نطاق تطبيق مبدأ الشرعية من خلال تحقيقات إدارة الملكية العقارية بمناسبة ترسيم الأحكام القضائية بتونس.

بقلم: الأستاذة نجلاء العابد محررة عقود برتبة رئيس مصلحة بإدارة الملكية العقارية ببن عروس

يبقى الحصول على الترسيم من أهم الضمانات لحق الملكية فيما يتعلق بالعقارات المسجلة سواء كان ذلك لغاية إشهار الحقوق للعموم بالنسبة للعقارات الغير خاضعة لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم أو لغاية إنشاء الحقوق العينية بالنسبة للعقارات الخاضعة للمفعول المنشئ .

و حيث أن مهمة إجراء هذه الترسيمات عهدت في القانون التونسي إلى إدارة الملكية العقارية التي تحولت إلى منشأة عمومية تسمى ” الديوان الوطني للملكية العقارية ” في شخص حافظها و مديريها الجهويين الملزمين قانونا عند الترسيم بمبدأ الشرعية أي بالخضوع لحكم القانون و يقصد بذلك في قانون السجل العيني هو مطابقة الترسيمات و غيرها من الأعمال المنوطة بعهدة إدارة الملكية العقارية لمقتضيات القانون، و للغرض فقد أوجب الفصل 306 من م ح ع على مدير الملكية العقارية أن يباشر قبل قيامه بأية عملية جميع التحقيقات التي تقتضيها مجلة الحقوق العينية و يكون ذلك بالنظر في مدى مطابقة جميع الصكوك المقدمة للترسم للبيانات المنصوص عليها صلب الرسوم العقارية و أيضا مطابقتها لمقتضيات القانون عملا في ذلك بما هو وارد بأحكام الفصول 388 و 389 و 390 من م ح ع و هذه التحقيقات تكتسي أهمية بالغة إذ على ضوء دقة إنجازها يكتسب قرار إدارة الملكية العقارية الصادر بالقبول للترسيم أو برفضه صحة و شرعية .

و حيث يتبين بالإطلاع على الفصل 306 م ح ع المذكور أن عبارته قد وردت مطلقة بخصوص العمليات المشمولة بالتحقيق من طرف مدير الملكية العقارية الأمر الذي يؤخذ منه أنه لا قيد عليه في ممارسة قواعد الشرعية المحمول عليه واجب إحترامها و أن مهامه لا تقتصر على جانب من العمليات دون غيرها، و هو ما يدفعنا هنا إلى الحديث حول نطاق مبدأ الشرعية في علاقة بالأحكام القضائية فهل لحافظ الملكية العقارية بسط رقابة مطلقة على الصكوك القضائية المقدمة للترسيم ، خاصة و أن تعامل إدارة الملكية العقارية مع مبدأ التحقيقات الشرعية سعت من خلاله الإدارة إلى إنتهاج رقابة شديدة بهدف إعطاء مصداقية لما يدرج بالرسم العقاري .

حيث ليس هناك من نص يطرح إجابة واضحة وصريحة بخصوص إمكانية ممارسة صلاحية الرقابة من قبل إدارة الملكية العقارية على الصكوك القضائية من عدمه.

و حيث أن الجواب الذي قد يتبادر إلى الذهن من أو ل وهلة هو عدم القبول بتسليط تلك الرقابة إذ لا يستساغ أن تبسط إدارة الملكية العقارية رقابتها على صحة الأذون والأحكام والقرارات القضائية المحلات بالصيغة التنفيذية إذ كيف يمكن لها أن تراقب صحة الصكوك الصادرة عن السلطة القضائية و هي السلطة التي خصها الدستور بالفصل في النزاعات المعروضة عليها ، إلا أن هذا الموقف إذا ما وقع العمل به على إطلاقه فإنه و في صورة ما إذا تعلق طلب الترسيم بصكوك قضائية لا تستجيب لمختلف الشروط الشكلية و الموضوعية التي يقتضيها الترسيم فإن القبول بترسيمها آليا كونها صادرة عن سلطة قضائية لا يمكن أن يؤدي سوى إلى تواصل الأخطاء في إنتاج آثارها الأمر الذي من شأنه المساس بمصداقية الدور الإشهاري للسجل العقاري إذ لا فائدة ترجى من وجود إشهار منقوص أو مغلوط لا يعكس حالتي العقار المادية و القانونية و الذي سوف يكون مؤداه تدني قيمة العقارات و الحقوق العينية العقارية و إعراض المتعاملين عنها.

