بقلم الأستاذعبد اللطيف الهلالي
باحث في العلوم السياسية
كلية الحقوق بمراكش

تعد المبادئ العامة للقانون إلى جانب أحكام الشريعة الإسلامية؛ مرجعية مكملة للقاضي الإداري في حماية الحقوق والحريات، مكملة لان القاضي لا يمكنه اللجوء إليها إلا حينما يخلو النص الوضعي من نصوص واضحة تنظم وضعية ما أو حينما تكون هناك نصوص غامضة حينها يعمل على إيجاد ما يسمى بالتشريع القضائي لتطبيقه على النزاع المعروض أمامه، أو الاستعانة بمبادئ الشريعة الإسلامية.

الفقرة الأولى: التشريع القضائي
إذا كان هدف دولة القانون حماية الحقوق والحريات فانه قائم على تحديد السلط كلها التشريعية، والتنفيذية والإدارية فهي التي تخضع لمنظومة قانونية ذاتية تمتد من الدستور إلى أبسط القرارات الإدارية، كما أنها تخضع لمبادئ وقواعد جوهرية منبثقة مباشرة من طبيعة دولة القانون، وليست في حاجة إلى تنصيص في الدستور الوضعي، ولا في القوانين المكتوبة.

هذه المبادئ هي ما يطلق عليها المبادئ العامة للقانون التي يلزم القاضي الإداري كافة السلطات الإدارية بالخضوع لها وإلا كانت قرارتها عرضة للإلغاء، لذلك يميز بعض الباحثين بين الحقوق والحريات التي لها قيمة دستورية، وتلك لها قيمة قانونية وأخرى تكتسي قيمتها من المبادئ العامة للقانون ؛

وتعرف هذه الأخيرة بأنها: مجموعة من لقواعد غير المكتوبة لها قيمة تشريعية، أوجدها القاضي لأسباب عالية الإنصاف والعدالة”[1] وهي أقرب إلى العدالة الطبيعية المعروفة في القانون الانجليزي[2] ، فرغم أنها ليست كلها تهم الحقوق والحريات فإن بعضها يؤسس لها[3] ، كما أن البعض منها يرمي إلى حماية التنظيمات العامة كمبدأ استمرارية المرافق العامة الذين يمكن أن يضع حد للممارسة حق الإضراب .

فبعد نهاية الحرب العالمية الثانية سيعمل مجلس الدولة الفرنسي على ترجمة المبادئ العامة للقانون في قراراته، ويعد قرار ARAMU الصادر عام[4]1945 أول قرار استند إليها[5] ، وسيفرض منذ ذاك التاريخ فصاعدا احترامها على الأعمال الإدارية[6] .

يتعلق الأمر إذن بمعايير غير مكتوبة لا تكتسب وجودها وقوتها من أي نص، ولو أن بعضها قد يستوحي أحكاما دستورية أو تشريعية أو حتى توافقية[7] . كما يمكن أن يسترشد بها المشرع أثناء قيامه بعملية التشريع[8] دون أن تكون ملزمة له.

ولكن لا يجب أن يفهم من وضع القاضي للمبادئ العامة للقانون على أنه يشرع أو يصدر قواعد قانونية ملزمة؛ كل ما في الأمر أن القاضي حينما تعرض عليه قضية يكون أمام ثلاث خيارات:

يكون أمام نص قانوني يتضمن القاعدة الواجبة التطبيق
وجود نص غامض يحتاج إلى تفسير للكشف عن الحل الواجب التطبيق تخلف النص المتضمن للقاعدة القانونية

ففي الحالتين الأخيرتين يكون القاضي ملزم بالبث في القضية المعروضة عليه وأن يأتي بالحل الذي يبدو له أعدل للخلاف المعروض عليه ، ولا يمكنه أن يتحلل من هذا الالتزام بمقولة انعدام النص التشريعي، أو بمقولة أن النص القائم غامض، وغير واضح، وآلا كان أمام ما يسمى إنكار العدالة[9] من هنا يلجأ إلى المبادئ العامة للقانون ليكمل الناقص، أو ليزيل الغموض أو لينشئ النص، بتأطير القانون العام واختيار الحل الأنسب والشمولي لتحقيق عدالة أفضل[10] .

حيث يطبق على النزاع المعروض عليه المبادئ العامة للقانون بعدما يتأكد من تطابقها مع إدارة المشرع، ومن ثم قد يتخذها المشرع بمثابة مرشد له.

فرغم أن القاضي يتجاوز مهمة تطبيق القانون وتفسيره إلى وضع أو بالأحرى اكتشاف القواعد القانونية في بعض الأحيان، إما لعدم توقع التشريع لها، أو تلكأ المشرع في تنظيم حالة ما، أو عدم قدرته (المشرع) توفير القواعد القانونية التي تحكم المنازعات سواء من حيث الموضوع أو الشكل، لأن الحقائق التي سيتعرف عليها أكثر تعقيدا[11] إذا ضمنها المشرع في شكل قاعدة مكتوبة .

