نظام الشورى في الإسلام

المحامية: سهى منذر
الشورى: هي مصطلح إسلامي استمده بعض فقهاء وعلماء المسلمين من بعض آيات القرآن مثل قوله تعالى ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ينفقون ) ويقصد بها تقليب الآراء، ووجهات النظر في قضية من القضايا، أو موضوع من الموضوعات، واختبارها من أصحاب الرأي والخبرة، وصولاً إلى الصواب، وأفضل الآراء، من أجل تحقيق أحسن النتائج ، وتذكر كتب الحديث والتاريخ الإسلامي مواقف اعتبروها تجسد مبدأ الشورى منها استشارة النبي محمد (ص) لأصحابه .

 

بنيت المؤسسة السياسية الإسلامية على مبدأ إنساني غاية في العظمة والروعة، وهو مبدأ الشورى، بل سُميت سورة من سور القرآن الكريم باسم سورة الشورى دلالة على أهمية تحقق هذا الشرط في أي شأن من شؤون المسلمين ، وعلى الرغم من اختلاف الفقهاء حول آليات تنفيذ هذا المبدأ من ناحية الاختيار أو الوجوب والإلزام، لكنهم مُجْمِعُون على ضرورة تَحَقُّقها بين المسلمين مصداقًا لقوله تعالى فبما رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) .

يقصد بالمعنى الاصطلاحي بأنها طلب الرأي ممن هو أهل له، أو هي استطلاع رأي الأمة أو من ينوب عنها في الأمور العامة المتعلقة بها، وعليه فقد اتخذ المسلمون الشورى أصلاً وقاعدة من أصول الحكم وقواعده، وعليها قام ترشيح العدول من المسلمين لمن يرونه أهلاً للقوَّة والإمامة لتولِّي أمرهم ، وبناء على ذلك فان الشورى تعتبر أصلاً من الأصول الأولى للنظام السياسي الإسلامي.

بل امتدَّت لتشمل كل أمور المسلمين وتأسيسًا على ذلك فإن الدولة الإسلامية تكون قد سبقت النظم الديمقراطية الحديثة في ضرورة موافقة الجماعة على اختيار مَنْ يقوم بولاية أمورها ورعاية مصالحها وتدبير شؤونها ممَّا يؤكِّد قيمة وفاعلية الإجماع عند المسلمين ـ ويعتبر من أعظم إسهامات الديانة الإسلامية في رقي الحضارة الإنسانية فقد ظهر هذا النظام في حقبة زمنية طغى فيها طابع السلطوية و الدكتاتورية على أنظمة الحكم في العالم، سواء في بلاد الفرس أم الروم أم المغرب و الهند و الصين و بقية أرجاء المعمورة، دليل على عظمة ما جاء به الإسلام و على تفوق الحضارة الإسلامية في مجال من أهم مجالات الحياة البشرية.

وقد كسر هذا النظام النظم السلطوية و الديكتاتورية التي لا تعرف لإحترام الإرادة الشعبية معنى ورداً للشعب إعتباره و منحه حريته وحقوقه التي سلبت منه في عهد الجاهلية و زمن أنظمة الحكم الإستبدادية ، فقد ساوى هذا النظام ما بين المواطنين و لم يفرق بين القيادة و البقية الكل فيه أصبحوا سواسية المواطن العادي لا يحس بنقص إتجاه القادة. و هؤلاء يعاملون البقية معاملة الند للند و ليس معاملة السيد للعبد.

ويختلف تحديد أهل الشورى باختلاف المجال المراد الاستشارة فيه، فأمور الدين يستشار فيها العلماء، وأمور الخطط الحربية يستشار بها قادة الجيوش، وهكذا.

هناك اتفاق بأن الشورى في الإسلام منوطة بفئة من المسلمين يُطلق عليهم أهل الشورى ( الحل والعقد ، وقد اشترط الفقهاء توافر بعض الشروط فيهم وهي: العدالة، والعلم، والرأي، والحكمة (، وبطبيعة الحال فان هذه الصفات تتوفر في العلماء والرؤساء ووجوه النَّاس الَّذين يتيسَّر اجتماعهم لذلك كانت الشورى من الأمور الضرورية الملحة التي يفرضها الإسلام على ولاة الأمور، ويمكن القول: إنها من أهم المظاهر الحضارية التي أسهم المسلمون في إيجادها وإرسائها في المجتمع الإسلامي، وتأثر بها الآخرون، خاصة في أوربا منذ القرن الثالث عشر الميلادي، ولذلك كانت الشورى نوعًا من التعبير عن الإرادة الإلهية ، ونلاحظ أن الخليفة في الإسلام لا يمكن أن يُعطي لنفسه حق التعبير عن الإرادة الإلهية، أي أنه لا يملك أن يُصدر تشريعًا لأن سلطة التشريع لجماعة المسلمين أو مجموع الأمة، وهذا بالطبع في حالة غياب نصٍّ صريح قطعي الدلالة من القرآن والسنة .

وعموما فانه ينبغي أن تتوافر في كل هؤلاء صفات تؤهلهم لذلك منها : العلم والخبرة فيما يستشارون فيه، و الأمانة وتقدير المسؤولية التي تحجز عن التقاعس عن الانتصاب لهذا الأمر، أو الإقدام بغير علم أو خبرة، وكذلك العقل الراجح والشجاعة في إبداء الرأي ولو خالف به الكثير.

ويعتبر أغلب علماء المسلمين أن هناك اختلافاً بين الديمقراطية والشورى، فالديمقراطية تستند الى مبدأ أن الشعب هو صاحب السيادة ومصدر الشرعية، فالسلطة في النظام الديمقراطي هي للشعب، وبواسطة الشعب تتحقق سيادته ومصالحه ولو خالفت الشريعة الاسلامية أما ما يفرق بين الشورى والديمقراطية فهو مصدر السيادة في التشريع، فالديمقراطية تجعل السيادة في التشريع للشعب، أما الشورى فتجعل السيادة للشريعة الإسلامية ولو خالفت الأغلبية.

في حين أن العديد من المثقفين والباحثين والمفكرين الإسلاميين في العصر الحديث يرون أن الشورى هي الديمقراطية ذاتها ، وهذا فيه شيء من الشك لأن الديمقراطية تجعل السيادة للشعب وله الحق في الحكم بما يريد، وهذا بخلاف الشورى فالشورى نظام إسلامي والإسلام أمر بالحكم بشرع الله وآيات الحاكمية كثيرة في ذلك.

وبذلك يختلف نظام الشورى الإسلامي عن النظم الديمقراطية الوضعية، فالديمقراطية التي تعتبر حكم الشعب للشعب، ينتج عنها أن الشعب هو الذي يضع دستوره وقوانينه، وهو السلطة القضائية التي تحكم بين الناس بتطبيق القوانين الموضوعة، وحتى يتمكن الشعب من مباشرة سلطة التشريع، ووضع القوانين، والفصل بين السلطات، يتم اللجوء إلى إجراء انتخابات عامة، والتي ينتج عنها اختيار مجموعة من الأفراد، يكونون قادرين على مراقبة سائر السلطات، فمن حق هذه الهيأة المنتخبة عزل الوزراء، ومحاسبة المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الدولة.

ومع وجاهة هذا الأمر إلا أن نظام الشورى الإسلامي يختلف عن هذا التصور فالشورى في الإسلام تقوم على حقيقةٍ، مفادها أن الحكم هو حكم الله المنزَّل بواسطة الوحي على رسول الله (ص) ، الذي يُعدُّ الالتزامُ به أساس الإيمان، والعلماء هم أهل الحلِّ والعقد، وهم على رأس رجال الشورى، وليس للعلماء مع حكم الله في إطار الشورى إلا الاجتهاد في ثبوت النصِّ، ودقَّة الفهم، ورسم الخطط المنهجية للتطبيق ، والحقُّ أن النظام الديمقراطي يَسْهُل التحايل عليه، من خلال سيطرة بعض الأحزاب أو القوى على العمل السياسي في دولة من الدول، ومن ثَم يفرض هذا الحزب، أو تلك الفئة وجهة نظرها على الأمة، لكن الشورى تجعل الهيمنة لله وحده، فتُعْلِي حُكْمه وتشريعه على سائر الأحكام والتشريعات، فتؤدِّي إلى ظهور رجال يعيشون في معية الله، ويخشونه بصدق.