و حيث على خلاف ذلك فقد أثبتت التجربة في الواقع أن مبدأ الشرعية قد طال عديد الصكوك القضائية حيث لم يستجب حافظ الملكية العقارية لترسيمها و لم يقم بإتمام ذلك إما لكونها تفتقد لبعض البيانات الوجوبية أو بسبب عدم التوافق بين البيانات الواردة بها و بين البيانات الموجودة بالرسم العقاري و هو الإتجاه الأقرب للصحة و السلامة و ذلك للأسباب التالية:

أولا: أنه لا شيء يمنع إدارة الملكية العقارية من بسط رقابتها على الصكوك القضائية المقدمة للترسيم.

ثانيا: أن الفصل 306 من م ح ع أوجب دون قيد أو شرط على مدير الملكية العقارية مباشرة التحقيقات التي تقتضيها مجلة الحقوق العينية و ذلك و كما ورد بصريح النص قبل قيامه ” بأية عملية ” و هذه العبارة تفيد الإطلاق و عدم الإستثناء الأمر الذي يؤخذ منه أن ممارسة الشرعية لا تقتصر على جانب من العمليات دون غيرها و أنه لا قيد بالتالي على مدير الملكية العقارية في تلك الممارسة حيث من الواضح أن نية المشرع في ذلك النص كانت متجهة نحو عدم تكبيل ماسك السجل العقاري و حافظه و إطلاق يده نحو تسليط رقابته على جميع الصكوك حفاظا على مصداقية السجل العقاري إذ لا فائدة ترجى من التمسك بعلوية الأحكام القضائية إذا كانت نتيجتها هو إدراج إشهار مغلوط لا يعكس حالتي العقار المادية و القانونية.

ثالثا: هو تماشي ذلك الإتجاه الذي توخته إدارة الملكية العقارية في رفض الترسيم مع المبادئ التي يقوم عليها الشهر العقاري و التي قوامها الشرعية في الترسيمات و تسلسلها و المفعول الحفظي، ذلك أن نظام الشهر العيني يمثل منظومة كاملة لا تتجزأ فإذا تم المساس بأحد مبادئها الأساسية اختل النظام بأسره و كمثال لترابط مبادئ الشهر العيني فإن مبدأ القوة الثبوتية للترسيم يستند في وجوده إلى مبدأي المفعول الحفضي للترسيم و الشرعية إذ أنه لا مبرر للقوة الثبوتية إلاّ إذا كان الترسيم يحفظ الحق من كل مساس به و كان هذا الترسيم واقعا بعد عمليات بحث و تمحيص عميقة و صحيحة.

غير أن إطلاق القول على هذا النحو لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون مؤداه المساس بحجية الأحكام القضائية .