فالقاضي الإداري كثيرا ما يجد نفسه أمام ضعف تشريعي كمي بمعنى عدم كفاية النصوص المكتوبة، أو ضعف كيفي نتيجة التناقض الذي قد يظهر بين النصوص لأن ” التشريعات الإدارية تنقصها الوحدة في مجملها، وفي مجموعها، والاكتمال في تحريرها ومدلولها والعمومية في حقيقتها، والفاعلية في وسائلها والبصيرة في الفطنة في غرضها وهدفها” مما بساعد حتمية تدخل القاضي لإنشاء قانون قضائي، وهذا ما سيؤدي دون أدنى شك إلى نتائج إيجابية في مجال حماية الحقوق والحريات، على أساس منع الإدارة من سلوك سبل التعسف والاستبداد في علاقاتها بالأفراد وجعلها تعمل في إطار النظام القانوني السائد في المجتمع، بما في ذلك القانون القضائي الذي يطبق من قبل الإدارة بشكل يومي في مجال علاقاتها بالأفراد، وبواسطة القاضي الإداري نفسه حينما يفصل في المنازعات.

لذلك قيل أن القاضي الإداري لا يحترم مبدأ الشرعية في شكله التقليدي نظرا لغياب مدونة قانونية جامعة تلزمه بتطبيق أحكامها ومن ثم يلجأ إلى المبادئ العامة للقانون التي تمكنه من حل الإشكالات المعروضة أمامه، مما يمكنه أيضا من تجاوز جمود النصوص القانونية حالة وجوده، وتفتح أمامه إمكانية مراجعة اجتهاداته حينما يتبين له تغير الظروف المتحكمة في إنتاجها وبلورة اجتهادات جديدة تستجيب والمعطيات الجديدة.

من هنا يبدو أن هناك توافق – على المستوى النظري على الأقل – بين المشرع والقاضي الإداري، فهذا الأخير بطرحه مبدأ احترام حقوق الدفاع مثلا فهو لا يقوم في الحقيقة بعمل تحديثي وخلاق بإحلال نفسه محل التأسيسي أو المشرع الداخلي أو الدولي أو حتى للانضمام إليهما[12] إنما يكتفي فقط “بكشف” مبادئ عليا موجودة سلفا تفرض عليه. من هنا فالدور التشريعي للقضاء الإداري يعتبر بمثابة نقطة عبور بين المشرع والقاضي، حيث يدرك الأخير دوره والحدود التي يتعين احترامها.

من هنا يحرص على احترام القانون المكتوب وفي نفس الوقت يعمل على تهيئة وخلق القواعد القضائية للنزاع المعروض عليه. فالقاضي لا يقرر إذا أنشأ مبدءا فهمه وأراده إنما يكتفي “بالقول” بمبدأ سبق وجوده في الضمير الجمعي ومتطلبات المجتمع ودولة القانون، إنه يضفي الصراحة فقط على معيار سبق أن وجد ضمنيا ذلك بأن محتواه وقيمته هما موضع توافق[13].

أضف إلى ذلك أن القاضي لا يخلق الحقوق أو يكتشفها وإنما يكتشف القواعد القانونية التي تكفل حماية تلك الحقوق، وبالفعل فإن القاضي الإداري استطاع إعادة تكوين القانون الحديث[14] حسب مقتضيات التطور الحقيقي إلى جانب المشرع[15] ، لأن النصوص التي يصدرها الأخير مهما اتسمت به من بعد النظر للمسائل التي ينظمها لا تستطيع أن تشمل جميع الحالات والمراكز الجديدة التي توجدها الحياة العملية، استطاع بذلك القاضي الإداري أن يحدث تغيرا أساسيا في كثير من التعريفات الأساسية التي كانت سائدة، دون أن يتجاوز دوره إلى خلق الحقوق وإنما عمد إلى كفالة الحماية الحقيقية والقانونية لاستخدام الحقوق ومن ثم ساعد في تقدم دعاوى تجاوز السلطة من أجل حماية الحقوق؛ والحريات في مواجهة تعسف الإدارة.

ومن ثم يقوم بالمساهمة في إعادة بناء مفهوم الحريات[16].

مما قد يجعله في بعض الحالات في مواجهة مباشرة مع السلطات الإدارية[17] .

إن استعانة القاضي الإداري بالمبادئ العامة للقانون لا تقتصر على القواعد الموضوعية فحسب بل أيضا تشمل القواعد الإجرائية ، فقد قرر مجلس الدولة الفرنسي منذ أمد بعيد حقه في إصدار أوامر ملزمة للإدارة لموافاته بالوثائق والمستندات المتعلقة بالنزاع التي تحتكرها الإدارة وخاصة إذا كانت ادعاءات الخصوم متناقضة ومتعارضة وكان من شأن الاطلاع على الوثائق والمستندات التحقق من الادعاءات المتناقضة وتكوين عقيدة القاضي واقتناعه، بل ذهب أكثر من ذلك حينما اعتبر امتناع الإدارة عن تقديم الوثائق دليل على صحة ادعاءات المدعي .

