نظرة تاريخية على تطور مبدا المشروعية

لقد برز الاهتمام بمبدا المشروعية منذ قدم , وتتجلى بدايته في ثوره الانسان على مجتمع الاعراف والتقاليد والعادات ومطالبته بقواعد مكتوبه توفر الحماية الجدية لحقوقه وحرياته بحكم ثباتها واستقرارها وما تتمتع به من عمومية وتجريد , فكانت البداية بتدوين العرف والتعاليم الدينية مما حقق عموم العلم بها وابعدها من ان تكون امتيازا قاصرا على الكهنه والاشراف ومحاولاتهم الانفراد بتفسيره بما يخدم مصالحهم من دون بقيه افراد المجتمع . كما قدمت الفلسفه القديمه اسانيد لمبدا المشروعيه , فالفلسفه الاغرقيه ومن خلال ايمانها المطلق بالعقل البشري وقدرته الامحدوده في استكشاف الحقيقه طرحت مبدا خضوع سلطان المدينة لقانون العقل وما يامر به بشان مبادئ الحرية والمساواه والعداله بين البشر .وفي الفلسفه الرومانية فصل سيشرون بين حق السلطه والسياده وما ينطوي عليه من حق الامر والنهي فيجعله ملكا للشعب الروماني وبين وظائف الحكم التي فوضها الشعب بعقد سياسي للحكام بحيث لا يكيون لهم اكثر مما يخولهم التفويض من اختصاصات .

وطرحت المدرسه الابيقورية والمدرسه الرواقيه قانون المدينه العاليه ** قانون العالمية * القانون الطبيعي ** وهو قانون العقل المنزه عن الخطا الذي يجب ان يسمو ويسود فوق العادات المحلية باعتباره المقياس الثابت لكل ما هو حق وعدل . واوجدت الديانه المسيحية بتعاليمها الاخلاقيه ومثاليتها مناخا روحيا لم يعرفه المجتمع الوثني القديم, وصاغت فكره القانون الطبيعي من وحي الدين وان الله هو القاهر فوق واجبه ليس بالخوف وحده ولكن بالعقيده ايضا لانهم ادوات الله المنفذه لارادته على الارض لفعل الخير ومنع الشر, وهم لا يملكون السلطه كحق بل يمارسونها كوظائف واختصاصات عليهم اداؤها دون تعسف او استبداد. فليس لهم حمل المحكمويين العمل بما ينافي التعاليم المسيحية او بما يخالف مبادئ العدل والصالح العام والا كانت سلطه استبداديه وتصرفاتها غير شرعيه .

وقدم الاسلام اسهاماته كدين ودوله يستمدد احكامه من القران والسنه وطاعته ولي الامر ما دام ملتزما احكام الشرع فقد قال تعالى‘‘ يا ايها الذين امنو اطيعو الله واطيعو الرسول واولي الامر منكم ‘‘ فولى الامر لا يطاع لذاته وانما لقيامه على شريعه الله ورسوله وقيامه بتنفيذها , فاذا انحرف او استبد فلا سمع له ولا طاعه . غير ان الافكار السابقه سرعان ما تراجعت خلال العصور الوسطى الاقطاعيه حين اختلطت السلطه بالملكيه العقاريه للارض ثم عادت في بدايات القرن الثامن عشر مع بروز المذهب الفردي الحر والفكر الديمقراطي والتي بفعلها تحددت قاعده الاساس في بناء الدولة حول ان الفرد بحقوقه وحرياته العامه هو الاصل والهدف وان السلطه هي محض شر ضروري, الامر الذي يجب ان تتحدد مجالاتها في اضيق الحدود بحيث تقتصر على ما هو لازم وضروري لحفظ المجتمع وحمايته ومنع اعتداء الافراد بعضهم على بعض .

وهكذا ولدت الدولة الحارسه التي تتقيد باحترام الحقوق والحريات العامة للافراد باعتبارها تنبع من العقل ومن الطبيعه الاشياء التي تسبق وجود الدولة وتبقى في ظل نظام الدولة قانونا طبيعا اسمى من سلطانها ومن قانونها الوضعي بحيث اذا قام نظام سياسي لا يحترم هذه الحقوق او ينحرف عن مهمته في ضمانها وصيانتها كان للناس حق هدمه وتغيره , وهكذا التزمت الدولة الحديثه في بدايه نشاتها بالحقوق والحريات العامة باعتبارها حجر الزاوية في بناء النظريه العامة للقانون وفي ارساء دولة القانون ومبدا سياده القانون واحترام الشرعيه, فمضمون القاعده القانونية وان تغير ليواكب العصر فانه يبقى اسمى من اراده الحكام ويحكم اعمالها وسلطاتها مما يحفظ لمبدا المشروعيه وجوده ونفاذه في كل عصر ولدى كل دولة بعض النظر عن فلسفتها الاقتصادية والاجتماعية