لذلك فإن إعمال قاعدة الشرعية تجاه الصكوك القضائية وفقا لما دأب عليه عمل إدارة الملكية العقارية في علاقة بالصكوك القضائية تنحصر في حدود ما يتعلق بالسجل العقاري إذ لا يمكن إدراج حكم قضائي صادر ضد أشخاص غير مرسمين أو لم يتضمن ذلك الحكم عدد الرسم العقاري و بالتالي فإن لإدارة الملكية العقارية مراقبة استكمال الأحكام كافة الشروط الشكلية و تطابق بياناتها مع بيانات الرسوم العقارية ذات العلاقة ، أما فيما يخص حسن تطبيق القانون و اتجاه اجتهاد المحكمة فلا حق لإدارة في بسط رقابتها عليه لكون الأمر في هذه الحالة يكون من متعلقات أصل النزاع أمام المحكمة الذي هو من صميم اختصاصها و لا رقابة عليها في ذلك سوى بما هو متاح من إجراءات الطعن و التقاضي و مثال ذلك أنه إذا تبين لإدارة الملكية العقارية أن الكتب المأذون بترسيمه قضائيا أنه مخالف للقانون ان لم نقل ” باطلا ” فإنه ليس من صلاحياتها رفض تنفيذ الحكم القضائي متى أذن بترسيمه لان هذه الإدارة وان تتمتع بمبدأ الشرعية في الترسيم فإنه ليس من إختصاصها الحكم ببطلان الصك لأن ذلك من مشمولات السلطة القضائية الذي لا دخل للإدارة فيه و لان هذا النوع من التحقيق من شأنه أن يمس بمبدأ الشرعية نفسه،

و ذات الشأن بالنسبة لأحكام المحكمة العقارية الصادرة في مادة الرسوم المجمدة حيث تضمن الفصل الخامس من القانون عدد 34 لسنة 2001 المتعلق بتحيين الرسوم العقارية إقرارا بإمكانية تعهد المحكمة العقارية بالنظر في المطالب الرامية لتجاوز الصعوبات الناشئة عن عدم إتمام الإجراءات القانونية المطلوبة لدى إدارة الملكية العقارية و يقصد بذلك بصفة خاصة جملة الإجراءات و التنصيصات الوجوبية التي فرضها المشرع بالنسبة للصكوك المقدمة للترسيم و المنصوص عليها صلب أحكام الفصل 377 و ما يليه من م ح ع كهوية الأطراف و إسم العقار و مساحته و عدده الرتبي بالسجل العقاري … ، و لذلك الغرض تقوم المحكمة العقارية بإيجاد الحلول الشرعية البديلة بغية تمكين طالب الترسيم من الدخول إلى دائرة الترسيم، و بالتالي فإن الأحكام الصادرة في مادة التحيين لا يمكن رفض ترسيمها إستنادا لمبدأ الشرعية بإعتبار أن صدورها إنما كان لتجاوز أسباب الرفض للترسيم من قبل الإدارة ذاتها و هذا الأمر أكده منطوق الفصلين 24 و 25 من القانون عدد 34 لسنة 2001 المتعلق بتحيين الرسوم العقارية حيث أوجب الفصل 24 تنفيذ الحكم الصادر بالتحيين حالا مشددا على ذلك صلب الفصل 25 بالتأكيد على عدم جواز حتى تأجيل تنفيذ حكم التحيين و هو المبدأ ، غير أنه و بصورة إستثنائية و على وجه الحصر ضبط بذات الفصل 25 المذكور الحالات التي يجوز بمقتضاها تأجيل تنفيذ الحكم الصادر بالتحيين و يكون ذلك في صورة طلب إصلاح الغلطات المادية المتسربة للحكم طبقا للفصل 26 من نفس القانون الذي حصرها في الغلطات المتعلقة بالكتابة أو بالحالة المدنية أو الحساب أو الأرقام الحاصلة في الأحكام الصادرة بالتحيين أو في الأمثلة المأذون بإقامتها و غير ذلك من الإغفالات و الإختلالات المادية، او في صورة ما إذا تعذر تنفيذ الحكم نتيجة وجود ترسيمات حاصلة خلافا لمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 13 و تطبيقا لمقتضيات الفصل 14 من ذات القانون حيث يرفع الأمر إلى دائرة الرسوم المجمدة لتنظر في الصعوبة التي حالت دون الترسيم.

و حيث و مهما يكن من أمر فإن الحفاض على مبدأ الشرعية لا يعني المساس بحجية الأحكام القضائية و لعل حل الصعوبة يكمن في التوفيق بين المبدأين حفظا للملكية العقارية و لمصداقية السجل العقاري.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت