لتلك الاسر وتكون الاسرة ليس لها دخل ثابت مما يجعلها غير قادرة على القيام بالزيارة ولن يكون أمام تلك الاسرة سوى بيع أثاث المنزل لعلمها بمدى احتياج المعتقل لهذه الزيارة.
وقد يكون والدة والد المعتقل من المسنين وليس لديه أولاد سوى ابنه المعتقل مما يجعله غير قادر على الكسب وفى احتياج شديد إلى من يرعاه.
أما بالنسبة للزوجه التى اعتقل زوجها وليس لها اى مصدر للدخل مما يجعلها تتجه لسوق العمل غير الرسمى حتى تستطيع أن توفر ما يسد الرمق.
ومع ذلك يظل كون المرأة زوجة معتقل سياسى أحد العقبات الكبرى أمام الكثيرات لقبولهن فى أماكن العمل.

فغالبا ما لايقبل أصحاب العمل تشغيل زوجة معتقل بسبب الخوف من الجهات الأمنية، أو أن يكون تحت المراقبة الخ. ومن ناحية أخرى، ونتيجة هذا الوضع المعيشى المتردى، فإن كثير ابناء المعتقلين لا يستطيعون استكمال التعليم وذلك لعدم قدرة الاسرة على نفقات الدراسة، والحاجة إلى مصدر دخل.

وهكذا يدخل الأطفال سوق العمل غير الرسمى للمساعدة فى نفقات المعيشة.
وقد لاحظت المنظمة ان نسبة كبيرة من ابناء المعتقلين يتجهون إلى تعليم الحرف والصناعات حتى يستطيعون ان يواجهوا متطلبات الحياة. وثمة أسباب أخرى تدفع أبناء المعتقلين لأن يتركوا المدارس، ومن ذلك الضغط النفسى الذى قد يتعرض له الأطفال من زملائهم فى المدارس بسبب كونهم أبناء معتقلين .