النظام القانون المغربي من جهته يسمح للقاضي الإداري باختصاص وضع القواعد الضرورية في مجال المسطرة الإدارية ، أمام غياب قانون الإجراءات الإدارية، وعدم كفاية تلك الموجودة في القانون المحدث للمحاكم الإدارية، واختلاف الدعويين المدنية والإدارية سواء من حيث جوهر الولاية القضائية أو مراكز الخصوم، أو الغاية منها، هذا الاختلاف سيترتب عنه حتما اختلاف القواعد التي تتعلق بإجراءاتهما، مما سيفرض على القاضي البحث عن قواعد إجرائية للفصل في المنازعات[18] .

حيث أن القراءة الدقيقة للفصل 46 من الدستور المغربي تبين أن هذا الاختصاص لا يوجد ضمن المجال المحفوظ للقانون.لأن الفصل يتحدث عن “تحديد الجرائم والعقوبات الجارية عليها والمسطرة الجنائية والمسطرة المدنية.

الفقرة الثانية : الشريعة الإسلامية
يعد القاضي المغربي من بين من استند على المرجعية الإسلامية كأساس لأحكامه في وقت ساد فيه تحليل للنظام السياسي المغربي قائم على مرجعية وضعية باعتباره استنساخا للتجربة الدستورية الغربية وخاصة النظام القانوني الفرنسي في تجاهل تام للمصادر العربية الإسلامية[19]

والقانون الإسلامي المتحصن فقط في مجال الأحوال الشخصية، يتعلق الأمر بالحكم الصادر عن محكمة الاستيناف بالرباط بتاريخ 09/02/1960 بحل الحزب الشيوعي اعتمادا على خطاب ملكي يؤكد تعارض الإيديولوجيات المادية مع المبادئ الدينية؛ التي يعد خليفة الرسول ضامنها الروحي[20] قبل أن يتنصر القاضي الإداري للمرجعية الإسلامية وذلك بتكريسه سمو صفة أمير المؤمنين على حقل الملكية الدستورية ليمنح الحصانة المطلقة لجميع الظهائر الشريفة[21] الصادرة عن الملك الدستوري كسلطة إدارية وتبرير عدم قبول الطعن فيها من أجل الشطط في استعمال السلط ضدا على النصوص القانونية الواضحة[22]،

وهذه المرة استنادا على الشرعية الدستورية (الفصل 19)، على اعتبار أن “السلطة الملكية بما اشتملت عليه من مهام الحكم كالتشريع والقضاء والإدارة وحدة لا تتجزأ .. ولا يمكن أن يتميز منه الجانب الإداري وتفرض عليه رقابة القضاء”؛ لينقل بذلك النصوص الدستورية المتعلقة بالإسلام (بما فيها الفصل 19) من طابعها التشريفي المفتقدة لأي روابط فعلية في الحياة الدستورية والقانونية[23] ليصبح ذا حمولة قانونية تقليدانية جد مكثفة[24].

إن إصرار القاضي المغربي على الاستشهاد “بقانون الخلافة” إلى جانب الشرعية القانونية ذات الحمولة اللبيرالية سينجم عنه نظام قضائي هجين تتوافر فيه المقولات التقليدية الموروثة إلى جانب المقولات التعاقدية المستوردة[25] .(بتعبير بادي.)

وقيام الدولة على نسق سياسي غربي، إلى جانب قانون دستوري عماده انعدام الفصل بين الديني والزمني والتصور التيوقراطي للأمة وإسلامية دين الدولة ورئيسها والمرجعية الإسلامية.(على الأقل على مستوى الفصل 19)

وفي إطار الاستشهاد بالمرجعية الإسلامية ذهبت المحاكم الإدارية أبعد مما ذهب إليه المجلس الأعلى حيث أولت المحكمة الإدارية في فاس الفصل السادس من الدستور الذي ينص على أن “الإسلام دين الدولة”[26]

بأن المقصود بذلك أن “الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع”[27] ، مما يفيد وجود مصادر أخرى وثانوية أو احتياطية، لأن تعريف كلمة “المصدر” يفهم منه أنه لم يعد جائزا الرجوع إلى المصادر الأخرى للبحث عن حكم مسألة من المسائل التي حكمها في الشريعة الإسلامية ، أو بمعنى آخر فان الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع؛ بما فيها التشريع الدستوري نفسه بحيث لا ينطوي الدستور على أي نص يخالف أحكامه فضلا عن التشريع العادي الذي يتعين إلا تخالف قواعده أحكام الشريعة ومن تم باقي التشريعات الفرعية ومختلف القرارات الإدارية.. الخ.

غير أن القول بمثل هذا الكلام قد يجعل النظام القانوني المغربي برمته محل مسألة وستترتب عنه نتائج قانونية خطيرة أولها ضرورة إعادة النظر في مختلف القوانين لجعلها “إسلامية”، لتحقيق الانسجام التشريعي بين مختلف النصوص القانونية.

في الواقع وانه على فرض صحة تأويل القاضي الإداري للفصل السادس من الدستور (الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع)[28] فان القاعدة القانونية لا تكتسب صفتها حينئذ من مجرد وجودها في الشريعة الإسلامية، ولا تصبح واجبة التطبيق إلا إذا صدر بها التشريع وحينئذ يكون التشريع الصادر عن البرلمان هو أساس القاعدة وليس الشريعة الإسلامية.

تم إن القول بغير ذلك من شأنه أن يمنح القاضي سلطة استخلاص القواعد القانونية مباشرة من أحكام الشريعة الإسلامية ومن مبادئها العامة، ومن ثم يحيد القاضي عن دوره ويقوم بالتشريع والحكم في نفس الوقت، أو القول بأن القاعدة القانونية تستمد مصدر وجودها من مصدر الهي وهذا مخالف للدستور نفسه ويتعارض أيضا مع النظام القانوني المغربي القائم على ليبرالية الحكم وما يترتب عنه من إيمان بالشرعية الشكلية وسمو الدستور وعدم تصور وجود أية قاعدة تعلو على القواعد الدستورية، ومبادئ مشروعية عليا وقيم أسمى من تلك الواردة في الوثيقة الدستورية.

حيث الدولة هي التي تختص وحدها بوضع القواعد القانونية، بناءا على قواعد شكلية معروفة سلفا.

أضف إلى ذلك أن المشرع المغربي لو أراد جعل الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع “لألزم السلطة التشريعية نفسها بالخضوع لأحكامها، ولجعل من الفقه الإسلامي ناقدا ومراقبا لشرعية القوانين، ولأنشأ هيئة ما لها سلطة إيقاف العمل بالنصوص التي ترى عدم مطابقتها لأحكامها. ولو أراد ذلك لقال “أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للقواعد القانونية”، فتكتسب القاعدة الإسلامية صفتها القانونية حينئذ من مجرد وجودها في الشريعة الإسلامية[29]

والحال أن النظام المغربي غداة الاستقلال، وغداة قرار المغربة والتوحيد الذي ثم العمل به في الستينات لم يتبنى القضاء الشرعي، الذي يمثل امتداد للقضاء المغربي لما قبل الحماية، بل تبنى المحاكم العصرية لان احتياجات العاهل السياسية – كما يقول بادى – تفرض ضرورة امتلاك قانون وطني موحد في المجتمعات التي يهيمن عليها نظام معياري خصوصي؛ تستلزم استعارة قوانين أجنبية تتسم بشرعة الحداثة والوحدة[30] .

لذلك فإن القوانين المغربية هي من أصل أوربي بل وفرنسي سواء في عباراتهما أو مفاهيمهما[31] .

لذلك فإن تأويل المحكمة الإدارية لا يستقيم مع المفاهيم الأصولية في فهم القانون ولا مع طبيعة النصوص الدستورية. ولا مع اختيارات النظام.

ولكن ما هو التأويل الذي يمكن أن يعطى للفصل السادس من الدستور، إن وجود هذا النص في الدستور المغربي يعبر عن حقيقة واقعية باعتبار أن الإسلام هو دين الأغلبية الساحقة من مواطنيها،.

كما يمكن أن يفهم منه رفض المغرب للفلسفة الإلحادية التي تزحف على العالم في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية مع الانتشار السريع للمذهب الماركسي بأسسه المادية المعروفة[32].

الذي أعلن النظام رفضها حتى قبل وضع الدستور وأيضا رفض المضامين العلمانية الائكية للمرجعية الغربية وخاصة في مجال الأسرة التي تعتبر بحق الشريعة الإسلامية المصدر الأساس لها[33] وهذا ما يفسر تحفظ المغرب على بعض مواد الاتفاقيات الدولة التي رأى فيها تعارضا مع أحكام الشريعة الإسلامية[34] .

كما أن المغرب لن يقبل بأي حال من الأحوال أن يغير المغاربة المسلمين دينهم واعتناق ديانات أخرى[35] .

مع حرصها على ضمان ممارسة غير المسلمين لشعائرهم الدينية، فالمشرع الدستوري لم يضمن حرية الاعتقاد فحسب بل حرية ممارسة الاعتقاد، لأن الحرية الدنية ليس فقط هي حرية اعتقاد أي دين يختاره الشخص ولكن حرية ممارسة هذا الدين الذي يتأسس أساسا على حرية الثقافة[36] .

وهذا لا يعني أن القاضي الإداري المغربي ليس حيادي اتجاه الدين مثل نظيره الفرنسي، هذا الأخير الذي خلق كقاضي علماني[37] منذ إنشاء المحاكم الإدارية الفرنسية[38] – يدافع عن مبدأ العلمانية .

بل على العكس من ذلك يمكن أن يتخذ مبادئ الدين الإسلامي مرجعية مكملة له في حالة عدم كفاية النصوص القانونية أو غموضها.

أما موقع الشريعة الإسلامية في النظام القانوني[39] المغربي فإنها لا تعدو أن تكون إلا مصدر تاريخي، ومن تم فعلى المحاكم الإدارية “.. ألا تأخذ تعليلاتها وحيثياتها من القانون الوضعي فقط، بل نشبع كذلك برصيدنا الأول، وهو أصالتنا العربية، الإسلامية، المبنية على الأخلاق الجماعية، والفردية، التي أتى به الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه، ولنزد عليها الاجتهاد كذلك” .

غير أن رجوع القاضي الإداري للمرجعية الإسلامية في اعتقادنا مشروط بعدم وجود نصوص قانونية في القانون الوضعي؛ دستورية، تشريعية، وتنظيمية..، تتعارض مع الحالة المعروضة عليه، وفي حالة ذلك فإن الأولوية في التطبيق تعطى للقاعدة القانونية الوضعية، بمعنى أن المرجعية الإسلامية هي مكملة فقط للمرجعيات المكتوبة شأنها شأن المبادئ العامة للقانون.

وذلك في اتجاه يخدم حقوق وحريات المواطنين كما فعلت المحكمة الإدارية بفاس بقولها: وحيث أنه بالرجوع إلى الشرع الإسلامي.

بسوي بين الرجل والمرأة في حق التعليم وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم من طبق هذا المبدأ” . حيث أن القاضي عضد المرجعية الدستورية بالمرجعية الإسلامية.

ونفس التوجه كرسته المحكمة الإدارية لأكادير” حيث أنه في جميع الأحوال، فإن حق التعليم حق دستوري أساسي لا ينبغي أن يطاله أي تضييق .. انسجاما مع قيمنا الثقافية التي تجعل من طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة “كما جاء في الحديث الشريف وتأمر بالاستزادة منه” وقل ربي زدني علما “كما جاء في الكتاب العزيز. واعتمادا على هذه المقتضيات ألغت المحكمة القرار الصادر عن” قيدوم كلية الشريعة بآيت ملول التابعة لجامعة القرويين بفاس، القاضي برفض الطاعن مواصلة تعليمه العالي .

لذلك فإن الأحكام الخاصة بالإسلام الواردة في الدستور هي أكثر من مرجع رمزي، بل يمكن الاعتماد عليها من قبل القاضي الإداري في اتجاه يخدم الحقوق والحريات. عوض استعمالها لتبرير السلطة المطلقة للحاكم.

[1]- مولاي ادريس الحلابي الكتاني ” الضمانات القضائية لحماية حقوق وحريات الأفراد”، م.م.اد.م.ت ن عدد 18 (سلسلة مواضيع الساعة)، 199.

[2]-Arlette HEYMANN-DOAT, liberté publique et droit de l’homme, 3 édition, LG.D.J 1994 P219.

[3]-Hassan Ouazzani Chahidi ” le juge administratif et droit de h’homme ” In RMALD N° 47/2004.

[4]- في الواقع اعتمد مجلس الدولة الفرنسي على المبادئ العامة للقانون قبل هذا، ففي قرار Raubeau الصادر في 9 ماي 1913 اعتبر مجلس الدولة أن “المساواة أمام القانون” لا يتضمن فقط في إعلان حقوق الإنسان فحسب ولكن لأنه مبدأ من المبدئ العامة للقانون غير المكتوبة،
– Jacques Robert, Jean Duffar – Droits de l’homme.. op.cit P : 105.

[5]- قبل أن يأخذها عنه المجلس الدستوري الذي أكد وجود مبادئ عامة للقانون كما وردت في اجتهاد مجلس الدولة، أي مبادئ لا يستطيع سوى المشرع مخالفتها، غير أن المجلس الدستوري استعادها لنفسه للارتقاء بها إلى المصاف الدستوري وفرض احترامها على المشرع ذاته، غير أنه يجب التميز بين المبادئ العامة ذات القيمة الدستورية عن المبادئ” الأساسية التي تعترف بها قوانين الجمهورية” هذه الأخيرة أكدتها علنا مقدمة دستور 1946 وبعدها دستور 1958 دون أن تشير إلى قائمتها وإلى أي من الجمهوريات الصادرة عنها، حيث أن لها إسناد دستور صريح مما يفيد أنه يترك للقاضي دور محدود عمليا.

[6]- إلفيه دوهاميل، إيف ميني، المعجم الدستوري ترجمة منصور القاضي، مراجعة العميد د.زهير، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع بيروت الحمراء، شكر الطبعة الأولى 1416/1996 ص: 953.

[7]– المرجع السابق ..ص 954.

[8]- فرغم أن مبدأ احترام حقوق الدفاع من المبادئ العامة التي اكتشفها القاضي الإداري، فإن مرسوم 28/11/1983 نص على ضرورة احترام هذا الحق: Arlette HEYMANN-DOAT, liberté publiques … op.cit P219.

[9]- التي ينص عليها الفصل الرابع من القانون المدني الفرنسي.
[10]- مولاي إدرس الحلابي الكتاني “الضمانات القضائية….” م.س ص 66.

[11]- ربما هذا التدبير هو ما يفسر عجز المشرع حتى الآن إلى إصدار قانون ينظم حق الإضراب، رغم تنصيص الدساتير المغربية على هذا الحق وترك سلطة التنظيم إلى المشرع.

[12]- إيف ميني إليفيه، المعجم الدستوري. مس ص 955.
[13]- إيف ميني دو هاميل، المعجم الدستوري. مس ص 955.
[14]- حول دور القاضي في إنشاء القانون (القاضي المشرع) في الأنطمة القانونية والدستورية الغربية أنظر:

– Mauro Cappelletti Le Pouvoir des juges : articles choisis de droit judiciaire et contitutionnel comparé; trad. Par René David; préf. De louis Favoreu.- Paris : Economica, 1990 .- 397 p : couv. ill.; 24 cm : 32/67

[15]- حول الاختلافات الأساسية بين المشرع والقاضي أنظر :

– Mauro Cappelletti Le Pouvoir des juges. p 67

[16]-Hélène PAULIAT ” le rôle des juridictions administratives français ” In : justice et démocratie : actes du colloque (3es) Entretiens d’Aguesseau organisé à limoges les 21-22 novembre 2002 / textes réunis par Simone Gaboriau, Hélène Pauliat; préf. Guy Canivet; postf. Loïc Cadiet. – Limoges : Presses universitaires de limoges, 2003.- 535 p.; 24 cm, p 428.

[17]- ونستحضر هنا المواجهة بين مجلس الدولة ورئيس الجمهورية الفرنسية ديغول في الستينات؛ فاستنادا إلى مبدأ احترام حقوق الدفاع وضماناته الأساسية ألغى مجلس الدولة أمرا في أول يونيو 1962 الذي أنشأ محكمة عسكرية لمحاكمة الفاعلين الأصليين والشركاء في جرائم محددة تتصل =بأحداث الجزائر وتشكلت المحكمة وحكمت بالإعدام على canal أحد قادة منطمة الجيش السري، طعن هذا الأخير في الأمر الصادر في أول يونيو على أنشأ هذه المحكمة وعندما عرض الأمر على مجلس الدولة وجد المجلس أن المادة العاشرة منه تنص لا يقبل أي طعن هذا الأخير في الأمر للمحكمة العسكرية أو قرار لرئيسها؟ أو قرار من النيابة العامة ، وتطبيقا لذلك فلا أحد يمكن أن يسجل مثل هذا الطعن – ويبعث به إلى الجهة المرسل إليها.

وقد تبين للمجلس أن تنظيم هذه المحكمة لا يجب أن ينطوي على إخلال بحقوق الدفاع وضماناته الأساسية، لكن الأمر الذي أنشأها انتهك هذه المقتضيات، فمثل هذه المحكمة – حسب رأي المجلس – كان يجب أن يسمح بالطعن في أحكامها عن طريق الطعن بالنقض على الأقل أمام محكمة النقض، وأنتهي مجلس الدولة بعد ذلك إلى إلغاء مثل هذا الأمر الذي صدر بإنشاء هذه المحكمة.

وبهذا الحكم فقدت الحكومة ورئيس الجمهورية أهم سلاح ضد خصومها الرافضين للاستقلال الجزائر. إلا أن رئيس الجمهورية أصدر قرارا بتخفيف عقوبة الإعدام الذي أصدرته المحكمة على السيد canal ، في إشارة إلى أن حكم المحكمة العسكرية مازال قائما وكأن المحكمة لم تلغ، وفي إشارة أيضا إلى تجاوز حكم مجلس الدولة.

وفي إطار شذ الحبل بين مجلس الدولة والحكومة استصدرت هذه الأخيرة من البرلمان قانونا يعتبر جميع الأوامر ordonnances التي أصدرها الرئيس طبقا للقانون في 13 / 04 / 1962 نافدة ولها قوة القانون من صدورها أنه نوع من التشريع التفسيري والذي يفسر القانون فهو ذو أثر رجعي بطبيعته

.Histoire de droit administratif française
[18]-Mohammed ELYAYGOUBI ” la protection des droits du citoyen dans les procédures au Maroc ” In; .REMALD, N° 18, 1999 pp : 127/148.

[19]– في الموضوع انظر محمد معتصم النظام السياسي الدستوري المغربي … ص 15.
[20]- نفسه ص 84 .
[21]- حكم مزرعة عبد العزيز
[22]- أنظر قرار مزرعة عبد العزيز
[23]- معتصم ص 71.
[24]- معتصم ص 74.
[25]- بادي :الدولة المستوردة … ص 196
[26]- أول من استعمل هذا الاصطلاح هو …. حيث كان الهدف إعطاء الأولوية والامتيازات إلى الدين الكاثوليكي على حساب الأديان الأخرى، وطلت هذه الصياغة مرتبطة بالدولة الفرنسية إلى بعد الثورة، وبالضبط قانون 9 ديسمبر 1905 الذي ساوى بين الأديان
أنظر : “L’Etat ne donne sa préférence a aucune religion”
[27]- حكم المحكمة الإدارية لفاس عدد 925/96 بتاريخ 17/7/1996 منشور في المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 22 يناير/مارس 1998 ص 119.

[28]– نصت كثير من الدساتير العربية صراحة في دساتيرها على أن “مبادئ الإسلام مصدر رئيسي للتشريع” وهو ما جاء في المادة السابعة من دستور الإمارات العربية المتحدة، والمادة الثانية من =الدستور المصري “الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية،

ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع “بل أن هناك من وضع المبادئ القرآنية كإطار عام لأنظمتها الأساسية كالمادة الأولى من النظام الأساسي للمملكة العربية السعودية الصادر عام 1992 على أن المملكة العربية السعودية “دولة عربية إسلامية، دينها الإسلام ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم” وأضافت المادة السابعة منه “يستمد الحكم سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله.. وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة” وهم ما زكته المادة الثامن بقولها “يقوم الحكم في المملكة على أساس العدل والشورى والمساواة وفق أحكام الشريعة الإسلامية”.

وجاء في المادة الرابعة من الدستور الإيراني “القوانين والمقررات قائمة على أساس الموازين الإسلامية، وهذه المادة حاكمة على إطلاق كافة مواد الدستور والقوانين والمقررات الأخرى..”. ومثل هذا الموقع لا تحتله أحكام الشريعة الإسلامية في النظام القانوني المغربي، في المقابل لم تصل الخ الفصل بين الدين والدولة كما فعلت بعض الدول كتركيا، والسينغال الكاميرون، وتشاد..

André G.GABANIS; et Michel louis Martin; “droit et libertés en Afrique Francophone : perspectives constitutionnelles contemporaines” In pouvoir et libertés ..op.cit p.p : 319342.

[29]- رفضت المحكمة الإدارية العليا في مصر حكم المحكمة الإدارية في المنصورة أسسته على قواعد الشريعة الإسلامية الذي تتلخص وقائعه فيما يلي “.. أقام المدعوون دعواهم أمام محكمة القضاء الإداري في المنصورة يطالبون فيها بالحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه من إلغاء التراخيص التي كانت ممنوحة لهم، وقف نشاطهم في بيع الخمور “وقضت برفض القرار وأسست حكمها على أسباب عديدة من أهمها” أن القرار المطعون فيه صدر تطبيقا صريحا لأحكام التشريع الوضعي،

وجاء كذلك مطابقا لمبادئ الشريعة الإسلامية؛ فقد نصت المادة الثانية من الدستور ” على أن الإسلام دين الدولة؛ وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، والثابت أن الخمر من الكبائر التي حرمها الإسلام بأدلة قطيعة ونصوص صريحة في القرآن والسنة؟، ولما كانت الشريعة الإسلامية بنص الدستور هي المصدر الرئيسي للتشريع وأنه من الخطأ القول وساقطة الزعم بأنه لا يتأتى إعمال حكم المادة الثانية من الدستور إلا بإصدار قوانين وضعية تتفق وأحكام الشريعة الإسلامية لأن مؤدى ذلك أن تصبح مشيئة الخالق وتطبيق شريعته رهين بمشيئة المخلوق وإرادته، وهو قول لم يقل به ولا يسوغ أن يقول به أحد، وبذلك يكون القرار المطعون فيه قد قام على سند من صحيح القانون متفقا مع أحكام الدستور وصدر قبل هذا وذاك على أساس سلطان بين من مبادئ الشريعة الإسلامية الغراء”

ثم الطعن على الحكم من المدعيين وأصدرت المحكمة الإدارية العليا حكما بإلغاء الحكم الصادر من محكم القضاء الإداري، وإلغاء القرار الطعين الأمر الذي يوضح أنها تبنت وجهة نظر مغارة تماما لتلك التي اقتنعت بها محكمة القضاء الإدارية ومن أهم ما استندت عليه المحكمة العليا “..

لقد استقر الرأي على أن نص المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن ط مبادئ الشريعة =الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع” هي توجيه الخطاب إلى السلطة التشريعية فهي التي تتولى ممارسة التشريع طبقا لنصوص الدستور، أما القضاء فيعمل على تطبيق ما تصدره السلطة التشريعية من قوانين ومن ثم فلا محل للقول بأن القرار المطعون فيه جاء متفقا مع أحكام الشريعة الإسلامية ومع أحكام الدستور، الأمر الذي يظهره من عيب مخالفة القانون الوضعي ويلبسه توب المشروعية ويعصمه من الإلغاء”.

حوار الموضوع انظر: أحمد جاد منصور “الحماية القضائية لحقوق الإنسان، دار أبو المجد للطباعة 1997 ص 320/323 .

كما رفضت المحكمة الدستورية العليا في مصر إلغاء حكم الربا بالقانون المدني؛بحجة أنه اسبق من الدستور من حيث الإصدار فقضت بأنه:

لما كان مبنى الطعن مخالفة المادة 2287 من القانون المدني للمادة الثانية من الدستور تأسيسا على أن الفوائد التي أجازت تلك المادة الاتفاق عليها من الربا المحرم شرعا طبقا لمبادئ الشريعة الإسلامية التي جعلتها المادة من الدستور المصري “المصدر الرئيسي للتشريع، وإذا كان المقرر بمقتضى هذه المادة بعد تعديلها بتاريخ 22/05/1980 والمتضمن إلزام المشرع بعدم مخالفة مبادئ الشريعة الإسلامية لا يتأتى إعماله بالنسبة للتشريعات السابقة عليه، ولما كانت المادة 227 من القانون المدني الصادر سنة 1948 لم يلحقها أي تعديل بعد التاريخ المشار إليه ومن ثم النعي عليها – وحالتها هذه – بمخالفة حكم المادة من الدستور – وأيا كان وجه الرأي في تعارضها مع مبادئ الشريعة الإسلامية – يكون في غير محله؛ الأمر الذي يتعين معه الحكم برفض الدعوى في هذا الشق”

وقد اتخذت المحكمة الدستورية العليا في الإمارات العربية المتحدة نفس الموقف من قبل بالنسبة للمادتين 61، 62 من قانون الإجراءات المدنية لإمارة أبو ظبي “اللتين أجازتا الحكم بالفائدة وذلك استنادا إلى قانون الإجراءات المدنية رقم 3 لسنة 1970 كان معمولا به قبل نفاد الدستور في 2/12/1971 وما زالت أحكامه قائمة ولم تعدل أو تلغ؛ مما يجعله دستوريا ويتعين احترام أحكامه تطبيقا لنص المادة 148 من الدستور
أنظر ماجد راغب الحلو، النظم الدستورية والقانون الدستوري1، الناشر؛ المعرف بالإسكندرية لطبعة الأولى 2005 ص: 17

[30]- مبادئ الدولة المستوردة .مس ص 172
[31]- المرجع السابق ص 172
[32]– فقد أعلن الملك محمد الخامس في خطاب العرش ل 18/11/1959 “أن المذاهب المادية التي تتناقض مع الأيمان الأخلاقية ومع بنياننا الاجتماعية وثقافتنا في المغرب لا يمكن أن تجد مكانها فالإسلام بفضل روحه العادلة يكفينا..” وعلى هذا الخطاب استندت محكمة الاستيناف بالرباط لتقضي بحل الحزب الشيوعي لان “المركسية متناقضة مع المعتقدات الدينية، ومع تقاليد الدولة المغربية المتشبتة بالدين الإسلامي” وذلك بتاريخ 9/11/1959، مما يفيد أن رفض هذه الفلسفة قناعة لدى واضعي الدستور المغربي قبل تكريسها في الوثيقة الدستورية.

[33]- في كثير من خطاباته أكد الراحل الحسن الثاني أكثر من مرة أنه “… يستحيل علينا في التطبيق أن نسير ضد التعاليم الدينية والأحاديث النبوية والسنة النبوية التي شرعها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته اليومية” كما جاء في خطابه عند الاجتماع مع ممثلي الحركات النسوية المغربية في 29/09/1992 أنظر نص الخطاب وخطابات أخرى في: القانون والقضاء في الخطاب الملكي 1959/1996، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 16 / 1997

[34]- من بين التحفظات التي أبداها المغرب هو تحفظه على المادة 16 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التميز ضد المرأة التي صادق عليها سنة 1993 تحت مبرر تعارضها مع أحكام الشريعة الإسلامية وخاصة ما يتعلق بمساواة المرأة والرجل في الحقوق والواجبات أتناء الزواج، لأن أحكام الشريعة الإسلامية تلزم الزوج بأداء الصداق، وبإعالة أسرته، في حين أن المرأة ليست ملزمة بهذا المقتضى الأخير.

أبدى المغرب كثير من التحفظات على تحت مبرر تعارضها مع الشريعة الإسلامية، ومن البنود التي تحفظ عليها الفقرة الثانية من المادة 9 تحت ذريعة “أن القانون المغربي لا يسمح أن يأخذ الولد جنسية أمه إلا إذا ولد من أب مجهول” ويبدو أن الفصل السادس من قانون الجنسية الجديد أعطى أخيرا هذا الحق للأبناء المزدادين من أم مغربية حتى لو كان الوالد معروفا.
[35]- في هذا الإطار أدانت محكمة الاستيناف بالدار البيضاء مواطنا مغربيا ارتد واعتنق المسيحية؛ بثلاث سنوات سجنا.

[36]-Eléments de droit public / Maurice Duverger. – Paris : Presses universitaires de France, 1983. – 442 p .17 cm p : 178

[37]- Geneviève KOUBI “le juge administrative et la liberté de religion” In, r.f.d.a N° 6 Novembre/décembre 2003 p: 1055

[38]- وذلك بمرسوم قانون 30/09/1953، أو بشكل أكثر دقة قاضي حيادي اتجاه الدين، الشيء الذي يتوافق مع النظام السياسي الفرنسي الذي أرسى علمانية النظام من خلال مجموعة من النصوص التي يتخذها القاضي الإداري الفرنسي كمرجعية له وخاصة؛ الفصل الأول من الدستور الذي يكرس علمانية الدولة، والفصل 10 من إعلان حقوق الإنسان والمواطن ل: 20 غشت 1789 إضافة إلى الفصل الأول من قانون 9 ديسمبر 1905 المتعلق بالفصل بين الكنيسة والدولة، والاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية .